الحماية المدنية والجنائية المقررة للأشياء المحجوزة
محمد احتوش باحث في الشؤون القانونية
تعتبر مرحلة تنفيذ الأحكام القضائية أساسية في تقرير الحماية القضائية للحقوق، حيث لا يقتصر دور الجهات القضائية على إصدار الأحكام والإبقاء عليها دون تنفيذ، لأن إجراءات التنفيذ لها أهميتها في التكريس الفعلي للحقوق التي تضمنتها السندات التنفيذية من خلال تفعيل القواعد الإجرائية على السند التنفيذي، وقد حدد المشرع السبل التي تكفل للمستفيد من السند التنفيذي الحصول على حقه وفق إجراءات مرتبة زمنيا وقانونيا[1].
ويقصد بالحجز لغة المنع والحيلولة بين الشيئين[2]، ومن ذلك قوله تعالى:
“وجعل بين البحرين حاجزا”[3]، أي مانعا ولذا كان استعمال المشرع لهذا المصطلح استعمالا صحيحا قصد به منع الدائن والمدين من التصرف في المال والحيلولة دون حدوث أي تصرف عليه.
ويعد الحجز وسيلة هامة تمكن الدائن من جبر مدينه على الوفاء بالتزامه بطريقة غير مباشرة، وذلك عندما يتعلق الأمر بأداء مبلغ مالي أو يؤول إليه نتيجة عدم تنفيذ الالتزام الأصلي وتحوله إلى التزام بمبلغ مالي عن طريق التعويض، فإذا لم يبادر المدين إلى التنفيذ الاختياري فإنه يجبر على ذلك بالحجز على أمواله وبيعها بالمزاد العلني ليستوفي الدائن حقه من ثمنها إذا كان محل الحجز منقولا. وما بين مرحلة الحجز وبيع المنقول بالمزاد يتحمل حارس الأشياء المحجوزة مسؤولية عن كل إخلال بالتزاماته وتمتد هذه المسؤولية إلى الأغيار في حالة تعديهم على المنقولات المحجوزة، سواء من الناحية المدنية والجنائية على حد سواء، وهو ما سنتولى دراسته من خلال تناول الحماية المدنية المقررة للأشياء المحجوز في (المطلب الأول)، ثم إبراز مظاهر الحماية الجنائية لها في (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الحماية المدنية
خص المشرع الحارس بموجب الفصل 461[4] من ق م م، وجعل كقاعدة عامة المنفذ عليه حارسا على الحيوانات والمنقولات المحجوزة[5] إذا وافق الدائن على ذلك أو كان من شأن إتباع طريقة أخرى أن تسبب في مصاريف باهظة، أو تسليمها إلى حارس بعد إحصائها، وغالبا ما يرفض المنفذ عليه تولي حراسة الأشياء المحجوزة والتي قد تكون قيمتها زهيدة، فإن هذا الرفض لا يحول دون تعيينه حارسا عليها ما دام نقلها إلى المحجز البلدي مثلا يتطلب مصاريف لا تتناسب مع قيمتها، وأن امتناعه عن التنفيذ هو السبب في مباشرة إجراءات الحجز التنفيذي ضده فعليه أن يتحمل الآثار الناتجة عن فعله.
ويمنع على الحارس تحت طائلة استبداله والحكم عليه بتعويض عن الضرر استعمال الحيوانات والأشياء المحجوزة أو استغلالها لمصلحته ما لم يأذن له الأطراف بذلك، وهذه الخاصية هي التي تميز الحجز التنفيذي عن الحجز التحفظي[6]، فهذا الأخير لا يترتب عنه سوى غل يد المدين المحجوز عليه من التصرف في الأشياء المحجوزة تصرفا يضر بدائنيه أو كرائها[7]، أما بالنسبة للحجز التنفيذي فيمنع عليه استعمال المحجوز أو استغلاله تحت طائلة الحكم عليه بتعويض عن الضرر لفائدة الحاجز، مع إمكانية إثارة مسؤوليته الجنائية كما سنرى لاحقا.
وتفرض الحراسة على الحارس عدة التزامات[8]؛ من بينها المحافظة على الشيء المعهود له بحراسته وصيانته وإدارته في حدود التصرفات المسموح بها عن طريق بذل عناية الرجل المعتاد والمحافظة عليه[9]، ويمتد التزامه إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة عليه؛ كرفع الدعاوى الإستعجالية لدرء أي خطر يحدق بالشيء موضوع الحراسة ، بناء عليه لا يجوز له في غير أعمال الصيانة المأذون والمسموح له بها أن يتصرف في الشيء المعهود له بحراسته التي تتجاوز الحدود المذكورة إلا بموافقة الأطراف أو بترخيص من القضاء[10]، تحت طائلة الحكم عليه بأداء تعويض عن الضرر طبقا للفقرة الثانية من الفصل 461 من ق م م، تطبيقا له جاء قرار لمحكمة النقض:
“حيث إن المحكمة استبعدت إنكار الطاعن استعمال واستغلال المنقولات المحجوزة، بعلة مضمنها “أن الثابت من وثائق الملف خاصة محضر الإفراغ موضوع ملف التنفيذ ع 646/03/2 أن الطاعن عين حارسا قضائيا على المنقولات وقد صرح لدى المفوض القضائي عبد الله …في ملف عقود مختلفة عدد 145/2005 أن المنقولات المذكورة موضوع الحجز التحفظي عدد 21/04/7 باستثناء الثلاجة في ملك المطلوب في النقض، وأنه شرع في استغلالها منذ 4 مارس أي مباشرة بعدما تم إفراغ المكتري المذكور من المقهى (الباهية) إلى يوم تاريخ تحرير المحضر الاستجوابي وهو 26/01/2005″، وهي بهذه العلل غير المنتقدة وبما جاء في علل الحكم الابتدائي المؤيد من أنه في غياب ما يثبت بيع المنقولات موضوع الحجز المذكور أعلاه عن طريق المزاد العلني، واعتبارا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 461 من ق م م التي تمنع على الحارس القضائي استعمال الأشياء المحجوزة أو استغلالها لمصلحته، فإن المدعي يبقى محقا في الحصول على تعويض عن الضرر الذي لحق به”[11].
المطلب الثاني: الحماية الجنائية
فضلا عن الحماية المدنية للدائن الحاجز من تصرفات الحارس التي تمس الأشياء المحجوزة، فإن المشرع قرر حماية جنائية للمنقولات المحجوزة من خلال تجريم فعل تبديدها أو اختلاسها طبقا لمقتضيات الفصلين 524 و526 من القانون الجنائي إذا كان مرتكب الفعل هو المحجوز عليه، وميز في الفصل 524 المذكور في العقوبة بين حالتين، في الحالة التي يتلف أو يبدد عمدا الأشياء المحجوزة المملوكة له والمسلمة لغيره لحراستها حيث حدد العقوبة في الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية، وفي حالة تبديد الأشياء المحجوزة وهو الحارس عليها فإن العقوبة هي الحبس من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات وغرامة مالية.
ويثار الإشكال في الحالة التي يقوم فيها الحارس المحجوز عليه بعدم إحضار المنقولات المحجوزة في التاريخ المعين للبيع مع بقائها لديه دون أن يتلفها أو يبددها، فهل يرقى هذا السلوك إلى مرتبة الفعل الإجرامي المنصوص عليه في الفصل 524 من القانون الجنائي؟
بخصوص هذه الإشكالية هناك توجهين قضائيين، الأول يكيف هذا الفعل على أنه جرمي ويحكم بالإدانة، والثاني يعتبر الفعل الجرمي منتفي في هذه الحالة[12]، كما ذهبت إلى ذلك المحكمة الابتدائية بتزنيت في حكم لها جاء فيه:
“وحيث إن المحكمة بعد اطلاعها على الوثائق المرفقة بالملف خاصة محضري عدم تقديم محجوز المنجزين من طرف مأمور التنفيذ تحت عدد 1105/2017 بتاريخ 23/11/2018 وباقي الوثائق الأخرى والتي بمقتضاها تم تعيين المتهم حارسا للسيارة المحجوزة نوع متسوبيشي بيك أب رقم 33-أ-56339 إلى حين إجراء بيعها بالمزاد العلني، والذين أكدا عدم قيام المتهم بإحضارها أمام مقر قيادة تغيرت من أجل إجراء السمسرة العمومية عليها بمقر القيادة أعلاه رغم توصله بإشعار من أجل ذلك باعتباره حارسا قضائيا عليها. تبين لها أن الوثائق المرفقة بالملف وخاصة محضري عدم تقديم محجوز المشار إليهما أعلاه لم يرد بهما ما يفيد قيام المتهم بتبديد المحجوز المتمثل في السيارة أعلاه سواء عن طريق تفويتها للغير أو التصرف فيها بأي شكل آخر من أنواع التصرف أو إهمالها بهدف إلحاق أضرار مادية بها، خاصة وأن المتهم أكد تمهيديا أن السيارة لازالت بمرآب منزله على حالتها، والتي تم حجزها بمقتضى أمر السيد وكيل الملك ووضعها بالمحجز البلدي بمركز تغيرت وحجز وثائقها وكذا مفاتيحها كما هو مبين من خلال أمر بإيداع مستندات الإقناع المرفق بالملف تحت عدد 703/2018. وهو ما يؤكد أن السيارة موضوع الحجز لازالت موجودة على حالتها. كما أن الفصل 524 من القانون الجنائي يشترط لقيام جنحة تبديد محجوز قيام المتهم بإتلافه عمدا أو تبديده رغم كونه حارسا له. وهي العناصر غير المتوفرة في نازلة الحال، الشيء الذي يبقى معه ما نسب إليه غير قائم في حقه.
وحيث يتعين إرجاع الوثائق المحجوزة لمن له الحق فيها مقابل إشهاد”[13].
يبدو من خلال الحكم القضائي أعلاه أن المحكمة مصدرته تمسكت بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني المنصوص عليه في الفصل الثالث من القانون الجنائي، وبذلك اعتبرت أن عدم إحضار المنقول المحجوز لبيعه بالمزاد لا يشكل تبديدا أو إتلافا له[14] طبقا للفصل 524 من القانون المذكور ما دامت السيارة المحجوزة موجودة في حيازة المحجوز عليه، وبالتالي ربطت أركان جنحة تبديد محجوز[15] بالتبديد أو الإتلاف الفعلي والمادي للشيء المحجوز وليس مجرد عدم تقديمه بالتاريخ المحدد للمزاد، وهو تفسير ضيق للفصل 524 المشار إليه[16]، حيث إن التبديد أو الإتلاف يتحقق بمجرد عدم إحضار الأشياء المحجوزة في التاريخ والمكان المحدد بمحضر الحجز[17]. ولما قضت المحكمة في الحيثية الثانية بإرجاع الوثائق المحجوزة إلى من له الحق فيها فقد ضربت عرض الحائط مجهودات النيابة العامة ومأمور التنفيذ المبذولة خلال مسطرة الحجز ليتم إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، كما عرضت مصلحة طالب التنفيذ للضياع، حيث إرجاع الوثائق المحجوزة الذي قضت به المحكمة بمثابة رفع الحجز.
ومجاراة للمحكمة في توجهها هذا، فلو أعاد مأمور التنفيذ إجراءات الإشهار وتحديد تاريخ البيع وأخفى المحجوز عليه المنقولات المحجوزة مرة ثانية[18] وتابعته النيابة العامة وقضت المحكمة مرة أخرى ببراءته. فإلى متى سنضع حدا لتعنت المحجوز عليه؟ فأمام علمه اليقيني بصدور الحكم بالبراءة فأكيد ومؤكد أنه لا يتوانى في إعادة القيام بالفعل نفسه، ومن ثم فتوجه المحكمة غير سليم، فالنيابة العامة لما تابعت المتهم قد قدرت خطورة الفعل المرتكب تقديرا صحيحا. فالقانون الجنائي يعاقب على العبث بإجراءات التنفيذ القضائية[19] وليس الاعتداء على ملكية الأشياء المحجوزة، وكان على المحكمة أن تلتفت إلى مصلحة طالب التنفيذ الذي تضرر من هذا السلوك[20]. ذلك بأن المشرع قصد من النصوص الجنائية التي وضعها لعقاب مرتكب جريمة تبديد محجوز أن يجعل منها جريمة من نوع خاص قوامها الاعتداء على السلطة العامة التي أوقعت الحجز؛ قضائية كانت أو إدارية والغرض من العقاب عليها هو وجوب احترام أوامر السلطة المذكورة[21].
وعلى خلاف هذا التوجه، هناك محاكم أخرى تسير في التوجه الذي قضت به محكمة النقض في تأويل وتفسير الفصل 524 المذكور، ومنها الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بصفرو والذي قضى بالإدانة بالرغم من استيفاء الحاجز للمبالغ المحكوم بها لفائدته، وعللت قضاءها بما يأتي:
“وحيث صرح المتهم ساعة الاستماع إليه تمهيديا من طرف الضابطة القضائية في محضر قانوني أنه تم تعيينه حارسا على البقرة التي تم حجزها بين يديه لأداء ما بذمته. واعترف بالمنسوب إليه أمام المحكمة، وأضاف أنه قام بتأدية مبلغ 4820 درهم قيمة الخسائر الناتجة عن التبديد.
وحيث صرح المشتكي تمهيديا أنه توصل بمبلغ 4820 درهم كالتالي: 3670 درهم مبلغ أصل الدين مع الصائر، و 550 درهم أجر المفوض القضائي، و 600 درهم عن مبلغ تنقلات المفوض القضائي.
وحيث ينص الفصل 524/2 على أنه “… أما في حالة وضع الأشياء المحجوزة تحت حراسة مالكها، فعقوبته الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم”.
وحيث إن الاعتراف يبقى سيد الأدلة في المجال الجنائي، مما تكون معه التهمة ثابتة في حق المتهم”[22].
وذهبت بعض المحاكم إلى الحكم بالإدانة بالرغم من تنازل الحاجز واستعداد المحجوز عليه بأداء المبالغ المحكوم بها؛ إذ جاء في حكم للمحكمة الابتدائية بتاونات:
” وحيث أجاب المتهم ساعة الاستماع إليه تمهيديا من طرف الضابطة القضائية في محضر قانوني أنه قام بتبديد المحجوز المتجلي في شحنة من محصول الليمون الذي كان بحوزته وانه مستعد لأداء ما بذمته من دين والبالغ 4000 درهم لفائدة المشتكي.
وحيث إن الثابت من محضر التنفيذ عدد 106/2016 المنجز من طرف المفوض القضائي عبد العزيز … بتاريخ 13/12/2016، أنه قام بتاريخ 29/11/2016 بعملية الحجز التنفيذي على منقول تمثل في طن من “المندرين”، على أن يتم بيعه بتاريخ 13/12/2016، وأنه بحلول هذا التاريخ انتقل إلى عين المكان ولم يجد المنقول المحجوز من طرفه.
وحيث إن إنكار المتهم ما هو إلا وسيلة للتملص من المسؤولية والإفلات من العقاب تفنده اعترافاته أمام الضابطة القضائية كونه قام بتبديد محجوز الليمون الذي كان بحوزته.
وحيث إن العنصر الأساسي في جريمة تبديد محجوز هو عنصري الإتلاف والتبديد عمدا”[23].
وأكدت محكمة النقض في قرار لها بأن عدم إحضار المحجوز عليه للمنقول بتاريخ البيع يشكل ركنا ماديا لجنحة تبديد محجوز، جاء فيه:
“لكن من جهة حيث إن القرار المطعون فيه علل ما انتهى إليه من تأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من إدانة الطاعن بما يلي: “حيث أنكر المتهم المنسوب إليه في سائر أطوار القضية … وحيث إن إنكاره هذا تكذبه الظروف والملابسات المحيطة بالقضية ومحضر الحجز التنفيذي للمنقولات المؤرخ في 26/01/2004 في الملف عدد 168/03 وكذا محضر عدم إحضار المحجوز والامتناع المؤرخ في 09/02/2004 وحيث إنه بالرجوع إلى محضر الحجز التنفيذي المشار إلى مراجعه أعلاه يتبين أن السيد مأمور إجراءات التنفيذ قام بحجز بقرتين باللون الأسود والأبيض نوع محلي وستة نعاج_شياه_ وعين المتهم حارسا على ذلك وأمره بإحضارهم إلى السوق من أجل البيع … وحيث إنه بتاريخ 09/02/2004 توجه السيد مأمور إجراءات التنفيذ إلى السوق للقيام بالإجراء المذكور، لكن المتهم الحارس القانوني على المحجوز لم يحضر المحجوز للسوق قصد البيع …وحيث إن عدم إحضار المتهم المحجوز في اليوم المحدد من أجل البيع يعتبر ذلك بمثابة تبديده، كما يعبر عن سوء نيته الجرمية …وحيث إن المتهم لم يطعن في المحضرين المذكورين أعلاه بأي مطعن… وحيث إنه استنادا لما ذكر أعلاه تكون العناصر التكوينية لجريمة تبديد المحجوز متوفرة في النازلة”[24].
وتجدر الإشارة إلى أن ارتكاب المحجوز عليه لفعل التبديد يخضع لمقتضيات الفصل 524 من القانون الجنائي ولو لم يعين حارسا قضائيا، أما إذا كان الحارس مرتكب فعل التبديد غير مالك للمحجوز المبدد فإنه لا يخضع لمقتضيات الفصل 524 المذكور ولكن تطاله المقتضيات الزجرية المنظمة لجنحة خيانة الأمانة المنصوص عليها في الفصل 547 من القانون المشار إليه أعلاه[25]، تأكيدا لما ذكر قضت المحكمة الابتدائية بطنجة ببراءة حارس الشركة الذي تم تعيينه حارسا على المنقولات المحجوزة وأدانت المسير والممثل القانوني للشركة المحجوز عليها[26] لكونه هو الذي قام بفعل التبديد.
وقرر القضاء المصري بتوفر أركان جنحة تبديد محجوز، إذا بدد الحارس الأشياء المحجوزة أو أخفاها أو اختلاسها ولو كان محضر الحجز باطلا ما دام لم يصدر حكم قضائي ببطلانه معللة قرارها بأن:
“الحجز متى أوقعه موظف مختص فإنه يكون مستحقا للاحترام الذي يقتضيه القانون بنصه على معاقبة كل من يتجرأ على اختلاس أشياء محجوزة وذلك على الإطلاق ولو كان الحجز مشوبا بما يبطله ما دام لم يصدر حكم ببطلانه من جهة الاختصاص، فإذا كان المحجوز على ماله غير مدين للحاجز، فإن ذلك لا يبرر له الاعتداء على الحجز بالتصرف في المحجوزات أو العمل على عرقلة التنفيذ عليها بدلا من اتخاذ الطرق القانونية في سبيل إرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح”[27].
ولعل الاستفاضة في مناقشة هذه النقطة من الناحية الجنائية[28] له أهميته لتوحيد العمل القضائي للمحاكم والمتابعات المسطرة من طرف النيابة العامة للسير في توجه موحد وتكريس حماية جنائية لمسطرة الحجز التنفيذي، لأن الحماية المدنية وحدها غير كافية ما لم تقترن بالحماية الزجرية.
[1] مباركي توفيق ميلود: إشكالات التنفيذ في القضاء العادي على ضوء قانون الإجراءات المدنية والإدارية، مجلة القانون الجزائرية، ع الثامن س 2017، ص 349 و 350.
[2] أبي القاسم الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن، الجزء الأول، نشر مكتبة نزار مصطفى الباز، ص 143.
[3] سورة النمل الآية 61.
[4] الحراسة المنصوص عليها في هذا الفصل ذات طبيعة قانونية.
[5] يلاحظ أن المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 465 من ق م م اشترط لتعيين الحارس في حالة حجز المحاصيل والثمار التي أوشكت على النضج أن تدعو الضرورة إلى ذلك، إلا أن تعيين الحارس يشكل إجراءا ضروريا لا مناص منه لتحديد المسؤول مدنيا وجنائيا في حالة تبديد الأشياء المحجوزة، لأن عدم تعيينه يفرغ مسطرة الحجز التنفيذي من محتواها، وبالتالي يصعب تحديد الشخص الذي قام بالتبديد، لهذا يجب على المشرع أن يجعل تعيين الحارس إجراءا إلزاميا مع ترتيب جزاء البطلان في حالة مخالفة ذلك.
[6] محمد بوحزامة ويوسف بوكنفي: الحجز التحفظي على ضوء العمل القضائي المحكمة الابتدائية بتازة نموذجا، بحث نهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء، الفوج 37، س 2011/2013، ص 4.
[7] وفي حالة تبديد الأشياء المحجوزة تحفظيا يخول للحاجز المطالبة كذلك بالتعويض، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض:
“ومن جهة ثالثة فإن موضوع دعوى نازلة الحال يرمي إلى الحكم على الطالب بأدائه للمطلوبة تعويضا عن قيمة المحجوز الذي عهد إليه بحراسته فاستعمله في تشييد منزله وعملا بمقتضيات الفصول 818 و791 و793 و824 و826 من قانون الالتزامات والعقود فإن إيداع الشيء المتنازع عليه بين يدي أحد من الغير يعتبر حراسة والتي تخضع لأحكام الوديعة التي توجب على المودع عنده أن يسهر على حفظ الوديعة بنفس العناية التي يبدلها في المحافظة على أموال نفسه وإذا استعمل المودع عنده الوديعة بدون إذن من المودع فإنه يضمن هلاكها ولو حصل ذلك نتيجة قوة قاهرة أو حادث فجائي وعلى الحارس أن يرد الشيء بدون أجل لمن يعنيه من الخصوم أو القضاء ويسأل عن كل خطأ يرتكبه في إدارته وأن الثابت من وثائق الملف والقرار المطعون فيه أن أربعين ألف ياجورة محجوزة حجزا تحفظيا لفائدة المطلوبة وضعت بيد الطالب كحارس لها والذي بإقراره في محضر تفقد المحجوز المؤرخ في 30/04/2001 ملف التنفيذ عدد 85/2001 قام باستعمالها في تشييد بناء مما يكون قد أخل بما هو ملزم به قانونا ولذلك لما ثبت للمحكمة الابتدائية المؤيد حكمها بالقرار المطعون فيه قيام الطالب بتبديد المحجوز حسب الثابت من محضر تفقد المحجوز المشار إليه أعلاه بإقراره باستعماله في البناء، واعتبرت عمله هذا غير مشروع ورتبت على ذلك ما توصلت إليه من نتيجة تكون قد طبقت القانون”.
قرار ع 3418 المؤرخ في 21/12/2005 الملف المدني ع 4147/1/3/2004، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، الإصدار الرقمي ع 67 ماي 2007، ص 38.
[8] مصطفى التراب: الحراسة القضائية بين النظرية والتطبيق، مجلة الملحق القضائي، ع 17، ص 26 وما يليها.
[9] تم تعيين مالك المنزل طالب الإفراغ حارسا على المنقولات المتواجدة بمنزله بعد القيام بتنفيذ الحكم القاضي بالإفراغ، وبعد مرور مدة زمنية طويلة تضرر من عدم استغلال منزله لتواجد منقولات المكتري المنفذ ضده حكم الإفراغ، ولتفادي إثارة مسؤوليته المدنية والجنائية تقدم بطلب إلى المحكمة قصد بيع هذه المنقولات بالمزاد العلني، وتمت الاستجابة إلى طلبه، وجاء في منطوق المحكمة ما يلي:
“تأمر المحكمة بإخراج المنقولات المحددة بمضر استرجاع حيازة محل عدد ‘-مéàà’ المؤرخ في 27/04/2004 من حراسة السيد …وبيعها بالمزاد العلني وبإيداع ثمن البيع بصندوق هذه المحكمة رهن إشارة صاحب الحق فيه وشمول الحكم بالنفاذ المعجل”.
ملف ع 3012 صادر بتاريخ 23/08/2006 صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، غ م.
[10] عبد الرحيم مزور: منع الحارس القضائي من استعمال الأشياء المحجوزة أو استغلالها لمصلحته تعليق على قرار محكمة النقض، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، ع 74، ص 236 وما يليها.
[11] القرار ع 536 الصادر بتاريخ 14/04/2011 في الملف التجاري ع 1745/3/2/2010، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض ع 74، ص 232.
وكرست محكمة النقض هذا المبدأ القانوني نفسه في قرار آخر لها جاء فيه:
“حقا حيث إن صورة محضر التنفيذ المؤرخ في 29/4/2003 ملف التنفيذ عدد 46/3/02 المنجز من قبل عون التنفيذ …تضمن كون الأخير عند فتح المحل وجده مفرغا تماما من أي شخص أو منقول عدا كرسي و”سخان خاص بالماء” وحقيبة بها بعض لعب الأطفال، وسلم المحل على حالته للمطلوب في النقض وعين حارسا على ما ذكر_ أي المنقولات السالفة الذكر.
وحيث إنه والحالة هذه فإن الأمر لا يتعلق بحراسة قضائية على الشقة وإنما بحراسة على المنقولات التي حددها عون التنفيذ في إطار الإجراءات التي يقوم بها وفق ما يخوله له الفصل 456 من ق م م والمحكمة حين اعتبرت في تعليلها أن الطاعنة أفرغت من الشقة من طرف مأمور التنفيذ وسلمت للمطلوب في النقض الذي عين حارسا عليها ورفضت طلب التعويض بناء على ذلك بالرغم من عدم صدور أمر بالحراسة القضائية، تكون قد راعت أوضاعا غير قانونية في تعليل قرارها مما جعله فاسد التعليل وغير مرتكز على أساس قانوني”.
قرار ع 163/2 المؤرخ في 11/3/2014 ملف مدني ع 1991/1/2/2013، غ م.
ويستخلص من هذا القرار أن مجرد تعيين شخص حارس على منقول يجب ألا يتخلى عنه إلى بإذن من القضاء مهما كانت قيمته أو نوعه، حيث يترتب على التصرف فيه أو التخلي عنه الحكم بتعويض للطرف الحاجز أو لمالك المنقول.
[12] يستشف هذا التوجه أيضا من رصد أحد الباحثين لإشكالات التنفيذ ومن بينها إنجاز بعض المحاضر من طرف مأمور التنفيذ التي لا تفيد طالب التنفيذ، مثل محضر عدم إحضار محجوز والحال أن دوره طبقا لقانون المسطرة المدنية أن يتفقد المنقولات موضوع الحجز ويمكنه متى لم يجدها أن ينجز محضرا لتحديدها أو إتلافها حتى يتأتى لطالب التنفيذ تقديم شكاية من أجل إتلاف المحجوزات.
رشيد مشقاقة: قاضي التنفيذ، مكتبة دار السلام، ط الأولى 2000، ص 49.
وتجدر الإشارة إلى أن التسمية التي يضعها مأمور التنفيذ على محضره لا تلزم النيابة العامة ولا قضاء الحكم، فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وبالتالي فمضمون المحضر هو الذي يتم الاعتماد عليه وإخضاعه للتكييف الصحيح، لذلك يمكن أن يعنون محضر مأمور التنفيذ بمحضر عدم إحضار محجوز أو محضر إخفاء محجوز أو محضر تبديد محجوز أو محضر إخباري مع أن الوقائع واحدة ويبقى الاختلاف في تسمية المحضر فقط، ودراسة هذه الوقائع المضمنة بصلب المحضر هي التي يمكن اعتمادها في تسطير المتابعة أو تعليل الحكم بالبراءة أو الإدانة.
[13] ملف جنحي عادي ع 2826/2018 صادر بتاريخ 21/01/2019، غ م.
تعمدنا إيراد حيثيات الحكم كاملة قصد مناقشته.
وسارت المحكمة الابتدائية بالحسيمة في التوجه نفسه في حكم لها جاء فيه:
” حيث أنكر المتهم المنسوب إليه، موضحا بأنه لم يقم بتبديد المحجوز أو إخفائه وأن السيارة موضوع الحجز تتواجد بمنزله وهي رهن إشارة العدالة.
وحيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف وخاصة محضر الإفادة المنجز من طرف المفوض القضائي يتبين أن المتهم لم يكن حاضرا عند انتقال المفوض القضائي بمعية القوة العمومية إلى منزله قصد التنفيذ على سيارته موضوع الحجز، كما أنه لا دليل بالملف على قيام المتهم بتبديد السيارة المذكورة أو إتلافها سيما وأن مجرد الامتناع عن التنفيذ لا يعد تبديدا للمحجوز وفق ما يقتضيه الفصل موضوع المتابعة .
ملف جنحي عادي ع 1707/2102/2015 صادر بتاريخ 23/01/2016، غ م.
[14] يلاحظ أن المشرع في الفصل 241 من القانون الجنائي أضاف إلى أركان جريمة الاختلاس عنصر الإخفاء.
[15] عدم إدراج المشرع لعنصر الإخفاء كركن مادي لهذه الجنحة، يجعل الفصل 524 المذكور يحتمل عدة تفسيرات، لأن جودة النص القانوني لا مناص منها لوجود أمن قضائي والتقليل من تضارب آراء المحاكم، خاصة وأن القاضي الجنائي مقيد بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وقاعدة عدم التوسع في تفسير القانون الجنائي، وبالرجوع إلى التشريع المقارن، يلفى أن المشرع التونسي نظم وأحاط جنحة تبديد محجوز بنص قانوني محكم، وعاقب على مجرد المحاولة في الفصل 278 من المجلة الجنائية والذي جاء فيه:
“يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها ألف دينارا لكل من يعدم أشياء يعلم أنها معقولة أو يتلفها أو يخفيها. والمحاولة موجبة للعقاب ويضاعف العقاب إذا وقع الفعل ممن تم تعيينه حارسا للأشياء المعقولة”.
ولم يتم تدارك هذه النقطة بموجب مسودة مشروع القانون الجنائي المؤرخة في 31/03/2015، حيث احتفظت بنفس الصياغة الواردة في القانون الجنائي وتم تخفيض العقوبة.
[16] جاء في قرار لمحكمة وهي تفسر المقصود بالتبديد المنصوص عليه في الفصل 524 من القانون الجنائي، ما يلي:
“لكن حيث إن القرار المطعون أيد الحكم الابتدائي وبذلك تبنى علله وأسبابه وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد أبرز بما فيه الكفاية العناصر المادية والمعنوية المكونة للأفعال موضوع المتابعة معللا فيما انتهى إليه من إدانة وعقوبة بقوله (حيث إن الظنين عين حارسا على المنقولات موضوع الحجز من طرف العون القضائي حسب محضر الحجز التنفيذي المؤرخ في 23/10/1996 وأنه لم يقم بإحضار هذه المنقولات المحجوزة رغم إشعاره بذلك بتاريخ 2/3/1997 حسب ما يستفاد من محضر عدم إحضار المحجوز المؤرخ في 26/03/1997 وأن إنكاره يبقى مجرد محاولة للتملص من العقاب …) وبالتالي فإن رئيس البلدية المذكورة بصفته مسؤولا قانونيا عن تسييرها والممثل القانوني لها والذي تم تعيينه حارسا على المنقولات المحجوزة بصفته تلك قام بتبديدها بعدم إحضارها إلى المكان المخصص لبيعها طالما أن التبديد لا يعني حتما إبادة الشيء خاصة أمام توفر النية الإجرامية وذلك بمعرفة سابقة بأن الأشياء المحجوزة موضوعة تحت يد العدالة وان ما صدر منه يبقى مجرما بمقتضى الفصل 524 من القانون الجنائي موضوع المتابعة والذي أدين من أجله الشيء الذي جاء معه القرار مؤسسا ولم يخرق أي مقتضى قانوني”.
قرار ع 1318/2 المؤرخ في 13/10/2004 ملف جنحي ع 18687/2001، غ م.
[17] اعتبرت محكمة النقض المصرية توافر أركان جنحة تبديد محجوز متى نقل المتهم المحجوزات من المحل الذي حجزت به ولو لم يشعر بتاريخ البيع، معللة قرارها بأنه:
“من المقرر أن جريمة الاختلاس تتم إذا نقل الحارس المحجوزات من مكان الحجز بقصد عرقلة التنفيذ حتى إذا جاء المحضر يوم البيع لم يجدها فيه لما ينطوي عليه هذا الفعل من الإضرار بمصلحة الدائن الحاجز ومن مخالفة صريحة لواجب الاحترام الذي يقتضيه الحجز والسلطة التي أوقعته، وإذن فمتى كانت المحكمة قد أثبتت أن المتهم نقل المحجوزات من المحل الذي حجزت به إلى جهة يجهلها الدائن الحاجز دون أن يخطره بهذا النقل وأن هذا الإجراء قد وقع منه بسوء نية بقصد عرقلة التنفيذ وعدم تمكين الدائن من بيع المحجوزات، فإنه لا يجدي المتهم ما يثيره من جدل حول عدم وصول إخطار الدائن الحاجز له بتحديد اليوم الذي حدد أخيرا لبيع الأشياء المحجوزة، وبصدد وجود الأشياء لأن الجريمة قد تمت بالفعل بمجرد ذلك النقل وقبل اليوم المحدد للبيع أخيرا”.
الطعن رقم 79 لسنة 21 ق، جلسة 27/02/1951 مجموعة الربع قرن، ص 139.
أشار إليه، فايز السيد جاد اللمساوي وأشرف فايز اللمساوي: المشكلات القضائية والدفوع القضائية في الحجز والتبديد في ضوء أحدث أحكام النقض حتى عام 2003، ص 55 و56.
[18] في الملف التنفيذي ع 785/16 لدى المحكمة الابتدائية بكلميم، قام مأمور المحجوز عليه بإغلاق المحل التجاري الذي تتواجد فيه المنقولات المحجوزة بتاريخ البيع بالمزاد العلني وتم تحرير محضر إخفاء محجوز، تقدم طالب التنفيذ بشكاية إلى السيد وكيل الملك فتم حفظها، وتقدم مرة أخرى بطلب مواصلة التنفيذ فتم إجراء عملية الإشهار من جديد وفي تاريخ البيع أغلق المنفذ عليه المحل كما في المرة الأولى. وفي هذه الحالة على طالب التنفيذ أن يتقدم بشكاية مباشرة ضد المحجوز عليه أمام رئيس المحكمة لإنصافه وردع المشتكى به، طبقا للمادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية.
[19] قضت محكمة النقض بنقض القرار الصادر عن غرفة الجنح الإستئنافية الذي أدان الطاعن من أجل جنحة تبديد محجوز لكون المتهم عين حارسا قضائيا على محصول القطعة الأرضية المزروعة بالشعير والتي حددها الخبير حسب محضر التنفيذ المنجز من طرف مأمور التنفيذ بتاريخ 20/05/2009 ملف تنفيذي عدد 805/09 وأنه بتاريخ 2/6/2009 رجع مأمور التنفيذ لتفقد المحصول المذكور تبين له بأن هذا المحصول تم حصاده. وأقر المتهم بأنه يحتفظ بما قدره 11 قنطارا من هذا المحصول، واستنادا لما ذكر تكون التهمة المنسوبة للمتهم ثابتة في حقه، وعابت محكمة النقض على القرار المطعون عدم إبراز المحكمة أين تتجلى العناصر التكوينية لجنحة تبديد المحجوز وأين يتجلى النقص في المحصول ما دام الطاعن حصده وجمعه في 11 كيسا وما يثبت عكس ما قدمه من هذه الأكياس حتى يكون هناك تبديد.
قرار ع 614/3 المؤرخ في 30/05/2012 ملف جنحي عادي رقم 4َ340/6/3/2012، غ م.
ونؤيد توجه محكمة النقض أعلاه، لأن الفعل الذي أقدم عليه الحارس هو من باب الالتزامات الملقاة على عاتقه إذ يلتزم بالحفاظ على الأشياء المحجوزة من تعرضها لأي تلف وقيامه بحصاد المنتوج وجمع غلته في أكياس يشكل تصرف الشخص الحريص على مهمته، كما أن مسؤوليته المدنية والجنائية ستثار لو لم يقم بالفعل المذكور والمتمثل في المحافظة على الأشياء المحجوزة.
[20] في نازلة مماثلة أيدت محكمة النقض الحكم القضائي القاضي بالإدانة وجاء في حيثياته:
“وحيث إنه طبقا للفصل 524 من القانون الجنائي فإن المحجوز عليه الذي يعمد إلى إخفاء أو عدم تقديم الأشياء المحجوزة الموضوعة تحت حراسته طبقا لمحضر الحجز يعتبر فعله هذا تبديدا لمحجوز. ومحكمة الموضوع ثبت لها أن الشاحنة المملوكة للطاعن كانت محجوزة ووضعت تحت حراسته إلى حين حلول أجل بيعها وأنه رفض تقديمها في الأجل المحدد ورفض بيعها باعترافه قضائيا وهو ما اعتبرته تبديدا لمحجوز. وبذلك فإن العناصر التكوينية للجنحة المذكورة متوفرة في النازلة طبقا للفصل المذكور”.
قرار ع 415/3 المؤرخ في 04/03/2009 ملف جنحي ع 24735/6/3/08، غ م.
[21] إن أرادة المشرع منصرفة لذلك، من خلال عقاب زوج وأصل وفرع المحجوز عليه في حالة مساعدتهم في التبديد أو الإتلاف أو مجرد المحاولة وذلك استثناء من أغلب الحالات التي بعفي فيها المشرع زوج أو فروع المتهم من العقاب؛ كالفصول 534 و535 و295 و218.6 و297 من القانون الجنائي.
والملاحظ كذلك أن المشرع جرم الإخفاء في جريمة تبديد محجوز بنص خاص، استثناء من الجنحة المنصوص عليها في الفصل 571 من القانون المذكور كنص عام، الذي يعاقب بدوره الشخص الذي يخفي الأشياء المبددة، وفي الفصل 574 من القانون نفسه أعفى المتهم من العقاب إذا كانت الأشياء المخفاة في ملكية زوجه أو فروعه، على خلاف الفصل 526 من القانون الجنائي لم يعف زوج أو أصل أو فرع المحجوز عليه من العقاب، وهو ما يؤكد خطورة هذه الجريمة ومساسها بقدسية الأحكام القضائية وتنفيذها.
[22] ملف جنحي ع 2051/2102/2018 صادر بتاريخ 31/01/2019، غ م.
وقضت المحكمة نفسها في حكم لها بالإدانة بالرغم من تأدية المحجوز عليه للمبالغ محل الحجز، جاء فيه:
“حيث إن المتهم صرح تمهيديا أنه تم تعيينه حارسا على ثلاث بقرات التي تعود ملكيتها لشقيق زوجته وليس له، وأضاف أنه قام بتأدية مبلغ …قيمة الخسائر الناتجة عن التبديد.
وحيث إنه ولئن أنكر المتهم هذه التهمة في جميع مراحل الدعوى فإنه بتفحص المحكمة لوثائق الملف تبين أن مأمور التنفيذ حرر في حقه محضر إخفاء محجوز بتاريخ 26/10/2018 عندما تفقد البقرات المحجوزة بقصد بيعها بالسوق الأسبوعي لخميس توجطات ولم تجدها مما تكون معه التهمة أعلاه ثابتة في حقه”.
ملف جنحي ع 1850/2102/2018 صادر بتاريخ 13/12/2018، غ م.
[23] ملف جنحي ع 11/2018 صادر بتاريخ 02/05/2018 عن المحكمة الابتدائية بتاونات مركز القاضي المقيم بقرية أبامحمد، غ م.
[24] قرار ع 467/8 المؤرخ في 17/06/2010 ملف جنحي ع 17844/6/5/08، غ م.
[25] يلاحظ أن المشرع جعل من صفة الحارس ظرف تشديد العقوبة في الفصل 549 من القانون الجنائي.
أدانت المحكمة الابتدائية بالجديدة زوجة المحجوز عليه التي عينت حارسة على سيارة زوجها المنفذ عليه، حيث بحلول تاريخ البيع تبين لمأمور التنفيذ أن السيارة غير موجودة لدى الحارسة وتابعتها النيابة العامة بالمشاركة في تبديد محجوز طبقا للفصلين 129 و524 من القانون الجنائي وتمت إدانتها وفقا لفصول المتابعة.
ملف جنحي عادي ع 9319/17 صادر بتاريخ 14/03/2018.
[26] وعللت حكمها بما يلي:
“بالنسبة للمتهم الأول حيث انه وبالنظر لكونه يعد حارسا غير مالك للمحجوز المبدد فإن وضعيته هاته غير مجرمة بمقتضى الفصل 524 المذكور وبالتالي فلا يسع المحكمة إلا التصريح ببراءته.
بالنسبة للمتهم الثاني حيث أنكر الأفعال المنسوبة إليه في كل مراحل القضية موضحا انه لم يسبق له أن كلف بان يكون حارسا على الآلات والمعدات المحجوزة ولم يسبق له التوقيع على أية وثيقة في هذا الصدد وأنها سلمت بحضوره إلى شركة ماكوغال المكرية استنادا على حكم قضائي.
وحيث إن المتهم بصفته المسير والممثل القانوني للشركة المحجوز عليها فإنه يأخذ حكم المالك بالنسبة لكل موجوداتها وبالتالي فان قيامه وعن علم بتسليم الأشياء المحجوزة إلى شركة أخرى -بدعوى أنها مكرية لها وبيدها حكما قضائيا باسترجاعها لم يكن محل أي طعن -هو عين التواطئ والتبديد مادام انه لم يشعر لا الأطراف الحاجزة بهذا التنفيذ ولا المفوض القضائي بواقعة الحجز حتى يتمكن هذا الأخير من إثارة صعوبة في التنفيذ وتضطر الجهة المكرية إلى سلوك المسطرة القانونية الصحيحة والحضورية لكل الأطراف لتستحق تلك المعدات”.
ملف جنحي عادي 2709/13/2103 صادر بتاريخ 22/01/2015، غ م.
[27] الطعن رقم 721 لسنة 11ق_ جلسة 17/02/1941 مجموعة الربع قرن، ص 134.
أشار إليه فايز السيد جاد اللمساوي وأشرف فايز اللمساوي، م س، ص 94.
[28] نص المشرع في مسودة مشروع ق م م على أن الحارس يوقع محضر الحجز وإلا ذكرت الأسباب المانعة من ذلك وتسلم إليه صورة منه، وعلى المكلف بالتنفيذ أن يوضح له المسؤولية الملقاة على عاتقه وينبهه إلى أن كل إتلاف أو اختلاس أو إخفاء أو تبديد للأشياء المحجوزة أو الامتناع عن تسليمها يستتبع المسؤولية المدنية والجنائية.
ويستشف من صياغة هذه المادة أن المشرع ألقى على عاتق مأمور التنفيذ التزام بإعلام الحارس بالمسؤولية المدنية والجنائية التي تترتب عن إخلاله بالواجبات المفروضة عليه، والمتمثلة في المحافظة على الأشياء المحجوزة وتقديمها بتاريخ البيع، ويشكل هذا الإعلام ضمانة للحارس لأنه غالبا ما يجهل الآثار المترتبة عن إخلاله بالالتزامات المفروضة عليه.