الحماية الجنائية للأطفال: ضحايا الجرائم والأطفال المهملين وفي وضعية صعبة نموذجا

الحماية الجنائية للأطفال: ضحايا الجرائم والأطفال المهملين وفي وضعية صعبة نموذجا

أشرف بلاوشو

Achraf  Bellaouchou

طالب باحث بسلك الدكتوراه

جامعة محمد الخامس بالرباط

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ سلا

achrafbellaouchou@gmail.com

الملخص: تعتبر الطفولة نواة المستقبل، فالأطفال هم رجال ونساء الغد، وصانعو مستقبل الأمة، وهم ثرواتها والأمل المنشود الذي تتطلع إليه الدول في تحقيق ما تصبو إليه من الأهداف المستقبلية. وإزاء هذه الأهمية البالغة للطفولة، فإن رعايتها وإحاطتها بالضمانات، حماية لحقوقها يعد واجبا وطنيا، لهذا أولى القانون الجنائي المغربي كأحد وسائل إعمال هذا الواجب، الطفل والطفولة اهتماما كبيرا، تجسد ذلك في سن مجموعة من القواعد القانونية الجنائية سواء الموضوعية منها أو الإجرائية لتحقيق هذه الحماية، وهو ما نحاول ملامسته في هذه المقالة، مركزين على فئات معينة، نجدها أولى بالعناية، والمتمثلة في الأطفال ضحايا الجرائم، والأطفال في وضعية صعبة، ثم الأطفال المهملين.  Summary: Children are the nucleus of the future: children are the men and women of tomorrow, the makers of the future of the nation, their wealth and the that hope nations aspire to achieve their future goals. In the face of this extreme importance of children, their care and safeguards, in the protection of their rights, is a national duty, which is why the Moroccan Criminal Code, as one of the means of fulfilling this duty, has placed great attention on children and children, reflecting the enactment of a set of criminal legal rules, both objective and The procedure for achieving this protection, which we are trying to touch in this article, is focused on certain categories, which we find first to care for children who are victims of crimes, children in difficult situations, and then neglected children.
الكلمات المفاتيح: الحماية الجنائية Criminal protection، الأطفال المهملين،Neglected children ، الأطفال الضحايا Child victims، الأطفال في وضعية صعبة Children are in a difficult situation .

مقدمة:

الطفل مخلوق بشري ضعيف له حقوق أساسية ينبغي أن تعمل هيئات المجتمع والدولة على حمايتها وضمان تمتع الطفل بها، فالأطفال من أكثر الجماعات الإنسانية تأثرا بانتهاكات حقوق الإنسان.[1]

فالطفل هو رجل المستقبل وثروة الأمة، لذلك فرعايته في طفولته الناشئة، أمر حتمي من أجل أن ينمو وينشأ سليما معافى في عقله وجسمه ومحيطه المجتمعي.

وإيمانا من المجتمع الدولي بأهمية الطفل والطفولة كمرحلة أولى في حياة الإنسان فقد تعالت العديد من الأصوات داعية إلى الاهتمام بها، وقد تم ذلك خاصة خلال القرن العشرين الذي كان بحق قرن الطفل بما في الكلمة من معنى، وقد صدق تنبؤ الباحثين الذين تكهنوا بذلك في بداية القرن الماضي حيث تحقق للطفل من الرعاية والاهتمام ما لم ينله في العهود السابقة، فغدا الطفل حقا ” مالئ الدنيا وشاغل الناس “ إذ استقطب اهتمام العلوم القانونية والنفسية والاجتماعية و التربوية والطبية وغيرها، فكان بذلك إيذانا بصدور العديد من المواثيق الدولية الداعية إلى الاهتمام بالطفل، والتي بدأت بإصدار إعلان جنيف لحقوق الطفل سنة 1924، ثم الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل سنة 1989 والتي كانت منعطفا حاسما في تاريخ الاهتمام بهذه الفئة.[2]

ولقيت هذه الاتفاقية ترحيبا كبيرا حيث صادقت عليها معظم دول العالم، وكان المغرب من البلدان السباقة في الانخراط في هذه المسيرة.

ومنه عملت التشريعات المعاصرة على التمييز في المعاملة الجنائية بين المجرمين الرشداء، والأحداث الموجودين في وضعية مخالفة للقانون، وأقرت للفئة الأخيرة قواعد أو أحكام قانونية خاصة وجزاءات ملائمة ترتكز على تطبيق تدابير مناسبة أملا في إصلاحهم، علاوة على مراعاة مصلحتهم الفضلى.

وفي جانب أخر ما فتئ الأطفال يكونون عرضة لجرائم أو وضعيات عديدة تشكل تهديدا حقيقيا لهم، لذلك حاول المشرع الجنائي المغربي جاهدا على إيجاد قواعد قانونية سواء في القانون الموضوعي أو

القانون الإجرائي من شأنها حماية الطفل الذي لا يستطيع تحصين نفسه من جرائم الآخرين عليه.[3]

إن الاهتمام والحماية التي أولاهما المشرع المغربي للطفل لم ينحصرا في حماية الأطفال ضحايا الجنح والجنايات، وإنما تعدى ذلك ليشملا الأطفال في وضعية صعبة، فضلا على عدم إغفال فئة لا تقل أهمية عن سابقتها، والأمر يتعلق بحماية الأطفال المهملين.

من خلال ما سبق، فإن محاولة معالجة هذا الموضوع تستدعي الخوض في الإشكالية التالية: ما مدى كفاية نصوص القانون المغربي (الموضوعي والإجرائي) لحماية الأطفال المنتمين لهذه الفئات ؟

في محاولة الإجابة هذه الإشكالية ارتأينا تناول الموضوع في مبحثين:

المبحث الأول: الحماية الموضوعية والإجرائية للأحداث ضحايا الجنح والجنايات.

المبحث الثاني: حماية الأحداث في وضعية صعبة والأحداث المهملين.

المبحث الأول: الحماية الجنائية للأحداث ضحايا الجرائم.

أولت الشريعة الإسلامية الطفل والطفولة اهتماما كبيرا، و بلغت عناية الإسلام به مند كونه جنينا في بطن أمه، ورعاه مولودا وطفلا، وحدد حقوقه على أسرته ومجتمعه معا حيث أكد على ضرورة إحاطته بكل ما يحتاج من وسائل تكفل حسن نموه وسلامة جسمه ودينه ونفسه.

ولقد سارت في نفس الركب التشريعات الوضعية الحديثة التي حاولت وضع نظم قانونية تعنى بحماية الطفل وصيانة حقوقه من كل ما يمكن أن يطال مصالحه ولاسيما عندما يكون ضحية للآخرين سواء كانوا أفرادا أو جماعات.[4]

والمشرع الجنائي المغربي كغيره من التشريعات الجنائية المقارنة حاول وضع ترسانة قانونية تعنى بحماية هده الفئة الضعيفة، وإحاطتها بسياج من الحماية من كل الأفعال التي يمكن أن تطالها، استنادا إلى مبادئ العناية والتكريم التي أقرتها الشريعة الإسلامية للطفل والمواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة.

وفي هذا الإطار سنحاول قدر الإمكان رصد أهم مظاهر الحماية الجنائية للأحداث ضحايا الجنح والجنايات من خلال قواعد القانون الجنائي (المطلب الأول)، على أن نتناول بعد ذلك القواعد الإجرائية لحماية الأحداث الضحايا (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الحماية الجنائية الموضوعية للأحداث ضحايا الجرائم.

إن الحدث هو ذلك الإنسان الذي لم تكتمل لديه القدرات العقلية والجسمانية لتقدير الصواب من الخطأ، ولذلك جاءت إرادة المشرع لتراعي هده الحقيقة، وقد برهنت على هذا الاهتمام نصوص القانون الجنائي سواء من خلال مجموعة القانون الجنائي أو قانون المسطرة الجنائية، وبذلك يكون قد أقر حماية خاصة للأحداث من الاعتداءات التي قد يتعرضون لها، حماية متميزة عن تلك التي أعدها للبالغين، بالإضافة إلى ما فرضه من عقوبات زجرية على كل مساس بحق الطفل في العيش أو المساس بسلامة جسمه أو تعريضه للخطر.

الفقرة الأولى: حماية الطفل في حياته.

يعتبر الحق في الحياة في مقدمة الحقوق التي سعت مختلف الشرائع السماوية و الوضعية إلى حمايتها، و لذلك حرص المشرع المغربي على حماية حق الطفل في الحياة بإنزاله لأقصى العقوبات في حق كل من يعتدي على حياة طفل بقتله وذلك من خلال مقتضيات الفصل 397 من القانون الذي أحال في تطبيق العقوبة المرصودة على الفصول 392و 393 من القانون الجنائي التي قد تصل إلى الإعدام، إلا أن الاستثناء الذي أورده المشرع والذي يتعلق بحالة الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة فإنها تعاقب بعقوبة مخففة و هي السجن من خمس سنوات  إلى عشرون سنة، و بذلك يكون المشرع قد راعى اعتبارات إنسانية في رصد هذه العقوبة خاصة إذا كان المولود من علاقة غير شرعية.

الفقرة الثانية: حماية هوية الطفل.

حرصا من المشرع المغربي على ضمان أكبر قدر من الحماية المأمولة للطفل باعتباره الحلقة الضعيفة في المجتمع، فقد عمد من خلال الفرع الثالث من الباب الثامن من مجموعة القانون الجنائي إلى رصد مجموعة من الأفعال الجرمية التي تحول دون التعرف على هوية الطفل المولود (الفصول 469و 470 ق.ج)، وزجرها بعقوبات الملاحظ أن غالبيتها عقوبات جنحية لا تفي بالغرض المقصود من توفير حماية كافية للطفل خصوصا مع تفشي ظاهرة الاتجار في الأطفال الرضع مما يستدعي تدخلا فوريا من المشرع لإقرار عقوبات مناسبة مع خطورة هذه الأفعال.

كما عمد المشرع من خلال الفصل 468 ق.ج إلى تعداد الأشخاص الذين يمكن أن تطالهم العقوبة في حالة عدم التصريح بازدياد مولود داخل الأجل القانوني، وفي كل ذلك تكريس لحماية هوية الطفل من الضياع.

الفقرة الثالثة: حماية الطفل من الاختطاف.

لقد تشدد المشرع المغربي في جرائم خطف القاصرين و اعتبرها من الجنايات الخطيرة، وشدد العقوبات عليها، والحكمة من ذلك هو حماية الأطفال الذين هم في حاجة إلى من يحميهم من التغرير بهم و الاعتداء عليهم بسبب عدم نقصان التمييز لديهم و سهولة إغرائهم و السيطرة عليهم.

وهكذا نص في الفصل 471 ق.ج على معاقبة كل من يستعمل تهديدا أو تدليسا لاختطاف قاصر دون الثامنة عشر سنة أو استدراجه أو نقله من الأماكن التي وضعوا فيها من طرف من له سلطة أو إشراف عليه، سواء فعل ذلك بنفسه أو بواسطة الغير يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات.

وتكريسا للتشديد المنوه عنه أعلاه فقد رفع المشرع العقوبة في حق مختطف القاصر إلى 20 سنة إذا كان سن القاصر يقل عن 12 سنة (الفصل 472ق.ج).

أما إذا كان الاختطاف بغرض الابتزاز، و طلب فدية من طرف أولياء المخطوف، فإن العقوبة تكون السجن المؤبد (الفصل 473ق.ج).

المطلب الثاني: القواعد الإجرائية لحماية الأحداث الضحايا.

الطفل كائن ضعيف يحتاج إلى الرعاية و الحماية القضائية بالخصوص، و يعتمد على غيره في تلبية حاجياته اليومية، وفي المقابل فإنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه ضد الأضرار التي تلحقه من الغير[5]، لذلك فالطفل الضحية يجب أن تقدم له الخدمات الطبية اللازمة و الخدمات التربوية و الاجتماعية.

ومن هنا نتساءل عن تجليات تأهيل القضاء للحدث الضحية (الفقرة الأولى)، وعن دور فعاليات المجتمع المدني في هذا التأهيل (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: تجليات إعادة تأهيل القضاء للحدث الضحية.

تدعيما من المشرع المغربي للحماية التي أولاها للطفل في القانون الجنائي (الموضوعي)، عمل من خلال قانون المسطرة الجنائية وفقا للمادتين 510 و511 على إحاطة الطفل ضحية الجنايات أو الجنح بضمانات إجرائية. [6]

وباستعراضنا لنصوص المواد السالفة الذكر نجد أن المشرع المغربي قد خطا خطوة مهمة

عندما منح قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث وفقا للمادة 510 ق.م.ج، إما استنادا لملتمسات النيابة العامة، وإما تلقائيا بعد أخذ رأي النيابة العامة أن يصدر الأمر بإيداع الحدث المجني عليه الذي لا يتجاوز 18 سنة لدى شخص جدير بالثقة، أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة، وقد يأمر بعرضه على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد نوع و أهمية الأضرار.

