مظاهر الثورة في تعديل القانون المدني الفرنسي.
محمد الطيبي
طالب باحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس الرباط
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي.
بتاريخ 10 فبراير 2016 صدر المرسوم رقم 131-2016 [1] والمتعلق بتعديل مدونة نابليون (قانون العقود والأحكام العامة للالتزامات والإثبات في فرنسا)، وذلك بعد صمود دام أكثر من قرنين من الزمان، ظلت فيه هذه المدونة العجوز شامخة منذ سنة 1804، حيث عرفت العديد من التعديلات التي كانت قاصرة عن المس بمادة الالتزامات، لاسيما العقود والمسؤولية، ولعب الاجتهاد القضائي دورا محوريا في الإبقاء على هذا القانون حيا لمواجهة مستجدات العصر.
وإذا كان هذا المرسوم دخل حيز التنفيذ بتاريخ 01 أكتوبر 2016 وذلك بعد نشره بالجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية عدد 0035 بتاريخ 11/02/2016، وتمت المصادقة عليه بمقتضى القانون رقم 287/2018 الصادر بتاريخ 20/04/2018[2] فإنه تضمن ثورة كبيرة [3] في العديد من مقتضياته القانونية والتي شكلت بالفعل منعطفا حاسما في تاريخ التقنين المدني الفرنسي، وهو ما يتجلى في مختلف مظاهر التجديد والتحديث التي طالت الكثير من المفاهيم التقليدية الراسخة في القانون المدني الفرنسي.
فإلى أي حد استطاع المشرع الفرنسي من خلال التعديل الجديد تجاوز الثغرات القانونية التي كانت تشوب مدونة نابليون لسنة 1804 وما مدى قدرة الأهداف المرسومة من خلال هذا التعديل على مواكبة مجمل التطورات المعاصرة وتعزيز جاذبية وتنافسية قانون العقود الفرنسي؟
أمام هذه الإشكالية المركزية يحق لنا وضع مجموعة من التساؤلات.
فهل يعكس هذا القانون الجديد التوجهات التحررية الرامية لتخليص النظرية العامة للعقد من القيود التي تعطل الاستثمارات والعراقيل التي تشكل عائقا أمام رفع معدل النمو وتطوير الاقتصاد الفرنسي؟
ولعل التساؤل الذي لا يمكن أن نتغافل عنه هو حدود إمكانية اعتبار القانون المدني الفرنسي نقطة انطلاق للقيام بتعديلات تشريعية في البلدان العربية التي تذهب في نفس المنحى ومنها المغرب وتونس وموريتانيا.
هل هذا الإصلاح مبني على نظرة متكاملة مستقبلية لنظرية العقد أم أنه مبني على مزج براغماتي فقط يجمع بين الكفاية الذاتية والحماية والفعالية ويهدف إلى تعزيز تنافسية هذا القانون؟
هل الإصلاحات التشريعية الفرنسية الجديدة احتفظت بالصبغة اللاتينية للقانون الفرنسي أم حاولت إصدار تقنين عصري قادر على منافسة القوانين الأوربية الأخرى؟
للإجابة عن هذه الإشكالية والتساؤلات الفرعية سنعمل على دراسة هذا الموضوع وفق التقسيم التالي:
المبحث الأول: السياقات الكبرى لتعديل القانون المدني الفرنسي.
المبحث الثاني: مظاهر الثورة في مرسوم تعديل القانون المدني الفرنسي.
المبحث الأول: السياقات الكبرى لتعديل القانون المدني الفرنسي.
يعتبر تعديل القانون المدني الفرنسي الصادر في سنة 1804 والمسمى بتقنين نابليون (code napoléon) حدثا تاريخيا كبيرا في مسار التشريع الفرنسي، وذلك ليس فقط بالنظر إلى التغيرات الجوهرية التي جاء بها هذا التعديل، وإنما كذلك بالنظر للطريقة التي تم اتباعها في تعديل رمز قانوني عمر أزيد من 210 سنة[4].
وقبل التطرق لأهم المحطات الكبرى التي ساهمت في خروج هذا التعديل إلى حيز الوجود (المطلب الثاني) كان لابد من التطرق لمكانة تقنين نابليون في تنظيم العلاقات المدنية في فرنسا (المطلب الأول).
المطلب الأول: مكانة تقنين نابليون في تنظيم العلاقات المدنية في فرنسا.
لقد كان إصدار تقنين مدني جامع وموحد محل رغبات شعبية قديمة في فرنسا، فقد كان الشعب الفرنسي لا يثق بقضائه ولا برجال القانون القديم إجمالا، وكان يتوق إلى قانون مكتوب واضح وبسيط، حتى يتخلص من تطبيق الأعراف المتعددة، وبالرغم من المحاولات المتعددة والمتكررة لتحقيق طموحات الشعب الفرنسي وتدوين الأعراف القانونية، إلا أنها باءت بالفشل، وبعد قيام الثورة الفرنسية[5] وإعلان المساواة أصبح إصدار قانون مدني موحد لجميع المواطنين أمرا طبيعيا وملحا، وهو الأمر الذي حدث بفضل نابليون بونبارت مستمدا نصوصه من مجموعة من المصادر التي ضمنت له العديد من المميزات وهو ما سنحاول التطرق له في (الفقرة الأولى )، وأفردت له مجموعة من الخصائص إلا أن تطورات الحياة أفرزت العديد من العيوب التي كشفت عن قصوره في مواكبة مختلف المستجدات المدنية التي عرفتها حياة الفرنسيين وهو ما سنحاول معالجته في( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مصادر ومميزات تقنين نابليون.
لقد تميز تقنين نابليون بتنوع المصادر التي استقى منها أحكامه (أولا) هذا بالإضافة إلى مجموعة من المميزات التي كان يتصف بها (ثانيا).
أولا: تنوع المصادر في تقنين نابليون.
من المعلوم أن تقنين نابليون المتميز بعراقته التاريخية يتضمن مجموعة من المواد القانونية التي صدرت في فرنسا في 21 مارس 1804، والتي جاءت بصورة متتابعة ومتسلسلة لتحكم العلاقات المدنية في فرنسا لاسيما تلك التي تدخل في مجال الأحوال العينية وكذلك الأحوال الشخصية مثل ( الزواج والطلاق والميراث والنسب …)، وقد اعتبر تقنين نابليون نافذ المفعول في الأول من يناير من عام 1805 والذي كان يحمل عنوان القانون المدني للفرنسيين [6] في بادئ الأمر، إلا أنه في أيلول من عام 1807 أطلق عليه قانون أو تقنين نابليون عرفانا بفضل نابليون بونابرت في العمل على إصداره.[7]
وكان لصدور هذا القانون أصداء كبيرة في أوروبا لعظمة شأنه كما أنه عتبر حدثا فريدا من نوعه في التاريخ الحديث فلم يسجل التاريخ حدثا من هذا النوع خلال قانون حمورابي[8] الذي كان أول تقنين عرفته البشرية.
ومن المعلوم أن تقنين نابليون استمد نصوصه من القانون الروماني[9] ومن الأعراف (القانون الفرنسي القديم)، وقد تشبع هذا القانون بأفكار الثورة الفرنسية عبر تبنيه لمبدأ الفردية والعلمانية، فالقانون المدني انفصل عن الكنيسة في أمور مهمة كانت إلى عهد قريب محكومة من قبلها كمؤسسة الزواج. كما أقر القانون المدني مبدأ المساواة والحرية الفردية كما تبنى مبدأ سلطان الإرادة في العقود والتصرفات القانونية والذي يعد أحد أسس القانون المدني.
ومن المؤكد أن هذا القانون اقتبس من الفقه المالكي[10]عدة أحكام وهي أحكام ليس لها أثر في القانون الروماني، بل إن بعض الباحثين[11] ذهب إلى القول أن 9 من 10 من القانون الفرنسي اقتبست من الفقه المالكي ليس فقط سنة 1804 بمناسبة تحرير المجلة المدنية الفرنسية بل منذ سنة 200 هـ عندما كانت الحضارة الإسلامية مزدهرة بالأندلس ووصلت إلى حد جنوب فرنسا وزار الأوربيون الأندلس واقتبسوا من تطبيقاتها.
ثانيا: مميزات تقنين نابليون.
لقد سجل تقنين نابليون نجاحا باهرا في فرنسا كما شهد انتشارا واسعا وذلك بفعل مميزاته التي ضمنت له انتشارا واسعا في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية والمشرق العربي ويمكن إجمالها في:
- تضمنه لجميع الحلول لمشاكل الفرنسيين وتوافقه مع حياتهم، إذ وصلت درجة إعجابهم به إلى حد التقديس فأطلق عليه ” إنجيل الثورة” بل كان يوصف بكونه يعد «دستور المجتمع المدني الفرنسي»[12].
- سرعة الانتشار: إذ يبقى التقنين المدني الفرنسي من الأعمال التاريخية المجيدة ويقول عنه Thiers بأنه “قانون العالم المتحدث”، وكان من الطبيعي أن يمتد أثره إلى خارج فرنسا وكما يقول العميد joneraud “لقد تألق تقنيننا المدني خارج حدودنا” حيث سرعان ما انتشر أثر التقنين في أوروبا باستثناء بريطانيا، – إذ بدأ نابليون بتطبيق تقنينه في كل بلد كان يحتله، وهكذا طبق التقنين المدني في كل من بلجيكا وروسيا وإيطاليا مند سنة 1806 ثم في هولندا عام 1810، واعتمدته رومانيا في عام 1868، واستلهمته البرتغال في سنة1867، واسبانيا في 1889 ثم جمهورية الدومينيك 1884 بنصه الفرنسي وقبلها بوليفيا في عام 1831 والشيلي في عام 1865، إضافة إلى الأرجنتين ولأورغواي، وبلغ من أثر هذا التقنين أنا اليابان كلفت أحد أساتذة الحقوق الفرنسيين بصياغة تقنينها المدني[13]. أما في الشرق العربي فأول من استلهم التقنين المدني الفرنسي كانت مصر عند وضع التقنين المدني المختلط – المعد للتطبيق من قبل المحاكم المختلطة وذلك في العام 1875، والذي يقول عنه الأستاذ السنهوري إنه اقتبس من التقنين المدني الفرنسي وناهيك عن التقنين التونسي الذي اقتبس منه ظهير الالتزامات والعقود المغربي والقانون المدني للبنان وموريتانيا.
الفقرة الثانية: خصائص وعيوب تقنين نابليون.
بالرغم من المميزات الأساسية لتقنين نابليون والتي جعلته ينفرد بالعديد من الخصوصيات (أولا) إلا أن هناك مجموعة من العيوب (ثانيا) التي عجلت بتعديل هذا التقنين.
أولا: خصوصيات تقنين نابليون.
تتجلى أهم خصوصيات تقنين نابليون في:
- انطلاق هذا القانون من تصور ذاتي في النصوص التي تحكم الالتزامات، وقد ورث هذا التصور عن القانون الروماني الذي يغلب العنصر الشخصي في الالتزامات باعتباره علاقة بين دائن ومدين، وذلك مهما يترتب عن هذا التصور من نتائج في غاية الأهمية سواء على مستوى أحكام الالتزام في حد ذاته أم على مصادره لاسيما العقد والمسؤولية المدنية.
- أما من حيث الأسلوب فقد كان موفقا ويمتاز بالإيجاز والوضوح والدقة رغم بعض الأخطاء التي شابت صياغته مع الاعتماد على البساطة والاختصار، فتقنين نابليون ينتمي إلى المدونات العملية المباشرة التي تعتمد على أسلوب يسير المأخذ عاري من التجريد وذلك بالنظر إلى منهج تحريرها وصياغتها[14].
- أما من حيث المحتوى[15] تميزه بالحكمة والاعتدال رغم صدوره بعد ثورة سياسية جذرية والروح العملية والابتعاد عن فلسفة التنظير.
- وحدة القانون من حيث أنه سيطبق في كافة المناطق الفرنسية وعلى جميع المواطنين بدون تمييز.
- بالإضافة إلى وحدة مصدر الحقوق وهو القانون الصادر عن سلطة اشتراكية بصفتها الممثلة للشعب.
وليس غريبا بعد كل هذا أن يقول نابليون في منفاه في سانت هيلين Sainte-Hélène «إن مجدي الحقيقي ليس في أني ربحت أربعين معركة، فواترلو ستمحي الذكرى العديد من الانتصارات، ولكن ما لا يمحى وما سوف يبقى خالدا فهو تقنيني المدني”[16].
ثانيا: عيوب تقنين نابليون.
بالرغم من كل الخصائص والمميزات التي عرفها تقنين نابليون، إلا أنه يؤخذ عليه أنه كان منحازا للمالكين وإلى حد ما للطبقات الوسطى دون الفقراء[17]؛ أي أنه كان قانونا برجوازيا كما أن الفردية كانت تسيطر عليه وهو يتجاهل ويعادي الجمعيات والتكتلات والتجمعات التعاونية. ناهيك على عدم قدرته على مسايرة ومواكبة التطورات التي تعرفها فرنسا بفعل قدم النصوص والمفاهيم القانونية لهذا القانون وهو ما كان سببا مباشرا في عرقلة رواج التجارة والعقود، ونقل الأموال داخل المنظومة الاقتصادية الفرنسية.
كما أن الفلسفة الفكرية التي استند إليها واضعوا القانون المدني الفرنسي بقدر ما كانت موضع إشادة وتنوي، بقدر ما كانت في العديد من جوانبها، موضع غموض وانتقاد، لاسيما بالجوانب المرتبطة ” بأركان العقد” التي أثارت الكثير من الجدل الفقهي والقضائي خاصة فيما يتعلق بتحديد طبيعة وحدود العديد من المفاهيم التي تضمنتها هذه النظرية خصوصا قضيتي المحل والسبب .
هذا مع العلم أن هذا القانون فقد جاذبيته في السنوات الأخيرة خاصة في ظل عصر العولمة والانفتاح القانوني لمنظومات القوانين الغربية بعضها على البعض، والتحولات الكبرى التي شهدتها منظومات التشريعات المدنية على المستويين الدولي والأروبي على مستوى النطاق الدولي في السنوات الأخيرة وبعده عن التجارب التشريعية الأوروبية المقارنة لاسيما قانون العقود الأوربي، فأصبحت النظرية العامة للعقد في القانون الفرنسي مقارنة مع حالة التطور والتحديث المتنامي للعديد من القوانين الغربية[18] ومركزية الاستقطاب التشريعي للقانون البريطاني دوليا[19] في موقف قانوني تناظري شديد التعقيد، مما دفع الكثيرين الى انتقادها في جوانب أقلها الغموض والنقصان .
أما فيما يخص المصطلحات القانونية فيعاب عليها كونها غامضة و تتميز بالقساوة وعدم المرونة، وهو ما كان سببا في التشكيك في مصداقيتها إذ لم تعد تستجيب للواقع الاقتصادي المعاصر .
المبحث الثاني: المحطات الكبرى لخروج مرسوم تعديل القانون المدني الجديد.
بمناسبة تخليد ذكرى مرور قرنين من الزمن على “تقنين نابليون” تحرك الفقه الفرنسي بقوة للمطالبة بتعديل هذا القانون وتعالت دعوات إصلاح وتعديل قانون العقود الفرنسي وبصفة عامة قانون الالتزامات، واستجابة لهذه الدعوات تم إعداد مشاريع القوانين[20] من قبل كبار فقهاء القانون المدني الفرنسي من أساتذة القانون والقضاة والتي تجسد في المشروع المسمى بمشروع CATALA لسنة 2005 ومشروع TERREلسنة 2008، إضافة إلى مشروع وزارة العدل الفرنسية لسنة 2008 والتي كانت بمثابة المصادر الفعلية التي استلهما مرسوم 10/02/2016 (أولا) وذلك بجانب المصادر ذات الطابع الأوربي أو الدولي ذات الصلة ( ثانيا).
أولا : مشاريع قوانين تعديل القانون المدني الفرنسي.
إن تعديل القانون المدني الفرنسي يشكل بدرجة أولى الرقي الذي وصل إليه التطور الفقهي واجتهاد القضاء والتشريع في مجال العقود، ولعل هذا ما يتجلى بشكل واضح في مجمل مشاريع القوانين التي تباينت توجهاتها واختلفت في تقسيمتها.
ولقد كان المشروع التمهيدي لتعديل قانون الالتزامات والعقود الفرنسي والمعروف بمشروع CATALA نسبة إلى الأستاذ بيير كاطلا (1903/2012)[21] الأستاذ المتقاعد بجامعة باريس الثانية، والذي قاد مجموعة العمل التي قامت بإعداد هذا المشروع[22] والذي تم تقديمه وإيداعه لدى وزارة العدل الفرنسية بتاريخ 22/09/2005 إلا أن ما كان يعاب على مسودة هذا المشروع هو كونها مسودة فرنسية بحثه وخالية من الإشارة إلى قانون العقود الأوربي PECL وحتى القوانين ذات الأصل الأوربي.
ثم كانت هناك محاولة أكثر تقدمية لإصلاح التقنين المدني الفرنسي قدمت من طرف أستاذ للقانون من جامعة باريس هو الأستاذ فرانسوا تيريهFRANCOIS TERRE والذي تم الانتهاء منه وإيداعه لدى وزارة العدل الفرنسية بتاريخ 17/11/2008[23].
إلى جانب هذا أيضا قامت وزارة العدل الفرنسية بإعداد مشروع لتعديل قانون العقود تم تعديله وتوزيعه وتداوله بمعرفتها في آخر يوليوز 2008.projet de réforme du droit des contra.[24].
ثانيا: المصادر ذات الطابع الأوربي.
لعله من بين الأسباب الأساسية التي عجلت بتنقيح المجلة الفرنسية وإعادة صياغتها لما يزيد عن أكثر من ثلاثمائة وخمسون فصلا بموجب لائحة حكومية ” ordonnance ” مبنية على تفويض من البرلمان مستثنيا الأحكام المتعلقة بالمسؤولية المدنية نجد حركة توحيد القانون الأوربي، إذ لا يمكننا أن ننكر المحاولات الدولية والإقليمية التي تمت في الآونة الأخيرة بهدف تأطير القواعد القانونية الخاصة بالعقود، لاسيما المبادئ الموحدة للعقود التي تم صياغتها من المعهد الدولي لتوحيد قواعد القانون الخاص لعامي 1994 و 2004، ومبادئ القانون الأوروبي للعقود الذي تم إعداده من قبل اللجنة الخاصة بالقانون الأوروبي للعقود التي سميت لجنة ( Comission Lando) لعامي 1995 و2003, والقانون الجديد الأوروبي للعقود المسمى قانون ( (Code Gandolfiلعام 2000، والمشروع الإطاري العام لمختلف قواعد القانون المدني في المجموعة الاوروبية لعام 2008 . وعلى ضوء هذا تم انجاز قانون العقود الأوربي(PECL)، ولم يكن للقانون الفرنسي أي أثر كبير على مستوى هذه التشريعات الأوربية، بل كانت مختلف الحلول المطروحة في هذه التشريعات معتمدة على القانون الألماني والإنجليزي والتقنين المدني المعاصر لعام 1992 .
كما كان لتوصيات التقرير المشهور اليوم بممارسة الأعمال التجارية ” business douing ” الصادر عن البنك الدولي سنة 2004[25] دورا كبيرا في الكشف عن احتلال فرنسا مرتبة جد متأخرة (المرتبة الرابعة و الأربعين) من حيث جاذبية الاستثمار والمستثمرين، الأكثر من هذا أن هذا التقرير خلص إلى أن النظام الأنجلوساكسوني أكثر فعالية وأكثر تنافسية في المجال الاقتصادي من النظام الروماني الجرماني [26]، كما أجرى مجموعة من الدارسين استطلاعا للرأي سنة 2005 في إطار التحضير لندوة نظمها معهد القانون الأوربي والمقارن بجامعة ” أكسفورد” حول موضوع خلق الانسجام بين القوانين الأوربية في مادة العقود، أفرز نتيجة أولى مفادها، أن ثلثي المستجوبين مرتين فضلوا قوانينهم الوطنية، كما أفرز نتيجة ثانية مفادها، أنه فيما يتعلق بالمبادلات الدولية فاز القانون الإنجليزي باختيار المستجوبين مرتين ونصف مقارنة مع اختيار جميع الأنظمة القانونية الأخرى مع أن القانون الإنجليزي قانون أجنبي بالنسبة لمعظم المستجوبين، كل هذا شكل حافزا أساسيا تكونت بفعله إرادة سياسية لإصلاح القانون المدني الفرنسي.
وتأسيسا على هذه الأسباب تحركت الحكومة الفرنسية بناء على التفويض المخول لها طبقا للمقتضيات المادة 38 من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لسنة 1958 والتي تمنحها الحق في التشريع بشكل استثنائي قصد الإسراع في إخراج هذا القانون حيز الوجود، و إعادة الثقة القانونية للتشريع المدني الفرنسي وتطوير جاذبيته على المستوى الدولي.
المبحث الثاني: مظاهر الثورة في تعديل القانون المدني الفرنسي.
يعكس التعديل الجديد الذي عرفه القانون المدني الفرنسي التوجهات التحررية لتخليص النظرية العامة للعقد من القيود والعراقيل التي تعطل الاستثمارات وتشكل عائقا أمام دفع النمو وتطوير الاقتصاد.
و لقد بدأ الحديث عن إصلاح القانون المدني الفرنسي منذ سنة 1866، بل ابتداء من سنة 1904 بدأت لجنة تعديل القانون المدني أشغالها، والتي ضمت كبار الفقهاء الفرنسيين، وفي مقدمتهم سالي، كما أنه في سنة 1937، كتب لويس جوسران مقالا في مجلة دالوز تحت عنوان إعادة تشييد القانون الراقي أو الغالي.la réconstruction d’un droit de classe [27]، هذا وقد خضع القانون المدني الفرنسي إلى تغييرين جوهريين: أولهما تناول تلطيف الشروط الجزائية أو التقليل منها في عام 1975 وعام 1985[28]، والثاني تمثل في تبني القواعد القانونية الخاصة بالعقود المبرمة بشكل إلكتروني في عامي 2004 و 2005 [29] ، كما سبق للرئيس الفرنسي جاك شيراك أن عبر عن ضرورة إجراء إصلاح في العديد من المرتكزات التي يقوم عليها القانون المدني وذلك بمناسبة الذكرى المئوية الثانية للقانون المدني الفرنسي في سنة 2004[30]، وربما كان التعديل الأكبر هو الذي حصل عام 2014 عند استبدال معيار رب الأسرة الحريص كمعيار للسلوك المعتاد الذي يتطلبه القانون بمعيار أكثر حيادية وأقل خيالا هو معيار الشخص المعتاد وذلك بمقتضى القانون رقم 873/2014 والصادر في 04 غشت 2014. إلا أن التعديل الجديد الذي قدر له أن يرى النور بمقتضى مرسوم 10 فبراير 2010 تضمن العديد من المستجدات التي جاء بها من أجل تحقيق العديد من الأهداف الأساسية المباشرة (المطلب الأول)، ثم تحقيق أهداف تكميلية غير مباشرة ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: الأهداف الأساسية للقانون المدني الجديد.
يهدف التعديل الجديد الذي عرفه القانون الفرنسي إلى تحقيق أهداف أساسية مباشرة (الفقرة الأولى)، وأخرى غير مباشرة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الأهداف الأساسية المباشرة.
لقد أوضح التقرير[31] المرفق بمرسوم تعديل القانون الفرنسي والذي تم رفعه إلى رئيس الجمهورية الفرنسية الأهداف الأساسية التي يسعى إليها التعديل الجديد لقانون العقود والالتزامات والإثبات الفرنسي وهي الأمان والاستقرار القانوني (أولا)، ثم تدعيم جاذبية القانون الفرنسي (ثانيا).
أولا: الأمان و الاستقرار القانوني.
حيث اعتبر التقرير أن ذلك هو الهدف الرئيسي الذي يسعى إليه التعديل، بما تضمنه من أحكام تهدف إلى تحقيقه، وذلك من خلال المزيد من التوضيح والتبسيط في أحكام قانون العقود وجعلها أكثر إتاحة للمواطنين[32].
كما جاء بالتقرير في هذا الخصوص أن صياغة القانون المدني الفرنسي، والتي لا يشك أحد في تميزها لم تعد سهلة الاستيعاب من قبل جميع المواطنين، كما أن بعض الصياغات تقادم عليها العهد، لذلك عمد المرسوم إلى جعل نصوص قانون الالتزامات في متناول المواطن العادي، وصياغته بلغة يسهل عليه إدراك معناها، وذلك باستخدام مصطلحات معاصرة وصياغات بسيطة، أكثر صراحة، دون تخل عن التحديد والدقة التي صبغت دائما القانون المدني الفرنسي.
في هذا السياق ̶ ودائما بحسب التقرير المشار إليه ̶ هدف المرسوم إلى تبسيط خطة الكتاب الثالث من القانون المدني من خلال اعتماد خطة أكثر علمية، ولذلك تم تعديل الباب الثالث الى الباب الرابع مكرر من هذا الكتاب الثالث، وتكريسها على التوالي، للمصادر المختلفة للالتزامات والأحكام العامة للالتزامات والإثبات، ومن هنا جاءت وعلى سبيل المثال، القواعد العامة للعقود من خلال منهجية زمنية تبدأ بالأحكام الخاصة بإبرام العقد، وتنتهي بتلك الخاصة بانتهائه.
تحقيقا لذات الهدف، هجر المرسوم التقسيم التقليدي للالتزامات إلى التزامات بعمل والتزامات بالامتتناع، والتزامات بإعطاء، التي بحسب التقرير لم يحدد القانون نظامها، والتي لم تكن هناك ضرورة للاحتفاظ بها. وفي المقابل رأى واضعو المرسوم ضرورة تكريس بعض الآليات القانونية التي أصبحت لها أهميتها من الناحية العملية، ومنها على سبيل المثال تعريف وتنظيم بعض المفاهيم القانونية التي لم يتناولها القانون المدني، ومنها الإيجاب والوعد بالتعاقد.
جاء بالتقرير المذكور أيضا، أن الأمان، أو الاستقرار، القانوني فرض كذلك الأخذ بعين الاعتبار التطور القضائي في مجال قانون العقود، والالتزامات بصفة عامة، والذي بدونه لم يعد ممكنا في النصوص الحالية، لذلك ̶ بحسب التقرير ̶ فإن معظم ماتضمنه المرسوم من أحكام هو تكريس لهذا التطور القضائي وما انتهى إليه من تفسيرات. ويمثل التقرير لذلك بتكريس الكتمان التدليسي واعتباره بموجب مرسوم التعديل، صورة من صور التدليس كعيب من عيوب الرضا، وكذلك إمكانية التحديد المنفرد للثمن، والإثراء غير المبرر، وفي المقابل فقد وضع المرسوم، وفقا لتقرير حدا للتردد القضائي في بعض المجالات، والذي أضر بالاستقرار القانوني، ومن ذلك على سبيل المثال تحديد زمان انعقاد العقد.
ثانيا : تدعيم جاذبية القانون الفرنسي
بخصوص هذا الهدف الأساسي الثاني والمعلن في مرسوم تعديل قانون العقود الفرنسي[33]، فهو بحسب التقرير المشار إليه، تدعيم جاذبية القانون الفرنسي، باعتباره مصدر إلهام المشرعين في كثير من الدول، سواء على المستوى السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي ،فالاستقرار، أو الأمان القانوني في مجال قانون الالتزامات يجب أن يؤدي بحسب هذا التقريرإلى تسهيل سبل إعماله بشأن العقود الدولية من هنا ̶ بحسب التقرير ̶ تم التخلي الشكلي عن فكرة السبب، التي كانت مثار جدل كبير على نحو يتيح التقريب بين القانون الفرنسي وقوانين كثير من الدول الأجنبية مع تكريس الوظائف المختلفة لمفهوم السبب، ومنها اعتماده من قبل القضاء أداة لتحقيق التوازن العقدي .
في سبيل تحقيق هذا الهدف، كرس المرسوم بعض المفاهيم القانونية السائدة في الواقع العملي، من خلال نظام قانوني محدد ومتناسق لها. من ذلك تنظيم حوالة العقد، أو التنازل عن العقد، حوالة الدين، وعمل المرسوم، في هذا السياق على تبسيط إجراءات العرض الحقيقي، الذي طغى عليه طول الإجراءات وكلفتها واستبداله بالأعذار الذي فصلت أحكامه. وفي ذات التوجه أيضا تضمن المرسوم حلولا جديدة تسمح للأطراف بإزالة حالة الشك التي قد تخيم على مصير العقد. ومن ذلك تكريس مفهوم الدعوى الاستفهامية بشأن وجود الوعد بالتفضيل، ومدى سلطات النائب الاتفاقي، وإرادة المتعاقد معه التمسك ببطلان العقد.
هذا ومن منظور مستقبلي، وعلى صعيد الفعالية الاقتصادية للقانون، أشار التقرير إلى مبدأ ” الوقاية خير من العلاج ” وذلك من خلال ما أتاحه للمتعاقدين من مزايا جديدة تسمح لهم بتجنب المنازعات المتعلقة بالعقد أو حلها دون حاجة للجوء إلى القضاء. ومن ذلك إمكانية فسخ العقد بالإرادة المنفردة عن طريق الإخطار، والدفع بعدم التنفيذ وإمكانية قبول أداء منقوص الثمن مقابل تخفيض الثمن، وبذلك وبحسب التقرير، يكون قد تم وضع إطار قانوني واضح وفعال، ومواكب لاقتصاد العولمة دائم التطور[34].
مقابل ذلك حرص التقرير على التأكيد على أنه إذا كان الهدف الثاني لمرسوم التعديل هو العمل على استعادة القانون الفرنسي لجاذبيته وجعله أكثر تنافسية ومحل اختيار في العقود الدولية فإن ذلك لا يعني تخليه عن الحلول المتوازنة والحامية للأطراف المتعاقدة، والتي في ذات الوقت حلول فاعلة ومواكبة لتطورات قانون السوق، ولذلك كرس المرسوم ضمن الفصل المعنون “أحكام أولية “، والذي يعتبر إطارا مرجعيا لقانون العقود، مبادئ الحرية التعاقدية، والقوة الملزمة للعقد وحسن النية[35] ،إضافة إلى مجازاة استغلال حالة التبعية واعتبارها من صور الإكراه الذي يعيب الرضا، وكذلك مجازاة البنود التعسفية في عقود الإذعان للحماية الطرف الضعيف .
ويشير التقرير في هذا الصدد إلى أن هذا التوجه نحو قانون فرنسي عام للعقود أكثر عدالة من شأنه أن يقرب بين هذا القانون والقوانين الأوربية ومشاريع القوانين الأوربية التي تهدف إلى توحيد قانون العقود على المستوى الأوربي، والتي تتضمن مقترحات مماثلة.
ويختم التقرير في هذا السياق بالقول إنه بذلك يكون الأمان، أو الاستقرار، القانوني، الذي هو أحد أهداف مرسوم التعديل، في ذات الوقت وسيلة تحقيق الأهداف الأخرى ومنها العدالة العقدية.
الفقرة الثانية: الأهداف الغير المباشرة لتعديل القانون الفرنسي.
إن المتأمل لهذا القانون الجديد يجد بأنه تضمن إلى جانب الأهداف المباشرة أهداف أخرى تكميلية وأخرى غير مباشرة، وسنقتصر على هدفين يتجلى أولهما في الرغبة في تحقيق العدالة التعاقدية (أولا)، ثم عصرنة وتبسيط القانون المدني (ثانيا).
أولا:تحقيق العدالة العقدية.
يرمي تعديل القانون الفرنسي إلى تحقيق العدالة العقدية والتي تهدف لى تحقيق المنفعة المطلوبة من العقد لكل من المتعاقدين بما يحقق التناسب بين ما يحصل عليه كل طرف من الطرفين وكذلك التناسب بين هذه المنفعة وبين هذه الأهداف التي يرمي المشرع تحقيقها من وراء مؤسسة العقد.
ولعل أبرز مثال على الرغبة في تحقيق العدالة العقدية هو وجوب مراعاة مبدأ حسن النية في جميع مراحل العقد، سواء تعلق الأمر بمرحلة المفاوضات أو الإبرام أو التنفيذ، بل أصبحت هذه المقتضيات من النظام العام، وهو بالفعل ما كرسته المادة 1104 حيث تنص على ما يلي «يجب التفاوض على العقود وإبرامها وتنفيذها بحسن نية. ويعتبر هذا الحكم من النظام العام»[36] .
والمراد بحسن النية في التفاوض العقدي هو ذلك الالتزام الذي يفرض على المفاوض في العقد التزاما إيجابيا بالصدق و الأمانة، وذلك بالمحاورات والمناقشات واللقاءات تجاه المفاوض الآخر الذي يرغب بالتعاقد معه، فحسن النية يقتضي أن تكون المفاوضات ساحة للتعامل بأمانة وصدق وثقة وصولا إلى المنفعة المراد تحقيقها من إبرام العقد.
بالإضافة إلى المادة 1194 التي حملت في طياتها مقتضى مهم يتجلى في كون أن العقود وتوابعها لا يمكن أن تكون إلا وفق مقتضيات العدالة والعرف والقانون[37].
ثانيا: عصرنة وتبسيط القانون المدني الفرنسي.
ولقد جاء هذا المقتضى تطبيقا للمقتضيات الفصل 8 من القانون رقم 115/177 المؤرخ في 16 فبراير 2015 والمتعلق بعصرنة وتبسيط القانون والإجراءات في مجال القضاء والأعمال الداخلية حتى يكون القانون المدني أكثر وضوحا، وسهل الوصول والولوج إليه وتطبيق أحكامه.
ولا شك أن عصرنة القانون المدني الفرنسي كرسها المشرع الفرنسي بجعل هذا القانون أكثر وضوحا وشفافية، وأكثر دقة ومسايرة للتطورات الحاصلة[38]، والسرعة التي يعرفها المجال الاقتصادي خاصة في ظل الثورة العلمية والتكنولوجية التي يعرفها العالم المعاصر، وهذا ما يتضح جليا من خلال التنصيص على أحكام خاصة بالعقد المبرم بطريقة إليكترونية من المادة 1125 الى المادة 5‑1127، والمادة 1174 إلى المادة 1177 والمحددة لشكلية العقد المبرم بشكل إليكتروني.
ومن النقاط الحداثية في القانون المدني الجديد، والتي شكلت نقطة تمييز في موقف المشرع الفرنسي الجديد عن القانون المدني السابق، تنظيمه للقواعد القانونية المتصلة بأحكام النيابة في التعاقد[39]، مبينا القواعد القانونية الخاصة بسلطة النائب والآثار القانونية المترتبة على هذا الشكل من التعاقد، وهو ما مثل استجابة مهمة من المشرع المدني الفرنسي لسد قصور التشريعي الذي كان موجودا في القانون السابق فيما يتعلق بنظرية النيابة، موضحا في تسع مواد قانونية جديدة قواعدها والآثار المترتبة عليها، إضافة للقواعد الخاصة بحماية حقوق الغير في حال تجاوز النائب لحدود نيابته.
ولعل هذا ما جعل هذا القانون المدني الجديد يتسم بالجدة والحداثة، سواء تعلق الأمر بجهة التسمية ، أو لجهة المحتوى الشكلي و الموضوعي، حيث أعاد القانون الجديد تنظيم القواعد القانونية الخاصة بالأهلية على التعاقد أصالة، كما أدرج وللمرة الأولى في القانون المدني أحكاما قانونية متكاملة تنظم قواعد التعاقد نيابة بشكل ممنهج وواضح بعد أن كانت عبارة عن نصوص قانونية متناثرة، وممتزجة بفكرة الوكالة .
المطلب الثاني: مستجدات القانون المدني الفرنسي.
بالرجوع الى التعديل الجديد الذي جاء به القانون المدني نجد أنه شمل كل ما يتعلق بالنظرية العامة للعقد سواء تعلق الأمر بتكوينه وإبرامه (الفقرة الأولى)، أو تنفيذه أو إنهائه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مستجدات تكوين وإبرامه.
لعل أبرز مظاهر الثورة التي جاء بها التعديل الجديد فيما يتعلق بتكوين العقد وإبرامه نجد التنظيم القانوني لمجموعة من الإجراءات السابقة عن التعاقد (ثانيا)، وذلك بعد أن تطرقت للأحكام العامة المنظمة لمصادر الالتزام (أولا).
أولا: التعديلات المتعلقة بالأحكام العامة المنظمة لمصادر الالتزام.
لعل أهم مستجد يمكن أن نجد هجر التقسيم التقليدي لمصادر الالتزام، والذي كان يعتمد على خمسة مصادر وهي: العقد، وشبه العقد، والجريمة وشبه الجريمة، والقانون، وثم الاعتماد على التقسيم العلمي لهذه المصادر، والذي يستند عليه الفقه القانوني الحديث[40]، حيث يعتبر مصدر الالتزام بكونه الأمر و الحادث الذي يرتب عليه القانون نشوء الالتزام في ذمة المدين، فأصبحت مصادر الالتزام بمقتضى المادة 1100 تتضمن التصرفات القانونية أو الوقائع القانونية أو القانون، كما أضافت هذه المادة أنه يمكن أن تنشأ الالتزامات عن التنفيذ الإرادي والوعد بالتنفيذ، لواجب يمليه الضمير تجاه الغير[41].
وهذا وقد تضمنت المادة 1 _1100 و2 _1100 إعطاء تعريف للواقعة القانونية والتصرف القانوني، بل الأكثر من هذا تم عصرنة[42] تعريف العقد بمقتضى المادة 1101 والتي تنص على ما يلي: ” العقد هو اتفاق إرادات بين شخصين أو أكثر، يهدف إلى إنشاء التزامات أو تعديلها أو نقلها أو إنهائها”[43].كما تم الاعتراف بمبدأ الحرية التعاقدية شريطة عدم مخالفتها للقواعد النظام العام مع تنزيل العقد منزلة القانون بالنسبة للأطراف الذين أنشؤوه.
ثم تطرق مشرع التعديل الفرنسي إلى أنواع العقود، ولعل الجديد الذي جاء به نجد التنصيص على عقود جديدة وإعادة تنظيم البعض الآخر منها حيث نجد:
عقد المساومة: وهو العقد الذي يتم مناقشة شروطه بحرية بين الأطراف بمقتضى المادة 1110[44]
وعقد الإذعان: وهو العقد الذي تكون شروطه عامة غير قابلة للتفاوض محددة سلفا من قبل أحد الأطراف بمقتضى المادة 1110.
وعقد الإطار: الذي هو اتفاق يحدد الأطراف بمقتضاه الخصائص العامة لعلاقاتهم التعاقدية المستقبلة، حيث تحدد عقود التطبيق كيفية تنفيذ هذا الاتفاق[45].
وعقد التنفيذ الفوري: وهو العقد الذي يمكن تنفيذ الالتزامات الناشئة عنه من خلال أداء واحد.
وعقد التنفيذ المتتابع: وهو العقد الذي يتم تنفيذ التزامات أحد أطرافه، على الأقل، من خلال عدة أداءات متتالية من حيث الزمان.
هذا وقد تم تكريس الالتزام بواجب الإعلام وبيان حدوده، وعبء إثبات القيام به، وجزاء الإخلال به، كماس تم الاعتراف بأحقية الأطراف في التنصيص في ثنايا العقد على مهلة للتفكير ومهلة للعدول (المادة 1122).
هذا مع تنظيم الإيجاب والقبول وبيان حكم الشروط العامة للتعاقد، وبيان زمان ومكان العقد (المواد1113 الى 1121) مع تنظيم مدة العقد بمقتضى (المادة 1122).
إلا أن التعديل الكبير الذي عرفه العقد على مستوى تكوينه هو الاستغناء والتخلي عن فكرتي المحل والسبب كركنين من أركان العقد، والإتيان بمفهوم جديد بدلا منهما هو مضمون العقد (المواد1162 الى 1171)، حيث تنص المادة 1162 على ما يلي: «لا يجوز أن يخالف النظام العام لا بشروطه ولا بهدفه سواء كان هذا الأخير معلوما من قبل الأطراف أو غير معلوم» كما تنص المادة 1128 «يكون ضروريا لصحة العقد: 1- رضا الأطراف 2- أهليتهم للتعاقد 3- مضمون مشروع ومؤكد» فبالرغم من عدم تعريف مفهوم مضمون العقد إلا أن المشرع الفرنسي اكتفى بفكرة مشروعية البنود التعاقدية، والهدف والغرض من العقد، والذي يشترط فيه عدم مخالفته للنظام العام[46]، و ما يمكن أن نؤكده هو أن المشرع الفرنسي حاول من خلال هذا المفهوم أن يكون أكثر اتساقا وتناغما مع قوانين الدول الأوربية، والتي لا تعترف بنظرية السبب، وكما أن التقرير المرفوع لرئيس الجمهورية أكد على أنه إذا كان قد تخلى عن المحل والسبب ” مصطلحا ” فإنه قد تم الاحتفاظ بهما “مضمونا ووظائف “[47].
ثانيا: مستجدات المتعلقة بالمراحل السابقة عن التعاقد.
يعتبر تنظيم المفاوضات التعاقدية في ثنايا التعديل الجديد من أبرز مستجدات هذا القانون، فبالإضافة إلى تمديد الالتزام بحسن نية ليشمل هذه المرحلة بمقتضى (المادة 1104)، ثم إقرار المسؤولية الناتجة عن هذه المرحلة باستحقاق المتضرر للتعويض الناجم عن الخطأ الحاصل خلال هذه الفترة (المادة 1112)، مع التأكيد على حق الإعلام النافي للجهالة على كل معلومة مهمة وحاسمة لرضى الأطراف، وهو ما يكرس في نظرنا مفهوم حق الإعلام ما قبل التعاقدي، والذي جاء به القانون الجديد قصد حماية للثقة المشروعة بين الأطراف وترتيب البطلان كجزاء عن الاخلال بهذا الالتزام، هذا مع ترتيب المسؤولية عن إفشاء السر التعاقدي المحصل عليه أثناء فترة المفاوضات (المادة2_1112)[48].
كما عمل المشرع الفرنسي على تنظيم الوعد بالتفضيل، وهو العقد الذي يتعهد بمقتضاه أحد الأطراف أن يعطي الأفضلية للمستفيدين الوعد في أن يتعامل معه في حال قرار الواعد التعاقد، كما تم تنظيم بعض أحكامه خاصة تلك المتعلقة مخالفة أحكام الوعد بالتفضيل من قبل الواعد، حيث يمكن للمستفيد من الوعد (الموعود له) إذا قام الواعد بإبرام عقد مع الغير المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه. كما يمكن للمستفيد المطالبة ببطلان عقد الواعد مع الغير أو الحلول محل الغير في العقد المبرم (المادة 1123).
كذلك تم تنظيم الوعد من جانب واحد وهو العقد الذي يمنح بموجبه أحد الأطراف الواعد، الطرف الآخر المستفيد حق الخيار في إبرام عقد تم تحديد عناصره الجوهرية، ولا ينقص إبرامه سوى رضاء المستفيد.
كما أنه لا يحول الرجوع عن الوعد خلال الوقت المعطى للمستفيد للممارسة خياره دون تكوين العقد الموعود به.
يكون العقد المبرم بالمخالفة للوعد من جانب واحد مع الغير الذي كان يعلم بوجوده باطلا (مقتضيات المادة 1124).
إن هذه المستجدات التي تهم الفترة السابقة عن التعاقد تعتبر جد مهمة في نظرنا لأنه على ضوئها يحدد مستقبل العقد وتحدد التزامات أطرافه والضامنة لاستمراره وأداء الأهداف التي وجد من أجل تحقيقها.
الفقرة الثاني: المستجدات المتعلق بإنهاء العقد وتنفيذه.
تعددت أوجه التجديد في المرسوم الجديد حيث طالت مراحلة إنهاء العقد (أولا)، وتنفيذه (ثانيا).
أولا: مستجدات إنهاء العقد.
من أهم المستجدات التي جاء بها مرسوم تعديل القانون الفرنسي على مستوى إنهاء العقد نجد جزاء انعدام الأثر، والذي يكون في العقد الذي نشأ صحيحا وزال أحد عناصره الأساسية، كما يكون هذا الجزاء عند زوال أحد العقود التي تكون ضرورية لإنجاز نفس العملية، حيث يصبح تنفيذها مستحيلا بسبب ذلك وكذلك في العقود التي كان تنفيذ العقد الزائل بالنسبة لها شرطا حاسما لرضاء أحد الأطراف، وذلك شريطة علم المتعاقد المتمسك في مواجهته به بوجود العملية بمجملها عندما أبدى موافقته (المادة 1186)[49].
بالإضافة إلى ترتيب انعدام الآثار كجزاء أقر المشرع إمكانية ترتيب الحق في الاسترداد كجزاء آخر (المادة 1187).
كما أقر المشرع الفرنسي البطلان كجزاء عن الإخلال بشروط تكوين العقد، كما تم تكريس النظرية الحديثة في التمييز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي (المادة1179)، إضافة إلى تكريس إمكانية ممارسة الدعوى الاستفهامية في مواجهة من له الحق التمسك بالبطلان (المادة 1183)، مع اعتماد نظرية البطلان الجزئي والنص على عدم تقادم الدفع بالبطلان إذا تعلق الأمر بعقد لم يتم تنفيذه (المادة1185) .
ولعل أبرز مستجد على مستوى إنهاء العقد نجد الفسخ بإرادة منفردة في حالة عدم تنفيذ المدين لتعهده دون اللجوء إلى القضاء لطلب إيقاع هذا الجزاء، شريطة إخطار وإنذار المدين قصد تنفيذ تعهده، وهذا ما أقرته المادة 1226 والتي تنص على ما يلي: «يجوز للدائن، وعلى مسؤوليته، فسخ العقد عن طريق الإخطار. وفي غير حالة الاستعجال، ويجب عليه أولا إعذار المدين المقصر في تنفيذ تعهده خلال مدة معقولة» حيث حاول المشرع من خلال هذا المقتضى الحد من كثرة الدعاوى القضائية وحماية الدائن ودفع الضرر لوضع المدين أمام مسؤوليته[50].
إلا أن هذا المقتضى القانوني وضعنا أمام سؤال التوفيق بين مبدأ القوة الملزمة للعقد، والتي تؤكد على أن الالتزام التعاقدي يتم بين متعاقدين، ولا يمكن تعديله أو إلغاؤه إلا برضاهما معا، وبين هذا الجزاء الذي يتم بإرادة أحد أطراف العقد؟ فيكون الجواب هو أننا أمام قاعدة عامة واستثناء على هذه القاعدة ما دام أن الامر لا يتعلق لا بالفسخ القضائي ولا بالفسخ الاتفاقي، كما أن العقد لا يمكن أن يكون ملزما إلا إذا كان عادلا.
ثانيا مستجدات التنفيذ:
نظم المرسوم الجديد مجموعة من المستجدات المتعلقة بالتنفيذ لاسيما في حالة عدم التنفيذ، حيث تم تنظيم الدفع بعدم التنفيذl’exception d’inexécution ، والذي يمكن تعريفه بكونه حق كل متعاقد في عقد ملزم للجانبين، في الامتناع عن تنفيذ التزامه حتى ينفذ المتعاقد معه ما يقع على عاتقه من التزام مقابل، وهو وسيلة للضغط على إرادة المتعاقد لحمله على تنفيذ التزامه دون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء، وليس هذا فحسب وإنما يمكن اعتباره شكل من أشكال العدالة الخاصة تفرضه العدالة والحس السليم [51]، فالواقع أنه في العقود الملزمة للجانبين، وبالنظر إلى الالتزامات المتبادلة والتقابل بينها، يكون من غير المقبول أن يطالب أحد المتعاقدين الآخر بالوفاء بالتزامه، بينما هو لم ينفذ تعهداته اتجاه هذا المدين.
هذا وقد استجاب المشرع الفرنسي وبعد طول انتظار الاستجابة لنداءات جانب كبير من الفقه والقضاء وكرس نظرية الظروف الطارئة وذلك بمقتضى المادة 1195 التي بينت شروط إعمال هذه النظرية، والأثر التي تترتب على إعمال هذه الشروط، حيث تنص على ما يلي: « إذا حدث تغيير في الظروف، غير ممكن التوقع عند إبرام العقد، ترتب عليه أن صار التنفيذ بالنسبة لأحد الأطراف، مكلفا إلى حد مبالغ فيه، ولم يكن هذا الطرف قد قبل تحمل نتيجة هذا التغيير، فيمكن لهذا الأخير أن يطلب من المتعاقد معه إعادة التفاوض بشأن العقد على أن يستمر في تنفيذ التزاماته خلال إعادة التفاوض ».
في حالة رفض إعادة التفاوض، أوفشله، يمكن للأطراف الاتفاق على فسخ العقد اعتبار من التاريخ ووفق الشروط التي يحددونها، أو الطلب من القاضي أن يقوم بتطويع العقد. وفي حالة عدم الاتفاق خلال مدة معقولة، يمكن للقاضي بناء على طلب أحد الأطراف، تعديل العقد أوإنهائه اعتبارا من التاريخ ووفق الشروط التي يحددها».
كما تضمن القانون الجديد إمكانية استحقاق التعويض عن الضرر الناتج عن عدم التنفيذ او التأخر في التنفيذ وذلك شريطة إعذار المدين داخل المدة معقولة بمقتضى المادة 1231-1 و 1231-5، وذلك ما لم يثبت أن قوة قاهرة هي المانع من مباشرة التنفيذ، كما تم حصر الأضرار المستحقة للتعويض في الأضرار المتوقعة، أو التي كان من الممكن توقعها عند إبرام العقد، وذلك ما لم يكن عدم التنفيذ راجع إلى خطا جسيم أو تدليسي .
هذا مع إعطاء القاضي سلطة تقديرية في الإنقاص أو الزيادة من مبلغ التعويض المتفق عليه وذلك إذا كان هذا المبلغ باهضا أو تافها بشكل واضح.
كما تمسك المشرع الفرنسي بمقتضيات حسن النية في تنفيذ العقد وجميع مراحله في المادة 1104، حيث يراهن المشرع على مقدرة القاضي التخيلية لخلق دينامكية عقدية تندرج ضمن منطق تضامني logique de solidarité يرتكز على أخلاقيات المتعاقدين[52] .
أمام هذه المستجدات الجديدة التي جاء بها القانون المدني الفرنسي والتي شكلت بالفعل ثورة حقيقية علي البنيات التقليدية التي عرفها هذا القانون، بات السؤال يطرح اليوم حول إصلاح مرتقب للقانون الالتزامات والعقود المغربي وباقي القوانين المدنية العربية التي استمدت نصوصها من القانون المدني الفرنسي، إصلاح عصري يستجيب للمغرب اليوم بنصوص متميزة بقربها من المخاطبين بها ومرونتها في التطبيق لتسهيل مأمورية القاضي في حل المنازعات المدنية، بدل الركون إلى الإصلاحات الجزئية [53] التي راهن عليها المشرع المغربي بسبب غياب بديل جاهز يحل محل ق،ل،ع. والتي شكلت في نظرنا مجرد حلول ترقيعية غير محدودة ساهمت في تظخم وانتفاخ حجم ق،ل،ع,
خاتمة.
إن مرور ما يقارب الثلاث سنوات على وضع تعديل القانون الفرنسي غير كافية لتقييم هذا التعديل، واليوم لا يمكن الحكم على هذا المرسوم لا بتفاؤل مبالغ فيه أو بتشاؤم تعسفي وكل ما يمكن القول حوله هو ما يلي:
- لقد أحدث التعديل الجديد للقانون المدني الفرنسي ثورة على مستوى العقد شملت جميع مراحله؛ سواء تعلق الأمر في المراحل الأولى لوجوده (المفاوضات)، أو على مستوى إنشائه وتكوينه، أو على مستوى تنفيذه وإنهائه، وذلك قصد تحقيق الأمن والاستقرار القانوني ودعم جاذبية القانون الفرنسي، وتعزيز وإرجاع الثقة لهذا القانون صاحب التاريخ العريق.
- استطاع هذا التعديل خلخلة البنيات والمفاهيم التقليدية القديمة حيث تخلى عن مؤسسة السبب والمحل وثم تعويضها بنظرية مضمون العقد، كما أعاد النظر في الركائز الحاكمة لعيوب الإرادة واستحدث مؤسسات قانونية جديدة تستجيب للواقع الاقتصادي المعاصر.
- ساهم هذا التعديل في تطوير الدقة القانونية من خلال تقنين التطبيقات القضائية وتبني الحلول المقبولة التي توصل إليها الفقه ولم تجد طريقها إلى التشريع.
ويبقى الاجتهاد القضائي الفرنسي مطالب بضرورة تحقيق الفلسفة والأهداف من إقرار هذا القانون حتى يتم إرجاع الثقة والمصداقية لهذا القانون العريق .
[1]– Ordonnance n° 2016-131 du 10 fevrier2016, portant réforme du droit des contrats, du régime général et la preuve des obligations, entrée en vigueur le 1 octobre 2016 sauf les alinéas 3 et 4 de l’article 1123 et ceux des articles 1158 ET 1183 ,J.O. 11 février 2016. P 3.
L’ordonnance réécrit entièrement les titres III à IV du livre III du code civil, soit plus de 350 articles. : Pour plus de détails voir l’article de Nathalie KOUCHNIR CARGILL «les points clés de la réforme des droit des contrats» sur site web https://www.grall-legal.fr/fr/flash-concurrence-n5-points-cles-reforme-droit-des-contrats/#.XAu0TYv7Tcs visité le 26/12/2018
[2] – إن هاجس الإسراع والاستعجال وربح الوقت في إخراج مرسوم 131/ 2016 و الذي تم تحت وطأة ضغط الإتحاد الأوربي، كان من نتائجه ارتكاب أخطاء عديدة تسببت في وجود خلل في جودة هذا النص القانوني، وهو ما عجل بإعادة تعديله للمرة الثانية بمقتضى قانون المصادقة رقم 287/2018. وأصبح الفقه الفرنسي يتحدث عن تعديل التعديل( la réforme de la réforme) إذ تضمن المرسوم تعديل 350 مادة في حين أن قانون المصادقة تضمن تعديل 21 مادة من المرسوم السابق.
[3]– Voir : François Campagnola, le projet de réforme du droit français des contrats : rénovation ou révolution Sur le site https://www.village-justice.com/articles/projet-reforme-droit-francais-des,22084.html. visité le08/12/2018.
[4]جان سمتس و كارولاين كالوم ” الإصلاحات المدخلة على نظرية الالتزام في القانون المدني الفرنسي ” ترجمة نبيل مهدي زوين مقال منشور بمجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 20 ديسمبر 2017 ص118.
[5][5] شهدت فرنسا ثورة جديدة قادها أصحاب السترات الصفراء وهو ما شكل إنذارا كبيرا يقضي بضرورة إرجاع التوازن الاجتماعي الذي حاولت الثورة الفرنسية إقراره من خلال مختلف المبادئ التي قامت عليها وفي مقدمتها العدالة والمساواة والحرية والإخاء، وآملا في احتواء هذه الثورة الاحتجاجية ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابا تاريخيا يوم الاثنين 14/01/2019. جاء فيه بكونه يتحمل المسؤولية الكاملة في إثارة مشاعر الغضب لدى بعض الفرنسيين كما أكد على أن فرنسا تواجه حالة طوارئ اقتصاديا واجتماعيا، وأقر إمكانية حل هذه الأزمة من خلال إتخاد التدابير التالية :
– زيادة الحد الأدنى للأجور ابتداء من سنة 2019 بزيادة 100 يورو.
– إدخال حوافز مالية وتدابير عاجلة لمساعدة من تقل رواتبهم عن 2000 يورو، وإعفائهم من ضريبة الرعاية الاجتماعية وإجراء إصلاحات عميقة على نظام الأجور والضرائب .
– مراجعة نظام الضرائب لدعم من يتقاضون رواتب ضعيفة ،
– عدم فرض أي ضرائب على ساعات العمل الإضافية.
هذه الإصلاحات جاءت لحماية الطبقة المتوسطة والضعيفة التي كانت ضحية أهواء أصحاب المال والمتحكمين في الاقتصاد، وهذا ما يدعو الى القول أن القواعد القانونية التي تمت صياغتها وفق تقنيات اقتصادية محكمة تهدف الى تحقيق الربح للطرف على حساب طرف آخر في غياب أي توازن بينهم و لا تخاطب الواقع الاجتماعي يكون هناك خلل في ضمان استمراريتها في التطبيق .
[6]Code civil des français : édition originale et seule officielle, Imprimerie de la république paris éd 1804 p 570.
[7]– سهى منذر خليفة ” قانون نابليون «مقال مطلع عليه بالموقع www.altaakhipress.com بتاريخ 17 نونبر 2018 على الساعة 17:22.
[8]– تسمى كذلك بشريعة حمورابي سادس ملوك مملكة بابل القديمة وهي من أقدم الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية. وتعود إلى عام 1770 قبل الميلاد وتتكون من مجموعة من القوانين وهي مرقمة من 1 الى 282.
[9]– يرجع أصل القانون الروماني إلى مدونة جستنيان حيث اتجهت عنايته إلى إصلاح القوانين الخاصة بالإمبراطورية الرومانية القديمة وتجميعها وتبويبها، فشكل لجنة من كبار رجال القانون على رأسهم تريبونيان وثيوفيليوس أستاذ بجامعة القسطنطينية، وتم جمع القوانين الرومانية وتبويبها سنة 527م في مجلد واحد أسمه (مدونة جستنيان) حيث قامت اللجنة بجمع وترتيب كل القوانين التي صدرت عن الأباطرة البيزنطيين مند هادريان إلى جستنيان وكتب المجلد باللغة اللاتينية للمزيد من الاطلاع تصفح الموقع https.m.marfa.org.
[10]– سبق أن صرح المؤرخ الفرنسي جان جاك سيديوSEDILLOT (1771_1832)” أن قانون نابليون منقول عن كتاب فقهي عن مذهب مالك هو كتاب الدردير على متن الخليل “وهو الشيخ أحمد الدردير المالكي الأزهري والذي قام بشرح أكبر كتاب في مذهب الإمام مالك وهو مختصر الخليل لمزيد من الاطلاع راجع صالح علوان ” معالم الحظارة في الإسلام ص 156.
[11]– سيد عبد الله علي حسن: المقارنات التشريعية، مقارنة بين فقه القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك، ثلاثة أجزاء الطبعة الأولى 1947 دون ذكر إسم المطبعة.
[12][12] جان سمتس و كارولاين كالوم ” الإصلاحات المدخلة على نظرية الالتزام في القانون المدني الفرنسي” ترجمة نبيل مهدي زوين المرجع السابق ص117 يراجع كذلك حول هذا المفهوم.
YAVES GAUDEMET ; le code civil «constitution civil de la France»‚ in 1804 _ 2004 ‚ le code civil ‚un passé ‚un présent ‚un avenir ‚université panthéon _ Assas Dalloz 2004 p 279 et suiv.
[13] وليد غمرة المرجع السابق ص 13.
[14]– تعتبر مدونة نابليون مدونة مدنية عصرية تصنف ضمن المدونة العملية المباشرة codes empiriques et concrets والتي تعتمد على أسلوب يسير خال من التجريد على عكس المدونات المجردة والمركزة والتي تولي عناية للمصطلحات والأنماط.
– حول هذا الموضوع يراجع
-Valérie LASSERE – KIESOW، la technique législative، étude sur les codes civils français et allemand، Thèse L، G، D، J، tome 371, Paris 2002 ; André TUNC, la technique législative du projet de code commerce des Etats-Unis D, 1952.chr p 9 et suivi.
[15] وليد غمرة ” التقنين المدني الفرنسي: تاريخه وأثرة مقال منشور في أعمال الندوة التي عقدتها كلية الحقوق جامعة بيروت العربية بمناسبة مائتي عام على إصدار التقنين المدني الفرنسي 1804/2004 الطبعة الأولى 2005 منشورات الحلبي الحقوقية ص 11 و ما بعدها.
[16]” Ma vraie gloire ce n’est pas d’avoir gagné quarante bataille ;Waterloo effacera le souvenir de tant de victoires. Ce qui rien n’effacera .ce qui viva éternellement c’est mon code civil”
[17]وليد غمرة ” التقنين المدني الفرنسي: تاريخ هو أثرة المرجع السابق ص 13 .
[18] في مقدمتها القانون المدني الألماني المعدل في عام 2002 والقانون المدني البرازيلي الذي عدل في ذات العام والقانون المدني الكندي لمقاطعة كيبيك لعام 1996 والقانون المدني الإسباني المعدل في عام 2012.
[19] وهو الأمر الذي بين حقيقة المكانة التفضيلية لهذه المنظومة بالمقارنة مع المنظومة القانونية الفرنسية، وخفت بريق الإستشراقي الذي كانت تتمتع به في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، باعتبارها واحدة من أهم القوانين الغربية الملهمة للكثير من التشريعات الوضعية الحديثة للعديد من البلدان .فاليوم كثيرون هم الذين يؤكدون بان القانون المدني الفرنسي إنما هو ضحية تقريع المدرسة الأنكلوسكسونية للمدرسة اللاتينية على المستوى الدولي (french law bashing) لاسيما بعدما تبين حجم إحجام الشركات المتوسطة والصغرى في العديد من الدول عن تبني قوانين المدرسة الفرنسية خاصة لإبرام العقود الدولية بما فيها قواعد القانون المدني الفرنسي على حساب قوانين المنظومة الأنكلوسكسونية. حول هذا الموضوع يراجع محمد عرفان الخطيب «نظرية صحة العقد في التشريع المدني الفرنسي الحديث الثابت والمتغير قراءة نقدية في قانون إصلاح قانون العقود والإثبات رقم 131_2016» مقال منشور بمجلة كلية القانون الكويتية العالمية العدد 1 السنة السادسة العدد التسلسلي 21 جمادى الآخرة رجب ه مارس 2018 م ص 242.
[20] Pour plus d’information a propos de tous ces effort voir: Denis Mazeaud la réforme du droit française des contrats: trois projets en concurrence ، In Libre amicorum Christian Larroumet ، Economica.2010 p344 et s.
[21]Pierre catala avant –projet de réforme du droit des obligations et de la prescription. Présentation générale de l’avant – projet .Entreprise Universitaire d’études et de publication .Beyrouth.2009.
[22]حول هذا المشروع يراجع محمد حسن قاسم المجلد الأول المتعلق “بالقانون المدني، الالتزامات، المصادر، العقد ” منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة الثانية سنة 2018 ص8 وما بعدها.
[23]– دهب بعض الباحثين الفرنسيين إلى وجود مشروع آخر بالإضافة إلى هذه المشاريع وهو مشروع Chancellerie لسنة 2008، حول هذا المشروع يراجع :
Olivier Tournafond :le projet de la chancellerie de rèforme du droit du contrats: commentaire passionne et critique. Droit et patrimoine ;n° 241.2004p28.
[24]– حول هذا المشروع يراجع.
Colloque : la réforme du droit fronçais des contrats en droit positif, RDC 2009 /265. M, FABRE -MAGNAN ; réforme du droit des contrats : untrès bon projet. JCP2008–I‒199.D. Mainguy. Défense critique et illustration de certains points du projet de réforme de droit des contrats, D ,2009 chronique p.308 et s.
[25]– Voir: Doing Businesse, des réglementations intelligentes, comparaison de la réglementation s appliquant aux entreprises locales dans 185 économies 10 éditions. Publication de la banque mondiale et de la société financière internationale 2013p 16 et p25.
[26]-M.C .ponthoream”: la concurrence entre Common Law et droit civil” colloque de Lyon 20 octobre 2006″:la concurrence des systèmes juridiques presse universitaires Aix Marseille 2008 ;p 35.
[27]– عبد الرحمان الشرقاوي قواعد المسؤولية المدنية بين حتمية الإصلاح الجزئي وخيار التعديل الشامل المسؤولية المدنية الناجمة عن المنتوجات المعيبة نموذجا. مقال منشور بأعمال الندوة الدولية الثانية التي نظمها فريق البحث في تحديث القانون والعدالة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط يومي 8 و9 ماي 2013 بمناسبة الذكرى المئوية لظهير الالتزامات والعقود المغربي في موضوع: التحولات الاقتصادية وانعكاساتها على ظهير الالتزامات والعقود المغربي الطبعة الأولى 2016 مطبعة الرباط نت ص 125.
[28] Voir: la loi n° 75‑597 . 9 juille.JO10 juillet ,et la loi n 85‑ 1097, 11 oct. .1985. JO15 oct.
[29] La loi n° 2004‑575 21 juin 2004, pour la confiance dans l’économie numérique (LCEN) JO 22 juin . Art 1108‑1 et 1108‑2 Ord n° 2005‑674, 16 juin 2005 .JO 17 juin.
[30] pour plus d informations voir : Code Civil Colloque sur le bicentenaire du code a la Sorbonne tomes 1et 2,pris . le 11 mars 2004. Chirac propose une réforme du droit des contrats .les échos .le 12/032004/.
[31]Rapport au président de la république relatif à l’ordonnance de 2016_ 131 du 10 février 2016 portant réforme du droit des contrats, du régime général et de la preuve des obligations, journal officiel de la République française n 0035 du 11 février 2016.
[32] محمد حسن قاسم ترجمة «قانون العقود الفرنسي الجديد باللغة العربية المواد 1100 الى 7_1231 من القانون المدني الفرنسي” منشورات الحلبي الطبعة الأولى 2018 ص 8.
[33] محمد حسن قاسم «قانون العقود الفرنسي الجديد باللغة العربية المواد 1100 الى 7_1231 من القانون المدني الفرنسي ” منشورات الحلبي الطبعة الأولى 2018 المرجع السابق ص 10.
[34] للمزيد من الإطلاع حول العولمة يراجع عبد القادر القادري مقال بعنوان ” عولمة القانون ” منشور بالمجلة العربية للفقه والقضاء العدد 28 ص :2.
[35] وهذا ما يدفعنا الى القول أن القانون المدني الفرنسي ل محافظا على مبادئها الأصيلة التي طالما ميزت منظومة القانون المدني الفرنسي باعتبارها حاملة لواء التقنين القانوني للمدرسة اللاتينية على مستوى العالم .
[36]«Art.1104 .les contras doivent être négociés, formes et exécutés de bonne foi. Cette disposition est d’ordre public»
[37] «Art.1194 .les contrats obligent non seulement à ce qui y est exprimé, Mais encore a toute les suites que leur donnent l’équité l’usage ou la loi. »
[38]– حول هذه التحولات وتأثيرها على القانون المدني يراجع:
RENE SAVATIER ; les métamorphoses économiques et sociales du droit prive d aujourd’hui première série panorama des mutations ; libraire Dalloz‚ paris 1064
[39] – تبنى المشرع الفرنسي في القانون المدني الجديد فيما يتعلق بالقواعد الخاصة بالنيابة التوجه المعتمد في المبادئ الاوروبية، وبالتالي سمح بتعريف النظام العام للنيابة بمصدره الاتفاقية والقانونية والقضائية، في حين أن القانون المدني السابق لم يكن يستوعب من الناحية التقنينية مختلف القواعد التي تتناول مفهوم التمثيل القانوني، بل يتناول حالات متعددة من التمثيل لاسيما الوكالة وذلك دون أن يكون لها إطار عام .
[40]JACQUES GHESTIN : Traite de droit civil, la formation du contrat ,3eme édition L, G, D, J.1993؛ p 1.
[41]«Art.1100 les obligations naissent d’actes juridiques, de faits juridiques ou de l’autorité seule de la loi.
Elles peuvent naitre de l’exécution volontaire ou de la promesse d’exécution d’un de voir de conscience envers autrui»
[42]Hugo BARBIER« Les grands mouvements du droit commun des contrats après l’ordonnance du 10 février 2016» Revu trimestrielle de droit civil. Avril _ juin 2. 2016. p 247.
[43]«Art.1101le contrat est un accord de volontés entre deux ou plusieurs personnes destine à créer, modifier, transmettre ou éteindre des obligations».
[44] «Art.1110. le contrat de gré à gré est celui dont les stipulations sont librement négociées entre les parties».
[45]«Art.1111. le contrat cadre est un accorde par lequel les parties conviennent des caractéristiques générales de leurs relations contractuelles futures. Des contrats d’application en précisent les modalités d’exécution».
[46] يراجع حسين عبد الله عبد الرضا الكلابي ” مضمون العقد دراسة مقارنة بين النظام القانوني الإنكليزي والقانون المدني الفرنسي المعدل بموجب المرسوم التشريعي الصادر في 10 فبراير 2016″ المجلة ال أكاديمية للبحث القانوني، المجلد17، العدد 01 ،2018 ص 671.
[47] محمد حسن قاسم المجلد الأول المرجع السابق
[48]Art.1112 2_Celui qui utilise ou divulgue sans autorisation une information confidentielle obtenue à l’occasion de la négociabilité dans les conditions du droit commun».
[49] «Art.1186 Un contrat valablement forme devient caduc si l’un de ses éléments essentiels disparait.
Lorsque l’exécution de plusieurs contrats est nécessaire à la réalisation d’une même opération et que l’un deux disparait. Sont caducs les contrats dont l’exécution est rendue impossible par cette disparition et ceux pour lesquels l’exécution des contrats disparu était une condition déterminante du consentement dune parti.
La caducité n’intervient toutefois que si le contractant contre lequel elle est invoquée connaissait l’existence de l’opération d’ensemble lorsqu’il a donné son consentement».
[50] سبق للقضاء الفرنسي ان أكد على إمكانية فسخ العقد بإرادة منفردة إذ جاء في قرار صادر عن الغرفة الأولى بتاريخ 13/10/1998 حيث أكد على ما يلي «إن جسامة سلوك أحد المتعاقدين، أو خطورته تبرر للمتعاقد الآخر أن ينهي العقد، على مسؤوليته بإرادة منفردة» يراجع بهذا الخصوص :
H .CAPITANT,F .TERRE et Y.LEQUETTE ; les grands arrêt de la jurisprudence Civile T2 ;12 Ed Dalloz 2008 p 266.
[51] M, STORCK , domaine et conditions d’application d inexécution juris classeur civil. Art 1148 fasc 10(3 2011)p 1.
[52] Picod le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat . LGDJ 1989 P 101 Exécution de bonne foi . in juris classeur civil art 1134 et 1135 fasc 11 p 38.
[53] عبد القادر العرعاري «قانون الالتزامات والعقود بين منظور الإصلاح الشامل والتعديلات الجزئية المحدودة »مداخلة مشورة كتاب بمئوية قانون الالتزامات والعقود 1913/2013.أشغال اللقاءات التحضيرية المنظمة أياام 27 يناير 15 و 16 مارس و 11 ماي 2012 من قبل مختبر القانون الخاص بجامعة محمد الخامس أكدال الطبعة الأولى 2012/1433 المطبعة CanaPrit Rabat ص 75 وما بعدها.