قصور الضمانات في التشريع المغربي و آليات تحديثها
ذ/ بلعيساوي محمد
طالب باحث بسلك الدكتوراه
محام متمرن بهيئة الجديدة
مقدمة:
إن تداول الأموال عامل جوهري من عوامل تطور النشاط الاقتصادي وإنعاشه ، فهو يشكل دعامة أساسية من دعائمه وعنصرا أساسيا من عناصر تطوره ، وهو ما يستوجب بالضرورة أن توفر النظم القانونية الحماية الكافية له، بتكييف مقتضياتها التشريعية مع تغيرات الحياة الاقتصادية وتعزيز الضمانات دفعا للموردين والمشغلين في العمليات الائتمانية إلى تمويل المشروعات الاقتصادية ، لذلك يصبح الترابط بين الائتمان وفكرة التحولات والتطورات الاقتصادية ،أمرا حثميا لا مناص منه .
ويعرف الائتمان بأنه “تلك الثقة التي يمنحها الدائن لمدينه وذلك الاعتقاد الذي يسود لدى الدائن في كونه سيستوفي دينه في ميعاد الاستحقاق المتفق عليه”.
فمن مقومات الائتمان نجد العقد والزمان،ونتيجة للارتباط الائتمان بالعقود الممتدة في الزمان،فإنه أصبح هناك تلازم حتمي بين فكرة الائتمان وفكرة المخاطر،ومن تم بات من الضروري البحث عن وسيلة للضمان لمواجهة هذه المخاطر ومن أهم هذه الوسائل نجد نظام الضمانات.
ولقد أدى تزايد أهمية الائتمان في العصر الحديث إلى الإقبال المتزايد على الضمانات، فالبنوك والمؤسسات المالية أو الدائنين العاديين الذين يقومون بتوزيع الائتمان على المدينين وأصحاب قطاعات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك أصبحوا في ازدياد والحاجة إلى الضمانات، ذلك أن هذه الأخيرة لها تأثير حاسم على حجم ومدة وتكلفة الائتمان([1]).
وعموما تنقسم الضمانات كأهم أداة تعبر عن الائتمان إلى نوعان: ضمانات شخصية وهي ضم ذمة أو أكثر إلى ذمة المدين الأصلي،أما الضمانات العينية: تمنح سلطة مباشرة لشخص على شيء معين بالذات.
هذا وإذا كانت الضمانات تتمتع بالقوة والفعالية في إطار القواعد العامة، فإنه اليوم أمام مختلف التطورات التجارية والاقتصادية أصبحت الضمانات التقليدية قاصرة عن احتواء أو توفير الحماية اللازمة للدائنين وكسب ثقة المستثمرين لتطوير القطاع الاقتصادي الذي يتطلب وجود ضمانات في مستوى عالي من الفعالية والجودة تضمن تقوية الائتمان ، باعتباره معبرا أساسيا للتنمية الاقتصادية.
ذلك أن قانون الضمانات المغربي يطرح مشاكل عديدة تعود في قسط كبير منها إلى قدم النصوص المنظمة لها وتعددها وقصورها في تنظيم يعد الضمانات، إلى جانب تراجع قوة الضمان العام والتعسف في طلب الضمان ثم الزيادة في تكلفة الائتمان كأن يشترط لانعقادها عقد رسمي أو شهر معين، وكذلك بطيء وتعقد الإجراءات المتعلقة بتحقيق الضمانات والذي قد يعوق تداول الأموال فمثلا يصعب بيع عقار مرهون رهنا رسميا أو منقول مرهون رهنا حيازيا،وفي النهاية نجد أن بلوغ هذه الضمانات لغايتها غالبا ما يستغرق كثيرا من الوقت والنفقات نتيجة للإجراءات الحجز والتنفيذ والبيع بالمزاد العلني وما يعرفه من إشكالات، التي أدت إلى نزع الفعالية عن الضمانات العينية ،أو عندما يشترط الضامن مقابلا للمخاطر التي يتعرض لها.
فالبحث المتنامي عن ضمانات جديدة ،سيصبح أكثر إلحاحا مع ظهور معطيات اقتصادية أدت إلى تقليص من أهمية الضمانات العينية التقليدية وتتمثل أساسا في التطور الذي عرفته قوانين صعوبات المقاولات التي لم يعد غرضها عقاب المدين ،بقدر ما أضحت تسعى إلى محاولة إنقاذ المقاولات المتعثرة لما تتعرض له من صعوبات([2]) فضلا عن ظهور قوانين حمائية للمستهلك في مواجهة الدائن صاحب خبرة وكفاءة في مجال البنوك، وذلك حتى يتحقق ميزان القوى في العلاقة التعاقدية. وقد كانت النتيجة المباشرة لهذه القوانين الحديثة تراجع الضمانات العينية التقليدية (الرهن الرسمي والرهن الحيازي، بدون حيازة ….إلخ) وظهور ضمانات جديدة ترتكز على الحيازة أو على الملكية.
ولذلك نجد أن للعوامل الاقتصادية تأثير واضح في تطور الضمانات، فكل الدائنين ليس لديهم الحاجة إلى نفس الضمانات، كما أن كل المدينين لا يستطيعون تقديم نفس الضمانات([3]).
فالضمانات والائتمان ما زالا يعملان ولكن قد حدث لهما بعض التحول،فالدائنون بدأوا يبحثون عن الضمان في وسائل أخرى إما أفرزتها الممارسة التجارية الدولية كخطاب النوايا والاعتماد المستندي والضمانات المستقلة من ضمنها الكفالة البنكية وخطاب الضمان حيث أصبح الضمان عن طريق التوقيع،وإما إن هناك ضمانات جديدة ترتكز على فكرة الملكية كأساس لها ومنها شرط الاحتفاظ بالملكية والائتمان الايجاري والتمويل بالكراء ثم التصرف التأميني والذي يعني نقل الملكية على سبيل الضمان،وأخيرا نجد من الضمانات الجديدة التي أصبحت تطلبها الأبناك التأمين ضد وفاء أو عجز أو مرض المدين.
كما أن الضمان أصبح أكثر فعالية ويسر كلما كان هناك ارتباط بين الدين المضمون والمال الضامن (شرط الاحتفاظ بالملكية) وهو أحد المفاتيح الرئيسية للتطور المعاصر للضمانات وهذا ما يفسر كثرة الالتجاء الدائنين إلى الشروط التعاقدية في الوقت الحاضر([4]).
فضلا عن الوسائل التشريعية لتطويع الضمانات رجعت إرادة الأطراف كعنصر اقتصادي مهم، بحيث أصبح هناك توازن في القوى الاقتصادية بين أطراف العلاقة التعاقدية خاصة في ظل ظهور المدين كشخص معنوي في شكل شركة ذات المسؤولية المحدودة ومن تم أصبح إرادة دور مهم في تحديث نظام الضمانات إلى جانب وجود قضاء يراقب احترام بنود الاتفاقات ، وتفسيرها وتأويلها وفق القانون، مما أصبح له دور أساسي في تحديث نظام الضمانات في التشريع المغربي.
ولهذا سنعمل في هذه الدراسة على الجواب عن إشكالية مفادها ماهي أوجه قصور الضمانات في التشريع المغربي وآليات تحديثها؟.
وتقتضي الضرورة المنهجية للإجابة عن هذه الإشكالية التطرق في المطلب الأول لأوجه قصور الضمانات في التشريع المغربي على أساس أن نعالج في المطلب الثاني آليات تحديث الضمانات في التشريع المغربي.
المطلب الأول: أوجه قصور الضمانات في التشريع المغربي.
إن البحث المتنامي عن ضمانات جديدة، سيصبح أكثر إلحاحا مع ظهور معطيات اقتصادية أدت إلى التقليص من أهمية الضمانات التقليدية في قانون الالتزامات والعقود أو في النصوص الخاصة.
لذلك سنتطرق إلى أوجه القصور على مستوى إنشاء الضمانة (الفقرة الأولى)، ثم على مستوى انتهائها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أوجه قصور الضمانات على مستوى إنشائها وتنفيذها.
إن إنشاء الضمانات يتطلب أول معرفة الإطار القانوني المنظم لهذه الضمانات، لذلك فإن الشخص المدين عند الرغبة في معرفة الضمانات التي يمكن تقديمها ، يبقى تائها بين مجموعة من النصوص المنظمة لها، أو تناقض في نصوصها ، أو مواجهته بضمانات يتم العمل بها واقعيا لدى المؤسسات البنكية دون أن تكون منظمة من المشرع المغربي في نصوص قانونية ، ونبين ذلك في النقط التالية:
أولا: تعدد النصوص المنظمة للضمانات.
إن من بين أهم المشاكل التي تهيمن على نظام الضمانات في التشريع المغربي والتي أمكنا الوقوف عليها وهي تعدد وتشعب النصوص القانونية المنظمة لها بدءا من قانون الالتزامات والعقود الصادر في سنة 1913 الذي نظم الكفالة في الفصول 1117 إلى 1168 ثم الرهن الحيازي بمقتضى الفصول من 1170 إلى غاية 1168، وحق الحبس في الفصول 291 إلى 395.
وكذلك في مدونة التجارة الصادرة سنة 1996 فقد نظمت رهن الأصل التجاري بموجب المواد 106 إلى 110، وكذا الرهن الحيازي التجاري بموجب المواد 338 إلى 340، ثم رهن أدوات ومعدات التجهيز بموجب المواد 355 إلى غاية المادة 377، ثم رهن بعض المواد والمنتوجات بمقتضى المواد 378 إلى 392.
إضافة إلى ذلك ، فإن هناك مجموعة من الضمانات منظمة في نصوص خاصة متفرقة من بينها:
- الرهن البحري المنظم بموجب القانون البحري لسنة 1919 المعدل تاريخ 15/08/1930.
- الظهير الصادر بتاريخ 17/7/1936 المنظم لبيع السيارات بالقرض.
- رهن المنتوجات الفلاحية المنظم بموجب الظهير الصادر بتاريخ 27/08/1918 والمعدل بظهائر 1932 و 1933 المتعلقة لتحقيق الرهن الحيازي في عقود الرهن الفلاحي.
- الرهن الجوي المنظم بموجب المرسوم رقم 161/61/2 الصادر بتاريخ 10/07/1962.
- الظهير الصادر بتاريخ 27/6/1923 المتعلق بتحقيق الرهن الحيازي في عقود الرهن الفلاحي.
ولعل هذا التشتت الذي يعرفه نظام الضمانات في التشريع المغربي يؤدي إلى صعوبة الاطلاع عليها، وينشأ تضارب وعدم انسجام بين مختلف النصوص المنظمة للضمانة الواحدة.
وبناء على ما سبق ونظرا لإشكالية تنوع وتعدد القوانين المنظمة للضمانات، فإنه يحتم على المشرع المغربي إعادة ترتيب الهيكل القانوني العام المنظم للضمانات، وذلك بجعل الرهن الرسمي مثلا هو الأصل لنظم القانونية التي تنظم الضمان العيني، وهذا الإجراء كفيل بوضع حد لتعدد المصادر القانونية للضمان ، كما هو الأمر لدى القانون الكندي الذي عمد في سنة 1994 إلى إدخال تعديلات مهمة على الحقوق العينية الواردة في قانون ولاية “كبيك” حيث تم توحيد جميع الضمانات في قانون واحد هو القانون المدني وتحت مظلة واحدة هي مظلة الرهن الرسمي وعلى إثر ذلك تم حذف الرهن الحيازي والرهن دون نقل الحيازة ، كما تم تمديد دائرة الرهن الرسمي ليشمل المنقولات والعقارات([5]).
ثانيا:قصور النصوص المنظمة للضمانات وعدم تنظيم بعضها:
إلى جانب تعدد وتشعب النصوص المنظمة للضمانات في التشريع المغربي، نجد أن هذا التنظيم في حد ذاته يعرف قصور لبعض الضمانات. حيث نجد مجموعة من النصوص القانونية تعرف إخلالات على مستوى الصياغة والمضمون، وعدم مواكبتها للتطورات التشريعية في مجال الضمانات سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
ونمثل لذلك الائتمان الإيجاري المنظمة في مدونة التجارة ([6]) المغربية في الفصول من431 إلى 442، بحيث في الائتمان التجاري للمنقول نجد عبارة تفيد عدم قابلية مدة الإيجار للإلغاء، وكذا كيفية تحديد الأجرة، فضلا عن حصر المشرع لنطاق هذه العملية في السلع التحضيرية أو المعدات أو الأدوات.
كذلك القصور في تنظيم بعض الضمانات كالكفالة البنكية إذ بالرغم من تنظيم المشرع لها، إلا أنه لم يمنحها المتسع الكافي من النصوص في التنظيم ، حيث أفرد لها مادة وحيدة هي المادة 3 من قانون 12.103 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ([7]) وبذلك فإنه لا بد من الركون إلى القواعد العامة للكفالة الواردة في قانون الالتزامات والعقود.
فرغم كون الكفالة البنكية تشكل نظاما قانونيا مستقلا بذاته، فإن هناك خلو الساحة التشريعية من قانون خاص بهذا النظام يبين مفهومه وأساسه القانوني ويميزه عن المؤسسات المشابهة لها ، رغم الدور الذي تلعبه في الواقع العملي في تطوير الائتمان.
وبالمقابل نجد أن المشرع الفرنسي ومواكبة منه لأهم التطورات الاقتصادية أصدر قانون رقم 500-842 بتاريخ 26 يوليوز 2006 المتعلق بالثقة وتحديث الاقتصاد، فقد خولت المادة 24 منه للحكومة القيام بتعديل التأمينات عن طريق أوامر، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة تقنين بعض التأمينات التي دأب الواقع الاقتصادي على التعامل بها مع تطوير وتحديث المقتضيات التشريعية للقانون المدني في مجال التأمينات العينية سواء منها العقارية أو المنقولة ، بل أكثر من ذلك صدر أمر بتاريخ 23 مارس 2006 جاء بمجموعة من التعديلات والمستنجدات العامة ، راجعت في العمق القانون المدني، وأحدثت كتابا خاصا ولأول مرة وهو الكتاب الرابع الذي جاء بعنوان “التأمينات” وخصص للتأمينات العينية والشخصية([8]).
وتظهر رغبة المشرع المغربي في تجاوز القصور الذي يعترى النصوص المنظمة للضمانات وذلك من خلال ما جاء في هذا المشروع قانون رقم 18.15 بتغيير وتتميم الظهير بمثابة قانون الالتزامات والعقود الذي يمكن تلخيصه في خطوط عريضة كما يلي:
- تسهيل إنشاء الضمانات المنقولة.
- تسهيل إخبار الأغيار خاصة الدائنين المحتملين.
- تعزيز الحرية التعاقدية للأطراف.
- تسهيل تحقيق الضمانات المنقولة.
- وضع قواعد واضحة لترتيب الامتيازات.
- تسهيل تقسيم وتحويل الضمانات المنقولة.
هذا من جهة قصور النظام المنظم للضمانات أم عن الضمانات الغير المنظمة، فبالرغم من أهمية مجموعة من الضمانات على مستوى الدولي، ورغم التعامل بها واقعيا من طرف التجار المغاربة، إلا أن المشرع المغربي لم ينشأ نظام قانوني خاص بها ومثال على ذلك نجد الاعتماد المستندي ، فبالرغم من أهميته في تسوية البيوع الدولية ، إلا أنه لم ينشأ كنظام قانوني له قواعده وأصوله القانونية ، وإنما نشأ كنظام بنكي دولي دعت إليه حاجة التجارة الدولية.
على الرغم من المشرع المغربي لم يتطرق للاعتماد المستندي لا في مدونة التجارة ولا في القانون البنكي رغم أن أعظم التجار المغاربة يقومون بعمليات تجارية عن طريق الاعتماد المستندي.
ثالثا: تراجع قوة الضمان العام في التشريع المغربي.
إن الضمان العام هو ضمان قانوني يهدف إلى توفير الحماية القانونية للدائن للاستيفاء حقوقه الشخصية من مدينه، فهو تأمين عام بواسطته يستطيع الدائن الحصول على حقوقه لدى مدينه، وأن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه ، وأن جميع الدائنين متساوون في هذا الضمان.
وهذا ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 1241 من ق ل ع الذي جاء فيه:” أموال المدين ضمان عام لدائنيه ، ويوزع ثمنها عليهم بنسبة دين كل واحد منهم ما لم توجد بينهم أسباب قانونية للأولوية “، والأسباب القانونية حسب الفصل 1242من ق ل ع هي الامتيازات والرهون وحق الحبس.
فالدائن الذي يمتنع مدينه عن الوفاء بدينه يستطيع أن ينفذ بحقه على المال الذي يختاره من أموال المدين الموجودة في ذمته وقت التنفيذ بمعنى أن التنفيذ لا يقتصر على الأموال التي كانت للمدين وقت نشوء الدين بل يشمل أيضا الأموال التي دخلت في ملكيته بعد ذلك ، أما الأموال التي تصرف فيها الدين قبل أن يبدأ الدائن إجراءات التنفيذ فلا يحق للدائن أن يتتبعها في يد من انتقلت إليه لأن الضمان العام لا يمنحه هذا الحق.
كما أنه ولو تعدد الدائنين للمدين فإنهم متساوون في اقتضاء ديونهم من أموال المدين دون تمييز بينهم بسبب التواريخ التي نشأت فيها ديونهم، وعندما لا تكفي أموال المدين للوفاء بديونهم جميعا فعندئذ يقتسمون ما في ذمته قسمة غرماء أي لكل بحسب دينه ، وبالتالي يتحصل كل دائن على جزء من دينه،ومن تم أصبحت حماية الضمان العام لحقوق الدائنين حماية ضعيفة ونسبية.
رابعا : التعسف في طلب الضمان.
إن مطالبة الدائن بتقديم المدين أكثر مما يجب من الضمانات حسب مبلغ الدين يعد من الأخطاء الشائعة لما يترتب عنها أضرار للمدين وأبرزها توثيق ائتمانات المدين بضمانات تفوق مبلغ مجموع ما هو مدين به، ومن تم منعه من الحصول على دعم مالي آخر([9]).
بحيث أن المدين قد تكون له مجموعة من الممتلكات ويأخذ قرض بسيط فيطالبه الدائن وغالبا البنك بتقديم ضمانات تفوق مبلغ القرض المطلوب، مما يساهم في عرقلة الاستفادة من قروض أخرى بباقي الممتلكات الأخرى.
وقد تنبه القضاء إلى هذه المسألة ، حيث جاء في حكم للمحكمة التجارية بفاس ([10]) الذي ورد في إحدى حيثياته ما يلي : ” وحيث عن احتفاظ المدعى عليه (البنك) مع ذلك بكافة الضمانات المتعلقة بالعقار والأصل التجاري وامتناعها من تمكين المدعية من رفع اليد على أي منها يعتبر من قبيل التعسف عن استعمال الحق ويؤدي إلى غل يد الشركة المدنية ومنعها من التصرف مباشرة في أموالها الشيء الذي ألحق بها ضرر يقتضي معه الاستجابة للطلب بخصوص الرهون المنصبة على العقار ذي الرسم….على اعتبار أن الرهن على الأصل التجاري لشركة…..سجلها التجاري رقم …….لدى المحكمة التجارية بمراكش كاف لضمان أداء المبلغ المتبقى من الدين ، في حالة ثبوته ، خاصة وأن الشركة المدعى عليها سبق أن قبلت رهنه لفائدتها مقابل ديون بمبالغ تفوق الدين الحالي”.
وهو ما يوضح مسؤولية الدائن والبنك خاصة عن طلب ضمانات تفوق بكثير الائتمان الممنوح، مما يدعو إلى توازي الضمان مع القرض حماية لإرادة المدين عن التعسف البنك.
والمشرع المغربي ذهب في هذا المجال بالنسبة للقروض الاستهلاكية حيث وحماية لإرادة المستهلك من التعسف البنكي في طلب ضمانات تفوق بكثير القرض الممنوح وهو ما يكون فيه نوع من استغلال الضعف وقد جاءت المادة 59 من قانون تدابير حماية المستهلك المغربي ([11]) لتمنع هذا الاستغلال وتنص بشكل صريح على أنه : ” يقع باطلا بقوة القانون كل التزام نشأ بفعل استغلال ضعفه أو جهل المستهلك مع حفظ حقه في استرجاع المبالغ المؤداة من طرفه وتعويضه عن الأضرار التي لحقت به ” وهو ما يجعل المبالغة في طلب الضمانات خطأ بنكيا يستوجب المسؤولية ([12]) .
وهو ما جدا بالمشرع الفرنسي كذلك في المادة 313.10 L من قانون الاستهلاك الفرنسي إلى منع الاستفادة من كفالة شخصية في الحالة التي يكون فيها التزام الكفيل غير متناسب مع ممتلكاته وموارده يوم منح كفالته، غير أن هذا المنح لا يهم سوى قروض الاستهلاك والقرض العقاري مع التأكيد على أن التزام الكفيل، وفي كل الأحوال لا يعد باطلا، بل يمكن للبنك أن يقاضيه إذا كانت سعته المالية تغطى ذلك الالتزام يوم مقاضاته([13]).
وبناءا على ما سبق فإن التعاقد الذي يكون موضوعه قرض ينبغي أن يكون هناك توازن في منظومة هذا العقد بحيث تتناسب الضمانات مع القروض الممنوحة ، حماية للمدين وكذلك حفاظا على مصالح البنك الذي يحمي حقوقه.
الفقرة الثانية :أوجه قصور الضمانات على مستوى تحقيق وانتهاء الضمانات.
رغم أن المؤسسة البنكية رغم أنها تتوفر على ضمانة الرهن الرسمي العقاري، إلا أنها تحاول جاهدة استنفاذ الوسائل الودية ، والمراسلات مع الزبون، ثم اللجوء في آخر المطاف مرغمة إلى القضاء، ويعزى السبب في ذلك إلى طول فترة التقاضي سواء على صعيد المحاكم الابتدائية أو الاستئنافية، الأمر الذي يحرم المؤسسات البنكية من رؤوس أموالها لفترة زمنية تحرمها من تحقيق مكتسبات وأرباح عديدة، ويعزى خبراء البنوك هذا التباطؤ إلى عدة أسباب ([14]) منها على سبيل المثال:
- عدم حصول التبليغ في الوقت المناسب الشيء الذي يؤدي حتما إلى تأجيل القضايا إلى جلسات مقبلة.
- التعرض والطعن في الإنذار العقاري الرسمي في تحقيق الرهون.
- إجراءات الخبرة حسب الفصل 59 من ق م م والتأخير في تنفيذها.
- تحقيق الرهون العقارية الرسمية.
- إشكالية تحقيق الضمانة أثناء فتح مسطرة صعوبات المقاولة في حق الشركة المدينة.
- إشكالية توزيع ثمن العقار المرهون بالمزاد العلني.
- إشكالية دعوى الاستحقاق الفرعية ودعوى رفع الحجز والحدود الفاصلة بينهما.
- إشكالية معرفة المحكمة المختصة في إنجاز إجراءات التنفيذ على العقار المرهون.
ورغم ما نص عليه المشرع من مقتضيات سواء في مدونة الحقوق العينية، أو في ظل ق م م ، بوضعه لمسطرة خاصة لتحقيق هذه الرهون ، تضمن نظريا السرعة في تحقيقها وتمكن الدائن من استخلاص ديونه دون عناء ، إلا أن تلك المساطر تجد من حيث التطبيق عراقيل وإشكالات عملية ونظرية تعيق مدى نجاعة مثل هذه الضمانات الممنوحة للمؤسسات البنكية في استخلاص ديونها وهذه الإشكالات منها ما يتعلق بمسطرة الإنذار العقاري بداية (أولا)أو بعده (ثانيا).
أولا: الإشكالات المتعلقة بمسطرة الإنذار العقاري.
إن أول إشكال يمكن إثارته بهذا الخصوص هو تبليغ الإنذار العقاري ، هذا الأخير الذي يعد إجراءا جوهريا لا محيد عنه في مسطرة تحقيق الرهن، وفي حالة تعذر إثبات توصل المدين بالإنذار العقاري إما بملاحظة إغلاق المحل، أو كون المعني بالأمر غادر عنوانه إلى مكان مجهول أو غير معروف([15]).
ففي هذه الحالة لا نجد من سبيل إلا سلوك مسطرة التبليغ عن طريق القيم ، فهل هناك من إمكانية إلى لجوء هذه المسطرة دون اتباع مساطر احترازية أخرى، أم لا بد من القيام بإجراءات سابقة على اللجوء إلى مسطرة القيم؟.
إن المشرع المغربي، إنما تناول تنصيب القيم بالنسبة لتبليغ الأحكام والقرارات عملا بالمادة 54 من ق م م ، والتي تحيلنا على مقتضيات المادة 441 منه، دون إشارة منه إلى تبليغ الأوامر المبنية على طلب عن طريق القيم، وإنه على الرغم من سكوت المشرع فقد استقر الاجتهاد القضائي لسد هذه الثغرة بالسماح بتنصيب القيم عن المحكوم عليه المجهول العنوان بواسطة أمر قضائي مبني على طلب([16]).
غير أن تعليق هذا الأمر طبقا للفصل 441 ق م م ، وانتظار أجل 30 يوما يطرح تساؤلا مهما، لأن الغاية من هذا التعليق هو انطلاق أجل الاستئناف والحال أن الأوامر القضائية المبنية على طلب غير قابلة للاستئناف بالنسبة لمن صدرت ضده وبالتالي فإننا نرى أنه لا موجب لتعليق تلك الأوامر ويبقى لكتابة الضبط صلاحية إضفاء الصيغة التنفيذية على الأمر بمجرد تبليغه القيم، كما أننا لا نرى موجبا لتبليغ الأمر بالبريد المضمون طالما كان المبلغ إليه مجهول العنوان.
وما يجري عمليا عند إغلاق أبواب المؤسسات التجارية وبالتالي تعذر إثبات توصلها بالإنذار العقاري، ترفض المحاكم قبول طلب تحقيق الرهن الرسمي العقاري رغم حكمها بثبوت الدين وحلول أجله، وبذلك يتعذر استيفاء الديون مادام يتعذر تبليغ الإنذار العقاري بسبب الإغلاق الدائم.
هناك أيضا إشكالية تتعلق بمدى إمكانية توجيه إنذار عقاري يتعلق بعدة عقارات مرهونة من عدمه ، مع وجود شهادة التقييد الخاصة المتعلقة بكل عقار على حدة.
ذلك أن المدين قد يرهن عدة عقارات ضمانا لدين واحد ويرغب الدائن في توجيه إنذار واحد من باب ربح الوقت والاقتصاد في النفقات والمصاريف القضائية.
ذهبت المحكمة التجارية بالرباط إلى القول بأنه يتوجب توجيه الإنذار العقاري بالنسبة لكل عقار على حدة، مع رفضها الاستجابة إلى طلب توجيه الإنذار العقاري إذا كان متعلق بعدة عقارات مرهونة([17])،
ثانيا: الإشكالات مسطرة تحقيق الرهن بعد الإنذار العقاري.
قد يتراخى الدائن المرتهن عن مواصلة إجراءات الحجز التي تتلو الإنذار العقاري وهذا التراخي سيضر حتما بمصالح المدين من جراء الإبقاء على الإنذار والحجز المسجلين بالصك العقاري من هنا حاول المشرع المغربي من خلال مسطرة تحقيق الرهن الرسمي إلى توفير نوع من الحماية في جميع الأطراف المتداخلة فيها،حيث خول للمدين المنازعة في الدين الذي بسببه تم إيقاع الرهن الرسمي وهذا ما يؤثر بشكل سلبي على المؤسسات الائتمانية، بحيث أن المنازعة في الدين بمقتضى الفصل 478 من ق م م لا يجب الأخذ به كمبرر لإيقاف إجراءات التنفيذ، إذ أن هذا الفصل يشترطلتغيير التاريخ المحدد للسمسرة حصول أسباب خطيرة ومبررة بصفة كافية، وليس مجرد المنازعة غير الجدية في الدين.
وفيما يتعلق بالخبرة نجد أنه كثيرا ما يلجأ القضاء أو الأطراف إلى طلب الخبير لتحديد ثمن البيع أو تحديد المديونية حين المنازعة فيها أو غيرها من الأسباب من حيث تقنية العمليات المتنازع فيها، وما يؤكده الواقع العملي هو اتسام الخبرة كإجراء قضائي بعيوب نذكر منها:
- تحديد أثمنة عالية تفوق القيمة الحقيقية للعقار ما يعوق مشاركة المتزايدين وبالتالي عدم إتمام البيع أو اضطرار المحكمة إلى البيع بثمن أقل من ذاك الذي حدده الخبير ولو بدون استشارته([18]).
- عدم تجرد بعض الخبراء، وتجاوز مأمورياتهم والبث في أمور تتجاوز حدود المهام المسطرة لهم من طرف القاضي ، والبث في أمور قانونية لا تدخل في نطاق اختصاصاتهم التقنية ([19]).
- التأخر والمماطلة في وضع نتائج خبراتهم مما يؤدي إلى تأخير المسطرة دون سبب وجيه ومعقول([20]).
- اتباع بعض المحاكم لنتائج الخبرات حتى وإن كانت لا توافق بشكل واضح قيمة العقارات ، ورغم تضارب نتائج الخبرات المضادة بشكل صارخ مما يتعذر معه البيع فيما بعد.
وعليه فكل الإشكالات التي تطرحها مسطرة تحقيق الرهن الرسمي كضمانة تؤثر على فعالية الرهن كضمانة عينية في تحقيق دورها كوسيلة لضمان وفاء ديون الجهة المدنية للدائنه، وهذا ما نتج عنه تراجع قوة الضمانة العينية ، وأصبح الدائنين يبحثون في وسائل أخرى للضمان ، بغرض الحصول على ديونهم في حالة إعسار المدين وعدم وفائه بالدين.
المطلب الثاني: آليات تحديث الضمانات في التشريع المغربي.
هناك ثلاث آليات أساسية سنعتمد عليها في هذه الدراسة للقول بتحديث نظام الضمانات في التشريع المغربي حيث سنعالج في النقطة الأولى آلية التشريع ثم بعدها نعالج آلية القضاء والإرادة.
الفقرة الأولى: الوسائل التشريعية لتطويع نظام الضمانات في التشريع المغربي.
سنتطرق بداية إلى توظيف الضمانات البنكية المستقلة (أولا) على أساس أن نعالج (ثانيا) توظيف الملكية كوسيلة الضمان.
أولا: توظيف الضمانات البنكية المستقلة.
إن تحديد ماهية الضمانات البنكية المستقلة تعترضها صعوبات اصطلاحية ترجع إلى تعدد التسميات المتداولة للتعبير عن مفهوم الضمانة في مظهرها الحديث وكذلك هناك صعوبات ناجمة بالدرجة الأولى عن انعدام أي تعريف دقيق وموحد يشمل مختلف صور الضمانات البنكية المستقلة.
وبالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن وضعية الضمانات البنكية المستقلة تتوزع بين غياب نص قانوني صريح ينضمها وبين ممارسة بنكية تعمل بها .
ذلك أن القانون المغربي لا توجد فيه أية إشارة إلى الضمانات البنكية المستقلة أو بعض العمليات البنكية الأخرى ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى الطابع المتميز والمرن الذي يميز هذا النوع من العمليات البنكية بصفة عامة .
فرغم أن الممارسة العملية لدى البنوك المغربية تتعامل بتقنية الضمانة المستقلة ، غير أن مختلف الوثائق والمستندات المتداولة بشأن هذه التقنية تستعمل ألفاظ في عقود الضمان لا تفيد الطابع المستقل للالتزام البنك، بل لا زالت تفيد التزام البنك للعلاقات الأصلية كاستعمال تسمية ” كفيل أو كفالة تضامنية” ، مما قد يفهم للوهلة الأولى بأننا حقيقة بصدد كفالات بنكية في مفهومها التبعي،غير أن محتوى ومضمون هذه الكفالة يبين بأننا بصدد ضمان مستقل بالرغم من الألفاظ المستعملة ويطلق على هذا النوع من الضمانات في الممارسة البنكية المغربية اسم الكفالات الأجنبية أو الخارجية .
فهناك مجموعة من الدراسات الفقهية التجارية منها رسائل وأطروحات جامعية تناولت بالتفصيل للعمليات البنكية المستقلة ، غير أن هناك فراغ تشريعي في هذا المجال.
فالضمان المستقل تقنية مشروعة وصحيحة في ظل القانون المغربي ، فالبنك وبصفة غير مباشرة يتعهد وهو عالم بالمخاطر التي قد تترتب عن الاستقلالية الشبة التامة والمعترف بها للالتزام بالضمان، فهو أعلم من غيره بما يتمتع به المستفيد من حقوق في المطالبة بالوفاء بمبلغ الضمان خاصة في الحالة التي يكون فيها تنفيذ الضمانة لدى أول طلب ، فهو يلتزم بمقتضى إرادته وتبعا لمبدأ حرية الإرادة في إنشاء التصرفات.
وبما أن هذه التصرفات لا تصدم مع أي مقتضى قانوني أمر أو من النظام العام ، فإن الأطراف تظل حرة في ترتيب مضمون وكيفية تنفيذ اتفاقاتهم فكيفما كان الأمر سواء كان الالتزام قائما على سبب أو كان مجرد ، فإن الضامن يصعب عليه التحلل من تنفيذ التزامه ([21]).
فمن كل هذا يتضح بأن الضمانات البنكية المستقلة ترتبط بروح المنطق الذي تخضع له المعاملات التجارية ، ولذلك لم يكن من قبيل الصدفة عدم خضوع هذا النوع من الضمانات لنص قانوني خاص يحكمها، فهذا النوع من العمليات البنكية لا ترغب في نصوص تشريعية تقيدهما بحكم تفاعلها في وجودها ومسارها مع المعطيات الاقتصادية المتقيدة باستمرار.
والمشرع المغربي أصبحت له بوادر في تقنيين هذا النوع من الضمان، وخاصة مشروع القانون المطروح اليوم المتعلق بإصلاح نظام الضمانات المنقولة في المغرب ، ويتجلى هذا الإصلاح في القيام بمراجعة النصوص القانونية التي تخضع لها الضمانات المنقولة سواء فيما يتعلق بقانون الالتزامات والعقود ومدونة التجارة ومدونة تحصيل الديون العمومية وكذا مدونة التأمينات ، ويمكن مشروع هذا القانون من :
- تجميع المقتضيات الخاصة بالضمانات المنقولة في كتاب واحد أو مدونة خاصة.
- ملائمة مساطر إنشاء الضمانات المنقولة وتسهيل تحقيقها.
- تسهيل الحصول على المعلومات المرتبطة بهذه الضمانات.
- إحداث سجل وطني للرهون يهدف بالأساس إلى إخبار الدائنين بالتقييدات المسجلة على الأصول ([22]).
وبناء على ما سبق فإن الواقع البنكي المغربي يعمل بنظام الضمانات المستقلة تماشيا مع مستجدات التجارة الدولية وتطوره على مستوى إنشاء ضمانات جديدة، كالكفالة البنكية والاعتماد المستندي وخطاب الضمان وخطاب النوايا، كمظاهر للضمانات المستقلة.
ثانيا : توظيف الملكية كوسيلة للضمان
لقد ظهرت الحاجة إلى توظيف الملكية كوسيلة للضمان في ظل أوجه قصور الضمانات الشخصية والعينية وما تعرفه في انتكاسات اعتبارا لما يتعرض له صاحب الضمان العيني من مساس وتعطيل لحقوقه في حالة عدم وفاء المدين.
وهكذا فقد بات جليا اليوم أن الملكية عادت لتلعب دور الضمان الذي كانت تقوم به من قبل ، سواء من خلال أسلوب نقلها للدائن، أو الاحتفاظ بها من قبله لنفس الغاية.
مما يعني أن الملكية لم يعد ينظر إليها كحق عيني في ذاته بل وسيلة لتحقيق غاية أخرى هي وظيفة الضمان، وهكذا فقد فرضت الملكية نفسها كأداة للضمان من خلال أسلوبين:
- الاحتفاظ بالملكية كوسيلة للضمان (1).
- v نقل الملكية لغاية الضمان (2).
- 1- : الاحتفاظ بالملكية كوسيلة للضمان:
يعد شرط الاحتفاظ بالملكية وعقد الائتمان الإيجاري في البيوعات الائتمانية من وسائل الضمان ، يلجأ من خلالهما البائع أو المؤجر، إلى الاحتفاظ بملكية المال موضوع الضمان ، يجعلهم في مركز قانوني متميز، يخول لهم اقتضاء حقوقهم بالمقارنة مع أصحاب التأمينات العينية عند فتح مساطر المعالجة في مواجهة مدينهم.
فالحياة العملية جعلت البائع يبحث عن ضمان سهل وبسيط وقوي في نفس الوقت، فوجد ذلك في شرط الاحتفاظ بالملكية، كما أن العوامل الاقتصادية قد أفرزت بعض أنواع من العقود تحقق نوعا من الضمان للدائن ، ومن هذه العقود نجد الائتمان الإيجاري .
فقد أدت التطورات الحديثة إلى لجوء ما نحي الائتمان إلى وسائل تعاقدية تستند على الملكية وذلك من خلال الاحتفاظ بها لغاية الضمان ، إما في صورة إدراج شرط اتفاقي في عقد البيع يعلق نقل ملكية الشيء المبيع إلى المشترى على الوفاء بكامل الثمن ، و إما عن طريق استخدام تقنية الكراء باعتباره عقدا ناقلا للمنفعة لا الملكية ، ومن العقود المجسدة لذلك على سبيل المثال عقد الإيجار الائتماني سواء وارد على عقار أو منقول وكذا عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار.
و يعتبر شرط الاحتفاظ بالملكية في عقود البيع الائتمانية أو في عقود الائتمان الإيجاري الوارد على المنقولات من أهم الصور المجسدة للاحتفاظ بالملكية لغاية الضمان، وذلك من خلال نقل الحيازة المادية للشيء موضوع الائتمان للمدين.
فبالرجوع إلى التشريع المغربي نجد أن المشرع أقر بصحة شرط الاحتفاظ بالملكية كأداة للضمان في بعض النصوص القانونية منها مدونة التجارة في المادة 431 والمادة 8 من القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، غير أن هذا التنظيم يبقى قاصر ويتعين على المشرع أن يعمل على وضع تشريع مفصل لهذا الشرط كنوع من الضمان تنظيما لإرادة الأطراف.
ففي البيوعات الائتمانية يمكن أن يتم الاتفاق بين المبايعين ، على تأخير انتقال ملكية الشيء المبيع إلى المشترى بمقتضى شرط في العقد ، إلى حين وفاء هذا الأخير بالثمن في ميعاد استحقاقه، بحيث يترتب على هذا الشرط الإبقاء على ملكية الشيء المبيع لفائدة البائع، مع القيام بتسليم الحيازة المادية إلى المشترى المدين بالثمن وذلك حتى يتمكن من الانتفاع به، خلافا لعقد الائتمان الإيجاري الذي يعتمد تقنية الكراء لتحقيق غاية الاحتفاظ بالملكية كوسيلة للضمان([23]).
وهذا ما نصت عليه المادة 431 من مدونة التجارة التي جاء فيها أنه يعد عقد ائتمان إيجاري ” كل عملية إكراء للسلع التجهيزية أو المعدات أو الآلات التي تمكن المكترى كيفما كان تكييف تلك العمليات من أن يتملك في تاريخ لاحق يحدده مع المالك، كل أو بعض السلع المكراة لقاء ثمن متفق عليه يراعى فيه جزء على الأقل من المبالغ المدفوعة على سبيل الكراء.
كل عملية إكراء للعقارات المعدة لغرض مهني ، تم شراؤها من طرف المالك أو بنها لحسابه، إذا كان من شأن هذه العملية كيفما كان تكييفها، أن تمكن المكترى من أن يصير مالكا لكل أو بعض الأموال المكراة على أبعد تقدير عند انصرام أجل الكراء“.
ومن هذا التعريف يتبين أن المشرع أعطى مجموعة من الصور للاحتفاظ بالملكية لغاية الضمان سواء في الائتمان الإيجاري الوارد على المنقول أو الائتمان الإيجاري الوارد على العقار ، دون إعطاء تنظيم مفصلا لكل صورة على حدى.
كما عمد المشرع المغربي في معرض تنظيمه لمدونة التجارة وبالخصوص في الكتاب الخامس المتعلق بصعوبات المقاولة إلى التعرض لشرط الاحتفاظ بالملكية، ولصفة الضمان التي تمنحه للبائع في مواجهة المشتري عند خضوعه للحكم بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، حيث نصت المادة 672 منها على أنه ” يمكن استرداد البضائع المبيعة تحت شرط الأداء الكامل للثمن مقابل نقل ملكيتها إذا كانت هذه البضائع موجودة بعينها وقت فتح المسطرة ، هذا الشرط الذي يمكن أن يرد في محرر ينظم مجموعة من العمليات التجارية المتفق عليها بين الأطراف ، يجب أن يرد متفقا عليه كتابة على الأكثر حين التسليم….” .
وبهذا تكون مدونة التجارة المغربية في المادة أعلاه اهتمت لشرط الاحتفاظ بالملكية ولو بتنظيم غير مفصل ، الذي يلجأ إليه بائعو البضائع، لحماية حقوقهم من المفاجآت وضربات المساطر الجماعية ، وهو ما يعني أن هذا الشرط يحفظ لهم حق الملكية، وكذا ممارسة حق الاسترداد ولو بعد الحكم بمسطرة من مساطر المعالجة إذا لم يقع الوفاء بالثمن([24]).