فمن خلال هذه المقتضيات يتبين الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به النيابة العامة في مجال حماية و مساعدة الأحداث الضحايا، لكن هذا الدور لن يتحقق إلا بتفعيل هده المقتضيات القانونية على أرض الواقع عن طريق قيام جهاز النيابة العامة بفتح قنوات التواصل مع الجهات التي تتولى فحص الأحداث وإلزامها بالتبليغ عن كل حالة اعتداء متى كان المعتدى عليه طفلا.

كما أن قاضي الأحداث و هو بصدد تنفيذ تدبير تسليم الحدث الضحية إلى شخص جدير بالثقة قد يصعب تطبيقه على أرض الواقع نظرا لصعوبة إيجاد هذا الشخص أو نظرا لطول المسطرة، السبب الذي يجعل القاضي في حيرة من أمره، مما يجعله يسلم الحدث إما لمؤسسة طبية أو علاجية، أو إلى مؤسسة ذات نفع عام.

الفقرة الثانية: دور فعاليات المجتمع المدني في إعادة تأهيل الحدث الضحية.

  أصبح الحديث عن المجتمع المدني يكتسي أهمية بالغة نظرا للدور الحيوي الذي يقوم به، وللحركية التي يعرفها على جميع المستويات، فالمجتمع المدني عبارة عن مجموعة من الفعاليات غير الحكومية، من شخصيات و منظمات وهيئات حقوقية ونقابات و جمعيات[7]  تسعى إلى الرفع من مستوى الحياة العامة للمواطنين.

إن تصاعد دور المجتمع المدني في الحياة الاجتماعية، جعل أغلب المهتمين يجمعون على أهمية تأهيل الحدث من طرف جمعية ذات منفعة عامة، و مما زكي هدا الطرح الدور الذي أصبحت تلعبه الجمعيات في رصد ظاهرة الاعتداءات على الأطفال، الأمر الذي يوسع من هامش سلطات القاضي في إمكانية إيداع الحدث إلى جمعية مختصة في شؤون الضحايا الأحداث في حالة عدم وجود شخص جدير بالثقة أو مؤسسة خصوصية.

المبحث الثاني : الحماية الجنائية للأطفال في وضعية صعبة والأطفال المهملين.

هدف المشرع المغربي إلى رعاية الأحداث وتقويم سلوكهم وحمايتهم، ولعل أهم ما جاء في هذا الصدد، ما تضمنته المواد من 512 إلى 517 من قانون المسطرة الجنائية التي اهتمت بتنظيم كيفية حماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة، وذلك دون أن تكون هذه الفئة من الأطفال قد ارتكبت جرما أو كونها ضحية لفعل جرمي، وإنما يوجدون ـ هؤلاء الأطفال ـ في ظروف تهدد تربيتهم أو صحتهم أو أخلاقهم تجعلهم على حافة الانحراف.

كما تعتبر فئة الأطفال المهملين من الفئات الاجتماعية البالغة الأهمية، والتي أولها المشرع الوطني أهمية خاصة؛ لأن هؤلاء الأطفال لا يستطيعون بمفردهم إشباع حاجاتهم ولا معرفة ما ينفعهم، بل يتعرضون للحرمان ويكونون غالبا عرضة للانحراف مشكلين بذلك ضياعا لأنفسهم، وخطرا على أمن مجتمعهم و سلامته، فالضرورة تستدعي العمل على مختلف المستويات للوصول إلى أفضل أساليب الرعاية البديلة لهذه الفئة من الأطفال، لتمكينهم من النمو الجسماني والعقلي، وغيره من مظاهر النمو بشكل متزن ومتكامل، بما يمكن المجتمع من الاستفادة من جهودهم في تنمية المجتمع والنهوض به، وتلافي ما يعترضه من سلبيات في حالة إهمالهم وعدم السهر على رعايتهم الرعاية المطلوبة. 

المطلب الأول : حماية الأطفال في وضعية صعبة.

لعل الغاية التي يهدف إليها المشرع المغربي من حماية هذه الفئة، هي إخراجهم من وضعيتهم الصعبة والحيلولة دون انحرافهم، ولن يتأتى ذلك إلا بإحاطتها ـ الفئة ـ بإطار قانوني متين، وهو ما تبرزه نصوص قانون المسطرة الجنائية.

فمن هو إذن الطفل الموجود في وضعية صعبة ؟ وما هي الحماية القانونية المقررة له ؟  

وعليه، سنتطرق لماهية الطفل الموجود في وضعية صعبة (الفقرة الأولى)، لنتناول بعد ذلك ضوابط حماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: ماهية الطفل الموجود في وضعية صعبة.

 لم يعرف المشرع المغربي الطفل الموجود في وضعية صعبة، وإنما حدد حزمة من الحالات، إذا ما

تواجد الطفل في إحداها أعتبر طفلا في وضعية صعبة، الأمر الذي يبينه نص المادة 513 من ق.م.ح بأنه هو الحدث البالغ من العمر أقل من 16سنة و الموجود في إحدى الوضعيات التالية:

  • إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية  أو الأخلاقية أو تربيته معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام.
  • أو إذا تمرد على سلطة أبويه أو حاضنه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو المؤسسة المكلفة برعايته.
  • أو اعتاد الهروب من المؤسسة التي يتابع بها دراسته أو تكوينه.
  • أو هجر مقر إقامته.
  • أو عدم توفره على مكان صالح يستقر فيه.

وأبرز ما يمكن ملاحظته في هذه المادة أن المشرع قد حدد السن في أقل من 16 سنة، عكس ما أخذ به بالنسبة لسن الرشد الجنائي وسن الحدث الضحية.

والجدير بالذكر أن المشرع المغربي لم يتطرق إلا لحالة الحدث القاصر المعرض لمخاطر الانحراف بسبب سلوكه هو ومن يخالطه مع فرضية انتمائه إلى أسرة متماسكة تتوفر فيها كل الشروط الضرورية للقيام بالتزاماتها تجاهه من رعاية وتربية، مع أن مفهوم الأحداث في خطر أو المعرضين لمخاطر يشمل وضعيات أخرى غير هذه.[8]

الفقرة الثانية: القواعد القانونية المقررة لحماية الأطفال الموجودين في وضعية معينة.

أفرد المشرع الجنائي المغربي لحماية هذه الفئة من الأطفال ست مواد من 512 إلى 517 ق م ج،

غير أن جل هذه المواد تحيل على نصوص المواد المتعلقة بقضايا الأحداث في وضعية مخالفة

للقانون، على أن الاختلاف يكمن في أن الأطفال المعتبرين في وضعية صعبة لم يرتكبوا جرما، وبالتالي لا يمكن متابعتهم

بمقتضيات القانون الجنائي.

وبالعودة إلى النصوص المشار إليها أعلاه، نجد المشرع قد منح بموجب المادة 512 ق م ج قاضي الأحداث بالمحكمة الابتدائية بناء على ملتمسات النيابة العامة سلطة اتخاذ مجموعة من التدابير من شأنها إخراج الحدث من وضعيته الصعبة، وهي التدابير الواردة في البنود 1 و3 و4 و5 و6 من المادة 471 ق م ج.[9]

إضافة إلى هذا، فإذا لاحظ قاضي الأحداث أن الحالة الصحية أو النفسية للحدث أو سلوكه بشكل عام يقتضي فحصا عميقا، أمر بإيداعه مؤقتا بمركز مقبول مؤهل لذلك لمدة لا تتعدى ثلاثة أشهر (المادة 514 ق م ج).

ورغبة من المشرع في تحقيق الحماية المنشودة لهذه الفئة، فقد عهد بمقتضى المادة 515 من ق م ج لمندوبي الحرية المحروسة بتتبع حالة الحدث وظروف تنفيذ التدابير، وفقا للكيفيات المنصوص عليها في المواد من 496 إلى 500 ق م ج.

ويجب على قاضي الأحداث تتبع تطور حالة الطفل عن طريق التقارير الدورية التي يتوصل بها من مندوبي الحرية المحروسة، ولهذا الغرض منحه المشرع الحق في إلغاء التدابير أو تغييرها كلما اقتضت مصلحة الحدث ذلك، إما بكيفية تلقائية أو بناء على طلب من النيابة العامة، أو بعد استشارتها إذا الطلب مقدما من قبل الجهات المحددة في المادة 516 ق م ج.[10]

وتنتهي فعالية التدابير المذكورة حسب المادة 517 ق م ج بخروج الطفل من الوضعية الصعبة وعودته إلى وضعيته الطبيعية، أو ببلوغه سن 16 سنة، أو ببلوغه سن الرشد الجنائي ـ في حالات استثنائية ـ إذا ما رأى القاضي أن مصلحة الحدث تقتضي ذلك، بموجب قرار معلل، مع مراعاة أحكام الفقرتين 2 و3 من المادة 516 ق م ج.   

المطلب الثاني : حماية الأطفال المهملين.

سنتولى في هذا المطلب الحديث عن مفهوم الطفل المهمل في التشريع المغربي (فقرة أولى)، ثم نتطرق إلى المسطرة المتبعة لكفالة الطفل المهمل ودور النيابة العامة في كفالة الأطفال المهملين (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : مفهوم الطفل المهمل في التشريع المغربي:

لم يعرف المشرع المغربي الطفل المهمل، وإنما حدد الحالات التي يكتسب فيها الطفل هذه الصفة، فطبقا لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، يعتبر الطفل مهملا الحدث من كلا الجنسين الذي وجد في إحدى الحالات التالية:

  • إذا ولد من أبوين مجهولين، أو من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها ؛
  • إذا كان يتيما أو عجز أبوه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش ؛
  • إذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهه من أجل اكتساب سلوك حسن، كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه عن رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه.

يستفاد من خلال نص هذه المادة أن المشرع المغربي تناول حالات معينة يمكن فيها القيام بكفالة الطفل، وأن حالات الإهمال وردت على سبيل الحصر، لذلك لا مجال للقياس عليها أو اجتهاد القاضي في ذلك.

ويستوي في صفة الإهمال كل من الذكر والأنثى شرط توافرهما على شرطين أساسيين: [11]

  • أن لا يتجاوز سن الطفل الثامنة عشر، وهو السن الذي جاء مطابقا لسن الرشد القانوني المنصوص عليه في مدونة الأسرة (المادة 209).
  • v       أن يكون الطفل ضمن إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 15.01.

ووجود الطفل في إحدى هذه الحالات يفسح المجال للكافل بأن يقوم بواجبه تجاهه سواء بالنفقة، والتربية، والتعليم، والتطبيب، والتوجيه، والرعاية، وهي واجبات تعد بمثابة حق الولد على الأب،[12] وفي مقابل هذا يحق للكافل أن يستفيد من الامتيازات التي يمنحها القانون للآباء عن أبنائهم كالتعويضات العائلية مثلا، باستثناء الحق في النسب والحق في الإرث وفقا للمادة الثانية من ذات القانون.[13]

الفقرة الثانية : المسطرة المتبعة لكفالة الطفل المهمل ودور النيابة العامة فيها:

سنعمل على تناول موضوع هذه الفقرة من خلال نقطتين، نخصص الأولى للمسطرة المتبعة لكفالة الطفل المهمل (أولا)، في حين نخصص الثانية للحديث عن دور النيابة العامة في كفالة الأطفال المهملين (ثانيا).

أولا : المسطرة المتبعة لكفالة الأطفال المهملين:

نص الفصل 182 من ق.م.م على ما يلي: “يمارس مهام القاضي المكلف بشؤون القاصرين قاض من المحكمة الابتدائية يعين لمدة ثلاث سنوات بقرار من وزير العدل”.

إذ أناط المشرع المغربي اختصاصات معينة لقاضي شؤون القاصرين باعتباره الأب الثاني

للقاصر في مدونة الأسرة وفي القانون 15.01.

وهكذا نصت المادة 7 من القانون المومأ إليه أعلاه على أن قاضي شؤون القاصرين يمارس الولاية على الأطفال المهملين طبقا لأحكام النيابة الشرعية والنيابة القانونية المنصوص عليها في مدونة الأسرة أو في قانون المسطرة المدنية.

يتولى القاضي المكلف بشؤون القاصرين وفقا للمادة 14 من قانون كفالة الأطفال المهملين بإسناد الكفالة إلى الشخص الراغب في الكفالة، وذلك بعد القيام بجمع المعلومات ومعطيات حول الظروف التي تتسم فيها الكفالة الطفل المهمل عن طريق بحث خاص يجريه بواسطة لجنة خاصة حدد مكوناتها بموجب المادة 6 من القانون رقم 15.01 كما يلي:

  • ممثل النيابة العامة.
  • ممثل السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية.
  • ممثل السلطة المحلية.
  • ممثل السلطة الحكومية المكلفة بالطفولة.

يعين أعضاء اللجنة المذكورة بقرارات السلطات الحكومية التابعين لها، هذا ويمكن للقاضي متى اقتضت ذلك طبعة البحث الاستعانة بأي شخص أخر يراه مفيدا في هذه الإطار.

والغاية من هذا البحث معرفة ما إذا كان الشخص أو الجهة الراغبة في كفالة الطفل المصرح بإهماله مستوفيا أو مستوفية للشروط المقررة في المادة 9 من القانون السالف الذكر.

وإذا كانت نتيجة البحث إيجابية، فإن القاضي المكلف بشؤون القاصرين يصدر أمرا بشأن إسناد الكفالة إلى الشخص أو الجهة الطالبة. [14]

وبعد أن يتم التحقق من هوية الكفيل يسلم له الطفل موضوع التقرير ليتولى شؤونه ويتعهد بأن لا يسلمه لغيره إلا بموافقة قاضي شؤون القاصرين، وألا يسافر به إلا بعد أخذ إذن القاضي المذكور،وبإخبار القاضي بكل هبة أو صدقة ارتأى الكفيل منحها للطفل.

ويكون أمر قاضي شؤون القاصرين مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون رغم كل طعن وينفذ داخل خمسة عشر يوما من تاريخ صدوره بحضور ممثل النيابة العامة والسلطة المحلية والمساعدة الاجتماعية عند الاقتضاء، ويحرر محضر من ثلاث نسخ[15] بتسليم الطفل المكفول إلى الشخص أو الجهة الكافلة يتضمن ذلك المحضر الهوية الكاملة للطفل المكفول، وتاريخ ومكان وساعة تسليم الطفل ويوقع من طرف عون التنفيذ والكافل[16].

ثانيا: دور النيابة العامة في مسطرة الكفالة: [17]

اعتبارا لكون النيابة العامة طرفا أساسيا منوطا به العمل على تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالأسرة، فقد مكنها المشرع المغربي من لعب دور مهم في مسطرة كفالة الطفل المهمل.

إلا أن الإهمال كوصف قانوني، لا يمكن أن يلحق بالطفل حتى ولو توافرت فيه كل الشروط المتطلبة قانونا، إلا بعد أن تصرح به المحكمة الواقع بدائرتها مقر الطفل بناء على طلب التصريح بالإهمال المقدم لها من قبل وكيل الملك، إما تلقائيا أو بإشعار من الغير.[18]

وهكذا بمجرد أن يصل إلى علم النيابة العامة تلقائيا أو من قبل شخص أو جهة ما بأن هناك طفل مهمل بالمفهوم الذي مر معنا، تبادر بإجراء بحث عن وضعية الطفل، وكذا تقديمها طلب للمحكمة الابتدائية الواقع بدائرتها مقر إقامة الطفل أو مكان العثور عليه أو المركز الاجتماعي المودع به، مفاده ـ الطلب ـ التصريح  بإهماله، مصحوبا بعناصر البحث الذي أجرته لإثبات وجود الطفل في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 1 المشار إليها أعلاه. كما تأمر بإيداع الطفل بصفة مؤقتة بإحدى المؤسسات أو المراكز المعنية برعاية الأطفال أو لدى بعض العائلات التي ترغب في كفالة الكفل (المادة 4 ق 15.01).

إضافة إلى قيامها ـ عند الاقتضاء ـ بمختلف الإجراءات الهادفة إلى تسجيل الطفل في سجلات الحالة المدنية (المادة 5 ق 15.01).

كما نصت المادة 6 من ذات القانون على أن وكيل الملك يأمر بتعليق الحكم التمهيدي الذي

تصدره المحكمة ـ إذا تبين لها أن الطفل مجهول الأبوين ـ لمدة ثلاثة أشهر، ليتمكن والدا الطفل ـ إن كانا ـ

من التعريف بنفسهما لاسترداده.

وبعد صدور حكم المحكمة بكون الطفل مهملا، تباشر النيابة العامة توجيه نسخة منه إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين لدى المحكمة المختصة (المادة 7 ق 15.01). 

خاتمة:

وصفوة القول فإن المقاربة التشريعية لحماية الأحداث ضحايا الجنح والجنايات، والأحداث في وضعية صعبة، والأحداث المهملين، جاءت منسجمة مع خصوصية الأسس والمبادئ التي تنبني عليها – أصلا – عدالة الأحداث، والمتمثلة في حمايتهم وتقويمهم وإعادة إدماجهم.

ونرى أن التشريعي الوطني المتصل بالموضوع، ينطوي على فلسفة عميقة مرتبطة بمرجعية دولية أصيلة تتجسد أساسا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989، والتي اتخذت كضابط أساسي تدور في فلكه جل القواعد القانونية الخاصة بالأحداث والمستندة إلى معيار المصلحة الفضلى للطفل.

بيد أن الأهداف المتوخاة المقاربة التشريعية الوطنية تبدو غير كافية، ومن تم تحتاج إلى المزيد من التعديلات التي يمكن من خلالها توفير حماية أكثر لهذه الفئات، وفي مقدمتها إيجاد المؤسسات المؤهلة لاستقبال هؤلاء الأحداث، وكذا نهج سياسة تشاركية بين القطاعات الحكومية وفعاليات المجتمع المدني. 


[1] بلقاسم سويقات، الحماية الجزائية للطفل في القانون الجزائري، رسالة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق،  تخصص القانون الجنائي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح ـ ورقلة، السنة الجامعية 2010 ـ 2011، ص 1.

[2]  أحمد أوزي، الطفل والعلاقات الأسرية، الطبعة الأولى ، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2002، ص 154.

[3]  بلقاسم سويقات، م س، ص 1.

[4] محمود أحمد طه، الحماية الجنائية للطفل المجني عليه، الطبعة الأولى ، (مكان النشر غير مذكور)، دار الفكر العربي، 1999، ص 15.

[5] مشكور بهيجة، الحماية الجنائية للطفل المغربي بين وسائل التنشئة الوقائية وإعادة التنشئة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض ـ مراكش، السنة الجامعية 1995 ـ 1996، ص 41.

[6] بوسلهام كراد، الضمانات الحمائية للأحداث في القانون الجديد للمسطرة الجنائية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق السويسي، جامعة محمد الخامس ـ الرباط، السنة الجامعية 2005 ـ 2006، ص 65.

[7] زهير الخيار، المجتمع المدني والحكامة، مجلة مسالك، العدد 8، سنة 2008، ص 17.

[8] حنان اليعقوبي، الحماية الجنائية للأحداث، مجلة المحامي، العدد 52، يونيو 2008، ص 122.

[9] حنان اليعقوبي، م س، ص 122.

[10] شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، وزارة العدل المغربية، سلسلة: المعلومة للجميع، العدد 12، نونبر 2007، ص 268.

[11] حكيمة الحطري، كفالة الأطفال المهملين بين الضوابط القانونية والواقع المعيش، مجلة الفقه والقانون، (العدد غير مذكور)، فبراير2011، ص 14. مقال منشور بالموقع الالكتروني للمجلة www.majalah.new.ma  .

[12] أنظر المادة 54 من القانون رقم70.03 بمثابة مدونة الأسرة.

[13]  إدريس أجويلل، إسناد كفالة الأطفال المهملين مقاربة في ضوء التشريع المغربي والعمل القضائي، مجلة القبس، العدد الأول، يونيو 2011، ص 117. 

[14] الطاهر كركري، كفالة الأطفال المهملين وإمكانية السفر بهم للإقامة خارج المغرب في ضوء القانون 15.01، مجلة القبس، العدد الأول، يونيو 2011، ص 197 وما بعدها.

[15]  نسخة توجه لقاضي شؤون القاصرين والنسخة الثانية يأخذها الكافل والنسخة الثالثة يحتفظ بها في ملف التنفيذ.

[16]  المواد 17 ـ 18 من القانون رقم 15.01.

[17] تجدر الإشارة أن مسطرة الكفالة تختلف بحسب ما إذا كان الطفل المراد التكفل به مهملا أو غير مهمل، حيث في الحالة الأخيرة نكون أمام مسطرة إدارية صرفة، لا دور للنيابة العامة فيها، بخلاف الحالة الأولى.

[18] محمد بنعليلو، واقع عمل النيابة العامة بين الممارسة القضائية وضمان الحقوق والحريات، المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة، دراسة كلف بإنجازها من طرف هذا المركز في إطار مشروع إقليمي يدعمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ـ برنامج إدارة الحكم في الدول العربية UNDP-POGAR ـ لتعزيز حكم القانون وتحديث النيابات العامة في الدول العربية، (المطبعة، ومكان النشر، والطبعة، وتاريخ النشر غير متواجدين)، ص 121.

إقرأ أيضاً

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية Work …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *