المحاكم المالية ومسؤولية المحاسب العمومي
في ظل القانون رقم 62.99 المنظم لها
رشيد قاعدة
باحث بمركز الدراسات و الأبحاث للدكتوراه
بكلية الحقوق الرباط السويسي
إن الهدف الرئيسي للرقابة المالية هو الحفاظ على المال العام للدولة وصرفه على الوجه الأمثل دون حصول إسراف أو تبذير أو تقتير، و أهداف الرقابة تطورت مع الزمن فبعد أن كانت الرقابة المالية تهدف إلى مراجعة وتدقيق السجلات والدفاتر المحاسبية، والكشف عما قد يوجد فيها من تلاعب وغش ومدى التقييد بالقوانين والأنظمة فقد توسعت لتشمل مراقبة مدى الاقتصاد في النفقات، ومدى فعالية الأجهزة الخاضعة للرقابة ([1]).
والمغرب كغيره من الدول، تنص تشريعاته على مجموعة من الأنظمة الرقابية على المال العام، تختلف طبيعتها باختلاف الأجهزة المكلفة بها، ولكنها تلتقي في هدف واحد تأمين الإستعمال السليم للمال العام و التصدي للإنحرافات و التجاوزات التي يمكن أن تعتري عمليات إدارته و السعي إلى تصحيحها وتوفير ضمانات فعالة لحماية المال العام من التبذير و الإسراف، و لتجاوز الثغرات التي لم تستطيع الرقابة الكلاسيكية حلها، اهتمت المنظمات الدولية بالدعوة إلى تطوير آليات الرقابة المالية، ومنها التدقيق و الإفتحاص، فقد أصبحت من أكثر الآليات نجاحا في تحقيق فعالية اقتصادية في تدبير المال العام، وذلك راجع بالأساس لكون هذا الشكل الرقابي يمتاز بمرونته وقدرته على مواكبة التطور الذي تعرفه أنظمة التدبير العمومي الحديث.
ومن بين أهم الإختصاصات التي تمارسها المحاكم المالية الإختصاصات القضائية كما هو محدد في الفصل الأول من الباب الثاني من القانون رقم 62.99 بمثابة مدونة المحاكم المالية الجزء المتعلق بالتدقيق و البت في الحسابات ( المادة 25 إلى المادة 40) و التي يستفاد من منطوقهم ضرورة إدلاء المحاسبين العموميين الخاضعين لرقابة المحاكم المالية بحساباتهم سنويا طبقا للكيفيات المقررة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل.
كما ألزمت المحاكم المالية بضرورة إصدار حكم نهائي بخصوص كل حساب سواء بالإبراء أو بوجود فائض أو عجز ، واعتبرت مسألة البت في حسابات المحاسبين العموميين من النظام العام. غير أن الإخلال ببعض الشروط الشكلية أو الجوهرية الواجب توفرها في كل حكم قضائي تعرضه للإلغاء والبطلان، هذه الأمور وغيرها هي ما سوف نتعرض لها من خلال تحليل مختلف المستجدات التي كرسها المشرع في ضل القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية لسنة 2002 و التي ساهمت في توسيع اختصاصات القاضي المالي وبالتالي اتساع مسؤولية المحاسب العمومي .
وانطلاقا مما سبق يمكن طرح الإشكالية المحورية لموضوعنا قيد الدرس كتالي:
إلى أي حد ساهمت المحاكم المالية في ظل القانون رقم 62-99 النظم لها في توسيع مسؤولية المحاسبين العموميين؟.
للإجابة على هذه الإشكالية المحورية لابد من طرح التساؤلات التالية:
ما هي أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 62.99 في مجال التدقيق والبت في الحسابات؟ وكيف ساهم القاضي المالي من خلال رقابته القضائية في إطار اختصاص التدقيق و البت في الحسابات في توسيع مجال مسؤولية المحاسب العمومي ؟ وماهي الضمانات و الحقوق التي منحها المشرع للمحاسب العمومي أثناء مزاولته لاختصاصاته؟ هذه الأسئلة وغيرها سوف تكون إن شاء الله نقطة الإنطلاقة لتحليل مختلف جوانب هذا المقال المتواضع محل الدراسة معتمدين في ذلك على التقسيم التالي:
المحور الأول: مجال الرقابة وإجراءات ممارستها
فيما سنخصص المحور الثاني : لمستجدات الرقابة القضائية على حسابات المحاسب العمومي في جوانبها الزجرية والإبرائية والمسطرية.
المحور الأول:مستجدات مجال الرقابة وإجراءات ممارستها
بالنظر لاعتبار المحاسب العمومي موظفا عموميا فإنه يخضع مبدئيا من حيث مسؤوليته لمقتضيات الفصل 79 و80 من قانون الإلتزامات والعقود، لكنه من ناحية أخرى فهو يخضع لمسؤولية شخصية ومالية نظمها ظهير 3 أبريل 2002 الخاص بتحديد مسؤولية الآمرين بالصرف و المراقبين والمحاسبين العموميين.
وللمسؤولية خصائص عديدة، فهي تتحدد في خرق الإلتزامات القانونية الواردة في القوانين المنظمة لتسيير المال العام، ولا تعتمد في نفس العناصر التي تقوم عليها باقي أنواع المسؤوليات الأخرى التي نظمها المشرع المغربي،وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر. فالعلاقة السببية مفترضة وترتبط بارتكاب المخالفة المالية، كما أن عنصر الضرر يتحدد في مبلغ النفقات العمومية التي تم القيام بها دون احترام للقواعد القانونية المنظمة لسير المال العام([2])، والمداخيل التي لم يتم تحصيلها بشكل قانوني.
أما على مستوى الأشخاص موضوع هذه المسؤولية ، فهم موظفون عموميون كما أسلفنا يخضعون لعدة التزامات قبل ممارسة مهامهم، كما أنهم يتوفرون على اختصاصات عديدة في مجال تحصيل المداخيل العمومية، وتنفيذ النفقات العمومية، والمحافظة على الأموال و القيم الموضوعة رهن إشارتهم([3]).
أولا : مجال الرقابة المالية وموضوعها.
اختصاص قاضي الحسابات بالقيام بمهام الرقابة والتدقيق على حسابات المحاسب العمومي، لا يفيد أنه هو من يقوم من تلقاء نفسه بفعل الرقابة، ولا يعني أيضا بأن هذه الرقابة – كما سلفت الإشارة- تنصب على شخص المحاسب العمومي، فرقابة قاضي الحسابات من النظام العام، ومعنى ذلك أن المحاسب العمومي هو من يتولى من تلقاء نفسه تقديم حساباتهم عن كل سنة مالية إلى المحاكم المالية حسب جهة الإختصاص، وهو نفس الالتزام الذي يتحمل به المحاسبون العموميون بالنسبة للأجهزة العمومية الأخرى، إذ يتحمل هؤلاء بأن يقدموا أمام المجلس بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات وكذا عمليات الصندوق التي يتولون تنفيذها. ومن ناحية أخرى فإن رقابة قاضي الحسابات لا تنصب على شخص المحاسب وإنما على الحساب الذي يتقدم به، وهو ما يعني بعبارة مرادفة بأن “رقابة المجلس الأعلى ” تقف عند حدود البت أو النظر في الحسابات دون المحاسبين العموميين”.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجوز كذلك للأمرين بالصرف والمراقبين المحاسبين أن يقدموا عن طريق السلم الإداري إلى قاضي الحسابات، جميع الملاحظات التي يرون أن من شأنها إرشاده في تدقيق الحسابات([4]).
في نفس الإطار فإن الالتزام الذي يتحمل به المحاسب العمومي، ألا وهو تقديم الحساب يعتبر من النظام العام، فهو لا يخضع لآماد التقادم التي تحكم بقية الالتزامات.
وترتبط وتتحدد مسؤولية المحاسب العمومي بواقعة “العجز”، فأي عجز يحصل في حسابه سبب يبرر محاسبته، وبالتالي خضوعه لرقابة قاضي الحسابات، ويبرر من تم تحريك مسطرة المتابعة ضده، وكما سيأتي الكلام عن ذلك، فإن هذه المسطرة تكون إلزامية وكتابية وسرية.
والمتابعة المالية للمحاسب العمومي، ترتبط أساسا بمبدأ عم مؤداه أن : ” أي مبلغ لا يمكن أن يؤدى إلا استنادا على أمر الدفع، ولا يمكن أن يخرج من صندوق الدولة إلا المبلغ الوارد في هذا الأمر”.
ووضوح هذا المبدأ، يوازيه وضوح مهام المحاسب العمومي ودقة المسؤولية الملقاة على عاتقه في نفس الوقت، فمسؤوليتهم يمكن أن تتسع بحسب الأحوال فهي تتناول كل فرق بين موجودات الصندوق والقيود، وكل مبلغ يدفع بدون موجب حق، وكل مبلغ وقع التأخير في تحصيله([5]).
وقد ترجم القضاء المالي في غير قرار من قراراته، طبيعة المسؤولية التي يتحمل بها المحاسب العمومي، فأقر في هذا الصدد مجموعة من المبادئ يمكن إدراجها وفق ما يلي:
- على المحاسب العمومي التأكد من صحة النفقات التي يسجلها، وإنجاز النفقات الملتزم بدفعها وتبرير عملياته([6]).
- على المحاسب العمومي إذا لاحظ خطأ ماديا في الوثائق المثبتة، عليه إيقاف الأداء وإخبار الأمر بالصرف بذلك([7]).
- يجب على المحاسب العمومي تقديم ما يفيد إخبار الأمر بالصرف بعدم صحة الوثائق المثبتة([8]).
وبصفة عامة، فإن المبادئ المتقدمة وغيرها التي تعكس حدود الرقابة ومجالها وموضوعها، ورد النص عليها في المادة 37 من القانون المنظم للمحاكم المالية، والتي تنص بوضوح على ما يلي: “إذا لم يثبت المجلس أية مخالفة على المحاسب العمومي، بث في الحساب أو الوضعية المحاسبية بقرار نهائي، وإذا ثبت للمجلس وجود مخالفات ناتجة عن:
- عدم تبرير إنجاز العمل([9]).
- أو عدم صحة حسابات التصفية.
- أو غياب التأشيرة المسبقة للالتزام([10]).
- أو عدم احترام قواعد التقادم وسقوط الحق([11]).
- أو عدم احترام ومراعاة قوة إبراء التسديد.
أو عدم اتخاذ الإجراءات التي يتوجب على المحاسب العمومي القيام بها في مجال تحصيل الموارد.
أمر المجلس المحاسب العمومي بواسطة قرار تمهيدي، بتقديم تبريراته كتابة أو عند عدم تقديمها بإرجاع المبالغ التي يصرح بها المجلس، كمستحقات للجهاز العمومي المعني…”
كما لاحظ ذلك بعض الباحثين([12])، فإن أنواع الرقابة الوارد التفصيل فيها في الفصل المتقدم، تمكن من تصنيف مسؤولية المحاسب العمومي إلى أربع أنماط من المسؤولية:
الأول: مسؤولية الأمين أو حارس الصندوق.
الثاني: مسؤولية المراقب.
الثالث: مسؤولية المكلف بالتسديد أو الأداء.
الرابع: مسؤولية قاضي المداخيل.
