الدور الرقابي في تصحيح المسار التنموي للجهات على ضوء المستجدات القانونية
أبو بكر شيبة
باحث في القانون العام،
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا
ترتبط كل من الحكامة الترابية والجهوية المتقدمة بطبيعة الاصلاحات المحتملة لبنية الدولة، باعتبارها لحظة مفصلية في مسار الدولة المغربية من منطلق أن الأمر يتعلق بتغيير وإصلاح بنيتها، وهو مسعى ينعكس تحققه على النظام الأساسي والنظام القانوني برمته، وبالتالي فإنه يتجاوز المستوى البيداغوجي والمنهجي للخطاب حول الإصلاحات الدستورية، حيث أن أهميته تكمن في أنه مشروع عمومي حول إصلاحات هيكلة تهم الدولة وهو يساهم بالتالي في تنظيم المجال الترابي.
وهو ما يجعل من الجهة بمثابة الإطار المجالي الملائم لنسج استراتيجية جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المجالية، وقد تأكد ذلك بعد أن أضحى مفهوم الجهوية في العصر الحاضر يلقى اهتماما كبيرا من طرف الباحثين والمختصين لمعرفة حدود وإمكانيات ما يمكن أن تلعبه الجهة من أدوار فيما يخص التنمية الشاملة .
فقد أكد الملك محمد السادس في إطار الجهوية المتقدمة ضرورة مراجعة التقسيم باعتماد تقسيم ترابي ناجع يتوخى إقامة مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا .
هذا وقد جاءت الدعوة الملكية حول الجهوية المتقدمة في سياقات متعددة، تتجاوب مع التحولات التي لحقت بوظيفة الدولة، فزوال التبريرات التي ميزت مرحلة مركزة القرار الساسي المتمثل في ضرورة المركزية كشرط لبناء الدولة الوطنية والتراجع المتزايد للقطاع العام هذه العناصر جعلت الدولة تعيد النظر في النزعة المركزية.
بالإضافة إلى ارتباط إعادة النظر في المركزية بمسلسل الديمقراطية، فالتفكير والاهتمام بالشأن الجهوي هو من صميم دمقرطة القرار السياسي عبر تطوير آليات المشاركة السياسية عبر مجالس جهوية منتجة لسياسات عمومية محلية.
واستجابة للتحولات التي مست النسق السياسي المغربي تتخلص في تراجع الاهمية القروية حيث أصبحت مراكز المدن هي الرهان الحقيقي للصراع السياسي؛ إذ تزايد الطلب العمومي حول الجهوية، وتم اعتماد مقاربة للتنمية من الأسفل، علاوة على تدبير الاختلالات الترابية والمجالية الناتجة عن تقسيم غير عقلاني وغير معتمد على معايير واضحة.
فالحاجة إلى تبني الحكامة الترابية والجهوية المتقدمة، إذ تم تحديدها من قبل الخطب الملكية، التي تتضمن بعض المداخل لتفسير مضامين ومعالم الجهوية المتقدمة على مستوى جهات المملكة، بحيث أنها ليست جهوية تقنية، إذ الأمر يتعلق بإصلاح بنيوي يقوم على فلسفة جديدة في تدبير التراب، فالخطب الملكية تتحدث عن الحكامة الترابية وعن إعادة وإصلاح الدولة.
ذلك أن دور الدولة في تحقيق عنصر التضامن بين الجهات التي لا تتوفر على نفس المؤهلات الطبيعية والبشرية وهذا يفترض وجود الدولة ضامنة للتضامن بين الجهات عبر بلورة آليات لإعادة توزيع الموارد داخل البلد عبر: وكالات للتنمية أو صناديق خاصة… مما يضطر إلى إمكانية نهج سياسية التمييز الترابي الإيجابي.
وقد اعتبر الملك محمد السادس أن الجهوية بدون تعزيز مسار اللاتمركز تعتبر جهوية ناقصة، فعدم التركيز الإداري هو نظام فعال يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية التقليدية، فهذا النظام يعتمد مقاربة ترابية يقوم على نقل صلاحيات مركزية للمصالح تحت دولتية عن طريق تضمينها الآليات القانونية الملائمة للتقطيع الترابي الناجع، بحيث تخول للولاة والعمال الصلاحيات اللازمة للنهوض بمهامهم على المستوى الترابي .
إذ إن الجهوية المتقدمة واللاتمركز الواسع، محك حقيقي للمضي قدما في إصلاح وتحديث هياكل الدولة. ومن شأن وضع الميثاق الوطني للاتمركز الإداري أن يمنح الجماعات الترابية، وفي مقدمتها المجالس الجهوية، أجهزة إدارية متحررة من العقلية المركزية على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي.. وقادرة على تطبيق مبدإ التدبير الحر.. ومعززة بسلطات تقريرية فعلية وبهامش واسع من المبادرة والخلق والفعل.. في تناسق وانسجام مع المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ومع ممثلي السلطة المركزية من ولاة وعمال.
وتأسيسيا على ما سبق، تطرح اشكالية تحديد العلاقة القائمة بين المخططات التنموية للجهات وفق منظور الجهوية المتقدمة والرقابة الإدارية من منطلق ميثاق اللاتمركز الإداري.
وهو ما سيتم التطرق له وفق محورين أساسيين، إذ سيتم تخصيص الأول منهما للمخططات التنموية للجهات وعلاقتها بالرقابة، في حين سيخصص المحور الثاني لمستجدات اللاتمركز الإداري.
المحور الأول: المخططات التنموية والرقابة صنوان لتنمية ترابية مستدامة
إن الحديث عن ضرورة كسب رهان التنمية الترابية كهدف استراتيجي لا بد من تحقيقه، لا يمكن إلا أن يقودنا إلى الحديث عن أحد أنجع الوسائل والاليات الحديثة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي؛ والذي يتمثل في المخططات باعتبارها منهجية لتدبير الأهداف التنموية انطلاقا من تخصيص وتوجيه الإمكانيات والموارد المتاحة ومن استغلال الفرص الممكنة ومواجهة الاكراهات المحتملة، وذلك في أفق زمن منظور يمكن تصوره والتأثير فيه، بحيث إذا كان منطق التخطيط يفرض عدم انتظار المستقبل من أجل التخطيط له، وحيث إنه إذا كان منطق المسؤولية يفرض على الفاعلين عدم الخضوع لمستقبل قادم والوقوف عند محاولة توقعه، بقدر ما يفرض عليهم التدخل والمساهمة في إبداعه بعزم وإصرار، فإنه يجوز معه القول بأن كسب رهان التنمية المحلية لا يتم إلا من خلال كسب رهان التخطيط.
فالتخطيط منهج وأداة فعالة لترشيد وعقلنة الاختيارات التنموية وإحدى القنوات الرئيسية والهامة التي من شأنها أن تؤهل الجماعات لتصبح قطبا اقتصاديا وقاطرة للتنمية فهو لا يخرج عن كونه تحديد للأهداف المستقبلية والعمل على توفير وسائل تحقيقها في مدة زمنية معينة. فالمخطط إذا ينبغي أن يشكل أداة عمل لسياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. غير أن بسط صلاحيات الجماعات الترابية دون رقابة معينة ستخل دون أدنى شك بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ذلك إن الربط بين تطبيق الجهوية المتقدمة، وتطوير مسلسل اللاتركیز الإداري، یندرج في إطار التطور العام الذي أصبح یشھده المجتمع المغربي، سیاسیا وإداریا وإقتصادیا، ولا ینبغي النظر إلیه، على أنه آلية تقنية تمكن من التخفيف من حدة المركزية، وينقل جملة من الصلاحيات والسلطات، لفائدة ممثلي السلطات المركزية على مختلف الأصعدة المحلیة، بل ھي أكبر من ذلك وأعمق، فھي تندرج ضمن السیاق الطبیعي لإعادة ھیكلة دور الدولة، ھذا الدور الذي إتسم إلى أمد لیس بالبعید بنوع من الھیمنة، ما فتئ ینتقل إلى مستویات أخرى تارة نحو اللامركزیة وتارة أخرى نحو المستوى اللاتمركزية .
ولعل من بین الاجراءات التي تدعم نجاح اللاتركیز، تلك المتعلقة بمستوى وحدود التنسیق القائمة بین مختلف المتدخلین، فطبیعیا أن یكون الإقلیم محطة تمثیلیة، لأغلب الوزارات والإدارات المركزیة والمؤسسات العمومیة، وحتى المؤسسات الخاصة والمجتمع المدني دون أن ننسى دور الجماعات الترابیة بكل أصنافھا، ولتحقیق نوع من التوازن والفعالیة بین مختلف ھؤلاء المتدخلین، یقتضي الأمر وجود تنسیق محكم، وتدبیر ممنھج یتجاوز بكثیر مھام اللجنة التقنیة التي یترأسھا الوالي/العامل حالیا، نحو إطار أكثر فعالیة، یكون على المستوى الجھوي، وبرئاسة ممثل لرئیس الحكومة، وھي نفس الفكرة التي یمكن تعمیمھا على المراكز الجھویة للاستثمارات، التي یجب أن تكون تحت إشراف ممثلي الوزارة الأولى ولیس ممثلي وزارة الداخلیة .
غیر أن إشكالية ضمان تفعیل ھذا التنسیق، یرتبط بإشكالیة التفویض، الذي یترجم بالملموس مدى إستقلالیة المصالح اللاممركزة وحدود ھامشھا في التحرك والتدخل والمنافسة، وباعتباره كذلك المؤشر على مدى التفاعل والتواصل القائم بین المصالح اللاممركزة والجماعات الترابیة، إذ كثیرا ما تصطدم ھذه الأخيرة حینما تقدم بعض مشاریعھا للمصالح اللاممركزة، بطول المسطرة الإدارية، وبطئها وتعدد مستویات القرار وقد تستغرق ھذه العملیة سنوات متعددة، بین إحالة تلك المراسلات على السلطة الوصیة ودراستھا وبرمجتھا ومیزانیتھا، وإخراجھا إلى الوجود، إن ھذه الوضعیة من دون شك تؤثرعلى ضعف مواكبة نظام اللاتركیز لمستوى المركزیة ، وھو الشيء الذي إستنتجه المساھمون في أشغال المناظرة السابعة للجماعات المحلیة عبر التوصيات التالية :
– التخفیف من الوصایة المركزیة على الجماعات المحلیة، بتفویض بعض الاختصاصات إلى العمال
– عدم تركیز المصادقة على وثائق التعمیر
– تفویض سلطة الترخیص لتفویت ملك الدولة الخاص
– تدبیر الموارد البشریة لسائر المصالح على صعید الجھة
– تفویض الرخص الإداریة الفردیة للمصالح الخارجیة المختصة
– إحداث لجنة وطنیة لإحصاء القرارات وأعمال التدبیر التي یجب عدم تركیزھا
– وضع دلائل للإجراءات المسطریة لتسھیل العمل الإداري، ولضمان تواصل الإدارة مع محیطھا الخارجي
وتأسيسا على ما سبق، عرفت الرقابة على الجماعات الترابية عدة تطورات حيث انتقل المغرب من الوصاية التقليدية التي كانت مفروضة على الجماعات الترابية إلى تدخل الرقابة القضائية في الوصاية الإدارية.
ذلك أن القانون التنظيمي للجهات 111.14 لم يتحدث عن الوصاية بل تحدث عن الرقابة الإدارية والقضائية على الجماعات الترابية، وبالتالي تحول المغرب من المفهوم التقليدي للوصاية إلى مفهوم متطور يعتمد على إشراك القضاء في الرقابة على الجماعات الترابية، محتذيا في ذلك بالقانون الفرنسي المنظم للرقابة على الجماعات المحلية، والذي ألغى الرقابة الإدارية المسبقة على الهيئات اللامركزية، وحولها إلى رقابة إدارية بعدية تنتهي إلى رقابة قضائية في حالة الإحالة على القضاء الإداري.
وانطلاقا من الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية؛ نقف عند السلطات الجديدة التي أسندها المشرع للقضاء الإداري، حيث أسند له الاختصاص في البث في النزاعات التي تثور بين السلطة المركزية من خلال ممثليها في الجماعات الترابية والمجالس المنتخبة في إطار الرقابة على الجماعات الترابية،
فهذه المقتضيات تشكل نقلة نوعية في رقابة القضاء الإداري على الجماعات الترابية، إذ أصبح يختص بإنزال العقوبات التأديبية على أعضاء المجالس المنتخبة، وحل هذه المجالس، وهي اختصاصات جديدة تسند للمحاكم الإدارية بالإضافة إلى رقابة المشروعية.
وبناء على ما سبق، فإن مفهوم الرقابة الإدارية مرتبط الى حد كبير بما كان يسمى بالوصاية، إلا أن مجموعة من فقهاء القانون الإداري اعتبروا أن اختيار مفهوم الوصاية لم يكن اختيارا صائبا. في هذا الإطار، يقول جورج فيدل ”إن مصطلح الوصاية، في مادتنا (أي مادة القانون الإداري) قد أخطأوا فيها الاختيار لأنها تستعمل لتعني نوعا من التدبير لأملاك الأشخاص فاقدي الأهلية، ولا تعني المراقبة التي يمارسها أعوان الدولة على أعمال الأجهزة اللامركزية، بهدف فرض احترام المشروعية وتجنب التجاوزات الممكنة وحماية المصلحة الوطنية في مواجهة المصالح المحلية أو التقنية.
وبالرجوع إلى المتن الدستوري وخاصة الفصل 145 الذي نص على أن “يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية” ، وهو ما يؤكد أن الدور الأساسي الذي تلعبه أجهزة الرقابة الإدارية هو تأمين تطبيق القانون في تدبير مجالس الجماعات الترابية لشؤونها، وبالتالي تحقيق المصلحة العامة.
بيد أنه يتم التمييز بين عدة أشكال من الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية؛ فهناك رقابة إدارية على مستوى الشق الإداري المتمثل في تلك التي تمارسها أجهزة المراقبة الإدارية على الأشخاص فيما يخص المنتخبين بصفتهم الفردية أو على المنتخبين بصفتهم الجماعية، والمتمثل أيضا في الرقابة الإدارية على أعمال الجماعات الترابية فيما يخص أعمال مجالس الجماعات الترابية أو أعمال رؤسائها. وهناك رقابة إدارية على مستوى الشق المالي المتمثل في الرقابة الإدارية على مشاريع ميزانيات الجماعات الترابية من جهة، والرقابة الإدارية على تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد، نجد أن الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية تقوم بها أجهزة متعددة ومتنوعة، إذ نجد أنها أسندت –وبدرجة أولى- إلى وزارة الداخلية بصفتها الجهة الوصية، وكذا إلى الوزارة المكلفة بالمالية في درجة ثانية، وذلك على مستوى ممارسة جزء من الرقابة المالية. وقد تم إحداث عدة أجهزة وهيآت إدارية ومالية متخصصة في الرقابة تابعة لهاتين الوزارتين، كالمفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية المحلية، التابعتين لوزارة الداخلية، والمفتشية العامة للمالية والخزينة العامة للمملكة التابعتين للوزارة المكلفة بالمالية، وكل تلك الأجهزة الرقابية تشتغل إلى جانب الرقابة الإدارية الأساسية المسندة إلى وزارة الداخلية، ممثلة في وزير الداخلية أو العمال والولاة حسب نوع الجماعة الترابية المعنية، وحسب أهمية الشأن الإداري أو المالي موضوع الرقابة، هذا ناهيك عن الرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية، من خلال المحاسبين العموميين المضطلعين بمسألة المراقبة المحاسبية للعمليات المالية أثناء التنفيذ المالي والميزانياتي.
وجدير بالذكر إلى الدور التنموي لسلطات المراقبة الإدارية في كونها حلقة وصل بين الإدارية المركزية ومجالس الجماعات الترابية، وتقديم المساعدة لرؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وكذلك قيامها بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، وسهرها على حسن سيرها، وهذا ما أكد عليه ميثاق اللاتمركز الإداري ، من خلال مرتكزين أساسيين هما:
-الجهة باعتبارها الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم الإداري للمملكة، بما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العلاقة بين الإدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي؛
-الدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بما يحقق النجاعة والفعالية والالتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها. بالإضافة إلى أن والي الجهة هو الذي يترأس المراكز الجهوية للاستثمار حيث له دور تنموي مهم في الحركة الاقتصادية داخل المجال الجهوي أو الإقليمي، من خلال تشجيع الاستثمارات وخلق تنمية اقتصادية محلية ناجعة.
لكن من بين الإشكالات التي تحول دون تفعيل مبدأ التدبير الحر وتوتر العلاقة بينه وبين أجهزة المراقبة الإدارية، تلك المتعلقة بمحدودية الموارد البشرية العاملة داخلها، حيث نجد أن على مستوى المنتخبين الترابيين ما زالوا يعانون على مستوى التكوين والمهارات وغياب الأطر الكفؤة والخبرة العلمية التي تؤهلهم للنهوض بمسؤولياتهم وجعلهم في مستوى تطلعات السكان ،أما بالنسبة لوضعية الموظفين الترابيين يعاب عليها ضعف التأطير القانوني للوظيفة العمومية الترابية والذي يوازيه ضعف في التأطير الكمي للإدارات المحلية، كما نجد من بين أهم المشاكل التي تطرح أمام الجماعات الترابية، تضخم عدد الموظفين الجماعيين خاصة على مستوى الجماعات وقلة مردوديتهم، نظرا لقلة عنصري الكفاءة والتخصص في العديد من الحالات ، وهذا ما يتناقض مع مبدأ التدبير الحر الذي يحتاج إلى موارد بشرية قادرة على تحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي.
هذا علاوة على ضرورة التطرق إلى إشكال آخر والمتمثل أساسا بتعدد أجهزة الرقابة الإدارية التي غالبا ما يطبعها عدم وجود تنسيق مسبق ومخطط أو تعاون أو برنامج يقسم العمل الرقابي بين هذه الأجهزة ، وكذا البطء في العمل الرقابي، بالإضافة إلى الآجال القانونية القصيرة المدى المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي لم تراع بُعد بعض الجماعات الترابية التي توجد في الوسط القروي.
وفي الختام، و لتجاوز الوضعية الراهنة التي تشهدها منظومة الرقابة الإدارية في علاقتها بمبدأ التدبير الحر، من أجل فرز علاقة يطبعها التناسق والتناغم في عمل الجماعات الترابية، لأن البرامج التنموية الترابية الناجعة في حاجة ماسة إلى نظام رقابي متطور يراعي التطورات والتحديثات التي يشهدها التدبير العمومي بصفة عامة، وبالخصوص ما يتعلق بالرقمنة الإدارية التي من خلالها يمكن إيجاد تنسيق مسبق وسرعة وفعالية وعقلنة في العمل تتجاوز الطرق التقليدية التي تتسم بالتعقيد والبطء، وكذلك تحقيق القرب بين الجماعات الترابية فيما بينها، وبينها وبين سلطات الرقابة الإدارية.
المحور الثاني: تداعيات المستجدات القانونية للاتمركز الإداري على الدور التنموي للجهات
شكل نظام اللاتمركز الإداري في المغرب خيارا استراتيجيا، ورهانا مفصليا في تنمية وحكامة تدبير الشأن الترابي بهدف مواجهة مختلف التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والاستجابة لمطامح وتطلعات المواطنين. وقد ظل نظام اللاتركيز الإداري منذ الاستقلال مرجعية ثابتة، وبعدا حاضرا في الخطب الملكية، التي تضمنت مساعي حقيقية لتحديث الإدارة المحلية، حيث شكلت خطب الملك الراحل محمد الخامس المنطلق في التأسيس لنظام اللاتمركز الإداري، تلتها بعد ذلك خطب الملك الراحل الحسن الثاني، الذي طالما أكد على ضرورة الاستثمار في منظومة الإصلاح الإداري عبر مدخل إصلاح نظام اللاتمركز الإداري، مع ضرورة ربطه بإصلاح نظام اللامركزية الإدارية خصوصا في ظل انعقاد المناظرات الوطنية للجماعات الترابية إضافة إلى ما حملته مضامين المخططات الاقتصادية.
بيد أن الإطار القانوني الناظم للاتركيز الإداري منذ الاستقلال لم يستطع مواكبة الإصلاح الذي عرفته اللامركزية الإدارية، طالما كان يكرس هيمنة الإدارة المركزية على المصالح اللاممركزة، وعدم ملاءمة اللاتمركز الإداري مع بنيات وهياكل اللامركزية الإدارية، وضعف التنسيق والتناسق والانسجام أيضا بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة في تدبير مختلف المشاريع والبرامج على المستوى المحلي. وقد عانت السياسة العمومية من غياب التوزيع العادل للموارد البشرية والكفاءات عموديا بين المركز والإدارة الترابية، وأفقيا على مستوى الإدارات والمصالح اللاممركزة مما عرقل إلى حد كبير مسارات التنمية المندمجة والمستدامة.
وفي هذا السياق كانت الحاجة إلى مواكبة التحولات الديمقراطية والمستجدات التدبيرية التي يعرفها المغرب، والتي تستلزم ضرورة تحديث نظام اللاتركيز الإداري، لمسايرة مختلف أوراش الإصلاح التي طالت مجمل المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تستمد أصولها ومرجعيتها من الاختيارات الإستراتيجية التي وضعها الدستور الجديد المعزز بتوجيهات الخطب الملكية حول الجهوية الموسعة، حيث توجت مؤخرا باعتماد ميثاق اللاتركيز الإداري.
مما جعل من ميثاق اللاتمركز الإداري يشكل لبنة أساسية لبناء جهوية متقدمة ناجحة، وحلقة في مسلسل الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي شهدتها بلادنا خاصة بعد دستور 2011، كما يعد خيار سياسي ودستوري أساسي داعم للجهوية المتقدمة ، فالسياق الذي واكب صدور الميثاق مرتبط بمتغيرات سياسية، اقتصادية واجتماعية، حيث عمل خطاب عيد العرش ليوم 22 يوليوز 2018 على بزوغ هذا الميثاق بشكل صريح، حث فيه الحكومة على إخراج هذا الأخير إلى حيز الوجود باعتباره نظام فعال لادارة لامتمركزة يقوم على مقاربة ترابية، حيث صادقت هذه الأخيرة بدورها على هذا الإصلاح المهيكل بتاريخ 27 دجنبر 2018.
ومواكبة لمستجدات ورش الجھویة المتقدمة، استدعت الضرورة إعادة النظر في العلاقة بین المركز والمجال الترابي، من أجل تحقیق حكامة ترابیة، وذلك عن طریق اعتماد تقطيع ترابي جدید یسمح بتحقیق التوازن والتكافؤ بین الجھات من حیث الموارد والإمكانات، مع إعطاء الأولوية للمناطق والأقاليم الجنوبية، في إطار المبادرة الوطنیة لمنح الأقالیم الصحراویة حكم ذاتي، من أجل حل النزاع حول الصحراء، كما یتعین مراجعة منظومة ومسلسل اللاتركیز الإداري، من أجل تحسين أداء المصالح اللاممركزة وتقویة التنسیق بینھا، ثم تفعیل التعاون بین المصالح الخارجیة للدولة والجماعات الترابیة .
وتأسيسا على ما سبق، تعد بين الآليات المهمة التي اهتدى إليها المشرع تلك المتعلقة بسن نظام اللاتمركز الإداري الذي يسعى إلى إحداث قطيعة مع النظام المركزي التقليدي، من خلال الحد من تمركز سلطة اتخاذ القرار على مستوى الإدارات المركزية، وحصر نشاطها في الوظائف الإستراتيجية المتمثلة في بلورة تصور السياسات العمومية، مع ترك تنفيذها وتنزيلها على المستوى الترابي إلى المصالح اللاممركزة .
وفي هذا الإطار عمل المرسوم الجديد للاتمركز الإداري على تقوية مكانة مؤسسة الوالي والعامل حيث نصت المادة الخامسة من المرسوم على “الدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها ومراقبتها تحت سلطة الوزراء المعنيين بما يحقق النجاعة والفعالية والاتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها” :
• العمل على تحقيق الانسجام والتقائية ووحدة عمل المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي.
• العمل على تحقيق الانسجام والتقائية ما بين سياسات البرامج والمشاريع العمومية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية.
• العمل على تأمين استمرارية الخدمات العمومية للدولة على المستوى الجهوي.
• إبداء الرأي بشأن مقترحات الميزانية لثلاث سنوات، وتقارير نجاعة الأداء القطاعية وكذا المقترحات المعدة على المستوى الجهوي المتعلقة بإعداد مشاريع الميزانيات القطاعية، وكذا مخططات الدولة للاستثمار المتلائمة معه، وذلك انسجاما مع توجهات الدولة بهذا الخصوص.
• إبداء الرأي بشأن مقترحات توزيع الإعتمادات المالية حسب الحاجيات والبرامج الجهوية وذلك انسجاما مع التوجهات العامة للدولة.
• مواكبة برامج ومشاريع الاستثمار المقررة، وأشغال التجهيز المراد إنجازها على المستوى الجهوي، واقتراح التدابير الكفيلة بتذليل كل الصعوبات التي تعترض إنجازها.
• تتبع تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على المستوى الجهوي
والجدير بالإشارة أنه وفقا لدستور 2011 تمت إعادة النظر في العلاقة الرابطة بين الجماعات الترابية بالعمال والولاة أخذا بعين الاعتبار مجموعة من المبادئ الدستورية ، إذ يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ في التدبير الحر … (الفصل 136)، كما يقوم رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى بتنفيذ مداولات هذه المجالس و مقررتها ، وذلك على أساس مساعدة الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية و خاصة رؤساء مجالس الجهوية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية .
ويمكن تفسير إعادة تركيز مهام الولاة والعمال من خلال الفصل 145 بهدف تحقيق التكييف المنطقي للاختصاصات والتوطيد للامركزية والارتقاء بموقع هؤلاء الموظفين السامين كممثلين للحكومة في الجماعات الترابية.
وعلى ضوء ما سبق، فقد عمل دستور 2011 على توسيع مهام الولاة والعمال لإقامة مسلسل لا رجعة فيه ينطوي على إبداع سياسي يتمثل في قلب منطق اشتغال الإدارة القائم على نظام المركزية. ونظرا لما للولاة والعمال من مهام السهر على تطبيق القوانين والأنظمة والقرارات الحكومية وتمثيل الدولة في الجهات والعمالات والأقاليم، كان ينبغي أن توكل لهم صلاحيات واضحة وفعلية ليتمكنوا من تنسيق المصالح اللاممركزة والتأكد من حسن تسييرها ومن حسن سير برامجها ومشاريعها، في حدود دائرة اختصاصهم الترابي.
ولضمان نوع من التنسيق في المشاريع المراد إنجازها، لاسيما أن تراب الولاية أو العمالة تضم العديد من المتدخلين إلى جانب رجال السلطة، من ممثليات الوزارات والمؤسسات العمومية الجهوية أو المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، فإن الضرورة ألحت إيجاد وسيلة عمل تجمع كل هؤلاء المتدخلين، ومن هنا جاء التنصيص على اللجنة التقنية التي تضم إضافة إلى العامل بصفته رئيسا، الكاتب العام للعمالة أو الإقليم ورؤساء الدوائر، ورؤساء المصالح الخارجية للإدارات المركزية التابعة للدولة، مديري المؤسسات العامة المتواجدة بتراب العمالة أو الإقليم، كل شخص من ذوي الدراية والأهمية والذي بإمكانه تقديم خدمات في هذا الإطار.
هذا، علاوة على ضرورة تقوية دور الولاة والعمال في مجال اللاتركيز، فإن الدستور المغربي لسنة 2011 قد ارتقى بالوضعية القانونية لمندوبيات الوزارات على المستوى الترابي من المصالح الخارجية إلى المصالح اللاممركزة تعزيزا لسياسة اللاتركيز.
إذ إن اختيار المشرع المغربي لمصطلح “المصالح اللاممركزة ” بدل مصطلح “المصالح الخارجية” يدل على الأهمية التي يحظى بها تدعيم نظام اللاتركيز الإداري ببلادنا. وذلك بغية نهج سياسة لتجميع المصالح غير الممركزة على مستوى الجهة، وذلك في اتجاه التخلي عن التموقع على المستوى الإقليمي لفائدة التموقع على المستوى الجهوي .
بحيث أن الجهة ستشكل مجالا مفضلا لإحلال سياسة عدم التركيز، وستتيح للإدارة المركزية مراقبة وتأمين استمرارية أنشطة مصالحها غير الممركزة ليس فقط عن طريق مندوبيها الجهويين، ولكن أيضا عن طريق العامل كممثل للدولة من جهة، وباعتباره مسؤولا عن تنفيذ القرارات الحكومية من جهة أخرى، وقائما على ضمان التنسيق بين مختلف أنشطة هذه المصالح .
على أساس إن رهان التنمية الجهوية يفرض على الإدارات المركزية في إطار سياسة اللاتركيز الإداري، إحداث مصالح غير ممركزة على مستوى الاختصاصات والموارد بكل الجهات، حتى تتمكن هذه الأخيرة بواسطة والي الجهة وعمال الأقاليم النظر في توزيع هذه المصالح بالتوازي على باقي التراب الوطني .
وبالتالي يعد اللاتركيز بمثابة لازمة للامركزية، بحيث أنه لتوفير النجاح لهذا المبدأ كان على الدولة أن تؤكد التزامها المحلي بوضع المؤسسات الغير متمركزة من أجل إقامة حوار بين المنتخبين المحليين والممثلين المحليين للدولة
وتأسيسا على ما سبق إن الغاية من اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري والعمل على تفعيله، هو إنجاح رهان التأسيس لمفهوم جديد لنظام اللاتمركز الإداري، من شأنه تصويب اختلالات وأعطاب النسق التقليدي للاتمركز الإداري، وإقرار منظومة لاتركيز السلطات والاختصاصات والوسائل المادية والبشرية والمالية، لفائدة الوحدات الإدارية اللاممركزة التابعة لمختلف القطاعات الوزارية، واعتماد سياسة التحديث والعصرنة والحكامة الترابية.
بحيث إن إصلاح نظام اللاتمركز الإداري يقتضي التحديد الدقيق لدور الإدارات المركزية وحصر صلاحياتها في القيام بمهام التأطير والتصور والتوجيه وتقييم ومراقبة أداء الإدارات اللاممركزة، فضلا عن تحضير وإعداد النصوص التشريعية والتنظيمية انسجاما مع مبدأ التفريع .
كما يستوجب تحديد الدور المحوري الذي يمكن أن يقوم به الولاة والعمال على مستوى تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة على المستوى الإقليمي والجهوي، بما يكفل تحقيق التكامل والانسجام والتناغم والالتقائية، لمنطق ومنهجية اشتغال أجهزة الدولة، بما يستجيب لمتطلبات مختلف مبادرات الجماعات الترابية بخصوص إعداد التصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية، والتنسيق أيضا بين أنشطة وبرامج المؤسسات العمومية وأنشطة المصالح اللاممركزة للدولة على المستوى الترابي المرتبطة بتدبير السياسات العمومية ذات البعد الترابي و تحقيق نجاعة التدبير اللاممركز للاستثمار أيضا.
كما أن إنجاح ورش نظام اللاتمركز الإداري لن يتأتى إلا عبر اعتماد مقاربة شمولية تستهدف إحداث منظومة قانونية متكاملة ومتجانسة وقواعد تنظيمية وإجرائية مرنة ورشيدة، تخدم بالأساس بناء صرح متين، يجسد التلاؤم بين سياسات اللاتمركز واللامركزية والجهوية المتقدمة في إطار تنوع الديناميات الترابية وموجبات تقاسم المسؤوليات، والتحديد الدقيق لمجالات التدخل ودعم الفواصل بين مختلف الفاعلين مع توحيد التدخلات وتضافر الجهود على المستوى الوطني والترابي من أجل رفع تحديات النجاعة والفعالية في التدبير والتسيير، وتحقيق رهان التنمية المستدامة والمندمجة، خصوصا وان دستور 29 يوليوز 2011، قد أولى لموضوع الجهوية واللاتمركز الإداري أهمية بالغة حيث خصص له 12 فصلا، ومن جملة ما تضمنه الفصل 136 من الدستور “أن التنظيم الجهوي والترابي قائم على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن”، وكرس أسس الديمقراطية التشاركية القائمة على المشاركة الواسعة للمواطنين في تدبير شؤونهم المحلية والوطنية والمساهمة المثمرة في تحقيق التنمية.
مما سيجعل من اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري بدون شك سيشكل مرجعية توجيهية صلبة ويعد بمثابة نقطة انطلاق جوهرية في استسواء وتأهيل نظام اللاتمركز الإداري، طالما انه ينطلق من رؤية شمولية للإصلاح تستهدف مختلف عناصر نظام اللاتمركز الإداري، وهي الرؤية التي تبلورت من خلال مقاربة تشخيصية لمجمل الاختلالات القائمة.
ذلك أن اللاتمركز الإداري يروم تخويل السلط والوسائل وقدرة المبادرة لفائدة المصالح اللاممركزة لتحقيق الفعالية والنجاعة في تنفيذ السياسات العمومية المقررة على المستوى المركزي، ولضمان الإنصاف في التغطية الترابية لتقريب الخدمات من المرتفقين والمتدخلين المحليين.
وتتمثل المبادئ الموجهة لمشروع اللاتمركز الإداري في تبويء الجهة مركز الصدارة في تمثيل الإدارة المركزية على المستوى الترابي، وفي إقامة العالقات بين الإدارة المركزية ومصالحها اللاممركزة، اعتبارا لكون المستوى الجهوي يمثل الإطار الملائم لانسجام والتقائية السياسات والبرامج العمومية لمختلف القطاعات، وكذا للمواكبة والمساعدة التقنية لفائدة الجماعات الترابية، لاسيما الجهة. حيث سيتم الانتقال من الصيغة التي كان فيها مستوى العمالات والأقاليم يشكل محور تجميع الاختصاصات اللامتمركزة، إلى صيغة متقدمة تخول الجهة مركز الصدارة في تنسيق الاختصاصات اللامتمركزة لمصالح الدولة، مع توضيح أدوار الإدارات المركزية التي يجب أن تنحصر في بلورة التصور وتأطير السياسات والبرامج العمومية على المستوى الوطني وتقييم وتتبع نجاعة أداء المصالح اللاممركزة، وكذا إعداد النصوص القانونية والتنظيمية، مع تخويل المصالح اللاممركزة اختصاص تنفيذ السياسات العمومية وإنجاز المشاريع والبرامج، وكذا تقديم المساعدة والدعم التقني للجماعات الترابية؛ مع تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة من خلال إحداث إدارات جهوية مشتركة وقوية تكون قادرة على إنجاز المشاريع الجهوية التي تستوجب تدخل عدة مصالح وزارية متواجدة على المستوى الترابي بما يحقق وحدة تدخل الدولة على المستوى الجهوي .
الدور الرقابي في تصحيح المسار التنموي للجهات على ضوء المستجدات القانونية
أبو بكر شيبة
باحث في القانون العام،
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا
ترتبط كل من الحكامة الترابية والجهوية المتقدمة بطبيعة الاصلاحات المحتملة لبنية الدولة، باعتبارها لحظة مفصلية في مسار الدولة المغربية من منطلق أن الأمر يتعلق بتغيير وإصلاح بنيتها، وهو مسعى ينعكس تحققه على النظام الأساسي والنظام القانوني برمته، وبالتالي فإنه يتجاوز المستوى البيداغوجي والمنهجي للخطاب حول الإصلاحات الدستورية، حيث أن أهميته تكمن في أنه مشروع عمومي حول إصلاحات هيكلة تهم الدولة وهو يساهم بالتالي في تنظيم المجال الترابي.
وهو ما يجعل من الجهة بمثابة الإطار المجالي الملائم لنسج استراتيجية جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المجالية، وقد تأكد ذلك بعد أن أضحى مفهوم الجهوية في العصر الحاضر يلقى اهتماما كبيرا من طرف الباحثين والمختصين لمعرفة حدود وإمكانيات ما يمكن أن تلعبه الجهة من أدوار فيما يخص التنمية الشاملة .
فقد أكد الملك محمد السادس في إطار الجهوية المتقدمة ضرورة مراجعة التقسيم باعتماد تقسيم ترابي ناجع يتوخى إقامة مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا .
هذا وقد جاءت الدعوة الملكية حول الجهوية المتقدمة في سياقات متعددة، تتجاوب مع التحولات التي لحقت بوظيفة الدولة، فزوال التبريرات التي ميزت مرحلة مركزة القرار الساسي المتمثل في ضرورة المركزية كشرط لبناء الدولة الوطنية والتراجع المتزايد للقطاع العام هذه العناصر جعلت الدولة تعيد النظر في النزعة المركزية.
بالإضافة إلى ارتباط إعادة النظر في المركزية بمسلسل الديمقراطية، فالتفكير والاهتمام بالشأن الجهوي هو من صميم دمقرطة القرار السياسي عبر تطوير آليات المشاركة السياسية عبر مجالس جهوية منتجة لسياسات عمومية محلية.
واستجابة للتحولات التي مست النسق السياسي المغربي تتخلص في تراجع الاهمية القروية حيث أصبحت مراكز المدن هي الرهان الحقيقي للصراع السياسي؛ إذ تزايد الطلب العمومي حول الجهوية، وتم اعتماد مقاربة للتنمية من الأسفل، علاوة على تدبير الاختلالات الترابية والمجالية الناتجة عن تقسيم غير عقلاني وغير معتمد على معايير واضحة.
فالحاجة إلى تبني الحكامة الترابية والجهوية المتقدمة، إذ تم تحديدها من قبل الخطب الملكية، التي تتضمن بعض المداخل لتفسير مضامين ومعالم الجهوية المتقدمة على مستوى جهات المملكة، بحيث أنها ليست جهوية تقنية، إذ الأمر يتعلق بإصلاح بنيوي يقوم على فلسفة جديدة في تدبير التراب، فالخطب الملكية تتحدث عن الحكامة الترابية وعن إعادة وإصلاح الدولة.
ذلك أن دور الدولة في تحقيق عنصر التضامن بين الجهات التي لا تتوفر على نفس المؤهلات الطبيعية والبشرية وهذا يفترض وجود الدولة ضامنة للتضامن بين الجهات عبر بلورة آليات لإعادة توزيع الموارد داخل البلد عبر: وكالات للتنمية أو صناديق خاصة… مما يضطر إلى إمكانية نهج سياسية التمييز الترابي الإيجابي.
وقد اعتبر الملك محمد السادس أن الجهوية بدون تعزيز مسار اللاتمركز تعتبر جهوية ناقصة، فعدم التركيز الإداري هو نظام فعال يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية التقليدية، فهذا النظام يعتمد مقاربة ترابية يقوم على نقل صلاحيات مركزية للمصالح تحت دولتية عن طريق تضمينها الآليات القانونية الملائمة للتقطيع الترابي الناجع، بحيث تخول للولاة والعمال الصلاحيات اللازمة للنهوض بمهامهم على المستوى الترابي .
إذ إن الجهوية المتقدمة واللاتمركز الواسع، محك حقيقي للمضي قدما في إصلاح وتحديث هياكل الدولة. ومن شأن وضع الميثاق الوطني للاتمركز الإداري أن يمنح الجماعات الترابية، وفي مقدمتها المجالس الجهوية، أجهزة إدارية متحررة من العقلية المركزية على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي.. وقادرة على تطبيق مبدإ التدبير الحر.. ومعززة بسلطات تقريرية فعلية وبهامش واسع من المبادرة والخلق والفعل.. في تناسق وانسجام مع المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ومع ممثلي السلطة المركزية من ولاة وعمال.
وتأسيسيا على ما سبق، تطرح اشكالية تحديد العلاقة القائمة بين المخططات التنموية للجهات وفق منظور الجهوية المتقدمة والرقابة الإدارية من منطلق ميثاق اللاتمركز الإداري.
وهو ما سيتم التطرق له وفق محورين أساسيين، إذ سيتم تخصيص الأول منهما للمخططات التنموية للجهات وعلاقتها بالرقابة، في حين سيخصص المحور الثاني لمستجدات اللاتمركز الإداري.
المحور الأول: المخططات التنموية والرقابة صنوان لتنمية ترابية مستدامة
إن الحديث عن ضرورة كسب رهان التنمية الترابية كهدف استراتيجي لا بد من تحقيقه، لا يمكن إلا أن يقودنا إلى الحديث عن أحد أنجع الوسائل والاليات الحديثة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي؛ والذي يتمثل في المخططات باعتبارها منهجية لتدبير الأهداف التنموية انطلاقا من تخصيص وتوجيه الإمكانيات والموارد المتاحة ومن استغلال الفرص الممكنة ومواجهة الاكراهات المحتملة، وذلك في أفق زمن منظور يمكن تصوره والتأثير فيه، بحيث إذا كان منطق التخطيط يفرض عدم انتظار المستقبل من أجل التخطيط له، وحيث إنه إذا كان منطق المسؤولية يفرض على الفاعلين عدم الخضوع لمستقبل قادم والوقوف عند محاولة توقعه، بقدر ما يفرض عليهم التدخل والمساهمة في إبداعه بعزم وإصرار، فإنه يجوز معه القول بأن كسب رهان التنمية المحلية لا يتم إلا من خلال كسب رهان التخطيط.
فالتخطيط منهج وأداة فعالة لترشيد وعقلنة الاختيارات التنموية وإحدى القنوات الرئيسية والهامة التي من شأنها أن تؤهل الجماعات لتصبح قطبا اقتصاديا وقاطرة للتنمية فهو لا يخرج عن كونه تحديد للأهداف المستقبلية والعمل على توفير وسائل تحقيقها في مدة زمنية معينة. فالمخطط إذا ينبغي أن يشكل أداة عمل لسياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. غير أن بسط صلاحيات الجماعات الترابية دون رقابة معينة ستخل دون أدنى شك بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ذلك إن الربط بين تطبيق الجهوية المتقدمة، وتطوير مسلسل اللاتركیز الإداري، یندرج في إطار التطور العام الذي أصبح یشھده المجتمع المغربي، سیاسیا وإداریا وإقتصادیا، ولا ینبغي النظر إلیه، على أنه آلية تقنية تمكن من التخفيف من حدة المركزية، وينقل جملة من الصلاحيات والسلطات، لفائدة ممثلي السلطات المركزية على مختلف الأصعدة المحلیة، بل ھي أكبر من ذلك وأعمق، فھي تندرج ضمن السیاق الطبیعي لإعادة ھیكلة دور الدولة، ھذا الدور الذي إتسم إلى أمد لیس بالبعید بنوع من الھیمنة، ما فتئ ینتقل إلى مستویات أخرى تارة نحو اللامركزیة وتارة أخرى نحو المستوى اللاتمركزية .
ولعل من بین الاجراءات التي تدعم نجاح اللاتركیز، تلك المتعلقة بمستوى وحدود التنسیق القائمة بین مختلف المتدخلین، فطبیعیا أن یكون الإقلیم محطة تمثیلیة، لأغلب الوزارات والإدارات المركزیة والمؤسسات العمومیة، وحتى المؤسسات الخاصة والمجتمع المدني دون أن ننسى دور الجماعات الترابیة بكل أصنافھا، ولتحقیق نوع من التوازن والفعالیة بین مختلف ھؤلاء المتدخلین، یقتضي الأمر وجود تنسیق محكم، وتدبیر ممنھج یتجاوز بكثیر مھام اللجنة التقنیة التي یترأسھا الوالي/العامل حالیا، نحو إطار أكثر فعالیة، یكون على المستوى الجھوي، وبرئاسة ممثل لرئیس الحكومة، وھي نفس الفكرة التي یمكن تعمیمھا على المراكز الجھویة للاستثمارات، التي یجب أن تكون تحت إشراف ممثلي الوزارة الأولى ولیس ممثلي وزارة الداخلیة .
غیر أن إشكالية ضمان تفعیل ھذا التنسیق، یرتبط بإشكالیة التفویض، الذي یترجم بالملموس مدى إستقلالیة المصالح اللاممركزة وحدود ھامشھا في التحرك والتدخل والمنافسة، وباعتباره كذلك المؤشر على مدى التفاعل والتواصل القائم بین المصالح اللاممركزة والجماعات الترابیة، إذ كثیرا ما تصطدم ھذه الأخيرة حینما تقدم بعض مشاریعھا للمصالح اللاممركزة، بطول المسطرة الإدارية، وبطئها وتعدد مستویات القرار وقد تستغرق ھذه العملیة سنوات متعددة، بین إحالة تلك المراسلات على السلطة الوصیة ودراستھا وبرمجتھا ومیزانیتھا، وإخراجھا إلى الوجود، إن ھذه الوضعیة من دون شك تؤثرعلى ضعف مواكبة نظام اللاتركیز لمستوى المركزیة ، وھو الشيء الذي إستنتجه المساھمون في أشغال المناظرة السابعة للجماعات المحلیة عبر التوصيات التالية :
– التخفیف من الوصایة المركزیة على الجماعات المحلیة، بتفویض بعض الاختصاصات إلى العمال
– عدم تركیز المصادقة على وثائق التعمیر
– تفویض سلطة الترخیص لتفویت ملك الدولة الخاص
– تدبیر الموارد البشریة لسائر المصالح على صعید الجھة
– تفویض الرخص الإداریة الفردیة للمصالح الخارجیة المختصة
– إحداث لجنة وطنیة لإحصاء القرارات وأعمال التدبیر التي یجب عدم تركیزھا
– وضع دلائل للإجراءات المسطریة لتسھیل العمل الإداري، ولضمان تواصل الإدارة مع محیطھا الخارجي
وتأسيسا على ما سبق، عرفت الرقابة على الجماعات الترابية عدة تطورات حيث انتقل المغرب من الوصاية التقليدية التي كانت مفروضة على الجماعات الترابية إلى تدخل الرقابة القضائية في الوصاية الإدارية.
ذلك أن القانون التنظيمي للجهات 111.14 لم يتحدث عن الوصاية بل تحدث عن الرقابة الإدارية والقضائية على الجماعات الترابية، وبالتالي تحول المغرب من المفهوم التقليدي للوصاية إلى مفهوم متطور يعتمد على إشراك القضاء في الرقابة على الجماعات الترابية، محتذيا في ذلك بالقانون الفرنسي المنظم للرقابة على الجماعات المحلية، والذي ألغى الرقابة الإدارية المسبقة على الهيئات اللامركزية، وحولها إلى رقابة إدارية بعدية تنتهي إلى رقابة قضائية في حالة الإحالة على القضاء الإداري.
وانطلاقا من الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية؛ نقف عند السلطات الجديدة التي أسندها المشرع للقضاء الإداري، حيث أسند له الاختصاص في البث في النزاعات التي تثور بين السلطة المركزية من خلال ممثليها في الجماعات الترابية والمجالس المنتخبة في إطار الرقابة على الجماعات الترابية،
فهذه المقتضيات تشكل نقلة نوعية في رقابة القضاء الإداري على الجماعات الترابية، إذ أصبح يختص بإنزال العقوبات التأديبية على أعضاء المجالس المنتخبة، وحل هذه المجالس، وهي اختصاصات جديدة تسند للمحاكم الإدارية بالإضافة إلى رقابة المشروعية.
وبناء على ما سبق، فإن مفهوم الرقابة الإدارية مرتبط الى حد كبير بما كان يسمى بالوصاية، إلا أن مجموعة من فقهاء القانون الإداري اعتبروا أن اختيار مفهوم الوصاية لم يكن اختيارا صائبا. في هذا الإطار، يقول جورج فيدل ”إن مصطلح الوصاية، في مادتنا (أي مادة القانون الإداري) قد أخطأوا فيها الاختيار لأنها تستعمل لتعني نوعا من التدبير لأملاك الأشخاص فاقدي الأهلية، ولا تعني المراقبة التي يمارسها أعوان الدولة على أعمال الأجهزة اللامركزية، بهدف فرض احترام المشروعية وتجنب التجاوزات الممكنة وحماية المصلحة الوطنية في مواجهة المصالح المحلية أو التقنية.
وبالرجوع إلى المتن الدستوري وخاصة الفصل 145 الذي نص على أن “يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية” ، وهو ما يؤكد أن الدور الأساسي الذي تلعبه أجهزة الرقابة الإدارية هو تأمين تطبيق القانون في تدبير مجالس الجماعات الترابية لشؤونها، وبالتالي تحقيق المصلحة العامة.
بيد أنه يتم التمييز بين عدة أشكال من الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية؛ فهناك رقابة إدارية على مستوى الشق الإداري المتمثل في تلك التي تمارسها أجهزة المراقبة الإدارية على الأشخاص فيما يخص المنتخبين بصفتهم الفردية أو على المنتخبين بصفتهم الجماعية، والمتمثل أيضا في الرقابة الإدارية على أعمال الجماعات الترابية فيما يخص أعمال مجالس الجماعات الترابية أو أعمال رؤسائها. وهناك رقابة إدارية على مستوى الشق المالي المتمثل في الرقابة الإدارية على مشاريع ميزانيات الجماعات الترابية من جهة، والرقابة الإدارية على تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد، نجد أن الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية تقوم بها أجهزة متعددة ومتنوعة، إذ نجد أنها أسندت –وبدرجة أولى- إلى وزارة الداخلية بصفتها الجهة الوصية، وكذا إلى الوزارة المكلفة بالمالية في درجة ثانية، وذلك على مستوى ممارسة جزء من الرقابة المالية. وقد تم إحداث عدة أجهزة وهيآت إدارية ومالية متخصصة في الرقابة تابعة لهاتين الوزارتين، كالمفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية المحلية، التابعتين لوزارة الداخلية، والمفتشية العامة للمالية والخزينة العامة للمملكة التابعتين للوزارة المكلفة بالمالية، وكل تلك الأجهزة الرقابية تشتغل إلى جانب الرقابة الإدارية الأساسية المسندة إلى وزارة الداخلية، ممثلة في وزير الداخلية أو العمال والولاة حسب نوع الجماعة الترابية المعنية، وحسب أهمية الشأن الإداري أو المالي موضوع الرقابة، هذا ناهيك عن الرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية، من خلال المحاسبين العموميين المضطلعين بمسألة المراقبة المحاسبية للعمليات المالية أثناء التنفيذ المالي والميزانياتي.
وجدير بالذكر إلى الدور التنموي لسلطات المراقبة الإدارية في كونها حلقة وصل بين الإدارية المركزية ومجالس الجماعات الترابية، وتقديم المساعدة لرؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وكذلك قيامها بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، وسهرها على حسن سيرها، وهذا ما أكد عليه ميثاق اللاتمركز الإداري ، من خلال مرتكزين أساسيين هما:
-الجهة باعتبارها الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم الإداري للمملكة، بما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العلاقة بين الإدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي؛
-الدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بما يحقق النجاعة والفعالية والالتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها. بالإضافة إلى أن والي الجهة هو الذي يترأس المراكز الجهوية للاستثمار حيث له دور تنموي مهم في الحركة الاقتصادية داخل المجال الجهوي أو الإقليمي، من خلال تشجيع الاستثمارات وخلق تنمية اقتصادية محلية ناجعة.
لكن من بين الإشكالات التي تحول دون تفعيل مبدأ التدبير الحر وتوتر العلاقة بينه وبين أجهزة المراقبة الإدارية، تلك المتعلقة بمحدودية الموارد البشرية العاملة داخلها، حيث نجد أن على مستوى المنتخبين الترابيين ما زالوا يعانون على مستوى التكوين والمهارات وغياب الأطر الكفؤة والخبرة العلمية التي تؤهلهم للنهوض بمسؤولياتهم وجعلهم في مستوى تطلعات السكان ،أما بالنسبة لوضعية الموظفين الترابيين يعاب عليها ضعف التأطير القانوني للوظيفة العمومية الترابية والذي يوازيه ضعف في التأطير الكمي للإدارات المحلية، كما نجد من بين أهم المشاكل التي تطرح أمام الجماعات الترابية، تضخم عدد الموظفين الجماعيين خاصة على مستوى الجماعات وقلة مردوديتهم، نظرا لقلة عنصري الكفاءة والتخصص في العديد من الحالات ، وهذا ما يتناقض مع مبدأ التدبير الحر الذي يحتاج إلى موارد بشرية قادرة على تحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي.
هذا علاوة على ضرورة التطرق إلى إشكال آخر والمتمثل أساسا بتعدد أجهزة الرقابة الإدارية التي غالبا ما يطبعها عدم وجود تنسيق مسبق ومخطط أو تعاون أو برنامج يقسم العمل الرقابي بين هذه الأجهزة ، وكذا البطء في العمل الرقابي، بالإضافة إلى الآجال القانونية القصيرة المدى المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي لم تراع بُعد بعض الجماعات الترابية التي توجد في الوسط القروي.
وفي الختام، و لتجاوز الوضعية الراهنة التي تشهدها منظومة الرقابة الإدارية في علاقتها بمبدأ التدبير الحر، من أجل فرز علاقة يطبعها التناسق والتناغم في عمل الجماعات الترابية، لأن البرامج التنموية الترابية الناجعة في حاجة ماسة إلى نظام رقابي متطور يراعي التطورات والتحديثات التي يشهدها التدبير العمومي بصفة عامة، وبالخصوص ما يتعلق بالرقمنة الإدارية التي من خلالها يمكن إيجاد تنسيق مسبق وسرعة وفعالية وعقلنة في العمل تتجاوز الطرق التقليدية التي تتسم بالتعقيد والبطء، وكذلك تحقيق القرب بين الجماعات الترابية فيما بينها، وبينها وبين سلطات الرقابة الإدارية.
المحور الثاني: تداعيات المستجدات القانونية للاتمركز الإداري على الدور التنموي للجهات
شكل نظام اللاتمركز الإداري في المغرب خيارا استراتيجيا، ورهانا مفصليا في تنمية وحكامة تدبير الشأن الترابي بهدف مواجهة مختلف التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والاستجابة لمطامح وتطلعات المواطنين. وقد ظل نظام اللاتركيز الإداري منذ الاستقلال مرجعية ثابتة، وبعدا حاضرا في الخطب الملكية، التي تضمنت مساعي حقيقية لتحديث الإدارة المحلية، حيث شكلت خطب الملك الراحل محمد الخامس المنطلق في التأسيس لنظام اللاتمركز الإداري، تلتها بعد ذلك خطب الملك الراحل الحسن الثاني، الذي طالما أكد على ضرورة الاستثمار في منظومة الإصلاح الإداري عبر مدخل إصلاح نظام اللاتمركز الإداري، مع ضرورة ربطه بإصلاح نظام اللامركزية الإدارية خصوصا في ظل انعقاد المناظرات الوطنية للجماعات الترابية إضافة إلى ما حملته مضامين المخططات الاقتصادية.
بيد أن الإطار القانوني الناظم للاتركيز الإداري منذ الاستقلال لم يستطع مواكبة الإصلاح الذي عرفته اللامركزية الإدارية، طالما كان يكرس هيمنة الإدارة المركزية على المصالح اللاممركزة، وعدم ملاءمة اللاتمركز الإداري مع بنيات وهياكل اللامركزية الإدارية، وضعف التنسيق والتناسق والانسجام أيضا بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة في تدبير مختلف المشاريع والبرامج على المستوى المحلي. وقد عانت السياسة العمومية من غياب التوزيع العادل للموارد البشرية والكفاءات عموديا بين المركز والإدارة الترابية، وأفقيا على مستوى الإدارات والمصالح اللاممركزة مما عرقل إلى حد كبير مسارات التنمية المندمجة والمستدامة.
وفي هذا السياق كانت الحاجة إلى مواكبة التحولات الديمقراطية والمستجدات التدبيرية التي يعرفها المغرب، والتي تستلزم ضرورة تحديث نظام اللاتركيز الإداري، لمسايرة مختلف أوراش الإصلاح التي طالت مجمل المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تستمد أصولها ومرجعيتها من الاختيارات الإستراتيجية التي وضعها الدستور الجديد المعزز بتوجيهات الخطب الملكية حول الجهوية الموسعة، حيث توجت مؤخرا باعتماد ميثاق اللاتركيز الإداري.
مما جعل من ميثاق اللاتمركز الإداري يشكل لبنة أساسية لبناء جهوية متقدمة ناجحة، وحلقة في مسلسل الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي شهدتها بلادنا خاصة بعد دستور 2011، كما يعد خيار سياسي ودستوري أساسي داعم للجهوية المتقدمة ، فالسياق الذي واكب صدور الميثاق مرتبط بمتغيرات سياسية، اقتصادية واجتماعية، حيث عمل خطاب عيد العرش ليوم 22 يوليوز 2018 على بزوغ هذا الميثاق بشكل صريح، حث فيه الحكومة على إخراج هذا الأخير إلى حيز الوجود باعتباره نظام فعال لادارة لامتمركزة يقوم على مقاربة ترابية، حيث صادقت هذه الأخيرة بدورها على هذا الإصلاح المهيكل بتاريخ 27 دجنبر 2018.
ومواكبة لمستجدات ورش الجھویة المتقدمة، استدعت الضرورة إعادة النظر في العلاقة بین المركز والمجال الترابي، من أجل تحقیق حكامة ترابیة، وذلك عن طریق اعتماد تقطيع ترابي جدید یسمح بتحقیق التوازن والتكافؤ بین الجھات من حیث الموارد والإمكانات، مع إعطاء الأولوية للمناطق والأقاليم الجنوبية، في إطار المبادرة الوطنیة لمنح الأقالیم الصحراویة حكم ذاتي، من أجل حل النزاع حول الصحراء، كما یتعین مراجعة منظومة ومسلسل اللاتركیز الإداري، من أجل تحسين أداء المصالح اللاممركزة وتقویة التنسیق بینھا، ثم تفعیل التعاون بین المصالح الخارجیة للدولة والجماعات الترابیة .
وتأسيسا على ما سبق، تعد بين الآليات المهمة التي اهتدى إليها المشرع تلك المتعلقة بسن نظام اللاتمركز الإداري الذي يسعى إلى إحداث قطيعة مع النظام المركزي التقليدي، من خلال الحد من تمركز سلطة اتخاذ القرار على مستوى الإدارات المركزية، وحصر نشاطها في الوظائف الإستراتيجية المتمثلة في بلورة تصور السياسات العمومية، مع ترك تنفيذها وتنزيلها على المستوى الترابي إلى المصالح اللاممركزة .
وفي هذا الإطار عمل المرسوم الجديد للاتمركز الإداري على تقوية مكانة مؤسسة الوالي والعامل حيث نصت المادة الخامسة من المرسوم على “الدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها ومراقبتها تحت سلطة الوزراء المعنيين بما يحقق النجاعة والفعالية والاتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها” :
• العمل على تحقيق الانسجام والتقائية ووحدة عمل المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي.
• العمل على تحقيق الانسجام والتقائية ما بين سياسات البرامج والمشاريع العمومية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية.
• العمل على تأمين استمرارية الخدمات العمومية للدولة على المستوى الجهوي.
• إبداء الرأي بشأن مقترحات الميزانية لثلاث سنوات، وتقارير نجاعة الأداء القطاعية وكذا المقترحات المعدة على المستوى الجهوي المتعلقة بإعداد مشاريع الميزانيات القطاعية، وكذا مخططات الدولة للاستثمار المتلائمة معه، وذلك انسجاما مع توجهات الدولة بهذا الخصوص.
• إبداء الرأي بشأن مقترحات توزيع الإعتمادات المالية حسب الحاجيات والبرامج الجهوية وذلك انسجاما مع التوجهات العامة للدولة.
• مواكبة برامج ومشاريع الاستثمار المقررة، وأشغال التجهيز المراد إنجازها على المستوى الجهوي، واقتراح التدابير الكفيلة بتذليل كل الصعوبات التي تعترض إنجازها.
• تتبع تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على المستوى الجهوي
والجدير بالإشارة أنه وفقا لدستور 2011 تمت إعادة النظر في العلاقة الرابطة بين الجماعات الترابية بالعمال والولاة أخذا بعين الاعتبار مجموعة من المبادئ الدستورية ، إذ يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ في التدبير الحر … (الفصل 136)، كما يقوم رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى بتنفيذ مداولات هذه المجالس و مقررتها ، وذلك على أساس مساعدة الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية و خاصة رؤساء مجالس الجهوية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية .
ويمكن تفسير إعادة تركيز مهام الولاة والعمال من خلال الفصل 145 بهدف تحقيق التكييف المنطقي للاختصاصات والتوطيد للامركزية والارتقاء بموقع هؤلاء الموظفين السامين كممثلين للحكومة في الجماعات الترابية.
وعلى ضوء ما سبق، فقد عمل دستور 2011 على توسيع مهام الولاة والعمال لإقامة مسلسل لا رجعة فيه ينطوي على إبداع سياسي يتمثل في قلب منطق اشتغال الإدارة القائم على نظام المركزية. ونظرا لما للولاة والعمال من مهام السهر على تطبيق القوانين والأنظمة والقرارات الحكومية وتمثيل الدولة في الجهات والعمالات والأقاليم، كان ينبغي أن توكل لهم صلاحيات واضحة وفعلية ليتمكنوا من تنسيق المصالح اللاممركزة والتأكد من حسن تسييرها ومن حسن سير برامجها ومشاريعها، في حدود دائرة اختصاصهم الترابي.
ولضمان نوع من التنسيق في المشاريع المراد إنجازها، لاسيما أن تراب الولاية أو العمالة تضم العديد من المتدخلين إلى جانب رجال السلطة، من ممثليات الوزارات والمؤسسات العمومية الجهوية أو المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، فإن الضرورة ألحت إيجاد وسيلة عمل تجمع كل هؤلاء المتدخلين، ومن هنا جاء التنصيص على اللجنة التقنية التي تضم إضافة إلى العامل بصفته رئيسا، الكاتب العام للعمالة أو الإقليم ورؤساء الدوائر، ورؤساء المصالح الخارجية للإدارات المركزية التابعة للدولة، مديري المؤسسات العامة المتواجدة بتراب العمالة أو الإقليم، كل شخص من ذوي الدراية والأهمية والذي بإمكانه تقديم خدمات في هذا الإطار.
هذا، علاوة على ضرورة تقوية دور الولاة والعمال في مجال اللاتركيز، فإن الدستور المغربي لسنة 2011 قد ارتقى بالوضعية القانونية لمندوبيات الوزارات على المستوى الترابي من المصالح الخارجية إلى المصالح اللاممركزة تعزيزا لسياسة اللاتركيز.
إذ إن اختيار المشرع المغربي لمصطلح “المصالح اللاممركزة ” بدل مصطلح “المصالح الخارجية” يدل على الأهمية التي يحظى بها تدعيم نظام اللاتركيز الإداري ببلادنا. وذلك بغية نهج سياسة لتجميع المصالح غير الممركزة على مستوى الجهة، وذلك في اتجاه التخلي عن التموقع على المستوى الإقليمي لفائدة التموقع على المستوى الجهوي .
بحيث أن الجهة ستشكل مجالا مفضلا لإحلال سياسة عدم التركيز، وستتيح للإدارة المركزية مراقبة وتأمين استمرارية أنشطة مصالحها غير الممركزة ليس فقط عن طريق مندوبيها الجهويين، ولكن أيضا عن طريق العامل كممثل للدولة من جهة، وباعتباره مسؤولا عن تنفيذ القرارات الحكومية من جهة أخرى، وقائما على ضمان التنسيق بين مختلف أنشطة هذه المصالح .
على أساس إن رهان التنمية الجهوية يفرض على الإدارات المركزية في إطار سياسة اللاتركيز الإداري، إحداث مصالح غير ممركزة على مستوى الاختصاصات والموارد بكل الجهات، حتى تتمكن هذه الأخيرة بواسطة والي الجهة وعمال الأقاليم النظر في توزيع هذه المصالح بالتوازي على باقي التراب الوطني .
وبالتالي يعد اللاتركيز بمثابة لازمة للامركزية، بحيث أنه لتوفير النجاح لهذا المبدأ كان على الدولة أن تؤكد التزامها المحلي بوضع المؤسسات الغير متمركزة من أجل إقامة حوار بين المنتخبين المحليين والممثلين المحليين للدولة
وتأسيسا على ما سبق إن الغاية من اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري والعمل على تفعيله، هو إنجاح رهان التأسيس لمفهوم جديد لنظام اللاتمركز الإداري، من شأنه تصويب اختلالات وأعطاب النسق التقليدي للاتمركز الإداري، وإقرار منظومة لاتركيز السلطات والاختصاصات والوسائل المادية والبشرية والمالية، لفائدة الوحدات الإدارية اللاممركزة التابعة لمختلف القطاعات الوزارية، واعتماد سياسة التحديث والعصرنة والحكامة الترابية.
بحيث إن إصلاح نظام اللاتمركز الإداري يقتضي التحديد الدقيق لدور الإدارات المركزية وحصر صلاحياتها في القيام بمهام التأطير والتصور والتوجيه وتقييم ومراقبة أداء الإدارات اللاممركزة، فضلا عن تحضير وإعداد النصوص التشريعية والتنظيمية انسجاما مع مبدأ التفريع .
كما يستوجب تحديد الدور المحوري الذي يمكن أن يقوم به الولاة والعمال على مستوى تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة على المستوى الإقليمي والجهوي، بما يكفل تحقيق التكامل والانسجام والتناغم والالتقائية، لمنطق ومنهجية اشتغال أجهزة الدولة، بما يستجيب لمتطلبات مختلف مبادرات الجماعات الترابية بخصوص إعداد التصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية، والتنسيق أيضا بين أنشطة وبرامج المؤسسات العمومية وأنشطة المصالح اللاممركزة للدولة على المستوى الترابي المرتبطة بتدبير السياسات العمومية ذات البعد الترابي و تحقيق نجاعة التدبير اللاممركز للاستثمار أيضا.
كما أن إنجاح ورش نظام اللاتمركز الإداري لن يتأتى إلا عبر اعتماد مقاربة شمولية تستهدف إحداث منظومة قانونية متكاملة ومتجانسة وقواعد تنظيمية وإجرائية مرنة ورشيدة، تخدم بالأساس بناء صرح متين، يجسد التلاؤم بين سياسات اللاتمركز واللامركزية والجهوية المتقدمة في إطار تنوع الديناميات الترابية وموجبات تقاسم المسؤوليات، والتحديد الدقيق لمجالات التدخل ودعم الفواصل بين مختلف الفاعلين مع توحيد التدخلات وتضافر الجهود على المستوى الوطني والترابي من أجل رفع تحديات النجاعة والفعالية في التدبير والتسيير، وتحقيق رهان التنمية المستدامة والمندمجة، خصوصا وان دستور 29 يوليوز 2011، قد أولى لموضوع الجهوية واللاتمركز الإداري أهمية بالغة حيث خصص له 12 فصلا، ومن جملة ما تضمنه الفصل 136 من الدستور “أن التنظيم الجهوي والترابي قائم على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن”، وكرس أسس الديمقراطية التشاركية القائمة على المشاركة الواسعة للمواطنين في تدبير شؤونهم المحلية والوطنية والمساهمة المثمرة في تحقيق التنمية.
مما سيجعل من اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري بدون شك سيشكل مرجعية توجيهية صلبة ويعد بمثابة نقطة انطلاق جوهرية في استسواء وتأهيل نظام اللاتمركز الإداري، طالما انه ينطلق من رؤية شمولية للإصلاح تستهدف مختلف عناصر نظام اللاتمركز الإداري، وهي الرؤية التي تبلورت من خلال مقاربة تشخيصية لمجمل الاختلالات القائمة.
ذلك أن اللاتمركز الإداري يروم تخويل السلط والوسائل وقدرة المبادرة لفائدة المصالح اللاممركزة لتحقيق الفعالية والنجاعة في تنفيذ السياسات العمومية المقررة على المستوى المركزي، ولضمان الإنصاف في التغطية الترابية لتقريب الخدمات من المرتفقين والمتدخلين المحليين.
وتتمثل المبادئ الموجهة لمشروع اللاتمركز الإداري في تبويء الجهة مركز الصدارة في تمثيل الإدارة المركزية على المستوى الترابي، وفي إقامة العالقات بين الإدارة المركزية ومصالحها اللاممركزة، اعتبارا لكون المستوى الجهوي يمثل الإطار الملائم لانسجام والتقائية السياسات والبرامج العمومية لمختلف القطاعات، وكذا للمواكبة والمساعدة التقنية لفائدة الجماعات الترابية، لاسيما الجهة. حيث سيتم الانتقال من الصيغة التي كان فيها مستوى العمالات والأقاليم يشكل محور تجميع الاختصاصات اللامتمركزة، إلى صيغة متقدمة تخول الجهة مركز الصدارة في تنسيق الاختصاصات اللامتمركزة لمصالح الدولة، مع توضيح أدوار الإدارات المركزية التي يجب أن تنحصر في بلورة التصور وتأطير السياسات والبرامج العمومية على المستوى الوطني وتقييم وتتبع نجاعة أداء المصالح اللاممركزة، وكذا إعداد النصوص القانونية والتنظيمية، مع تخويل المصالح اللاممركزة اختصاص تنفيذ السياسات العمومية وإنجاز المشاريع والبرامج، وكذا تقديم المساعدة والدعم التقني للجماعات الترابية؛ مع تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة من خلال إحداث إدارات جهوية مشتركة وقوية تكون قادرة على إنجاز المشاريع الجهوية التي تستوجب تدخل عدة مصالح وزارية متواجدة على المستوى الترابي بما يحقق وحدة تدخل الدولة على المستوى الجهوي .