محاولة لرصد مساهمة تكريس مبدأ الملاءمة وتبسيط الجبايات الترابية، في الرفع من المردودية

محاولة لرصد مساهمة تكريس مبدأ الملاءمة وتبسيط الجبايات الترابية، في الرفع من المردودية.

يوسف الشيهب

طالب باحث بسلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس بالرباط،

كلية الحقوق سلا.

 

يعتبر هاجس المردودية من الدوافع الأساسية لتبني إصلاح المنظومة الجبائية على المستوى الترابي، ومعه حاول المشرع تكريس مبدأ ملاءمة الجبايات على المستوى الترابي مع نظيراتها الوطنية وذلك بهدف تخفيف ازدواجية الإجراءات الجبائية مما يخفف من تكلفة التحصيل وبالتالي رفع المردودية، وهو نفس المعطى الذي دفع بالإدارة الجبائية الى محاولة تبسيط الجبايات الترابية، من خلال تقليص عددها وتبسيط قواعد الوعاء والتحصيل، كل ذلك بواسطة إعادة هيكلة للإطار القانوني بواسطة القانون 47.06 وكما تم تتميمه وتعديله بالقانون 05.10. كما أن هذه العملية الإجرائية ساهمت في الرفع من الضمانات المقدمة للخاضع، فتوحيد المساطر وتبسيطها وملاءمتها مع نظيرتها الوطنية ساهم في رفع بعض الغموض الإجرائي، مما أعادة رسم خريطة أوضح للحقوق وواجبات الخاضع.

الفقرة الأولى: مبدأ ملاءمة الجبايات الترابية مع جبايات الدولة.

 

لقد وضع المشرع مبدأ ملاءمة الجبايات الترابية مع نظيراتها الوطنية من بين أهم الأهداف في المقاربة الإصلاحية التي تمخذ عنها القانون المتعلق بالجبايات الترابية 47.06، وهذا المبدأ يقوم بالأساس حول توحيد المساطر بالنسبة لكافة الرسوم من خلال تجميع كافة الرسوم الخاصة بالجماعات المحلية في نص قانوني واحد، وهذه الهيكلة القانونية تهدف الى ترسيخ مبدأ الوضوح للمقتضيات المنظمة للجبايات الجبايات الترابية على غرار الهيكلة المعتمدة في جبايات الدولة[1]، وتشمل هذه الملاءمة المساطر المتعلقة بالجزاءات والغرامات والمراقبة والتبليغ وحق الإطلاع والمنازعات الجبائية وتعديل الرسوم وكذا مسطرة التحصيل حيث تم اعتماد مقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية في مجال تحصيل الديون الرسوم على المستوى الترابية[2].

يمكن أن نلمس التدبير المعتمدة في سياق الملاءمة من خلال:

  • توحيد مسطرة حق الاطلاع وذلك لتمكين الإدارة الجبائية من ممارسة سلطات واسعة في مجال الحصول على المعلومات والمعطيات الضرورية لتأسيس الرسوم المحلية.
  • تطبيق حق المراقبة والتفتيش من طرف الإدارة الجبائية لتمكينها من مزاولة هذه المهام سواء على الوثائق أو في عين المكان من خلال الزيارات التي تقوم بها.
  • تطبيق نفس نظام الجزاءات والعلاوات المطبقة من طرف الدولة بالنسبة لكافة الرسوم الترابية.
  • نهج نفس المساطر المتبعة من طرف مصالح الدولة في مجال تعديل الرسوم وذلك سعيا وراء ضمان الملاءمة وتفادي كل الاختلافات التي من شأنها إذكاء المنازعات بين الخاضعين للرسوم والإدارة الجبائية.
  • في المنازعات الجبائية جاء القانون 47.06 بمفهوم جديد وذلك:
  • اعتماد نفس اللجنة الخاصة بتقدير الضرائب بالنسبة للرسوم الترابية بما فيها تلك التي تقوم مديرية الضرائب بتدبيرها.
  • تحديد الاجال القانونية للبث في الطعون في 12 شهر عوض 24 شهر بالنسبة للطعون المتعلقة بجبايات الدولة.
  • تمكين الخاضعين من اللجوء إلى القضاء مباشرة بعد استلام مقرر اللجنة.
  • التبليغ والسر المهني: حيث تضمن القانون توحيد مسطرة التبليغ المعتمدة من طرف مصالح الدولة والجماعات المحلية وتوضيح مفهوم السر المهني وتبيان الحالات التي يمكن الحفاظ عليه[3].

 

يتضمن القانون كذلك تدعيما لاختصاصات المجالس المنتخبة وذلك من خلال اعتماد الحد الأدنى والحد الأقصى بالنسبة للنسب والإشعار إضافة إلى اعتماد نظام الأداء التلقائي كل ثلاثة أشهر[4]، وذلك لتخفيف العبء على الخاضعين لها من جهة، وتمكين الإدارة الجبائية من ضمان مردودية سيولة مالية بشكل دوري، من جهة أخرى. وكذا تمكين الجماعات الترابية من مطابقة مستوى مواردها مع حاجياتها التنموية. ويعتبر هذا الإجراء نقلة نوعية في مفهوم الدمقراطية، من خلال ترك هامش لتحدد أسعار الرسوم للجماعات الترابية، مما سمح للجهاز التنفيذي داخل الجماعة من القدرة على التحرك من أجل ملاءمة الجبايات مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي للخاضع وحسب الخصوصية السيسيولوجيا للجماعة الترابية، هذه الإجراءات حاولت أن توجد توازن بين ضمان مردودية الجماعات الترابية وحقوق الخاضع.

وتمثل هذه الملاءمة سواء بالنسبة للخاضعين أو للإدارة الجبائية مؤشرا هاما على تبسيط وعقلنة النظام الجبائي الترابي مع تكريس احترام حقوق الخاضعين للضريبة.

الفقرة الثانية: تبسيط مساطر الجبايات الترابية.

يعتبر تبسيط الجبايات الترابية من الأهداف الرئيسية لتبني الإصلاح الجبائي وفق القانون 47.06، ويتجلى هذا التبسيط من خلال:

أولا-تقليص الكم العددي للجبايات الترابية:

  • إدماج مجموعة من الرسوم: والتي لها نفس الوعاء أو تسري على نفس النشاط أو المجال وذلك من أجل تفادي الازدواجية وهذه العملية همت خمس رسوم، وتأتى ذلك بدمج الضريبة المهنية(البتانتا) مع الجزء المهني للضريبة الحضرية والعشر الإضافي لفائدة الغرف المهنية وكذا الستنتيمات الإضافية لفائدة ميزانية الدولة، وسعيا وراء عقلنة تدبير هذه الجبايات فقد تم دمجها في إطار الرسم المهني[5]. كما تم دمج بعض الرسوم التي تؤسس على نفس المادة الضريبية أو التي تشمل نفس الميدان، ويتعلق الأمر بالرسوم التالية:
  • الرسم المفروض على الصيانة والرسم الإضافي.
  • الرسم المفروض على إستخراج مواد المقالع والرسم الإضافي.
  • الرسم المفروض على عقود التأمين والرسم الإضافي.
  • الرسم على رخص الصيد البحري والرسم الإضافي[6].

وموازاة مع اعتماد دمج هذه الرسوم تم إدراج نمط جديد في توزيع مردوديتها بين أطراف الإدارة الجبائية الترابية، يكرس لضمان مردودية عادلة لخزينة الجماعات الترابية وهو نفس المبدأ الذي أتى به مرسوم 1996، والذي راجع طريقة توزيع الضريبة على القيمة المضافة بإفراد نوع من العدالة بين الجماعات الترابية. وهو ما يمكن أن نلمسه من طريقة توزيع الرسم المهني بحيث تستفيد ميزانيات الجماعات التي يفرض الرسم داخل مجالها الترابي من 80%، و10% لفائدة غرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الصناعة التقليدية وغرف الصيد البحري وجامعاتها.و10% لفائدة الميزانية العالمة برسم تكاليف التدبير[7]. مما يظهر حرص المشرع على ضمان مردويدية كافية للجماعات الترابية تتناسب مع الإختصاصات المنقولة، وهو نفس المبدأ مكرس في باقي الرسوم المدمجة كالرسم على رخص الصيد والذي يحال 100% لفائدة الجهات[8]، وهو برهان أخر على الأولوية التي كرسها هذا القانون لمردودية الجماعات الترابية.

  • عملية إلغاء مجموعة من الرسوم: وذلك بحذف الرسوم ذات المردودية الضعيفة أو تلك التي تشكل ازدواجا ضريبيا مع جبايات الدولة، ويتعلق الأمر بالرسوم التالية:
  • الرسم المفروض على الباعة الجائلين.
  • الرسم المفروض على السماح بالإغلاق المتأخر أو بالفتح المبكر.
  • الرسم المفروض على الدراجات النارية التي يفوق محركها أو يعادل 125 سنتمتر مكعب.
  • الرسم المفروض على تذاكر دخول المهرجانات الرياضية والمسابح الخاصة المفتوحة للعموم.
  • الرسم المفروض على المشاهد
  • الرسم المفروض على مؤسسات التعليم الخاصة
  • الرسم المفروض على عمليات تقسيم الأرضي.
  • الرسم المفروض على طبع الزرابي.

وتجدر الإشارة الى أن العائد الإجمالي لهذه الرسوم التي يقترح إلغاؤها لا يتعدى 30 مليون درهم سنويا[9].

كما تم إخراج الحقوق والإتاوات التي لا تكتسي طابعا جبائيا من مشروع القانون الخاص بالجبايات المحلية لإصدارها بمرسوم ومجموعها 13 رسم. وترتب عن هذه العملية تخفيض في عدد الرسوم الترابية من 42 الى 17.

ثانيا: تبسيط قواعد الوعاء والتحصيل لجبايات الترابية.

1-الوعاء: من خلال الأهمية التي يكتسيها الوعاء، اعتمد المشرع إدراج مجموعة من التعديلات الهامة الرامية إلى توضيح المقتضيات المنظمة لمجال تطبيق الرسوم وأسس فرضها وتصفيتها. كما اعتمد المشرع نظام الإقرار بالنسبة لجل الرسوم، وهو من التعديلات الجوهرية التي أدخلاها المشرع من خلال القانون 47.06، فقام بإحلال نظام الإقرار كلما أمكن ذلك، محل نظام الإحصاء وذلك من أجل تجاوز هدر الوقت المخصص لعمليات الإحصاء وتفادي الأخطاء والنقائص التي يعرفها هذا النظام والتي طالما كانت تعيق تطبيق الجبايات المحلية على الوجه المرغوب فيه. وعلى هذا الأساس، فإن الرسوم الترابية عرفت تطبيق نظام الإقرار، مع الإشارة إلى أن الرسم المفروض على الأراضي الحضرية غير المبنية ورسم الخدمات الجماعية ورسم السكن والرسم المهني احتفظت بنظام الإحصاء، ومع ذلك فهذه الرسوم تعتمد على نظام الإقرار سواء بالنسبة للتسجيل أو في حالة عطالة أو توقف المؤسسة أو نقل النشاط من مكان لأخر كما أن رسم السكن يعتمد نظام الإقرار كحالة شغور العقار وعند انتهاء أشغال البناء أو تغيير ملكية العقار، وهكذا وباعتماد هذا النهج الجديد، فإن المنظومة الجبائية ستعمل على ترسيخ علاقات جبائية تؤسس على مبدأ المساهمة الفعالة للخاضعين للرسم في مجال تطبيقها وتحسيسهم بالواجبات الملقاة على عاتقهم في هذا المجال وحملهم على احترامها والتقيد بها في علاقتهم مع الجماعات الترابية.[10] مما يدفع لنشر ثقافة المواطنة الجبائية من خلال إشراك الخاضع وفق مقترب تشاركي بواسطة الإقرار ولكون هذا الأخير سيساهم في تحسين المردودية من خلال توعية المواطنين بواجباتهم نحو بلادهم، كما أطر هذا الإقرار بحد أدنى منعا للتجاوزات وحد أعلى ضمانا لحقوق الخاضع.

2-التحصيل: من أجل ضمان وضوح تام من مجال التحصيل فإن المشرع اعتماد توحيد المساطر بالنسبة لكافة الرسوم، فقد حظيت عمليات التحصيل باهتمام خاص رغبة في رفع كل غموض أو التباس يعتري موضوع تحصيل الرسوم الترابية وتحديد مسؤولية المتدخلين في هذا المجال من خلال توضيح اختصاصاتهم. ومن أجل تحديد الاختصاصات وتجنب تداخلها فقد أسند إلى القابض المكلف بالتحصيل، الاختصاص في الرسوم المستحقة من خلال إصدار جداول أو من خلال إصدار أومر المداخيل للتسوية، في حين أسند إلى وكيل المداخيل الاختصاص فيها يتعلق بالرسم الإقرارية أو الرسم المستخلصة عن طريق الأداء التلقائي[11]. ومن أجل تعزيز الضمانات الممنوحة للخاضع في مجال تحصيل الجبايات على غرار الضرائب الوطنية، أقر بأن المرجع هو مدونة التحصيل الديون العمومية وخاصة المادة 129 منها.

مما لا شك فيه بأن تكريس مبدأ الملاءمة وتبسيط الجبايات سوف يدفع بطريقة مباشرة نحو الرفع من المردودية، وذلك باعتبار أن عدم وضوح النصوص القانونية وتداخلها، وكثرت المتدخلين في تدبير الجبايات الترابية وتداخل اختصاصاتهم يؤدي الى ضياع حق الإدارة في استيفاء دينها مما يضعف المردودية، ومعه فتبني أسس واضحة في تبسيط وملاءمة الجبايات الترابية سوف يمنح دفعة كبيرة لإدارة الجبائية الترابية في تحقيق مردودية جيدة تمكن الجماعات الترابية من بلورة نموذج يكرس للتنمية المستدامة.

[1] جبايات الجماعات المحلية “القانون الجديد رقم 47-06 ومناقشته أمام البرلمان المقتضيات الانتقالية منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية REMALD -نصوص ووثائق-العدد 184 مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 2008 ص18.

[2] جبايات الجماعات المحلية “القانون الجديد رقم 47-06 ومناقشته أمام البرلمان المقتضيات الانتقالية” مرجع سابق ص19.

[3] عرض وزير الداخلية حول مشروع قانون الجبايات المحلية أمام لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية REMALD -نصوص ووثائق-العدد 184 مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 2008،ص31-32.

[4] جبايات الجماعات المحلية “القانون الجديد رقم 47-06 ومناقشته أمام البرلمان المقتضيات الانتقالية” مرجع سابق، ص18

[5] عرض وزير الداخلية حول مشروع قانون الجبايات المحلية أمام لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية REMALD -نصوص ووثائق-العدد 184 مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 2008 ص28.

[6] عرض وزير الداخلية حول مشروع قانون الجبايات المحلية أمام لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب، مرجع سابق ص28-29.

[7] المادة 11 من الظهير شريف رقم 1.07.195 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية. جريدة رسمية عدد 5583 22 ذو القعدة 1428 (03/12/2007).

[8] فقد جاء في منطوق المادة 116 أن استخلاص الرسم يقوم به وكيل مداخيل العمالة أو الإقليم باستخلاص الرسم وتسليم الطابع الخاص للملزم حين تسليم الرخصة. كما يتولى دفع مبلغ الرسم المستخلص في نهاية كل شهر إلى القابض المكلف بتدبير ميزانية الجهة التابعة لها العمالة أو الإقليم المعني.

[9] عرض وزير الداخلية حول مشروع قانون الجبايات المحلية أمام لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب، ص28

[10] جبايات الجماعات المحلية “القانون الجديد رقم 47-06 ومناقشته أمام البرلمان والمقتضيات الانتقالية” مرجع سابق ص29

[11] عرض وزير الداخلية حول مشروع قانون الجبايات المحلية أمام لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب، ص30

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *