رقابة القضاء المالي الجهوي على تدبير صفقات الجماعات الترابية

رقابة القضاء المالي الجهوي على تدبير صفقات الجماعات الترابية

زبيدة نكاز                                                  أستاذة باحثة كلية الحقوق فاس                               هشام العسري باحث في سلك الدكتوراه كلية الحقوق فاس

مقـدمـــة

      يحظى نظام الرقابة العليا على الأموال العمومية في إطار منظومة علم المالية العامة بمكانة خاصة ومتميزة؛ باعتبــاره يشكل أحد الركائز الأساسية التي يقام عليها صرح الحكامة الجيـدة لتدبيـر الشـأن العـام فـي جميع تجلياته، وذلك بالنظر لأهمية المال العام ودوره في بناء الدولة وتكوينها [1].

       وباستحضار هذه المكانة لمركزية المال العام في تحقيق التنمية الشاملة، فإن الأمر يستلزم إحاطته بنوع من الحماية حتى لا يتم العبث به سواء بالتبذير أو الاختلاس أو سوء التسيير، لأن حمايته  تعتبر مدخلا أساسيا لحماية الأمن الاقتصادي والاجتماعي للدول ومؤشرا  قويا على نهضتها وتقدمها، لذلك تعمل كل دولة على سن تشريعات وإنشاء مؤسسات خاصة تتولى الرقابة على هذه الأموال بغية تحصينها من الاعتداء عليها.[2] تأسيسا على هذا الأمر يعد مفهوم الرقابة العليا على الأموال العمومية موضوعا هاما وحاسما في ظل التحولات العميقة التي يعرفها المغرب، حيث أضحت هذه الإشكالية على اختلاف مستوياتها الجدال المحوري الأكثر استعمالا في مختلف النقاشات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكذا الفقهية، خصوصا عند ربط هذا المفهوم المركزي بمشكلات وآفاق التدبير المالي العمومي وسؤال تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة  لا سيما في ميدان الصفقات العمومية.[3] هذا الأمر الذي أصبح موضوع حديث للخاص والعام، وبمسميات مختلفة ( الافتحاص، التدقيق، المراقبة، المساءلة، المحاسبة…. الخ ) جعل هذا الموضوع يستأثر بحيز هام من لدن الصحافة الوطنية، إذ تكاد لا تخلو هذه الصحف من تناول قضايا الفساد المالي وبالخصوص على مستوى ميدان الصفقات العمومية والمناداة بملحاحية لتفعيل مراقبة الأموال العمومية.[4]

      وعليه إن مفهوم الرقابة المالية المقصود في هذا الموضوع، هو الإشراف والفحص والمتابعة من طرف سلطة أعلــى لهــا حق التعرف علــى كيفية سيــر العمــل داخل الوحدة  أو المنظمة[5] للتأكد من حسن استخدام الأموال العامة وفقا للأغراض والخطة المرسومة، ومن ثم فالرقابة عملية تسعى لرصد ما تم وما لم يتم من الخطة الموضوعة من قبل المنظمة موضوع الرقابة،[6]

       فــي ظل هــذا السيــاق يندرج عمـــل المجلس الأعلـى والمجالس الجهوية للحسـابات بالمغـرب تحديـدا، حيث اعتبـرها المشـرع بصريح نص الدستـور هيئات  تمـارس الرقابة العليا [7] على المالية العمومية توصف بالقضائية، ومن هنا فمهام المجالس الجهوية للحسابات حسب الفصل 149 من الباب العاشر من الدستور[8] المعنون بالمجلس الأعلى للحسابات، هي مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية الأخرى، وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها وتعاقب عند الاقتضاء عن كل إخلال بالقواعد الساريـــة عن العمليات المذكورة ، فهذه المجالس إذن هي محاكم مالية جهوية تمارس مهامها كما هو محدد لها  قانونا للرقابة على مالية الجماعات الترابية. وبالرغم من حداثة التجربة نسبيا التي كان انطلاقها مع سنة 2004، إلا أن الحاجة إليها كانت ماسة نظرا للرهان الجديد الذي يعطى للامركزية على أكثر من صعيد ومنها المالي تحديدا، ثم الاهتمام المتزايد من طرف الهيئات الدولية للرقابة المالية التي تنادي بضرورة إنشاء هذه المؤسسات واعتمادها داخل دولة.

     وإذا كان الأخذ بنظام الصفقات العمومية بالمغرب  سابق على نظام الرقابة القضائية – منذ سنة 1907 – ، فإنه لم يتقرر بشكل حديث تبني الرقابة على المالية العمومية إلا مع بداية الستينيات من القرن الماضي، حيث تميزت نشأة وتطور الرقابة العليا على المال العام بالمغرب في المرحلة الأولى بمراقبة المشروعية، فخلال سنـــة 1960 تم إحداث اللجنة الوطنية للحسابات، التابعة لوزارة المالية تتولى الرقابة على المالية العامة، حيث اقتصر دورها على ممارسة مراقبة محاسبية عليا ذات طبيعة إدارية، ثم مرحلة ثانية والتي تعتبر مهمة بالنسبة للمغرب، وهي إحداث المجلس الأعلى للحسابات بمقتضى قانون 12-79 كجهاز أعلى للرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية والسهر على مشروعية العمليات المالية ومراقبة أداء الأجهزة العمومية الخاضعة لمراقبته، ليتم فيما بعد ذلك الارتقاء بهذه الجهة سنة 1996 من مؤسسة عادية إلى مصاف المؤسسات الدستورية، وذلك على غرار المؤسسات المماثلة فــي الــدول الأكثــر تقدمــا لتأتي المرحلــة الحاسمــة والمتمثلة في إصدار مدونة المحاكم المالية من خلال الظهير الشريف بتاريــخ 13 يونيو 2002 بتنفيــذ القانــون رقم 99-62[9] الـذي تضمـن إحداث المجالس الجهوية للحسابات في إطار سياسة اللامركزية للرقابة المالية على الجماعات الترابية،[10] ولقد تم تتويج هذا المسار وتعزيزه انطلاقا من دستور 2011 الذي منحها اختصاصات جديدة خصوصا في بعض الجوانب كالتخليق وتكريس الحكامة المالية والمحاسبة والشفافية، وفضلا عن هذا تم إحداث ثلاثة مجالس جهوية للحسابات وذلك تماشيا مع الجهوية المتقدمة لتصل في المغرب إلى 12 مجلسا جهويا وذلك بموجب المرسوم رقم 2.15.556 والذي  حدد مقارها وتسميتها ودوائر اختصاصاتها.[11]

      ومما لا شك أن موضوع رقابة المجالس الجهوية للحسابات على صفقات الجماعات الترابية يعتبر من المواضيع الراهنة وذات الأهمية والأولوية بالدراسة والتحليل، إذ يحظى هذا الحقــل باهتمام علمي وعملي كبير من طرف الباحثين والمهنيين المهتمين بهذا الميدان وذلك من منطلق أن المؤسسات العليــا للرقابة على المال العام بالمغرب هــي بمثابـة الضمـير المالـي   للدولــة. وأنه فبالإضافة إلى الأهمية التي تحتلها الرقابة  داخل منظومة علم المالية العامة من طرف الفقه المالي، فإن الأمر يزداد مكانة وأهمية في حالة الرقابة على الصفقات العمومية وذلك نظرا لما يشكله حجم ومبلغ النفقات المرصودة للصفقات من الميزانية العامة للجماعات التي تبرمج وتنفذ سنويا في شكل صفقات. بلغة الأرقام الدولة خصصت في قانون المالية لسنة 2016 في مجال الصفقات العمومية مجهودا استثماريا يصل الى 61 مليار درهم في القطاعات الوزارية و 12 مليـــــار درهم للجماعات الترابية،[12] لذلك فالصفقات العمومية هي من بين الوسائل المهمة في تدبير وتنفيذ النفقة العمومية ، فهي إذن آليــة أساسية تمكن من الاستفادة من خيرات البلاد واستغلالها بالشكل الذي يحقق الرفاهية والازدهار لكافة المواطنين في مختلف المجالات سواء تعلق الأمر بالشبكة الطرقية والتجهيزات الأساسية من بنيات تحتية ومؤسسات إدارية وغيرها من المنشآت الحيوية التي تعمل من خلالها الجماعات على تسهيل وجعل عملية التنمية تتحقق، وبذلك صارت الصفقات العمومية التي تشمل نفقات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية  تمثل ما يناهز %24  من الناتج الداخلي الخام وغدت بالتالي مكونا من مكونات النشاط الاقتصادي الذي لا يمكن تجاهله[13]. وبهذا أضحت الرقابة المالية عليها عنصرا رئيسيا في النظام الديمقراطي.

      على ضوء ما مر وما سيأتي يتمحور التساؤل المركزي الذي ينبـني علــيه هـــذا الموضوع، حــــول مدى مساهمــة ودور المجالس الجهويـــة للحسابات في التأثير على أداء المدبريـــن العمــــوميين بالجماعات الترابية في ميــدان تدبير الصفقــات العمومية ؟.

       هــذا الموضــوع الهــام والشائك يطرح نقطتين رئيسيتين للنقاش والتحليل الأول نظــري، يتم التطرق فيه إلى الآليات التي عن طريقها يتدخل القضاء المالي الجهــوي في الرقابة علــى صفقات الجماعــات الترابيـة ( المبحث الأول ) والثاني ميداني يتنـــاول الحديث عن العمل القضائي للمحاكم المالية الجهوية في مراقبة تدبير صفقات الجماعات الترابية  ( المبحث الثاني ).

المبحث الأول: آليـات تدخل القضاء المالي الجهوي للرقابة على صفقات الجماعات الترابية

      يشتغل القضاء المالي الجهوي على المستوى النظري للقيام بوظائفه الرقابية فــي تدبير ميدان الصفقات العمومية بالجماعات الترابية، وفق منظومة قضائية تتأسس على مرجعية رقابية وترسانة قـــانونيــة مهمة، تعتمد كآليات ضرورية ومحدد لمختلف تدخلاته التي تمنحه اختصاصات واسعة ومهمة للرقابة على أعمال المحاسبين العموميين و الامرين  بالصرف والمراقبين، والاجراءات التي تسير عليها هذه الرقابة للنظر في مدى مشروعية أعمال هؤلاء في قيامهم  بمهامهم في جميع المراحل والمساطر التي تمر منها الصفقات الترابية. ومن أجل تحقيق رقابة شاملة وإرساء توازن في المسؤوليات فان الاختصاصات المخولة للمحاكم المالية لا تخرج عن الثنائية التي رسمها المشرع وذلك من خلال الرقابة على الصفقات العمومية في اطار الاختصاصات القضائية (المطلب الاول) ثم الرقابة على الصفقات العمومية في اطار الاختصاصات الغير القضائية  (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الرقابة على مشروعية الصفقات العمومية في إطار الاختصاصات القضائية

       مبدئيا تؤطر هذه الاختصاصات كل من أحكام الفصل 149 من دستور 2011، والمواد من 126 الى 141 من القانون 62 – 99[14] حيث تتولى المجالس الجهوية للحسابات في هذا الباب النظـــر في الحسابات المتعلقة بالصفقات العمومية وذلك عن طريق  البت في تدقيقها وتحقيقها ( الفقرة الأولى )، ثم التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية إذا ما حصل هناك وجود اختلالات من قبل المدبرين العموميين في إنجازها (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: التدقيق والتحقيق والبت في حسابات المحاسبين العموميين

     بالنظر الى عنوان هذه الفقرة الذي يتضمن ثلاثة مفاهيم كبرى تؤطر هذا الاختصاص والمتمثلة في التدقيق والتحقيق[15] والبت في الحسابات وربطها بحقل تدبير صفقات الجماعات الترابية، يبدو حجم وشساعة هذا الاختصاص وما يطرحه من تحليل ونقاش نظريا وممارسة، لكن وبشكل مختصر يتم تناول هــذا الشق الهام الذي يبرز أصالة وتجربة المحاكم المالية في الباب المتعلق بالنفقات العمومية.

    وبهذا يختص المجلس الجهوي للحسابات طبقا لنص المادة 126 من القانون رقم 99- 62 بمثابة مدونة المحاكم المالية داخل حدود اختصاصه، بالتدقيق والبت في حسابات الجماعات الترابية ومجموعاتها، والتي تتوفر على محاسب عمومي.[16] وفي هذا السياق تجري عملية التدقيق وفق منظور جديد يتمثل في المراقبة المندمجة، التي تمكن المستشار المقرر من القيام بفحص شامل لجميع العمليات التي تتعلق بتنفيذ النفقات العمومية بما فيها عمليات وأنظمة التسيير التي تتطلب المعاينة الميدانية ثم إثارة ملاحظات تهم كل المتدخلين في تنفيذ العمليات المالية، كالأمر بالصرف والمراقب والمحاسب العمومي أو أي مسؤول آخر.[17] لأجل التحقق من مشروعية القرار المالي، وذلك عن طريق التأكد من المطابقة الشكلية لحسابات مدبري المالية الترابية للنصوص القانونية.[18]  حيث يهدف التدقيق الى تقويم مختلف الاختلالات تشوب إنجاز الصفقات العمومية ، إذ يعـود له الفضـل فـي الانتقـال مـن معيــار المطابقــة بالنظــر الــى النــص، الى معيــار الاحقــاق والانجـاز. [19]   وبالرجوع  الى مدونة المحاكم الماليــة، في هــذا الباب نجد أن المادة 128[20] مــــن  القانون 99 ـ 62  في الكتاب الثاني تحيل على أن التدقيق والتحقيق تطبق عليه مقتضيات المواد من 27 الى 40 من الكتاب الاول من نفس القانون.

      غير أنه بالرجوع الى المادة 142 من مرسوم 20 مارس 2013، نجـد صفقات الجهات والعمـالات والاقاليـم والجماعـات وكـذا عقودهــا الملحقـة ربطـت التدقيق بثـمن الصفقـة، حيث لا تخضـع سـوى الصفقات التـي يتجـاوز مبلغهـا ثلاثة ملاييـن  3000.000 درهم مــع احتساب الرسـوم، ومليـون 1000.000 درهـم بالنسـبة للصفقات التفاوضية[21]، وبالتالي ما يستشف مــن هــذه المادة أن عـدم تعميـم التدقيـق علــى كــل الصفقــات كيـف مــا كانــت نوعيتها، بـل جعله إجباريا فقـط بالنسبـة للصفقات التـي يتجاوز مبلغـها سقفـا مـحددا، يــدل عـلى أن حجم الصفقات وعددها يفوق الأليات والأجهزة والموارد البشرية الكفؤة المكونة في هذا الجانب. الامـر الذي يتضح منه أنه رغم كون المشرع أدخل آلية التدقيق في مجال الصفقات العمومية فـهو لم يجـعل هـذه المهمـة تمـارس بإطلاقيه الامـر الذي يحـد مـن جـودة العديد مـن الصفقات العمومية التي يقل ثمنها عن الرقم المذكور.

     أما فيما يخص التحقيق في الحسابات  فإنه بناء على البرنامج السنوي للمجلس الجهوي للحسابات المنصوص عليه في المادة 120 من قانون 99 ـ 62 ، يقوم رئيس الغرفة بتوزيع الحسابات والبيانات المحاسبية على المستشارين المقررين بهدف تحقيقها، حيث يجوز للمستشار المقرر الذي يقوم بالتحقيق أن يستعين بقضاة أخرين ومدققين يعينهم رئيس الغرفة.[22]  حيث يبدأ المستشار المقرر مرحلة التحقيق بجمع المعلومات والأدلة أو أية وثيقة من شأنها أن تساعده على فحص الحسابات التي لها علاقة بالموضوع ثم مباشرة فحصها وتحقيقها.[23] وفي هذا الصدد يجري التحقيق باتباع مسطرة كتابية  وتنازعية  تمكن المعنيين  بالأمر من ابداء تبريراتهم داخل الأجل المحدد قانونا.  ومن الضمانات المسطرية الهامة التي أتى بها القانون رقم 99 ـ 62  بتاريخ 13 يونيو 2002 ــ المحدث للمحاكم المالية ــ أن القاضي المقرر، أصبح ملزم بإعداد تقريرين، أحدهما يخصص لنتائج التحقيق المتعلقة بالتدقيق والبت في الحسابات، والثاني تبين فيه مراقبة التسيير ومسألة تعيين المستشار المراجع.[24]

      ومن مميزات هذا الاختصاص الابتدائي هو غياب مبدأ النزاع وكونه كتابيا إضافة الى طابعه التلقائي، ثم طغيان الجانب الاداري والاجرائي الصرف  مع إشراك كل الاطراف المعنية بالتحقيق، حيث يمكن للمستشار المقرر إلزام كل من الامر بالصرف والمراقب والمحاسب العمومي أو أي مسؤول آخر بتقديم جميع التوضيحات التي يراها المستشار ضرورية، وذلك تحت طائلة الغرامة التهديدية في حالة الامتناع المنصوص عليها في المادة 29 من هذا القانون، هذا بالإضافة الى أنه يجوز للمستشار المقرر القيام في عين المكان بجميع التحريات التي يراها ضرورية لإنجاز مهمة التحقيق.

    وبخصوص البت في الحسابات فإنهبعد الانتهاء من مرحلة التدقيق والتحقيق في الحسابات من طرف المجالس الجهوية، التي يكون موضوعها صفقات الجماعات الترابية، طبيعي جدا أن هذه المهمة القضائية ستسفر لا محالة، إما عن عدم أو وجود مخالفات ــ ففي حالة الاولى يتم إبراء ذمة المحاسب ثم البت في الحساب أو الوضعية المحاسبية بقرار نهائي ــ وإذا ثبت للمجلـس وجــود مخالفــات حسب مــا حددتــه مقتضيـات المــادة 37 من القانون 99 ـ 62 الناتجة عن عدم اتخاد الاجراءات التي يتوجب على المحاسب القيام بها في مجال مراقبة صحة النفقة يأمر المجلس الجهوي المحاسب العمومي بواسطة قرار تمهيدي بتقديم تبريراته كتابة أو عند عـدم تقديمها بإرجاع المبالغ التـي يصرح بـها المجلس كمستحقات للجهـاز العمومـي المـعني.[25]

      تثير مقتضيات المادة 37 أعلاه التي لها علاقة بمسؤولية  المحاسب العمومي في حالة ثبوت مخالفات عن مهامه، مجموعة من النقط المهمة، لذلك سنركز على أهم المعطيات  التي تطرحها ما دامت أنها بمثابة السند القوي الذي يعطي للقاضي المالي البت في الحسابات والتثبت من عدم أو صدقية تنفيذ وإعداد وإبرام الصفقات العمومية التي توكل مهمتها الى الجماعات الترابية في احترام تام للقانون المؤطر للطلبيات والاشغال العمومية. إذن فهي آلية قوية يستند عليها القاضي المالي لمعرفة وتحديد مدى مشروعية النفقة التي يتولاها المحاسب العمومي، غير أنه إذا ما تبين من خلال التحقيق في الحساب وجود مخالفة من المخالفات المنصوص عليها في المواد 54 و 55 و 56 بعده تتخذ الهيئة قرارا توجهه الى الوكيل العام للملك الذي يحيل القضية الى المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشون المالية.[26]

الفقرة الثانية: التأديب المالي في ميدان الصفقات العمومية

         معلوم أن ربط المسؤوليـة بالمحاسبة يعـد أحد أهـم المبادئ التي تقـوم عليهـا الحكامة ودولة القانـون، فمـن هـذا المنطلـق تعتبـر الرقابة بدون جزاء لمن ثبتت إدانته لا قيمة لهـا. ومنه تعـد ممارسة المحاـم الماليـة الجهويـة لمهمـة التأديــب المالي للمخالفين للضوابـط المالية فـي صرف النفقات التي تتولاهـا الجماعات الترابية مسألة منطقية وذات أهمية بالغـة حــيث يعتبر هـذا الاختصاص الوجه الثاني لرقابة المشـروعية كونه ينصـب أساسـا على تصرفات كافـة المتدخليـن في العمليات المالية والمحاسبية، التي تهـم أساسا الصفقات والأشغال العمومية التي تديرهـا الجماعـات الترابية، ويبرز هـذا النـوع مـن الرقابة الخصـوصية الفـريدة لتجربـة القضاء المالي المغربي، التي تتميـز بخاصيتـي الوحـدة والشموليـة، هكـذا يتولى القضـاء المالي الجهـوي المهام القضائية المتجسـدة فـي التأديـب المتعلــق بالميزانيـة والشـؤون الماليـة؛ للنظـر فـي جميـع جوانبهـا وما يترتـب عنهـا مـن مسـؤوليـة وذلك حســب الشــروط المنصـوص عليهـا فـي المـواد 54 و55 و56، خـلافا للنظـام الفـرنسـي حيـــث لا تتوفـر محكمة الحسابات على هـذا الاختصاص، بـل هـو مخـول لجهـاز آخـر ممـثل فـي محكمـة التأديــب المالي.  وبصدد هذا تتولى المجالس الجهوية في هذا الاطار ممارسة المهام القضائية في ميدان التأديب المالي بالنسبة  الى الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 118والذين يرتكبون المخالفات المذكورة طبقا للمواد أعلاه .

     وبه إن الأشخاص المعنيون بالتأديب المالي هم مسؤولو وموظفو ومستخدمو الجماعات الترابية ومجموعاتها[27]، وبخصوص الطبيعة القانونية للمخالفات المنشئة للمسؤولية نتيجة خرق أحد النصوص أو الضوابط المتعلقة بصرف أو تنفيذ النفقات تعتبر الغرامة المالية العقوبة الوحيدة التي تملكها المجالس للزجر بها حيث يتعرض مرتكبها لغرامة تتراوح ما بين 1000 درهم كحد أدنى وأربع مرات الراتب السنوي الصافي للمعني بالأمر كحد أقصى، كما يمكن للمجلس أن يقرر الحكم على المعني بالأمر بإرجاع المبالغ المطابقة لفائدة الجهاز العمومي في حالة إذا ما ثبت له أن المخالفة ألحقت ضررا بالجهاز العمومي[28]، غير أنه من الناحية العملية يصعب في هذه الحالة إرجاع المبالغ المطابقة إذا كانت كبيرة مع العلم أن ميدان الصفقات غالبا ما يكون سقف المبالغ مرتفع وأن المعني بالأمر لأسباب ما ضيع هذه المبالغ وليس بقدوره إرجاعها نظرا للوضع الذي هو عليه أثناء الحكم. وفي حالة إذا ما اكتشف المجلس الجهوي أفعالا من شأنها إن تعرض المعني بالأمر لعقوبة تأديبية أو جنائية يتم تطبيق المادة 111[29] من هذا القانون التي عن طريقها تحال القضية على النيابة العامة بالمحاكم العدلية لاتخاذ الإجراءات الازمة. وبالتالي يبقى الغرض من إقرار الغرامة ليس بهدف التعويض عن الخسارة التي أصابت المال المحلي، بل الهدف من ذلك هو العمل على احترام قواعد التشريع المالي الخاص النفقات إضافة الى محاولة ربط المخالفات المتعلقة بعدم احترام قواعد التدبير المالي والميزانياتي، بتقييم الأداء العام للأجهزة الخاضعة للرقابة المالية ذات الصبغة القضائية[30]. ومن بين الوقائع المنشئة للمخالفات المالية في حقل الطلبيات العمومية والتي تستوجب المتابعة أمام المجالس الجهوية للحسابات من خلال ما استقر عليه اجتهاد قضاء التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية يمكن رصد المخالفات التالية[31]:

   1- المخالفات المرتكبة من طرف الآمر بالصرف أو أي مسؤول وكذا كل موظف يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم في مرحلة الالتزام بالنفقة:

  • تنفيذ صفقة عمومية قبل المصادقة عليها من لدن السلطات المختصة؛
  • تنفيذ أشغال قبل فتح الاعتمادات؛
  • التسوية البعدية من خلال سندات طلب؛
  • الالتزام بنفقة يتجاوز سقفها الاعتمادات المتوفرة؛

2- المخالفات المرتكبة من طرف الآمر بالصرف أو أي مسؤول وكذا كل موظف يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم في مرحلة التصفية والأمر بالأداء:

  • التوقيع على محضر التسليم بالرغم من عدم مطابقة التوريدات للشروط التقنية المنصوص عليها في الصفقة؛
  • التوقيع على محضر التسليم بدون الإشارة الى تاريخ إنجاز الخدمة؛
  • الأمر بأداء مبلغ يفوق ثمن الخدمة المقدمة؛
  • التصفية والأمر بأداء النفقة وإنجازها لحساب جهاز عمومي خارجي[32].

المطلب الثاني : الرقابة على الصفقات العمومية في اطار الاختصاصات الادارية

       تتولى المجالس الجهوية للحسابات ممارسة صلاحيات رقابية ذات طابع اداري تتعلق بمراقبة التسيير أولا باعتبارها اختصاص حديث نسبيا، وكذلك مراقبة استخدام الأموال العمومية بالجماعات الترابية، ثم مراقبة الاجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية، ويستهدف هذا الاختصاص الرقابي ذو الصبغة الادارية، تحقيق مراقبة شاملة ومندمجة لكل أوجه ومظاهر التدبير المالي والاداري لصفقات الجماعات دعما للدمقراطية الترابية وذلك عــن طريق تقييم المشاريــع والمخططــات والأهداف التنمويــة والاستراتيجيـة والبحث فــي طبيعة ونوعية مختلف العمليات الماليـة، والتصرفـات التدبيريـة ومضمونهـا وتكلفتها ومـردوديتها.

الفقرة الأولى: مراقبة التسيير

     تعتبر مراقبة التسيير آلية حديثة لضبط النشاط المالي العمومي وتحديدا في مجال الصفقات العمومية التي تديرها الجماعات الترابية، إذ تسمح مراقبة التسيير بتحديد الأهداف وقياس التكاليف لأنها “مراقبة من حيث الكيف” تشمل جميع مظاهر تسيير الأجهزة الخاضعة لرقابة المجالس الجهوية للحسابات[33] تهدف بالدرجة الأولى الى قياس النشاط المنجز، والوقوف على حقيقته، ومن تمة بيان ومعرفة هل  كان النشاط  متفقا في نتائجه مع الأهداف التي يسعى الى تحقيقها.

       هذا الاختصاص التي تمارسه المحاكم المالية على حقل الصفقات؛ تصنف من جهة كرقابة للملائمة ذات الأصل الانجلوساكسوني الذي يعتمد على المقارنة بين التكاليف والنتائج المحققة لتجنب كل تسيير غير فعال. ومن جهة ثانية تركز هذه الرقابة على الأهداف والنتائج عبر استخدام أمثل وأنجع للموارد المخصصة لها داخل الوحدة الخاضعة لهذه الآلية الرقابية. فهي إذن تعتبر أداة تعمل على ضبط وتقنين التصرفات داخل المؤسسة حيث تطمح لاحتواء نظام المراقبة في شموليته، في هذا السياق يعرف هنري بوكينHenri Bouquin  مراقبـة الـتسيير بأنها عبارة عن مسلسل دائم ومنظم من أجل التدخل قبل وأثناء

وبعد العملية، ويفوق بكثير دور مراقب التسيير نفسه.[34] إذن فمراقبة التسيير حسب بعض الفقه هي، مراقبة إدارية غير قضائية مصاحبة وتشاركية (تدقيق شامل ومندمج).[35]

  وعليه إن مراقبة المجالس الجهوية في هذا الاطار تكون عن طريق تقييم مدى تحقق الأهداف المحددة والنتائج المحققة، وكذا تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة. كما تشمل هذه المراقبة كذلك مشروعية وصدق العمليات المنجزة وكذا تكاليف  حقيقة الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة والأشغال المنجزة ثم أيضا التأكد من أن الأنظمة  والاجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لرقابته تضمن التسيير الأمثل لمواردها وحماية ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة والعمل على القيام بمهام تقييم المشاريع العمومية للتأكد من مدى تحقق الأهداف والغيات المحددة بكل مشروع انطلاقا مما تم إنجازه وبالنظر ما هو مستعمل من إمكانيات.[36]

    وفيما يخص الاجراء الأول لهذا الاختصاص يقوم الرئيس بتعيين المستشارين الذين يقومون بمراقبة تسيير الأجهزة المدرجة في البرنامج السنوي للمجلس والتي تهم بالدرجة الأولى صفقات الجماعات الترابية، حيث يؤهل أولئك المستشارون للاطلاع على كافة الوثائق أو المستندات المثبتة الكفيلة بتزويدهم بمعلومات حول تسيير هذه الأجهزة مع إمكانية الاستماع الى الأشخاص الذين يرون أن إفادتهم ضرورية، وفي حالة عدم استجابة الأشخاص المعنيين لطلبات أولئك المستشارون ترفع التقارير لرئيس المجلس الجهوي للبت في الأمر وفق مقتضيات المادة 69 من القانون 99 ـ 62[37].

         وبعد التداول وفق مقتضيات  مدونة المحاكم المالية،  تبلغ الملاحظات المسجلة من لدن المستشارون الى المسؤولين عن الأجهزة المعنية، الذين يجوز لهم الإدلاء بتعقيباتهم عند الاقتضاء داخل أجل شهرين،[38] ويحرر المستشارون عند انصرام الأجل  تقارير يوجهونها الى رئيس الغرفة ليتم التداول بشئانها،[39] ويعتبر الاستماع  هنا لكل مسؤول أو مستخدم أمرا مهما بحيث يمكن لهؤلاء المسؤولين الاجابة عن هذه التساؤلات في اطار من الحرية ودون إلزامهم بكتمان السر المهني، وعلى إثر النتائج التي يتم الخلوص اليها من تلك المداولة، يتم إعداد تقرير خاص حول جميع العناصر ثم إجابات المعنيين ليتم التداول فيها، وفي حالة الوقوف على أية مخالفة  من المخالفات المستوجبة للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية فإن النيابة العامة تقوم بالمسطرة اللازمة، والأمر نفسه إذا وجدت ملاحظات أو أعمال تشكل مخالفات ذات صبغة جنائية[40].

         تأسيسا على ما سبق، يوجه الرئيس ذلك التقرير الخاص، الذي تم التداول فيه الى كل من وزير الداخلية أو الولي أو العامل في حدود الاختصاصات المخولة لهم تطبيقا للنصوص الجاري بها العمل، والى الوزير المكلف بالمالية أو الخازن بالجهة أو العمالة أو الاقليم الذين يمكن لهم الإدلاء والتعبير عن آرائهم داخل أجل يحدده الرئيس على ألا يقل عن شهر[41]. ويجوز لوزير الداخلية أو الوزير المكلف بالمالية أن يطلب من المجلس الجهوي للحسابات إدراج أية قضية مهمة تتعلق بتسيير صفقات الجماعات الترابية الخاضعة لرقابته والتي تدخل ضمن برنامجه السنوي للمجلس، ويوجه التقرير الذي يحرره هذا الأخير في هذا الاطار وفق الشروط المنصوص عليها الى الوزير المعني بالأمر، وهو وزير الداخلية باعتباره الجهة الممارسة لسلطة الوصاية[42].

    وبالتالي فهذه المسألة في نظر الكثير تعتبر معيبة ومستهجنة، إذ لا يعقل أن تبرز هيمنة وزارة الداخلية على الجماعات الترابية والأنشطة التي تمارسها حتى في هذا المستوى المتعلق برقابة المحاكم المالية كرقابة قضائية ومستقلة، كما توصي بذلك المؤسسات الدولية في هذا المجال  وكذلك الدستور المغربي من خلال جعل باب مستقل لهذا الهيئات العليا للرقابة على المال العام كما يصفها، فهذه الرقابة من حيث المبدأ أحدثت في إطار التوجه نحو تكريس الرقابة القضائية علــى الجماعــات بشكــل تدريـجي لتجاوز عيــوب الأنــواع الرقابيــة الأخـرى، وبالتالــي كيـف يعقــل أن تسلم التقارير الرقابيـة لسلطة الوصاية فقط دون رؤساء مجالس الجماعات المعنية بالرقابة وكأن الأمر يتعلق بالتعامل مع أشخاص سفهاء أو محجور عليهم؟.[43]

الفقرة الثانية : مراقبـة استخدام الأموال العمومية والاجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية

   في إطار الدعم المالي الذي تتلقاه الجماعات الترابية من طرف مختلف المؤسسات والهيئات، لا بد أن يكون صرف هذا الدعم  في شكل نفقات تطبعها الشفافية التامة، لسد الحاجيات المتعددة لهده الجماعات التي قد تكون هده الأموال موجهة تحديدا لإنجاز صفقات أو أشغـال أو توريدات أو خدمات عمومية، هدفها الرفـع من التنمية داخـل هذه الوحـدات، وكذلك التأكد من أن استخدام الأموال العمومية التي تم تلقيها يطابق الأهداف المتوخاة من المساهمة أو المساعدة. ومن جهة أخرى في إطار نفس الاختصاصات الإدارية يتولى القضاء المالي الجهوي دون المجلس الأعلى للحسابات اختصاص لا يقل أهمية عن باقي الاختصاصات التي سبق وأن تطرقنا إليها، يتعلق الأمر بالإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية.

    فيما يتعلق بمراقبـة استخدام الأموال العمومية ينظم هذا الصنف مقتضيات المواد من 154 الى 156 من مدونة  المحاكم المالية لسنة 2002،  التي تستهدف من وراء ذلك التأكد من حسن استخدام الاموال العمومية التي تتلقاها الجهات المعنية، ومعرفة مدى مطابقتها للأهداف المتوخاة منها. ولكي تقوم المجالس الجهوية للحسابات بدورها الرقابي المنوط بها في هذا الاطار، ألزم المشرع الأجهزة التي تستفيد من مساهمات ومساعدات الأجهزة العمومية المحلية المعنية بضرورة تقديم حساباتها المتعلقة باستخدام الأموال والمساعدات العمومية الأخرى التي تلقتها طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها.[44]

       تجدر الإشارة الى أن المساهمة المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية، وبالضبط المادة 154، اخدت مفهوما واسعا يسمح للقاضي المالي بأن يجري رقابته على استعمال المال العمومي ــ سواء تم الحصول عليه في إطار مساهمة رأسمالية أو في شكل دعم  مالي مباشرــ ، الذي يعطي لهذا الأخير سلطة واسعة في مجال تحديد  مفهوم المساعدة التي تستلزم إجراء الرقابة على استعمال المال العمومي[45].

     وإذا كان المشرع المغربي في مدونة المحاكم المالية، لم يحدد المقصود من بالمساعدات والمساهمات، فإنه فعل نفس الشيء بالنسبة لمقدار وحجم تلك المساعدات التي تستوجب إجراء الرقابة. بحيث ترك هذا الأمر للسلطة التقديرية للمستشار أو القاضي المالي الذي من حقه أن يراقب جهازا معينا بسبب استفادته من مبلغ معين، وكذلك يمكنه أن يمتنع عن مراقبة جهاز آخر لاستفادته من نفس مقدار المبلغ الأول لسبب أو لآخر. غير أنه في مقابل هذا الأمر لا ينبغي أن يتم هذا التمييز إلا شريطة أن تكون الأسباب منطقية وقانونية ومقبولة.

      وعلى هذا الأساس تكون الأجهزة المشار إليه ملزمة بتقديم حساباتها الى المجلس والتي تهم استخدام الأموال العمومية والمساعدات الأخرى التي تلقتها، وذلك حسب الكيفيات والشروط المقررة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل وفقا لما تنص عليه المادة 155 من القانون المحدث للمحاكم المالية، في هذا المسار الذي يتخذ إجراءات أساسية على شاكلة ما مر معنا في الاختصاصات السابقة، يقوم رئيس المجلس الجهوي للحسابات بتعيين المستشارين المقررين الذين يتولون مراقبة استخدام الأموال العمومية التي تلقتها الأجهزة المدرجة في برنامج أشغال المجلس الجهوي، حيث يؤهل هؤلاء المستشارين للاطلاع على كافة الوثائق والادوات المثبتة الكفيلة بتزويدهم بمعلومات حول تسيير هذه الأجهزة. غير أن إجراءات المراقبة وطرق تبليغ الملاحظات وتحرير التقارير هي نفسها تقريبا تكون وفق أحكام المواد من 80 الى 84 والمادة 152 من هذا القانون[46]

    أما فيما يخص الاجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية فإن الممارسة العملية التي دأبت عليها الجماعات الترابية بشأن الحسابات الإدارية، التي أبانت عن مشاكل تطبيقية كثيرة خصوصا في مسألة التصويت السلبي أو الإيجابي على الحساب الإداري، الذي يكون في الغالب راجع لتصفية حسابات حزبية أو سياسية  أو لعدم انسجام الأغلبية في بعض المجالس، فإنه تقرر الاستغناء عن هذا الحساب أو الاجراء وتعويضه في القوانين التنظيمية للجماعات سنة 2015 بالتدقيق السنوي[47].  وبالتالي فإن تقرير التدقيق، الذي جاء بديلا عن الحساب الإداري  قد نصت عليه القوانين التنظيمية على مستوياتها الثلاثة، حيث جاء في مضمونها أنـــه تخضــع العمليات المالية والمحاسبية للجماعة، لتدقيق سنوي تنجزه إما :

    ـ المفتشية العامة للمالية؛

    ـ أو المفتشية العامة للإدارة الترابية؛

    ـ أو بشكل مشترك بين المفتشية العامة للمالية و المفتشية العامة للإدارة الترابية؛

    ـ أو مــن قبل هيــئة التدقيق يتم انتــداب أحد أعضائهــا وتحدد صلاحيتها بقـــرار

     مشترك للسلطـة الحكـومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكـومية المكلفة بالمـالية.                 

 وينجــز لهذه الغاية تقــرير تبلغ نسخ منه الى رئيس مجلس الجماعة الترابية والى عــامل العمالة أو الإقليـــم وكذا الى المجلس الجهوي للحسابات المعني الذي يتخذ ما يراه مناسبا في ضوء خلاصات تقرير التدقيق، ويتعين على الرئيس تبليغ نسخ من التقرير الى مجلــس الجمــاعة الذي يمكنه التداول في شأنه دون اتخاذ مقرر[48].

    غير أن هذا التطبيق الفعلي لهذا النص لا شك أنه سيواجه صعوبات عملية في ظل وجود العدد الهائل للجماعات الترابية بمختلف مستوياتها والتي ستخضع للتدقيق بشكل سنوي، مقابل قلة الموارد البشرية في الجهازين المكلفين بالتدقيق وكثرة المهام والأجهزة الخاضعة لمراقبتهم خصوصا المفتشة العامة للمالية، وبالتالي غالبا ما سيتم فتح الباب أمام هيئات للتدقيق تقوم بهذه المهمة.  وبالمقـابل فإذا ما تم النجاح في هذه العملية، فإن تقارير التدقيق ستكون لا محالة أكثر واقعية وشمولية من الحساب الإداري. خصوصا وأن إنجازها سيكون من طرف أجهزة مختصة وخارجية تتمتع باستقلالية تامة عن الجماعات الترابية. بل أكثر من ذلك فالتدقيق يشمل جميع جوانب العمليات المالية والمحاسبية عكس الحساب الإداري الذي كان يبين فقط النتيجة العامة للنفقات والمداخيل، وهو ما سيعمل أيضا على تعزز شفافية إعداد وتنفيذ الصفقات العمومية.

 فتقارير التدقيق ستبين مدى احترام مساطر تنفيذ هذه العمليات وهل هناك تضارب المصالح لأعضاء المجالس المنتخبة، خصوصا أن المادة 65 من القانون التنظيمي للجماعات تمنع ربط مصالح خاصة مع الجماعة سواء لفائدة العضو أو بالوكالة لغيره أو لزوجه أو لفروعه أو لأصوله. فتقارير التدقيق ستكون أكثر فعالية من الحساب الإداري. نظرا لشموليتها ودقتها، وستكون من بين الآليات المهمة جدا في محاربة تبذير المال العام، ومن بين الأساليب الحديثة للرقابة المالية، والأهم من ذلك فاعتماد تدقيق سنوي سيمكن من تكريس مبادئ الحكامة المالية خصوصا الشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكن بالرغم من مزايا تقرير التدقيق إلا أنه أفرغ المراقبة السياسية للمجلس مــن محتاها.

المبحث الثاني: الممارسة الميدانية للمجالس الجهوية على المتدخلون في إنجاز صفقات الجماعات الترابية   

تعتبر الإعمال الرقابية التي تطلع بها المجالس الهوية للحسابات على مستوى الممارسة، آلية مهمة لأجرأة سياسة الدولة والجماعات الترابية في مجال الأشغال والبنيات التحتية والدراسات وأيضا الخدمات والمشتريات، ومنه إن المحاكم المالية في هذا الشق تقع عليها مهام جسام حيث تتعدى فيها مراقبة المشروعية الى مراقبة الملائمة وتتبع المشاريع والأشغال لذلك تعتبر فـــي جوهرها رقابة مندمجة وشاملة. على هذا النحو في فإن التعاطي مع هذا الجزء سيتم التركيز على الأداء الرقابي للمجالس على الصفقات الترابية (المطلب الأول) فيما سيخصص (المطلب الثاني) لتقييم نوعية الأداء الرقابي للمجالس في تعاطيها مع تدبير الصفقات العمومية.

المطلب الأول: الأداء الرقابي للقضاء المالي على صفقات الجماعات الترابية

  لترسيخ نجاعة وشفافية الصفقات العمومية بالجماعات الترابية، يعتمد القضاء المالي على مجموعة من التدابير والمهام والإجراءات ثم كذلك توظيف المناهج والمعايير الدولية المعتمدة في الرقابة للتأثير إيجابا في سلوك المدبرين العمومين الخاص بإنجاز الصفقات في مختلف المراحل التي تمر منها، ومن الآليات والوسائل المعتمدة كمخرجات القضاء المالي في هذا الحقل نجد التقارير السنوية والقرارات القضائية باعتبارهما أهم الأعمال التي تصدر عن مؤسسات القضاء المالي في هذا الميدان.

الفقرة الأولى: تدبير الصفقات الترابية على ضوء تقارير المجلس الأعلى للحسابات

    من خلال الاطلاع على مجموعة من التقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات التي أنجزتها المجالس الجهوية خصوصا المنشورة بعد دستور 2011، يتبين بأن قطاع الصفقات والأشغال العمومية  أصبح يشكل سوق قائمة تخصص لها الجماعات الترابية كل سنة  الجزء الثاني من ميزانياتها الذي يخص الاستثمار، لذلك فهي تعد ضمن أولويات الرقابة المالية للمجالس الجهوية للحسابات في إطار مراقبة التسيير التي تقوم بها، نظرا لأهمية هذا الصنف من الصفقات ودوره الاستراتيجي داخل الأنشطة التي تمارسها الجماعات الترابية.

   غير أن واقـــع تدبير الصفقات على مستوى الوحدات الترابية تشوبه مجموعة من الاختلالات والمخاطر والمخالفات في جميع المراحل والاجراءات التي تمر منها الصفقة بدءا من الابرام والاعداد مرورا بمرحلة التنفيذ وصولا الى المراقبة وتتبع تنفيذ التوصيات، وبما أن إنجاز الصفقات العمومية بالمغرب قانونا يعتمـــد على ظهائر ومراسيم عامة أهمها المرسوم المتعلق بالمحاسبة العمومية ومرسوم مراقبة الالتزام بالنفقات ثم الظهير المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى[49]، إضافة الى المرسوم الهام والمعني أساسا المنظم للصفقات العمومية، فإن المجالس الجهوية سجلت بشأن خرق لهذه القوانين مجموعة من الاختلالات والملاحظات وذلك حسب مختلف المراحل التي تمر منها الصفقة.

      فعلى مستوى الاعداد والابرام تعتبر برمجة الصفقات والمشاريع المبرمجة خلال السنة المالية مسألة بالغة الأهمية في تنفيذ سياسة الدولة والجماعات الترابية لأجل النهوض بالتنمية المحلية، لكن سرعان ما تبدأ هذه  الجماعات في إعداد وإبرام الصفقات حتى تطفو على السطح خروقات تثيرها ملاحظات المجالس الجهوية تناقض الشرعية والمشروعية في تدبير هذه  والأشغال والتوريدات والخدمات التي لم تراع فيها الجماعات بالدرجة الأولى الحاجيات بصفة دقيقة على مستوى برمجة المشاريع، مما يجعلها غير مبنية على إحصاء شامل لجميع المشاريع المراد إنجازها على شكل بنك للمشاريع بحسب الأولويات،  وهنا يتعين على صاحب المشروع قبل أية دعوة للمنافسة أو أية مفاوضة أن يحدد بكل ما يمكن من الدقة  الحاجيات المراد تلبيتها، وبالمواصفات التقنية ومحتوى الأعمال، كما يجب أن يتم تحديد هذه الحاجيات بالإحالة علــى معايير مغربية معتمدة وعند انعدامها علــى معاييــر دولية.[50] غير أنه أحيانا لتحديد الحاجيات بدقة يستلزم الأمر القيام بدراسات قبلية، سواء من طرف المصالح التابعة للجماعات أو عبر اللجوء الى مكاتب دراسات خارجية متخصصة إذا ما تطلب الأمر كفاءات علمية ومهنية لا تتوفر عليها الجماعات الترابية. حيث تتجلى أهمية هذه الدراسات في التحديد الدقيق للكلفة التقديرية للمشروع ثم المواصفات التقنية الضرورية لتنفيذه إضافة الى الفئة المستهدفة من المشروع والصعوبات والمخاطر التي تتعرض تنفيذه.[51]

    بالإضافة إلى هذا هناك اختلالات متعددة ومتكررة تتعلق بالشفافية في اختيار صاحب المشروع ، فمثلا نجد أن هناك إقصاء غير مبرر لأحد المتنافسين وذلك في إطار الصفقة رقم39/2013 بقيمة 9.962.980.00 درهم بتاريخ 24/02/2009 والمتعلقة بأشغال تهيئة الشوارع الرئيسية لمدينة خنيفرة، حيث في الاطار سجل المجلس الجهوي للحسابات بفاس أنه تم إقصاء إحدى الشركات بدعوى عدم إنجازها لأشغال مشابهة وذلك بناء على كون نظام الاستشارة ينص في مادته السادسة على ضرورة القيام بأشغال مشابهة لا تقل قيمتها عن 3.000.000.00 درهم. غير انه تبين من وثائق طلب العروض أنه تم إرفاق ملف هذه المقاولة بشهادتين تثبتان قيامها بأشغال مشابهة بناء على الشهادتين التاليتين:

  • شهادة إنجاز أشغال قيمتها 9.533.586.30 درهم لصالح إقليم إفران؛

ـ   شهادة إنجاز أشغال قيمتها 5.824.043.40 درهم لصالح نفس الإقليم؛

      مما يعني أن إقصاء هذه المقاولة لم يكن مبررا.[52] وهذا يعني أن مسطرة الإبرام من أولها معيبة بالرغم من أن مرسوم الصفقات العمومية يضع أمام صاحب المشروع إمكانيات عديدة في اختيار مسطرة الإبرام لكنه ليس دائما حرا في اختيار نوع المسطرة المتبعة من أجل إبرام صفقاته وذلك راجع إلى أن نفس النص يربط كل طريقة من طرق الإبرام بعدد من العناصر والشروط المبررة. ومن جهة أخرى سجل المجلس الجهوي للدار البيضاء سطات خضوع جميع الصفقات لنظام استشارة واحد رغم تنوعها وبالرغم من اختلاف طبيعة واختصاص كل صفقة على حدة، وبالتالي اختلاف نوعية ومحتوى الأشغال والخدمات اللازمة، إذ لا يمكن مثلا الاعتماد على نفس نظام الاستشارة من أجل اختيار الشركات التي تتولى صيانة المركب الرياضي محمد الخامس والملعب البلدي سيدي البرنوصي، فالأول مجهز ومؤهل لاستقبال مقابلات وتظاهرات دولية في حين أن الثاني لا يتوفر على التجهيزات الأساسية ويتسم بعشب أرضيته جد متدهورة؛ زد على هذا تأخر في عمليات الإشهار وفتح الأظرفة وأيضا التأخر في المصادقة على الصفقات.[53]

      وبهذا إن المحاكم المالية الجهوية عند مراقبتها لصفقات الجماعات الترابية لاحظت  أن اختيار مسطرة الإبرام والاعداد لا يتم دائما وفق القواعد القانونية والتنظيمية ومبادئ الحكامة الجيدة، وهكذا تم رصد بعض النواقص المتعلقة بمساطر الإبرام مثل:

  • اللجوء إلى الطابع الوهمي لبعض طلبات العروض المفتوح؛
  • تم اللجوء الغير مبرر لطلب العروض المحدود؛
  • اللجوء المفرط للصفقات التفاوضية؛
  • اللجوء المضطرد لصفقات التسوية؛
  • وكذلك اللجوء الدوري لسندات طلب[54]

أما على المستوى الثاني الذي يخص مرحلة أو مسطرة التنفيذ، التي تعتبر مرحلة حساسة ضمن دورة حياة الصفقة التي تتعارض فيها المصالح بين المقاول الذي يحاول تحقيق أكبر نسبة ممكنة من الربح عبر تقليص حجم التزاماته وبين المنظمة أو الجماعة التي تحرص على مبدأ المصلحة العامة التي تلزم المقاول الامتثال لامتيازات السلطة، فقد سجلت المحاكم المالية مخاطر واختلالات كبرى من الصعب تناولها كلها لكن التركيز سيكون على المتكررة منها على الصعيد الوطني لدى معظم الوحدات الترابية بالمغرب، حيث أن إعداد الوثائق المثبتة المتعلقة بالأشغال لا تمكن من تحديد الفترة الحقيقية لإنجاز هذه الأشغال، حيث أن تمحيص ملفات الصفقات العمومية في هذا الشأن أبرز أن إصدار الأمر بالخدمة من طرف مصالح الإقليم يتم بطريقة تمكن من حصر فترات الإنجاز وذلك تجنبا لتطبيق غرامات التأخير المنصوص عليها في المادة 61 من دفتر الشروط العامة المطبقة على صفقات الأشغال، إذ من خلال تتبع هذه الوثائق وتدقيقها من قبل المجلس الجهوي للحسابات أدى إلى الوقوف على بعض التناقضات التي تؤكد بالملموس تجاوز المقاولات المكلفة بالإنجاز للمدة المحددة بدفاتر الشروط الخاصة. الأمر الذي فوت غرامات مهمة عن كل يوم  تأخير في إنجاز الصفقة والعكس بالنسبة لبعض الصفقات حيث يتم الشروع فيها قبل تبليغ الأمر بالخدمة، إذ أفضى تتبع الملفات من قبل القضاء المالي الجهوي كذلك أن بعض المقاولات تشرع في إنجاز الأشغال قبل أن يتم تبليغها بالخدمة [55]. بشأن التأخير الذي يقع في صفقات الأشغال، فالمنطق يقتضي من المحاسب العمومي بألا يتوانى في استخلاص غرامات التأخير  الناتجة عن خطأ أو إهمال المقاول لكي لا تثبت مسؤوليته من جهة ومن جهة ثانية إذكاء روح المساواة بين المقاولين حتى لا يكون أي إخلال أو تواطؤ بشأن تغيير أو تأخير التاريخ لأجل إفلات المقاول من دفع غرامات التأخير التي قد يشاركه فيها المحاسب العمومي.

         تبعا لهذا تسجل المجالس الجهوية للحسابات في بعض الصفقات اعتماد محاضر غير صحيحة للتسليم المؤقت[56] وكذلك  تغيير موضوع الصفقات وأماكن إنجاز بعض أشغالها كما هو الحال بشأن الصفقة رقم 01/2012 التي تبين للمجلس عند قيامه باختصاص مراقبة التسيير أن الجماعة قامت باستبدال انجاز قنطرة بقيمة 99.258.00 درهم وتعويضها بقنطرتين صغيرتين في موقعين غير ذلك الذي تم تعيينه في الأول؛ مخالفين المكان الأصلي المحدد في دفتر الشروط الخاصة وذلك دون احترام المساطر القانونية الواجب اتباعها في مثل هذه الحالات[57]. إصدار الأمر بتوقف الأشغال لمدة غير معقولة من طرف الجماعة صاحبة الصفقة حيث يبقى هذا التوقف غير منطقي مما يؤثر على نوعية وجودة الصفقة، كذلك سجل المجلس الجهوي بالدار البيضاء في هذا السياق اختلاف في الكميات المسجلة في جدول المنجزات والكشف التفصيلي، حيث تبين  من خلال المقارنة بين الكميات المسجلة في وضعية الأشغال رقم3 والنهائي، وأن الكميات المدرجة في الكشف التفصيلي المذكور تزيد عن تلك المسجلة في وضعية الأشغال سالفة الذكر التي  تفوق %50 من المبلغ الأصلي المحددة للصفقة في غياب إصدار أوامر بالخدمة من لدن صاحب المشروع الذي يبدي بموجبها موافقته الشيء  يمكن أن يترتب عنه خطأ في احتساب قيمة الأشغال المنجزة[58]. فالمنطق السليم  يتناقض وحجم الزيادة الغير المبررة الذي يصل أو يتجاوز المبلغ المذكور الأمر الذي ينذر من الوهلة الأولى أن صاحب المشروع لا يتوفر على قدرات تدبيرية في حكامة صرف المـــال.

    وعند الإشراف على الانتهاء من إنجاز الصفقة الجماعية من طرف المقاول سجلت المجالس عدم القيام  باختبار جودة الأشغال المنجزة، بحيث أن الجماعات لم تقم بإلزام المقاولين بإنجاز اختبارات جودة المواد والأشغال المنجزة وذلك بخلاف ما تنص عليه المقتضيات التقنية الواردة في دفتر الشروط الخاصة المتعلقة بالصفقات المذكورة، في حين أن المقتضيات المذكورة تكتسي طابعا إلزاميا بالنسبة للجماعات والمقاولين بحيث أن أي إخلال بها يمكن أن يخل بمبدأ المساواة بين المتنافسين في إسناد الصفقات المعنية كما أنه لا يمكن من تقديم ضمانات بخصوص جودة الأشغال المنجزة[59]. ومن جهة أخرى، فإن الجماعات بشأن الأخطاء التقنية التي يرتكبها المقاولون نائلي الصفقات، فإنها إما تتغاضى عن هذه العيوب التقنية، أو لا تستطيع مواكبتها أو معرفتها بما يكفي. وفي حالات أخرى، تبين أن الجماعات الترابية لم تستعن بخدمات المهندسين المعماريين والطبوغرافيين، في حين يعتبر تدخل هؤلاء الخبراء المعماريين للاستفادة من خدماتهم إجباريا بالنسبة لكل مشروع صفقة متعلقة بالخدمات التي تتطلب هذه المهمة

الفقرة الثانية: تدبير صفقات الجماعات الترابية على ضوء قرارات المجلس الأعلى للحسابات

    في البدء لا بد من تسجيل، بان نشر القرارات القضائية للمجلس الأعلى للحسابات، بما فيها أحكام المجالس الجهوية المستأنفة، في ميدان البث في الحسابات و التأديب المالي، تشكل مكتسب جديد طالما ثم المناداة به بملحاحيه من طرف العديد من المنابر والجهات المهتمة بهذا الشأن وعلى رأسها الفقه المالي، ، وذلك بالنظر لما يكشف عنه الاجتهاد القضائي في المادة المالية من خروقات ومخاطر تثبت مسؤولية المديرين العموميين للنفقات العمومية خصوصا تلك المتعلقة بالصفقات المحلية، التي تعتبر حقل خصب لكل أنواع الفساد.

        وعليه فإن نشر أعمال المجلس الأعلى للحسابات فيما يخص قراراته وأحكام المجالس الجهوية، يعتبر من أهم مستجدات الدستور وأعمقها أثرا، وهي ترجمة أمينة لواحــدة من أهـم المبادئ والمعايير المتعـارف عليـها عالميـا فيما يخص استقلال وفعالية وشفافية الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة، وتعد الأحكام والقرارات القضائية من بين  الأعمال الجديدة التي أصبحت ينشرها المجلس توجد الآن على قدر كبير من الأهمية[60].

        وتطبيقا لمقتضيات الفصل 148 من الدستور[61]، وإعمالا للمسطرة المنصوص عليها في المادة 113 من مدونة المحاكم المالية أصدر الرئيس الأول بصدد ما تحدثنا عنه، وذلك بعد استشارة هيئة الغرف المجتمعية المنعقد بتاريخ 18 ماي 2015 مقررا بالنشر الجزئي لمجموعة من القرارات الصادرة عن المجلس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، ويشكل هذا النشر، الأول من نوعه للقرارات الصادرة عن المجلس الأعلى في هذا المجال مند احداثه.

      واعتبارا لذلك يسعى المجلس من خلال نشره لهذه القرارات الى إبراز الطابع العقابي لاختصاصه القضائي في مجال التأديب المالي ونفس الشيء بالنسبة للمجالس الجهوية، وتوضيح قيام مسؤولية المديرين العموميين من خلال حالات عملية، وكذا المساهمة في إرساء قواعد حسن التدبير العمومي وتوضيح المقتضيات القانونية التي تسري على هذا التدبير وإبراز الاكراهات التي يواجهها. [62]

  وعليه فإن الغاية من نشر هذه القرارات هو تحسين جودة التدبير وإثارة النقاش العلمي البناء حول المقتضيات الواجبة التطبيق على القضايا موضوع المخالفات التي صدرت بشأنها هذه القرارات وتطوير الممارسة في مجال القضاء المالي وليس المساس بخصوصيات الأشخاص المتابعين أوالأطراف المعنية الأخرى، ولما كانت الممارسات الدولية فيما يتعلق بنشر المقررات القضائية وأعمال الرقابة تحث على عدم نشر هوية الأطراف المعنية، وحتى لا يكون هذا النشر عبارة عن عقوبة تكميلية أو إضافية بالنسبة للذين حكم عليهم بعجز أو بغرامة مالية، فقد تم اعتماد النشر الجزئي لهذه القرارات من خلال حذف أسماء المحاسبين العموميين أو الأمرين بالصرف المعنيين والأشخاص المتابعين في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية وكذلك أسماء الأطراف المعنية الأخرى. كما تم حذف بعض الحيثيات بدون المساس بالتعليل المؤسس لمنطوق القرار، وذلك بهدف الاختصار وعدم التكرار[63].

      وبه فإن القضاء المالي الجهوي بشأن الأحكام التي يصدرها في مجال الصفقات يكون التعامل معها بحسب  طبيعة الاختصاصات  القضائية، وبالتالي فهذه القرارات كما هي معالجة من قبل المجلس الأعلى تتوزع الى قسمين قرارات متعلقة بالأحكام في مجال البت في الحسابات أولا ثم قرارات استئناف أحكام المجالس الجهوية في مادة التأديب المالي، وعليه فإن القضاء المالي بالمغرب يكون قد بدأ في التأسيس لأولى لبنات الاجتهاد القضائي في المادة المالية، ومن أهم القواعد التي كرستها القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى في حقل الصفقات الجماعية حول استئناف أحكام المجالس الجهوية للحسابات في مادتي البت في الحسابات والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية[64]، ففي القرار عدد 08/2011 الصادر بتاريخ 17 يونيو 2011 ملف استئناف عدد 08/2010 نجد إن المحاسب العمومي، بأدائه لنفقات تتعلق بصفقة عمومية في غياب وثائق مترابطة ومتناسقة تثبت إنجاز الخدمة بأكملها، يكون قد أخل بواجبه في مراقبة صحة حسابات التصفية، خاصة فيما يتعلق بإثبات حقيقة الدين.[65]

    وفي قرار عدد 23/ 2015 الصادر بتاريخ 14 مايو 2015 ملف استئناف عدد 02/ 2013، إن تعديل تاريخ الشروع في تنفيذ الصفقة من طرف صاحب المشروع وبإرادته المنفردة، يستوجب عند  احتساب أجل انجاز موضوع الصفقة، اعتماد التاريخ الجديد الذي أفصحت عنه الادارة في الأمر بالخدمة الموجه الى المقاول بعد توصله به. وأن عدم تقديم المحاسب العمومي ” للأمر بمتابعة الأشغال بما يفوق الحجم الأولي للصفقة ” لا يعتبر إثباتا لعدم إنجاز الأشغال الزائدة أو لغياب حقيقة الدين بقدر ما يتعلق بوثيقة مثبتة كأن يتعين عليه طلبها. كما يتعين التقيد بالسنة المالية موضوع التدقيق والبث في الحسابات عند تقدير المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي وعدم الأخذ في الحسبان العمليات المنجزة لاحقا لهذه السنة المالية.[66] وبشأن التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، فإن القاعدة الأساسية للقرار عـدد 02-2012 الصادر بتاريخ 14يونيو 2012 ملف استئناف عدد 305-2011  تقضي، باعتبار أن الاتفاق بين صاحب المشروع والمقاول على زيادة في حجم الأشغال والمواد المستعملة المبينة في جدول الأثمان المرفق بالصفقة، التزاما جديدا للصفقة، فإنه كان يتوجب أن تنصب عمليات المراقبة المتعلقة بمطابقة الأشغال على المعطيات الجديدة المضافة إلى جدول الأثمان كذلك قبل القيام بالإشهاد على التسلم المؤقت، وبالتالي فإن الدفع بحسن النية وعدم الإلمام بقواعد تنفيذ الصفقات العمومية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية لا يمكن أن يعفي المتابعين من المسؤولية، وإنما يمكن أن يعتبر من ظروف التخفيف عند تحديد مبلغ الغرامات[67].

   بالاطلاع على مختلف القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى والمتعلقة بأحكام المجالس الجهوية للحسابات على صفقات الجماعات الترابية، يتبين أن المشرع المغربي لم يسلك في تحديد هذه العقوبة مبدأ التفريد بالتنصيص على غرامات خاصة بالنسبة لكل مخالفة من المخالفات المستوجبة للمسؤولية إذ ترك للهيئة الحاكمة السلطة التقديرية في تحديد الغرامة المناسبة في نطاق الحدين الأعلى والأدنى التي يراها مناسبة لردع مرتكب المخالفة، غير أنه يذهب القاضي المالي في حكمه الى مبلغ ضعيف في تقديره للمخالفة [68] وهكذا أصدر المجلس الأعلى للحسابات ، خلال الفترة الممتدة ما بين 1994 تاريخ رفع أولى القضايا أمام المجلس في مادة التأديب المالي، والى غاية 30 يونيو 2016 ما مجموعه 391 قرار قضى من خلالها بغرامات مالية تراوحت ما بين 1000 درهم ومبلغ 150.000 درهم اللهم بعض الحالات القليلة من القضايا التي يتجاوز فيها المجلس المبلغ المذكور[69].

       وعليه إذا ما قمنا بمقارنة بسيطة بين الحكم الأقصى الذي يأتي عبارة عن غرامات ضعيفة وهزيلة في ميدان التأديب المالي وبين حجم الخطأ المادي  المرتكب يتبين بشكل جلي أن المبلغ المحكوم به لا يتوافق والضرر الناتج عن المخالفة الواقعة في حقل صفقات الأشغال، نظرا للهوة الكبيرة بين الغرامة والضرر المادي الذي على أساسه يجب تقدير الغرامة، وفي هذا السياق يبقى أن نتساءل عن جودة الأحكام  والقرارات التي يصدرها القضاء المالي في الرقابة على المال العام والصفقات العمومية على وجه التحديـــد ؟ وهل هذه الأحكام والقرارات تشكل آلية كافية لردع الأيادي التي تمتد الى المال العام؟ . ومـن هنا نستنتج أيضا أن الأحكام والقرارات التي يصدرها المجلس الأعلى في ميدان التأديب المالي في حقل صفقات الأشغال تفتقد إلى عنصر الهيبة المعهودة للقضاء.

المطلب الثاني: تقييم الأداء الرقابي للمجالس الجهوية في مجال الصفقات العمومية

     مبدئيا تضطلع المجالس الجهوية للحسابات بأدوار رقابية مهمة ومتنوعة على مستوى الصفقات العمومية، عنوانها الكبير هو الوصول إلى النجاعة والفعالية والحكامة في تدبير نفقات الجماعات الترابية، فبالنظر للواقع الإيجابي لأعمال وفعاليات المحاكم المالية التي خولتها حضورا وازنا في المشهد المؤسساتي المغربي خلال السنوات القليلة الماضية، يقتضي منا الوقوف وقفة تأمل وتقييم في تجربة القضاء المالي الجهوي التي تخص الرقابة على الصفقات المحلية[70]، ولعل دراسة مختلف نقط القوة والضعف في كل المحاكم المالية على إثر تدخلاتها الرقابة في تدبير الطلبيات العمومية يساعدنا على تشخيص واقع هذه المراقبة والوقوف على الحدود والصعوبات التي تحول دون قيام نظام رقابي فعال يمكنه المحافظة على الأموال العمومية والمساهمة في تأهيل تدبيره.

الفقرة الأولى: الممارسات الفضلى للقضاء المالي الجهوي في الرقابة على الصفقات الترابية

         يشتغل القاضي المالي الجهوي داخل ميدان الصفقات العمومية، وفق مجموعة من التقنيات والممارسات العملية الجيدة التي تتماشى والمعايير المعمول بها دوليا، لضبط عمليات الرقابة وتجويدها وكذا لتقويم الأداء عن طريق التأكد من صحة وجودة الخدمة التي تقدمها الأجهزة التي تسهر على تنفيذ الصفقات المحلية التي تمر عبر خطوات ومراحل أساسية  بدءا من الاعداد وصولا الى التنفيذ للحصول على نتائج إيجابية في هذا الميدان.

أولا: تقنيات الرقابة في مرحلة الإعداد

     إن الرقابة على صفقات الأشغال التي يتولاها القاضي المالي في هذه المرحلة تكون وفق ما يلي:

     في بداية الأمر يراقب القاضي المالي؛ أن الأشغال لم يتم إنجازها قبل اللجوء المنافسة، حيث يجب أن يتم تناول وإبرام الطلبيات العمومية ضمن مسلسل يهدف الى تعزيز الشفافية والعقلانية في التدبير العام والمساواة في الولوج الى الطلبيات العمومية وكذا تشجيع المنافسة والفعالية في النفقات العمومية.[71] وأن الجهة المكلفة بإعداد الدراسات  والتصاميم وطلب العروض مؤهلة تقنيا وقانونيا مع التركيز على أن عمليات الاعداد كانت بصفة حيادية تجاه جميــع المتنافسين.

      وعليه فالقاضي المالي بشأن هذا الأمر، يجب أن يتحقق كذلك من هل أن الحاجيات تم تحديدها باتساق ومشاركة مختلف الفاعلين والمتدخلين في مختلف جوانب المشروع التقنية والاقتصادية والاجتماعية، والتأكد من العقار الموجه لاحتضان المشروع ملك للجهة المعنية  وأن نزع وتحويل الملكية كان وفق الاجراءات القانونية وكذا موافقة المشروع للحاجيات المعبر عنها مع مراعات شروط السلامة في الحفاظ على البيئة. وأيضا فالقاضي خلال هذه المرحلة يقوم بالتأكد من أن اللجوء الى الخبرة الخارجية مسألة ضرورية من طرف الجماعة في حالة إذا ما استعصي التعرف على طبيعة الأشغال التقنية، والتأكد من أن كل شيء مر في احترام تام للقوانين والمساطر والتنظيمات الجاري بها العمل، تم هل أن الادارة تتوفر على أطر تقنية للتتبع التقني للمشاريع بالكفاءة المهنية المطلوبة مــن قبل هؤلاء الخبراء.

      كما يقوم القاضي من جهة أخرى بالتأكد من نوعية الأشغال المحددة في بيان الأثمان ومـــدى مطابقة التصاميم الهندسية للمشروع، أما الأثمنة التوقعية للصفقة فيجب دراستها على أساس الأثمنة المتداولة في السوق وأن الدراسة أخدت بعين الاعتبار جودة المواد الأولية المستعملة وصيانة التجهيزات الأساسية مع احترام الدراسة المحددة بطريقة علمية الآجال التوقعية للتنفيذ بشكل يعكس تناغما وتكاملا فيما بينها. وعليه يبقى مراجعة نظام المراقبة الداخلية مــــن قبل القاضي المكلف بالرقابة قبل نهاية هذه المرحلة مسألة مهمة بالإضافة الى مراجعة العقود الادارية للبناءات والاشغال على مستوى مشروعيتها بالنظر الى إنجاز الأهداف المنوطة عند كل مرحلة من مراحل العقود .[72]

    ومن جهة أخرى، يؤكد القاضي المالي عبر تدخلاته بشأن النتائج المترتبة عن عدم تحديد الاحتياجات أو الجدوى المالي للمشروع، أنــه لن يكون هذا الأخير ممكنا إلا إذا استطاعت السلطة العامة بالجماعة أن تتحمله من الناحية المالية. ولذلك يرى القاضي المالي أن الدراسات الأولية الدقيقة هي الشرط اللازم لتحديد دقيق لمخطط ميزانية المشروع. وبدون تحديد دقيق للمتطلبات، فإنه من المستحيل حصر أفضل تكلفة ممكنة للعقد المعني. ولذلك يجب على صاحب المشروع أن يقدم تقديرا دقيقا لمقدار الصفقة وكذلك النفقات الكافية. كما يجب أن تنص على تدابير التمويل الضرورية قبل منح العقد، وخاصة قبل بدء العمليات  وإذا لم يتم تقييم المشروع المالي بشكل كاف، فقد يكون مشروع الطلبيات العمومية  ممكنا من حيث المظهر، في حين أنه من المستحيل عمليا إعطاء شكل ملموس للوسائل المالية المتاحة  وقت منح الصفقة. ومن ثم، فإن وجود ميزانية غير دقيقة من جميع النواحي، مبلغ الإنفاق وطريقة التمويل قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في المبلغ الأولي للعقد ونتيجة لذلك، قد يكون مجموع التكلفة المقدرة في إعادة التقييم المستمر ونتيجة لذلك، تتضاعف العقود التكميلية وعقود التسوية التي يتم اللجوء إليها لإنقاذ الوضع.[73]

ثانيا: تقنيات الرقابة في مرحلة الإبرام

       يتولى القاضي هنا تحديد الأوجه التي ينبغي فحصها طوال فترة الابرام أو التعاقد، وذلك بالتحقق من نشر البرنامج  التوقعي  للمشروع المنفذ خلال الآجال المحددة له ومقارنة البرنامج المنشور وعدد العقود المبرمة كما يتحقق القضاء المالي الجهوي من أن مساطر طلب المنافسة كانت علنية تراعي في ذلك آجال ونوع الجرائد لنشر الاعلانات ومطابقتها  مع موضوع العقد، تم التأكد بأن النشر تم في الموقع الإلكتروني للإدارة المعنية وفق الحياد العام تجاه كل المتنافسين بحيث يجب أن يكون نفس الملف والمعلومات في طلب العروض لكل المتنافسين وفي نفس الوقت مع إخبار المعنيين بموعد زيارة المكان وكذا موعد تقديم التوضيحات اللازمة. وللمزيد من المصداقية في هذا المهمة يتأكد القاضي أيضا من أن المشروع المتعاقد بشأنه مطابق للقوانين والأنظمة والمساطر السارية المفعول، ثم التحقق من اختيار أعضاء اللجان التقنية هل كانت قائمة على أساس المؤهلات العلمية والعملية أم لا،؟ مع تحديد الأسباب التي أدت الى مشاركة عدد محدود من المتنافسين. وفي اطار هذه المهمة يتأكد القاضي من مطابقة المساطر المتبعة لموضوع العقد وهل هناك إقصاء غير مبرر لأحد المتنافسين وفي حالة ما إذا تم وجود أي اقصاء يجب الاشارة الى ذلك في محضر والأسباب المؤدية الى ذلك. وفي نهاية هذه المهمة لا بد أن يتأكد القاضي من أن نائل الصفقة تتوفر فيه الشروط القانونية والتقنية وقام بتقديم أحسن عرض ولا يتجاوز فيه الامكانيات المالية المخصصة للمشـروع  والمقارنة بين العرض المقبول والآخرين مقارنة مع الغلاف المتوقع لهذا المشروع. [74]

ثالثا: تقنيات الرقابة في مرحلة التنفيذ

    خلال هذه المرحلة يتأكد القاضي المالي من تنفيذ جميع الاجراءات والخطوات الأولية حسب ما يأتي:

ــ الترخيصات القانونية ثم قانونية النصوص المطبقة؛

ــ تقديم ضمانات برنامــج التنفيذ في مواعيدها تحت طائلة العقوبات؛

ــ احتياطات السلامة والتشوير داخل الورش، واتخاذ جميع الاجراءات الكفيلة لتوقع أية آفاق سلبية علــى الساكنة المجاورة ومستعملي الموقع؛

ــ تشغيل اليد العاملة الوطنية المكونة لاحترام قانون الشغل؛[75]

     ونظرا لأهمية هذه المحطة في إنجاز صفقات تستجيب لمعايير الجودة، يعمل القاضي على التحقق من عدم استعمال التجهيزات والاليات إلا بعد ترخيص من الادارة وتقديم شواهد التأمين القانونية وكذا تعيين ممثل المقاول في الورش ومسك سجل يخص جميع ملاحظات الورش. كما يقوم في نفس الوقت بالتأكد من مسك بيانات يومية للإجازات من طرف المقاول مع مقارنة هذه البيانات اليومية مع البيان الشهري وثمن العقد وأن  التسبيقات تمت حسب القانون. وبهذا فان تتبع تجاوز الكميات المتوقعة في بيان الأثمنة يعد حاجة ضرورية أضف الى هذا فالقاضي المالي ملزم كذلك بالتحقق من أن اللجوء الى الأشغال الاضافية تم حسب مقتضيات العقد وكذلك فتعديلات العقد تمت في اطار الصالح العام وفي الحدود السموح بها وهي لا تهدف الى منح امتياز مادي للمقاول ولا تمس بالمعايير التقنية للبناء وبالتالي فهي متوقعة في العقد والقانون.[76] في هذا الصدد لاحظ القضاء المالي بفرنسا، أن الرقابة على الأداء من طرف المنظمة العامة على الصفقة التي ينجزها المتعاقد مع الإدارة غير كافية وتعرف إهمالا أحيانا،[77] وفي هذا الصدد استطاعت محكمة مراجعة الحسابات بفرنسا إبراز حقيقة أن بعض مقدمي الخدمات لا يترددون في تعديل التزاماتهم مع الإدارة. وعلى الرغم من العواقب التي ينطوي عليها هذا الموقف من وجهة نظر مالية، فإنه غالبا ما يحدث أن القاضي المالي يلاحظ أن صاحب المشروع متساهل تجاه الطرف المتعاقد، علما أن الأصل في الادارة أو الجماعة الترابية يجب أن يكون في موقف قوي في مثل هذه الحالة وذلك لسببين، الأول أن المتعاقد لم يفي بالتزاماته كليا أو جزئيا ومن ناحية أخرى لدى الإدارة الوسائل اللازمة لإنفاذ العقوبات المالية اللازمة.[78]

       ولأجل تحسين تنفيذ الصفقات العمومية بشروط أفضل يلجأ القاضي المالي الى التأكد من الكفاءات التقنية للأشخاص المكلفين بتتبع تنفيذ الأشغال ورأي الادارة المسبق حول نوعية مواد البناء المستعملة ثم الجدية من قبل الادارة في القيام بتجارب على عينات في المختبر وحضور مهندسي الادارة عند تسلم الاسمنت المسلح مع انجاز محضر التسليم في النهاية. وفي نفس الاطار يتولى القاضي التأكد من مطابقة التجهيزات للمعايير المحددة في العقد مع قيامه بتنفيذ تجارب على التجهيزات وادراجها في محضر، ثم تثبيت كل الملاحظات في سجل الورش والعمل على التصحيح الاتوماتيكي للأخطاء المسجلة ومن جهة أخرى التأكد من عدم وجود تأخر في وضعية المقاول القانونية وكذلك يقوم القاضي في الرقابة على المحاسب العمومي بشأن التأخيرات التي تحصل للمقاول في حالة تجاوز الآجال التعاقدية والتسلم المؤقت للتأكد :

ــ من احترام جميع الالتزامات التعاقدية؛

ــ اصلاح جميع الاختلالات؛

ــ محضر الاستلام المؤقت تم بحضور طرفي العقد؛[79]

وأخيرا يتم التحقق من واقعية الحسابات النهائية والاثمنة المحددة في العقد، وأن الأداء بعد التنفيذ قد تم تطبيقا لمنهجية مراجعة الأثمنة، وكذلك فالاحتفاظ بكل من مبالغ الضمان والعقوبات والتعويض الجزافي المنصوص عليه في احدى بنود العقد و تطبيق الرسوم حسب السعر الرسمي كلها أمور  يجب ان يتحقق منها القضاء المالي.

رابعا: المنهجية الرقابية القائمة على أساس تحليل المخاطر

      تسعى المحاكم المالية بالمغرب جاهدة، إلى ملائمة وتوحيد مناهج عملها الرقابي مع المعايير الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بإدارة وتحليل المخاطر ووضع الدلائل العملية والمسطرية وفق المعايير الدولية. كإحدى الممارسات الفضلى والحديثة للرقابة علـــى الصفقات العمومية بالمغرب. فالسير نحو اعتماد هذه المنهجية، من شأنه أن يعمل على تطوير أليات تدخل المجالس الجهوية لفحص النفقات العمومية بالجماعات الترابية، وذلك من خلال مجموعة الطرق والأهداف، فهذا المقتضى فيه ربح للجهد والوقت والكلفة ثم ثانيا تحديد الزمان والمكان المناسب الذي يجب أن يتدخل فيه القاضي لتدقيق ملفات تتعلق بالصفقات وهنا يكون القاضي يشتغل طبقا لمبادئ الحكامة المالية التي تهدف إلى العمل بوسائل أقل في مقابل الحصول على نتائج أفضل[80]. ومن بين العناصر الأساسية في هذه المنهجية هو أن التوجه في السنوات الأخيرة على مستوى التفكير والتكوين أو على مستوى العمل الرقابي أصبح يأخذ بمنهج رقابي فعال قائم على تحليل المخاطر وفق المعايير الدولية في مراحل الإعداد وتنفيذ وتقييم المهام الرقابية، هذه المنهجية تصنف المخاطر إلى أربعة أصناف أساسية.

ــ المخاطر المتعلقة بالأهداف الاستراتيجية   

     هذا الصنف من المخاطر الكبرى والأساسية، يتعلق بتقييم فعالية السياسات العمومية من خلال الوقوف عند تحليل المخاطر المرتبطة بالقرارات الاستراتيجية التي تتخذها الهيئات التدبيرية للأجهزة العمومية في مستويين :

ــ تقييم المخاطر المتعلقة بتحديد الأهداف الاستراتيجية حيث من خلال هذه العملية يتولى القضاة المكلفون بالرقابة رصد المخاطر الحقيقية وذلك حسب الأولويات وخطورة الوضع الذي يستدعي التدخل من عدمه ثم التوصل إلى المعلومات الكافية واستثمارها للحصول على نتائج استباقية، وذلك بهدف تقويم الأخطاء والأسباب التي أدت بالأجهزة المسيرة للصفقات إلى ارتكابها، خصوصا في حالات  عدم إنجاز دراسات الجدوى ومخاطر التمويل وعدم تحديد الحاجيات الحقيقية للصفقة.[81]

     كما أن فعالية الرقابة في المستوى الثاني تبرز من خلال تقييم المخاطر المتعلقة ببرمجة المشاريع الرامية إلى تنزيل الأهداف السياسية والاستراتيجية عن طريق الرصد والمعلومات والنتائج والأسباب ومن بين الحالات التطبيقية التي تقع في هذه المسألة وتستلزم تدخل فعال، نجد الخطر المتعلق بالتباين بين الأهداف الاستراتيجية والمشاريع المبرمجة ثم خطر الانحراف عن المصلحة العامة حيث يتم وضع مشاريع من قبل مسيري الجماعات بهدف تحقيق منافع شخصية بعيدة كل البعد عن مضمون وأهداف الصفقات العمومية.

ــ المخاطر المتعلقة بالعمليات التشغيلية (الاقتصاد والكفاءة)

      هذه الفئة من المخاطر التي ترصدها المجالس الجهوية وتتصدى لها تتعلق ببنية وتنظيم وسير عمل الجهاز العمومي والوسائل والإمكانيات المسخرة لتشغيل المشروعات خصوصا في مرحلة التنفيذ، حيث إذا ما تحقق وجود هذه المخاطر يكون لها تأثير مباشر وقوي على وجود الخدمات والوظائف وقدرة الجهاز على أدائها[82]. ويقصد بمبدأ الاقتصاد الحد من تكاليف الموارد إذ يجب أن تكون الموارد المستخدمة متوفرة في الوقت الازم وبالكمية والنوعية المناسبين وبأفضل الأسعار كما أن مبدأ الكفاءة يراد به استغلال الموارد المتاحة إلى أقصى حد ممكن مع تطبيق واستثمار المخرجات الناتجة عنها من حيث الكمية والنوعية والوقت[83].

ــ المخاطــر المتعلقة بالمطابقة وقواعد حسن التسيير

     يتجلى هذا النوع من المخاطر في عدم احترام الأحكام القانونية والتنظيمية أو عدم التقيد بمبادئ الحكامة الجيدة أو بقواعد حسن التسيير فهذا الأمر يستدعي من القضاء الجهوي التدخل دون تردد أثناء مزاولة مهمة مراقبة التسيير، ومن ضمن الاختلالات التي تحدث بخصوص هذا الأمر هو تجاوز السقف القانوني المحدد في إنجاز صفقات التوريدات المنصوص عليها في المادة 88 من مرسوم 20 مارس 2013، أضف الى هذا مخاطر الغش والفساد المتعدد كعدم تنفيذ المشروعات وفق ما خطط له وكذلك عدم احترام الآجال المنصوص عليها في العقود ثم المخاطر المتعلقة بالجودة وفي هذا الصدد يقضي المعيار 300 من المبادئ الأساسية لرقابة الأداء في أحد بنوده بــ ” يجب أن يطبق المدققون إجراءات رقابة الجودة مع ضمان استفاء الشروط المعمول بها والتركيز على التقارير المناسبة والمتوازنة والعادلة تضيف قيمة وتجيب عن أسئلة الرقابة “[84] هذا بالإضافة إلى مخاطر أخرى تهم المبالغة في أثمان المشاريع وكذلك عدم تشغيل مقتنيات التي تبرمها الجماعات عن طريق صفقات التوريدات.[85]

الفقرة الثانية: حدود رقابة المجالس الجهوية في تدبير الصفقات الترابية

     على الرغم من الأدوار والمجهودات المتواصلة التي تبدلها المجالس الجهوية للحسابات في سبيل إرساء وتدعيم قواعد ومبادئ الحكامة الجيدة في التدبير العمومي، فإن عمل هذه المؤسسات تعترضه مجموعة من العوامل المؤثرة التي تكبح جماح دور المجالس الجهوية في أداء مهامها الرقابية على أحسن وجه، حيث في هذا السياق أبانت الممارسة عن وجود مجموعة من العراقيل التي تحد من فعالية أداء هذه المؤسسات في مجال المحافظة على الأموال العمومية في ميدان صفقات جماعات الترابية الذي يعرف تنامي ظاهرة الفساد بكل أشكاله وأصنافه نتيجة عدم احترام مبادئ الحكامة والشفافية المنصوص عليها دستوريا في تدبير هذا المجال هذه العوامل المؤثرة يمكن الحديث عنها من زاويتين داخلية وخارجية.

    فيما يخص الاكراهات الداخلية وبالضبط على المستوى التشريعي، يتبين من مقتضيات القانون رقم 99_62 بمثابة مدونة المحاكم المالية أن هذه المجالس تضطلع بمجموعة من المهام والاختصاصات المتنوعة التي تثقل كاهلها، حيث تجمع بين الاختصاصات القضائية التي تتعلق بالتدقيق والبت والتأديب المالي وبين الاختصاصات الإدارية المرتبطة بمراقبة التسيير واستخدام الأموال العمومية ثم التصويت على الميزانية. نتيجة هذا التنوع يتأثر الأداء الرقابي للمجالس وذلك باتساع مجال تدخلها إذ تمارس اختصاصات واسعة ومتعددة جدا، هكذا يشتغل القاضي المالي الجهوي في مجالين كبريين للرقابة على الأموال العمومية، تتفرع عن كل منها اختصاصات ومهام فرعية ومن هنا، فتعدد هذه المهام المنوطة بالمجالس التي تبرز كظاهرة رئيسية من شأنها عدم توفير شروط الفعالية والجودة المطلوبة في أدائها الرقابي في ظل مراعاة الآجال القانونية المحددة لإنجاز تلك المهام ويظهر أن هذا الاختصاص الموسع لن يسمح للمجالس بالاطلاع على كل المهام المنوطة بها في تتبع وضبط النفقات العمومية، ومن شأن ذلك أن يقود إلى اعتماد منهجية انتقائية في مجال المراقبة القضائية على النفقات، تقوم على مراقبات ذات طبيعة مختلفة من حيث المنطلقات والخلفيات النظرية والمنهجية، مثل مراقبة التسيير المشبعة بقوة منطق الإنجاز والنتائج، ورقابة قضائية ذات طبيعة زجرية مما يقود إلى الإقرار بصعوبة التوفيق بين منطقين الأول مرتبط بالإنجاز والثاني قضائي داخل نفس المؤسسة بناء على هذا سيكون من الصعب على المحاكم الجهوية ممارسة وظائف ذات طبيعة مختلفة  قابلة للتداخل فيما بينها وأنها تخضع لضرورات ذات طبيعة متناقضة[86].

     وعليه فالسند التشريعي والقانوني الأساسي التي يعتمد عليه القضاء المالي الجهوي بالمغرب المتمثل في مدونة المحاكم المالية أصبحت تعتريه مجموعة من النواقص والمعيقات وبهذا الصدد يمكن القول بأن المدونة المعمول بها حاليا غير مواكبة إن لم نقل متخلفة، فالمتصفح لموادها ومقارنتها بالواقع الحالي سيجد بأن هناك العديد من النصوص التي أصبحت ميتة ولا تتماشى مع روح العصر مثل المادة 144 و142و143[87].  وجدير بالذكر أن شساعة الاختصاصات تعتبر من أبرز الانتقادات التي وجهت إلى تجربة المحاكم المالية [88]، والحقيقة أن هذا الأمر قد يكون على غير صواب لأن شساعة الاختصاصات أمر وارد وموجود في كل الأنظمة الرقابية المقارنة، إذ الانتقاد الذي يجب أن يكون في نظرنا هو لماذا لم يتم التغلب على هذا الأمر وذلك بالتصدي له عن طريق الزيادة في الموارد البشرية والمادية ثم تجويد الاختيارات النوعية الهادفة على مستوى تدخل المجالس في الرقابة على الصفقات العمومية، فغياب استراتيجية واضحة لدى القضاء المالي الجهوي بخصوص تسيـيس المهام المتعلقة بمراقبة التسيير وغيرها يعتبر أكبر عائق أمام تحسين وتطوير الرقابة المالية.

   وفضلا عن ذلك تتميز مساطر اشغال القضاة الماليين الواردة في القانون 99_62، بالطابع المعقد حيث في هذا الإطار فالقاضي المالي يشتغل بأربع مساطر تحيل الواحدة منها على الأخرى مما يقود إلى تداخل فيما بينها وكذا في علاقتهما المتبادلة مع تحريك مساطر أخرى خاصة تلك المتعلقة بالمسطرة التأديبية والجنائية وبعض قواعد المسطرة المدنية وبالتالي فغياب مسطرة موحدة تميز خصوصية القضاء المالي الجهوي  يؤثر على الضمانات الأساسية للمتقاضين من محاسبين عموميين وامرين بالصرف ومراقبين، ففيما يخص مثلا اختصاص التدقيق والبث في الحسابات فإن مسطرتها تتميز بطول المدة والتعقيد (مذكرة ملاحظات رد المحاسب العمومي، حكم تمهيدي حكم نهائي ) هذا إلى جانب المدة الزمنية التي تتطلبها عمليات التدقيق والتحقيق في الحسابات والعمليات المالية[89].

     وفيما يتعلق بالموارد البشرية والمادية فإنها تعتبر المحرك الأساسي لأي نشاط مؤسساتي، فالقيام بالمهام المنوطة بالمجالس الجهوية للحسابات رهين بتوفر هذين الموردين وخصوصا إذا تعلق الأمر بجهاز مكلف بمهمة الرقابة العليا للأموال العامة، وبالتالي فالاختصاصات الموكلة للقضاء المالي الجهوي تحتاج إلى طاقات بشرية كافية ومؤهلة للقيام بها، لكن الملاحظ أن هؤلاء القضاة المكلفين بهذه المهام جد ضعيف مهما كانت المجهودات التي قد يبذلها  هؤلاء من القيام بكل أعمال المراقبة[90]

     فحسب آخر الاحصائيات التي تم التوصل إليها بلغ العدد الإجمالي للقضاة والموظفين العاملين بالمحاكم المالية في سنة 2015 حوالي 541 قاضيا و 202 موظف تمثل فيهم النساء نسبة 19.4 في المائة داخل هيأة القضاة و 47 في المائة من مجموع الإداريين[91]، فهذا الرصيد الكمي للموارد البشرية ليس بمقدوره مواكبة الرقابة على الجماعات الحضرية والقروية والأقاليم والجهات، وأيضا المؤسسات والمقاولات العمومية التي تخضع لرقابة المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات، ولعلها من الأسباب الرئيسية المسؤولة عن ضعف مردودية هذه المجالس، فإن لم ينصب اهتمام الجهات المعنية على هذا الجانب بالذات فإنها ستضل مكبلة وغير قادرة على الالتزام ببرامجها المسطرة وأداء مهامها في الآجال القانونية، ففعالية ومردودية وانتاجية أي مؤسسة أو جهاز إداري أو قضائي يقترن بمدى الجدية بالمورد البشري. ينضاف إلى ذلك التوزيع الغير المتكافئ لقضاة المالية بين المجالين الجهوية، فمثلا المجلس الجهوي بفاس يتوفر على 15 قاضي مكلفين بمراقبة جهة تضم من مجموعة 202 جماعة، يعني 13 جماعة لكل قاضي في حين نجد المجلس الجهوي بالدار البيضاء يتوفر على 16 قاضي يستغلون على أربع عمالات وسبع جماعات حضرية وعشر جماعات  قروية، فتولي مراقبة هذا العدد العرمرم  من الجماعات مقارنة بعدد القضاة لن يساعد اطلاقا على دعم انتاجية ومردودية المجلس الجهوي للحسابات[92].

    وعلى مستوى آخر، سكت قانون 99-62 على مساعدي القضاة كما الامر بالنسبة للغرف الجهوية للحسابات بفرنسا التي استلهم منها المشرع المغربي الكثير من المقتضيات حيت يلعب هؤلاء المساعدون دورا أساسيا في التخفيف على القضاة أعباء المراقبة خاصة بالنسبة لفحص الوثائق المبررة للمداخيل والنفقات في إطار التدقيق والبث في الحسابات ومن جهة أخر لا تتمتع المجالس الجهوية للحسابات بالاستقلال المالي، حيث أن نفقات التسيير لا زال يحددها المجلس الاعلى للحسابات الامر الذي يطرح التساؤل حول ما إذا كانت هذه الوضعية مؤقتة أو أنها تعبر عن سياسة تجعل هذه المجالس تابعة للمجلس الاعلى للحسابات بشكل كلي فيما يخص التسيير الإداري والمالي.

     وفي الجانب الثاني من العوامل المؤثرة في تدخلات المجالس في الرقابة على تدبير الصفقات الترابية يشكل المحيط السياسي والثقافي مجموعة متسلسلة ومترابطة من السلوكيات وأنماط التفكير التي تتقاطع فيما بينها، التي تساهم في ضعف ممارسة الرقابة العليا على الأموال العمومية في المغرب، وهكذا فإن انجازات المجالس ومدى نجاحها مرتبط بشروط اندماجها الاجتماعي وبغاياتها الخاصة انطلاقا من نوعية انجازات المؤسسة، فهي إما أن تكون حافزا وعاملا مشجعا على مواصلة عملها وتحسين أدائها وبالتالي تلميع صورتها لدى الرأي العام، أما إذا كانت انجازاتها سلبية لدى الرأي العام فإن ذلك ينتج عنه ضغوطات نفسية واجتماعية على المؤسسة والواقع أن مؤسسات المجلس الأعلى والمجالس الجهوية باتت حتى وقت قريب مجهولة وغير معروفة لدى الرأي العام، ويعزى هذا الجهل بالدرجة الاولى إلى غياب وسائل التواصل بين القضاء المالي الجهوي والرأي العام وعزلة المؤسسة وعدم انفتاحها على المحيط.[93] وبذلك ففعالية دور القاضي المالي ونجاحه في أداء مهامه الرقابية مرتبط إلى حد بعيد بمدى قدرته على الاندماج في محيطه السياسي والاجتماعي وبطبيعة الدور الذي ينغي أن يضطلع به في انسجام مع المحيط بفرض رقابة مالية عمومية فعالة.

ومن المؤكد أن كسب رهان الإصلاح والتحديث لا يستقيم إلا من خلال حسن استثمار الرأسمال البشري عبر توظيفه في الزمان والمكان المناسبين ومدى قدرته واندماجه مع المحيط السوسيوسياسي العام الذي تعمل في مناخه المجالس الجهوية.[94]

خاتمـــــة

    بالنظـــــر الـى مجمــوعة من العوامل والمقومات الهيكلية والتنظيمية والثقافية المرتبطة بهـــذا الموضــوع يتبين أن مراقبة  تدبير وتسييــر ميــدان الصفقات العمومية بالجماعات الترابية من طرف المجالس الجهوية للحسابات، – التي ترسم صورة قاتمة عن هذا القطاع- ليس بالمهمة السهلـــة تتوقف فقط علــى منظومـــة تشريعية مالية جيدة وتوفير الامكانيات اللازمــة ووجــود جهاز رقابي فعال، بل الأمر أكثر من ذلك يتطلب بالإضافة الى هذا  الــتوفر على منظـــومة القيم والأخلاق التي يجب أن تسود المحيط العام والخاص الي تشتغل فيه مختلف الأجهزة والمؤسسات ثم المدبرين العموميين الذين يصهرون على إنجاز هذا الحقـــل الحيوي المرتبط بالمال العام ودوره في التنمية.

   وعمــوما  كخطـوة عملية ناجعـة نحو تدبير للصفقات الجماعية، فــان تسيير الشــأن العام ــ  ولا سيما في هذا الميدان ــ هو من العلوم التي ينبغي أن تكتب قواعدها وتدرس في المعاهد والكليات والمؤسسات  ولما لا الجماعات الترابية خصوصا رؤساء هذه الجماعات باعتبارهم آمرين بالصرف وكل الأجهزة المتدخلة في إبرام الصفقات، وهي من العلوم التي يجب أن تتطور في المغرب ويكتب عنها وينظر، لأنك لو بحثت في إشكالات التنمية على هذا المستوى ستجد أن من بين الأسباب الحقيقية للتخلف هو غياب الحكامة الجيدة وغياب الواقعية في التسيير وأيضا غياب الأطر الكفؤة أو تواجدها في أماكن بعيدة كل البعد عن المناصب التي يجب أن تنالها، وكذلك كثرة المحسوبية والرشوة الاستثمارات بهذه الوحدات في اتجاهات خاطئة تأتي على الميزانيات السنوية المتعلقة بالاستثمار دون أن يجد لها المواطن أي فائدة وهذا هو حال الكثير من الصفقات بالجماعات الترابية بالمغرب.

ومن منطلق أن لكل إصلاح تكلفته المادية والمعنوية، فإن تحقيق رقابة ناجعة من قبل المجالس الجهوية للحسابات على المال العام والصفقات العمومية تحديدا، يتطلب تحديد رؤية شاملة ومندمجة بين مختلف المكونات التي تشتغل في هذا الحقل تعمل على القطع مع كل الأشكال الكلاسيكية في الرقابة، والعمل على نهج إصلاحي يبدأ بالهياكل ثم تحديد المخاطر وتقويمها وتبني مفهوم تقييم السياسات العمومية وإعداد الموارد البشرية الملائمة ــ الرجل المناسب في المكان المناسب ــ وإعمال عنصر الكفاءة والاستحقاق في اسناد المهام، غير أنه يبقى إيمان المسؤولين والمدبرين العموميين عن أدارة الصفقات العمومية بضرورة القطع مع الفساد بكل أنواعه وأشكاله في حقل الصفقات الضامن الحقيقي لحماية المال العام من التبذير.


[1]– أحميدوش مدني: المحاكم المالية في المغرب، دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة، مطبعة فضالة – المحمدية، الطبعة الأولى 2003، ص 9

[2]–  العربي البوبكري : دور السياسة الجنائية في حماية المال العام، أطروحة لنيل الدكتوراه  في القانون الخاص، جامعة محمد الأول ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2012-2013، ص 69.

[3]– أحمد حاسون : المجلس الأعلى للحسابات بالمغـــرب،  دراســة سوسيـو قانونية ، منشورات مجلة الدراسات السياسية والاجتماعية، سلسلة أطروحات وأبحاث، العدد 1/2013، طبعة 2013، ص 21.

 [4]- ادريس طاهري: تجربة المجلس الأعلى للحسابات في مراقبة تسيير الجامعات المغربية، المجلة المغربية للمالية العمومية، مطبعة البلابل-البطحاء- فاس العدد 4- 2014، ص 17.

– يقصد بالمنظمة العمومية، الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية[5]

[6]– مليكة عرعور: إشكالية الرقابة على المؤسسات من منظور سوسيولوجي، المجلة المغربية للقانون الاداري والعلوم الادارية – العدد 1  – 2016، ص 11.

[7]– ينص الفصل 147 من الستور المغربي لسنة 201 1 “المجلس الأعلى للحسابات هو الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، ويضمن الدستور استقلاله.

يمارس المجلس الأعلى للحسابات مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية.

يتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية. ويتحقق من سلامة العمليات، المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، ويتخذ، عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة. تُناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية .

[8]– دستور المملكة المغربيـة: الصادر بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، ج الرسمية عدد5964 بتاريخ 30 يونيو 2011، ص 3600.

[9] – ظـهيـر شريف رقم 124. 2. 1 صادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002) ، بتنفيــذ القانون رقم 99 – 62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، الجريدة الرسمية ، عدد 5030، 6 جمادى الآخرة 1423 (15 أغسطس 2002) ، ص. 2294 .

[10]– المحاكم المالية للمملكة المغربية، كتيب منشور على الموقع الالكتروني للمجلس الأعلى للحسابات بصيغة PDF www.courescomptes.com  اطلع عليه بتاريخ 05/07/2017 على الساعة 13 زوالا.

[11]– مرسوم رقم 556 – 15 – 2 الصادر بتاريخ 21 ذي الحجة 1436 الموافق  ( أكتوبر 2015 )  بتحديد عدد المجالس الجهوية للحسابات وتسميتها ومقارها ودوائر اختصاصها ، الجريدة الرسمية عــدد 6404 –  فاتح  محرم 1437 ، ( 15 أكتوبر ) ص 8379 .

[12] –  محمد مسكـاوي : لوبيات  تحتكر صفقات الأشغال الكبرى والفساد طور آليات اشتغاله، جريـــدة المساء ، العدد 2942 ، السبت- الأحد  26-    27  3/2016 ، ص 14 .

[13]–  تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الصفقات العمومية رافعة استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مطبعة كانا برنت، ص 34، تقرير منشور على الموقع الالكتروني: www.ces.ma/documentpdf  اطلع عليه بتاريخ 8- 10 -2017 علـــى الساعـــة 11 صباحا،

 ص 13.

– الظهير شريف رقم 124 – 2 – 1 ، مرجع سابق، ص 2294.[14]

[15]–  في العادة غالبا ما يتم الجمع بين الكلمتين ، التدقيق والتحقيق في الحسابات حيث يصعب أحيانا التمييز بين المعنى والوظيفة الجوهرية لكل مهـــمة لاستجلاء الفرق بينهما، بالرغم من أنهما اختصاصين مسندين لجهة موحدة. علما أن الفرق بينهما كبيــر، وبشأن هذا الأمـــر إذا كانت عملية التحقيق التي تتبعها المحاكم المالية تعتبر في جوهرها مسطرة قضائية بامتياز تأخذ مقوماتها من القضاء العادي، وبالتالي  فهي  تكون بشكل تلقائي واجباري من طرف القاضي المالي على العمليات المالية للأمرين بالصرف والمحسبين العموميين للتثبت من شرعية العلميات التي قاموا بهــــا.

فمن الواضح أن التدقيق لا ينصب فقط على التأكد من مدى شرعية و مطابقة العمليات المالية العمومية للنصوص المعمول بها بل يمتد أيضا الى تقييـــم التسييـــر. وتقـــويم الأداء داخل  الهيئة  أو المؤسســة. وهكذا و عقب الانتهاء من التدقيق يبلغ المستشار المقرر ملاحظاته، بحسب الحال، إلى كل من الآمر بالصرف أو المراقب أو المحاسب العمومي أو أي مسؤول آخر. ويتعين على هؤلاء الإجابة على هذه  الملاحظات  داخل أجل شهرين ماعدا في حالة تمديد استثنائي. وعند انتهاء هذا الأجل يعد المستشار المقرر تقريرين. كما سنبينه.

[16]–  المـادة 126 من مدونة المحاكم المالية، القانون رقم 99 – 62، كما تم تعديله وفقا للقانون رقم 16-55 الصادر بتنفيذه الظهير 153 .16 .1 في 21 من ذي القعدة 1437 ( 25 أغسطس 2016 )؛ الجريدة الرسمية عدد 6501 بتاريخ 17 ذو الحجة 1437 ( 19 سبتمبر 2016 ) ص 6703.

[17]–  مـحمـد بــراو : الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية ــ مساهمة في التأصيل الفقهي للرقابة القضائية عل المال العام  الجزء الأول ــ ، مطبعة طوب برس ــ  الرباط ، بدون دار النشر، الطبعة الأولى، غشت 2004 ، ص 119.

[18]– أحمد حاسون : المجلس الأعلى للحسابات بالمغرب ـ دراسة سوسيو قانونية ـ ، منشورات مجلة الدراسات السياسية والاجتماعية، سلسلة أطروحات وأبحاث العدد1 ـــ 2013، مطبعة المعارف الجديدة  الرباط  ص 102 .

[19]– عثمان تالمـة : تطبيقات التدقيق في مجال الصفقات العمومية ، www .marocdroit.com  اطلع عليه يوم 9/5/2017 على الساعة 10:00 ليلا.

[20]  – المادة 128 من القانون رقم 99 ـ 62 بشأن مدونة المحاكم الماليـة .

–  أنظـر المادة 142 من المرسوم رقم 349. 12 .2 المتعلق بالصفقات العمومية. [21]

– المادة 30  من القانون 99 ـ 62، المتعلق بمدونة المحاكم المالية. [22]

– أحمد حاسون :  مرجع سابق، ص 118.[23]

[24]– مليكة الصروخ: الصفقات العمومية في المغرب ــ الاشغال، التوريدات ، الخدمات ــ ، مطبعة دار القــلم، بـدون دار النشر، الطبعة الثانية 2012 ، ص 388.

  • – المادة 37، مـن مدونـة المحاكم الماليــة.[25]

[26]– الفقرة الخامسة من المادة 37 ، من مدونة المحاكم المالية.

[27]  – الفقرة الرابعة من المادة 118 من مدونة المحاكم المالية، كما تم تغييرها وتتميمها.

[28] – أحميدوش مدني: مرجع سابق، ص 31.

[29] – تنص المادة 111 من مدونة المحاكم المالية على ما يلي:

 [30] – عماد أبركان : نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات الملائمة، منشورات مجلة العلوم القانونية، سلسلة البحث الأكاديمي ــ الاصدار الثالث عشر، مطبعة الأمنية الرباط ــ2016، الطبعة الأولى، ص 160.

[31] – Jilali AMZID: La responsabilité financier de l’ordonnateur au tournant de la reforme budgétaire, TOPPRESS, Rabat 2017 , p 354.

[32] – كمال الشهبي: وضعية الآمر بالصرف، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- فاس، ص 59 و 60

[33]– عسو منصور: قانون الميزانية العامة ، مطبعة دار النشر المغربية ، عين السبع الدار البيضاء ، الطبعة الأولى 2005، ص 179.

[34]– عبد الواحد العسلي : دور الخازن المكلف بالأداء في مراقبة المؤسسات العمومية، أطروحة لنيل الدكتوراه  في الحقوق  شعبة  القانون العام، جامعة  سيدي محمد بن عبد الله كلية الحقوق بفاس، السنة الجامعية، 2013ـ 2014، ص. ص 224 و 226

[35]– محمد براو : مهام واختصاصات المجلس الأعلى أية ملائمة على ضوء التجربة والدستور والمعايير الدولية، المجلة المغربية للمالية العمومية ، مطبعة البلابل البطحاء فاس، العدد 3/ 2013 ، ص 18.

[36]– عسو منصور: قانون الميزانية العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة، مطبعة المعارف الجديدة/ الرباط – الطبعة الأولى أكتوبر 2017،ص 336

[37]– المادة 151 من مدونة المحاكم المالية.

[38]– المادة 80 من مدونة المحاكم المالية.

[39]– المادة 81 من مدونة المحاكم المالية.

[40]– المواد 83 و 84 من مدونة المحاكم المالية.

[41]– المادة 152 من مدونة المحاكم المالية.

[42]– المادة 153 من مدونة المحاكم المالية.

[43]– عماد أبركـان :  مرجع سابق، ص، ص 175 و 176.

– مليكة الصروخ :  مرجع سابق، ص. ص، 393ـ 394.[44]

[45]– عادلة الوردي :  رقـابة المجلس الأعلى للحسابات على المال العام بالمغرب ــ وفق آخر المستجدات ــ منشورات مجلة الحـقوق المغربــية سلسلة ” دراسات قضائية ”  الاصدار الأول ، مطبعة المعارف الجديدة ـ الرباط ، الطبعة الأولى 2012 ، ص 176.

– المادة 156 من مدونة المحاكم المالية.[46]

[47]– يتعلق الأمر بالقوانين التنظيمية المنشورة بالعدد 6380 من  الجريدة الرسمية، الصادرة في 6 شوال 1436 الموافق لـ 23 يوليوز 2015  وفق الترتيب الآتـــي :

– الظهير الشريف رقم 1.15.83 الصادر في 20 رمضان 1436 الموافق 7 يوليوز 2015، بتنفيذ القانون التنظيمي  رقم 111.14 المتعلق           بالجهــات.

– الظهير الشريف رقم 1.15.84 الصادر في 20 رمضان 1436 الموافق 7 يوليوز 2015، بتنفيذ القانون التنظيمي  رقم 112.14 المتعلق           بالعمالات والأقاليم.

– الظهير الشريف رقم 1.15.85 الصادر في 20 رمضان 1436 الموافق 7 يوليوز 2015، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق            بالجماعات.

– المواد 214 و 201 و 223 ، من القانون التنظيمي للجماعات. [48]

[49]– الظهير شريف رقم 1.03.195 صادر في 16 من رمضان 1424 ( 11 نونبر2003 ) بتنفيذ القانــون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى. الجريدة الرسمية عدد 5170 الصادرة بتاريخ 23 شــوال 1424 ( 11نونبر 2003 ) ص 4238.

– أنظر المادة 5 من مرسوم 20 مارس 2013، المتعلق بالصفقات العمومية. [50]

[51]– اسماعيل الوردي:

[52]– التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2014 المتضمن لتوصيات المجلس الجهوي للحسابات بفاس،  الجزء الثاني، الكتاب الثامن ، ص 47.

[53]– التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2015 الجزء الثاني المتضمن لتوصيات المجلس الجهوي للحسابات  لجهة الدار البيضاء- سطات، ص. ص. 34-35.

[54]– اسماعيل الوردي، مرجع سابق ص. ص 47-48.

[55]– التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2014 المتضمن لتوصيات المجلس الجهوي للحسابات بفاس،  المرجع السابق، ص 16.

[56]– التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2014 الجزء الثاني، الكتاب الخامس  المتضمن لتوصيات المجلس الجهوي للحسابات بمراكش، ص 122-123.

[57]– التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2014 الجزء الثاني، الكتاب السادس  المتضمن لتوصيات المجلس الجهوي للحسابات بطنجة، ص 75.

[58] – التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2014 الجزء الثاني، الكتاب السابع ،المجلس الجهوي للحسابات الدار البيضاء، ص   75 و 83.

[59]– التقرير السنــوي للمجلـس الأعلــى للحســابـات برسم سنة 2014 ، المتضمــن لتقريــر المجـلس الجهـوي للحسابات بطنجة، مرجع سابق ، ص 97.

[60]– محمد براو : المجلس الأعلى للحسابات أمام امتحان الانخراط في العهد الدستوري الجديد، جـريدة المساء العـدد، 1750 ، الثلاثاء 9/ 5/ 2012

[61]– تقضـي الفقرة 4 من الفصل 148 من دستور 2011 بــ: ينشر المجلس الأعلى للحسابات جميع أعماله بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية.

[62]– قرارات صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات في المادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، أكتوبر 2015، ص. ص 5 – 6

[63]– مجموعة القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات حول استئناف أحكام المجالس الجهوية للحسابات، الجزء الثاني، شتنبر 2018، ص 09 .

[64]– ابراهيم بن به: نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي – دراسة قانونية وقضائية مقارنة – منشورات المجلة المغربية للسياسات العمومية ، مطبعة طوب بريس – الرباط، الطبعة الأولى، ماي 2017، ص 587.

[65]– ابراهيم بن به: نفس المرجع، ص، 590.

[66]– ابراهيم بن به: نفس المرجع، ص، 595.

[67]– قرار عدد 02/2012 ت، م، ش، م صادر بتاريخ 14 يونيو 2012 ملف استئناف عدد 305/20011، المتضمن في القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات حول استئناف أحكام المجالس الجهوية للحسابات، طبعة المجلس الأعلى للحسابات 2017، ص 119.

[68]– ابراهيم بن به: مرجع سابق، ص 379.

[69]– ابراهيم بن به: نفس المرجع، ص 380.

[70]– محمد براو : مرجع سابق ص، 9.

– مذكرة استعجالية للرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، مرجع سابق.[71]

[72]–  Aoughebal  Abdellah:  vérification des contrats administratifs de construction, présentation d’exposer sur   l’expérience  de juge financier marocain, dans cours des comptes régionaux des bordeaux ,France. P 3 – 6

[73]–  Aline Kurek : Le juge Financière, juge administratif.  Thèse délivrée  pour obtenir le garde de docteur en droit public. Université du Droit et de la Santé Lille II, 2010, décembre 2010, p 48.

[74] – Aoughebal  Abdellah : OP . Cite, p 7- 13

[75] – idem, p .14

[76] – Aoughebal  Abdellah : OP . cite, page 13 – 19

[77] – Aline Kurek : OP . Cite, Page 62

[78] – idem, Page 63

[79] – Aoughebal  Abdellah : Op, Cite , p 24 – 27

[80]– عبد الله أوغـــبال : عرض حول التجربة العملية للمحاكم المالية في الرقابة على الصفقات العمومية القائمة على أساس تحليل المخاطر، ص 4

[81]– عبد الله أغبال : مرجع سابق، ص 5 .

[82]– عبد الله أغبال : نفسه ، ص 7.

[83]– المبادئ الأساسية لرقابة الأداء، مرجع سابق، ص 7،http://WWW.intosai.org

[84]– المبادئ الأساسية لرقابة الأداء، نفس المرجع  ص، 115.

– عبد الله أغبال : المرجع السابق ، ص 8 [85]

[86]– أحمد حسون : مرجع سابق، ص. ص. 290_291 

[87]– مقابلة مع الأستاذ عبد الله أغبال، مرجع سابق.

[88]– عبد اللطيف الحبيب : المجالس الجهوية للحسابات ودورها في التنمية المحلية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام جامعة محمد الخامس، السنة 2005_2006، ص 82.

[89]– أحمد حسون، مرجع سابق، ص379.

[90]– عبد العالي الفيلالي : الجماعات الترابية بالمغرب بين الحكامة المالية وتجويد اليات الرقابة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق بفاس، السنة الجامعية 2014_2015. ص،361.

[91]– يوسف الساكت: مقال منشور بجريدة المساء، الجمعة 19/05/2017 العدد 5312، ص 3.

[92] – عبد العالي الفيلالي: مرجع سابق، ص 363.

[93] – أحميدوش مدني: مرجع سابق، ص 369.

[94] – عبد العالي الفيلالي : مرجع سابق، ص 367.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *