قرارات محكمة النقض حول منازعات الجماعات الترابية
على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات
زكرياء خيات
إطار بقسم الملك العمومي
لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء
طالب باحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس الرباط
تقــــديـــــم:
إن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية تكتسي مبدئيا أهمية بالغة، باعتبارها أهم ضمانة لاحترام الحقوق والحريات وحماية مصالح الأفراد والجماعات في الوقت نفسه. فالسلطة القضائية بصفة عامة هي مفتاح الالتزام بسيادة القانون، ويتوقف عليها أمر احترامه بمعناها الواسع الذي يتجاوز التقيد المجرد بالنصوص إلى احترام المبادئ العامة للقانون. ولعله يترتب مبدئيا عن وجود الرقابة القضائية على الوحدات المحلية المنتخبة، الثقة في الاقتصاد المحلي وتشجيع الاستثمارات الخاصة، ومن ثمة إمكانية تحقيق التنمية المحلية المستدامة والمنشودة.
فالقضاء يعتبر إحدى أهم اللبنات الأساسية لبناء مؤسسات الحق والقانون، دولة كانت أو شخصا آخر من أشخاص القانون العام. وإذا كانت السلطة القضائية تحتل مكانة مهمة في عموم النظم السياسية الحديثة، وكانت المملكة المغربية من بين الدول التي عرفت منذ عقود الصيغة الحديثة للتنظيم القضائي، متأثرة في ذلك بما هو سائدا في فرنسا، فإن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية بالمغرب، يتقاسمها كل من القضاء المالي والقضاء الإداري، حيث لكل منهما مجاله وإطاره الخاص، وكذا مميزاته وخصائصه المتعلقة به، والتي يتسم ويتميز بها عن الآخر.
والقضاء الإداري باعتباره أحد مكونات السلطة القضائية بالمغرب إلى جانب القضاء العادي والقضاء التجاري، فهو يمارس رقابة واردة بقوة المبادئ العامة للقانون ولا يحتاج الأمر إلى التنصيص عليها في القوانين المنظمة للجماعات الترابية.
وإذا كان المشرع المغربي قد فضل التنصيص على بعض القرارات التي يجب عرضها على المحاكم الإدارية في القانون المنظم للجهة، فإن ذلك جاء في إطار إشراك القضاء الإداري مع سلطات المراقبة الادارية على المجالس المنتخبة، وذلك باعتباره اختصاصا مضافا للمحاكم الإدارية، وكرقابة مواكبة بمقاربة جديدة. وليس لتأسيس وشرعنة رقابة القضاء الإداري على الجماعات الترابية الموجودة أصلا، وجدير بالإشارة هنا، أن هذا النمط الرقابي الذي يمارسه القاضي الإداري على بعض قرارات المجالس الجهوية المنصوص عليه في القانون رقم 96-47 المتعلق بتنظيم الجهات، قد تكرس من خلال القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة في 7 يوليوز 2015، كما أن هذا الأمر إذا كان يمثل حماية وحصانة للجماعات الترابية من كل شطط أو تعسف محتمل من سلطات المراقبة الادارية، فإنه في المقابل، قد يشكل حماية أكثر للمشروعية وللحقوق والحريات التي من شأن الجماعات الترابية أن تضر بها.