وفضلا عن ذلك يظهر شرط الاحتفاظ بالملكية فيعقد الائتمان الإيجاري كأحد الوسائل الحديثة لمنح الائتمان ، بحيث احتل مكانة هامة في الأسواق المالية لإهداء المشروعات الصناعية والتجارية بالتجهيزات والأدوات اللازمة([25]).
وقد عمد المشرع المغربي كغيره من التنظيمات المقارنة إلى تنظيم هذا العقد في القسم الخامس من الباب الرابع من مدونة التجارة المتعلق بالعقود التجارية في المواد من 431 إلى 442 سواء تعلق هذا العقد بمنقول أو عقار، ذلك أن الطابع المالي التمويلي يعد السنة المميزة لعقد الائتمان الإيجاري باعتبار أن المؤسسات المالية المتخصصة في هذا المجال تقوم في شكل تمويل على شراء أجهزة ومعدات لازمة للاستغلال التجاري والمهني وبناء على ذلك يحصل المستأجر المستفيد من هذه الأموال على تمويل كامل لاستثماراته ، دون حاجة إلى لجوءه إلى القروض، أو تعطيل جزء من رأسماله الشيء الذي يسمح له بالتوسع في مجال نشاطاته واستثماراته.
وتتم العملية عن طريق شراء مال منقول أو عقار لفائدة المستفيد لتمكينه من استغلاله واستعماله مع احتفاظ شركة التمويل بملكيته لغاية الضمان.
وبذلك يستنتج أن الاحتفاظ بملكية يمثل الضمان الهام والجوهري الذي تستفيد منه شركة الائتمان الإيجاري ضد خطر إعسار المدين ، كما يعد ركنا أساسيا في هذا العقد وليس فقط مجرد عنصر تابع للإتفاق الأصلي على التمويل، ولا ينشأ عن عمل إرادي يكون تابعا له، وإنما هو ركن جوهري في عقد الائتمان الإيجاري.
و لم يقتصر توظيف الملكية على العقود الواردة على المنقولات فحسب بل امتد إلى العقارات أيضا، ويتحقق ذلك بإدراج شرط صريح في العقد يعلق نقل ملكية المبيع المشترى على الوفاء بكامل الثمن، أو يتم باستغلال عقد الكراء، خصوصا وأن اللجوء إلى مثل هذه العقود يهدف من خلاله إلى تحقيق نوع من الضمان عن طريق الاحتفاظ بالملكية ، فضلا عن التمتع بالحماية الجنائية في حالة تصرف المستأجر في محل العقد قبل وفاءه بالثمن وتملكه للشيء([26]).
وبالرجوع إلى التشريع المغربي نجد مدونة التجارة المغربية اقتصرت في تنظيمها لشرط الاحتفاظ بالملكية فقط على الحالة التي يرد فيها على منقولات مادية ، ولم تتعرض له عندما يكون محله عقارات، عكس القانون الفرنسي وقبل تعديله الأخير للقانون المدني حاول القضاء أن يسد هذا النقص التشريعي حينما أمرت الغرفة التجارية لمحكمة النقض بأحقية البائع في تضمين شرط الاحتفاظ بالملكية في البيوعات العقارية ، كشرط صحيح في العقد ، حتى يتسنى له تجاوز الآثار السلبية الناجمة عن فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية في مواجهة مدينه المشترى([27]).
غير أنه بموجب تعديل القانون المدني الفرنسي الصادر في 23 مارس 2006 سيدفع القانون الفرنسي إلى أن يقر صراحة شرط الاحتفاظ بالملكية في البيوعات العقارية في المادة 2373 منه ([28]).
وفي مقابل ذلك فإن القانون المدني المغربي يبقى في حاجة ماسة إلى تعديل نظام الضمانات والتنصيص على شرط الاحتفاظ بالملكية في البيوعات العقارية حتى يستطيع مسايرة التطورات المتلاحقة للواقع الاقتصادي المعمول به في المعاملات التجارية .
- : نقل الملكية على سبيل الضمان
يعد نقل الملكية على سبيل الضمان صورة أخرى لتوظيف الملكية كوسيلة للضمان ذلك أنه إذا كانت عملية الاحتفاظ بالملكية على سبيل الضمان تعتبر أسلوبا أفرزته الممارسة التعاقدية، فإن هذه الصورة لا تعتبر الوحيدة المجسدة لهذا التوظيف، بل إن عملية نقلها إلى الدائن مانح الائتمان يندرج أيضا في هذا النطاق، ويعتبر ذلك من بين أحد التطورات الرئيسية والمعاصرة لموضوع الضمانات لارتباطها بالمتغيرات الاقتصادية.
وعليه يعد نقل الملكية على سبيل الضمان من الضمانات العينية التي ترجع أصولها التاريخية إلى القانون لروماني، عندما كان ينظر إلى الملكية كحق عيني أصلي بسلطة وسيطرة مادية مباشرة على الشيء ، أكثر من اعتبارها حقا ، وهو ما كان يترتب عليه تعذر فصل الملكية عن الحيازة ليصبح من تنتقل إليه السيطرة المادية على الشيء مالكا له([29]).
لقد لجأ الدائنون ما نحو الائتمان إلى عقد البيع لإنشاء ضمان ناقل الملكية ، ويتجسد ذلك في أن المدين الذي يرغب في الحصول على قرض أو ائتمان ويأتي له ذلك عن طريق بيع مال من أمواله إلى الدائن وهو ما يسمى ببيع الوفاء الذي يخول للدائن مجموعة من الضمانات .
و يعرف الفقه ([30]) بيع الوفاء بأنه عقد بمقتضاه يحتفظ البائع لنفسه بحق استرداد الشيء في مقابل رد الثمن الأصلي والمصروفات خلال مدة معينة.
ويقوم هذا النوع من البيوع على نقل ملكية عين ما على الدائن معلقة على شرط فاسخ هو تحقق الوفاء به من خلال مدة محددة ، فإذا ما أداه المدين خلالها عادت له ملكية العين بقوة القانون([31]).
كما يعد وسيلة من وسائل الضمان التي تعتمد على نقل الملكية على سبيل الضمان، فالمالك يتجرد عن ملكه لدائنه، فيتملك الدائن المبيع تحت شرط فاسخ، هو أن يرد البائع الثمن والمصروفات للدائن فينفسخ العقد ويعود المبيع إلى ملك البائع بأثر رجعي.
وقد تعرض المشرع المغربي لهذا النوع من العقود المتمثل في بيع ….في الفصل 585 من قانون الالتزامات والعقود بحيث عرفه هذا الأخير على أنه :” البيع هو الذي يلتزم المشترى بمقتضاه ، بعد تمام انعقاده ، بأن يرجع المبيع للبائع في مقابل رد الثمن، ويسوغ أن يرد بيع الثنيا على الأشياء المنقولة أو العقارية“ .
فبيع الوفاء أو بيع الثنيا يعد من الأنواع الخاصة للبيوع يرخص للبائع بموجبه بالحق في استرداد المبيع في أجل محدد من تاريخ البيع، على أن يلتزم المشترى بمقتضاه بإرجاع المبيع للبائع، في مقابل رد الثمن والمصروفات النافعة.
بناء على ما سبق يعد بيع الوفاء في ظاهر تنظيمه في التشريع المغربي في قانون الالتزامات والعقود المغربي بصيغة بيع الثنيا وسيلة من وسائل لضمان ، غير أنه ينبغي على المشرع المغربي أن يتدخل في تنظيمه بشكل مفصل مبينا لآثاره ، ووسيلة من وسائل الضمان التي تعتمد على نقل الملكية على سبيل الضمان ، لما يحقق هذا التصرف القانوني من ضمان.
وتظهر قوة الضمان الذي يحقق بيع الوفاء في كون الدائن يصبح بمنأى عن إعسار أو خضوع المدين لمساطر صعوبات المقاولة، وذلك لأن ملكية المال الذي يعادل ثمنه الائتمان الذي منحه للمدين قد انتقلت إليه وبالتالي لا يتعرض لمزاحمة دائني المدين.
كما يمتاز بيع الوفاء عن الضمانات التقليدية كالرهن الرسمي والرهن الحيازي، في كونه يمتاز على الرهن الحيازي بأن المبيع وفاء إذا هلك في يد المشتري فإنه يهلك على الراهن دون المرتهن، كما أن المشتري في بيع الوفاء لا شأن له ببقية أموال البائع الخارجة عن المبيع ، أما الدائن المرتهن فله إلى جانب حقه العيني على الشيء حق شخصي يضمنه جميع أموال الرهن، علاوة على أن بيع الوفاء يجنب المشتري طول وتعقيد الإجراءات التي يتعرض لها الدائن المرتهن عند مباشرة حقه في الأولوية أو التتبع([32]).
وبناءا على ما سبق يتبين بأنه على الرغم من أن بيع الوفاء وسيلة من وسائل الضمان ، فإن له جوانب سلبية إذا أخذت بسوء نية من قبل المتعاقدون يصبح بيع الوفاء أسوا نظام للائتمان ، وهو ما دفع بعد التشريعات كالتشريع المصري من اعتباره باطلا أصلا ، لذا ينبغي على المشرع المغربي أن يعمل على تنظيم بيع الوفاء في نص تشريعي كوسيلة للضمان في صورة نقل الملكية متجاوزا لكل الجوانب السلبية المشار إليها أعلاه.
الفقرة الثانية: إرادة الأطراف وتدخل القضاء كآليتين لتحديث نظام الضمانات
تخضع العقود عموما عند إبرامها لمبدأ سلطان الإرادة وذلك بتوافق إرادتين على إحداث أثر قانوني ، وهذا المبدأ يستند إلى قاعدتين أساسيتين ،قاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، وقاعدة لا يجوز إلغاء العقد إلا بإرادة المتعاقدين معا.
ويرتكز هذا المبدأ على المذهب الفردي، فالفرد هو الغاية والمجتمع مسخر لخدمته وهو لا يستكمل شخصيته إلا بالحرية التي تبرز بالإرادة الحرة المستقلة.
وفي ظل هذا الواقع القانوني المنبثق عن الواقع الاقتصادي كان لا مفر للقضاء وهو الحارس على تطبيق النصوص القانونية من مسايرة المشرع الذي يحمي إرادة الأفراد ويدعم الحرية في جميع جوانبها وفي كل مظاهرها، وأن ينطبع بطابعها ويحذو حذوها، فكان الساهر على تطبيق مبدأ سلطان الإرادة في المجال العقدي على كافة القضايا والنوازل المعروضة عليه.
غير أنه وعلى إثر التحولات الاقتصادية والقانونية التي شهدها العالم ، لم تعد الظروف الواقعية التي تمخض عنها مبدأ سلطان الإرادة هي نفسها الشروط التي استجدت حيث ظهرت أنماط جديدة من التعاقد الشيء الذي نتج عنه اختلال في المراكز القانونية والاقتصادية بين أطراف التعاقد.
ومن ضمن هذه العقود الجديدة عقود الضمان التي ينبغي أن تتأسس على إرادة حرة واعية بوسائل إنشاء الضمان ووسائل تنفيذه، ومن تم تصبح إرادة الأطراف آلية لتطويع نظام الضمانات في التشريع المغربي (أولا).
أما القضاء فإن له دور أساسي في التوجيه والاجتهاد في مجال التزامات التي تنشأ عن الضمانات ، أي أنه يلعب دور التوجيه التعاقدي بحيث يصبح طرفا ثالث ممثلا في الضمير الحي الذي يجسده الدولة عند إبرام العقد من أجل تحديد انصراف نية وإرادة المتعاقدين في مجال الائتمان وكذا خلق توازن بين أطراف العقد، أي إلزام إرادتين أو أكثر على تنفيذما تم الاتفاق عليه وذلك من أجل حماية المصالح الاقتصادية والاجتماعيةللمجتمع عموما، وحماية المصالح الخاصة في عقود الضمان (ثانيا).
أولا : إرادة الأطراف كآلية لتطويع نظام الضمانات.
إذا كان سلطان الإرادة في المجال التعاقدي يعني أن إرادة العاقدين كافية لوحدها لإنشاء الرابط العقدي، فإننا نقول في هذه النقطة بضرورة الرجوع إلى الإرادة كأساس لتطويع نظام الضمانات ولنا مبررات عامة وخاصة عن ذلك.
فالمبررات العامة وهي مبررات وجود مبدأ سلطان الإرادة أساسا منها فلسفية و أخلاقية واقتصادية .
فبالنسبة للمبررات الفلسفية ننطلق من كون الأفراد أحرار في الأصل من كل التزام، ذلك أن الالتزامات التي فرضها عليهم القانون للحفاظ على حسن التعايش داخل المجتمع تبقى أمرا استثنائيا ، لأن تأمين حرية كل فرد يقتضي أن لا يلتزم إلا بإرادته الحرة، ومن تم تظهر إرادة الإنسان كقوة حرة لإنشاء أو تحويل او إنهاء الحقوق والالتزامات، وأن الالتزام التعاقدي لا يمكن ان يستند إلا لإرادة الأطراف التي تشكل مصدرا له ، كما أن العقود لا ترتب آثارها إلا لأن إرادة العاقدين انصرفت إليها .
غير أنه لا نقول الحرية المطلقة للأفراد لأن الإنسان مدني بطبعه ويحتاج إلى أن يعيش في الوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه، ومن تم في مجال الضمانات نترك الحرية للأطراف لمعرفة مصالحهم الخاصة، لأن مجال الضمانات له ارتباط بالنظام الاقتصادي والاجتماعي للأطراف، مع إيجاد نصوص قانونية تحمي إرادة الأطراف وخاصة تحمي القوة الملزمة للعقد.
أما عن المبرر الأخلاقي للرجوع إلى الإرادة كأساس لتحديث نظام الضمانات فإنه أغلب النصوص القانونية جاءت لتحمي مصالح ضيقة لا تأخذ بعين الاعتبار أطراف العقد، فمثلا القانون المدني في أغلب التشريعات ومنها قانون الالتزامات والعقود المغربي جاء لحماية الدائن في غياب أي توازن عقدي ومنه توازن اقتصادي.
فالعقد عموما باعتباره ثمرة التراضي ينسجم مع مصالح الأطراف المتعاقدين، لأن يستحيل أن يرتضي الشخص أمر يتعارض مع مصالحه، وهذا ما يؤدي إلى توازن مصالح العاقدين ، وبالتالي تحقيق العدالة التعاقدية بينهما، في ظل تغير المعطيات الاقتصادية وأصبح المدينين في شكل تنظيم قانوني كشركة أو مؤسسة عمومية أو خصوصية ولم يعد المدين طرفا ضعيفا كما يبرر به أصحاب الرأي بالحد من الإرادة والحرية الفردية .
وأخيرا فالمبرر الاقتصادي للرجوع إلى الإرادة هو أن الفكر الاقتصادي الحر أحسن نظام اقتصادي ذلك أن سلطان الإرادة يعتبر أحسن وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل ، كما أن الحرية التعاقدية تخدم المصلحة العامة لأنها تشجع كلا من المبادرة الفردية والمنافسة باعتبارهما محركين أساسين لاقتصاد الحر، لذلك يتعين أن تكون إرادة المبادرة الشخصية حرة من كل قيد ، فكل عائق تفرضه الدولة على المعاملات الاقتصادية يكون ضارا، كما أن حرية الإرادة الخاصة تؤمن أعلى مستوى للإنتاج وكذا الائتمان الأكثر انخفاضا وحرية المنافسة ([33]).
ولذلك فإن بتعدد الضمانات الشخصية والعينية وغيرها من الضمانات على المستوى الوطني والدولي ، فترك الحرية لاختيار الأطراف لنوع الضمانة التي تقدم للدائن مع شروط متفق عليها في غياب ضابط قانوني يحد من الإرادة كأساس لقيام وسائل الضمان فإنه يضعف قيمة الائتمان الذي يعد أساسا لتطوير النظام الاقتصادي في الدولة.
فالدولة من حقها توجيه اقتصادها إلى الصالح العام، وحتى لا تؤدي الحرية المطلقة إلى الفوضى في إنتاج وتوزيع الثروات، غير أن التوجيه ينبغي ألا يمس بإرادة الأطراف حتى لا يتم الانحراف وتصبح التعسفات على أحد الأطراف العلاقة التعاقدية بصور مختلفة، ومن تم المساس بالدور الرئيسي والبارز الذي تلعبه الإرادة الفردية في مجال التعاقد وأخذ المبادرة في الحصول على ائتمان واختيار ضمانة مناسبة مع هذا الائتمان المطلوب .
هذا والملاحظ أن هذه العوامل مجتمعة أفرزت نقاشات فقهية في الدول الأجنبية بخصوص مدى تراجع النظرية التقليدية للعقد وظهور أحكام تعاقدية جديدة تساير تطورات العصر الراهن ، وقد تركز الجدل حول معرفة مدى استمرار العمل بمبدأ سلطان الإرادة؟ أليس من المصلحة إهماله بمفهومه التقليدي والبحث عن تعريف جديد له يأخذ بعين الاعتبار التطور الحديث للعقود كما سبق بيانه ، وخلص الأمر إلى وجود اتجاهان رئيسيان، الأول يدعى إلى الاتجاه الإرادي الجديد ويرى أنصار هذا الاتجاه إلى أنه إذا كان العقد في الوقت الحاضر يخضع لأحكام خارجة عن إرادة الأطراف تستجيب للمصلحة العامة وتعلو فوق حرية العاقدين ، لكن كل هذا يتعين ألا يحجب أن سلطان الإرادة لا زال يشكل القاعدة العامة وأن كل نتائجه تبقى محترمة.
أما الاتجاه الثاني فإنه يعتمد تعريفا جديد يوفق بين العناصر الموضوعية والعوامل الشخصية أو الذاتية التي تحكم إبرام الروابط العقدية ([34]).
وفي نظرنا فإننا مع الاتجاه الثاني لأنه التطور في الوقت الحاضر أفرد ضرورة نوع من التوازن بين قواعد توجيه العقد وبين ترك الأمور للمبادرة الخاصة ، لأن العقد في الوقت المعاصر أصبح يشكل منظومة تجمع مصالح متعددة ينبغي أن يكون هناك توازن فيها وتكون ثقة متبادلة بين طرفي العقد ، وليس التوجه إلى الشكلية في ضرب صارخ للإراداة ودورها البارز في المجال التعاقدي.
ومنه يظهر لنا العوامل الخاصة لضرورة الرجوع إلى الإرادة هي التي تحدد في الوقت نفسه مصدر ونطاق الحقوق والالتزامات التي تم التعبير عنها، وهذا يقوم على فرضية معينة هي أن هناك مساواة طبيعية بين الأفراد، واعتبارهم كذلك بصفة خاصة في نطاق اختيار الضمانة التي تقدم ائتمان في صالح الأطراف المتعاقدة ، وبالتالي فإن الحرية التعاقدية تحقق تلقائيا التوازن المشروع للأداءات، وتفترض أن هناك تنازلا متبادلا بين الأطراف أي أن هذه المساواة تسمح لهم بالمفاوضة والنقاش ، وبناءا على ذلك فإن الطرف الذي يظهر له لم يحصل عما يعتقده عدلا أن يقع المفاوضات ويبحث عن ائتمان أفضل في مكان آخر وبضمانة تناسبه، في غياب جزاءات مبالغ فيها عندما يحدث اضطراب في عمل المدين أو حياته الخاصة أو عندما يتسم بالتجاوز وعدم التناسب مع قيمة الدين وهذه هي العوامل الخاصة.
وعليه يصبح الاتفاق على الضمانة المناسبة من خلال عقد مبنى على إرادة لها قوة ملزمة ، وأن المدين لا يستطيع أن يتنصل من هذا الاتفاق ، فالانطباع لدى الأطراف بأنهم هم الذين ينشئون القانون الذي يحكم علاقتهم يعتبر أحد العوامل الأساسية لمنح الائتمان ، ففي دولة يسودها القانون يقاس الائتمان بما تمنحه من قيمة للعقد، حيث إن الائتمان لا ينشأ إلا بمناسبة وبواسطة العقد ([35]).
وعلى ذلك فعندما يكثر التدخل التشريعي دون أن يكون مرتبطا بسياسة عامة، وإنما يصدر لحماية فئة أو طائفة معينة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولكن بطريقة غير قانونية أو بالأحرى غير اقتصادية ، فإنه يضرب القوة الملزمة للعقد وينتقص من قيمة هذا الأخير ، وبالتالي يؤدي إلى عدم الاستقرار في الروابط العقدية عموما وروابط الائتمان خصوصا.
فكثرة التدخل التشريعي قد تفرز مناخ يضرب بعد شروط الروابط العقدية وتصبح في تغيير دون أن يسمح للأطراف بإنهائه وتصبح شيئا آخر تماما غير التي تعاقد عليها الأطراف.
وهكذا يؤدي بالأطراف إلى عدم احترام العقد ذاته ، وبالتالي عدم الثقة في جهودهم في تحديد شروط العقد ، وهذا يشكل اعتداء مباشر على الائتمان عموما ونظام الضمانات خصوصا، والنتيجة سوف تكون نقصا في حجم الاقتصاد الوطني .
وعليه فالائتمان عموما والضمانات كوسيلة له أداة حساسة تعكس قوة أو اضطراب الحياة القانونية أو الاقتصادية ، ومن تم أصبحت الضمانات قانونا اقتصاديا له اتصال مباشر بحقائق الحياة الاجتماعية ومن تم فإرادة الأطراف هي أساس الحكم وهي من تفرز واضعي القانون ، ومن تم فإن الرجوع إليها أساس تطويع نظام الضمانات في التشريع المغربي.
ثانيا: القضاء كضمانة لتحديث نظام الضمانات:
إذا كان القضاء يعد مصدر من مصادر القانون المغربي ، فإن الكفيل بمراقبة وتنفيذ اتفاقات الأطراف حول الضمانات التي تم اختيارها من طرفهم من أجل تنفيذ الالتزام المتفق عليه في الأجل المحدد ضمانا لاستقرار المعاملات ، كما أنه له سلطة تغيير وتأويل اتفاقات الأطراف مما يكون له دور في تجاوز قصور النصوص المنظمة للضمانات على المستوى العملي .
ذلك أن التطورات الجديدة في مجال العقود وخصوصا عقود الضمان موضوع دراستنا تكشف على ضرورة تدخل القضاء وإعطاءه دورا فعالا وأكثر إيجابية في نطاق الضمانات المخولة للدائنين.
وهذا التطور له أثره الإيجابي في نطاق نظام الائتمان عموما والضمانات خصوصا ، حيث أنه في نطاق هذا القانون يجب أن يكون للقاضي دورا فعالا وإيجابيا،كرقيب وناصح وحكم بصدد التصرفات الائتمانية([36])، فالقاضي في هذا المجال ينبغي أن يكون على نحو ما نوعا من الضمان وذلك بإضفاء المزيد من المعرفة القانونية والاجتماعية المفيدة للثقة التي هي جوهر الائتمان.
ومن ميكانزمات عمل وتدخل القضاء لتطويع نظام الضمانات نجد أنه في النظام المغربي فالقضاء مصدر من مصادر القاعدة القانونية .
فالاجتهاد القضائي كمصدر من مصادر القانون في مفهومه الحديث هو مجموعة القواعد الموضوعية التي تستنبط من استقرار أحكام المحاكم على اتباعها في كافة القضايا التي تتولى أمر النظر فيها، أي أن المحاكم تستقر أحكامها ويطرد رأيها على احترام قاعدة معينة، بحيث يتبع نفس الحل كلما توافرت شروط انطباق هذه القاعدة، وبذلك يتوافر للقاعدة التي جرى القضاء على احترامها ما تتميز به القاعدة القانونية من صفة العمومية والتجريد.
لكن في القانون المغربي لا اجتهاد مع وجود نص وعندما يصبح اجتهاد قضائي متواتر يطرح كمشروع قاعدة قانونية وبعد سلوكها للمساطر المتبعة تصبح قاعدة قانونية رسمية لا يمكن مخالفها.
ففي مجال نظام الضمانات في التشريع المغربي ، وكما سبق بيانه فهناك فراغ تشريعي لمجموعة من الضمانات المعمول بها عمليا كالاعتماد المستندى وخطاب الضمان والكفالة البنكية وغيرها من الضمانات.
وهنا يتجلى تدخل القضاء عند نشوب نزاعات تخص ضمانات معمول بها واقعيا وغير منصوص عليها في التشريع المغربي.
وعليه فالقضاء يصبح ضمانة أخرى للدائنين بتدخله لحمايتهم في استرجاع ديونهم، وتصبح لأحكامه القوة الملزمة للأطراف في القضية المطروحة أمامه.
فبالرجوع إلى النزعة الأنجلوسكسونية، كإنكلترا والولايات المتحدة واستراليا، حيث يحتل القضاء مركزا ممتازا في نطاق القانون، إذا يعتبر مصدر رسميا للقواعد القانونية له من القوة ما للتشريع تماما، فحكم القاضي يعتبر سابقة قضائية ملزمة له، لا يستطيع بعد ذلك أن يخالفها في الحالات المماثلة، وهو فضلا عن ذلك يلزم كل قاض يأتي بعده في المرتبة حيث أنه لا يشترط أن تستقر المحاكم في اتجاه معين ، بل يكفي صدور حكم واحد من أية محكمة، لكي تصبح هذه المحكمة ملزمة باتباعه بعد ذلك، كما تلتزم به جميع المحاكم الأخرى التي تليها في الأهمية .
فالنظام القضائي الإنجليزي أساسه السوابق القضائية والقاضي الإنجليزي إذا ما عرضت عليه قضية ما يبحث عن سابقة قضائية تطبق في ظروفها الدعوى المعروضة أمامه.
أما بالنسبة لأغلب الدول وخاصة المغرب فإن الاجتهاد القضائي لا يعتبر مصدرا رسميا للقانون لأن الحكم الذي تصدره أية محكمة مهما علا شأنها ليس له من القوة الإلزامية إلا في القضية التي صدر فيها ومن الجائز من حيث المبدأ مخالفته في القضايا الأخرى المشابهة من قبل سائر المحاكم، بل ومن المحكمة نفسها التي أصدرته، بل إن محكمة النقض نفسها تملك سلطة العدول عن أحكامها وفي تضارب الاجتهادات القضائية بين غرفها.فالقضاء أصبح له دور مهم في تطوير الاستثمار ، وأن الضمانات المخولة للدائنين المستثمرين تساهم بشكل أو بآخر في تطوير الاقتصاد المغربي.
ومن تم فإن تدخل القاضي وتوجيهه لعقود الضمان يشكل ضمانة أخرى للمستثمرين في استثمار أموالهم في مشاريع تنموية بحصولهم على ضمانات منصوص عليها في التشريع المغربي أو ضمانات معمول بها دوليا وواقعيا، وتحتاج إلى قضاء يضمن تطبيقها.
والمشرع المغربي خول للقاضي مجموعة من الميكانزمات للتدخل في العقود كتفسير وتأويل العقود المنصوص عليها في الفصول 461 إلى 466 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
ذلك أن تحديد موضوع أي التزام عقدي للضمان يتوقف على ضرورة معرفة حقيقة ما اتجهت إليه إرادة الأطراف ويكون ذلك عن طريق تفسير العقد، وهنا يتجلى دور القاضي في تأويل العقد عند غموض إرادة الأطراف وكانت ألفاظ العقد غير صريحة ، أما إذا كانت صريحة امتنع البحث عن قصد صاحبها.
لذلك تدخل المشرع المغربي ليبين للقضاء طرق تفسير العقد والألفاظ المستعملة طبقا للمادة 462 من قانون الالتزامات والعقود.
وبالتالي فهو بحسب الأصل لا ينشىء قاعدة قانونية جديدة، لأن القاضي إذا وجد نفسه إزاء حالة غير منصوص عنها في التشريع فإنه لا يشرع بل يكتفي بالبحث عن الحل القانوني في عقد الضمان المبرم بين أطرافه واستعماله لوسائل التفسير والتأويل المخولة له قانونا، أو البحث في مصادر القانون الأخرى كالعرف ومبادئ الشريعة الإسلامية إذا كانت المعاملة بين أطراف مسلمين وقواعد العدالة، فيستمد من ذلك الحل القانوني الذي يطبقه ، ولا يكون لحكمه في هذه الحالة قوة ملزمة إلا لطرفي عقد الضمان وأطراف النزاع دون غيرهم.
حيث لا يصبح القاضي منشئا للقاعدة القانونية بل مقرر لوجودها وإذا أطردت الأحكام على معنى واحد ، أمكن أن ينظر إلى هذا المعنى باعتباره التعبير الحقيقي عن الحكم القانوني المستعاد من المصادر الرسمية للقانون أي أنه ينظر إلى أحكام المحاكم على أنها مقررة للقاعدة القانونية لا منشئة لها ([37]).
ونخلص مما سبق أن للقضاء دور في مجال الضمانات وذلك كضمانة لتنفيذ عقود الضمان، وتفسيرها في حالة وجود غموض، وإذا كانت هناك نصوص قانونية تنظم الضمانة المختارة من الأطراف ينبغي تطبيق القانون.
خاتمة:
وفي الختام، وبعد هذا الجهد المتواضع الذي حاولنا من خلاله تبيان الخيط الرقيق الرابط بين أسس نظام الضمانات في التشريع المغربي بين نظرية الالتزام والنصوص القانونية الجديدة، وتطورا الصياغة القانونية والوسائل الإرادية لتطويع نظام الضمانات في التشريع المغربي.
ذلك أن فكرة الضمانات التقليدية ظهرت في نطاق نظرية الالتزامات وذلك بتوظيف مراكز قانونية وعقدية تحقق نوع من الضمان، غير أنه ونتيجة للتطور الذي لحق بعض المؤسسات القانونية في نطاق نظرية الالتزام بسبب تطور الصياغة القانونية والوسائل الجديدة للضمان، ظهرت أوجه قصور هذه الضمانات المتواجدة في نطاق نظرية الالتزام سواء الضمانات الشخصية أو العينية، وترتب عن ذلك جمود الصياغة الفنية لنظام الضمانات في التشريع المغربي وفقدان لفعاليتها في تحقيق ضمان أكيد للدائن.
ولذلك فالنصوص المنظمة لنظام الضمانات وقفت عاجزة عن استيعاب الحاجة الماسة إلى ضمانات قوية وفعالة،مما أدى بأطراف العلاقة الائتمانية إلى توظيف وسائل جديدة تساير الحاجة العصرية للضمان، وتدفع مانحي الائتمان على تقديمه بنوع من الإطمئنان، وهذا يقتضي حتما توفير ضمانات تعزز مركز الدائن، وتجنبه تبعات عدم وفاء المدين بالالتزام الملقى عليه.
ومن وسائل التحديث نجد التشريع كوسيلة لتطويع نظام الضمانات ،وكذلك دور الإرادة في إنشاء ضمانات جديدة الإنشاء أو على مستوى انتهائها ، فضلا عن القضاء سواء العادي أو البديل -التحكيم نموذج- ودوره في حل المنازعات الناتجة عن الضمانات بمفهومها الاقتصادي لاستيعاب الوسائل الجديدة للضمان.
ونخلص في هذه الدراسة المتواضعة إلى ما يلي:
- ضرورة تطويع نظام الضمانات في التشريع المغربي وذلك بالبقاء على الضمانات التقليدية مع تطوير وسائل العمل بها بمواكبة التطورات الاقتصادية ، أو الأخذ بالمفهوم الاقتصادي للضمانات.
- إنه في غياب تطوير وسائل الضمان التقليدية ، ظهرت عدم فعالية بعض الضمانات التقليدية وقصورها سواء على مستوى إنشائها أو تنفيذها ،أو بتأثير نصوص قانونية جديدة تحمي بعض المراكز القانونية غير المديونية كحماية المستهلك وحماية المقاولة.
- إن الدائنين أصبحوا يبحثوا عن وسائل الضمان خارج هذه الضمانات التقليدية، حيث أصبح اللجوء واقعيا إلى الضمانات المستقلة ليؤمنوا بطريقة قوية ضد خضوع المدين لإعسار أو لمساطر صعوبات المقاولة ، وهذه الضمانات المستقلة تؤدي إلى التزام الضامن بصفة مستقلة، أي أن الدائن يستوفي دينه بصفة مستقلة دون النظر إلى التزام المدين الأصلي، ومن تم فهذا النوع من الضمانات يفقد صفة التبعية ، وتتمثل في الضمان بمجرد الطلب وخطاب الضمان وخطابا النوايا والاعتماد المستندي وأخيرا الكفالة البنكية.
- إن القوانين الحديثة رجعت إلى الحيازة والملكية في نطاق الضمان نتيجة قصور الضمانات التقليدية ، ومن تم أصبح توظيف الملكية كوسيلة للضمان، إما في شكل الاحتفاظ بالملكية على سبيل الضمان كشرط الاحتفاظ بالملكية والإيجار الائتماني والبيع الإيجاري، وإما بنقل الملكية على سبيل الضمان كبيع الوفاء .
وعليه خرجت الملكية من وظيفتها الأصلية كحق عيني أصلي مقصود في ذاته وما يتميز به من خاصية الانتفاع والاستغلال الاقتصادي ، إلى وظيفة الضمان.
و لتحديث نظام الضمانات في التشريع المغربي ينبغي الاعتماد على آلية التشريع أولا وذلك بالعمل على تنظيم و إصدار نصوص قانونية تنظم على الأقل الضمانات المعمول بها واقعيا في البنوك المغربية دون إطار قانوني منظم، وكذلك التنصيص على الضمانات التي يعمل بها على المستوى الدولي كالاعتماد المستندي وخطاب الضمان وخطاب النوايا وكذلك باقي الضمانات البنكية المستقلة.
بالإضافة إلى الرجوع إلى الإرادة كأساس لتطويع نظام الضمانات ، وذلك لتغيير وسائل عمل المدينين حيث أغلبهم أصبحوا يعملوا في إطار شركات ذات مسؤولية محدودة ولم يتبقوا مجرد أشخاص عاديين.
وأخيرا فالعمل القضائي هو المحل الحقيقي لمدى ملائمة أي قانون للمجتمع ولمدى شموليته وإحاطته بكل النزاعات ، ومن هذا المنطلق فإن الواقع العمل و قد أبان عن العديد من الإشكالات تتعلق بالضمان سواء على مستوى إنشائها أو عمل مستوى تحقيقها في حالة عدم الوفاء بالدين المضمون ومن تم ينبغي على القضاء والمراقبة والتدخل لحل هذه الإشكالات في غياب نصوص قانونية ، ومن هذه الإشكالات نفتح هذه الدراسة موضوع دراسة أخرى حول مدى إمكانية الجمع بين دعوى الأداء ودعوى تحقيق الرهن على الأصل التجاري؟.
- L.Aynés, les garanties du financement, Rapport de Synthèse présente au 82e congrès de notaires 1985, Defrénois 1986p910
[2] – محمد العلواني ” توظيف الملكية كضمان في عمليات الائتمان” مطبعة دار الأمان بالرباط ط1 سنة 2012 ص 39.
[3] –PH. Malaurie L. Aynés ,Droit civil, les suretés droit du crédit 2e édition ,1988,Eduction Cujas 2CTn°15p16.
[4] – نبيل ابراهيم سعد ” الضمانات غير المسماة في القانون الخاص” مطبعة منشأة المعارف بالإسكندرية سنة 1991 ص 6.
[5] – حسن الملك : تأملات في النظام القانوني للرهن الرسمي بالمغرب مجلة الإشعاع العدد 26 دجنبر 2002 ص 8.
[6] -مدونة التجارة: الصادر بتنفيذها الظهير الشريف رقم 83-96-1 القانون رقم 15.95 الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 1996.
[7] – مدونة التأمينات الصادر بتنفيذ بظهير شريف رقم 238-02-1صادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 17.99 المنشور بالجديدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 7 نونبر2002.
[8]– محمد العلواني: “الملامح الجديدة للتأمينات العينية المنقولة في القانون الفرنسي”مقال منشور بمجلة الحقوق العدد 16-17 لسنة 2014 ص 68.
[9] – محمد صبري “الأخطاء البنكية” المطبعة والوارقة الوطنية مراكش الطبعة الأولى 2007 ص 295.
[10] – حكم المحكمة التجارية بفاس ، ملف رقم 444/1/2003، أمر رقم 520/1/2003 بتاريخ 29 يولويوز2003 (غير منشور).
[11] – قانون حماية المستهلك المنظم بموجب ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر بتاريخ 1 فبراير 2011 بتنفيذ القانون رقم 31.08 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 17 أبريل 2011.
[12] – عمر مسقاري ” المسؤولية المصرفية في الاعتماد المالي” منشورات حلبي الحقوقي الطبعة الأولى 2006 ص 85.
[13] – محمد صبري مرجع سابق ص 297.
[14]-أحمد العماري : ” تباطؤ وصعوبات تنفيذ الأحكام القضائية عن المجموعة المهنية لبنوك المغرب” ، الندوة الثالثة للعمل القضائي البنكي، ص 236.
[15] – العقار والاستثمار : أشغال الندوة الوطنية المنظمة من طرف وحدتي التكوين والبحث لنيل الدكتوراه ودبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون العقود والعقار لكلية الحقوق ، جامعة محمد الأول بوجدة، إعداد وتنسيق: إدريس الفاخوري، ص 294 وما بعدها.
[16] – عبد العزيز تريد: “تحقيق الضمانات البنكية”، مجلة القسطاس، العدد الثالث، يناير 2004، ص 48.
[17] – عبد الواحد بن مسعود ” الإنذار العقاري بياناته ومرفقاته وموقف القضاء من الطعن في بطلان الإنذار”، ص 203 و204.
[18] -الملف التنفيذي عدد 82.383 المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، حيث باعت مصلحة التنفيذات القضائية بهذه المحكمة بتاريخ 14-12-1983، حينما رسا المزاد العلني للدائن المرتهن الحاجز نائب المدير العام للقرض الفلاحي والسياحي العقار بثمن 50.000 درهم، في حين كن الخبير قد حدد الثمن في 54.000 درهم.
[19] – ينص الفصل 59 من ق م م على أنه : ” يحدد القاضي النقط التي تجري الخبرة فيها على أساس أن تكون تقنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون”.
– قرار عدد 1375 بتاريخ 30 ماي 1992 ، ذكره عبد العزيز توفيق: شرح قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي ، الجزء الأول ، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء ، 1995، ص 185.
[20] – انظر الفصل 60 من ق م م .
انظر أيضا محمد الكشبور: الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية ، سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة، مطبعة النجاح الجديدة ، البيضاء، 200، ص 80.
[21]– محمد الأطرش “الضمانات البنكية المستقلة في عقود التجارة الدولية ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش السنة الجامعية 1992-1993 ص 135.
[22] -مأخوذ من المذكرة التقديمية لوزارة الاقتصاد والمالية لمشروع القانون المتعلق بإصلاح نظام الضمانات المنقولة في المغرب ص 1.
[23]– محمد العلواني ” توظيف الملكية كضمان في عمليات الائتمان” مطبعة دار الأمان بالرباط ط1 سنة 2012 ص 148.
[24] – أحمد شكري السباعي، “الوسيط في مساطر الوقاية من صعوبات التي تعترض المقاولة “ج 3 “التصفية القضائية” مطبعة المعارف الجديدة الرباط ط 1 ص 274.
[25] – محمد حسين منصور، “شرط الاحتفاظ بالملكية” في بيع المنقول المادي ، دراسة مقارنة ، منشأة المعارف الاسكندرية 1993 ص 214.
[26] – نبيل ابراهيم سعد ، الضمانات غير المسماة في القانون الخاص، م س ص 237.
[27] – محمد العلواني م س ص 179.
[28] – Philippe Dupichot, Propriété et garantie au lendemain de l’ordonnance relative aux sûretés, Revue Lang de droit civil ,supplément N29 juillet aout 2006p21.
[29] – نبيل ابراهيم سعد ” الضمانات غير المسماة في القانون الخاص ” م س ص 266.
[30] – نبيل ابراهيم سعد ” الملكية كوسيلة للضمان” دار الجامعة الجديدة للنشر بالاسكندرية مصر السنة 2007 ص 109.
[31] – مصطفى جدوع كريم السعد” أثار الرهن الرسمي بالنسبة للدائن المرتهن والحائز في التشريع العقاري المغربي ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا كلية الحقوق أكدال بالرباط السنة الجامعية 1982-1981 ص 9-10.
[32] – نبيل ابراهيم سعد “الملكية كوسيلة للضمان ” م س ص 113.
[33] – عبد الحق الصافي القانون المدني “المصدر الإرادي للالتزامات” ج 1 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ط 1 سنة 2006 ص 106.
[34] – Omar AZZIMAN,Volume I. le contrat Imprimerie NAJAH EL Jadida, Casablanca,1995 p 66 ets.
[35] – نبيل ابراهيم سعد” نحو قانون خاص بالائتمان” منشأة المعرف الاسكندرية السنة 1991 ص 182.
[36] – نبيل ابراهيم سعد” نحو قانون خاص بالائتمان” م س ص 188.
[37] – الطيب الفصايلي “المدخل لدراسة القانون” مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة 4 للسنة 1999 ص 126.