الجهوية المتقدمة خطوة نحو جهوية موسعة:
الإطار النظري للجهوية
شرفي سيدي محمد
دكتور في القانون العام
ان انخراط المغرب منذ الثمانينات في مسلسل الإصلاح المؤسساتي للنظام اللامركزي تعزز بالجهوية المتقدمة والانتخابات المحلية ل 2015 ، حيث أن الإصلاح المؤسساتي لنظام اللامركزي المغربي أضحى ضروريا، إصلاح يتطلع إلى مؤسسات ديمقراطية فعالة تسعى في النهوض بالمهام التنموية والخروج من أزمة التسيير العمومي للشأن المحلي التي ظلت قائمة لعدة عقود منذ الاستقلال، فالمغرب يسعى بتوجهاته إلى الخروج من مرحلة الجهوية المغلقة والتوجه صوب مرحلة سياسية جديدة بجهوية متقدمة، والتي تعد شكل من أشكال المصالحة مع المجال، وإقامة نوع من التوازن بين المغرب النافع والمغرب الغير النافع، على اعتبار أن هذه الجهوية تشكل إمكانات كبرى لتعميم التنمية والتوزيع العادل للثروة، تستوعب الخصوصيات المتنوعة في إطار التضامن بين الجهات.
إن مفهوم الجهوية المتقدمة الذي نادى بعه جلالة الملك محمد السادس، أخذ صبغته النهائية كواقعة قانونية دستورية بمراجعة الدستور لسنة 2011م، وأصبح جاهزا للتطبيق على أرض الواقع، وفضلا عن كونها ترتبط بالبناء الديمقراطي وتوسيع دائرة الديمقراطية، تشكل حلقة وسطى ومرحلة انتقالية لتنفيذ مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية على أرض الواقع، وذلك لتلافي كل الإشكالات التي من شأنها أن تحول هذه المبادرة إلى أهداف بعيدة عن المرتقب منها.
وجاء التصور العام للجهوية ليحدد جوانب مختلفة: سياسية، اقتصادية، تاريخية، وثقافية، إثنية، إدارية وداخلية، لكل جهة أو مجموعة من المجموعات التي تطالب بالاعتراف بهويتها، بل يتعدى الأمر ذلك إلى لعب أدوار لجهات خارجية، ويرجع سبب هذا التداخل في المواقف الداخلية والأدوار الخارجية حول مفهوم الجهوية المتقدمة إلى تباين أوضاع الدول نفسها، وقوة الضغوطات التي تمارس عليها، والإكراهات التي تعين تحت وطأتها داخلياً وخارجيا ،
إن دراسة الطبيعة القانونية لنظام اللامركزية الموسعة في إطار الدولة الموحدة يهدف إلى معرفة الوضع أو الموقع القانوني للامركزية في الإطار التنظيمي للدولة، هل هو يقع ضمن نطاق اللامركزية الإدارية أم اللامركزية السياسية؟ أم هو نظام قانوني خاص، قائم بذاته، لا يندرج تحت أي من التنظيمات المعهودة للدولة الموحدة؟ أم أنه نظام حديث لا يزال يتأرجح بين نظام الدولة الموحدة وبين نظام الدولة الاتحادية، دون أن يكون له شخصية قانونية ثابتة ؟
وسيتم معرفة ذلك من خلال البحث عن الفرق والاختلاف بين اللامركزية الموسعة واللامركزية السياسية من جهة، وبينها وبين اللامركزية الإدارية من جهة أخرى، وكذلك معرفة النماذج المختلفة ومقومات للامركزية الموسعة التي ظهرت خلال القرن العشرين، بالإضافة إلى مناقشة الأنواع التي يمكن إدراجها ضمن نطاق اللامركزية الموسعة والتي ظهرت أولاً، ثم الخروج برؤية للامركزية الموسعة والمرتكزات التي تقوم عليها ثانياً وفق خلاصات البحت الأكاديمي المستنتجة من أطروحة الدكتوراه التي نوقشت في رحاب كلية الحقوق عين الشوق بالدار البيضاء ، وذلك من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: اللامركزية الموسعة.
المطلب الثاني: الجهوية الموسعة: الأسس والمرتكزات.
المطلب الأول: اللامركزية الموسعة
إن الفقه سواء الإداري أو الدستوري لم يعط رأياً واضحاً في موضوع اللامركزية الموسعة، ولم يحدد مفهومها وعناصرها وطبيعتها، فهي لم تصل بعد إلى مرتبة النظرية القانونية المتكاملة، فقد ظهرت نماذج مختلفة منها، قد تتشابه فيما بينها إلى حد كبير وقد تختلف من نموذج إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، وسوف نحاول توضيحها من خلال الإطلاع على أكثر المفاهيم قرباً لدراستنا في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: الجهوية السياسية
الفرع الثاني: الحكم الذاتي والحكم المحلي
الفرع الأول: الجهوية السياسية
الجهوية هي بناء قانوني وصيرورة لم تكتمل بعد، إلا أنه يمكن القول أنها تحتل مكانة مهمة في الخطاب السياسي كوسيلة متحضرة لتسيير الشؤون العامة بطريقة ديمقراطية عن طريق مشاركة المحيط في اتخاذ القرار الجهوي والوطني، تخفيفاً من ظاهرة مركزية القرار العمومي الذي هو أحد عوائق التنمية المحلية .
وارتبطت الجهوية بالمجتمع الرأسمالي الغربي وما شهده من تحولات معرفية وفلسفية واجتماعية وحضارية أدت إلى بروز مشاكل معاصرة وحاجات جديدة طرحت الجهوية كخيار تدبيري للمجتمع في اختلافه وتعدده، سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أو المستوى الإثني العرقي اللغوي، وقبل التطرق إلى الجهوية السياسية كنوع من أنواع الجهوية (الفرع الثاني)، يجب علينا معرفة التأصيل النظري للجهوية (الفرع الأول).
الفقرة الأولى: التأصيل النظري للجهوية.
إن الأجدر بنا، ونحن نتحدث عن تجارب الجهوية بشكل عام والتجربة المغربية بشكل خاص، أن نحدد مفهوم الجهة كإطار للتنمية. وكمستوى ضروري لطرح البعد المجالي للقضايا المعاصرة، إذ أن مفهوم الجهوية يتحدد ابتداء من المنطلقات التي تؤطر هذا البعد المجالي، وانطلاقا كذلك من الدوافع الكامنة وراء هذا البديل الاستراتيجي في مسار اللامركزية والمركزية أيضا، فالجهوية بمعناها الاقتصادي ليست الجهوية بمعناها السياسي، والجهوية بعد الحرب العالمية الثانية، ليست هي الجهوية بعد انتهاء الحرب (التي تميزت بكونها مرحلة الخطاب الجهوي الإيديولوجي- النزعة الهويةle régionalisme )، إن صعوبة إعطاء تعريف موحد للجهوية نابع بالأساس من هذا الاختلاط التاريخي في الغاية ، ومن اختلاف شكل اللامركزية المتبعة والتي لاتخرج عن الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية من بلد لآخر من فترة تاريخية لأخرى، بالإضافة إلى كل هذا فإن مفهوم الجهوية يصطدم بكون الجهوية هي مسار يتطور ويتجدد باستمرار حتى داخل التجربة الواحدة المرتبطة ببلد ما، (العناصر الاقتصادية والاثنية والعرفية والاجتماعية والسياسية كلها تتدخل في الجهوية) .
إن الجهوية تكتسي دوراً فاعلاً في تجاوز قصور اللامركزية والدور الكلاسيكي للجماعات التقليدية الأخرى التي لم يعد بإمكانها التصدي للقضايا الكبرى المعاصرة ( الفقرة الأولى).
والجهوية كآلية تدبيرية ارتبطت بالمد الديمقراطي الذي عرفته أوروبا خلال القرون السابقة، وما تلا ذلك من اعتراف رسمي بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجماعات والأفراد والجهات، إذ أصبحت الجهة المجال الأنسب لتصريف الصراعات السياسية والثقافية من جهة، والفضاء الجدير بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية (الفقرة الثانيةً).
أولا: الجهة والجهوية
يعتبر مفهوم الجهة من المصطلحات السياسية والإدارية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن 19، ارتبط ظهوره بمفهوم الديمقراطية في الدول ذات النظام الليبرالي، وتعني كلمة الجهة من الناحية اللغوية، ناحية من النواحي، أي جزء من الكل، وهي بهذا تعني الضاحية أو المجال المحيط بمركز معين (Centre et Périphérie)، وهكذا يمكن التمييز بين الناحية والجهة التي قد تضم مراكز عدة بضواحيها المتنوعة.
والجهة هي الموضع الذي نتوجه إليه ونقصده ، وتختلف الجهة عن المنطقة التي هي رقعة ترابية معينة مشخصة ثقافياً أو سياسياً أو عسكرياً أو غيره، وعن الناحية التي تطلق على اتجاه قطبي جغرافي غير محدد ترابيا، وعن الجهوية التي تعبر عن توجه سياسي اقتصادي ثقافي معين
من هنا تأتي أهمية التمييز بين النزعة الجهوية régionalisme التي لها مدلول مجموعات متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية، والجهوية régionalisation بمفهومها الحديث الذي يعني مجموعة منسجمة تهدف إلى تكامل اقتصادي إداري تنموي.
وقد عرفت لجنة الشؤون الجهوية للمجلس الأوروبي للجهات: «بالوحدات التي تتموقع تحت مستوى الدولة المركزية، وتتمتع بتمثيلية سياسية مضمونة بوجود مجلس جهوي منتخب» ، ولعل هذا التعريف يتماشى مع ما ذهب إليه المشرع المغربي في المادة الأولى من القانون 96- 74 المتعلق بالجهات بكونها جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
وعموما، فإنه إلى حد الآن، لم يتم وضع تعريف موحد للجهة نظرا لاختلاف المنطلقات والتصورات والفلسفات التي تطرقت لموضوع الجهة والجهوية ، باعتبار أن الجهوية كبناء قانوني وسياسي وإداري لم تكتمل بعد ملامحه النهائية، غير أنه لا أحد يجادل في كون الجهوية وسيلة حضارية لتدبير القضايا العامة بأساليب ديمقراطية وشفافة بواسطة مشاركة السكان في عملية اتخاذ القرار الجهوي، واحترام حقهم في التناوب على السلطة.
ثانيا: الجذور النظرية للجهوية
إن مفهوم الجهوية من المفاهيم التي طبعت تطور الفكر السياسي بالعالم الرأسمالي الذي أفرزته التحولات التي شهدتها أوربا مع فكر النهضة وعصر الأنوار، تلك التحولات تعتبر الأساس المرجعي للنظام الجهوي كنمط عقلاني لتدبير الاختلاف بين مكونات المجتمع الواحد، وكآلية لدمقرطة المؤسسات السياسية والاقتصادية، وبهذا المعنى فإن الجهوية انبثقت من مجموع التحولات المعرفية والسياسية والاجتماعية والحضارية التي شهدتها أوربا، والتي أدت إلى تأسيس دولة وطنية كانت بمثابة تتويج تاريخي للمشروع أو المد البورجوازي الذي قادته البرجوازية الغربية بكل فصائلها، والذي كان بمثابة البديل الحضارية والاجتماعي والسياسي والفكري للنظام الإقطاعي المتداعي .
غير أن مبررات تشكيل الدولة الوطنية لم تكن تسمح إلا بوجود دولة مركزية شمولية محددة من حيث الأهداف وموحدة من حيث التوجهات والمنطلقات، ومع تسارع التحولات الاجتماعية التي شهدتها أوربا والتي انعكست على مختلف الميادين، ظهرت مجموعة من القضايا و المشكلات الجديدة المرتبطة أساسا .
بظاهرة تنامي تقسيم العمل الاجتماعي، وما أفرزه من تخصص وظيفي فرض على كل نطاق أو جماعة أو جهة أن يكون له تخصص معين ومضبوط؛
أن مفاهيم الديمقراطية ومبادئ تكافؤ الفرص الاجتماعية أفقيا بين جهات ومناطق ومجالات المجتمع، وعمودياً بين مختلف أفراد المجتمع وطبقاته وشرائحه، فرضت على الجهة أن تمتلك حقها في ممارسة الاختلاف والتميز في حاجاتها وأولوياتها واهتماماتها؛
تبلور المفاهيم المرتبطة بالتنظيم العقلاني للمجتمع التي ترتكز على إسناد المهام والوظائف والمسؤوليات ــ سواء بالنسبة للأفراد والمؤسسات أو الجهات ــ على الكفاءات والخبرات لا على أساس علاقات القرابة والزبونية أو غيرها من الاعتبارات اللاعقلانية.
أمام تلك التحولات العميقة، جاءت الجهوية كإطار اجتماعي وسياسي لمعالجة عمق الاختلالات، والفوارق الجهوية التي تظهر على مستوى توزيع السكان، وتوزيع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات المختلفة، وكذا توزيع التجهيزات الأساسية، وما يستدعي ذلك من ضرورة فسح المجال أمام الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمساهمة في التخطيط والبناء الديمقراطي للتنمية .
لقد عرف مفهوم الجهوية عدة تحولات وتغيرات ارتبطت بتطور الفكر السياسي والإيديولوجي وبالعوامل التاريخية والثقافية لكل دولة على حده منذ تبلور المفهوم لأول مرة في عام 1874م في جنوب فرنسا على شكل اتجاهات أدبية ، ثم تطور المفهوم ليأخذ شكل التخطيط للتنمية (Planification)، إذ تبلور المفهوم كوسيلة لصناعة توافق بين المجتمع المدني بكل فعالياته ومؤسساته وجهاته، وبين ا لدولة الوطنية كمؤطر للمشروع المجتمعي المتوافق حول معالمه الكبرى، فيما تركز الاهتمام أكثر بعد الحرب العالمية الثانية على مجال التنمية الجهوية باعتبار الجهة تلعب أدوارا حاسمة في تطوير الدولة وإنقاذها من الانهيار سياسياً بتوسيع دائرة المشاركة السياسية، واقتصاديا واجتماعيا بالعمل على تحقيق تنمية متوازية ومنسجمة .
إن الجهوية بصفة عامة لها مدلولان، الأول يعني (Régionalisme) ويعني مجموعات متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية، حيث تعبر عن فكرة سياسية سرعان ما تتحول إلى اتجاه سياسي، أما المدلول الثاني (Régionalisation) فهو محدود في إطار المجال الإداري والاقتصادي بالرغم من كون الجماعة المحلية بشكل عام تساهم في تسييس المواطنين فغالبا ما تفهم الجهوية على أنها نتيجة لتوزيع إداري لأنشطة الدولة على المستوى الجهوي .
وبذلك فإن الجهوية تنقسم إلى ثلاثة أنواع استناداً إلى الإطار القانوني الذي تستمد منه وجودها، ويرى كثيرون أن هناك أربعة أنواع وهي كالتالي:
الجهوية الوظيفية: إن الأساس الشرعي لهذا النوع من الجهوية هو (الوظيفة) المراد إنجازها، والجهة في إطار هذا النوع ما هي إلا مجالاً ترابياً لتسيير مهمة محددة من مهام الدولة ولا تتطلب بالتالي وجود ذاتية مستقلة ولا شخصية قانونية متميزة.
الجهوية الإدارية: وتنقسم إلى نوعين هما:
الجهوية الإدارية اللامركزية: وفي إطارها تتمتع الجهة باستقلال إداري يتمثل في وجود إدارة منتخبة، وموارد بشرية ومالية، اختصاصات محددة بواسطة قوانين عادية.
الجهوية الإدارية مع عدم التركيز: تتوفر الجهة هنا على إدارة وموارد بشرية ومالية ولها اختصاصات محددة، غير أن الجهة تكون مسيرة من طرف ممثلين للسلطة المركزية.
الجهوية الاقتصادية : وتتوفر الجهة هنا على إطاراً جغرافياً مناسباً لإعداد المخططات التنموية، كما تشكل إطاراً إدارياً واقتصادياً بامتياز يكون جسراً للتواصل بين الجهات والاقتصادية والإدارة المركزية.
الجهوية السياسية : وتتوفر الجهة على سلطات سياسية مهمة وتحتل مكانة متميزة داخل التنظيم الإداري والسياسي، وتتقاسم الجهة مع السلطة المركزية الوظائف التشريعية والتنفيذية وقواعدها محددة دستورياً.
كما اعتبرت اللجنة الاستشارية للجهوية الجهة “إطار ترابيا للعمل والتدبير”.
وحسب اللجنة هناك عدة مفاهيم للجهوية:
• مفهوم الجهة المتجانسة.
• مفهوم الجهة المستقطبة.
• مفهوم الجهة الاقتصادية المتكاملة.
• مفهوم الجهة المؤسساتية.
إشكالية الدراسة:
تحاول الدراسة الإجابة عن السؤال التالي:
هل المبادئ الدستورية كافية لوحدها لإقرار الجهوية المتقدمة أم هناك حاجة إلى تدابير من خارج الوثيقة الدستورية؟
يتفرع عن هذه الإشكالية السؤالين التاليين:
1- ماهي بعض الإشكاليات التي تثيرها المبادئ الدستورية والقانونية للجهوية المتقدمة في دستور 2011؟
2- ما هي بعض الاليات المواكبة للجهوية المتقدمة من أجل الجهوية؟
سأحاول الاستدلال على هذه الإشكالية من خلال الفرضيات التالية
الفرضية الأولى: ينص الدستور المغربي على مجموعة من المبادئ الدستورية والقانونية للجهوية المتقدمة تثير عدة إشكاليات نظرية وواقعية.
الفرضية الثانية: تفعيل الجهوية المتقدمة يحتاج إلى آليات سياسية وتواصلية من شأنها ضمان المشاركة الفعالة للمواطن المغربي.
وتعد الجهوية السياسية أسمى الأنواع، ووسيلة للحفاظ على وحدة الدولة العصرية، ومن المؤكد أن الجهوية المعمول بها حاليا في المغرب هي جهوية إدارية ولا يمكن أن تشكل حلاً لقضية الصحراء بل لا بد من تطوير الجهوية الإدارية إلى جهوية سياسية تعترف بذاتية المجتمعات المحلية التي قد تكون أقليات سياسية اجتماعية أو عرقية في إطار من التضامن والانسجام الوطنيين .
الفقرة الثانية: مفهوم الجهوية السياسية
يعتبر كثير من الباحثين أن الجهوية السياسية أقصى درجة اللامركزية في إطار الدولة الموحد دون الوصول إلى مستوى الفيدرالية، حيث تتوفر فيها الجهة على نوع من السيادة، وبالتالي فهي وسيلة لتحديث الدولة دون تجزئة سيادتها، إن الجهوية على هذا الشكل تسعى إلى هدفين رئيسين هما تعميق التعددية السياسية والثقافية من جهة والحرص على الاندماج الاجتماعي والتضامن المجتمعي .
والجهوية السياسية أساسها دستوري، وتعد أرقى أنواع الجهوية الحديثة في الدول المتقدمة فهي تمثل سلطة سياسية حقيقية متميزة عن سلطة الدولة، وبذلك فالجهة تعتبر جماعة ديمقراطية مسيرة من طرف أجهزة سياسية منتخبة بطريقة مباشرة، وهي أعلى مرتبة في مستويات اللامركزية الترابية إذ لا تتوفر فقط على اختصاصات إدارية وإنما أيضا لها إختصاصات تشريعية وتنظيمية أصيلة محددة دستورياً، كما تتوفر الجهة في إطار الجهوية السياسية على سلطة تحديد نظامها القانوني وطرق عملها وأجهزتها، وهي تتقاسم مع السلطة المركزية الوظائف السياسية خاصة في الميدان التشريعي والتنظيمي .
وفي هذا الإطار لابد من التمييز بين الجهوية السياسية التي هي أقصى درجة اللامركزية في إطار الدولة الموحدة، وبين الجهوية السياسية في إطار الدولة الفيدرالية التي هي أعلى درجات اللامركزية السياسية، حيث تتوفر الجهة في إطارها على مقوماتها الذاتية، وبالتالي فهي أداة لتحديث الدولة والتخفيف من أعبائها دون المساس بسيادتها أو تجزيئها، فالجهوية من هذا المنظور، تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية هي:
تحقيق الاندماج الاجتماعي والتضامن المجتمعي؛
تعميق ثقافة التعددية السياسية والثقافية؛
تكوين نخب على حسن التدبير والتسيير والحكم.
ويسمى البعض الجهوية السياسية أو مصطلح Régionalisme politique بمسمى الإقليمية السياسية أو نظام المناطق السياسية ورغم هذا التعدد في التسميات إلا أنها تؤدي معنا واحداً، إلا أن ما تقتضي الإشارة إليه هو أن الجهات والأقاليم اعتبرت وسيلة لا أكثر أو إطاراً حديثاً لعمل الدولة الإنمائي ، وقد تشهد وجود مناطق تأخذ طابعا سياسيا إذا ما جمع بين منطقة معينة وتوحد في العادات أو التقاليد وتجانس اجتماعي ولغوي فتظهر بشكل كيان اجتماعي وسياسي متميز، وإذا ما أعطيت سمة قانونية بإضفاء الشخصية المعنوية عليها واستقلالا في تنظيم شؤونها الذاتية بحيث يستطيع سكانها انتخاب مجالس تمثيلية تتمتع بسلطة تقريرية في مجال اختصاصاتها، أمكن أن نتحدث عن ظهور كيانات سياسية كتلك التي عرفتها الدول الأوربية وفي ظروف تاريخية معينة، نتيجة لعوامل اجتماعية وسياسية وقومية وثقافية لاسيما في بلجيكا واسبانيا وإيطاليا، والتي أفرزت أنظمة قانونية جديدة في إطار الدولة الموحدة لا هي باللامركزية الإدارية ولا هي باللامركزية السياسية، وإنما تأتي في درجة وسط بين النظامين أن المنطقة أو الجهة هي وحدة سياسية مستقلة تقوم مجالس منتخبة ترعى شؤونها وتمارس صلاحيات خاصة بها .
وتعد الجهوية بشكل عام أساس لتدعيم التنمية المحلية من خلال المشاريع التنموية الاجتماعية والاقتصادية، كما تمكن المواطنين من تنظيم وتدبير شؤونهم المحلية والجهوية في إطار استقلال ذاتي إداري وتدبيري.
وإذا كان القول بأن سياسة الجهوية تشكل خطرا على وحدة البلد فإنه قول غير صحيح، فالتجربة (في دول أخرى غير رائدة في مجال الجهوية واللامركزية) أثبت أن الجهوية دعمت وحدة هذه الدول رغم اختلاف ظروف كل منها، وخير مثال على أن نهج سياسة الجهوية يدعم ويحافظ على وحدة تماسك الدولة الاسبانية، حيث بتبني سياسة الجهوية استطاعت اسبانيا أن تحتوي النزاعات الانفصالية وبالتالي المحافظة على وحدة الدولة.
الفرع الثاني: الحكم الذاتي والحكم المحلي
لقد ارتأينا جمع الحكم الذاتي والحكم المحلي في فرع واحد حتى يتم إبراز الفرق بينهما، وما هو مدى الاختلاف في الكلمتين الذاتي والمحلي؟ وسوف نناقش في الفقرة الأولى الحكم الذاتي، على أن نناقش في الفقرة الثانية الحكم المحلي ومعرفة مرجعيته.
الفقرة الأولى: الحكم الذاتي
يعتبر الحكم الذاتي نظام لا مركزي واسع من حيث الصلاحيات والموارد المالية، إذ يتم تبنيه في الغالب نتيجة قرار سياسي يهدف لمنح الأقليات حقهم في حكم أنفسهم تحت السيادة العامة للدولة لمواجهة وضع طارئ أو ظروف قبلية أو عرقية، كما حصل بالنسبة للحكم الذاتي في شمال العراق استجابة لخاصية الأكراد الثقافية والعرقية، واقترحت عدد من الدول – خلال اجتماع مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي في كوبنهاجن عام 1990م حول أبعاد حقوق الإنسان – بأن يضمن حق الحكم الذاتي للأقليات .
إن تعدد حالات اللجوء إلى الحكم الذاتي جعلت بعض الفقه يستنتج وجود مبدأ جديد في القانون الدولي هو الحق في الحكم الذاتي، يعترف بحق الأقليات بممارسة المعنى الكامل لتقرير المصير الداخلي بحيث ينظموا شئونهم بطريقة ليست متعارضة مع السيادة العامة للدولة .
أولا: مفهوم الحكم الذاتي
يرى جانب من الفقهاء أن الحكم الذاتي هو نظام وسط بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية ، وإن كان شكلاً من أشكال النظم اللامركزية إلا انه لا يندرج ضمن أي نوع من أنواعها التي تعارف فقهاء القانون العام عليها، فهو ذو طبيعة خاصة لا يرتقي إلى الفيدرالية ولا يهبط إلى اللامركزية الإدارية، أما الجانب الأخر من الفقهاء فهو يرفض اعتبار الحكم الذاتي أو المناطق السياسية نظاماً ثالثاً إلى جانب نظامي اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية ويرى كثير من الباحثين أن نظام المناطق السياسية في إيطاليا ليس إلا مستوى موسع من اللامركزية الإدارية لأن الصلاحيات التي تتمتع بها مجالس الإقليم محددة مقيدة، لا يمكن معه القول بوجود استقلال تشريعي، وحيث أن الاستقلال التشريعي الذي يتحدث عنه بوردو لا يقلل من كون نظام المناطق السياسية في إيطاليا يعبر عن مستوى سياسي يندرج ضمن مفهوم اللامركزية السياسية بالتأكيد على تمتع المجالس الإقليمية الصلاحية التشريعية بما يتوافق مع التمايز القومي واللغوي ووجود الأقليات والظروف التاريخية مع التوافق والنص في الدستور على تقسيم ايطاليا إلى أقاليم سياسية وضمانة الرقابة الدستورية وحيث أن حق الاعتراض والحق من قبل السلطة المركزية تجاه الأقاليم لا يقلل من ماهية الاستقلال السياسي النسبي.
وبالتالي فإن علة السير المنظم للأجهزة السياسية الدستورية من ناحية وإعطاء الحرية السياسية النسبية للمناطق بحق التمايز السياسي والقومي واللغوي والتاريخي من ناحية أخرى كان الهدف منه تحقيق التوازن المرن في إطار الدولة وحماية لحقوق الأقليات والقوميات من ناحية أخرى، تمشياً مع مسلمات الفكر السياسي التي تؤكد أن الاستقرار السياسي لا يتحقق إلا بإعادة رسم العلاقة السياسية في الدول القائمة على أساس الاختلاف القومي واللغوي والديني وبحماية التراث الثقافي والإنساني واللغوي العالمي الذي تؤكد عليه القوانين الدولية.
إن الرأي الذي يؤكد أن نظام المناطق السياسية هو مستوى من اللامركزية الإدارية لأن الوظيفة السياسية للدولة يتم إعادة رسمها سياسياً بالدرجة الأولى، وبالتالي يفترض ذلك إعادة بناء المؤسسات السياسية والعلاقات القائمة بينها بناء على مفهوم جديد في الفكر السياسي والدستوري يتعلق بإعادة تقسيم السيادة الداخلية السياسية ولو كان تقسيماً جنينيا في نظام المناطق السياسية والحكم الذاتي مقارنة بالتقسيم العلني والواضح للسيادة الداخلية للدولة في النظام الفيدرالي، ويرى باحثين مشارقة أن نظام الحكم الذاتي صيغة متقدمة من اللامركزية يمكن أن تتضمن درجة أخرى يكون معها ما اصطلح عليه بالفرنسية بمبدأ الإقليمية السياسية وهي أقصى درجة من درجات اللامركزية حيث نكون على مشارف الفيدرالية، فالمنطقة يمكن أن تمارس السياسة ولا يمكن اعتبارها كياناً سياسياً وهذا مرهون بالصلاحيات المعطاة لهذه المنطقة فإذا امتلكت مناطق الحكم الذاتي بعض الاختصاصات التشريعية، فإنه يمكن القول أنها تنطوي على نوع من اللامركزية السياسية وإن كانت الاختصاصات محددة ثابتة، وتحدد عناصر الحكم الذاتي بما يلي :
1. ارتباط جماعة قومية أو دينية أو لغوية أو ثقاقية بإقليم معين.
2. الاستقلال الذاتي.
3. الرقابة المركزية.
وأما هيئات الحكم الذاتي أو نظام المناطق السياسية فتتكون عادة من:
1. المجلس التشريعي أو مجلس الإقليم: ويمثل السلطة التشريعية المحلية.
2. المجلس التنفيذي: ويمثل السلطة التنفيذية والإدارية المحلية.
ويرى باحثين أوروبيين أن نظام الحكم الذاتي يعني “استقلال يصل مداه إلى هيئات الدولة العليا، مع التمتع بالسيادة بمعنى أن يكون لها الحكم الذاتي؛ وهذا الاستقلال له سلطة تشريعية وتنفيذية” ، وهناك من وضع عدة شروط لتحقيقه وهي:
1. الشرط الأول أن يكون لكل أقلية الحق أن تعلن وجودها، وبمجرد إعلانها تنال مباشرة حق التمتع بالحكم الذاتي، وهذا ما يسمى بـ(حق إعلان الذات)؛
2. الشرط الثاني أن يكون لكل أقلية الحق أن تعلن عن ذاتها (حق تحديد الذات)، ولا سيما تحديد منطقة الحكم الذاتي للسلطة المركزية في الدولة؛
3. الشرط الثالث للحكم الذاتي هو (حق تنظيم الذات)، وبموجبه فإن الأقلية التي ستتمتع بالحكم الذاتي يجب أن تضع بنفسها نظامها القانوني الإقليمي؛
4. الشرط الرابع للحكم الذاتي هو الممارسة الفعلية واليومية لقانونه .
وعموما لمصطلح الحكم الذاتي Autonomie معنى واسعا، ففريقا من الفقهاء ينظر إليه لا باعتباره نظاماً قانونياً أو كياناً سياسياً مستقلاً بذاته بل باعتباره “نظرية” أو “قاعدة” تعبر عن الفكرة التي تكمن وراء أي نظام لا مركزي يسعى لتحقيق نوع من الاستقلال، وهذا الأخير يعتبر أساساً أو عنصراً هاماً للامركزية، أيا كان شكلها ونظامها القانوني، باعتباره يفصح عن ميل واتجاه نحو تقليص السلطات المركزية في الدولة، وتوسيع السلطات الإقليمية المهتمة بالشؤون المحلية أو الذاتية، وهو بهذا لا يعدو أن يكون شكلا من أشكال النظم اللامركزية بحيث لا يرتقى إلى درجة الفدرالية ولا يهبط إلى مستوى اللامركزية الإدارية .
ويؤكد معظم الباحثين أن الحكم الذاتي هو النظام القانوني والسياسي المرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لامركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قومياً أو عرقياً داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية، وبذلك فهو يعد أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة.
ثانيا: الحكم الذاتي في إطار القانون الدولي العام والداخلي
يتقاسم مفهوم الحكم الذاتي القانوني: القانون الدولي العام، والقانون الداخلي، غير أن مدلوله يختلف حسب كل واحد منها، وتبرز الفروق بينهما من حيث :
الأساس القانوني: فالحكم الذاتي في القانون الدولي العام يقوم على أساس وثيقة قانونية دولية والحكم الذاتي الداخلي يرتكز على قواعد القانون الدستوري.
المركز القانوني: نظام الحكم الذاتي الدولي هو كيان منفصل عن أشخاص القانون العام للدولة التي يرتبط بها، لأنه مركز لمصالح متميزة وله شخصية قانونية؛ في حين نظام الحكم الذاتي الداخلي ليس إلا شخصا من أشخاص القانون الداخلي، بمعنى أنه نظام منفصل عن بقية المراكز القانونية التي توجد داخل الدولة الواحدة.
الإختصاصات: يتمتع إقليم الحكم الذاتي الدولي المتصف بصفة الدولة – بجميع إختصاصات الهيئات الدستورية في الدولة (تشريعية– تنفيذية – قضائية) بجانب اختصاص السلطة، وتمارس إختصاصاتها تلك بمفردها دون رقابة أو توجيه من حكومة الدول المرتبطة بها؛ أما إختصاصات هيئات الحكم الذاتي في القانون الداخلي فتقتصر غالبا على الموظيفتين التشريعية والتنفيذية التي يتم تحديدها إما عن طريق الدستور والقانون وإما عن طريق القانون فقط، وعندما يمارس الإقليم إختصاصاته فهو لا يمارسها بطريقة مستقلة كلية عن السلطة المركزية، وإنما هناك رقابة وإشراف بصورة متعددة تباشر الحكومة المركزية على الإقليم.
الغرض: من الحكم الذاتي الدولي هو تحرير الوطن المستعمر وتحقيق الاستقلال السياسي الوطني، في حين الغرض من نظام الحكم الذاتي الداخلي هو حماية الجماعة العرقية أو القومية التي تعيش في إقليم متميز داخل الدولة الواحدة التي تعرف ظاهرة التعدد العرقي والقومي، هذه الحماية تكون بنصوص دستورية صريحة.
وينشأ الحكم الذاتي الدولي بواسطة وثيقة دولية، سواء أكانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها أو عن طريق اتفاقيات تبرمها منظمة الأمم المتحدة وقبلها عصبة الأمم مع الدول الأعضاء القائمة بإدارة الأقاليم الخاضعة لها، وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتي في الظهور– حسب الفقيه بوردو– عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة نظام المركزية في إدارة شؤون مستعمراتها، ولجأت إلى تطبيق ذلك المفهوم بهدف تحويل الرابطة الاستعمارية بينها وبين مستعمراتها إلى علاقة اشتراك أو بمعنى آخر إبقاء المستعمرات في حالة التبعية ولكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي؛ وقد عرف هذا الأخير في عهد عصبة الأمم غموضاً إذا في عهدها لم يكن هناك نصاً صريحاً محدداً لمفهوم الحكم الذاتي، وإن كان يستنتج ضمناً، حيث ظهر نظام الانتداب القائم أساساً على مفهوم الحكم الذاتي والذي أثبتت الوقائع السياسية والتاريخية أن الغرض الحقيقي منه لم يكن هو تحقيق الحكم ا لذاتي الكامل أو الاستقلال للشعوب والأقاليم التي يشملها الانتداب، وإنما إيجاد صيغة قانونية جديدة تكون أساساً للتعامل مع مستعمراتها، ويحقق في الوقت نفسه التوفيق بين طموح الشعور المستعمرة في نوع من الحكم الذاتي والاستقلال، وبين الإبقاء على سيطرتها . وكان مفهوم الحكم الذاتي محل اهتمام واضح من قبل منظمة الأمم المتحدة، إذ نص عليه ميثاق الأمم المتحدة صراحة في موضعين: أولهما في الفصل الحادي عشر من المادة 73 والفصل الثاني من المادة 76، وتجدر الإشارة إلى أن الميثاق وإن أشار صراحة إلى مفهوم الحكم الذاتي إلا أنه لم يعرف بشكل محدد وهو ما أثار جدلاً سواء بين ممثلي الدول المشتركة في مؤتمر سان فرانسيسكو في 5 مايو عام 1945 أو في لجان الأمم المتحدة أثناء المناقشات التي دارت حول تطبيق الوصاية الدولية، فالبعض من التفسيرات ذهبت إلى إعطاء مفهوم الحكم الذاتي معنى الاستقلال لاسيما تفسير الوفد الممثل للاتحاد السوفياتي آنذاك، والذي يبقى بعيدا أن يكون هو التفسير الصحيح بدليل تعارضه وتناقضه مع تطبيقات السياسة الخارجية للدول الاستعمارية، ومع نصوص ميثاق الأمم المتحدة وقرارات جمعيتها العامة.
وفي القانون الداخلي يقصد به صيغة الحكم والإدارة، تطبق على منطقة أو مناطق معينة؛ تتميز بخصائص ذاتية، ويكون عن طريق الاعتراف بالشخصية المعنوية لهذه الأقاليم، ومنحها إختصاصات وسلطات متعددة، مع بقائها في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة، وتكمن أهمية ذلك في مدى استطاعته داخل إطار قانوني أن يكون أساسا لحل المشكلات والأزمات الداخلية، ذات الطابع السياسي في داخل الدولة الواحدة .
وما يميز الحكم الذاتي عن النظم الأخرى كونه له طبيعة خاصة من المرونة وعدم الاستقرار، حيث لا يأخذ على الإطلاق شكلاً ثابتاً يصلح للتطبيق في أي من الدول على اختلاف ظروفها وأوضاعها، بل تتغير أشكالها بتباين هذه الظروف واختلاف من دولة إلى أخرى.
الفقرة الثانية: الحكم المحلي
عرف الكتاب الإنجليز اللامركزية تحت مسمى الحكم المحلي، وذلك في موسوعة الحكم المحلي البريطاني بقولهم: «هي حكومة محلية منتخبة مكلفة بمهام إدارية وتنفيذية تتصل بالمقيمين في نطاق محلي محدود، ولها سلطة إصدار قرارات ولوائح» .
كما يعرف الكاتب البريطاني توني بيرن (Tony Byrne) الحكم المحلي بأنه «مطلب من فروع الإدارة العامة للدولة، يهتم بالمشاركة في إدارة الشؤون العامة في كل إقليم بمعرفة ممثلين عن المجتمع المحلي»، إلى القول بأنه حينما ينشئ القانون أجهزة محلية لتطبيق أو تنفيذ بعض الخدمات وتقديمها لجمهور الشعب على النطاق المحلي فأنه يكون بذلك قد أقام حكومة محلية بأوضح معانيها.
ويختلف الحكم المحلي (Local Gouvernement) عن الإدارة المحلية (Local Administration)، فالإدارة المحلية ترتكز أكثر على الجوانب التنفيذية، وإن تضمنت بعض السلطات والاهتمامات التي تشير إلى دورها في صنع القرارات ووضع السياسات، ولكنها لا تكون إلا على المستوى القطاعي – الوزارات والهيئات العامة – حيث يتم توزيع السلطات والإختصاصات بين الوزارات في العاصمة وفروعها في المناطق المختلفة، ولذلك فإنه غالباً ما يطلق على الإدارة التعليمية أو الصحية وغيرهما في دولة كبريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية الإدارة المحلية التعليمية، وكذلك الإدارة المحلية الصحية.
أما الحكم المحلي فهو يركز على دور المواطنين في حكم وإدارة شؤونهم بأنفسهم، سواء بطريقة مباشرة (اجتماعات المواطنين) أو غير مباشرة (من خلال مجالس محلية تقوم على أساس تمثيلهم)، إذ أن العبرة في الحكم المحلية تتمثل في دور المواطنين في حكم وإدارة شئونهم المحلية والتي هي أدرى بها من غيرهم، ولذلك فالحكم موجود في جميع الدول كنظام، طالما وجدت مجالس محلية تمثل المواطنين المحليين، مع تباين هذه الدول عن بعضها البعض، من حيث مدى قوة وفعالية المجالس المحلية أو نظام الحكم المحلي بصفة عامة.
ومن المؤكد أن كلمة حكم لا تنطوي بالضرورة على وجود سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، فهي لا تعني أكثر من البث أو الفصل في الأمور، كما أن كلمة إدارة لا تنطوي ايضا على مجرد التنفيذ، بل تتضمن كذلك البث في الأمور واتخاذ قرار ما، نجد أن الحكومة الأمريكية غالبا ما يطلق عليها الإدارة الأمريكية، في حين أن الرئيس الأمريكي يمتلك إلى جانب سلطته التنفيذية سلطات تشريعية وقضائية، كما أن أي مدير أو مجلس إدارة شركة لا ينفذ فقط، بل يتخذ أيضا قرارات.
وفي التطبيقات العملية، نشهد خلطا في استخدام المفهومين السابقين يعكس أيضا الجدل العلمي حول التفرقة بين الإدارة المحلية والحكم المحلي، ولذلك كثيراً ما نجد دولا تطلق على نظمها المحلية “الإدارة المحلية” في حين أن لديها مجالس محلية تقوم على أساس تمثيل المواطنين المحليين بالانتخاب المباشر، وتتمتع بالعديد من الإختصاصات والسلطات؛ ويرجع هذا الاختلاف حول العلاقة بين الدول الفيدرالية، على الرغم من أن كثيراً من الدول الفيدرالية مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا تنص في دساتيرها على الحكم المحلي، تاركة ذلك لدساتير الولايات نفسها، باعتباره شأنا يخص كل ولاية ولذلك يوجد في الدولة الفيدرالية أكثر من نظام للحكم المحلي.
وقد ظهر مصطلح الحكم المحلي في المملكة المتحدة (بريطانيا) في عام 1066م ، حيث حضيت بعض المدن والوحدات المحلية الأخرى باستقلال نسبي عن الحكومة المركزية في إدارة شؤونها بنفسها، وقد أطلقت التسمية على نظام اللامركزية في بريطانيا لسببين هما:
السبب التاريخي: هو أن مجالس الوحدات المحلية منذ بدء نشأتها كانت تمارس (نيابة عن الملك) إختصاصات تشريعية وقضائية معاً، وبتطور البرلمان البريطاني انتزعت من مجالس الوحدات المحلية الوظائف التشريعية التي أصبح البرلمان مختصاً بها، وأن بقي لها سلطة فرض بعض الضرائب والرسوم ذات الطابع المحلي، وبتطور النظام القضائي إلى نظام قضائي مركزي تحت إشراف محاكم العدالة، انتزعت إختصاصات الفصل في المنازعات من الوحدات المحلية وعهد بها إلى المحاكم القضائية المركزية، وأن بقي للوحدات المحلية بعض الإختصاصات القضائية .
السبب الواقعي: هو الاستقلال الحقيقي الذي حظيت به الوحدات المحلية في مواجهتها للحكومة المركزية، فعلى الرغم من سلطات الإشراف التي يعهد بها القانون إلى الحكومة المركزية في علاقاتها بالوحدات المحلية، فإن التقاليد قد جرت على تدخل الحكومة المركزية في أمور المحليات في أضيق نطاق، وبصورة غير رسمية غالباً.
ونلاحظ أن نظام الوحدات المحلية في بريطانيا حظي باستقلال واقعي جعلها أرفع مقاماً من نظام اللامركزية الإدارية، وبسبب قدم نظام الحكم المحلي في بريطانيا أصبح يشكل طريقة للشعب البريطاني، وكما يقول الفيلسوف البريطاني ادموند بيرك «إن بقاء نظام الحكم المحلي طوال هذه المدة لدليل قوي على أنه نظام جيد، لأنه قد اجتاز – بنجاح – أصعب اختبار يمكن أن يواجهه نظام إداري أو سياسي، ألا وهو اختبار الزمن» .
وقد حاولت كثير من الدول العربية استخدام مصطلح الحكم المحلي بدلاً عن الإدارة المحلية لتعبير عن أنظمتها اللامركزية، ولكن باستخدامهم لمصطلح الحكم المحلي لم يحدث أي تغيير في جوهر النظام المحلي، وهذا ما حدث بالفعل بالنسبة للنظام المحلي المصري الذي أطلق عليه خلال الفترة 1975 – 1988 نظام “الحكم المحلي”، ثم رأت القيادة السياسية استبداله بمصطلح الإدارة المحلية دون أن يكون قد حدث تقليص لاختصاصات وسلطات الوحدات المحلية، وعلى الرغم من وجود مجالس شعبية محلية منتخبة، بغض النظر عن حجم سلطات هذه المجالس.
المطلب الثاني: الجهوية الموسعة: الأسس والمرتكزات
من خلال ما تطرقنا له سابقا، يتبين أن الجهوية الموسعة هي منطقة التقاء بين الجهوية الإدارية والجهوية السياسية، وسنحاول من خلال ذلك الخروج برؤية أكاديمية للتعريف بالجهوية الموسعة (الفرع الأول) والتعريف بالمرتكزات الأساسية التي يمكن أن تقوم عليها الجهوية الموسعة (الفرع الثاني) .
الفرع الأول: ماهية الجهوية الموسعة
إن الجهوية الموسعة شأنها شأن الجهوية الإدارية فيما عدا خيط رفيع هو “السياسات السلطوية الملزمة قانونياً”، فهذا الخيط الرفيع يقرب الجهوية الموسعة من الحكومة الإقليمية في اللامركزية السياسية، وبذلك فإن الوحدات المحلية في اللامركزية الموسعة تصبح ممارسة لعملية سياسية وإن كانت محددة الموضوعات دستورياً.
الفقرة الأولى: التعريف باللامركزية الموسعة
يبرز المفهوم العام للامركزية الموسعة من خلال التمييز بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية (كما رأينا سابقاً) من جهة، والتمييز بين الدولة البسيطة والدولة المركبة من جهة أخرى، فالدولة البسيطة (الموحدة) تتميز بأن التنظيم السياسي للسلطة فيها واحداً، يتجسد في الجهاز الحكومي الموحد الذي يضطلع بجميع الوظائف في الدولة طبقاً للقواعد الدستورية فيها، وبذلك تبقى الدولة موحدة بسيطة في تركيبها الدستوري.
وهناك باحثين– منهم بوردو Burdeau– اعتبروا أن أنظمة اللامركزية التي ظهرت مؤخراً (نظام المناطق الإيطالية على سبيل المثال) لا يعدو أن يكون نظاماً يحقق نوعا من اللامركزية الإدارية الموسعة على اعتبار أن الصلاحيات التشريعية التي تتمتع بها مجالس الأقاليم هي محددة ومقيدة جداً بشكل لا يمكن القول بوجود استقلال تشريعي حقيقي ؛ أما بلازولي Pallazoli فهو يتساءل حول وجود الدولة الإقليمية Etat Regional، ووضعها موقع وسط بين الدولة الموحدة والدولة الاتحادية، إلا أنه يعتبر أنه من الصعب جداً إعطاء وصف قانوني أو تحديد الطبيعة القانونية للدولة الإقليمية أو كما يسميها الباحثون المغاربة الدولة الجهوية (دول الجهات) .
ونتيجة لذلك سعى كثير من الباحثين إلى الخروج بحل وسط بين النظامين (الإداري والسياسي)، وذلك على ضوء المفاهيم المختلفة التي ظهرت في الفترة الأخيرة منها نظام المناطق في إيطاليا، نظام الجماعات المستقلة بإسبانيا وأنظمة أخرى كثيرة، وجميع تلك الأنظمة تعد أنظمة لامركزية بطابع سياسي.
إن اللامركزية الموسعة بمفاهيمها المختلفة ليست إلا صورة من صور اللامركزية بشكل عام، لا تندرج تحت اللامركزية السياسية ولكنها نوع خاص من اللامركزية تتعدى النطاق الإداري وتتحقق بنوع من الاستقلال الذاتي، وباختصار هي نظام لامركزي ذو وجه سياسي يقوم في إطار الدولة الموحدة.
وتعرف مستويات اللامركزية الموسعة (الوحدة المحلية) بأنها وحدة ذات شخصية معنوية كاملة بمرجعية دستورية وقانونية، وتتمتع باستقلال ذاتي وتدبير شؤونها بكامل الصلاحيات تحت رقابة السلطة المركزية.
الفقرة الثانية: التمييز بين اللامركزية السياسية واللامركزية الموسعة
يرى كثيرون من فقهاء القانون الإداري أن اللامركزية ذات طابع الإداري قد تنقلب إلى لامركزية ذات طابع سياسي، إذا ما أعطيت لمستويات اللامركزية (الوحدات المحلية) حرية واسعة واستقلالا في إدارة شؤونها المحلية، وإذا ما اتسعت صلاحياتها ذات الطابع الإدراي لتشمل صلاحيات ذات طابع سياسي كالتشريع وسن القوانين المنظمة لتلك الوحدات داخلياً، التحول نحو لامركزية موسعة سواء كانت جهوية موسعة أو حكم محلي، ليس حلا سهلا لمشاكل النظام المحلي، ولا يجوز تبنيه بعمومه أو دون دراسة للإمكانات المتاحة والقدرات المتوفرة، لأنه يتطلب إلى جانب الكفاءات البشرية العالية والمعرفة التنظيمية والإدارية، ومعرفة المحيط الذي سينطبق فيه هذا النظام، ومراعاة ظروف أحوال البلاد السياسية والاجتماعية والثقافية، يجب أن تكون للسلطات العامة المحلية وهيئاتها التنفيذية والتشريعية والإدارية والقضائية المتخصصة أجهزة تابعة لها منتخبة بموجب قوانين عادية أو بموجب دستور محلي وحيث أن اللامركزية السياسية تكون ضيقة في نظام اللامركزية الموسعة وواسعة في النظام الفيدرالي، فكلا النظامين يقومان على نفس الأهداف المتعلقة بحل مشاكل القوميات والمجتمعات التعددية على المستوى اللغوي والديني والثقافي وأهم نقاط الاختلاف هي:
كلا النظامين في اللامركزية السياسية يقومان على مبدأ الاستقلال الذاتي وحيث أن مدى الاستقلال في النظام الفيدرالي واسع يتجلى بتوزيع السيادة الداخلية بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء بموجب دستور فيدرالي ودستور محلي، أما في نظام اللامركزية الموسعة فإن الاستقلال يكون محدوداً لأنه غالباً ما يقام في الدولة الموحدة بالمفهوم القانوني مما يجعل هذه الهيئات الذاتية تابعة نسبياً للحكومة المركزية؛
في النظام الفيدرالي يتغير شكل الدولة ويتحول إلى دولة مركبة بينما يبقى شكل الدولة في نظام اللامركزية الموسعة في نطاق الدولة الموحدة مع بعض التمايزات السياسية؛
من حيث النشوء فالفيدرالية تنشأ إما باتحاد دول أو بتفكك دول أما مستويات اللامركزية الموسعة (الوحدات المحلية) فهي تنشأ عن طريق إقرار الحكومة المركزية لإقليم معين أو الأقاليم كاملة بالاستقلال الذاتي السياسي، وذلك لا يؤدي إلى ولادة دولة جديدة وإنما يعيد توزيع الوظيفة السياسية بحدود ضيقة؛
في الدولة الفيدرالية هناك ازدواج في السلطة التشريعية أما في اللامركزية الموسعة فهناك صلاحية محددة للمجالس المحلية بالتشريع مع أن توزيع الإختصاصات يكون بقانون وليس منصوصاً عنه بالدستور، باستثناء بعض التجارب التي حاولت إدراج ضمانات دستورية لحماية منطقة الحكم الذاتي، وأيضا كما في نظام المناطق السياسية في إيطاليا فقد نص دستور 1948 على تقسيم إقليم الدولة إلى مناطق لكل منها نظام خاص؛
في النظام الفيدرالي تساهم الولايات الأعضاء وفقاً لمبدأ المشاركة في الهيئات الاتحادية بشكل كامل، أما في نظام اللامركزية الموسعة فلا وجود لمبدأ المشاركة، باستثناء شكل المشاركة الوارد في الدستور الإيطالي كما في تمثيل المجالس الإقليمية بمجلس الشيوخ ومشاركتها في انتخاب رئيس الجمهورية واقتراح القوانين وتنفيذ القوانين الجمهورية.
الفرع الثاني: المرتكزات الأساسية للامركزية الموسعة
رأينا أن اللامركزية الموسعة ليس لها صيغة قانونية محددة وثابتة أو رؤية أكاديمية، وبذلك وحسب رأي فقهاء القانون الإداري أو القانون الدستوري ليس هناك أي مرتكزات أو أسس أو مبادئ يمكن أن تقوم عليها اللامركزية الموسعة، وما سوف نذكره هنا من مرتكزات إنما هي محاولة منا لإبراز تلك المرتكزات، وذلك تجميعاً من عدة مصادر لإيجاد رؤية متكاملة للامركزية الموسعة اعتماداً على مبادئ وأسس الحكم الذاتي والجهوية السياسية، وذلك:
الفقرة الأولى: وحدات محلية تتمتع بكامل الاستقلالية؛
الفقرة الثانية: رقابة السلطة المركزية على الوحدات المحلية.
الفقرة الأولى: وحدات محلية تتمتع بكامل الاستقلالية
يتم تقسيم إقليم الدولة إلى وحدات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية، يجب أن تتوفر لتلك الوحدات على خمسة مبادئ عامة لتتمتع بالاستقلالية ، وتلك العناصر يوضحها الشكل التالي:
– رسم من توضيحي .
لتحقيق لامركزية حقيقة لوحدات محلية تتمتع بكامل الاستقلالية يجب أن تتوفر العناصر الثلاثة التالية:
أولا: الوحدات المحلية المستقلة:
يتم تقسيم إقليم الدولة إلى وحدات محلية مثل: المحافظات، والمقاطعات والأقاليم، والمدن، والأحياء، والقرى… إلخ، والأهم من ذلك هو الاعتراف لهذه الوحدات بالشخصية المعنوية أو القانونية، باعتبارها عنصرا من العناصر الرئيسية التي يقوم عليها نظام اللامركزية الحقيقية، فلا تعتبر الوحدات المحلية أشخاصا إدارية مستقلة، بدون هذا الاعتراف .
ويراعي في عملية التقسيم ضرورة توافر مجموعة من الاعتبارات في داخل كل وحدة إدارية محلية مثل تجانس المجتمع المحلي، وتوافر الموارد المالية والبشرية، وتحقيق الديمقراطية، والكفاءة الإدارية.
والاستقلال هو أبرز سمة للوحدات المحلية على وجه الخصوص، إذ يجب أن تتمتع هذه الوحدات بشخصية معنوية مستقلة ضمن حدود إقليمية محددة من الدولة، بما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات لتلك الوحدات من أهمها:
وجود موازنة مالية مستقلة للوحدات الإدارية المحلية تبين إيراداتها ونفقاتها؛
أن يكون للوحدات المحلية من يمثلها أمام المحاكم، بحيث يكون لها حق مقاضاة الدولة والأفراد والهيئات العامة والخاصة، كما أن يكون لها الحق في رفع دعاوي تتعلق بإلغاء القرارات الصادرة من الحكومة المركزية حتى ما كان متعلقا بالتصديق على قرارات صادرة منها، كما يجب أن يكون للدولة والأفراد والهيئات العامة والخاصة نفس الحقوق اتجاه الوحدات المحلية، وتتحمل الوحدة المحلية وحدها المسؤولية عن الأفعال الضارة التي تقع منها أو من أحد موظفيها؛
استقلال الوحدة المحلية بشؤون موظفيها، بحيث تنظم علاقاتهم لوائح مالية مستقلة، مع خضوعها للسياسة العامة التي تحكم موظفي الدولة، ويجب أن تكون الأولوية لأبناء الوحدة المحلية عند اختيار الموظفين المحليين، على أن لا يكون ذلك على حساب الكفاءة.
ثانيا: مجلس محلي يمثل المواطنين وله اختصاصات أصلية:
1: مجلس محلي يمثل المواطنين المحليين:
العنصر الثاني من عناصر نظام اللامركزية الموسعة هو أن يكون هناك مجلس محلي يمثل أبناء المجتمع المحلي، ويعبر عن مصالحهم واحتياجاتهم، وله صلاحيات تقريرية ورقابية.
ويختلف أسلوب اختيار أعضاء هذه المجالس، باختلاف البيئة السياسية والاجتماعية في كل دولة، إذ تتراوح ما بين الانتخاب المباشر، والتعيين المباشر، ومن الأفضل أن يتم تشكيل هذا المجلس بالانتخاب، لأن الانتخاب يؤكد مبدأ الاستقلال المحلي، وذلك للأسباب الآتية:
إن العضو المنتخب يتصرف بمحض إرادته واختياره، بما يمليه عليه الصالح العام، أما العضو المعين فلا يتصرف بحرية خوفاً على مركزه، كما أنه يعمل وفقاً لما تمليه عليه السلطة المركزية التي عينته وبما يرضيها؛
يدين العضو المنتخب بالولاء لأبناء وحدته المحلية الذين انتخبوه ليقوم نيابة عنهم بإدارة المرافق العامة المحلية، وليعمل جاهدا على تحقيق رغباتهم وحل مشاكلهم، حتى يكسب مودتهم ولذلك فهو يخضع لرقابة ناخبيه والتي تتمثل في عدم إعادة انتخابه متى ثبتت عدم كفاءته أو نزاهته، أما العضو المعين فلا يخضع لهذه الرقابة بل يدين بالولاء للسلطة التي عينته، ويكون شغله الشاغل هو إرضاء رؤسائه؛
الانتخاب يجسد مبدأ الديمقراطية ويوسع قاعدة المشاركة الشعبية في إدارة الشؤون العامة، حيث لا تعمل الوحدات المحية على تحقيق أهداف إدارية فحسب، بل تعمل على تحقيق أهداف سياسية أيضا، تتمثل في قيام أبناء المجتمع المحلي باختيار من يتولون إدارة شؤونهم المحلية، نيابة عنهم.
2: أن تكون للمجالس المحلية اختصاصات أصيلة :
من العناصر الأساسية للاستقلال المحلي أن تكون للمجالس المحلية اختصاصات أصيلة (مخولة إليها دستورياً) وسلطات فعلية في إدارة الخدمات العامة المحلية، ويجب أن يمارس المجالس تلك الاختصاصات بمحض إرادته، وأن يملك سلطة البث والتقرير والتنفيذ، دون أي تدخل من سلطة إدارية أخرى، فالحكومات المحلية هي كيانات إدارية وسياسية مهمة حيث إنها المسؤولة عن كل الأشياء التي تهم حياة المواطنين، ويتطلب ذلك أن تمتلك هذه الحكومات السلطة Autorité التي هي عبارة عن وظائف وسلطات وموارد خاصة بها. والوظائف هي الخدمات التي تقدمها الحكومات المحلية، وقد يشمل ذلك صيانة المباني، وتشييد البنية الأساسية (مثل الشوارع) والمنتزهات ومياه الشرب، والصرف الصحي، وتقديم خدمات أساسية أخرى (مثل الرعاية الصحية الوقاية وأنشطة الترفيه وتسجيل المواليد والوفيات والزواج) أما السلطات Pouvoir ، فتشير إلى سلطة صنع القرار التي تستطيع الحكومات من خلالها أن تنظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويتراوح ذلك بين وضع القواعد للأنشطة المحلية (الأسواق والنقل) وتنفيذ الخطط البلدية أو وضع مدونات خاصة بالجرائم Code de la Criminalité ، وهناك نوعان من الاختصاصات المحلية هما:
اختصاصات محلية خاصة وهي التي تهم الوحدة المحلية فقط وبطريق مباشر، ويكون اختصاص الوحدات المحلية بها اختصاصات أصيلا، ويعتبر هذا النوع من الاختصاصات عنصرا رئيسيا من عناصر الاستقلال المحلي؛
اختصاصات محلية منقولة، وهي التي بها الوحدات المحلية، بالنيابة عن الحكومة المركزية، وتهدف أساسا إلى الصالح العام، وتخضع الوحدات المحلية هنا في ممارستها لهده الاختصاصات لإرادة السلطة المركزية التي تنوب عنها للقيام بهذه الاختصاصات القومية.
ثالثا: التمويل الذاتي المحلي:
إن اللامركزية لا معنى لها بدون نظام مالي يحدد بوضوح الأدوار والمسؤوليات بين المستويات الإدارية المختلفة في الدولة، ولذلك من الضروري توافر العناصر التالية التي يوضحها الشكل الذي يبين تمويل الوحدات المحلية على النحو التالي :
يعتبر التمويل المالي الذاتي للوحدات المحلية هو العنصر الأساسي للاستقلال المالي، ويتوقف الاستقلال الحقيقي للسلطات المحلية على قدرتها على تكوين موارد مالية ذاتية، وتحديد مجالات إنفاقها.
1: مصادر التمويل المحلي: تتمثل هذه المصادر فيما يلي:
أ ـ الضرائب والرسوم المحلية: يعتبر فرض الضرائب والرسوم المحلية أهم مصادر الموارد المالية للوحدات المحلية، ففي نظام الحكم المحلي تستطيع الوحدات المحلية فرض بعض الضرائب على المواطنين، خاصة على العقارات الكائنة في تلك الوحدات. كما أن لها الحق في فرض وتحصيل بعض الرسوم مقابل أداء بعض الخدمات العامة، وذلك ما يحدث في بريطانيا.
ب ـ إيرادات أملاك الوحدات المحلية: تستطيع الوحدات المحلية أن تحصل على موارد مالية إلى جانب ما تحصل عليه من جباية الضرائب والرسوم من إيرادات الأملاك والمشروعات التي تديرها هذه الوحدات المحلية.
ج ـ القروض: في معظم الدول، يكون للوحدات المحلية الحق في الحصول على قروض، عندما يكون هناك عجز في موازناتها، بشرط موافقة الحكومة المركزية. وهناك بعض الحالات التي يكون لهذه الوحدات حق الاقتراض المؤقت فيها، لمواجهة نفقات عاجلة، وفي ظل قيود معينة، وتتمثل هذه الحالات فيما يلي:
عدم توافر السيولة النقدية في مواردها المالية؛
الظروف الطارئة (الزلازل والفيضانات أو الأزمات المالية غير المتوقعة أو الحريق وغيرها من المشاكل الطارئة)؛
إنشاء المشروعات الرأسمالية المختلفة.
ولكن على الرغم من حق الوحدات المحلية في بعض الدول في الاقتراض في الحالات السابقة، فإن هناك قيوداً على هذا الحق تتمثل فيما يلي: أن يكون القرض متوسط الأجل، وألا يتجاوز مبلغاً معيناً، وأن يكون في حدود نسبة معينة من الضرائب المحلية.
د ـ الإعانة الحكومية: لا يعني التركيز على الموارد الذاتية لدعم الاستقلال الإداري قدرة الوحدة المحلية على تغطية النفقات المحلية بالكامل من هذه الموارد، بل تحصل الوحدات المحلية على إعانات حكومية لتغطية هذه النفقات، وتختلف نسبة الإعانات من دولة إلى أخرى، فبينما تصل في إنجلترا إلى 50 % من ميزانية الوحدة المحلية تصل في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 30%. كما تصل إلى حوالي 80% في مصر.
وتقوم الإعانة الحكومية على تحقيق الأهداف الآتية:
إخضاع السلطات المحلية للرقابة المركزية، بالقدر الذي يضمن توفير حد أدنى من مستوى الخدمات على صعيد الدولة؛
الحد من التفاوت الكبير بين الوحدات المحلية، فلا تستفيد الوحدات الغنية من ظروفها الطبيعية، لتحقيق مستوى معيشة أفضل لسكانها من ذلك الذي يتاح تحقيقه في الوحدات المحلية الأقل حظاً وثراء؛
الحيلولة دون ارتفاع قيمة الضريبة المحلية في الوحدات المحلية الفقيرة لتغطية نفقاتها ذاتياً، بما لا يؤدي إلى هجرة رؤوس الأموال إلى الوحدات الغنية التي ينخفض فيها سعر الضريبة.
2: الشروط الواجب توفرها في الموارد المحلية لتحقيق الاستقلالية:
أ ـ محلية المورد: أي أن يكون الوعاء المحلي أو الأصل الذي يربط عليه في نطاق الوحدة المحلية، وأن يكون هذا الوعاء متميزا بقدر الإمكان عن أوعية الموارد المركزية.
ب ـ ذاتية المورد: بمعنى أن تستقل الوحدة المحلية بسلطة تقدير سعر المورد المحلي من حيث ربطه وتحصيله، وبذلك يمكن تصنيف الموارد المحلية إلى موارد ذاتية مطلقة، وموارد ذاتية نسبية، وموارد خارجية ولا شك أن الإعانات الحكومية تعتبر موارد خارجية. أما الرسوم والأثمان والإيجارات فإنها تتمتع بدرجة كبيرة من الذاتية، وأما الضرائب المحلية والقروض فيتفاوت معدل ذاتيتها من دولة إلى أخرى.
وبذلك يمكن القول أن الموارد المالية المحلية بشكل عام هي الضرائب والرسوم والأثمان والإيجارات والإعانات والقروض.
3: العلاقة بين مصادر التمويل المحلي وقوة نظام اللامركزية:
مما لا شك فيه أنه كلما زادت القدرة المالية الذاتية للوحدة المحلية، قل اعتمادها على الحكومة المركزية، ومن ثم تمتعت بدرجة اكبر من الاستقلال في صنع قراراتها، يضاف إلى ذلك أن الاستقلال المالي المحلي من شأنه تأكيد المسؤولية المالية لدى المواطنين، نظراً للارتباط بين أدائهم الضرائب وبين حصولهم على الخدمات، وما يستتبعه ذلك من الحرص على المشاركة في صنع القرار المحلي واختيار نوع الحكومة التي يرغبون فيها ومساءلتها.
ومن أهم الدلائل والمؤشرات على تأثير محدودية الموارد المالية المحلية على نظام اللامركزية الموسعة ما يلي:
أ ـ ضعف استجابة النخب المحلية لأولويات التنمية واحتياجات المواطنين المحليين :
من أهم العوامل التي تؤثر في درجة استجابة المجالس المحلية لأوليات التنمية ولاحتياجات مواطنيها مدى الاستقلال المالي الذي تتمتع به هذه المجالس، فإذا كانت المجالس المحلية تعتمد على الحكومة المركزية وتحويلاتها، فإن هذه المجالس تتطلع إلى النصيحة والتوجيه من الحكومة المركزية، وليس إلى احتياجات مواطنيها، أما إذا كانت المجالس المحلية تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال المالي، فإن ذلك سيمكنها من تحديد أولويات التنمية لديها ويجعلها أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين.
ب ـ ضعف قدرة المجالس المحلية على مساءلة القيادات التنفيذية:
تؤدي شدة حاجة الوحدات المحلية إلى الهبات والمنح من المستويات الأعلى للسلطة إلى ضعف سلطة المجالس التمثيلية، وزيادة سلطة القيادات التنفيذية. ويرجع ذلك إلى أن هذه المجالس تكون في هذه الحالة غير قادرة على إقرار خطط تفصيلية للإنفاق على أساس سنوي. أما الرئيس التنفيذي، فيركز جهوده في البحث عن المساعدات المالية من الحكومة المركزية، الأمر الذي يجعل المواطنين يتطلعون إليه، ويجعل دور المجالس المحلية رد فعل للقرارات التي يتخذها القادة التنفيذيون.
ج ـ زيادة تبعية الوحدات المحلية للحكومة المركزية:
لقد أكدت تجارب العديد من الدول أن الحكومات المحلية تكون غير قادرة على تحقيق درجة الاستقلال التي يمنحها لها الدستور والقوانين في حالة عدم ملائمة الموارد المالية الذاتية للاحتياجات، والاعتماد الشديد لهذه الحكومات على التحويلات المركزية وهذا ما أشار إليه تقرير البنك الدولي في عام 1988.
الفقرة الثانية: رقابة السلطة المركزية على الوحدات المحلية
إن استقلال المجالس المحلية باختصاصاتها وإصدار القرارات المناسبة في شأنها ليس منحة أو تسامحا من السلطة المركزية، ولكنه استقلال أصيل مصدره المشرع، غير أن هذا يعرف باسم (الرقابة الإدارية) أو (الوصاية الإدارية) كما يسميها بعض الفقهاء.
وبوجود الرقابة الإدارية تكتلم أركان اللامركزية، فالمجالس المحلية المنتخبة تمارس اختصاصاتها في نظام السياسة العامة للدولة، وهي ملزمة باحترام الخطط العامة التي تضعها السلطات المركزية إعمالا لمبدأ (مركزية التخطيط، ولامركزية التنفيذ).
وتأخذ الرقابة إحدى صورتين، الأولى يطبقها النظام الأنجلوسكسوني وتطبقه إنجلترا ومن ينحو منحاها، والأخرى يطبقها النظام اللاتيني (الفرنسي) والمتأثرة بهذا النظام، نعرض لكل منهما ما يأتي:
أولا: الرقابة في النظام الأنجلوسكسوني (الإنجليزي):
في النظام الأنجلوسكسوني تمنح المجالس المحلية أكبر قدر ممكن من الاستقلال في مواجهة الحكومة المركزية، أما صورة الرقابة في هذا النظام فإنها تمارس من الناحية النظرية من جانب البرلمان والقضاء العادي، وعادة لا يتدخل البرلمان للحد من حرية المجالس المحلية إلا نادراً، أما الحكومة المركزية (السلطة التنفيذية) فلا تتمتع إلا بحق ضئيل في الرقابة يقتصر على الأمور التالية:
للحكومة المركزية في حالة مخالفة المجالس المحلية للقوانين التي تحكم اختصاصاتها، أن تلجأ إلى القضاء مطالبة بإلزامها باحترام القانون مادامت لم تحترمه طواعية، ويتساوى حق الحكومة في هذا الشأن مع حق الأفراد في الطعن ضد أعمال تلك المجالس إذا كانت مخالفة للقانون؛
تقديم تقارير سنوية عن أعمال المالية المحلية استناداً إلى التفتيش الذي يحق لها أن تقوم به على أعمالها. ويتوقف على هذه التقارير تقدير مبالغ المكافآت التي يقرها البرلمان لهذه المجالس جزاء تعاونها على أداء واجباتها.
يجوز للحكومة استصدار تصريح من السلطة التشريعية يخولها سلطة إصدار بعض اللوائح المنظمة لبعض الأمور التي تدخل في اختصاص المجالس المحلية، ولها في حالات استثنائية إشراف ورقابة أشد على المجالس المحلية، وذلك فيما يتعلق بإصدار هذه المجالس للوائح المحلية، وفي التصرف في الأملاك المحلية والحسابات الختامية.
ثانيا: الرقابة في النظام اللاتيني (الفرنسي):
يقوم النظام اللاتيني فيما يتعلق بالرقابة الإدارية على تخويل السلطة المركزية رقابة أكثر فعالية وأوسع نطاق من مثيلتها في النظام الأنجلوسكسوني، وتخضع فيه المجالس المحلية في ممارسة اختصاصاتها لرقابة المشرع والقضاء والحكومة المركزية، ولهذه الرقابة صورتان فهي إما أن تنصب على المجالس المحلية نفسها، وإما أن تتناول أعمالها، وذلك كالتالي:
الرقابة على المجالس المحلية نفسها: وتتجلى الرقابة في هذه الناحية باحتفاظ السلطة المركزية بحق تعيين بعض أعضاء الهيئات اللامركزية، وقد يكون رئيس المجلس معيناً، وتحتفظ السلطة المركزية في كثير من الأحيان بحقها في إيقاف وعزل أعضاء المجالس المحلية سواء كانوا معيين أم منتخبين، كما أن للسلطة المركزية الحق في وقف وحل المجالس المنتخبة.
الرقابة على أعمال المجالس المحلية: وهذه الرقابة تتناول الأعمال في ذاتها وإجراءات تنفيذها، فبالنسبة للأعمال الإيجابية للمجالس المحلية، فإن كثيرا منها يخضع لإذن سابق أو لتصديق لاحق من السلطة المركزية.
ففي الحالة الأولى يجب على المجالس المحلية استئذان السلطة المركزية قبل أن تقوم بالتصرف، وفي الحالة الثانية لا يصبح العمل الذي تقوم به المجالس المحلية نافذاً إلا بعد موافقة السلطة المركزية، سواء أكانت هذه الموافقة صريحة أو ضمنية.
وأحيانا يحق للسلطة المركزية أن توقف أو تبطل القرارات الصادرة من المجالس المحلية، أما بالنسبة للأعمال السلبية للمجالس فغنها لا تنجو أيضا من رقابة السلطة المركزية، فإذا امتنعت المجالس المحلية عن القيام بعمل القانون فإن للسلطة المركزية الحق أن تحق محل المجلس المحلي في أداء ذلك العمل.
ولتحقيق مبدأ الرقابة على الوحدات المحلية وفقاً للامركزية، من حيث أن يراعي عند الرقابة على تلك الوحدات تحقيق التوازن بين الاستقلال التام والمركزية، من حيث ما ينطوي عليه من ترابط أجهزة ومؤسسات الدولة وتساندها، يوجب إن تكون العلاقة بين الوحدات المحلية والحكومة المركزية محددة بطريقة تسمح بإبراز كامل الاستقلالية، باعتباره الأساس الأول لفكرة اللامركزية الموسعة، حيث أن ضمان الاستقلال يجب ألا يتعارض مع وجود رقابة فعالية وجدية، وألا تقوم مقام الهيئات المحلية بممارسة اختصاصاتها، وبناء عليه يرى الباحث اقتصار دور الرقابة على تحقيق مبدأ المشروعية دون رقابة الملائمة.