مشاركة الفاعل المدني في مسار اتخاذ القرار العمومي
فدوا بنبنعيسى
باحثة بسلك الدكتوراه في القانون العام
كلية الحقوق مكناس
يشكل الفاعل المدني ببعديه الفردي والجمعوي، أحد الأركان الأساسية ضمن جهود حركة المجتمع المدني، حيث أصبح معولا عليه حاضرا ومستقبلا من أجل المساهمة في قيادة المسيرة التنموية، وذلك جنبا لجنب مع جهود الدولة وباقي القطاعات الخاصة الأخرى، خصوصا وأن المجتمع المدني أصبح قوة اقتراحيه فعالة تسهم في تفعيل التنمية الشاملة والمستدامة، هذه القوة يؤكدها حضوره الكمي والتصاقه اليومي بحاجيات الساكنة.
وقد تعاظم دور المجتمع المدني وأصبح يحظى باهتمام كبير، لما يساهم به من مجهودات ذات طابع اجتماعي وتنموي، ولعل أبرز الدوافع التي مكنته من تبوء هذه المكانة، تعود إلى تراجع دور الدولة في التدبير المباشر لمختلف القطاعات، وكذا استجابتها لمطالب قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، الشيء الذي أفرز إرادة سياسية لمختلف الدول ومنها المغرب لإشراك مختلف المتدخلين بسياسات وبرامج
الدولة، سواء منها الداخلية أو الخارجية([1]).
في هذا الإطار لم تكن إذا ولادة الديمقراطية التشاركية منعزلة عن الفلسفة الجديدة في تدبير الفعل العمومي، والميل إلى إعطاء “البعد المحلي” مكانة أساسية في هذا التدبير، فإذا كانت السياسات العمومية قد ارتكزت منذ الحرب العالمية الثانية على فكرة التدخل الضروري للدولة، فإن الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية قد فرضت الانتقال من حكم مركزي تسيطر فيه الدولة، إلى حكم قائم على تعدد واختلاف الفاعلين، واعتبار”البعد المحلي” محطة إستراتيجية في إعادة هيكلة الفعل والسياسات العمومية.
ومن أجل تفعيل الديمقراطية التشاركية لتمكين المواطنين من المشاركة السياسية الفعلية، وتدبير الشأن العام وصنع القرارات ذات الأولويات بالنسبة لهم، وإيجاد الحلول لإشكاليات التنمية، نص الدستور الحالي في فصله الأول أن النظام الدستوري للمملكة المغربية، يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
من خلال هذا التنصيص، تبدو الأهمية الكبرى للديمقراطية التشاركية عبر تجدير هذا المبدأ الذي يعتبر أسلوب لتفادي سلبيات الديمقراطية التمثيلية وإدخال الترميمات الضرورية عليها، مما يستدعي إيجاد آلية تمكن من المشاركة الفعلية للمواطنين وترسيخ الثقة بين جميع الفاعلين في المجال السياسي.
على هذا الأساس، تهدف هذه الورقة الوقوف على مضمون ومبررات وأهداف تطبيق الديمقراطية التشاركية في صنع القرارات والسياسات العمومية، وما مدى تأسيسها فعليا لدور الفاعل المدني في تحقيق تنمية مستدامة، وفي وضع وصياغة القرارات المحلية والوطنية؟ عبر قراءة في مقتضيات دستور2011. وذلك بالاعتماد على التقسيم الثلاثي أذناه:
أولا : مبررات و مغزى مشاركة الفاعل المدني في تدبير الشأن العام
تعد الديمقراطية التشاركية شكل من أشكال التدبير المشترك للشأن العام، والتي تتأسس على تقوية مشاركة السكان في اتخاذ القرار السياسي، وهي تشير إلى نموذج سياسي “بديل”، يستهدف زيادة انخراط ومشاركة المواطنين في النقاش العمومي وفي اتخاذ القرار السياسي، أي عندما يتم استدعاء الأفراد للقيام باستشارات كبرى تهم مشاريع محلية أو قرارات عمومية تعنيهم بشكل مباشر، وذلك لإشراكهم في اتخاذ القرارات، مع التحمل الجماعي للمسؤوليات المترتبة على ذلك.
وتستهدف الديمقراطية التشاركية تصحيح الديمقراطية التمثيلية، التي ظهرت جليا بعض عيوبها، وتعزيز دور المواطن الذي لا ينبغي أن يبقى منحصرا فحسب في الحق في التصويت، أو الترشح والولوج إلى المجالس المنتجة محليا ووطنيا، بل يمتد ليشمل الحق في الإخبار والاستشارة وفي التتبع والتقييم، أي أن تتحول حقوق المواطن من حقوق موسمية تبدأ مع كل استحقاق انتخابي وتنتهي بانتهائه، إلى حقوق دائمة ومستمرة ومباشرة تمارس بشكل يومي وعن قرب، وهي بهذا المعنى تتميز عن الديمقراطية التمثيلية التي تمارس عبر المنتخبين، اللذين قد يتخلون عن دور الاقتراب من المواطن وإشراكه في صنع وإنتاج القرار، بمجرد انتهاء الاستحقاق الانتخابي، فإذا كان طابع الديمقراطية التشاركية يتصف بالاستمرار في الزمن، فإن الديمقراطية التمثيلية تبقى ظرفية ومنحصرة في فترة زمنية محددة.
وتتحقق هذه المشاركة بـالتعاون والتضامن والحوار والاستشارة والتشاور، مع المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، بخصوص إعداد السياسات العمومية وبرامج التنمية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها،
واقتراح قرارات ومشاريع، وتقديم ملتمسات في مجال التشريع وعرائض تهم مناحي الحياة العامة([2]).
وتبرر الأهمية المتزايدة للفاعل المدني في هذا الصدد، جملة من العوامل الخارجية والداخلية التي أصبحت تبوئه مكانة متميزة في التنمية المحلية والوطنية، وفي صنع السياسات والقرارات العمومية، والتي فرضت تدعيم الديمقراطية التمثيلية بالديمقراطية التشاركية، خصوصا مع ظهور أزمة الديمقراطية في بعدها التمثيلي، وما وازاه من استبعاد للمواطن طيلة الفترات التي تفصل بين الانتخابات، فتعالت بذلك الأصوات الداعية إلى تجاوز هذه الاختلالات، اعتبارا لكون الديمقراطية التشاركية حلقة من حلقات مسلسل بناء الديمقراطية بالمغرب، كونها تهدف إلى خلق تكامل وظيفي مع مستويات الديمقراطية التمثيلية -المحلية، والإقليمية، والجهوية والوطنية-، ولا يمكن استشراف مستقبل هذا التكامل بمنطق تنازع الأدوار.
هذه المشاركة ذات أهمية قصوى على المدى البعيد، إن على مستوى إغناء المسار السياسي للقرار العمومي، أو على مستوى تجويده وتفاعله الإيجابي مع تطلعات عموم المواطنات والمواطنين، فعدم إشراك فعاليات المجتمع المدني يفرغ الممارسة الديمقراطية من أي معنى حقيقي، وبالتالي يعد اليوم قيمة التكامل ما بين الحكامة وفعاليات المجتمع المدني رهانا جوهريا([3]).
فالديمقراطية التشاركية تتم عبر التفاعل مع المواطنين والتنظيمات الجمعوية، للقيام باستشارات كبرى بشأن المشاريع التي تهمهم، وذلك بإشراكهم مباشرة في إعداد السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها، مع التحمل الجماعي للمسؤوليات واقتسام المخاطر المترتبة عن اختياراتهم كأحد مرتكزاتها، وكذا من أجل استثمار كل الطاقات والإمكانيات البشرية على اختلاف تكويناتها أثناء عملية صنع القرار العمومي، عوض المشاريع الفوقية التي لا تعتمد مقاربة تشاركية، ما يفسر عدم نجاحها في الغالب، وهو الأمر الذي حاول الدستور الحالي تأطيره.
ثانيا : الإطار الدستوري لمشاركة الفاعل المدني
أكد دستور 2011، والتوجهات السياسية والإستراتيجية العامة التي واكبته، الالتزام بتطوير مسالك قانونية ومؤسساتية كفيلة بضمان تفعيل جيد وجدي للديمقراطية التشاركية، بوصفها ركنا أساسيا للنظام السياسي والاجتماعي القائم، من أجل الحفاظ على المكتسبات في مجال الحقوق والحريات.
وبما أن المبادرات الشعبية أضحت تشكل وسيلة من وسائل الديمقراطية التشاركية، ولصنع السياسات العمومية ولتدبير جيد للشأن العام، كان بالتالي المسلك هو صياغة إطارا دستوريا لضمان الحق في إشراك الفاعل المدني في صنع السياسات العمومية وفي تدبيرها وتتبعها، فلم يعد الشأن العام المحلي حكرا على المؤسسات السياسية والمنتخبة بمقتضى الدستور الجديد، بل أصبح المجتمع المدني يضطلع بدور كبير في هذا المجال، حيث تضمن الدستور مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها، وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة طبق شروط وكيفيات يحددها القانون، في هذا الشأن فإن الوثيقة الدستورية لسنة 2011، تترجم وعي ورغبة المشرعين في إشراك المواطنين والمجتمع المدني في تدبير ومراقبة وتقويم السياسات العمومية.
من تم وبحسب المقتضيات الدستورية، أضحت المشاركة المدنية مسار مؤسساتي مبني على قوانين ضابطة تتيح انخراط المواطنات والمواطنين والمرتفقين، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، والمغاربة المقيمين في الخارج، وبقية الفاعلين الاجتماعيين في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل ما يتعلق بحماية الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات المدنية، والمناصفة بين الرجال والنساء، والإدماج الاجتماعي للشباب والفئات الاجتماعية في وضعية الهشاشة، والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومحاربة الرشوة، والحكامة الجيدة، والمساءلة الاجتماعية.
حيث فتحت الوثيقة الدستورية أفقا جديدا أمام الدولة والمجتمع لتوطيد دعائم الديمقراطية، ودعائم دولة الحق والقانون، وترسيخ أسس الديمقراطية التشاركية ومرتكزاتها وآلياتها، كما تفصلها أحكام الدستور([4])، والتي نجد من بينها دسترة المبادرتين الشعبيتين كشكلين من أشكال الديمقراطية التشاركية، ويتعلق الأمر هنا بكل من تقديم الملتمسات في مجال التشريع (الفصل 14) أو تقديم العرائض إلى السلطات العمومية (الفصل 15)([5]).
كما أنه أصبح من حق المواطنين والمواطنات الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بالمرفق العام، ويركز التنظيم الترابي على التعاون والتضامن ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، الشيء الذي يلزم مجالس الجهات والجماعات الترابية بوضع آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها([6]).
ومن القواعد المهمة التي نص عليها الدستور، نجد كذلك إلزامية المرافق العمومية بتقديم حسابات عن تدبيرها للأموال العمومية، وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم، بعد ما تتلقى ملاحظات المرتفقين واقتراحاتهم وتظلماتهم وتؤمن تتبعها، وجعل المواطنين قادرين على تحمل مسؤولية الاختيار وانجاز المشاريع وفق مقاربة تشاركية من أجل عقلنة تدبير المال العام.
وفقا لما سبق، فإن دستور 2011 وسع من دور المواطن المنحصر سالفا في الدور الانتخابي، المنتهي بانتهاء الاستحقاقات الانتخابية، وأقر بدوره التشريعي، سواء كان ذلك من داخل مؤسسات قائمة الذات كالجمعيات، أو مواطنا عاديا فحسب، فلأول مرة يصبح المجتمع المدني فاعلا أساسيا على مستوى المشاركة في التشريع، من خلال إمكانية تقديم عرائض إلى المحكمة الدستورية من أجل النظر في إلغاء القوانين التي تتعارض مع مصالحه وتوجهاته.
في هذا الصدد نشير إلى أن هناك تراكم إيجابي حققه المغرب في مجال التدبير التشاركي، من خلال استحضار التجارب العملية التي نذكر منها، ميثاق إعداد التراب الوطني، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ميثاق البيئة، توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الميثاق الاجتماعي، وميثاق إصلاح منظومة العدالة، وغيرها من مبادرات الدولة والمجتمع المدني لتعزيز ثقافة الاستشارة العمومية. ما يجعلنا نذهب للقول بأن المجتمع المدني المغربي أصبح، إلى حد ما، من مصادر ما أسماه أحد الباحثين “بالإيحاء التشريعي”([7])، خاصة في مجال إعمال المقاربات التشاركية في إنتاج السياسات العمومية من طرف الدولة، وتطور خبرات المجتمع المدني المغربي بالترافع في القضايا التي تهمه([8])، وتواجد مؤسسات دستورية واستشارية تضم فاعلين داخل المجتمع المدني، يكون من صلاحياتها تقديم توصيات بالتشريع في مجال معين([9]).
وإن كان هذا لا يمنع من القول أن مساهمة المجتمع المدني، خاصة في العمل البرلماني وعلى مستوى التشريع بالتحديد، لا تزال في حاجة إلى التفعيل، وهو ما يعني أن التواصل المدني البرلماني لا زال في بداياته، زد على ذلك إشكالية ضعف معدل التأطير الجمعوي للسكان (145 جمعية لكل100.000 نسمة)، إضافة إلى الفوارق المسجلة على مستوى الانتشار الترابي للجمعيات (يتركز ٪30 من النسيج الجمعوي الوطني في كل من جهة الرباط سلا زمور زعير، وجهة سوس ماسة درعة).
إن التعاقد التشاركي المندمج كمبدأ استراتيجي في الدستور، يجعل من كل الأطراف التي شملتها الديمقراطية في النص الدستوري شركاء فعليين للدولة، يضطلع كل منهم بأدوار أصلية، تتميز بالتنوع والتكامل أكثر مما تتصف به من عناصر التشابه والتماثل في الأدوار، ما يوجب نزع صفة التنازع بين الفاعلين والشركاء، وهو ما يقتضي ضرورة الانتقال إلى مرحلة التأسيس لحكامة تشاركية.
ثالثا : نحو تأسيس حكامة تشاركية
من أجل تحقيق حكامة تشاركية والتي تعد أحد ركائز التأهيل المؤسساتي، يتطلب الأمر وضع حد للسمة الانغلاقية التي ظلت تقبع على تصريف الشأن العام، والدعوة لمقومات التدبير التشاركي القائم على ميكانيزمات الانفتاح والتواصل، والإسهام الفعلي لمجموع القوى الحية في المجتمع كشريك أساسي لا محيد عنه، والوصول إلى هذا المستوى من التدبير، يحتم تشبع طرفي المعادلة بمقومات التدبير العقلاني المشترك، الذي يعتمد منطق القرب والإسهام، وكطرح يهدف إلى الرقي بمقومات ومنطق تصريف الشأن العام، نحو التدبير التشاركي القائم على الارتقاء بالمواطن من مجرد ناخب إلى مواطن شريك.
وفي الواقع إن الدعوة للمشاركة في مسلسل الإنماء المحلي، تعد اليوم ثقافة بيداغوجية قصد النهوض الجيد بإكراهات ورهانات التدبير القويم للشأن العام([10]). ومن أجل تحقيق هذا المبتغي لا بد من تقديم بعض المقترحات لتعزيز الديمقراطية التشاركية، كما يلي:
- تفعيل المبدأ الدستوري الداعي لحق المواطن في الوصول إلى المعلومات، بحسبانها مدخلا أساسيا لخلق تنمية حقيقية، ولكون أي تستر عليها سيفقد الفاعل المدني المعطيات الأساسية للمشاركة في الفعل التنموي.
- تعزيز مكانة المجتمع المدني في مختلف مراحل تدبير الشأن العام وتقييمه وصياغة سياسته.
- الرفع من قدرة الجمعيات على تحقيق تمثيلية حقيقية، ذات قوة اقتراحيه وضاغطة في اتجاه الاعتماد على المواطنين في كل ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي.
- تنظيم ورشات ولقاءات داخلية لإنضاج التصورات حول مفهوم الديمقراطية التشاركية، ودورها في تدبير الشأن العام والمحلي.
- تحقيق تملك ﻗﻴﻡ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺍﻟﺘﺸﺎﺭكية ﻭﺍﻟﺘﻌﺩﺩﻴﺔ، وحرية الرأي ﻭﺍﻟﺤﻜﺎمة ﺍﻟﺠﻴﺩﺓ، الذي يستدعي ﺍﻻنخراط ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻬﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟمدنية ﻓﻲ إعمال ﺍلمبادئ ﺍﻟﺩﺴﺘﻭﺭية.
- تتبع ومواكبة المشاريع والقرارات من مرحلة التشخيص والتخطيط إلى التنفيذ والتتبع والتقييم.
- الاتفاق المتعاقد بشأنه، وهو التزام مكتوب للتعاون والتضامن مبني على التراضي، خاضع لمجموعة من المداخل العملية، نذكر منها، الثقة المتبادلة والعمل على تجاوز معوقات تنافر المصالح، وتباعد الأهداف والتطلعات بين المؤسسات العمومية ومكونات المجتمع المدني، والاحتكام إلى ثقافة النتائج، واحترام الأدوار، وتكامل الوظائف والموارد وتفاعلها.
- المساءلة المدنية للمؤسسات العمومية، من مجالس منتخبة وسلطات عمومية، وفق منهجية وقواعد تتأسس على تغليب المصلحة العامة والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتواصل والحوار بشأن حصيلة تنفيذ برامج ومشاريع التنمية، وكل ما يخص القرارات التدبيرية والمالية لمناحي الحياة العامة وصيانة حقوق المواطنين وكرامتهم.
وحيث أن إرساء معالم هذا النموذج التشاركي، لا يمكنه إلا أن يسير في خط مستقيم تصاعدي بلا رجعة، فإن ذلك يلزم الدولة والمجتمع المدني تنزيله وتفعيله على أرض الواقع، ومواصلة الإشراف عليه، في إطار من المسؤولية الوطنية، والانفتاح الفكري والثقافي على مختلف التوجهات المدنية التي يزخر بها المجتمع المغربي([11]).
ولأن هذا السياق، يفرض استثمار الوعي المدني الذي أعقب الحراك الديمقراطي وامتداده المغربي، في تحصين دولة الحق والقانون، فإنه يتعين ضرورة اليقظة والحرص لتفادي كل ما من شأنه أن يكرس لدى المواطن الشعور بالغبن الاجتماعي، وبعدم الثقة في إمكانية العيش بكرامة داخل مجتمع حر ومتضامن وعادل.
في الختام، نقول أن السياق العام الذي يعيشه العالم، والمتمثل في الانحدار التدريجي إلى لا مركزية القرار التنموي، يدفعنا للحديث عن ضرورة التفكير في مناهج جديدة للعمل التنموي، ولعل المقاربة التشاركية تعد أبرز هذه المناهج، فقد أصبح من الضروري الالتزام بضمان الحق في المساواة أمام القانون، وأن تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنين والمواطنات، ومشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولن يتأتى ذلك إلا بالمشاركة الفعلية في العمل التنموي، وتمكين المواطنين من اتخاذ سلطة القرارات المتعلقة بالسياسات العمومية، التي كانت من اختصاص السياسيين فحسب.
وقد أسفرت التجارب حول الديمقراطية التشاركية، بأنها نظام للحكم الجيد وإعادة الثقة في السياسات الحكومية، وإن من نتائجها التحاور وإيجاد الحلول للمشاريع التي تلقى معارضة قوية من طرف المجتمع، كما أنها طريقة للتقويم والتتبع والمراقبة الشعبية، فالديمقراطية التشاركية تجعل المواطن العادي في قلب اهتماماتها.
فضلا عن هذا فإن الديمقراطية التشاركية ساهمت- كما أسلفنا سابقا- في مراجعة مفهوم السياسات العمومية وتدبير الشأن العام، وانعكاسات ذلك على التدبير الاقتصادي وعلى مفهوم التنمية ذاتها، الأمر الذي يتمظهر جليا من خلال سيطرة العطالة وانخفاض نسبة المشاركة السياسية، بحيث لا تكون الديمقراطية سوى طقسا ضروريا للحاكمين، وتتحول إلى آلية تشتغل لذاتها في غنى عن المواطنين، وتخدم مصلحة فئة معزولة جد محدودة على حساب الفئات الاجتماعية الأخرى، مع ما يجلب ذلك من إقصاء اجتماعي وضعف انخراط في التنمية المحلية والوطنية، إذ لا تنمية محلية دون اشتراك فعلي للمواطن في صنع القرار، كمدخل حقيقي لبناء ديمقراطية راشدة.
وإذا كان الدستور الحالي قد وضع تصورا جديدا يلائم التوجهات العصرية للدول الديمقراطية، وأسس لدعائم قوية لديمقراطية تشاركية، فإن تفعيله في تقديرنا لن يتحقق إلا بتأويل ديمقراطي لبنوده، يلبي طموحات الحركة الجمعوية في المغرب، التي تصبو إلى مكانة متميزة سواء في التشريع أو التنمية المحلية، وتخرجها من وضعها كآلية تنفيذية لسياسات وبرامج محددة سلفا، إلى فاعل أساسي في وضع وتنفيذ وتقييم ومتابعة هذه البرامج والسياسات.
المراجع المعتمدة:
- نوال بهدين: “الفاعلون في رسم السياسة الخارجية المغربية وفق مقتضيات الدستور الجديد”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 109-110 مارس-يونيو2013، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط.
- الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني و الأدوار الدستورية الجديدة، الميثاق الوطني للديمقراطية التشاركية.
- زهير الخيار: “الديمقراطية التشاركية والتمكين التنموي في الدستور المغربي 2011″، في دستور 2011 النص والسياق، المجلة المغربية للسياسات العمومية ،عدد8 -2012.
- حسن طارق: “المجتمع المدني والبرلمان، أي تقاطعات وظيفية ؟ ملاحظات أولية حول مساهمة المجتمع المدني في العمل التشريعي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 75 يوليوز- غشت 2007 ، دار النشر المغربية – الدار البيضاء.
- خالد البهالي: “الحكامة التشاركية : قراءة في المفهوم وفي الجوانب الإجرائية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 101 نونبر- دجنبر2011، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط.
- Mohamed SOUISSI : « société civile et projets de développement local : exemples pratiques », in Eléments, d’analyse sur le développement territorial : Aspects théoriques et empiriques, s/d j.lapéze, N. Elkadiri, Lamrani.
[1] – نوال بهدين : “الفاعلون في رسم السياسة الخارجية المغربية وفق مقتضيات الدستور الجديد”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 109-110 مارس-يونيو2013، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط، ص99.
[2] – الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني و الأدوار الدستورية الجديدة، الميثاق الوطني للديمقراطية التشاركية، ص 11.
[3]– Mohamed SOUISSI : « société civile et projets de développement local : exemples pratiques » ; in Eléments, d’analyse sur le développement territorial :Aspects théoriques et empiriques ,s/d j.lapéze, N. Elkadiri, lamrani, p 139.
[4] – خاصة الواردة في الفصول1 و6 و12 و13 و14 و15 و18 و19 و 27و31 و 33و34 و154 و136 و139 و155 و156 و157 و159 والفصول من 160 إلى 170.
[5] – جاء في الفصل 14 من الدستور ما يلي : “للمواطنين و المواطنات، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع” ، كما نص الفصل 15 منه على “حق المواطن في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية”.
[6] – زهير الخيار :”الديمقراطية التشاركية والتمكين التنموي في الدستور المغربي 2011″، في دستور 2011 النص والسياق، المجلة المغربية للسياسات العمومية ،عدد8 -2012، ص 178.
[7] – يمكن الوقوف على التراكم الذي حققته الفعاليات المدنية النسائية، من خلال ترافعها لدى المؤسسة التشريعية بصدد مجموعة من القوانين التي تهم قضية المساواة، سواء عبر مساهمتها في تعديل مدونة الأسرة أو الدفاع عن فكرة التمييز الايجابي والمشاركة السياسية للنساء، أو من خلال طرح تعديل قانون الجنسية …
[8] – حسن طارق : “المجتمع المدني والبرلمان، أي تقاطعات وظيفية ؟ ملاحظات أولية حول مساهمة المجتمع المدني في العمل التشريعي”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 75 يوليوز- غشت 2007 ، دار النشر المغربية – الدار البيضاء، ص99.
[9] – انظر حالة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الاقتصادي و الاجتماعي …
[10] – خالد البهالي : “الحكامة التشاركية : قراءة في المفهوم وفي الجوانب الإجرائية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 101 نونبر- دجنبر2011، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، ص 137.
[11] – الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة ، مرجع سابق، ص4.