موقع الفرق البرلمانية من التشريع الموازي في الممارسة النيابية المغربية”قراءة تحليلية للجنة العرائض بمجلس النواب”
عمر سعدي
طالب باحث
بسلك الدكتوراه في القانون العام
جامعة القاضي عياض
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ مراكش ـ
يتطلب قيام البرلمانات كمؤسسات سياسية، لاستيعاب النشاط السياسي للقوى الاجتماعية والتعبير عن رؤاها وتحقيقها في مجال الفعل السياسي العام، وجود تكتلات نيابية منسجمة داخلها، تعبر عن فكرة المشاركة و التمثيلية السياسيتين، وأيضا كإطارات امتدادية وتنظيمية من داخل الحقل السياسي بغية تمثّل وتفعيل الوظائف المرتبطة بالعمل النيابي في شموليته.
من هذه الزاوية، تعدّ الفرق النيابية باعتبارها بنيات تنظيمية وبشرية من أهم أجهزة المؤسسة النيابية، بل أكثرها تأثيرا على الدوائر القرارية للبرلمان، هذه المكانة التي تحتلها تستند إلى المرجعية الدستورية[1] والقانونية[2]، خاصة وأن هذه المرجعية تعد مفتاحا لكل فعل وعمل مؤسساتي، فالمغرب منذ تبنيه أول القوانين الداخلية للبرلمان في سنة 1963، أصبح الفريق النيابي يشكل منذ ظهوره بنية برلمانية أساسية، وأصبح من غير الممكن اختفاؤها عقب البرلمانات المتتالية.
وإذا كانت الفرق البرلمانية هي بمثابة تقليد مؤسساتي، قاد منتخبي الأمة إلى التكتل في فضاء البرلمانات وفقا للتوجهات السياسية المتقاربة، في نوع من احترام مبدأ الإستقلال التام للتمثيلية، الأمر الذي جعل منها أجهزة تنظيمية مستقلة، يناط بها ترتيب العمل البرلماني، ومدخلاَ أساسياَ لفهم الجانب المتعلق بالوظائف، فإن المكانة التي تحتلها تبرز من خلال التأثير الذي تُحدته على السير العادي للمؤسسة النيابية نفسها، حيث تفترض الهندسة الدستورية من زاوية الإختصاص الوظيفي المسند للبرلمان، أن الفرق تلعب دورا كبيرا كمنتج أساسي لوظيفة التشريع، ومجالا تظهر فيه مدى قدرتها على إعطاء فعالية حقيقية لهذا الجانب من العمل النيابي، وذلك عملا بمقتضيات الفصل 70من دستور2011، والذي نص على أن “السلطة التشريعية يمارسها البرلمان”، هذه السلطة تنتظم في شكل مبادرات فردية أو جماعية، رغم أن كثيرا من الحقوق المرتبطة بالعمل التشريعي لها طابع شخصي، يمارسها النائب بصفته ممثلا للأمة، إلا أنها في العديد من الأحيان، تنتظم وتتحرك وفق توجهات الفرق النيابية، وبحسب الإصطفاف السياسي لهذه الأخيرة بين مكونات الأغلبية والمعارضة، هذا الدور التشريعي للفرق النيابية، عادة ما يتبلور من خلال تحديد نِطاقه انطلاقا من مجال القانون وعبر إعمال قواعد المسطرة التشريعية.
لقد أفضى الواقع التشريعي الذي تتسم به المؤسسة البرلمانية المغربية إلى وجود اختلال في التكافؤ العام في مجال التشريع، حيث “تستحوذ الحكومة على %90 من المجال التشريعي، في مقابل %10 لفائدة البرلمان”[3]، هذا الواقع التشريعي أدخل الديمقراطية التمثيلية في أزمة حقيقية عن طريق إفراغ مبدأ فصل السلطات من مضامينه الحقيقية، وبالتالي؛ عمّق الفجوة بين البرلمان والمجتمع المدني، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول إلى الأخذ بالديمقراطية التشاركية أو شبه تمثيلية، وذلك بإشراك المواطنين والمواطنات في مجال المبادرة التشريعية، عن طريق حق التقدم بالعرائض والملتمسات.
وقد نص المشرع الدستوري لسنة 2011 لأول مرة في الفصل 14 منه، بأحقية تقديم ملتمسات من طرف المواطنين والمواطنات في مجال التشريع، وهو ما يجعل من هذا الفصل أقوى مقتضى يهم الديمقراطية التشاركية[4]، وذلك ضمن الشروط والكيفية التي حدّدها القانون التنظيمي رقم 64.14، والذي اشتمل على خمسة أبواب، و13 مادة[5].
وإذا كان حق اقتراح القوانين موزع بين أعضاء البرلمان بمجلسيه، ورئيس الحكومة، ورئيس الدولة في معظم الدساتير المقارنة، إلا أن المبادرة بالتشريع من طرف المواطنات والمواطنين، هي شكل آخر غير”مشروع” أو “مقترح” قانون الذي يمارَس عن طريق إعمال الحق في تقديم العرائض، للضغط على البرلمان أو الحكومة من أجل إقرار حق أو تعديل قوانين خاصة، أمام الهيمنة المطلقة للحكومة على المبادرة التشريعية، مقارنة مع المبادرة البرلمانية[6].
أمام هذا الوضع؛ ثم استحداث لجنة العرائض لدى مكتبي مجلسي البرلمان المغربي، حيث كان مجلس النواب سباقا إلى ملائمة نظامه الداخلي[7]، فيما يخص تحديد بنية وطبيعة عمل هذهاللجنة خلال الولاية التشريعية العاشرة 2016ـ2021، بناء على مقتضيات المادة 12 و الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون التنظيمي رقم 14.044 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، ووفقا لمواد النظام الداخلي بمجلس النواب[8]، فالعلاقة القائمة بين هذه اللجنة والفرق البرلمانية تتحدد في مجموعة من الجوانب نجملها في الآتي:
ـ من حيث التأليف، تتشكل لجنة العرائض لدى المكتب المجلس مناصفة من أربعة أعضاء، عضوان ينتميان إلى الأغلبية، وعضوان من المعارضة، يعينهم رئيس المجلس بعد استشارة الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية.
ـ من حيث الإختصاصات، تمارس هذه اللجنة اختصاصاتها وفقا للمادة 13 من القانون التنظيمي رقم 044.14 بحيث؛ تتحقق من استيفاء العريضة للشروط المنصوص عليها في المادتين 3 و6 من القانون التنظيمي السالف الذكر، ومن تقيُّدها بأحكام المادة 4 منه، كما أنها تبدي برأيها بشأن العرائض المقبولة، وتقترح كل إجراء وتدبير تراه مناسبا من أجل التفاعل الإيجابي مع المطالب أو المقترحات أو التوصيات التي تتضمنها في حدود صلاحيات المجلس واختصاصاته الدستورية.
ـ من حيث سلطة البت والآجال، يلاحظ أن القيمة القانونية لهذه العرائض، تُحتم على رئيس المجلس فور التوصل بها بأحد أشكال التبليغ القانوني، إحالتها على لجنة العرائض المحدثة لدى المجلس داخل أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ الإيداع أو التوصل، كما أن على اللجنة التقيد بآجال البت والمحددة في 30 يوما من تاريخ إحالة العريضة إليها، وكل رفض من قبل مكتب المجلس، يبلغ بقرار معلل من قبل رئيس المجلس إلى وكيل لجنة تقديم العرائض داخل أجل لا يتعدى 30 يوما ابتداء من تاريخ توصل المكتب برأي لجنة العرائض.
على مستوى الممارسة، وخلال الولاية التشريعية العاشرة، تم تقديم أول عريضة إلى مجلس النواب، تهدف إلى تعديل مقتضيات القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية و التكوين، وقد سبق لمكتب المجلس أن رفضها بعلة مخالفة الشكل، نظير عدم تقيّدها بمضامين القانون التنظيمي رقم 14.044، ويذكر أن لجنة العرائض قد تشكلت بمجلس النواب من الفرق النيابية التالية:
- النائب رشيد العبدي : فريق الأصالة والمعاصرة، عضوا و رئيسا للجنة؛
- ü النائب عبد اللطيف بن يعقوب : فريق العدالة والتنمية؛
- النائب عمر عباسي : الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية؛
- النائب محمد أمغار : فريق التجمع الدستوري الموحد.
ويتضح من خلال عمل هذه اللجنة أن العلاقة بين المجتمع المدني والمؤسسة البرلمانية كما حددها الدستور المغربي في فصله 14، هي علاقة تكاملية من حيث تبيئة الصِيَغ القانونية في إمكانية المساهمة في العمل التشريعي، عبر تقنية حق التقدم بملتمس في مجال التشريع، غير أن هذا التنصيص خلق معه تنازعا على مستوى الإختصاص، ونوعا من التحجيم في دور الفرق النيابية على المستوى الوظيفة التشريعية الأصلية، علما أن القانون التنظيمي رقم 64.14 وضع شروط تعجيزية في إعمال هذا الحق، حيث تطرح هذه الآلية بعض الإشكالات نوردها كالآتي:
- يثار مبدأ تنازع الإختصاص من حيث الصفة التمثيلية التي تتمتع بها الفرق النيابية، باعتبارها التجسيد الفعلي للنيابة عن الأمة من خلال كل نائب مُشكَل منها، وفي طبيعة الإختصاصات التشريعية الموكولة لها في هذا الجانب، فإجازة المشرع الدستوري الحق في التقدم بملتمس في مجال التشريع من طرف المواطنين والمواطنات، يعنى القيام بوظيفة تشريعية أصلية، هي من صميم الإختصاص البرلماني، والحال هنا؛ أن الأمة تمارس السيادة بشكل غير مباشر بواسطة ممثليها، أي أن الأمر يتعلق بالانتخابات المحددة للتمثيلية، بحيث نجد الفرق النيابية هنا كنتاج لهذه التمثيلية، وهو ما يحتِّم عليها تمثّل وتفعيل الوظائف المرتبطة بها، بما فيها الوظيفة التشريعية.
- إذا كان المجتمع المدني هو القاعدة المرجعية للفرق النيابية من حيث القوة الاقتراحية والمرجع “الإيحائي للتشريع”[9]، فإن ذلك يعني أنه شريك رسمي من حيث كونه مصدرا للمبادرة التشريعية، فتجاوز هذا الأخير لآليات الوساطة التمثيلية، ونزوعه نحو الفعل التشريعي المباشر، يجد تفسيره إلى فقدان الأحزاب والهيئات السياسية لصفة الوساطة والتمثيل السياسيين، مادامت واجهتها البرلمانية هي الفرق والمجموعات النيابية، وبذلك فالتقدم بملتمسات في مجال التشريع من طرف المواطنين والمواطنات يعكس بنية التحول في الحقل السياسي من جهة، كما يؤسس لمبدأ المساواة والتفاعل المباشر بين الدولة والمجتمع من جهة ثانية، دون أن تبقى الوظيفة التشريعية حبيسة المصدر التنفيذي أو البرلماني.
- رغم التنصيص الدستوري على الحق التقدم بملتمسات في مجال التشريع من قبل المواطنين والمواطنات، إلاّ أن القانون التنظيمي رقم 64.14 أفرغ هذه المبادرة من محتواها، بالنظر إلى الشروط التعجيزية التي فرضها حتى تكون هذه المبادرة ممكنة ومقبولة[10]، وهو ما يجعل من هذه الملتمسات في اعتقادنا تعدّ من الطلبات العارضة لا أكثر.
- على مستوى الممارسة العملية في تقديم العرائض باعتبارها تدخل في صميم فكرة وثقافة المواطنة، وأيضا في التشجيع على الإهتمام والإنخراط بالشأن العام، يلاحظ على أنها تتيح للمجتمع من أن يفرض مناقشة جدول أعماله على المؤسسات الدستورية من خارج المواضيع التي تطرحها الطبقة السياسية، وهو ما يحتِّم في اعتقادنا الخروج بها من الدائرة النّصية المغلقة على مستوى التقعيد القانوني إلى الدائر الموسّعة المفتوحة مع ما يحمله هذا المقتضى من مفاهيم إجرائية فعلية، مادام الإيحاء التشريعي مصدره المجتمع ومن صلب بما تفرضه الحياة اليومية من متلازمات آنية فرضتها المصلحة العامة، مادامت العرائض تفتح الحيز العام لتأثير مختلف هيئات المجتمع وتضع السلطة في مواجهة مع الرأي العام.
1ـ ينظر الفصول التالية من دستور 2011 ( 10 ـ 60 ـ 61 ـ 63 ـ 69)
ـ النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر بتاريخ 8 غشت 2017 المواد (58-59-60-61-62-63-64-65).
– النظام الداخلي لمجلس المستشارين الصادر بتاريخ 27 أكتوبر 2015 المواد (46-47-48-49-50-51).
[3] – مصطفى بن الشريف : “التشريع ونظم الرقابة على دستورية القوانين”، منشورات الزمن، العدد1، سبتمبر2015، مطبعة بني ازناسن -سلا- المغرب، ص65.
[4]– El Yaagoubi Mohamed : « La nation constitutionnelle de gestion démocratique des collectivités locales à la lumière des des idées d’élection et de représentation, en réflexions sur la démocratie locale au Maroc », Almaarif Aljadida, Rabat, 2007, p :53 .
[5] – الظهير الشريف رقم 1.16.108 صادر في 23 من شوال1437(28يوليو2016) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 64.14 بتحديد شروط و كيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع. الجريدة الرسمية، عدد649214 ذو القعدة 1437 (18أإسطس2016)، ص6077.
[6] – “التشريع ونظم الرقابة على دستورية القوانين”، مرجع سابق، ص71.
[7] ـ ينظر؛ محضر الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ الثلاثاء 8 غشت 2017 بمجلس النواب.
[8] ـ ينظر؛ النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر بتاريخ 8 غشت 2017 المواد من (المادة311 إلى المادة 317).
[9]– محمد بوعزيز : “القانون البرلماني المغربي” مطبعة فضالة، الطبعة الأولى 2006، ص30.
[10] – هذه المبالغة تكمن في سقف التوقيعات المطلوبة لتحريكها(25 ألف توقيعا)، أو حصره لطبيعة المخولين لتقديمها (أن يكونوا مقيدين في اللوائح الانتخابية)، أو استثنائه لبعض المجالات التي لا ينبغي أن تكون موضوعا لها.