قراءة في الميثاق الوطني للاتمركز الإداري

قراءة في الميثاق الوطني للاتمركز الإداري

                                                       المكحول الحسين

طالب باحث بسلك الدكتوراه، كلية الحقوق سطات

إن هدف الإدارة في الكثير من الدول المتقدمة هو خدمة المواطن على أكمل وجه، ولما كان هدف الإدارة هو خدمة المواطن فإنها مطالبة بتجديد هياكلها وبنياتها وكذا أساليب إدارتها للشأن العام، وبالتالي فإن الإدارة تقوم فإعادة تنظيم أجهزتها وطريقة عملها بما يعود على المواطن بالنفع في مختلف أوجه الحياة، وفي هذا الإطار حاول المغرب مسايرة الدول المتقدمة في مجال تحديث الإدارة بغية تحقيق متطلبات وحاجيات المواطنين، هذا التحديث الذي انخرط فيه المغرب انطلق من تطوير أساليب الإدارة وخاصة أسلوب اللاتركيز الإداري، باعتباره وسيلة من وسائل تخفيف وطأة النمو المركزي في التدبير، وأسلوبا للتنظيم الإداري.

فاللاتركيز الإداري في المغرب لم يتم الاهتمام به ومعالجته كموضوع مستقل، باعتباره يهدف إلى ضمان تواجد مستمر للدولة على المستوى الترابي، وكتقنية للتنظيم الإداري تتوخى إعادة توزيع الصلاحيات والوسائل والإمكانيات داخل جهاز الدولة بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة، وإنما تم ربطه دوما باللامركزية[1]، إذ نجد أنه من بين مرتكزات الجهوية المتقدمة كما جاء في خطاب جلالة الملك بمناسبة تعيينه للجنة الاستشارية للجهوية، أنها تقوم على  ضرورة انتهاج اللاتمركز الواسع، الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق والتفاعل، كما أن الميثاق الوطني للاتمركز الإداري الصادر حديثا نص على أن سياسة اللاتركيز الإداري تقوم على مرتكزين أساسيين أحدهما الجهة باعتبارها الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم الإداري للمملكة، بما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العلاقة بين الإدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى المركزي.

فاللاتركيز الإداري هو صورة من صور المركزية الإدارية، لكنه أقل تركيزا من المركزية الإدارية المطلقة؛ بحيث بمقتضاه يتم ” تخويل بعض موظفي الوزارة في العاصمة أو في الأقاليم بصفة فردية أو في شكل لجان حق البت نهائيا في بعض الأمور دون الرجوع إلى الوزير المختص، لاسيما في المسائل التي لا تحتاج إلى مجهود خاص في إنجازها، وذلك لتخفيف العبء عن الوزير ولتحقيق السرعة في إنجاز بعض أمور الوظيفة الإدارية، خاصة بالنسبة للأماكن البعيدة عن العاصمة، وسلطة البت هذه لا تعني استقلال الموظفين عن الوزير، وإنما يخضعون بالرغم من ذلك لإشرافه ولرؤسائهم الإداريين أي في نطاق السلطة الرئاسية”[2].

وإذا كان اللاتمركز الإداري قد تمت معالجته بشكل مرتبط باللامركزية، فإنه مقابل ذلك لم يعرف تطورا موازيا لتطور اللامركزية بالمغرب، إذ لم تكن البداية إلا سنة 1993 مع مرسوم 20 أكتوبر 1993في شأن اللاتركيز الإداري[3]، هذا المرسوم الذي لم يتلاءم ومتطلبات تفعيل سياسة اللاتمركز الإداري، كان وراء إصدار نص تنظيمي آخر متقدم على سابقهن ويتعلق الأمر بمرسوم 2 دجنبر 2005 بشأن تحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري[4]، والذي شكل قفزة نوعية لسياسة اللاتمركز الإداري بالمغرب، من خلال إعادة تنظيم علاقة المصالح اللاممركزة بالإدارات المركزية للدولة.

ورغم الجهود التي بذلت في مجال اللاتمركز الإداري، يمكن القول بأن منظومة اللاتمركز في تصورها الكلاسيكي، لم تستطيع تجاوز أنماط التدبير التقليدية ونزوعاتها الكلاسيكية المفرطة من مركزية القرارات وفي الانقياد لممارسات البيروقراطية، من خلال حملة من الأسباب المتداخلة، منها ما هو ذو طبيعة سياسية يتجلى في هيمنة مواضيع اللامركزية على مشاريع الإصلاح الإداري، وكذا تحفظ المسؤولين عن الإدارات المركزية وما يتولد لديهم من شعور بالحرمان نتيجة الانتقاص من سلطاتهم بفعل إجراءات اللاتمركز، ومن جانبها تبدي المصالح اللاممركزة ترددا أمام إجراءات اللاتمركز التي يزيد من مسؤولياتها[5].

غير أن انخراط المغرب في ورش تعزيز مسلسل اللامركزية وجعل هذا الأخير قائما على الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي لمعالجة الاختلالات والفوارق المجالية وتحقيق التنمية الترابية، فرض على الفاعل الرسمي إعادة النظر في سياسة اللاتمركز الإداري وذلك لجعلها تتلاءم ومتطلبات إنجاح ورش الجهوية المتقدمة، وفي هذا الإطار شكل صدور المرسوم رقم 2.17.618 المتعلق بالميثاق الوطني للاتمركز الإداري[6]، نقلة نوعية وفرصة لتدارك نقائص مرسومي 1993 و2005، عبر محاولة خلق نوع من التوازن في الاختصاصات بين الإدارات المركزية ومصالحها اللاممركزة، وذلك من أجل توسيع مجال الحرية والسرعة في اتخاذ القرارات وتنفيذ البرامج، فسياسة اللاتركيز الإداري تعد من ركائز التدبير العمومي، والتي تروم إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الإدارية والتنموية والسياسية أيضا، كتقريب الإدارة من المواطن، وتقريب مراكز اتخاذ القرار، وتقديم خدمات للقرب ذات جودة معتبرة عبر البنيات الإدارية اللازمة لتنفيذ استراتيجية الدولة ترابيا، وتدعيم الجهوية المتقدمة اعتبارا للدور الذي يلعبه اللاتمركز الإداري كدعامة أساسية وشرط لازم لإنجاح اللامركزية.

وإذا كان صدور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري مناسبة لتجديد التأكيد على عزم الفاعل الرسمي في المضي نحو مواصلة تعزيز مسلسل اللامركزية وتقوية الآليات المساعدة على ذلك، فكيف ساهمت مستجدات هذا النص التنظيمي في تنظيم علاقة المصالح اللاممركزة مع المركز وباقي الفاعلين الترابين وتجاوز اختلالات المرسومين السابقين؟

إن استقراء مقتضيات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، يتضح لنا من الوهلة الأولى ان هناك تطور كمي مقارنة مع المرسومين السالفي الذكر، وهو ما يفترض أن هذا التطور الكمي سيكون له انعكاس إيجابي على مضمون هذا النص ومستجداته. وترتيبا عليه فإن قراءة وتحليل مقتضيات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، ستنطلق من خلال الوقوف على آليات تفعيل سياسة اللاتمركز الإداري (المحور الأول)، إضافة إلى التطرق إلى وسائل وآليات ضبط علاقة المصالح اللاممركزة لإدارات الدولة بالإدارات المركزية نفسها وباقي الفاعلين الترابيين (المحول الثاني).

المحور الأول: آليات تفعيل سياسة اللاتركيز الإداري

إذا كان التنظيم اللامركزي يعتبر كأحد أهم القنوات التي تعتمد عليها الإدارات المركزية لنقل قراراتها وسياساتها العامة، وتجسيدها على أرض الواقع، فإن رهان تحقيق التنمية الترابية فرض ضرورة تدعيم هذا التنظيم اللامركزي بسياسة للاتركيز الإداري موازية، على اعتبار أن عدم تخلف اللاتمركز عن اللامركزية، أدى إلى صعوبات كبيرة على مستوى التنمية الترابية، على اعتبار ان السلطات المركزية لا زالت تركز وتحتكر سلطة اتخاذ القرار والوسائل المادية والمالية لتنفيذ القرار[7].

وخلافا للامركزية التي تعد نظاما إداريا يسمح بتنظيم المجتمع وإشراكه في تدبير الشأن العام، فإن نظام اللاتمركز الإداري يتميز بكونه يتيح تمثيل الدولة لدى المجتمع والتواصل معه، والتواجد على مقربة منه لخدمته، والإصغاء لاحتياجاته وطلباته، لكن أيضا لمراقبته وتأطيره[8].

وترتيبا عليه، ونظرا للأهمية التي يحتلها اللاتمركز الإداري في التدبير العمومي، وبعد عدة نداءات بضرورة إصدار اللاتمركز الإداري، خاصة تلك الرسمية منها التي وجهها الملك للحكومة في أكثر من مناسبة في خطبه الرسمية، عمدت الحكومة إلى إصدار المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، والذي حمل في طياته الكثير من المستجدات القانونية والتي تهدف بالأساس إلى مواكبة التنظيم اللامركزي للمملكة، القائم على الجهوية المتقدمة والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته، بالإضافة إلى التطبيق الأمثل للتوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال إعادة تنظيم مصالحها على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة او الإقليم، وتحديد المهام الموكولة إلى هذه المصالح[9].

وقد نص هذا المرسوم على إحداث إطار مؤسساتي لتفعيل سياسة اللاتركيز الإداري، وتفادي التخبط والتأخر الذي قد يمس تنزيل مقتضيات هذا المرسوم، وذلك اعتبارا لكون هذه المقتضيات تهم كل القطاعات الوزارية، باستثناء ما نصت عليه المادة 46 من نفس المرسوم[10].

وفي هذا الإطار، أحدثت لدى رئاسة الحكومة لجنة وزارية للاتمركز الإداري تناط بها مهمة اقتراح التدابير اللازمة لتنفيذ التوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال اللاتمركز الإداري، والسهر على تتبع تنفيذها وتقييم نتائجها؛ حيث تتولى هذه اللجنة بالخصوص القيام بالمهام التالية[11]:

  • اقتراح إحداث تمثيليات إدارية مشتركة بين قطاعين وزاريين او أكثر على المستوى الجهوي وعلى مستوى العمالة أو الإقليم؛
  • الدراسة والمصادقة على اقتراحات إحداث التمثيليات الإدارية الجهوية المشتركة المقدمة من قبل السلطات الحكومية المعنية أو من قبل والي الجهة المعني، طبقا لمقتضيات المادة 11 من هذا المرسوم؛
  • اقتراح جميع التدابير الكفيلة بالرفع من فعالية أداء المصالح اللاممركزة للدولة ونجاعتها؛
  • المصادقة على مشاريع التصاميم المديرية للاتمركز الإداري المنصوص عليها في المادة 20 من هذا المرسوم؛
  • تقييم سياسة اللاتمركز الإداري ونتائجها، واقتراح كل إجراء من شأنه تطويرها.

كما تتلقى اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري من كل السلطات الحكومية قبل نهاية كل سنة، تقريرا مفصلا يتضمن المعطيات التالية[12]:

  • الاختصاصات التي تم نقلها إلى المصالح اللاممركزة للدولة التابعة لها خلال السنة الجارية؛
  • الاختصاصات المزمع نقلها إلى المصالح اللاممركزة للدولة التابعة لها برسم السنة أو السنوات الموالية؛
  • جدول بياني حول توزيع الموارد البشرية بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة للدولة التابعة لها على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم؛
  • التدابير المقترحة لتعزيز سياسة اللاتمركز الإداري عند الاقتضاء.

وتتألف اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري، تحت رئاسة رئيس الحكومة، من الأعضاء التالي بيانهم[13]:

  • السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية؛
  • الأمين العام للحكومة؛
  • السلطة الحكومية المكلفة بالمالية؛
  • السلطة الحكومية المكلفة بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية؛
  • كل سلطة حكومية أخرى معنية بالقضايا والنقط المدرجة في جدول أعمال اللجنة؛

كما يمكن للرئيس أن يدعو، للمشاركة وبصفة استشارية، في اجتماعات اللجنة، كل شخص ذاتي أو اعتباري يرى فائدة في حضوره، وتجتمع اللجنة بدعوة من رئيسها، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وعلى الأقل مرة كل ثلاثة أشهر، بناء على جدول أعمال يحدده رئيسها[14]، كما تتدارس اللجنة حصيلة أعمالها الذي تعده السلطة الحكومية المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية باعتبارها تتولى مهام الكتابة العامة للجنة الوزارية للاتمركز الإداري[15]، وتعمل على نشره بجميع الوسائل المتاحة بعد المصادقة عليه[16].

كما نص المرسوم على إحداث لجنة جهوية للتنسيق، تحت رئاسة والي الجهة، وتناط بها المهام التالية[17]:

  • العمل على انسجام والتقائية ووحدة عمل المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي؛
  • العمل على تحقيق الانسجام والالتقائية ما بين السياسات والبرامج والمشاريع العمومية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية؛
  • العمل على تأمين استمرارية الخدمات العمومية التي تقدمها المصالح المذكورة؛
  • إبداء الرأي حول مشاريع السياسات والبرامج العمومية للدولة على المستوى الجهوي؛
  • إبداء الرأي بشأن مقترحات البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات وتقارير نجاعة الأداء القطاعية وكذا المقترحات المعدة على المستوى الجهوي المتعلقة بإعداد مشاريع الميزانيات القطاعية وكذا مخططات الدولة للاستثمار المتلائمة معها، وذلك انسجاما مع التوجهات العامة للدولة بهذا الخصوص؛
  • إبداء الرأي بشأن مقترحات توزيع الاعتمادات المالية حسب الحاجيات والبرامج الجهوية، وذلك انسجاما مع التوجهات العامة للدولة بهذا الخصوص؛
  • مواكبة برامج ومشاريع الاستثمار المقررة وأشغال التجهيز المراد إنجازها على المستوى الجهوي، واقتراح التدابير الكفيلة بتذليل كل الصعوبات التي قد تعترض إنجازها؛
  • تتبع تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على المستوى الجهوي في ضوء تقارير الكتابة العامة للشؤون الجهوية المنصوص عليها في المادة 33 أدناه، وإنجاز تقييمات مرحلية لمستوى تنفيذها؛
  • اقتراح جميع التدابير الكفيلة بتحسين جودة الخدمات العمومية المقدمة إلى المرتفقين على مستوى الجهة من قبل مصالح الدولة اللاممركزة؛
  • دراسة وإبداء الرأي في شأن مشاريع الاتفاقيات والعقود المنصوص عليها في المادة 2″ من هذا المرسوم؛
  • إبداء الرأي بشأن عقود البرامج ذات الطابع الجهوي التي تربط الدولة بالمؤسسات العمومية والجماعات الترابية لا سيما الجهة؛
  • دراسة طل قضية من القضايا التي يحيلها إليها والي الجهة والتي تندرج في مجال اختصاصها؛
  • المصادقة على التقرير السنوي لمنجزات اللجنة واقتراحاتها بشأن تعزيز اللاتمركز الإداري والرفع من نجاعة وفعالية أداء المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي.

وتتألف هذه اللجنة الجهوية للتنسيق من الأعضاء التالية بيانهم[18]:

  • عمال العمالات والأقاليم التابعة لدائرة النفوذ الترابي للجهة؛
  • الكاتب العام للشؤون الجهوية المنصوص عليه في المادة 33 أدناه؛
  • رؤساء مصالح الدولة اللاممركزة على مستوى الجهة؛
  • المسؤولون عن المراكز الجهوية للاستثمار والمسؤولون الجهويون للمؤسسات العمومية المعنية؛

كما يمكن لوالي الجهة، حسب القضايا المدرجة في جدول الأعمال، أن يدعو بصفة استشارية، للمشاركة في اجتماعات اللجنة كل شخص ذاتي أو اعتباري يرى فائدة في حضوره، وتجتمع اللجنة بدعوة من والي الجهة، كلما اقتضت الضرورة ذلك، وعلى الأقل مرة كل شهر[19]، وتخصص اللجنة اجتماعا سنويا لتقييم حصيلة تنفيذ البرامج والمشاريع العمومية التي يتم إنجازها على مستوى الجهة وترفع نتائج هذا التقييم إلى السلطات الحكومية المعنية[20]، كما يمكن ان تجتمع اللجنة، بطلب من السلطة أو السلطات الحكومية المعنية، من أجل دراسة التقرير أو التقارير المرحلية التي تعدها المصالح اللامركزية حول مستوى تنفيذ البرامج والمشاريع المذكورة[21].

