ضمانات ممارسة الحق في الحصول على المعلومة في القانون المغربي
الدكتور الحسن المرابط كشوط
إطار بوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء
مكون في قانون 31.13
تشكل المعرفة أحد الحقوق الأساسية التي تساهم في تجاوز الصعوبات التي تعترض طموح الشعوب في التقدم، انطلاقا من كون امتلاك المعرفة وتطوير منهجيات وتقنيات توظيفها في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يمكن الأفراد والمؤسسات من توسيع نطاق اتخاذ القرارات التي تساهم في تحقيق التنمية الشاملة.
ومما لا شك فيه أن الثورة التكنولوجية والرقمية أدت إلى إحداث تغيير كبير في بنية المجتمعات الحديثة، التي أصبحت اليوم أقرب إلى قرية صغيرة تتكسر فيها الحواجز الثقافية والجغرافية والزمانية، بالشكل الذي أصبحت معه مفاهيم مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة أكثر واقعية، مما يفرض تغيير الأطر التقليدية للتحليل والمقاربة خاصة فيما يرتبط بالضوابط القانونية لتكريس ممارسة حقوقية معيارية لحيازة واستعمال المعلومة.
وامام الجنوح المتزايد لبعض الجهات والمؤسسات الرسمية إلى حجب ما يتوفر لديها من وثائق ومعلومات بمبررات مختلفة، أصبح تقنين الحق في الوصل الى المعلومة ضرورة ملحة على اعتبار أن التضييق على هذا الحق من شانه أن يفرغ النصوص الدستورية من مضمونها الحقيقي، إذ لا يمكن للمواطن أن يمارس أي حق من حقوقه إذا لم تتوفر لديه المرجعية المعرفية التي ترفع الجهل والغموض عن هذه الحقوق، باعتبار الحق في الوصول إلى المعلومة ليس مجدر حق مستقل بذاته بل يشكل مدخلا أساسيا لممارسة حقوقية شاملة ومندمجة تساهم في تكريس مفاهيم الديموقراطية و الحكامة والتنمية.
وقد شكل صدور قانون 31.13 الذي نشر بالجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23 جمادى الثانية 1439 (12 مارس 2018) محطة أساسية في مسار التنزيل العملي للمقتضيات الدستورية المنظمة لحق الوصول على المعلومة، مما يجعل تحليل الإشكالات المرتبطة بتقنين هذا الحق مسألة بالغة الأهمية سواء فيما يتعلق بمفهوم الحق في الوصول إلى المعلومة والنطاق القانوني لممارسته وآليات التنزيل وضمانات الحماية.
وتبرز أهمية هذا القانون في كونه من التشريعات الأساسية التي ترمي إلى زيادة شفافية العمل داخل المؤسسات الحكومية، بالإضافة الى كونه آلية مهمة من آليات محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، من خلال ما يوفره من وسائل لمراقبة عمل الإدارة وبالتالي خلق مناخ ملائم لزيادة الثقة في مصداقية وكفاءة المرفق العمومي.
المحور الأول: الإطار المفاهيمي والمرجعي للحق في الوصول على المعلومة:
مما لا شك فيه أن الاعتراف بحق المواطن في الوصول إلى المعلومة، جاء نتيجة ارتفاع مستوى الوعي بأهمية تكريس مفاهيم الحكامة والشفافية والديموقراطية في شقيها التمثيلي والتشاركي، فالمرتفقين والمواطنين بصفة عامة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية وشركات القطاع الخاص، أصبحت في ظل واقع الانفتاح السياسي والاقتصادي، محتاجة أكثر من أي وقت مضى إلى المعلومات التي تحتفظ بها الإدارة، كما ان الإدارة محتاجة بدورها للكشف عنما لديها من معلومات كجزء من استراتيجيتها التواصلية لإثبات فعالية سياساتها المختلفة.
أولا: الإطار المفاهيمي للحق في الحصول على المعلومة:
يظهر الحق في الوصول إلى المعلومة تحت عدة اصطلاحات التي تستخدم للدلاة عليه، من قبيل حق الاستعلام، الشفافية، حق امتلاك المعلومة، حق المعرفة وغيرها، والملاحظ أن هذه المصطلحات قد تتضمن عناصر مرتبطة بحقوق أخرى غير الحق في الوصول على المعلومة.
وبالرجوع إلى بعض التشريعات وكذا بعض الفقه نجد تعريفات متقاربة من بينها:
1-حق المواطن في السؤال عن أي معلومة، وتلقي الإجابة عنها بصورة أو بأخرى سواء يشكل مكتوب أو أي قالب آخر، سواء من الحكومة أو البرلمان أو القضاء، شريطة الالتزام بحدود القانون.
2- حق المواطن في التماس مختلف أشكال المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود، وذلك من خلال كافة وسائل الإعلام وبأي وسيلة يمكن من خلالها نقل الآراء ونشرها وتداولها، ولا تقتصر حرية المعلومات على الشخص الطبيعي بل تتعداها إلى الأشخاص المعنوية.
وبالرجوع إلى قانون 31.13 المتعلق بالحصول على المعلومات، نجد أن المشرع المغربي وإن لم يعرف الحق في الحصول عل المعلومة، فإنه تطرق إلى مكوناته الرئيسية والمرتبطة أساسا بمضمون المعلومات المتوخى تمكين المواطن من الحصول عليها، وكذا بطبيعة المؤسسات والجهات المطالبة بوضعها رهن إشارته.
وبناء على ما سبق يمكن القول أن الحق في الحصول على المعلومات يتميز بمجموعة من الخصائص يمكن إجمالها فيما يلي:
أ-الحق في الحصول على المعلومة هو حق ينبغي أن يكون مطلقا باعتبارها يشكل مرجعا لممارسة العديد من الحقوق الأخرى، بحيث لا ينبغي التضييق من نطاقه وفق مزاج وتوجهات السلطة السياسية أو الموظفين المسؤولين علن المرفق العمومي.
ب- أن الحصول على المعلومات حق للجميع دون تمييز سواء كانوا مواطنين أو أجانب مع الاخذ بعين الاعتبار المقتضيات القانونية المعمول بها وكذا الاتفاقيات الدولية.
ج-ضرورة الأخذ بالتفسير الواسع لمفهوم المعلومات، بحيث تشمل جميع الوثائق التي توجد في حوزة الإدارة، بغض النظر عن الطريقة او الاسلوب المتبع في حفظها (وثيقة ورقية، حامل الكتروني….)، وبغض النظر عن مضمونها
(إحصاءات، تقارير، دوريات، مناشير، قوانين….) أو مصدرها وتاريخ صدورها.
د- إن ممارسة هذا حق ينطوي على مجموعات من الأبعاد، تشمل طريقة استقاء المعلومات واستعمالها ونشرها وتداولها، سواء بطريقة مباشرة أو عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، سواء بطلب من المواطن أو بمبادرة من الإدارة المعنية في إطار إجراءات النشر الاستيباقي.
ه- تقتضي الممارسة الإيجابية لحق الحصول على المعلومات التوسع في تفسير مفهوم المؤسسات والهيئات المعنية، لتشمل الإدارة العمومية بكل مستوياتها الوظيفية والترابية، وكل السلط التشريعية والقضائية والتنفيذية والمجالس المنتخبة والمؤسسات العمومية وشبه العمومية، بالإضافة إلى مؤسسات القطاع الخاص التي تملك معلومات تتعلق بالمصلحة العامة كالتعليم والصحة والبيئة وغيرها.
ثانيا: المرجعية الحقوقية والقانونية للحق في الحصول على المعلومة:
كما سبق الإشارة على ذلك، لا يشكل الحق في الحصول على المعلومة حقا مستقلا بذاته، بل
يشكل جزءا مهما من منظومة متكاملة من الحقوق والحريات الأساسية الأخرى، كما أن الإحاطة بمختلف الجوانب والابعاد العملية لهذا الحق تقتضي البحث في مختلف القوانين التي قد تشكل أرضية لضمان ممارسة فعالة.
أ- المرجعية الحقوقية لحق الحصول على المعلومة:
يشكل الحق في الحصول على المعلومة مكونا مركزيا من منظومة الحقوق والحريات الأساسية، اعتبارا لكون الممارسة الحقوقية إطارا كليا غير قابل للفصل والاختزال، حيث أن توافر وتداول وتبادل المعلومات يتيح أرضية معرفية ومنهجية لتنزيل حقيقي لمختلف الحقوق الأخرى، كما يشكل معيارا لمدى وفاء الإدارة بالتزاماتها في مواجهة المواطن.
1-علاقة الحق في الحصول على المعلومة بحرية التعبير:
يرتبط الحق في الحصول على المعلومة ارتباطا وثيقا بحرية التعبير بمختلف أشكالها، فلا يمكن التعبير عن الرأي دون التوفر على قاعدة معرفية حقيقية تمكن من صناعة المواقف المختلفة من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وإذا كانت حرية التعبير مرتبطة بقدرة الإنسان على أن يعلن عن الأفكار التي تجول في خاطره، وعن قناعاته المختلفة التي يعتقد أن فيها مصلحته ومصلحة غيره من الأفراد إزاء أمر معين، فإن هذه القدرة لا يمكن أن تتحقق في غياب قنوات حقيقية لتداول وتبادل للمعلومات التي يستطيع المواطن من خلالها تكوين وجهة نظر ورأي موضوعية قائمة على معطيات دقيقة، كما انه لا يمكن تفعيل الحق في استعمال المعلومات بدون ضمانات لحرية النفاذ لهذه المعلومات.
2-علاقة حق الحصول على المعلومة بحرية الصحافة:
يعتبر الحصول على المعلومة وحرية الصحافة حقان متلازمان يصعب تصور أحدهما دون الآخر، حيث لا يمكن لمهنة الصحافة أن تستمر وتزدهر دون توفير ضمانات حقيقية تسهل النفاذ إلى المعلومات، كما أن وسائل الإعلام مطالبة بأن تكون شريكا حقيقيا في تشكيل الوعي وصناعة الموقف العام من القضايا المجتمعية بصورة فعالة وإيجابية.
ويرتبط حق الحصول على المعلومة وحرية الصحافة من جانبين أساسيين:
-حق البحث والاستقصاء: والذي يمكن الإعلام من الاطلاع على المعلومات المتوفرة لدى الادارة..
-حق النشر: ويتضمن حرية تداول ومشاركة المعلومات والأخبار عبر مختلف وسائل الاعلام وفق
متطلبات الأمانة والمهنية.
مما لا شك فيه أن الصحافة تلعب دورا مهما في تكريس مفهوم دولة الحق والقانون وإشاعة مبادئ الحرية والديمقراطية، إلا أن هذا الامر لا يمكن أن يتحقق بدون التزام حقيقي من الدولة بضمان حرية الاعلام في البحث عن المعلومات والأخبار، وأيضا التزام الصحافة بلعب دورها في تحليل ومناقشة ومشاركة هذه المعلومات والاخبار في إطار من الجدية والمصداقية والمسؤولية.
3-علاقة حق الحصول على المعلومة بالحق في بيئة سليمة:
يعتبر الحق في بيئة سليمة من الحقوق الأساسية التي حظيت باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، سواء على المستوى القانون الدولي او على مستوى التشريعات الداخلية.
ولا شك أن الإقرار بحق الإنسان في بيئة سليمة يقتضي ربطه بحق الحصول على المعلومة، على اعتبار أن صناعة القرارات في مجال حيوي كالبيئة، يفرض توفر مختلف المتدخلين على أكبر قدر من المعرفة بالموضوع، والتي تتضمن مختلف البيانات والمعطيات المتعلق بالواقع البيئي القائم والمتوقع، وحجم وطبيعة المشاكل البيئية ونوع المشاريع المزمع القيام بها وتأثيرها على المجال، وكذا المعلومات المتعلقة بالمواد والمنشئات الخطيرة.
بالإضافة ذلك فإن التدهور البيئي يرجع في كثير من الأحيان إلى نقص المعلومات التي تحتفظ بها السلطات المعنية، كما أن مشاركة هذه المعلومات ونشرها على نطاق واسع يساهم في زيادة الوعي بأهمية حماية البيئة، وبالتالي تحفيز الأفراد على تغيير سلوكياتهم والانخراط الإيجابي في المجهود الوطني للمحافظة على البيئة.
وتجدر الإشارة إلى أن الحق في الحصول على المعلومة قد تم تضمينه في العديد من الأوراق المرجعية وكذا البرامج القطاعية المتعلقة بالممارسة الحقوقية بالمغرب نذكر منها على سبيل المثال:
1-خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان: والتي أكدت في المحور الفرعي الثالث على ضرورة مواصلة ترصيد وتحصين المكتسبات في مجال ممارسة حريات التعبير والعام والصحافة وتكريس الحق في الحصول على المعلومة، بالإضافة إلى تكريس الحماية القانونية للحق في التعبير والرأي وضمان الحق في الحصول على المعلومة، كما دعت إلى التعجيـل بإصـدار القانـون المتعلـق بالـحق في الحصـول علـى المعلومـات انسـجاما مـع الدسـتور والاتفاقيـات الدوليـة.
2-الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة: والتي أكدت في محورها الاستراتيجي الأول على اعتماد الأداء المثالي للدولة كرافعة لتنفيذ التنمية المستدامة من خلال اتخاذ مختلف التدابير والإجراءات المستدامة التي يوصي بها الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
3- الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد: والتي تبنت من ضمن أهدافها الاستراتيجية تحسين ثقة المواطنين من خلال مجموعة من التدابير من أهمها الشفافية والولوج إلى المعلومة.
4-مخطط الحكومة المنفتحة: والذي أكد على أن صدور قانون 31.13 يشكل مرحلة مهمة في مسار استكمال شروط ومعايير مبادرة الشراكة الدولية من أجل حكومة منفتحة التي أطلقتها المنظمة الدولية للتنمية الاقتصادية، من خلال مجموعة من الالتزامات الخاصة بالحق في الحصول على المعلومات.
ثانيا: المرجعية القانونية للحق في الحصول على المعلومة:
انطلاقا من كون في الحصول على المعلومة حق انساني بأبعاد حقوقية واجتماعية وقانونية واقتصادية مختلفة، فقد عملت الكثير من الدول والمنظمات الدولية على إرساء معايير قانونية متعددة جعلت من هذا الحق يحظى بتأطير قانوني مكثف على العديد من المستويات.
1-المرجعية القانونية الدولية للحق غي الحصول على المعلومات:
يتضمن القانون الدولي الكثير من المعايير التي تشكل إطار مرجعيا لتنزيل الحق في الحصول على المعلومة، وفي هذا السياق نص قرار الأمم المتحدة رقم 59 الصادر في دجنبر 1959 على: أن حرية المعلومات من حقوق الإنسان الأساسية، كما أنه المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لها.
كما أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مركزية الحق في الولوج إلى المعلومة من خلال النص على أن: ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة دون اعتبار للحدود”
كما دعت الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد إلى حماية الحق في الحصول على المعلومة من خلال ضمان وصول فعال للمعلومة واحترام وتعزيز حرية البحث عن المعلومة، وتعميم وتلقي ونشر كافة المعلومات المتعلقة بالفساد.
من جهة أخرى أكد إعلان المبادئ حول حرية التعبير في إفريقيا الصادر عن اللجنة الإفريقية لحقوق الانسان والشعوب على أن المؤسسات العامة لا تحوز المعلومات لنفسها، بل يجب أن يكون لكل شخص الحق في الوصول إلى هذه المعلومات، والتي تكون بدورها موضوع قواعد واضحة يحددها القانون.
2-المرجعية الدستورية والتشريعية لحق الحصول على المعلومة:
إلى جانب المرجعية الدولية لحق المواطن في الحصول على المعلومة عمل المشرع المغربي على إرساء قاعدة تشريعية صلبة لممارسة هذا الحق من خلال التنصيص على جملة من المعايير التي تدعم المجهود المبذول في سياق التأسيس لاستراتيجية مندمجة تكاملية تمكن من حماية الحق في الحصول على المعلومة.
أ-المرجعية الدستورية لحق الحصول على المعلومة:
تتميز القاعدة الدستورية بكونها القاعدة الأسمى على مستوى تراتبية وسقف المشروعية والمرجعية، والتي تفرض أن تنسج على منوالها كافة القواعد القانونية الأخرى.
وفي هذا الإطار تشكل الوثيقة الدستورية لسنة 2011 مرجعا محددا وموجها للتأطير التشريعي للحق في الولوج إلى المعلومة، حيث نص على هذا الحق في لفصل 27: “للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور وحماية مصادر المعلومات التي يحددها القانون بدقة”.
ب-المرجعية القانونية لحق الحصول على المعلومة:
إذا كان قانون 31.13 يشكل حجر الزاوية في المنظومة التشريعية المنظمة لحق الحصول على المعلومة، التأطير القانوني لهذا الحق وانطلاقا من عوامل الالتقائية التي تميزه مع كثير الحقوق الأساسية، يتجاوز هذا القانون ليلامس أطر ومرجعيات قانونية أخرى أهمها:
1-قانون 99.69 المتعلق بالأرشيف:
يشكل هذا القانون إطار مرجعيا مهما لحق الحصول على المعلومة، بالنظر إلى أهمية هذا المرفق في تكريس مبادئ الشفافية وحفظ الذاكرة الوطنية وتعزيز البحث العلمي، وانطلاقا من المقتضيات التي تضمنها هذا القانون والتي تشكل امتدادا قانونيا وواقعيا لمسار تنزيل الحق في الحصول على المعلومة، خاصة الفرع الثالث من هذا القانون المنظم لإجراءات الاطلاع على الأرشيف التي تتقاطع الى حد كبير مع إجراءات الحصول على المعلومة.
2-قانون 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الخاص:
يشكل الحق في الحياة الخاصة أحد الحقوق الأساسية الجديرة بالحماية، ومما لا شك فيه أن هناك تقاطع بين هذا الحق والحق في الحصول على المعلومة الذي قد يصل الى التعارض، مما جعل المشرع يقرر أدوات قانونية ذات طابع خاص للتوفيق بين الحقين.
وفي هذا الإطار تضمن قانون 08.09 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي مجموعة من القواعد المرتبطة بالحصول على المعلومات الشخصية للمواطنين، خاصة المادة 07منه، بالإضافة الى المواد 27 و40 و41 التي تنظم تكوين واختصاصات اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
3-قانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر:
كما سبق الإشارة إلى ذلك، يشكل حق الحصول على المعلومة ضمانة أساسية لممارسة فعالة ومؤثرة لمهنة الصحافة، وفي هذا الإطار أكدت المادة السادسة من قانون الصحافة والنشر على حق الصحافيين والصحافيات وهيئات ومؤسسات الصحافة في الولوج إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومات من مختلف المصادر باستثناء المعلومات التي تكتسي طابع السرية، وتلك التي تم تقييد الحق في الحصول عليها طبقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة 27 من الدستور.
كما أكدت نفس المادة على التزام الإدارة والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العمومي بتمكين الصحافي من الحصول على المعلومات وفق الآجال المقررة قانونا، تحت طائلة تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل.
4-القانون الجنائي:
مما لا شك فيه أن القوانين الجنائية تعتبر مرجعا أساسيا لكل القوانين، بالنظر لمقتضيات الحماية التي من المفروض ان توفرها هذه القوانين سواء للنظام العام او لحقوق الافراد.
وبالرجوع الى القانون الجنائي المغربي خاصة المادتين 366 المتعلقة بتزوير المعطيات والوثائق الصادرة عن الادارات العمومية واستعمالها، وكذا المادة 446 المتعلقة بإفشاء السر المهني، يلاحظ أن هناك نوعا من أدوات الضبط الجنائي لاستعمال المعلومات المتوفرة لدى الإدارة العمومية، وان الولوج الى هذه المعلومات مرتبط بهذه الأدوات.
المحور الثاني: الضمانات القانونية للحق في الحصول على المعلومة من خلال قانون 13.31:
مما لا شك فيه انه لا يمكن تكريس وتنزيل الحق في الحصول على المعلومة، كحق مركزي ضمن منظومة الحقوق والحريات، دون توفير أدوات وآليات قانونية ومؤسساتية تضمن فعالية القوانين والمساطر المنظمة لهذا الحق.
وفي هذا السياق حاول المشرع المغربي من خلال القانون التنظيمي 31.13 تحديد مجموعة من الضمانات الموضوعية والشكلية التي تضع المبادئ المؤطرة للالتزام الإدارة بالكشف عن المعلومة وحق المواطن في الوصول إليها واستعمالها وتداولها.
أولا: توسيع نطاق الحق في الحصول على المعلومة:
يتميز الحق في الحصول على المعلومة بكونه حقا أساسيا ومركزيا يؤثر في منظومة الحقوق والحريات، مما يفرض توسيع نطاق المعلومات الموضوعة رهن إشارة المواطنين، لتشمل جميع ما تتوفر عليه السلطات العمومية والهيئات التي تمارس نشاطا مرتبطا بالمصلحة العامة.
أ-توسيع نطاق الحق في الحصول على المعلومة ليشمل القطاع الخاص:
استنادا إلى مضامين القانون التنظيمي31.13، فإن الحق في الحصول على المعلومة ينطبق على كل المؤسسات والهيئات التي تتلقى أمولا عمومية أو تمارس مهاما ذات صلة بالمرفق العمومي أو بالمصلحة العامة، ولو كانت مؤسسات تنتمي للقطاع الخاص، إذ لا يمكن استبعاد احتفاظ هذه الفئة بالكثير من المعلومات والوثائق ذات الأهمية بالنسبة للمواطنين، في مختلف المجالات المتعلقة بالبيئة والسلامة الصحية وغيرها من المجالات.
ب-توسيع نطاق الحق فب الحصول على المعلومة من حيث الأشخاص الذين يثبت لهم هذا الحق:
تقتضي متطلبات الحماية الدستورية والقانونية للحق في الحصول على المعلومة فتح المجال لممارسة هذا الحق أمام الجميع، بما في ذلك الأجانب المقيمين بصفة قانونية في المغرب، سواء كانوا أفرادا أو شركات، استنادا إلى مقتضيات القانون الدولي واحكام الاتفاقيات الدولية التي صادق على المغرب.
من جهة أخرى فإن حق الحصول يكفل لكل مواطن أو مقيم بغض النظر عن ثبوت مصلحته في هذه المعلومة، بحيث يعفى طالب المعلومة من عبء إثبات وجود مصلحة شخصية في المعلومة المطلوبة من عدمها مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها قانونا.
ثانيا النشر الاستباقي للمعلومات:
إن ضمان الحق في الحصول على المعلومة لا يرتبط فقط بتمكين الأفراد من طلب المعلومات، بل يعني أيضا التزام الإدارة بالمبادرة إلى تعميم مختلف البيانات والوثائق والمعطيات التي تتوفر عليها، من خلال آلية مهمة والمتمثلة في النشر الاستباقي في حدود ما تتوفر عليه من موارد وقدرات، عن طريق وسائل النشر المتاحة لديها، ولا سيما الإلكترونية منها بما فيها البوابات الوطنية للبيانات العمومية، مع مراعاة الاستثناءات التي تحددها النصوص القانونية ذات الصلة.
وقد حدد المشرع مختلف المعلومات المشمولة بآلية النشر الاستباقي، وخاصة لمتعلقة بمشاريع ومقترحات القوانين ومشاريع الاتفاقيات الدولية، وتلك المتعلقة بميزانيات الجماعات الترابية، ومهام وهياكل المؤسسات العمومية، والخدمات التي تقدمها المرافق العمومية ومساطر وشروط الحصول عل التراخيص وغيرها من البيانات والمعلومات و التي يبدو انها واردة على سبيل المثال لا الحصر.
ثالثا: إيجاد جهة متخصصة في معالجة طلب الحصول على المعلومة:
مما لا شك فيه أن تحديد جهة متخصصة في تقديم المعلومات لطالبيها من شانه يسهل ممارسة هذا الحق، خاصة إذا ما تم توفير شروط ومعايير التكوين والاحتراف لهذه الجهات، وتمكينها من الوسائل الضرورية لتقديم خدمة الكشف عن المعلومات، بالإضافة الى توفير شروط الحماية القانونية التي تحصن المركز القانوني للقائمين على هذه المهمة.
رابعا: تضييق نطاق الاستثناءات الواردة على حرية الوصول إلى المعلومة:
الأصل أن يكون الحق في الحصول على المعلومة متاحا للجميع، وأن يشمل جميع المعلومات المتوفرة لدى الإدارة، ولا يمكن الحد من نطاق هذا الحق إلا في حدود ضيقة، مما يجعل الحق مطلقا الا في حالات خاصة يحددها المشرع وتفتضيها ضرورة المصلحة العامة.
والأكيد أن شرعية تقييد حرية الوصول إلى المعلومة لابد أن يستند إلى المعايير الدولية والمقتضيات الدستورية والتشريعية التي ترمي إلى حماية حقوق الأفراد وسمعتهم، وتعزيز الأمن الوطني والنظام العام ومتطلبات السلامة الصحية، كما أن الاستثناءات يجب أن لا تنصب على حماية المصالح والمراكز القانونية المشروعة، بل يجب أن تكون تلك الحماية ضرورية من حيث الارتباط الواضح بين عملية الكشف عن المعلومة وبين الاضرار بتلك المصالح، مع مراعاة التوازن بين سلبيات و إيجابيات هذه العملية على المصلحة العامة، بحيث اذا ثبت أن إيجابيات الكشف عن المعلومات اكثر من سلبياتها وجب تعميها ولو أدت إلى الإضرار بمصلحة يحميها القانون.
وبالرجوع إلى مقتضيات القانوني التنظيمي 31.13، نجد أن المشرع حدد مجموعة من الاستثناءات التي ترد على حق الحصول على المعلومة، والمتعلقة أساسا بالأمن والدفاع الوطني وبالمس بالحقوق والحريات الأساسية، بالإضافة إلى المعلومات التي من شأن الكشف عنها الإضرار بالعلاقات الخارجية للمغرب وبسياساته النقدية والاقتصادية أو بالمساطر القضائية وغيرها من الاستثناءات التي تقتضيها المصلحة العامة.
خامسا: تسهيل إجراءات الحصول على المعلومة
في إطار محاولة تمكين المواطن من ممارسة واقتضاء الحق في الوصول إلى المعلومة بشكل سلس وفعال، عمل المشرع على إنشاء أنظمة مرنة لتأطير هذه العملية، بدء بإعداد الطلب وفق نموذج معين تحدده لجنة الحق في الوصول إلى المعلومة، يتضمن مختلف البيانات المتعلقة بشخص طالب المعلومة ومضمون وطبيعة هذه المعلومة، يقدم مباشرة إلى المؤسسة المعنية مقابل وصل أو عن طريق البريد العادي أو البريد الالكتروني مقابل إشعار بالتوصل.
ويبدو جليا أن المشرع كان حريصا على تمكين طالب المعلومة من وثائق تثبت تقديم الطلب مما من شأنه أن يرتب الاثار القانونية المرتبطة بهذا النوع من المساطر.
من جهة أخرى جعل المشرع إجراءات طلب الحصول على المعلومة مجانية من حيث المبدأ، ماعدا ما يتعلق بتكاليف النسخ والمعالجة والإرسال، والتي تكون في العادة في متناول الجميع، وذلك لتشجيع المواطنين على ثقافة المشاركة وطلب المعلومات، وعدم جعل التكلفة عائقا أمام تكريس وممارسة هذا الحق.
وفي سياق تبسيط الإجراءات المرتبطة بهذه المسطرة، أكد المشرع على أن الحصول على المعلومة
يكون بمختلف الطرق والوسائل المتاحة، سواء عبر الاطلاع المباشر بمقر الهيئة أو المؤسسة
المعنية أو عبر البريد العادي أو البريد الإلكتروني أو عبر أي حامل متوفر لدى الإدارة المختصة.
سادسا: تحديد أجل للرد على طلب الحصول على المعلومة:
إن ضمان فعالية الإجراءات المرتبطة بالحق في الحصول على المعلومة، يقتضي التزام الإدارة بمواعيد قانونية ملائمة لإجابة المعني بالأمر، بحيث لا يمكن ترك آجال المعالجة والرد لتقدير وربما مزاج الجهة ذات الاختصاص، الشيء الذي قد يؤدي إلى إفراغ هذا الحق من مضمونه الحقيقي.
وفي هذا الإطار فرض المشرع المغربي على الإدارة الرد على طالب المعلومة داخل أجل لا يتعدى 20 يوما من تاريخ تسلم الطلب، ويمكن تمديد هذا الأجل لمدة مماثلة إذا لم تتمكن الجهة المعنية من الاستجابة جزئيا أو كليا للطلب، أو كان الطلب يتعلق بعدد كبير من المعلومات، أو أن تقديمها يتطلب استشارة الغير قبل تسليمها، وفي هذه الحالة ينبغي إشعار طالب المعلومة مسبقا بهذا التمديد.
كما أن المشرع نص على إمكانية تقليص الأجل إلى ثلاثة أيام في الحالات المستعجلة، والتي يكون فيها الحصول على المعلومة ضروريا لحياة وسلامة وحرية الأفراد.
سابعا: إمكانية الطعن في قرار الجهة المختصة بمعالجة طلب الحصول على المعلومة:
إضافة إلى التزام الجهات المعنية بتعليل قرارها المتعلق برفض تقديم المعلومات كتابة وذلك في الحالات التي يحددها القانون، فإن طالب الحصول على المعلومة يحتفظ بحقه في مراجعة القرار وفق ثلاث طرق أساسية:
1- بتقديم شكاية إلى رئيس المؤسسة أو الهيئة المعنية داخل أجل لا يتعدى عشرين (20) يوما من أيام العمل من تاريخ انقضاء الأجل القانوني المخصص للرد على الطلب أو من تاريخ التوصل بالرد.
2- تقديم طالب المعلومات لشكاية إلى لجنة الحق في الحصول على المعلومات في غضون 30 يوما:
-التي تلي انصرام أجل خمسة عشرة (15) يوما المخصص للرد على الشكاية الموجهة إلى رئيس الهيئة،
-أو التي تبتدئ من تاريخ التوصل بالرد على الشكاية الموجهة إلى رئيس الهيئة المعنية.
3- اللجوء إلى القضاء للطعن في قرار رئيس المؤسسة أو الهيئة المعنية، وذلك داخل أجل الستين (60) يوما من تاريخ التوصل بجواب لجنة الحق في الحصول على المعلومات بشأن شكايته أو من تاريخ انصرام الأجل القانوني المخصص للرد على هذه الشكاية، والمحدد في ثلاثين (30) يوما.
إن الرهان الحقيقي لحماية الحق الوصول إلى المعلومة كحق أساسي ومركزي في المنظومة الحقوقية، هو المساهمة في تمكين المواطن ومؤسسات صناعة الوعي والتأثير، من تشكيل قناعات أفضل لتطوير مشاركتها في تدبير الشأن العام، وتمكين الإدارة من إثبات مصداقيتها أمام المواطنين، وعلى الرغم من أهمية الضمانات الدستورية والقانونية المرتبطة بهذا الحق، فإنها تبقى مع ذلك غير كافية على اعتبار أن أي مجهود تشريعي يبقى دائما مشوبا بالنقص والقصور، ما لم يواكبهه إجراءات فعالة للتنفيذ على مستوى السياسات العمومية وعلى مستوى الاعلام والمجتمع المدني، من خلال صناعة وتعزيز ثقافة الحكامة والشفافية، ورفع جاهزية الإدارة على صعيد البنيات اللوجستية عبر تطوير البوابات الإلكترونية وعبر تأهيل وتدريب الموارد البشرية المهتمة بالتواصل العمومي وتسهيل إيصال المعلومات وتجاوز منطق السرية والتوجس من الانفتاح.
مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية عدد خاص حول الثورة الرقمية وإشكالاتها ـــــــــــــــــــ أبريل 2020