ومن خلال قراءة عمومية وأفقية لمجموع المهام والمسؤوليات، التي هي في نفس الوقت موضوع الرقابة التي يمارسها المجلس على حسابات المحاسب العمومي، يمكن القول بأنها تتميز بعدة خصائص: فهي من ناحية ترتكز على مبادئ عامة، وهي في نفس الوقت مترابطة ويتصل بعضها ببعض بصورة واضحة. فتأكيد المادة 37 على ضرورة تبرير إنجاز العمل ذاتيا أو معنويا، لكي يطالب بدين عمومي لدى الجهاز أو الهيئة العمومية المعنية، يتوجب عليه قبل حصوله على الأداء المنجزة عملا لفائدة الجهاز المذكور([13]).
وبعد تكريس لما نص عليه المرسوم رقم 66.330، بمثابة نظام عام للمحاسبة العمومية، الذي أورد وبصيغة يستفاد منها الجزم والحسم أنه : “لا يمكن أن يتم الأداء قبل تنفيذ العمل”.
فمراقبة من هذا النوع تقترن مع مراقبة تبرير العمل، لأن “الوثائق المثبتة لإنجاز العمل تتضمن إثبات الحقوق المكتسبة للدائن بما فيها أسس التصفية. ومن هنا فإن النصوص وكذا التعليمات المتعلقة بقوانين المحاسبة العمومية، غالبا ما تتحدث عن تبرير إنجاز العمل وصحة حسابات التصفية بشكل مقترن ومتلائم”([14]).
ولا يتعين النظر – بصفة عامة- إلى الرقابة الممارسة من طرف المجلس الأعلى، والمشار غليها في المادة 37 بأنها رقابة تثقل كاهل المحاسب العمومي، فإن المشرع المغربي يمكن المحاسب العمومي في نفس الوقت من إمكانات وإعفائه من تحملات، فإذا عدنا إلى النوع الثالث من أنواع الرقابة والمتعلقة بغياب تأشيرة مراقب الالتزامات بالنفقات، سنجد بأن دور المحاسب ينحصر في واقع الأمر في مجرد مراقبة وجود تأشيرة مراقب الالتزامات بالنفقات. وهذا معناه أنه معفي من التحقيق من مدى مشروعية الالتزامات قبالة القوانين والأنظمة الأخرى من لدن المراقب([15]).
ومن ناحية ثانية فإن المشرع المغربي حينما حمل المحاسب العمومي مسؤولية التحصيل كما هي واردة في التعداد السادس من المادة 37، فإنه في نفس الوقت مكنه من إمكانات لممارسة هذا التحصيل، بحيث إذا اعترضت سبيله في مرحلة التحصيل بالطرق الحبية عراقيل وصعوبات، فإن بمقدوره الاستعانة بوسائل التحصيل الجبري كما هي منصوص عليها في قانون مدونة التحصيل([16]).
وبهذا والمستخلص من ذلك، هو أن الرقابة الممارسة على المحاسب العمومي تنسجم وتتناغم مع الصلاحيات المسندة إليه، والإمكانات المقامة لفائدته لممارسة عمله.
ثانيا: مسطرة الرقابة المالية وإجراءاتها
تبين لنا في النقطة المتقدمة الذكر، بأن مسطرة التدقيق والبحث في حسابات المحاسب العمومي، هي مسطرة كتابية وسرية، ومن خصوصيات هذه المسطرة كونها من النظام العام، ولا غرابة في ذلك، فرقابة المال العام لا يمكن أن تتحقق إلا ضمن قواعد وإجراءات مسطرية واضحة وآمرة في نفس الوقت.
وعلى وجه العموم، فإن مسطرة التدقيق والتحقيق في حسابات المحاسب العمومي تتميز بكونها تمكن المستشار المقرر من القيام بفحص شامل لجميع العمليات التي تتعلق بتنفيذ النفقات والمداخيل([17]).
فأثناء مرحلة التدقيق يمكن للمستشار المقرر الاستعانة بمدققين، وذلك في كل الأحوال التي يرغب فيها التأكد من جاهزية الحساب للتدقيق والبحث، ولاسيما فيما يخص الجوانب الحسابية، إلا أن مشاركة المدقق من هذه الناحية لا يعني أنه يتحمل المسؤولية في كل الأحوال التي يكون فيها هذا التدقيق غير سليم، ففي المحصلة النهائية وحده المستشار المقرر من يتحمل المسؤولية عن ذلك.
وبعد أن يستوفي المستشار المقرر مراقبته للحساب من حيث الشكل فإنه ينتقل إلى مراقبته من حيث المضمون، وفي هذه الحالة أيضا يمكن للمستشار المقرر الاستعانة بمدقق، إلا أنه في هذه الحالة أيضا فإن المستشار المقرر من يتحمل وحده المسؤولية.
وطبعا فإنه مباشرة بعد الانتهاء من مسطرة التدقيق، تنطلق مرحلة أخرى وهي مرحلة التحقيق، وهذه المرحلة أشارت غليها المادة 30 من قانون رقم 99/62، واصفة إياها كالآتي: “… تكون مسطرة التحقيق كتابية، ويتحتم فيها مشاركة الأطراف المعنية بالتحقيق”. وتبدأ هذه المسطرة بجمع المعلومات أو الأدلة، وخلالها يلزم المستشار المقرر المحاسب العمومي، أو أي طرف آخر معني بالتحقيق، “بتقديم جميع التوضيحات أو التبريرات التي يراها المقرر ضرورية”.
وبطبيعة الحال فالوثائق أو التوضيحات المدلى بها، يجب أن تبقى ضمن حدود الاختصاصات المخولة للمحاسب، ومن الضروري مراعاة المساطر الخاصة، كلما تعلق الأمر بمعلومات تهم الدفاع أو الأمن([18]).
وكما ورد النص في المادة 30، فإن الطابع التشاركي لمرحلة التحقيق وتفرض على المستشار المقرر أن يبلغ المحاسب، أو الآمر بالصرف أو أي طرف آخر مسؤول بمذكرة أو وثيقة الملاحظات التي توصل إليها كنتائج التحقيق، والتي تقضي وفقا لصريح الفصل 37 من القانون رقم 79/12، إلى إعداد تقريرين؛ يتعلق الأمر بالتقرير المتعلق بالتدقيق والتحقيق في الحساب، في حين يتعلق الثاني بمراقبة التسيير. وينتهي الأمر بصدور قرار أو حكم، إذا ما تقرر مسؤولية المحاسب العمومية عن العجز الثابت في حسابه، فإن الحكم يضمن ضرورة إرجاعه المبالغ المترتبة على ذمته ما لم يقدم مبررات كتابة كافية.
المحور الثاني: الرقابة القضائية على حسابات المحاسب العمومي جوانبها الزجرية والإبرائية والمسطرية
لا يكفي إيجاد قواعد قانونية تحدد كيفية ممارسة الرقابة على حسابات المحاسب العمومي، فالرقابة في حد ذاتها، ليست هي الهدف المتوخى وإنما الحفاظ على المال العام، والاحتياط من كل تجاوز يمكن أن يمس به. لهذا فالرقابة المالية غالبا ما تكون مقرونة بجزاءات تردع المخالف وفي نفس الوقت تدفع الآخرين إلى توخي الحيطة والحذر والتعاطي مع المال العام بمنطق الحفاظ عليه وعدم المساس به. فقوة الإجراء الزجري ضمان لتحقيق هذه الأهداف، وهي بذلك أصدق ترجمة للمقولة الشهيرة التي تقول بأن “المال العام يحرق الأيادي التي تمتد إليه”([19]).
أولا: الجوانب الزجرية المستجدة بمدونة المحاكم المالية
أ: نظام الغرامات ([20])
تبنى القانون الجديد للمحاكم المالية في مادته 66، نظاما للغرامات محددا حدها الأقصى وحدها الأدنى، فأما المبلغ الأدنى للغرامة فتم تحديده في 100.00 درهم عن كل مخالفة، وأما المبلغ الأقصى فإنه لا يمكن أن يتجاوز في كل الأحوال ما يوازي الأجرة السنوية الصافية، التي كان يتقاضاها المعني بالأمر عند تاريخ ارتكاب المخالفة ([21]). وفي حالة ارتكاب مخالفات متعددة فإن مجموع مبالغ الغرامات لا يمكن أن يتجاوز أربع مرات مبلغ الأجرة السنوية السالفة الذكر.
وفي كل الأحوال التي لا يتقاضى فيها المعني بالأمر أجرة، فيجوز أن يصل مقدار الغرامة ما يعادل الأجرة السنوية الصافية لموظف بدرجة متصرف بالإدارة المركزية يستفيد من أعلى رتبة في سلم الأجور رقم 11.
وفيما يهم المحاسبين بحكم الواقع، فقد أقرت مدونة المحاكم المالية في المادة 44، على أن المحاكم المالية إضافة على تطبيق مقتضيات المادة 37، بإمكانها أن تحكم على المسير بحكم الواقع بغرامة تقدر باعتبار أهمية ومدة حيازة واستعمال الأموال والقيم، هذا بطبيعة الحال ما لم يكن المعني بالأمر محل متابعة جنائية. ويشترط في الغرامة المحكومة بها ألا تكون أعلى من مجموع المبالغ التي تمت حيازتها أو استعمالها بصفة غير قانونية([22]).
وفي كل الأحوال فإن قاضي الحسابات وهو يقدر مبلغ الغرامة غالبا ما يأخذ بعين الاعتبار النظر في مجموعة من الاعتبارات:
- خطورة الأفعال التي أقدموا عليها، ومدى مساسها بالنظام العام المالي.
- مدى ودرجة تورط الأشخاص المعنيين بالأمر.
- سلوكهم أثناء جريان أطوار المسطرة.
وبطبيعة الحال، فإن إقرار الغرامة قانونا لا يعني أن قاضي الحسابات ملزم بالأخذ بها في كل الأحوال والحالات، فهو أي قاضي الحسابات، يمكنه أن يتخلى عن تطبيق الغرامة في كل الأحوال التي يتبين له فيها بألا جدوى ولا منفعة من فرضها. وبصفة عامة فإن المحكمة تقرر عدم جدوى الحكم بالغرامة المالية في الحالات التالية:
- في حالة ما إذا كانت المبالغ المالية زهيدة.
- في حالة عدم وجود نفقات غير قانونية أو عدم تحويل المال العام.
- في حالة ما إذا كانت العمليات قصيرة في الزمن وتسويتها كانت سريعة.
- في حالة عدم وجود سوء نية أو انعدام الشرف.
- في حالة ما إذا كان محل محاكمات قوية من أجهزة قضائية أخرى.
ويميز نظام الغرامات بصفة عامة ملاحظتين: ([23])
الملاحظة الأولى: الغرامات المقررة في مدونة المحاكم المالية – بالمقارنة مع الغرامات الهزيلة التي كانت مقررة سابقا-([24])، بقدر ما ساهمت في تكريس رقابة حقيقية للمال العام فإنها تعيد لمفهوم “الزجر” أو “العقاب” قيمته وأهميته في مجال الرقابة المالية. ويبقى الأهم هو الاجتهاد في سبيل ملائمة الغرامات المحكوم بها مع خطورة المخالفة انسجاما مع مبدأ تناسب العقوبة مع الفعل المرتكب.
الملاحظة الثانية: الغرامات المطبقة على المحاسب العمومي أو المحاسب بحكم الواقع، لا تنحصر في مرحلة معينة، والتي تبدأ بمرحلة التدقيق مرورا بمرحلة التحقيق وانتهاءا بمرحلة البت والحكم. ففي كل مرحلة من المراحل المتقدمة يمكن لقاضي الحسابات أن يفرض غرامة على المحاسب العمومي المخالف للقواعد القانونية الآمرة([25]). وهكذا فعلى سبيل المثال فإن عدم تقديم المحاسب العمومي الحسابات، أو البيانات المحاسبية، أو المستندات المثبتة إلى المجلس تنفيذا لأمر الرئيس الأول، يمكن أن يؤدي إلى فرض غرامة مالية ضده حدها الأقصى 1000.00 درهم، مع إمكانية الحكم عليه بغرامة تهديدية أقصاها 500.00 عن كل شهر من التأخير (المادة 29). ويترتب الامتناع عن تقديم التبريرات أو التوضيحات المطلوبة من طرف المستشار المقرر طبقا للفقرة الرابعة من المادة 30. فرض الغرامة أو الغرامة التهديدية المنصوص عليها في المادة 29.
ب: نظام العقوبات الأخرى([26])
الغرامة المنصوص عليها في مختلف المواد الواردة في قانون رقم 99/62، المتعلقة بمدونة المحاكم المالية، لا تحجب باقي العقوبات الأخرى، فنظام العقوبات في نطاق القضاء المالي يتميز بازدواجيته، إذ بمحاذاة الغرامات يمكن لقاضي الحسابات أن يحكم بعقوبات أخرى. ولعل أهمها تلك التي تفضي إلى إلزام المسؤول برد المبالغ المعادلة للخسارة التي قد يكون الجهاز العام قد تكبدها من جراء المخالفات التي ارتكبها الخاضعون للتأديب المالي، ومنهم بطبيعة الحال المحاسب العمومي. ويمكن للمحاسب العمومي أن يخضع لباقي العقوبات المنصوص عليها في المواد 108 و 114 والمتعلقة أساسا بإتلاف المستندات المقدمة لتدعيم الحساب.
وفي هذا الإطار، يمكن أن نلاحظ بأن مدونة المحاكم المالية وهي تتحدث عن العقوبات المفروضة على المحاسبين العموميين، غالبا ما تحيل على مقتضيات القانون الجنائي بما يفيد أن المحاسبة المالية لا تشمل فقط المحاسبة بمفهومها المالي الضيق، وإنما المحاسبة الجنائية أيضا، وهكذا فإن الأفعال التي تبرر تحريك مسطرة التسيير بحكم الواقع، يمكن أن تشكل حجة انتحال الصفة المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 380 من القانون الجنائي، ويمكن كذلك أن نتابع هذا الشخص بجنح أخرى كالزور بمختلف أنواعه، وتحويل المال العام والتدخل في مهام موظف عمومي…ويبقى في كل الأحوال للنيابة العامة سلطة تكييف الجريمة المرتكبة.
ولابد من الإشارة هنا، أن العقوبات الجنائية أو مجرد تحريك الدعوى الجنائية يؤثر بشكل واضح في الجزاءات التي يتخذها قاضي الحسابات. وهكذا فإذا أثيرت الدعوى الجنائية ضد المسير بحكم الواقع بناء على تكييف جنائي لأفعاله، فإن الغرامة التي من المفروض أن تصدر في حقه من طرف قاضي الحسابات تتوقف.
ومن غير شك فإن هذا التلازم والترابط بين الدعوى الجنائية والدعوى المالية المقامة أمام قاضي الحسابات، لابد ستثير كثيرا من الإشكالات العملية. وإبرز هذه الإشكالات، هي الحالة التي تتابع فيها محكمة زجرية شخصا بتهمة انتحال صفة المحاسب العمومي، وذلك دون أن يصرح المجلس بأن هذا الشخص يكتسب صفة مسير أو محاسب بحكم الواقع([27]).
لم تتعرض مدونة المحاكم المالية لمثل هذا الإشكال، ولم تتناوله كذلك المسطرة الجنائية، باعتبار أن هذا الأخير يكتسي في المقام الأول إشكالا مسطريا، وفي كل الأحوال، فقد ذهب الأستاذ محمد براو إلى القول بأن “هناك رأيان فقهيان: رأي يقول بضرورة تصدي القضاء الزجري للنازلة بقطع النظر عن التصريح، ورأي آخر يتشبث بحق وكفاءة القضاء المالي في إدانة التسيير المحاسبي للمعني بالأمر قبل أن يتولى القاضي الزجري معاقبة الأفعال الإجرامية”.
إجمالا، فإنه من خلال قراءة مختلف المقتضيات الزجرية الواردة في مدونة المحاكم المالية، يمكن القول بأن المشرع المغربي اعتمد منطق الزجر بين عدة معايير أساسية:
الأول : المعيار الوظيفي (صفة الشخص).
الثاني : المعيار الشخصي.
الثالث : المعيار الموضوعي المرتكز على الفعل أو الواقعة.
الرابع : المعيار المزدوج الذي يستوجب المزج والمراعاة ما بين الفعل والمنسوب له بصفته أو بصفة شخصية([28]).
ثانيا: الجوانب الإجرائية والمسطرية
إن دراسة الجوانب القانونية في شقها الموضوعي أو الإجرائي، والتي تتصل بنظام الرقابة المالية، تبرز أن هذه الرقابة وبكل وضوح مطبوعة بخصائص إيجابية، تحمل على القول بأنها تزاوج بين خصائص الفعالية والدقة، وتحديد دقيق للمسؤوية، وهي ضمان لحقوق الأطراف المعنية مباشرة أو بشكل غير مباشر بموضوع هذه الرقابة.
أ: فعالية الرقابة المالية الممارسة من طرف قاضي الحسابات
إن قراءة دقيقة للمادة 37 من مدونة المحاكم المالية، والتي تشكل الإطار القانوني لمسؤولية المحاسب العمومي، فمن حيث الدقة نلاحظ أنها لم تدع مجالا كبيرا للتأويل والتفسير بخلاف ما كان عليه الأمر في المادة 38 من القانون رقم 79/12، فالمادة المذكورة تدخلت وحددت بدقة الحالات التي يكون فيها المحاسب العمومي قد أخل فعلا بواجبه في مجال الرقابة المحاسبية، أكثر من ذلك، فإن التعداد الوارد في المادة المذكورة جاء على سبيل الحصر، وهذا المعطى يحقق في الواقع إيجابيتين:
- إيجابية التوقع: وهي إيجابية تساعد المحاسب العمومي على توقع الآثار الناجمة عن الإخلالات التي قد يقع فيها، وهذا أمر لا يكرس حماية له كشخص، وإنما يساعد من حيث المبدأ على حصر المسؤوليات وضبطها.
- وضوح مجال الرقابة: وهذه إيجابية تساعد قاضي الحسابات على ضبط الحالات التي يمكن من خلالها أو أثناء تحققها المحاسب العمومي من الوقوف على عدد الأخطاء المرتكبة، وسيؤدي به إلى حصر مجال التأويل والتفسير لديه. وفي هذا الإطار فإن التحديد السالف الذكر، سينهي لا محالة مشكلة التأرجح السابق فيما يتعلق بضبط مفهوم صحة النفقات بين الفصل 11 من المرسوم الملكي رقم 330.66 ، والفصل 38 من القانون رقم 79/12 المنسوخ، والذي أدى إلى تشديد مسؤولية المحاسب العمومي من خلال تأويل واضح جدا لمفهوم صحة الدين، لم يسلم من شكاوي المحاسبين ومن تحفظات بعض المهتمين”([29]).
وعلاوة على الإيجابيتين المتقدمتين الذكر، فإنه من الأساسي التركيز هنا على أن ما ورد في المادة 37، أدى إلى ميزة أهم، وهي حصر حالات إثبات العجز في حسابات المحاسبين العموميين. فهناك حالات محددة تتعلق بالنفقات، وحالة واحدة تتعلق بالموارد، كما أنه ساهم إلى حد بعيد في تخفيف العبء على المحاسب العمومي وذلك من خلال:
- إعفائه وعدم متابعته في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في كل الأحوال التي يحكم عليه فيها بالعجز.
- إعفائه من مراقبة شرعية القرار الإداري.
الأكثر من ذلك، فإن الرقابة المالية المكرسة وفقا لقانون المحاكم المالية الجديد استطاع أن يصوب وأن يعدل بعض المقتضيات التشريعية السابقة، من خلال إعفاء المحاسب العمومي من الالتزامات التي تثقل كاهله، وتحول بينه وبين ممارسة مهامه الأصلية. ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى أمرين:
- أصبح المحاسب العمومي وفقا لنظام الرقابة المالية المؤصل تشريعيا في القانون رقم 99/62، المعتبر بمثابة مدونة المحاكم المالية، وتحديدا الفصل 37 منه، مطالبا فقط بالتأكد ومراقبة وجود التأشيرة لا غير، وهذا التوجه يؤدي إلى إلقاء كل المسؤولية على الآمر بالصرف والمراقب.
- أصبح المحاسب العمومي وفقا لنفس النظام مسؤولا باعتباره قابضا للمداخيل، على بدل المساعي وليس تحقيق نتائج. وبمعنى آخر فإن مسؤوليته تنحصر على بدل واتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى تحصيل الموارد المستحقة لفائدة خزينة الدولة.
ب : ضمان حقوق الأطراف المعنية مباشرة أو بشكل غير مباشر بموضوع هذه الرقابة([30]).
هناك عدة ضمانات تضمنتها مدونة المحاكم المالية لفائدة المحاسب العمومي توازي وتكافئ حجم الالتزامات الملقاة عليه، وتتوزع هذه الضمانات بين مختلف مواد وفصول مدونة المحاكم المالية. ويمكن إيجاز هاته الضمانات في :
- تمكين المحاسب العمومي من حقه في نظر حسابه أمام أكثر درجة من التقاضي.
فيما يتعلق بالضمانة الأولى، فإن الملاحظات المستخلصة من نتائج التحقيق، ينبغي على المستشار المقرر إبلاغها إلى المحاسب، وعند الاقتضاء إلى الآمر بالصرف أو المراقب أو أي مسؤول حسب الحالة. وبعبارة أخرى، فإن تقرير سلطات التحقيق تقابله من الواجهة الأخرى تعزيز مشاركة المحاسب العمومي من ناحية ثانية. ووفقا للمادة 31 من قانون المحاكم المالية، فإنه يتعين على المحاسب العمومي أو أي طرف آخر الإدلاء بإجاباته حول هذه الملاحظات داخل أجل شهرين.
ومن المفيد الإشارة هنا، إلى أن تبليغ الملاحظات المتقدمة الذكر مسألة تتصل بالنظام العام، ومعنى ذلك أنه لا مجال للاجتهاد في إلزامية أو عدم إلزامية هذا التبليغ، بدليل أن المشرع إبرازا لحرصه على مسألة التبليغ هذه، فإنه خول لرئيس الغرفة أو رئيس المجلس الجهوي تحديد أجل شهرين الذي ينبغي خلالهما على المحاسب العمومي تقديم ملاحظاته([31]).
وضمن نفس الإطار، وحرصا على ضمان حقوق المحاسب العمومي، بما في ذلك المحاسب بحكم الواقع، فإن من حق هؤلاء الإطلاع على جميع الوثائق المحاسبية أو غيرها التي يمكن عرضها من طرف أي محكمة أخرى، سواء كان الآمر بالصرف أو أي مسؤول مالي آخر، وكل ذلك ضمان لحقوق الدفاع التي هي جزء لا يتجزأ.
أما فيما يتعلق بالإيجابية الثانية، فإن المشرع المغربي مكن المحاسب العمومي من قراءة أكثر تمحيصا لحسابه الذي يتقدم به أمام قاضي الحسابات، بشكل يساهم في إعادة التدقيق والتحقيق في الحساب الذي يتقدم به. ضمن هذا الإطار، فإن المشرع المغربي خول للمجلس الأعلى الحسابات الاختصاص في البت في الاستئنافات الموجهة ضد قراراته الابتدائية الصادرة عن الغرف أو فروع الغرف، وكذا ضد الأحكام الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات من خلال غرفة خاصة بالاستئناف.
ويقع الاستئناف إما من طرف المحاسب العمومي شخصيا، أو من طرف ذوي حقوقه، أو بواسطة وكيل. كما تعود لوزير المالية أو الوزير المعني صلاحية إجراء هذا الاستئناف والوكيل العام للملك والخازن العام للملكة والممثلين القانونيين للأجهزة العمومية المعنية بالنسبة للمجلس الأعلى للحسابات، وللأطراف التي ورد التنصيص عليها في المادة48 بالنسبة للمجالس الجهوية للحسابات.
ومن الناحية الإجرائية فإن الاستئناف يقع بإيداع عريضة الاستئناف لدى كتابة الضبط للمجلس الأعلى للحسابات، أو لدى المجلس الجهوي داخل أجل 30 يوما الموالية لتبليغ القرار أو الحكم النهائي([32]).
وبطبيعة الحال فإن بمجرد تسجيل عريضة الاستئناف فإن الرئيس الأول يعين مستشارا مقررا مكلفا بالتحقيق، ويقع ذلك طبقا للنصوص القانونية المعمول بها في قانون المسطرة المدنية وتحديدا الفصلين 141-142.
لابد هنا من الإشارة على أن عريضة الاستئناف تبلغ إلى جميع الأطراف المعنية، وذلك بطلب من المستشار المقرر الذين لهم أن يتقدموا بمذكراتهم الجوابية وذلك داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ تبليغها، وبطبيعة الحال فإن المستشار المقرر بمقدوره أن يلزم الأطراف بتقديم جميع الملاحظات أو التبريرات أو الوثائق التي يراها مفيدة للبث في الاستئناف.
ووفقا للمقتضيات القانونية، فإن البت في الاستئناف يقع من طرف هيئة الغرف المشتركة أو غرفة الاستئناف حسب الحالة من طلب الاستئناف.
وها هنا ينبغي الإشارة، على أن الاستئناف الذي يتقدم به أحد الأطراف له أثر ناشر، فهو يعيد نشر الحكم بوقائعه والأسس القانونية المؤسسة عليه، وبصفة عامة إعادة قراءة جميع عناصر القضية من طرف محكمة الاستئناف (المجلس الأعلى للحسابات).
وإلى جانب الطعن بالاستئناف، فإن المشرع وقر للأطراف([33])، مكانة أخرى وهي ممارسة الطعن بالنقض ضد القرارات النهائية التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، ويمارس هذا الطعن داخل أجل 60 يوما الموالية لتبليغ القرار النهائي الصادر استئنافا عن المجلس.
وعموما فإن طلب النقض ينبغي أن يؤسس على أحد الأسباب التالية:
- خرق القانون.
- عدم احترام الإجراءات الشكلية.
- انعدام التعليل.
- عدم اختصاص المجلس.
فبمحاذاة طرق الطعن المتقدمة الذكر، فإن المشرع خول الأطراف حق طريق آخر من طرق الطعن ويتعلق الأمر بطلب إعادة النظر وهو طريق ممكن للمحاسب العمومي أو ذوي حقوقه، إما بصفة شخصية أو بواسطة وكيل. ويفتح أيضا هذا النوع من الطعون للوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، أو الوزير المكلف بالمالية، والوزير المعني بالأمر والخازن العام للمملكة.
وأمام المجلس الأعلى للحسابات، فإن هذا الطعن مخول لوكيل الملك ووزير الداخلية والوالي والعامل والوزير المكلف بالمالية والخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم والممثل القانوني للجماعات المحلية أو الهيئات أو المؤسسات المعنية.
كما يمكن للمحاسب أو ذوي حقوقه التقدم بطلب المراجعة أو إعادة النظر وهي تطلب ضد القرارات (أو الأحكام) النهائية الصادرة ابتدائيا، كما تطلب أيضا ضد القرارات الصادرة استئنافيا.
[1] – د.نعيم دزوري: التخطيط والرقابة في المشروع، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، جامعة حلب، سوريا 1990، ص 153-154.
[2] – إبراهيم عقاش: مسؤولية المحاسب العمومي في التشريع المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق،” كلية الحقوق عين الشق الدارالبيضاء، السنة الجامعية 2003-2004 ص 16.
[3] – أحميدوش مذني ، المحاكم المالية بالمغرب، دراسة نظرية و تطبيقية مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق،” كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الإجتماعية أكدال الرباط ، السنة الجامعية2000-2001، ص111.
[4] -المادة 27 من القانون رقم 99-62، المتعلق بمدونة المحاكم المالية، الصادر بتنفيذه الضهير الشريف رقم 1.02.124 بتاريخ 13 يونيو 2002.
[5] – أناس بن صالح الزمراني: “المالية العامة: السياسة المالية”، السنة 2000 ص: 76.
[6] -قرار المجلس الأعلى عدد 583، في الملف الإداري 752/96 بتاريخ 1988/06/04.
[7] -حكم صادر عن الغرفة الأولى بالمجلس الأعلى للحسابات بتاريخ 2002/02/06 في الملف رقم 95B//133.
-حكم صادر عن الغرفة الأولى بالمجلس الأعلى للحسابات بتاريخ 1995/06/29 من رقم 95/B/133.
[8] -قرار المجلس الأعلى 137 بتاريخ 1997/02/13 في الملف الإداري عدد 128/4/1/95.
[9] -حذفت من حالات إثبات العجز طبقا لقانون المالية لسنة 2005، راجع محمد براو: “المجلس الجهوي للحسابات”، الطبعة الأولى 2006، مطبعة طوب بريس، ص 43.
[10] -ومن القواعد التي أقرها المجلس الأعلى في هذا الشأن القاعدة التالية: “الفصل 90 من المرسوم الملكي 330/66 المتعلق بسن نظام عام للمحاسبة العمومية، ينص على أن تاريخ إصدار الأوامر بالصرف الممكن التأشير عليها برسم سنة ما يحدد في 20 دجنبر بخصوص النفقات المتعلقة بالأدوات وفي 25 دجنبر بخصوص نفقات الموظفين ويكون المحاسب الذي أشر على الأوامر بالصرف الصادرة بعد هذا التاريخ قد خرق هذا المقتضى”.
قرار المجلس الأعلى رقم: 969 الصادر بتاريخ 2002/10/10 في الملف رقم: 91/4/00 (غير منشور).
[11] -كذلك تم حذف هذا المقتضى بموجب القانون المالي لسنة 2005، كذلك راجع محمد براو: “المجالس الجهوية للحسابات”، مرجع سابق، ص 43.
[12] -محمد براو: “المجالس الجهوية للحسابات”، مطبعة توب بريس ،طبعة سنة 2004، ص 43.
[13] -driss Khoudrai (D) : « Contrôle des finances de l‘état », édition Ediprim 1967p. 194.
[14] ذ. محمد براو : “الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية”، مساهمة في التلأصيل الفقهي للرقابة القضائية على المال العام، منشورات طوب بريس، الرباط طبعة 2004. ص 104.
[15] ذ . محمد براو: “الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية”، مرجع سابق، ص 105.
[16] – راجع: الفصل الثالث من الباب الثاني من مدونة التحصيل الصادرة بتاريخ 28 صفر 1421 (فاتح يونيو 2000).
[17] – ضمن نطاق القواعد العامة قارن:
محمد المجذوبي الإدريسي: “إجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية المغربية”، الطبعة الأولى، مطبعة الكاتب العربي، دمشق 1996، ص 22 وما يليها.
[18] – محمد براو، الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية”، مرجع سابق،، ص 119.
للمقارنة يراجع:
Collin (P) : « Etendue et limites des pouvoirs de contrôle des comptables publics », la revue administrative, n° 322. P : 365.
Aussi :
Jacques Magnet : « éléments de comptabilité publique ». 5 édition. CGDJ, P : 36 et suiv.
[19] – ذ.محمد براو، الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية”، مرجع سابق،ص : 140.
[20] – بشأن التطبيقات القضائية لنظام الغرامات راجع:
– قرار المجلس الأعلى للحسابات الملف رقم : 171/96 ت. م.ش.م. (غير منشور).
– قرار المجلس الأعلى للحسابات الملف رقم: 145/96/ت.م.ش.م. (غير منشور).
– قرار المجلس الأعلى للحسابات الملف رقم: 102/96/ت .م.ش.م. (غير منشور)
– قرار المجلس الأعلى للحسابات الملف رقم: 147/96 ت.م.ش.م (غير منشور)
[21] -في نفس الاتجاه يراجع:
Mbouhou (M) : « les gestion de fait a coloration pénale » la revue du Trésor N° 8-9, Août – Septembre 2003. P : 518-524.
Dans le même sens voir :
Le Gaul (A) : « Contrôle de la gestion de fait » la revue du Trésor, Mai 2000. P : 15.
[22] -ومن تطبيقات هذا المقتضى القانوني ما أقره قرار المجلس الأعلى صادر بتاريخ 2001/10/11 تحت رقم 605 في الملف رقم 639/4/1/2001.جاء فيه “الفصل 58 من القانون رقم 79/12 يحدد الحد الأقصى الممكن الحكم به كغرامة على أساس الراتب السنوي الإجمالي للموظف العمومي وعلى أساس رقمه الاستدلالي طبقا للفصل الأول من المرسوم رقم 72/73/2 المتعلق بتحديد سلاليم الأجور المشتركة لموظفي الإدارات العمومية “(قرار غير منشور).
[23] – في هذا الاتجاه يراجع: محمد براو، المرجع سابق، ص :155.
[24] – إسماعيل بنيحى: مسؤولية المحاسب العمومي أمام المحاكم المالية في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-السويسي-الرباط، الموسم الجامعي 2006-2007 ص 66.
[25] – وهذا فيه تدعيم للرقابة المالية في مستواها الإجرائي، فالجانب الزجري هنا يلعب دور ليس فقط في تسريع وثيرة ممارسة هذه الرقابة وإنما أيضا تكريس فعاليتها في هذا المعنى يراجع:
André barilari : « Les contrôles financiers, comptables, administratifs et juridictionnels des finances publiques », L.G.D.J. p : 21 . et s.
[26] – راجع:
Moinot (P) : « La cour des comptes », édition C.N.R.S, Paris 1984.p : 123.
[27] – إسماعيل بنيحى: مسؤولية المحاسب العمومي أمام المحاكم المالية في التشريع المغربي، مرجع سابق، ص68.
[28] – الملكي الحسين: “المقتضيات الزجرية في مدونة المحاكم المالية”، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط- السويسي، السنة الجامعية 2004- 2005 ص30.
[29] – محمد براو: “الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية”، مرجع سابق ، ص 111.
[30] – قارن مع التشريعات المقارنة:
Bescos (P.2), DOBLER (P) : « Le contrôle de gestion et management », édition Monte chrestin Paris 1993. P :215.
Raynaud (J) : « Les chambres régionales des comptes », édition P.U.F. 1984. P : 106.
[31] – إسماعيل بنيحيى : “مسؤولية المحاسب العمومي أمام المحاكم المالية في التشريع المغربي ” مرجع سابق ، ص 71.
[32] – راجع: محمد براو، نفس المرجع السابق، ص : 133وما يليها.
[33] – ويتمثل هؤلاء الأطراف في:
- المحاسب العمومي أو ذوو حقوقه بصفة شخصية أو بواسطة وكيل.
- الوزير المكلف بالمالية.
- الوزير المعني بالأمر.
- الوكيل العام للملك.
- الخازن العام للمملكة.
- الممثلون القانونيون للأجهزة العمومية المعنية.