ومن أجل مساعدة ولاة الجهات على تنسيق أعمال اللجنة الجهوية للتنسيق تم إحداث الكتابة الجهوية للشؤون الجهوية، تحت إشراف والي الجهة، ويرأسها كاتب عام جهوي للشؤون الجهوية يعين من قبل وزير الداخلية؛ حيث يتولى هذا الأخير المهام التي يكلفه بها والي الجهات، إضافة إلى المهام التالية[22]:

  • أعمال التنسيق والتتبع والمواكبة اللازمة لمساعدة والي الجهة في ممارسة صلاحياته المشار إليها في الباب الخامس من هذا المرسوم؛
  • تحضير اجتماعات اللجنة الجهوية للتنسيق والسهر على تنظيمها؛ وتنسيق أشغالها، وإعداد محاضرها؛
  • إعداد تقارير دورية، ترفع إلى اللجنة، حول حصيلة تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على مستوى الجهة، بتنسيق وثيق من مصالح الدولة اللاممركزة والمؤسسات والهيئات العاملة بالجهة؛
  • إعداد التقرير السنوي للجنة الجهوية للتنسيق الذي يبعثه والي الجهة بعد المصادقة عليه من طرف اللجنة المذكورة، إلى اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري قبل متم شهر مارس من كل سنة.

أما على مستوى العمالة او الإقليم، فقد حافظ الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على اللجنة التقنية[23] المحدثة بموجب الفصل الخامس مكرر من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 المتعلق باختصاصات العامل[24]، وذلك من اجل مساعدة عامل العمالة او الإقليم في ممارسة الاختصاصات الموكولة إليه في مجال التنسيق[25]، وفي نفس السياق يمكن الإشارة إلى أن الإقليم ما فتئ يشكل حلقة وصل بين الإدارة المركزية  والسكان وهذا ما يفسر وجود عدد من الوحدات اللاممركزة على هذا المستوى باعتباره مجالا وسيطا يوفر إمكانية تقريب الإدارة من المواطن وضمان التأطير الإداري باعتبار العامل يتولى رئاسة اللجنة التقنية الإقليمية[26].

المحور الثاني: البعد العلائقي في سياسة اللاتمركز الإداري

إن تعدد المستويات الترابية المكونة لنظام اللاتركيز الإداري قد يسقط بعض الوحدات في مجرد أدوات لا تؤدي مهامها وفق الشكل المطلوب، وهو ما يستدعي مراعاة إحداث كل وحدة ترابية للأبعاد والأهداف الحقيقية وراء هذا الإحداث من جهة وضبط علاقات المتدخلين في سياسة اللاتركيز وعقلنتها من جهة ثانية[27]، وهو ما حاول ميثاق اللاتمركز الإداري الوصول إليه عبر تحديد وتأطير العلاقات وتوضيحها قانونيا ومؤسساتيا بين مختلف الفاعلين الترابيين.

أولا: القواعد المنظمة لعلاقات الإدارات المركزية بالمصالح اللاممركزة للدولة

إن مبدأ اللاتمركز الإداري كقاعدة تنظيمية يرتكز أساسا على توزيع الاختصاصات بين المصالح المركزية والمصالح اللاممركزة، حيث تضطلع الإدارة المركزية بمهام التنسيق والتخطيط والتنشيط والتوجيه والمراقبة والتقويم، بالإضافة إلى جميع المهام ذات الطابع الوطني من جهة، إلى جانب مهام البرمجة والتنسيق وتنشيط عمل المصالح اللاممركزة، هذه الأخيرة التي كانت تضطلع بمهام تنفيذ المخططات والسياسات العمومية على المستوى المحلي[28]. غير أن صدور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري عمل على تقوية علاقة المصالح اللاممركزة بالإدارات المركزية ورسم معالم عمل كل واحدة على حدى، من خلال تقوية صلاحيات المصالح اللاممركزة وتمكينها من الوسائل المادية والبشرية للقيام بالمهام المسندة إليها.

ومن اجل ذلك، نص الميثاق الوطني للاتمركز على أنه يتعين على السلطات الحكومية المعنية اتخاذ التدابير اللازمة لتمكين المصالح اللاممركزة التابعة لها من ممارسة صلاحيات تتيح لها اتخاذ المبادرة في تفعيل السياسات العمومية القطاعية المكلفة بتنفيذها، وابتداع الحلول الكفيلة بتجويد الخدمات العمومية التي تقدمها للمرتفقين، وتفعيل هذه الحلول في إطار الصلاحيات والاختصاصات المسندة إليها[29].

بالإضافة إلى ذلك، كرس الميثاق آلية جديدة لتفعيل سياسة اللاتمركز الإداري وعقلنة علاقة المصالح اللاممركزة بالسلطات المركزية، تتمثل في التصاميم المديرية للاتمركز الإداري، والتي تعدها هذه الأخيرة، وتحدد هذه التصاميم الجوانب التالية[30]:

  • الاختصاصات، ولاسيما منها ذات الطابع التقرير التي سيتم نقلها إلى المصالح اللاممركزة للدولة، وتلك التي يمكن أن تكون موضوع تفويض؛
  • الموارد البشرية والمادية لتمكين المصالح اللاممركزة للدولة من ممارسة الاختصاصات الموكولة إليها،
  • الأهداف المراد تحقيقها من قبل المصالح اللاممركزة للدولة، ومؤشرات قياس نجاعة أدائها في تحقيق هذه الأهداف؛
  • البرمجة الزمنية المتعلقة بتنفيذ مضمون التصاميم المديرية، في احترام للأجل المنصوص عليه في المادة 22 أدناه؛

وتنفيذا للمادة 20 أعلاه من الميثاق، صدر المرسوم رقم 2.19.40 المتعلق بتحديد نموذج التصميم المديري المرجعي للاتمركز الإداري[31]، وقد تضمن هذا النموذج المرجعي أربعة محاور على الشكل التالي[32]:

  1. الاختصاصات، ولا سيما منها ذات الطابع التقريري التي سيتم نقلها إلى المصالح اللاممركزة للدولة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم؛
  2. الاختصاصات التي يمكن أن تكون موضوع تفويض إلى المصالح اللاممركزة للدولة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم؛
  3. توزيع الموارد البشرية بين المصالح المركزية والمصالح اللاممركزة للدولة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم؛
  4. توزيع الموارد المادية بين المصالح المركزية والمصالح اللاممركزة للدولة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم؛

ويتم إعداد هذه التصاميم المديرية للاتمركز الإداري في أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ دخول مرسوم نموذج التصميم المديري المرجعي للاتمركز الإداري حيز التنفيذ، وتحدد مدة سريان هذه التصاميم في ثلا سنوات، على أن يتم تقييم تنفيذها وتحيينها سنويا داخل نفس الأجل، ويتم تنزيلها على المستوى الجهوي في إطار تعاقدي بين السلطات الحكومية المعنية ووالي الجهة ورؤساء التمثيليات الإدارية الجهوية المعنية[33].

كما يراعي في إعداد هذه التصاميم مبادئ التناسق والتكامل بين مكونات التمثيليات الجهوية المعنية، ووحدة عملها، والتعاضد في الوسائل الموضوعة رهم إشارتها، بالإضافة إلى أنها تحال وجوبا على اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري من أجل المصادقة عليها قبل الشروع في تنفيذها داخل أجل أقصاه شهر واحد من تاريخ توصل اللجنة بها[34].

بالإضافة إلى ذلك، فإن الميثاق ألزم السلطات الحكومية المركزية بالقيام بجميع التدابير اللازمة قصد توجيه عمل المصالح اللاممركزة التابعة لها ومواكبتها وتتبعها ودعمها من جهة، والعمل من جهة أخرى على تقييم أداءها بصفة منتظمة، وذلك قصد التأكد مما يلي[35]:

  • مدى تقيدها بالأهداف والمبادئ المنصوص عليها في هذا المرسوم، وكذا الالتزامات المضمنة في التصاميم المديرية المنصوص عليها في المادة 20 أعلاه؛
  • مدى تنفيذها للالتزامات الملقاة على عاتقها، سواء منها تلك الناتجة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، أو تلك المتعلقة بتنفيذ البرامج والمشاريع التي تسهر على إنجازها في إطار الاتفاقيات والعقود المبرمة بشأنها؛
  • مدى التزامها بالإجراءات الواجب التقيد بها في ممارستها لاختصاصاتها.

كما تقوم مصالح الإدارة المركزية المكلفة بإجراء التقييم بإعداد تقريرا في هذا الشأن، يرفع إلى السلطة الحكومية المعنية قص البت في خلاصاته، وتوجيه نسخة منه إلى والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم.

كما تضع السلطات الحكومية، في حدود الصلاحيات المسندة إليها، برامج للتكوين والتكوين المستمر قصد تنمية قدرت الأطر العاملة بالمصالح اللاممركزة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم، بالإضافة إلى انها يمكن أن تنظم، كلما أمكن، مباريات موحدة لتوظيف الأطر المشتركة بين القطاعات الوزارية المعنية للعمل بالمصالح اللاممركزة التابعة لها[36].

ثانيا: القواعد المنظمة لعلاقة المصالح اللاممركزة للدولة بولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم

تحتل مؤسسة العامل مكانة خاصة ومتميزة داخل النظام الإداري المغربي، إذ يعهد إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والاقاليم تمثيل السلطة المركزية على المستوى الترابي، ويعملون باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية، ويساعدون رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، ويقومون تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها[37].

هذه المكانة التي المتميزة التي كرسها الفصل 145 من الدستور المغربي والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، تأكدت بمقتضى مقتضيات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، والتي جعلت الولاة والعمال الفاعل الأقوى في سياسة اللاتركيز الجديدة؛ حيث تتمظهر هذه القوة من خلال علاقة الولاة والعمال بالمصالح اللاممركزة للإدارة المركزية[38].

وبالإضافة إلى كون الولاة والعمال يعملون على تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، ويسهرون على حسن سيرها، كما نص على ذلك الفصل 145 من دستور 2011، فإنه يعهد إليهم أيضا الإشراف على تحضير البرامج والمشاريع المقررة من قبل السلطات العمومية أو تلك التي كانت موضوع اتفاقيات أو عقود مع هيئات أخرى، ويسهرون على ضمان التقائيتها وانسجامها وتناسقها، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ المصالح اللاممركزة للدولة لمهامها وللالتزامات الملقاة على عاتقها وقيامها بإنجاز البرامج والمشاريع المذكورة، والأهم من ذلك أن الميثاق أعطى للولاة والعمال إمكانية إبرام اتفاقيات وعقود بخصوص البرامج والمشاريع المذكورة[39].

كما يسهر الولاة والعمال بصفتهم ممثلين للسلطة المركزية على اتخاذ جميع التدابير المناسبة واللازمة لمواكبة المصالح اللاممركزة للدولة في إنجاز برامجها ومشاريعها التنموية[40]، ويعملون على إحاطة السلطات الحكومية المعنية علما، بهذه الإجراءات المتخذة من أجل ضمان إنجاز برامج الاستثمار وأشغال التجهيز التي تتولى الدولة او المؤسسات العمومية أو المقاولات العمومية أو القطاع الخاص إنجازها على مستوى الجهة أو العمالة أو الإقليم حسب الحالة، وبوضعية تنفيذ هذه البرامج والأشغال، وعند الاقتضاء، يقدمون ملاحظاتهم ومقترحاتهم لتذليل الصعوبات التي قد تعترض إنجازها داخل الآجال المقررة[41]. وما يعزز قوة الولاة والعمال كفاعل أساسي في سياسة اللاتركيز الإداري- كما أشرنا إلى ذلك سابقا- هو أن الميثاق منح لهم حق ان يقترحوا على السلطات الحكومية المعنية، داخل دائرة اختصاصهم، اتخاذ كل تدبير ذي طابع قانوني أو مالي أو إداري أو تقني أو بيئي، يندرج ضمن اختصاصاتها، من شأنه تحسين أداء المصالح اللاممركزة على مستوى الجهة أو العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، قصد الاستجابة لانتظارات المرتفقين وتبسيط إجراءات استفادتهم من الخدمات العمومية المقدمة لهم[42].

ولمساعدة ولاة الجهات في ممارسة الاختصاصات المنوطة بهم في علاقتهم بالمصالح اللاممركزة للدولة، أحدثت اللجنة الجهوية للتنسيق تحت رئاسة ولاة الجهات، بالإضافة الكتابة العامة للشؤون الجهوية والموضوعة أيضا رهن إشارة ولاة الجهات، ويرأسها كاتب عام للشؤون الجهوية وتحت سلطة السادة الولاة، ويمكن القول أن هذه البنيات الإدارية هي مستوحاة من التجربة الفرنسية[43]؛ إذ توضع رهن إشارة المحافظ في فرنسا، وتحت سلطته مؤسسات من أجل مواكبة وتنسيق أعمال المصالح اللاممركزة، ويتعلق الأمر بكل من اللجنة الإدارية الجهوية Comité de l’administration régionale  والكتابة العامة للشؤون الجهويةSecrétariat général pour les affaires régionale . هذه البنيات الإدارية والتي نص الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على الاختصاصات المنوطة بها- كما أشرنا إلى ذلك في الفقرة السابقة- لها اختصاصات ذات طابع تدبيري يمتد ليشمل مختلف جوانب ومجالات عمل المصالح اللاممركزة لإدارات الدولة، وهو ما يزكي الدور الأساسي الذي بات يلعبه ولاة الجهات في ظل سياسة اللاتمركز الإداري، والتي دفعت البعض إلى القول أننا أصبحنا أمام مركزية جديدة على المستوى الترابي، وأن الميثاق ورغم المستجدات التي تضمنها في تفعيل سياسة  حقيقية للاتمركز الإداري، فإنه لم يجعل هامش الحرية مفتوحا أمام رؤساء المصالح اللاممركزة من أجل ممارسة الاختصاصات المنوطة بهم، بل قيدها بسلطة الولاة والعمال، وهو ما جعلنا امام نظام للاتمركز ذات طابع إداري وصائي، بدل سياسة للاتمركز يغلب عليها طابع المواكبة التنموية والاقتصادية للوحدات الترابية، وخاصة الجهات.

ثالثا: علاقات المصالح اللاممركزة للدولة بالجماعات الترابية وهيئاتها والهيئات والمؤسسات الأخرى ذات الاختصاص الترابي

مما لا شك فيه أن إقرار الجهوية المتقدمة كأساس للتنظيم اللامركزي الترابي ببلادنا، هو فرصة سانحة لإصلاح نظام اللاتمركز الإداري، ذلك أن تمتيع الجهات بصلاحيات موسعة وجعلها في مركز الريادة على المستوى الترابي، بات يفرض على السلطات المركزية تنظيم تواجدها على المستوى الجهوي بشكل فعال، يتيح لها مواكبة التطور الذي سيحصل على صعيد المنتخبين[44].

فالجهوية المتقدمة التي نطمح إلى تحقيقها لا يمكن أن تصل إلى المستوى المنشود وستبقى محدودة، ما لم تكن مقرونة بتعزيز مسار اللاتمركز لما له من دور على المستوى الترابي خاصة في مجال إعادة تنظيم الإدارة المحلية وجعلها أكثر تناسقا وفعالية وتقوية التأطير عن قرب[45]. من هنا كانت الاستجابة إلى هذه الانتظارات عبر اصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، حيث عمد إلى تنظيم العلاقة بيم المصالح اللاممركزة للدولة بالجماعات الترابية، وخاصة الجهات لما لها من دور كبير في بلورة السياسات العمومية للقطاعات الحكومية على المستوى الجهوي عبر برامجها التنموية.

وفي هذا الإطار، فقد نص الميثاق على أنه تتولى المصالح اللاممركزة، تحت سلطة السلطات الحكومية المعنية، وتحت إشراف والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، بتقديم الدعم والمساعدة للجماعات الترابية، وذلك من خلال[46]:

  • تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لفائدة الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي وكل هيئة من الهيئات المكلفة بتدبير مرفق عمومي؛
  • العمل على إرساء أسس شراكة مع الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات ذات الاختصاص الترابي في مختلف المجالات، ولاسيما عن طريق إبرام اتفاقيات أو عقود باسم الدولة، بناء على تفويض خاص، مع التقيد بالتوجهات العامة للدولة وبرامج التنمية الجهوية المعتمدة؛
  • المساهمة في تنمية قدرات الجماعات الترابية وهيئاتها؛
  • مواكبة الجماعات الترابية وهيئاتها في ممارسة الاختصاصات الموكولة إليها، ولاسيما في إنجاز برامجها ومشاريعها الاستثمارية وتمكينها من كل أشكال المساعدة اللازمة؛
  • تعزيز آليات الحوار والتشاور مع كافة المتدخلين على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم.

كما ألزم الميثاق المصالح اللاممركزة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم التعاون والقيام بجميع أعمال التنسيق اللازمة مع المركز الجهوي للاستثمار المعني باعتباره شباكا وحيدا، من أجل تمكينه من القيام بمهامه، ولاسيما تلك المتعلقة بمساعدة المستثمرين من أجل الحصول على التراخيص اللازمة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل لإنجاز مشاريعهم الاستثمارية ومواكبتها[47].

ورغم تنصيص الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على آليات ووسائل تحديد علاقات الوحدات الترابية بالمصالح اللاممركزة للدولة على المستوى الترابي، فإن هذه العلاقة يجب أن تبني على ضرورة احترام الوضع الدستوري والقانوني لمكانة المجالس التداولية للجماعات الترابية، وخاصة المجلس الجهوي، الذي يجب أن تنبني على مبدأي التعاون والتشاور لا على الطابع الوصائي الذي قد يجعل المجالس الجهوية المنتخبة مجرد أدوات لتنفيذ المهام المركزية فقط، ومصلحة من المصالح التابعة للمركز لا أقل ولا أكثر، خصوصا في ظل الصلاحيات الممنوحة للولاة والعمال على المستوى اللامركزي واللاممركز إداريا وتنمويا وسياسيا[48].

وعموما، فالميثاق الوطني للاتمركز الإداري لم يرقى إلى تطلعات الفاعل الجهوي ومتطلبات مواكبة إنجاح مسلسل اللامركزية القائمة على الجهوية المتقدمة، بل أبان عن استمرار المركز في استحضار الهاجس الأمني ومواصلة تبنيه الأسلوب الوصائي التبعي، عبر نقله من المركز إلى المستوى الترابي، من خلال مركزة جميع السلطات في يد الولاة والعمال، وجعلهم السلطة العليا داخل الفضاء الترابي، مقابل تهميش دور رؤساء الجهات في هذا المجال، وربط علاقتهم بالمصالح اللاممركزة تحت سلطة وإشراف الولاة، وهو ما يتنافى ويتعارض مع مبادئ وفلسفة التدبير الترابي الحديث التي أسس لها دستور 2011.

         وعليه، فنظام اللاتمركز الإداري يطرح مسألة توزيع السلطة على المستوى المجالي والترابي في إطار أجهزة الدولة، وكلما تمكنت الدولة من إيجاد صيغة فعالة تتيح لها مباشرة الاختصاصات المخولة لها على مقربة من الساكنة والمنتخبين المحليين، كلما كان ذلك افضل تمهيدا لتأسيس حكامة ترابية محلية مسؤولة، ومن هذا المنطلق فإن اللاتمركز المعمق والفعلي رهين بالترسيخ المعياري والعملي  لمبادئ تتصل بتصور السياسات العمومية وتفعيلها وبأساليب الحكم والإدارة وبرصد الموارد البشرية والمالية وتدبيرها الأمثل، والتنسيق الناجع للعمل العمومي على كل مستوى ترابي تتدخل فيه الدولة، بما في ذلك المستوى الجهوي، اعتبارا للعلاقة التي تربط نظام اللاتمركز باللامركزية، فالأول هو عنصر أساسي في تطور الثاني  وركيزة أساسية لإنجاحه.


[1] – المكي السراجي، اللاتركيز الإداري في إطار السياسة الجهوية الموسعة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 97-98، 2011، ص. 131.

[2] – محمد الأعرج، القانون الإداري المغربي، الجزء الأول، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 66، 2010، ص. 72.

[3]– مرسوم رقم 2.93.625 صادر في 4 جمادى الأولى 1414(20 أكتوبر 1993) في شأن اللاتركيز الإداري، جريدة رسمية عدد4227 بتاريخ18 جمادى الأولى (3 نونبر1993)، ص.2209.

[4]–  مرسوم رقم 2.05.1369 صادر في 29 من شوال 1426 (2 دجنبر 2005) بشأن تحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري، جريدة رسمية عدد 5386 بتاريخ 11 ذو الحجة 1426 (12 يناير2006)، ص. 177.

[5] رشيد أجلاب، اللاتمركز مدخل أساسي لتقوية الجهوية المتقدمة، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، العدد الخامس عشر، نونبر 2016،

[6] – مرسوم رقم 2.17.618 صادر في 18 ربيع الثاني 1440 (26 ديسمبر2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، جريدة رسمية عدد 6738 بتاريخ 18 ربيع الثاني 1440 (26 دجنبر 2018)، ص.9787.

[7]– رشيد اجلاب، اللاتمركز الواسع في سياق الجهوية المتقدمة، سلسة الدراسات الدستورية والسياسية، منشورات مجلة العلوم القانونية، “الجهوية المتقدمة على ضوء المستجدات التشريعية”، العدد السابع، 2018، ص.56.

[8] – إبراهيم زياني، نظام اللاتمركز ورهانات تنظيم الدولة في أفق الجهوية المتقدمة، مجلة مسالك في الفكر والاقتصاد والسياسة، عدد مزدوج17-18، 2011، ص.25.

[9] – المادة 7 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[10] – نصت المادة 46 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على أنه ” لا تسري أحكام هذا المرسوم على القطاعات الوزارية المكلفة بالعدل وبالأوقاف والشؤون الإسلامية وبإدارة الدفاع الوطني والإدارات المكلفة بالأمن الداخلي والقطاعات الوزارية التي لا تتوفر على مصالح لاممركزة”.

[11] – المادة 38 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[12] – المادة 39 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[13] – المادة 40 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[14] – المادة 41من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[15] – المادة 43 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[16] – المادة 42 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[17] – المادة 30 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[18] – المادة 31 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[19] – المادة 32 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[20] – المادة 32 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[21] – المادة 32 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[22] – المادة 33 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[23] – حسب الفصل الخامس من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 تتألف اللجنة التقنية من الكاتب العام للعمالة أو الإقليم ومن رؤساء الدوائر ورؤساء المصالح الخارجية للإدارات المدنية التابعة للدولة ومن مديري المؤسسات العمومية، كما يجوز للعامل أن يستدعي لحضور أشغالها كل شخص من ذوي الأهلية.

[24] – ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 صادر بتاريخ 25 صفر 1397(15فبراير1977)، المتعلق باختصاصات العامل، جريدة رسمية عدد 3359 بتاريخ 25 ربيع الأول 1397 (16مارس1977)، ص.767.

[25] للاطلاع على اختصاصات اللجنة التقنية انظر المادة 34 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[26] – محمد أحجام، تدبير المجال في ضوء السياسة الجديدة للاتمركز الإداري – الفاعلون والعلاقات-، مجلة آراء للعلوم الإنسانية والاجتماعية والقانونية، عدد خاص حول: الأدوار التنموية للجماعات الترابية بالمغرب، العدد الأول 2019، ص.162.

[27] – محمد أحجام، تدبير المجال في ضوء السياسة الجديدة للاتمركز الإداري – الفاعلون والعلاقات-، م.س، ص. 157.

[28] – المصطفى القريشي، ملاءمة نظام اللاتمركز الإداري بالمغرب مع متطلبات الجهوية المتقدمة -وفق مقتضيات دستور2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية-، الطبعة الأولى2017، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ص.334.

[29] – المادة 18 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[30] – المادة 20 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[31] – مرسوم رقم 2.19.40 صادر في 17 جمادى الأولى 1440 (24يناير2019) بتحديد نموذج التصميم المديري المرجعي للاتمركز الإداري، ج.ر عدد 6746 مكرر بتاريخ 18 جمادى الأولى1440(25يناير2019)، ص.242

[32] – نمودج التصميم المديري المرجعي للاتمركز الإداري، ملحق المرسوم رقم 2.19.40، م.س

[33] – المادة 22 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[34] – المادة 21 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[35] – المادة 24 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[36] – المادة 25 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[37] – المصطفى القريشي، ملاءمة نظام اللاتمركز الإداري بالمغرب مع متطلبات الجهوية المتقدمة -وفق مقتضيات دستور2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية-، م.س، ص. 344.

[38] – محمد أحجام، تدبير المجال في ضوء السياسة الجديدة للاتمركز الإداري – الفاعلون والعلاقات-، م.س، ص.160.

[39] – المادة 26 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[40] – المادة 27 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[41] – المادة 29 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[42] – المادة 28 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[43] – Wassim Kamel, La nouvelle organisation de l’état en région, Revue française d’administration publique, n° 136/2010, p :1014-1015.

[44] – – إبراهيم زياني، نظام اللاتمركز ورهانات تنظيم الدولة في أفق الجهوية المتقدمة، م.س، ص.28.

[45] – حجيبة زيتوني، الجهة والإصلاح الجهوي بالمغرب، السلسلة المغربية لبحوث الإدارة والاقتصاد والمال، العدد الثالث، الطبعة الأولى 2011، ص. 243.

[46]– المادة 36 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[47] – المادة 37 من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

[48] – محمد أحجام، تدبير المجال في ضوء السياسة الجديدة للاتمركز الإداري – الفاعلون والعلاقات-، م.س، ص. 165.

إقرأ أيضاً

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية Work …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *