ضمانات المتنافس في مجال الصفقات العمومية -على ضوء مستجدات مرسوم الصفقات العمومية-

 

 

 

ضمانات المتنافس في مجال الصفقات العمومية

  • على ضوء مستجدات مرسوم الصفقات العمومية[1]

ابتسام اللوسي

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه جامعة محمد الخامس

 

 

إن تشبث المغرب باستكمال مسيرته على طريق الديمقراطية و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، جعله ينهج العديد من الإصلاحات، و التي همت مجالات مختلفة.

 

و لعل  من أبرز هذه الإصلاحات، الإصلاح الدستوري لسنة 2011 و ما واكبه من تعديل و تحيينٍ لمجموعة من النصوص و المنظومات القانونية، بما في ذلك منظومة الصفقات العمومية التي شكلت مجالا خصبا للإصلاح.

 

فباعتبار أن الصفقات العمومية من أكثر الوسائل القانونية التي تلجأ إليها مختلف الهيئات العمومية[2] لتنفيذ مخططاتها التنموية، و اعتبارا لكونها  إحدى أهم العقود الإدارية التي تجمع بين الدولة و الخواص و الوسيلة الأنجع لجلب الاستثمارات الكبرى، فإنه كان لزاما على المشرع التدخل لتدعيم الحكامة الجيدة للشأن العام من جهة و تدعيم القدرة التنافسية للدولة[3] من جهة أخرى، و ذلك عبر إدخال تعديلات عدة بهدف الرقي بمنظومة الصفقات العمومية المغربية و تطويرها، و بالأخص في ما يتعلق بقواعد إبرامها و مراقبتها و كذا  تدبيرها.

 

و تبعا لذلك، فقد شهد الإطار القانوني للصفقات العمومية توالي مجموعة من الإصلاحات[4]،  غير أن أبرزها تمثل في إصدار المرسوم رقم  2.06.388[5] الصادر بتاريخ 5 فبراير 2007 و المتعلق بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة و كذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها و مراقبتها، و الذي تم نسخه  بالمرسوم الجديد رقم 2.12.349 [6] الصادر بتاريخ 8 جمادى الأولى 1434( 20 مارس 2013) المتعلق بالصفقات العمومية؛ حيث شكل المرسوم رقم 2.06.388 منطلقا لإصلاحات عميقة همت بالأساس تحديث المساطر و تكريس الشفافية و الفعالية في إبرام و مراقبة و تدبير الطلبيات العمومية، في حين جاء المرسوم رقم 2.12.349 ليتمم هذه الإصلاحات عبر توحيده لنظام الصفقات بين مختلف الهيئات العمومية من جهة، و عبر تدعيمه للمنافسة و المساواة و الشفافية و تخليق تدبير الطلبيات إلى جانب تحسين الضمانات و تحديث آليات التواصل و تبسيط وتوضيح المساطر و كذا تكريس ضمانات لحماية البيئة من جهة أخرى.

 

و نظرا لتعدد محاور الإصلاح التي جاء بها كلا المرسومين السابقين، فإننا سنركز في موضوعنا على أحد المحاور الهامة، و المتمثل أساسا في دراسة أهم الضمانات التي تخوِّل الحماية القانونية و كذا القضائية للمتنافسين[7] في مجال الصفقات العمومية التي تبرم وفق أسلوب طلب العروض[8] المفتوح، اعتبارا لأن أغلب الصفقات تتم  وفق هذا النوع من طرق الإبرام، و اعتبارا  لأن تفعيل هذا الأسلوب يستدعي التكريس التشريعي لمجموعة من  الضمانات.

 

و سنحاول تحليل و دراسة موضوعنا وفق مقاربة قانونية و قضائية؛ بحيث أنه إذا كان مرسوم 5 فبراير 2007 قد كرس في إطار الصفقات التي تكون بناءًا على طلب العروض المفتوح مجموعة من المبادئ و التي خول تفعيلها على أرض الواقع تحقق مجموعة من الضمانات التشريعية بالنسبة للمتنافسين، فإن المشرع و من خلال مرسوم 20 مارس 2013 رقم 2.12.349 عمد إلى تكريس و تقوية تلك الضمانات و ذلك عبر تدعيم فعالية العديد من المساطر، و هو ما سنتعرف عليه، عبر تحديد الضمانات المرتبطة بمساطر إبرام هذا النوع من الصفقات ( المطلب الأول)، و دراسة مختلف الآليات الرقابية و القضائية التي تخول للمتنافسين ضمان حقوقهم ( المطلب الثاني).

 

 

المطلب الأول: الضمانات المرتبطة بمساطر إبرام الصفقات العمومية

 

يمكن تقسيم هذا النوع من الضمانات إلى قسمين: الضمانات على مستوى آليات التواصل بين الدولة[9] باعتبارها صاحب المشروع  و بين المتنافسين ( الفرع الأول)، و الضمانات المرتبطة بمقاييس الاختيار و تبسيط الإجراءات ( الفرع الثاني).

 

الفرع الأول: مدى إسهام آليات التواصل في دعم الشفافية و المساواة بين المتنافسين

 

أسهم التحديث التشريعي لآليات التواصل على مستوى الصفقات العمومية في تكريس العديد من الضمانات الأساسية للمتنافسين، و التي تتمثل أساسا في علنية الدعوة للمنافسة (أولا) و حق المتنافسين في الحصول على المعلومات المتعلقة بالصفقة ( ثانيا).

 

أولا: علنية الدعوة للمنافسة

يشكل نشر البرامج التوقعية ( الفقرة الأولى) و الإعلان عن الصفقة ( الفقرة الثانية) أهم الوسائل المحققة لعلنية الدعوة.

الفقرة الأولى: نشر البرامج التوقعية[10]

 

نصت المادة 87 من المرسوم الملغى رقم 2.06.388[11] على أنه يتعين على صاحب المشروع العمل قبل متم الثلاثة أشهر الأولى من كل سنة مالية، كأبعد تقدير، على نشر البرنامج التوقعي للصفقات التي يعتزم طرحها برسم السنة المالية المعنية، و ذلك على الأقل في جريدة ذات توزيع وطني و في بوابة صفقات الدولة، مع إعفاء إدارة الدفاع الوطني من هذا النشر.

 

غير أن هذا التنصيص التشريعي عرف تعثرا من حيث تفعيله[12]، و هو ما حدا بالمشرع من خلال المرسوم الجديد رقم 2.12.349 المتعلق بالصفقات العمومية إلى تدارك ما شاب المرسوم الملغى من نقص؛ حيث أنه و إن كان هذا الأخير قد كرس آلية نشر البرامج التوقعية، إلا أنه أغفل تحديد محتوى و كيفيات نشر هذه البرامج و الآجال المحددة لذلك، الأمر الذي قيد تفعيل هذه الآلية على أرض الواقع، و هو ما ترتب عليه حرمان المتنافسين من إحدى الحقوق الهامة، و التي تخولهم التعرف و الإحاطة بشكل مسبق على مختلف الصفقات المزمع تنفيذها و كذا التحضير لدخول غمار التنافس.

 

و لذلك جاءت المادة 14 من المرسوم الجديد لسد هذه الثغرة القانونية عبر تحديدها لمحتوى و كيفيات نشر البرنامج التوقعي للصفقات المعلن عنه من طرف صاحب المشروع، و ذلك من أجل تفعيل أكبر لهذه الآلية في أفق تدعيم أكثر لشفافية تدبير الطلبيات العمومية؛ حيث نصت  هذه المادة على أنه:

 

” يتعين على صاحب المشروع بداية كل سنة مالية و قبل متم الثلاثة أشهر الأولى منها على أبعد تقدير، نشر البرنامج التوقعي للصفقات التي يعتزم إبرامها برسم السنة المالية المعنية، في جريدة ذات توزيع وطني على الأقل و في بوابة الصفقات العمومية، و يمكن لصاحب المشروع أيضا القيام بنشر هذا البرنامج بأي وسيلة أخرى للنشر و لاسيما بطريقة إلكترونية.

يجب على صاحب المشروع أن يعرض البرنامج التوقعي للصفقات في مقاره طيلة مدة ثلاثين ( 30) يوما على الأقل.

يمكن نشر برامج توقعية تعديلية أو تكميلية بعد هذا التاريخ عند الحاجة وفق الشروط المقررة أعلاه.

يتضمن البرنامج التوقعي، على الخصوص، الإشارة إلى موضوع الدعوة إلى المنافسة و طبيعة العمل و مكان التنفيذ و طريقة الإبرام المزمع اعتمادها و الفترة الزمنية المتوقعة لنشر الإعلان عن الدعوة إلى المنافسة المتعلق بالصفقات التي يعتزم صاحب المشروع طرحها برسم السنة المالية المعنية.”

 

و قد جاء قرار و زير الاقتصاد و المالية[13] رقم 3011.13 ليتمم هذا التحديد التشريعي لمحتويات البرنامج التوقعي، و ذلك من خلال تنصيصه في المادة الخامسة منه على أنه ” يتعين على صاحب المشروع أن يحدد في البرنامج التوقعي للصفقات، تلك التي سوف يخصصها للمقاولات الصغرى و المتوسطة برسم كل سنة مالية.”

 

فهذا التحديد التشريعي لمحتوى و كيفيات نشر هذا البرنامج سيسهم بشكل فعلي في تدعيم نزاهة و تخليق تدبير الصفقات العمومية؛ ذلك أنه و إن كان ” إجراء النشر المذكور يعد واردا على سبيل البيان، فإنه أيضا يهدف إلى تكريس مبدأ الشفافية اتجاه سلطات المراقبة من جهة أولى، و اتجاه المقاولات المنافسة من جهة ثانية، و اتجاه العموم من جهة ثالثة”.[14]

 

و إذا كان نشر هذه البرامج التوقعية سيخول للمتنافسين ضمانة هامة تتجلى في أحقية إطلاعهم على مستجدات الطلبيات العمومية  و التهيؤ المسبق لدخول غمارها، فإن تفعيل هذه البرامج يظل رهين بصدور الإعلان عن طلبات العروض التي تمت برمجتها، و هو ما سنتعرف عليه في سياق الفقرة الموالية.

 

الفقرة الثانية: الإعلان عن طلب العروض

” يعتبر الإعلان عن عقد الصفقة العمومية من القواعد الجوهرية التي تقوم عليه هذه الأخيرة بمختلف أنواعها و مختلف طرق إبرامها؛ فبواسطته يتمكن المتنافسون من معرفة الأشغال المزمع إنجازها و الإطلاع على مواصفاتها و شروطها و الوثائق الواجب الإدلاء بها، و كذا معرفة السلطة المانحة للصفقة و مكان و زمن فتح الأظرفة”.[15]

 

و قد أكد كل من المرسوم رقم 2.06.388 [16] و المرسوم الجديد رقم 2.12.349 [17] على ضرورة العمل بمبدأ العلنية اعتبارا لكونه من أهم الضمانات المخولة للمتنافسين، و ذلك من خلال التنصيص على وجوب الإعلان عن الصفقات التي تكون بناء على طلب العروض؛ حيث نصت المادة 20 من كلا المرسومين على أن كل طلب عروض مفتوح يجب أن يكون موضوع إعلان … و يجب أن ينشر الإعلان عن هذا الطلب على الأقل في جريدتين، توزعان على الصعيد الوطني و يتم اختيارهما من قبل صاحب المشروع، و يجب أن تكون إحداهما باللغة العربية و الأخرى بلغة أجنبية شريطة أن ينشر الإعلان بلغة نشر كل من الجريدتين.

 

بالإضافة إلى ما سبق، فإنه يجب أن ينشر في بوابة الصفقات العمومية؛ و ذلك تكريسا لنزع الصفة المادية للصفقة، و هو ما يخول بالتالي الحد من التدخل البشري و محاربة كل الممارسات المرتبطة بهذا التدخل كالغش و الرشوة.

 

و تشير نفس المادة إلى إمكانية القيام – بالموازاة مع الإجراءين السابقين- بتبليغ الإعلان الآنف الذكر إلى علم المتنافسين المحتملين و عند الاقتضاء إلى الهيئات المهنية عن طريق:

الإدراج في نشرة الإعلانات القانونية و القضائية و الإدارية بالجريدة الرسمية؛ و يبقى الهدف من نشرها بالجريدة الرسمية هو إضفاء الطابع الرسمي على هذا الإعلان، و هو ما يجعل منه ضمانا لكل متنافس للاحتجاج بما ورد فيه في حالة وقوع أي إشكال مرتبط بمحتوى هذا الإعلان.

النشر في نشرات متخصصة  أو أية وسيلة أخرى للإشهار و لاسيما بطريقة إلكترونية.

 

و قد حدد المشرع على مستوى نفس المادة الآجال التي يجب على صاحب المشروع احترامها في الإعلان عن طلب العروض المفتوح؛ إذ نصت المادة 20 من المرسوم الجديد رقم 2.12.349 [18] على أنه يحدد أجل إشهار ” إعلان طلب العروض المفتوح” في الجريدتين و في بوابة الصفقات في واحد و عشرين ( 21) يوما على الأٌقل قبل التاريخ المحدد لجلسة فتح الأظرفة، و هو نفس الأجل الذي نصت عليه المادة 20 من مرسوم 5 فبراير 2007 مع اختلاف واحد هو أنه كان يعتمد التاريخ المحدد لاستلام العروض، كآخر أجل، بدل تاريخ فتح الأظرفة.

 

أما بالنسبة لتاريخ بدء سريان هذا الأجل، فيبتدئ من اليوم الموالي لتاريخ نشر الإعلان في ثاني جريدة صدرت، مع إضافة احتساب سريان هذا الأجل بدءا من اليوم الموالي لتاريخ النشر في بوابة الصفقات العمومية و هو من بين المقتضيات الجديدة التي جاء بها المرسوم الجديد.

 

كما خولت نفس المادة، إمكانية تمديد أجل (21) يوما إلى أربعين (40) يوما على الأقل، و ذلك بالنسبة لحالات حددها مرسوم 20 مارس 2013 في   كل من:

 

صفقات الأشغال المبرمة لحساب الدولة و الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات والمؤسسات العمومية التي يعادل أو يفوق مبلغها التقديري 63 مليون درهم  دون احتساب الرسوم؛

صفقات التوريدات و الخدمات المبرمة لحساب الدولة التي يعادل أو يفوق مبلغها التقديري مليون و ستمائة ألف ( 1600000) درهم  دون احتساب الرسوم؛

صفقات التوريدات و الخدمات المبرمة لحساب المؤسسات العمومية و الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات التي يعادل أو يفوق مبلغها التقديري ثمانية ملايين و سبعمائة ألف (8700000) درهم  دون احتساب الرسوم؛

 

و من المستجدات التي جاء بها أيضا المرسوم الجديد، هي إمكانية تمديد الأجل بناء على طلب المتنافسين، و هو ما أكده من خلال البند 8 من المادة 19؛ حيث نص على أنه: ” إذا اعتبر متنافس أن الأجل المقرر في إعلان الإشهار غير كاف لتحضير العروض بالنظر إلى تعقد الأعمال موضوع الصفقة، يمكنه أثناء النصف الأول من أجل الإشهار أن يطلب من صاحب المشروع، بواسطة مراسلة محمولة مع إشعار بالتوصل أو فاكس مؤكد أو بواسطة رسالة إلكترونية مؤكدة، تأجيل تاريخ جلسة فتح الأظرفة. و يجب أن تتضمن رسالة المتنافس كل العناصر التي تمكن صاحب المشروع من تقييم طلبه للتأجيل.

 

إذا أقر صاحب المشروع بصحة طلب المتنافس، يمكنه القيام بتأجيل تاريخ جلسة فتح الأظرفة. يكون التأجيل الذي يترك تقدير مدته لصاحب المشروع، موضوع إعلان تصحيحي. و ينشر إعلان التأجيل في بوابة الصفقات العمومية و في جريدتين توزعان على الصعيد الوطني على الأقل يختارهما صاحب المشروع تكون إحداهما باللغة العربية و الأخرى بلغة أجنبية.

 

في هذه الحالة لا يمكن أن يتم تأجيل تاريخ جلسة فتح الأظرفة إلا مرة واحدة أيا كان المتنافس الذي يطلبه.

يخبر صاحب المشروع بهذا التأجيل المتنافسين الذين سحبوا أو حملوا ملفات طلب العروض”.

 

فالملاحظ، من خلال تحليل هذا البند التشريعي، هو ” أن المرسوم قد وسع من الإعلان عن الصفقات الضخمة لما تتطلبه من إعداد تقني و فني على قدر كبير من الأهمية، مما يستلزم توسيع آجال إعداد الملفات من أجل المشاركة”. [19]

 

و إلى جانب ما أقرته المقتضيات التشريعية السابقة من علنية الدعوة و الإعلان عن طلبات العروض كأهم الضمانات التي تخول للمتنافسين التعرف على الصفقات و دخول غمار التنافس، فإن مرسوم 20 مارس 2013، قد خولهم أيضا أحد الحقوق الدستورية الهامة و المتمثلة في حق الحصول على المعلومة، و هو ما سنتعرف عليه في سياق الجزء الموالي من الموضوع.

 

ثانيا: حق المتنافس في الحصول على المعلومات المتعلقة بالصفقة

 

من بين الضمانات التي كرسها المشرع للمتنافسين هي أحقية الإطلاع على كل المعلومات المتعلقة بالصفقة، و ذلك في ظل تفعيل مبدأ المساواة و الشفافية في إعلام المتنافسين؛ بحيث نصت المادة 22 من المرسوم رقم 2.12.349 على أنه يجوز لكل متنافس أن يطلب من صاحب المشروع، بواسطة مراسلة محمولة مع إشعار بالتسلم أو رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم أو بفاكس مؤكد أو بطريقة إلكترونية، أن يقدم إليه توضيحات أو معلومات تتعلق بطلب العروض أو بالوثائق المرتبطة به. و لا يجوز قبول هذا    الطلب إلا إذا توصل به صاحب المشروع سبعة ( 7) أيام على الأقل قبل التاريخ المحدد لجلسة فتح الأظرفة.

 

في المقابل يتعين على صاحب المشروع أن يجيب على كل طلب معلومات أو توضيحات يتوصل به داخل الأجل المقرر أعلاه.

و كل توضيح أو معلومة يقدمها صاحب المشروع إلى أي متنافس بطلب من هذا الأخير، يجب تبليغه إلى المتنافسين الآخرين الذين سحبوا أو حملوا ملفات طلب العروض، و يجب أن يتم هذا التبليغ في نفس اليوم و حسب نفس الشروط و ذلك برسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو بواسطة الفاكس مع إثبات التوصل أو بطريقة الكترونية، كما يوضع أيضا رهن إشارة كل متنافس آخر في بوابة الصفقات العمومية، و يبلغ إلى أعضاء لجنة طلب العروض.

 

أما بالنسبة للآجال، فقد نصت نفس المادة على أنه يجب أن تبلغ المعلومات أو التوضيحات التي يدلي بها صاحب المشروع إلى المتنافس الذي طلبها و إلى باقي المتنافسين داخل أجل السبعة ( 7) أيام الموالية لتاريخ تسلم الطلب من طرف المتنافس، إلا أنه عندما يقدم هذا الطلب بين اليوم العاشر و اليوم السابع السابق للتاريخ المقرر لفتح الأظرفة، فيجب آنذاك أن يتم الجواب على أبعد تقدير ثلاثة أيام قبل التاريخ المحدد لجلسة فتح الأظرفة.

 

و إلى جانب التنصيص التشريعي على حق المتنافسين في المطالبة بالمعلومات و التوضيحات المرتبطة بطلب العروض، فقد كرس المشرع للمتنافسين الحق أيضا في الإطلاع و التعرف على مختلف التعديلات التي يدخلها صاحب المشروع على ملف طلب العروض؛ و هو ما نص عليه البند 7 من المادة 19 من المرسوم رقم 2.12.349، حيث خول لصاحب المشروع، بصفة استثنائية، إمكانية إدخال تعديلات على ملف طلب العروض دون  تغيير موضوع الصفقة، و لكن في المقابل ألزمه بضرورة موافاة جميع المتنافسين الذين سحبوا أو حملوا الملف المذكور بهذه التعديلات، إلى جانب إلزامه بتضمينها في الملفات الموضوعة رهن إشارة المتنافسين الآخرين، كما أكدت نفس المادة على أن يتم إبلاغ كل المتنافسين بالتاريخ الجديد لفتح الأظرفة عند الاقتضاء.

 

و ارتباطا دائما بالتكريس التشريعي لحق المتنافسين في الحصول على المعلومات المتعلقة بالصفقة، ألزم المشرع، بموجب المادة 23 من نفس المرسوم، صاحب المشروع بتبليغ[20] جميع المتنافسين بنسخة من محضر[21] الاجتماعات و الزيارات التي ينظمها إلى المواقع، إلى جانب إلزامه بنشر هذا المحضر في بوابة الصفقات العمومية، و ذلك بهدف تدعيم الشفافية و المساواة بشكل أكبر في التواصل مع المتنافسين و إعلامهم.

الفرع الثاني: الضمانات المرتبطة بإجراءات و مقاييس الاختيار

 

عمل المشرع المغربي من خلال المرسوم الجديد للصفقات العمومية رقم 2.12.345 على الحفاظ على مجموعة من المقتضيات القانونية التي جاء بها المرسوم الملغى رقم 2.06.388، و المتعلقة أساسا بالضمانات المرتبطة بمقاييس الاختيار و إجراءات التعاقد، مع تدعيم تلك المقتضيات بقواعد قانونية جديدة تنم عن رغبة المشرع في الزيادة من فعالية و شفافية تلك الضمانات و تقويتها بأخرى، و هو ما سنحاول التعرف عليه في سياق دراستنا  لهذه الضمانات و ذلك سواء فيما يتعلق بالإجراءات ( أولا)، أو فيما يتعلق بالآليات و المقاييس المعتمدة لاختيار المتنافسين ( ثانيا).

أولا: تبسيط الإجراءات الإدارية

 

سعيا وراء ترسيخ أخلاقيات الإدارة، أدرج المشرع مجموعة من المقتضيات التي من شأنها التقليص من إمكانيات اللجوء إلى كل الممارسات المرتبطة بأفعال الغش و الرشوة و كذا الحد من التدخل البشري من جهة، و التي تجعل مساطر الإبرام تمر بشكل سلس و مبسط و واضح من جهة ثانية. و هو ما سنحاول استشفافه و التعرف عليه من خلال دراسة المقتضيات التي تخول تبسيط كل من إجراءات الحصول على ملفات طلب العروض ( الفقرة الأولى)، و كذا الإجراءات المرتبطة بتقديم ملفات المتنافسين ( الفقرة الثانية).

 

الفقرة الأولى:  تبسيط إجراءات الحصول على ملفات طلب العروض

 

تفعيلا لحق الحصول على ملفات طلب العروض المخول تشريعا لكل متنافس، فإنه يتعين على صاحب المشروع و ضع هذه الملفات رهن إشارة المرشحين بمجرد صدور أول إعلان لطلب العروض و إلى غاية اليوم المحدد لجلسة فتح ملفات طلب العروض.

 

و يتم الحصول على هذه الملفات إما بسحبها مباشرة من لدن صاحب المشروع أو عبر تحميلها إلكترونيا، و تعد إمكانية التحميل الإلكتروني من المستجدات التي جاء بها المرسوم الجديد رقم 2.12.349؛ إذ أنه، و في أفق نزع الصفة المادية عن الصفقات، كرس هذه الإمكانية بموجب البند 3 من المادة 19، بل و وسع أكثر من المعطيات المرتبطة بها عبر إلزام أصحاب المشاريع بنشر بعض المعلومات والوثائق إلكترونيا، و بوضع قاعدة المعطيات الإلكترونية[22] للمقاولين و الموردين و الخدماتيين.

 

و يبقى الهدف من كل الإجراءات السابقة هو  تسهيل و تبسيط إجراءات التواصل بين كل من صاحب المشروع و المتنافسين في إطار الصفقات العمومية المبرمة بناء على طلبات العروض المفتوحة من جهة،  و تدعيم التنافس الإلكتروني بين المتنافسين من جهة ثانية.

 

كما أكد المشرع سواء على مستوى المرسوم الجديد أو السابق على وجوب تسليم هذه الملفات مجانا؛ حيث نصت المادة 19 من كلا المرسومين على أن ملفات طلب العروض تسلم مجانا إلى المتنافسين، باستثناء التصاميم و الوثائق التقنية التي يتطلب استنساخها معدات تقنية خاصة.

 

 

الفقرة الثانية: تبسيط الإجراءات المرتبطة بتقديم ملفات المتنافسين

 

من الضمانات التي صاغها مرسوم 5 فبراير 2007 و التي أكد المرسوم الجديد رقم 2.12.349 على  ضرورة احترامها و تفعيلها هي تخويل المشرع للمتنافسين إمكانية تدارك و إصلاح الأخطاء المادية و إمكانية تدعيم ملفاتهم بالوثائق الناقصة؛ إذ أن المتنافس في نطاق الصفقات العمومية المبرمة بناء على طلبات العروض المفتوحة أضحى مخولا له إمكانية تصحيح الأخطاء المادية الواردة في الملف الإداري أو العرض المالي الخاص به، و هو ما نصت عليه كل من المواد 36 و 40:

فالمادة 36 نصت في بندها التاسع (9 ) على أنه إذا لاحظت لجنة طلب العروض وجود أخطاء مادية أو عدم تطابق وثائق الملف الإداري، فآنذاك تقبل عرض المتنافس المعني و تخول له القيام بالتصحيحات الضرورية.

كما نصت المادة 40 في بندها الثالث (3) على إمكانية تصحيح لجنة فتح الأظرفة للأخطاء المادية الظاهرة في العمليات الحسابية لعروض المتنافسين المقبولين خلال الجلسة المغلقة لتفحص العروض المالية، و تعيد بعد ذلك المبلغ الصحيح للعروض المعنية.

 

فالمشرع من خلال كِلا المادتين السابقتين، قد خول للمتنافسين ضمانات هامة ترتبط بالأساس بتبسيط إجراءات التعاقد، و التي تتجلى أساسا في إعطاء كل واحد منهم أكثر من فرصة لتصحيح و تدارك أخطائه بدل الإقصاء.

 

و إلى جانب تصحيح الأخطاء المادية فإنه ضمن للمتنافسين إمكانية تدعيم ملفاتهم عبر تقديم الوثائق الناقصة منها، و ذلك في بداية الجلسة المخصصة لفتح أظرفة المتنافسين؛ فإذا كان في السابق يمكن للجنة إقصاء أي متنافس في حالة نقص وثيقة معينة، فإنه حاليا لا يتم الإقصاء و يبقى دائما حاضرا كمتنافس على أن يدلي بالوثائق الناقصة  لاستكمال ملفاته، و هو ما نصت عليه المادة 36 في بندها الثاني، إذ نصت على أنه يتعين على رئيس اللجنة بعد افتتاح الجلسة أن يدعو المتنافسين الذين انتبهوا إلى أن ملفاتهم غير كاملة إلى الإدلاء بالوثائق الناقصة في غلاف مغلق يوضح طبيعة الوثائق الناقصة، و ذلك قبل أن يحصر نهائيا لائحة الأظرفة التي تم التوصل بها.

 

مع التأكيد على أنه و بعد استيفاء هذه  الشكلية مباشرة لا يتم قبول أي تكملة للوثائق، و ذلك بهدف إخضاع إجراءات التعاقد لضبط الآجال؛ إذ أن تبسيط إجراءات التعاقد يرتبط أيضا باحترام الآجال المعقولة التي تخول استكمال إجراءات التعاقد و بالتالي ضمان سير المرفق عبر تنفيذ الأشغال أو التوريدات أو الخدمات التي سيتم التعاقد بشأنها في الوقت المحدد لها.

 

و من المستجدات التي جاء بها المرﺳﻮم الجديد[23] في ﻣﺠﺎل ﺗﺒﺴﻴﻂ المساطر تخويل المتنافسين إمكانية إيداع و سحب أظرفتهم و عروضهم بطريقة إلكترونية في بوابة الصفقات العمومية[24]، كما أعفى  المقاولات المتنافسة ﻣﻦ ضرورة ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ المستندات ﻋﻨﺪ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﻠﻔﻬﺎ اﻹداري، وﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ضرورية في ﻇﻞ المرسوم اﻟﺴﺎﺑﻖ اﻟﺸﻬﺎدة اﻟﺠﺒﺎﺋﻴﺔ وﺷﻬﺎدة الانخراط في اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﻀﻤﺎن الاجتماعي وﺷﻬﺎدة اﻟﻘﻴﺪ في اﻟﺴﺠﻞ اﻟﺘﺠﺎري. وﻫﻜﺬا ﻓﻘﺪ ﻧﺼﺖ المادة 52 ﻣﻦ المرسوم على أن ﻫﺬه اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺗﻘﺪم ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ المتنافس المزمع إﺳﻨﺎد اﻟﺼﻔﻘﺔ إﻟﻴﻪ دون ﺑﺎﻗﻲ المتنافسين.[25]

 

كما أضاف المشرع في ظل المرسوم الجديد، إلى جانب ما سبق، مجموعة من المقتضيات التي تخول ضمان تبسيط و ضبط العديد من المساطر التي ترتبط بمرحلة الاختيار، و هو ما سنتعرف عليه في ظل المحور الموالي.

 

ثانيا:  وضوح و موضوعية مقاييس الاختيار

يشكل طلب إبداء الاهتمام ( الفقرة الأولى) إلى جانب نظام الاستشارة ( الفقرة الثانية) أهم الآليات التي ينبني عليها اختيار المتنافسين المحتملين، و ذلك قبل الانتقال إلى مرحلة انتقاء و تقييم العروض على مستوى جلسة فتح الأظرفة ( الفقرة الثالثة).  

 

الفقرة الأولى: طلب إبداء الاهتمام

 

من بين المستجدات التي جاء بها المرسوم الجديد رقم 2.12.349 نجد آلية طلب إبداء الاهتمام، و التي نصت المادة 15 على أن الهدف منها هو تمكين صاحب المشروع من تحديد المتنافسين المحتملين، قبل الشروع في الدعوة إلى المنافسة.

 

مع التأكيد التشريعي على أن اللجوء لهذا الطلب، لا يمنح أي حق للمتنافسين المحتملين كما لا يبرر اللجوء من قبل صاحب المشروع إلى المسطرة التفاوضية أو طلب العروض المحدود إلا إذا توفرت شروط اللجوء إلى هاتين المسطرتين.

 

فاللجوء لهذه الآلية لا يجوز أن ينتج عنه أي حصر لعدد المتنافسين، كما هو الشأن بالنسبة للتعاقد الذي يكون بناء على طلب العروض المحدود أو بناء على المسطرة التفاوضية؛ فلإن كان المرسوم الجديد قد شرع اللجوء لطلب إبداء الاهتمام و ذلك لتسهيل الاختيار على صاحب المشروع من جهة، فإنه في المقابل جاء لتكريس و إضافة معيار آخر عبر إدﺧﺎل ﺁﻟﻴﺔ  ﻃﻠﺐ إﺑﺪاء الاهتمام كمعيار للاختيار ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﻋﻤﺎل  ذات اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ واﻟﻤﻌﻘﺪة واﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰم ﺗﺤﺪﻳﺪا ﻣﺴﺒﻘﺎ ﻟﻠﻤﺘﻨﺎﻓﺴﻴﻦ اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﻴﻦ.

 

 

الفقرة الثانية: نظام الاستشارة

 

يعد نظام الاستشارة من أهم الضمانات التي تخول للمتنافسين التعرف المسبق و التأكد من مصداقية المقاييس المعتمدة لاختيار العرض الأفضل اقتصاديا؛ حيث ” يتعلق هذا النظام بمجموعة من المقاييس و الشروط و البيانات التوضيحية بشأن صفقة طلب العروض، و يتولى صاحب المشروع إعداد هذا النظام بمحتوياته بتنسيق مع ذوي الاختصاص، و يظل لكل متنافس الحق في الحصول عليه و الاستفسار حول أية مسألة واردة في نظام الاستشارة للزيادة في التوضيح “.[26]

 

و قد عرف المشرع على مستوى المادة 18 من المرسوم الجديد رقم 2.12.349[27] نظام الاستشارة على أنه ” وثيقة تحدد شروط تقديم العروض و كيفيات إسناد الصفقات”، و إلى جانب هذا التحديد التشريعي لمفهوم نظام الاستشارة، نجد أن المشرع و على خلاف المرسوم الملغى رقم 2.06.388 قد عمد إلى إدخال مجموعة من التحديثات التشريعية سواء على مستوى المضامين التي يجب أن يبينها هذا النظام أو على مستوى التوقيع.

 

فتبعا لمقتضيات المادة 18 من المرسوم الجديد، فإن نظام الاستشارة يجب أن يتضمن بالإضافة إلى لائحة المستندات التي يجب أن يدلي بها المتنافسون – طبقا للمادة 27 – مقاييس قبول المتنافسين و إسناد الصفقة، و التي تختلف باختلاف نوع الصفقة؛ حيث عمل المشرع على التنصيص على المقاييس التي يجب اعتمادها على مستوى كل نوع من الصفقات لقبول المتنافسين، و التي تتوحد في كونها تأخذ بعين الاعتبار الضمانات و المؤهلات القانونية و التقنية و المالية و كذا المراجع المهنية للمتنافسين عند الاقتضاء، على أن يتم تقييم هذه المقاييس حسب العناصر و الوثائق المضمنة في الملفات الإدارية و التقنية و الإضافية عند الاقتضاء، المنصوص عليها في المادة 25 من نفس المرسوم، و المقدمة من قبل كل متنافس.

 

و يبقى الاختلاف الحاصل على مستوى كل من صفقات الأشغال و صفقات التوريدات و تلك المتعلقة بالخدمات هو أنه  في الحالة التي يكون تقديم عرض تقني مطلوبا، فإنه يتم تتميم مقاييس القبول بمقاييس تختلف حسب كل نوع؛ فإذا كانت الأنواع الثلاثة تشترك من حيث الأخذ بكل من مقياس الموارد البشرية و المادية الواجب توفيرها لإنجاز العمل و كذا مقياس الفعالية المتعلقة بحماية البيئة إلى جانب مقياس تنمية الطاقات المتجددة و النجاعة الطاقية، فإن صفقات الأشغال تختلف من حيث اعتمادها على التجربة الخاصة و مؤهلات المستخدمين إلى جانب الأخذ بمدى الجودة الجمالية و الوظيفية للعمل و كذا جدول الإنجاز المقترح لتنفيذ الأشغال و أساليب و طرائق البناء التي سيتم اعتمادها لهذا الغرض، أما بالنسبة لصفقات التوريدات فإنها تعتمد على كل من الجودة الوظيفية للتوريد و الخدمة بعد البيع و الضمانات المقدمة إضافة إلى اعتمادها في بعض الأحيان على مقياس إضافي و هو كلفة الاستعمال أو الصيانة، في حين تعتمد صفقات الخدمات على مقاييس أخرى تتجلى في المنهجية المقترحة و البرنامج الزمني لتسخير الموارد البشرية و كذا الطابع الابتكاري للعرض و جودة المساعدة التقنية إلى جانب الأخذ بكل من درجة نقل الكفاءات و المعارف و الضمانات المقترحة و جدول الإنجاز المقترح.

 

و إضافة لدور نظام الاستشارة في توضيح المقاييس المعتمدة لقبول و إسناد الصفقة، فإنه يجب أن يبين العملة التي يجوز التعبير بها عن العروض و اللغة التي يجب أن تحرر بها الوثائق المضمنة في الملفات و العروض المقدمة من طرف المتنافسين. أما بالنسبة لتوقيع نظام الاستشارة، فقد نصت المادة 18 في بندها الثاني، على أنه يتم توقيع[28] هذا النظام من طرف صاحب المشروع قبل الشروع في مسطرة إبرام الصفقة، و ذلك على خلاف المرسوم القديم الذي كان يخول سلطة توقيع نظام الاستشارة للآمر بالصرف أو مندوبه أو الآمر المساعد بالصرف.

 

و إلى جانب ما يخوله نظام الاستشارة من ضمانات  للمتنافسين و التي ترتبط أساسا بموضوعية و وضوح المقاييس المعتمدة لقبول المتنافسين، فإنهم يتمتعون أيضا بضمانات أخرى على مستوى الاختيار، و المتعلقة بجلسة فتح الأظرفة و تقييم العروض، و هو ما سنتعرف عليه في سياق الجزء الموالي.

 

الفقرة الثالثة: الضمانات المرتبطة بجلسة فتح الأظرفة و تقييم العروض

 

 

تتجلى أهم هذه الضمانات في علنية و عمومية الجلسة[29]، و كذا ” تحديد و عقلنة تركيبة اللجان المكلفة بتقييم العروض حسب طرق إبرام الصفقات و حسب الخصوصيات المرتبطة بصفقات الدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية و مجموعاتها”[30]، غير أن استعاضة المشرع في سياق المرسوم الجديد عن اعتماد آلية القرعة في اختيار ممثلي صاحب المشروع يمكن اعتباره بمثابة تراجع تشريعي عن تكريس إحدى الآليات الهامة التي كانت تخول ضمان أكثر لشفافية و حياد اللجنة و الحد من كل المظاهر السلبية و خاصة الرشوة و الغش.

 

كما أن إلزام المشرع لأعضاء اللجنة بواجب التحفظ و كتمان السر المهني يعد من الضمانات التي تخول تخليق و نزاهة تدبير الطلبيات العمومية؛ إذ نصت المادة 166 من المرسوم الجديد للصفقات على أنه يُلزَم أعضاء لجان طلبات العروض و المباريات و المساطر التفاوضية و اللجان الفرعية بكتمان السر المهني في كل  ما يتعلق بالعناصر التي تبلغ إلى علمهم بمناسبة إجراء المساطر المقررة في هذا المرسوم. و تسري نفس الالتزامات على كل شخص، موظف أو خبير أو تقني، دعي للمساهمة في أعمال اللجان المذكورة.

 

و هو نفس الالتزام الذي دعمته المادة 168 من نفس المرسوم و المتعلقة بمحاربة الغش و الرشوة و تضارب المصالح؛ حيث نصت هذه المادة على أنه يتعين على المتدخلين في مساطر ابرام الصفقات المحافظة على الاستقلالية في معاملاتهم مع المتنافسين و ألا يقبلوا منهم أي امتياز أو منحة، و أن يمتنعوا عن ربط أي علاقة معهم من شأنها المساس بموضوعيتهم و نزاهتهم.

 

إضافة إلى أنه ” يجب على أعضاء لجان طلبات العروض و المباريات و المساطر التفاوضية و اللجان الفرعية أو أي شخص آخر، يدعى للمشاركة في أعمال هذه اللجان عدم التدخل بصفة مباشرة أو غير مباشرة في مسطرة إبرام الصفقات العمومية، عندما تكون لديهم مصلحة، سواء بصفة شخصية، أو عن طريق شخص وسيط لدى المتنافسين تحت طائلة بطلان أعمال اللجان المذكورة”، و هو ما نصت عليه المادة السابقة، و ذلك سعيا من المشرع إلى منع وجود تعارض و تضارب للمصالح في مجال الصفقات العمومية؛ إذ أنه لا يعقل أن تضم اللجنة طرفا يكون حَكَما و محتَكِما في نفس الآن، فإذا كان المطلوب من أعضاء اللجنة هو الحرص على حماية حق المتنافسين في المنافسة العادلة و ضمان الحياد في اختيار نائل الصفقة، فإنه لابد من التأكد أولا أنه لا تتعارض مصالح أي عضو من أعضاء اللجنة مع المصلحة المطلوب منه حمايتها، و ذلك عبر التثبت المسبق من عدم وجود صلة خاصة لهم – كقرابة أو ما شابه – بأحد المتنافسين أو مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة مرتبطة بموضوع الصفقة.

 

أما فيما يتعلق بتقييم العروض، فإن المرسوم الجديد رقم 2.12.349 ، و على خلاف المراسيم السابقة، جاء موضحا لطرق تحديد العرض الأكثر أفضلية على مستوى البند الرابع ( 4) من المادة  40، و الذي نص على أن العرض الأكثر أفضلية يعتبر بمثابة العرض الأقل ثمنا بالنسبة لصفقات الأشغال و صفقات التوريدات[31] و صفقات الخدمات[32]، أو يعتبر العرض الأكثر أفضلية هو العرض الحاصل على أحسن نقطة تقنية و مالية[33] و ذلك بالنسبة لصفقات الخدمات المتعلقة بأعمال الدراسات. و يبقى الهدف من وراء هذا التحديد التشريعي هو توضيح أحد أهم المعايير التي يؤخذ بها للفصل في نتيجة الاختيار بشكل نهائي و التي ينبني عليها في غالب الأحيان قرار إقصاء المتنافسين.

 

و من الجدير بالذكر أنه إذا كانت كل الضمانات السابقة تهم مختلف المتنافسين، فإنه توجد فئة منهم قد خصها المشرع بضمانات إضافية و هي فئة المقاولات الوطنية؛ حيث أنه و على غرار المرسوم الملغى، فإن المرسوم الحالي ينص على وجوب منح الأفضلية للمقاولة الوطنية و ذلك من خلال التنصيص على تخصيص  نسبة عشرين بالمائة (20%) من المبلغ المتوقع للصفقات التي يعتزم طرحها برسم كل سنة مالية للمقاولة الوطنية المتوسطة و الصغرى.[34] و قد حددت المادة 155 من المرسوم الحالي شروط و كيفيات منح هذه الأفضلية و يبقى الهدف من هذا الضمان التشريعي هو تحسين انعكاس تدبير الصفقات العمومية على الاقتصاد و المقاولة.

 

و إلى جانب الضمانات السابقة فقد ألزم المشرع الإدارة بإخبار المتنافسين سواء في حالة القبول أو حالة الإقصاء بنتائج أشغال فتح الأظرفة؛ و يبقى الهدف من ذلك هو تخويل المتنافسين الذين تم إقصاؤهم من التظلم أو الطعن أمام القضاء في مشروعية هذا الإقصاء، أو تقديم شكاية إذا ما لاحظ وجود عيب في مسطرة طلب العروض، و هو ما سنحاول التطرق إليه في المطلب الموالي.

المطلب الثاني: الآليات الرقابية و القضائية لضمان حقوق المتنافسين

 

” ارتباطا مع الضمانات الأخرى الممنوحة للمتنافسين، عمل المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، في مجال الطعون و الشكايات على إرساء قواعد جديدة”[35]، و التي همت بالأساس الإجراءات و الآجال المتعلقة بكل من مرحلة التظلم و الرقابة الإدارية ( الفرع الأول) و  مرحلة الطعن القضائي ( الفرع الثاني).

 

الفرع الأول: الرقابة الإدارية كضمان لمشروعية المنافسة

 

نظرا للأهمية التي تكتسيها هذه الرقابة  فإن المشرع قد أفرد لها الباب الحادي عشر من المرسوم الجديد، و ذلك بمختلف أنواعها؛ إذ تختلف طبيعة هذه الرقابة بحسب الجهة التي تمارسها، فقد تكون هذه الرقابة نابعة عن السلطة المعنية بالصفقة، و هو ما يسمى بالرقابة الداخلية و التي يشكل التظلم الإداري أساسا لإثارتها في الغالب ( أولا)، في حين تسمى الرقابة التي تمارس من طرف إدارة أخرى بالرقابة الخارجية و التي تقوم بها حاليا اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية[36]  ( ثانيا).  

 

أولا: التظلم الإداري

 

” يعتبر التظلم الإداري رقابة ذاتية تمارسها الإدارة على أعمالها و وسيلة من وسائل فض المنازعات وديا بين الإدارة و خصومها، و لهذا فإن اللجوء إلى الإدارة مباشرة بواسطة تظلم قد يغني من التوجه إلى القضاء، و لاسيما إذا ما اقتنعت  الإدارة بأحقية المتظلم في تظلمه و بعدم مشروعية تصرفها”[37]. و سنعمد إلى تحليل مختلف أنواع التظلم التي خولها المشرع للمتنافسين و المتمثلة في كل من التظلم الاستعطافي ( أولا) و التظلم الرئاسي ( ثانيا).

 

الفقرة الأولى: التظلم الاستعطافي

 

يقصد بالتظلم الاستعطافي التظلم الذي يُقدَّم لمُصْدِر القرار ذاته؛ و قد حدد المرسوم الجديد على سبيل الحصر الحالات التي يخوَّل فيها حق التظلم أمام صاحب المشروع.

 

فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 169، نجد بأن المشرع قد فعَّل هذا النوع من التظلمات عبر منحه للمتنافس أحقية تقديم شكاية إلى صاحب المشروع، و ذلك في ثلاث حالات:

إذا لاحظ أن إحدى قواعد مسطرة إبرام الصفقة لم يتم التقيد بها؛

إذا سجل احتواء ملف طلب المنافسة على بنود تمييزية أو شروط غير متناسبة مع موضوع الصفقة؛ و يعد هذا المقتضى من المستجدات التي جاء بها المرسوم الجديد.

–   إذا نازع في أسباب إقصاء عرضه من طرف لجنة العروض.

 

و تختلف الآجال بالنسبة لكل حالة، فبالنسبة للحالتين الأولى و الثانية فيتوفر المتنافس على أجل يمتد بدءا من تاريخ نشر إعلان الدعوة إلى المنافسة و إلى غاية اليوم الخامس بعد لصق نتائج الدعوة إلى المنافسة المذكورة، أي بعد إعلان نتيجة طلب العروض.

 

في حين خص المشرع الحالة الثالثة بآجال تختلف عن الحالتين الأولى و الثانية، إذ نصت المادة السابقة على أنه ” يجب أن  يقدم المتنافس شكايته داخل خمسة ( 5) أيام تحسب من تاريخ تسلم الرسالة المضمونة المشار إليها في المواد 44 و 61 و 82 و 110 و 127 من نفس المرسوم”.

 

أما بالنسبة للإجابة عن الشكاية، فإنه يتعين على صاحب المشروع تبليغ المتنافس بالجواب داخل أجل خمسة (5 ) أيام من توصله بها، و ذلك بالنسبة للحالات الثلاث السابقة.

 

و الملاحظ بالنسبة لجل الآجال السابقة، سواء المحددة لوضع الشكايات أو للرد عليها، هو أن المرسوم الحالي قد خفض من مدتها على عكس المرسوم الملغى، فبدلا من خمسة أيام كان يخول أجل سبعة أيام تحتسب لفترة ما بعد الإعلان عن طلب العروض بالنسبة لكل من الحالتين الأولى و الثانية، و تحتسب من تاريخ تسلم الرسالة التي تبلغ الإقصاء بالنسبة للحالة الثالثة، و هو نفس الأجل المخول لصاحب المشروع للإجابة عن شكاية المتنافسين، غير أنه إذا كان الهدف من تقليص الأجل في الحالة الأخيرة هو التسريع من وتيرة التعاقد و الإجراءات المرتبطة بإبرام العقد، فإن هذا التقليص من الأجل بالنسبة للحالات الأخرى يشكل تراجعا تشريعيا عن تكريس إحدى الضمانات التي أقرها المرسوم السابق، إذ أن هذا التقليص من شأنه عرقلة المتنافس المشتكي من تكوين دفاعاته التي سيتقدم بها في ظل تظلمه، خاصة و أنه لا يتسنى له في ظل الطعن القضائي أن يتقدم بطلبات و دفوع غير تلك التي صاغها في هذا التظلم، و هو ما سنستعرضه بتوضيح أكثر في مرحلة الطعن القضائي.

 

الفقرة الثانية: التظلم الرئاسي

 

ينص البند 6 من المادة 19 على إحدى الحالات الجديدة التي يخول فيها للمتنافسين إمكانية التظلم أمام السلطة التي يخضع لها صاحب المشروع، و هي الحالة التي يمتنع فيها هذا الأخير عن تسليم ملف طلب العروض للمتنافسين؛ حيث جاء في مقتضيات هذا البند أنه: ” عندما لا يتم لسبب من الأسباب تسليم ملف طلب العروض لمتنافس أو ممثله الذي تقدم إلى المكان المعين في الإعلان عن طلب العروض، يسلمه صاحب المشروع في نفس اليوم شهادة تبين سبب عدم تسليمه الملف، و تبين كذلك اليوم المحدد لسحبه لتمكين المتنافس من إعداد ملفه، و يحتفظ بنسخة من هذه الشهادة في ملف الصفقة.

 

يجوز للمتنافس في حالة عدم تسليمه الملف في اليوم المحدد في الشهادة المسلمة له، أن يلجأ، بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، إلى السلطة التي يخضع لها صاحب المشروع المعني يعرض فيها ظروف تقديم طلبه للحصول على ملف و الجواب الذي تلقاه.

 

إذا تبين صحة الشكاية، تأمر السلطة المذكورة صاحب المشروع بتسليم ملف طلب العروض فورا إلى المشتكي و بتأجيل تاريخ فتح الأظرفة لمدة تمكن المشتكي من التوفر على المدة القانونية المطلوبة لأجل نشر إعلان طلب العروض ابتداءا من تاريخ تسليم ملف طلب العروض”.

 

فمن خلال نص هذه المادة يتضح بأن المشرع قد خول للمتنافس حق التظلم أمام السلطة الرئاسية لصاحب المشروع، و أنه قد حدد لذلك الإجراءات التي يجب عليه الالتزام بها لرفع تظلمه، إلى جانب تحديده للآثار التي ينبغي أن تنتج عن هذا التظلم في حالة تأكد السلطة الرئاسية من صحة الشكاية.

 

و بالرجوع إلى مقتضيات المادة 169، نلحظ بأن المشرع، و بخلاف الحالة السابقة، قد حدد أجل خمسة (5) أيام[38] للتظلم أمام السلطة الرئاسية[39] الأعلى لصاحب المشروع، و ذلك بالنسبة للحالات الثلاث التي سبق و أوردناها في سياق حديثنا عن التظلم الاستعطافي.

 

و على غرار المرسوم الملغى، نجد بأن المادة 169 قد حددت على سبيل الحصر الحلول و الإجراءات التي ينبغي على السلطة الرئاسية اتخاذها، و ذلك بحسب المرحلة التي تكون مسطرة إبرام الصفقة قد بلغتها، حيث يتوجب على السلطة المذكورة إما:

  • أن تأمر بتصحيح الخلل المثبت
  • أو تقرر إلغاء المسطرة، لكن قبل ذلك يمكنها توقيف مسطرة الدعوة إلى المنافسة لمدة لا تفوق عشرة (10) أيام كحد أقصى، شريطة أن تكون الشكاية صحيحة و مبنية على أساس و تتضمن حجج صحيحة تكشف عن إحداث ضرر للمتنافس في حالة عدم توقيف المسطرة، و شريطة أن لا يؤدي التوقيف إلى إلحاق ضرر متفاوت بصاحب المشروع أو بالمتنافسين الآخرين. و تجدر الإشارة إلى أن مقتضيات التوقيف هذه لا تطبق إذا قرر الوزير ضرورة متابعة مسطرة إبرام الصفقة لاعتبارات استعجالية متعلقة بالمصلحة العامة.

 

و هو ما يثير التساؤل حول ماهية هذه ” الاعتبارات الاستعجالية” التي خول المشرع بموجبها للوزير المعني الاستعاضة عن توقيف مسطرة الإبرام رغم التأكد من تحقق الشروط الموجبة لذلك؟ إذ يعد هذا ضربا لشفافية و مصداقية مسطرة التعاقد، فاعتماد مثل هذه المفاهيم المبهمة دون حصر و تحديد الحالات التي تدخل في سياق هذه الاعتبارات الاستعجالية من شأنه إفساح مجال شاسع للسلطة التقديرية للوزير، و هو ما قد ينتج عنه – في بعض الأحيان – المساس بالمصلحة الخاصة للمتنافسين دون اللجوء المسبق إلى تفعيل الموازنة بين كل من المصلحة الخاصة و العامة  للتأكد من مدى تحقق هذه الأخيرة، الأمر الذي من شأنه زعزعت ثقة العديد من المستثمرين المتنافسين في القدرة التنافسية للبلد ككل، و دفعهم بالتالي إلى توجيه استثماراتهم إلى بلدان أخرى.

و بعيدا عن هذا الطرح الإشكالي، و في سياق الضمانات التي صاغها المرسوم الحالي للمتنافسين، نجد أنه جاء بمستجد هام، هو إنشاء أجل أقصاه ثلاثين يوما  للرد على شكايات المتنافسين من طرف الوزير المعني أو وزير الداخلية أو رئيس إدارة مجلس المؤسسة العمومية بحسب الحالة، و ذلك بعد الفراغ التشريع الذي طال المرسوم الملغى و الذي أغفل تحديد هذا الأجل تاركا المجال مفسحا للسلطة التقديرية.

 

و مما يمكن الإشادة به أيضا على مستوى المرسوم الحالي، هو أنه يخول للمتنافس المتضرر إمكانية الاستعاضة عن كل من مرحلة التظلم الاستعطافي و كذا الرئاسي لينتقل مباشرة إلى الطعن أمام اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، و هو ما سنتعرف عليه في سياق الفرع الموالي.

 

ثانيا: دور اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية كآلية للطعن الودي في حل شكايات المتنافسين

 

بالموازاة مع ورش الإصلاح الجاري للجنة الوطنية للطلبيات العمومية [40] و ارتباطا مع الضمانات الأخرى الممنوحة للمتنافسين، عمل المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، في مجال الطعون و الشكايات، على إرساء قواعد جديدة، من بينها إتاحة الإمكانية للمتنافسين لتقديم طعونهم و شكاياتهم أمام لجنة الصفقات بشكل مباشر و دون اللجوء إلى صاحب المشروع أو إلى الوزير المعني؛[41]

 

و يعد تمكين المقاولة المتضررة من رفع الشكاية بشكل مباشر إلى اللجنة تبسيطا نوعيا سوف يمكن المقاولات من آلية مبسطة للطعون الإدارية، مؤطَّرَة بآجال محددة، من أجل الدفاع عن مصالحها المرتبطة بميدان الصفقات.[42]

 

و إذا كان المشرع قد صاغ هذه الإمكانية الجديدة فإنه و بالمقابل أبقى إمكانية الطعن في قرار الوزير المعني أمام اللجنة قائمة في ظل مرسوم الصفقات العمومية الحالي؛ إذ نصت المادة 170 على إمكانية توجيه شكاية مباشرة إلى اللجنة من قِبَل كل متنافس و ذلك إذا لم يقتنع بالجواب الذي أعطي له تطبيقا لمقتضيات المادة 169، أو في حالة غياب جواب الوزير المعني أو رئيس إدارة المؤسسة العمومية المعنية. و قد أتت هذه المادة بصياغة ” توجيه شكاية مباشرة” و ذلك لتجاوز أحد العراقيل الهامة التي كانت تحد من تفعيل هذا الطعن، فلئن كان مخولا في سياق المرسوم الملغى للمتنافس الطعن أمام اللجنة، فإنه كان يتحتم عليه توجيه شكاية مفصلة إلى الأمين العام للحكومة، و ” يجوز” لهذا الأخير عرض الشكاية على أنظار لجنة الصفقات[43]، بمعنى أنه لم يكن مخولا للمتنافس توجيهها بشكل مباشر للجنة، بل أكثر من ذلك كان مآل هذا الطعن يخضع للسلطة التقديرية للأمين العام للحكومة الذي أجاز له المشرع عرضها على أنظار اللجنة من عدمه.

 

إذن، فتخويل المتنافس إمكانية الطعن المباشر أمام اللجنة أضحى من الضمانات التشريعية الهامة التي كرسها المشرع لدعم حق المتنافسين في الدفاع عن حقوقهم و مصالحهم. و تدعيما أيضا لهذا الحق، فإن المشرع يصبو من خلال المرسوم الجديد رقم 2.14.867 المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية[44]  إلى تكريس الضوابط التشريعية التي ستحكم طرق و آليات معالجة شكايات المتنافسين، إذ أن الباب الخامس منه يحدد المسطرة الواجب إتباعها لدراسة شكايات المتنافسين.

 

و يتجلى الهدف من هذا التحديد للمسطرة هو سد الفراغ التشريعي الذي طال هذا الجانب منذ سنة  1975[45] و معالجة كل مظاهر الاختلال و القصور التي اعترت عمل اللجنة؛ ” فنظرا لما أبانت عنه تجربة لجنة الصفقات من ضعف على مستوى تدخلاتها و الذي يرجع بالأساس إلى قصور مجالات تدخلها و محدودية اختصاصاتها و تعقد مسطرة اللجوء إليها، حاول المشرع من خلال مشروع مرسوم اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية توسيع مجال عمل اللجنة بمنحها اختصاصات واسعة، إضافة إلى تبسيط و توضيح مسطرة اللجوء إليها”[46]، و كذا مسطرة معالجتها للشكايات المطروحة عليها.

 

غير أن ما يهمنا في سياق موضوعنا هذا، هو الشق المتعلق بالضمانات المرتبطة بمسطرة تقديم شكايات المتنافسين و معالجتها من قبل اللجنة؛ ” فكأي شكاية أو دعوى تتطلب توافر أركان وشروط، إذ أقر المشرع الأركان الأساسية للجوء للجنة الوطنية للطلبيات العمومية، وهي الأهلية و الصفة و المصلحة”[47]، حيث نصت الفقرة الأخيرة من المادة 30 على ” أنه لا يجوز قبول الشكايات المقدمة من طرف متنافس ليست له المصلحة في إبرام الطلبية العمومية المعنية، أو عضو في تجمع غير الوكيل أو أي متعاقد من الباطن محتمل”.

 

كما تطرق المرسوم الجديد إلى مسطرة اللجوء إلى اللجنة إذا كان الأمر يتعلق بشكاية المتنافسين؛ حيث حددت المادة 31 ثلاث طرق لتوجيه الشكاية إلى رئيس اللجنة، و ذلك إما عن الطريق الإلكتروني أو عبر البريد المضمون أو تودع مباشرة في مكاتب اللجنة عند الاقتضاء.

 

و قد جاء في مقتضيات نفس المادة أنه ” يتعين على المتنافس أن يعرض في رسالته موضوع شكايته و العناصر التي ينازع فيها.

و عليه كذلك أن يدلي، تدعيما لشكايته، بكل مستندات الإثبات، وعناصر الإخبار و الوثائق التي يتوفر عليها.

و عليه أن يصرح بأن المسألة التي يعرضها على اللجنة لم تكن موضوع طعن أمام المحاكم.

إذا رفع المتنافس قضيته أمام القضاء خلال مدة دراستها من طرف اللجنة، وجب عليه، تحت طائلة رفض شكايته، إخبار اللجنة المذكورة.

يجب توقيع الشكاية بصفة قانونية من طرف الشخص المؤهل للالتزام باسم المتنافس، و تقديمها ابتداء من تاريخ نشر إعلان الطلبية العمومية إلى غاية اليوم السابع بعد تعليق النتائج المتعلقة بها”.

 

أما بالنسبة لمسطرة فحصها،  فإن أول ما يتوجب القيام به من قبل رئيس اللجنة الوطنية هو إخبار الإدارة المعنية بشكاية المتنافسين ويطلب منها إفادته  بعناصر الإجابة، داخل أجل أقصاه عشرة (10) أيام مفتوحة تحسب من يوم توصل الإدارة المعنية بالشكاية و الملف المرفق بها.

 

لتتم دراستها، بعد ذلك، ” من طرف أجهزة اللجنة المختصة خلال أجل أقصاه خمسة عشر (15) يوما، و يسري هذا الأجل ابتداء من تاريخ التوصل برسالة الشكاية. و يجوز تمديد هذا الأجل لمدة خمسة عشر (15) يوما بمقرر معلل لرئيس اللجنة يبلغه إلى المعنيين.

يجوز لرئيس اللجنة، خلال مدة التمديد السالفة الذكر، أن يطلب، عند الاقتضاء، من المتنافس أو من الإدارة المعنية أو منهما معا، أن يقدما أمام الجهاز التداولي للجنة، كل معلومة تكميلية يعتبرها ضرورية لإبداء مقترح المقرِّر”. [48]

 

و يعد هذا التحديد لآجال البت من الضمانات الهامة التي يحاول المشرع من خلال المرسوم الجديد تفعيلها؛ حيث أن المرسوم القديم للجنة الصفقات لم يحدد أي أجل، و هو الأمر الذي كان يترتب عنه في الغالب ضياع حق المتنافس في الاستفادة من المعالجة الفورية لشكايته و الاستمرار في خوض غمار التنافس على الصفقة، فعدم إلزام المشرع اللجنة بالتقيد بزمن محدد لمعالجة ما يحال عليها من شكايات، كان يعد عائقا لمصداقية و نجاعة الطعن أمام هذه اللجنة.

 

و من الضمانات أيضا التي يهدف المرسوم المتعلق بلجنة الطلبيات العمومية إلى إرسائها، هي توضيح مآل الشكاية؛ إذ نصت المادة 33 على أنه : ” عندما يعتبر الجهاز  التداولي أن التبريرات التي قدمها المتنافس غير مقنعة، واعتبارا لرد الإدارة المعنية، يخبر رئيس اللجنة المتنافس بعدم قبول شكايته.

وعندما يعتبر الجهاز التداولي بناء على الحجج التي قدمها المتنافس أن شكايته مبنية على أسس صحيحة، يقوم رئيس اللجنة الوطنية بإشعار الإدارة المعنية و يقترح على رئيس الحكومة إمكانية توقيف مسطرة إبرام الطلبية العمومية أو إرجاء المصادقة عليها إلى حين إصدار مقترح المقرر في شأن المآل الواجب تخصيصه للشكاية خلال الأجل المنصوص عليه في المادة 32 من هذا المرسوم.

و في جميع الحالات، لا يمكن توقيف مسطرة إبرام الطلبية العمومية أو إرجاء المصادقة عليها إلا بمقرر لرئيس الحكومة.

غير أنه، لا يعمل بالتوقيف أو بتأجيل المصادقة المطلوبة من طرف الجهاز التداولي إذا قررت الإدارة المعنية أنه من الضروري متابعة مسطرة إبرام الطلبية العمومية أو المصادقة عليها. و ذلك إذا بررت ذلك اعتبارات استعجالية تدخل في إطار الصالح العام، و في هذه الحالة، في هذه الحالة، يتعين على الإدارة المعنية توجيه رسالة إلى رئيس الحكومة و إلى رئيس اللجنة الوطنية تتضمن بوضوح الأسباب و المبررات التي حملتها على اتخاذ هذا القرار.”[49]

 

فبتحليل هذا المقتضى القانوني، نخلص إلى أن من الأهداف المسطرة هو تجاوز إحدى الثغرات الهامة التي كانت تكتنف مرسوم لجنة الصفقات، و المتمثلة أساسا في كون أن الطعن الذي كان يمارس أمام هذه الأخيرة لم يكن له أي أثر واقف على مسار و إجراءات التعاقد؛ إذ أن هذه الإجراءات لم تكن تتأثر بالتظلمات، غير أنه و في سياق مرسوم لجنة الطلبيات العمومية الجديد، نجد بأن المشرع يصبو إلى قطع خطوة هامة من خلال منح هذه اللجنة الحق في المطالبة بتوقيف مسطرة إبرام الصفقة أو تأجيل المصادقة عليها، و ذلك عبر توجيهها لمقترح بذلك إلى رئيس الحكومة الذي ينفرد بسلطة تقرير إما التوقيف أو الإرجاء،  و يأتي هذا المقتضى القانوني اعتبارا لكون أن اللجنة الوطنية لا تملك سلطة توجيه أوامر للإدارة، و اعتبارا لكون أن قرار رئيس الحكومة سيضفي لا محالة على مقترح اللجنة صفة الإلزامية.

إلا أنه و بالرغم من أن المشرع قد عمل على تكريس إمكانية التوقيف أو الإرجاء، إلا أن تفعيل هذا الحق لازال مهددا من حيث إمكانية الدفع المضاد من لدن الإدارة المعنية بوجود اعتبارات استعجالية تستدعي الاستمرار في إجراءات التعاقد، و هو ما نأمل من المشرع أن يأخذه بعين الاعتبار و ذلك عبر محاولة حصر الحالات التي تدخل ضمن هذه الاعتبارات الاستعجالية.

 

كما نصت المادة 34 على أنه ” يمكن للجهاز التداولي، على إثر فحص الشكاية، وبعد  الاستماع إلى تقرير المقرر العام للجنة، أن يقترح مقررا يقضي حسب الحالة بما يلي :

– إلغاء المسطرة عندما يتعلق الأمر بإخلال جوهري يعيبها؛

– تصحيح الإخلال بإجراء التغييرات الضرورية قصد حذف البنود أو الشروط التي تخالف واجبات إجراء المنافسة والإشهار ومتابعة المسطرة بعد ذلك، و إذا كان للإدارة رأي مخالف، رفع الأمر لرئيس الحكومة لاتخاذ قرار بشأن ذلك.

– التصريح بعدم قبول الشكاية لعدم ارتكازها على أسس قانونية صحيحة.”

 

و ختاما لمسطرة معالجة الشكاية، يعرض رئيس اللجنة مقترحات المقررات، التي أعدها الجهاز التداولي باسم اللجنة الوطنية، على توقيع رئيس الحكومة و ذلك بغية حمل الإدارة المعنية على الالتزام باحترام و تفعيل ما جاء في طيات هذه المقترحات، إذ يتم تبليغ المقررات التي اتخذها رئيس الحكومة إلى الإدارات والمتنافسين المعنيين وكذا إلى الخازن العام للمملكة. و من تم تنشر المقررات السالفة الذكر في الموقع الإلكتروني للجنة وفي بوابة الصفقات العمومية.[50]

غير أن مسطرة فحص الشكاية من قبل اللجنة قد تتوقف وجوبا و ذلك في حالة ما إذا كانت الشكاية موضوع حكم قضائي أو يجري التحقيق في شأنها من طرف القضاء.[51] لينتقل بذلك المتنافس إلى نوع آخر من الطعون و هو الطعن القضائي.

الفرع الثاني: الطعن القضائي ضمانة أساسية للمتنافس في مواجهة قرار الإقصاء

 

” إلى جانب المراقبة الإدارية التي تشكل في جوهرها إجراءات وقائية تمارس للحيلولة دون وقوع أخطاء أو انحرافات، حيث تتوخى ترشيد و عقلنة تدبير الصفقات العمومية، و التي تبدأ عمليا منذ الإرهاصات الأولى لتحضير الصفقة إلى نهاية تنفيذها و تسلمها من المقاول، فإن المشرع المغربي أوجد إضافة إلى هذه المراقبة مراقبة أخرى لا تقل عنها أهمية، و هي مراقبة خارجة عن الهيئة التنفيذية و تعد مراقبة لاحقة زجرية للضرب على أيدي المخلين بقواعد الصفقات العمومية و الإنفاق العام”[52]، و تتمثل في المراقبة القضائية التي تتم ممارستها من طرف كل من المحاكم الإدارية و كذا المجلس الأعلى للحسابات و المجالس الجهوية التابعة له.

 

غير أن ما يهمنا في سياق موضوعنا، هو الرقابة القضائية الممارسة من قبل المحاكم الإدارية، و التي لا يتأتى تفعيلها في ميدان الصفقات العمومية إلا بناء على الطعون المقدمة من قبل الإدارة أو المتعاقد معها، أو من قبل المتنافسين و المرتبطة بمرحلة ما قبل الإبرام و هو ما سنحاول التطرق إليه في ظل هذا الفرع.

 

إذ يخول للمتنافس الذي تم إقصاؤه من المنافسة حق اللجوء إلى الطعن القضائي أمام إحدى المحاكم الإدارية، بحيث تعتبر المنازعة في مشروعية قرار الإقصاء من المنافسة أهم المنازعات التي تطرح ارتباطا بمرحلة الإعداد لإبرام الصفقة.

 

فالمتنافس الذي يرى أن قرار إقصائه لم يكن سليما و كان مشوبا بعيب من العيوب الموجبة للطعن فيه يخول له حق اللجوء إلى القضاء عن طريق إقامة دعوى الإلغاء، و ذلك بهدف إلغاء قرار الإقصاء.

 

و في هذا الصدد نسوق مجموعة من الأحكام القضائية الصادرة بناء على هذا النوع من الطعون؛ كالحكم رقم 187 الصادر عن قسم الإلغاء بالمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23 ذو القعدة 1422 موافق 7/02/2002 ملف رقم 28/00 غ، و الذي جاء في حيثياته ما يلي:

 

” و حيث إنه حقا و كما جاء في تقرير الخبرة فإن تغيير نظام الاستشارة دون إشعار المتنافسين بذلك يعد خرقا لمقتضيات المادة 22 من المرسوم المبين أعلاه[53] التي تنص على إجبارية تحديد نظام الاستشارة قبل فتح العروض و إدماجه مع الوثائق الأخرى مما تكون معه الوسيلة المثارة بهذا الصدد مبنية على أساس سليم و يتعين اعتمادها.

و حيث إنه فيما يخص الوسيلة المستمدة من الانحراف في استعمال السلطة، و المتمثلة في كون الإدارة المطلوبة في الطعن قد مكنت شركة (…) بالفوز بالصفقة بطرق ملتوية، فإن المحكمة قد أمرت بمقتضى حكمها التمهيدي بمقارنة الملف التقني للطاعنة مع الملف التقني للشركة الفائزة و أفاد الخبير في تقريره أنه  بعد إطلاعه على الملفات التقنية لكل المتنافسين تبين له أن الطاعنة تحضى بامتياز على الشركة الفائزة لا فيما يخص الإمكانيات الآلية و لا فيما يخص الإمكانيات البشرية، و أن صاحب المشروع لم يأخذ الإمكانيات الآلية و البشرية للطاعنة بعين الاعتبار، و أنه لولا ذلك، و لولا تغيير نظام الاستشارة لكانت الطاعنة هي الفائزة.

و حيث يتضح من هذا المعطى أن هناك قرينة قوية على صحة ما تنعاه الطاعنة على صاحب المشروع، و أن هذا الأخير لم يرد الإفصاح عن أسباب تغييره لنظام الاستشارة، مما تكون معه  أيضا الوسيلة المثارة بهذا الصدد مبنية على أساس سليم و يتعين اعتمادها.

و حيث إنه أمام صحة الوسيلتين المثارتين في الطعن، يكون القرار المطعون فيه مشوبا بتجاوز السلطة لعيبي مخالفة القانون و الانحراف في استعمال السلطة، مما يتعين معه الحكم بإلغائه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.”[54]

 

فمن خلال حيثيات هذا الحكم، نلحظ بأنه قد انطلق في ظل بته في هذا الطعن من التحقق من الوسائل المثارة و المتمثلة في مخالفة صاحب المشروع للقانون عبر تغيير نظام الاستشارة  دون تبليغ المتنافسين بذلك، و التحقق من مدى ثبوت انحرافه في استعمال السلطة المخولة له لاختيار المتنافس الأصلح  للتعاقد معه؛ حيث عمدت الهيئة القضائية إلى اللجوء إلى الخبرة للتثبت من صحة هذه الدفوع المثارة، و هو ما تأكد معه أن إجراءات إبرام الصفقة تمت على نحو مخالف للقانون.

 

إذ تأكد أن الإدارة قد خرقت الضمانات التي كرسها المشرع للمتنافسين في ظل مرسوم الصفقات العمومية، من حيث تعليل قرار الإقصاء و حق المتنافسين في الإعلام المسبق بكل تغيير يطرأ على وثائق الصفقة و بالأخص نظام الاستشارة لكونه يضم المقاييس التي تعتمد كأساس لاختيار المتعاقد.

 

و ارتكازا على ذلك، صرحت المحكمة بتحقق الإخلال من جانب صاحب المشروع، و قضت بإلغاء قرار الإقصاء مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.

 

و في حكم آخر قضت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 30/9/2013 في الملف رقم 154/5/2013[55]،  بإلغاء قرار إقصاء شركتين من إحدى الصفقات و ذلك بعد أن تم رفض قبول العروض المقدمة من طرفهما، و قد جاء في حيثيات هذا الحكم بأنه:  ” و حيث إن امتناع الإدارة عن إبداء أسباب الإقصاء من الصفقة، فضلا عن مساسه بالالتزام العقدي بالإفصاح و الإخبار عن سير عقد الصفقة، يشكل مخالفة قانونية للحق في المعلومة المكرس في الاتفاقيات الدولية ( المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية، الفقرتين الأولى بند (أ)،( ب) و الثالثة من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية) و الدستور المغربي الناص في الفصل 27 منه على أن ” للمواطنين و المواطنات حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، و المؤسسات المنتخبة، و الهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، و لمبادئ الشفافية و حرية المبادرة و المنافسة و تكافؤ الفرص ( الفصل 35 من الدستور)، و لمتعلقات حقوق الدفاع المكرسة دستوريا، و لقواعد حسن النية في التعاقد.

 

و حيث إن عدم إدلاء الإدارة بالسند المبرر الواقعي و القانوني المرتكز عليه لإقصاء الطاعنتين من الصفقة، لتمارس المحكمة رقابتها عليه من حيث وجوده المادي و وصفه القانوني، يجعل المقرر المطعون فيه متسما بالتجاوز في استعمال السلطة لاستجماعه عيوب السبب و انعدام التعليل، و مخالفة القانون.

و حيث إنه و بالنظر لكون الطعن بالإلغاء أقيم ضد القرار المنفصل برفض العروض دون قرار رسو الصفقة، فإن الإلغاء سينصب على المقرر المطعون فيه دون أن تشمل مفاعيله آثاره القانونية.”

و تبعا لتحليل حيثيات كلا الحكمين السابقين، يمكن أن نخلص إلى أن قضاء الإلغاء يضطلع بخصوص الدعوى المتعلقة بالمنازعة في مشروعية قرارات الإقصاء من المنافسة في الصفقات العمومية بدور فعال في إقرار المشروعية على تصرفات الإدارة من عدمه، و ذلك من خلال بسط رقابته على مدى احترامها للضوابط القانونية المؤطرة لإجراءات إبرام الصفقات العمومية، أو تلك التي تلزمها بتعليل و توضيح أسباب اتخاذها لقراراتها و خاصة قرار الإقصاء.

 

” و اعتبارا لأن قاضي الإلغاء يكتفي بإلغاء القرار غير المشروع – إذا ما ثبت له قيام أحد أسباب عدم المشروعية الموجبة للإلغاء – و لا يمكنه تجاوز ذلك و توجيه أمر للإدارة بالعدول عنه و إعادة إجراءات إرساء الصفقة، و لكون المقاولة الطاعنة لا ترمي من وراء إقامتها للدعوى تنصيب نفسها حارسا للمشروعية، و إنما تسعى إلى الوصول إلى الغاية التي استهدفتها من وراء  مشاركتها في المنافسة و هي الفوز بالصفقة و المراهنة على تحقيق الربح المتوقع منها، فإن الممارسة العملية أبانت أن الحكم القاضي بالإلغاء ليس بمقدوره في حد ذاته إيصال المقاولة إلى مبتغاها؛ بحيث أن  طول المدة التي يقتضيها الفصل في دعوى الإلغاء ابتدائيا و استئنافيا – إن تم الطعن في الحكم الابتدائي –  يفسح المجال أمام الإدارة لاستكمال إجراءات التعاقد مع المقاولة التي اختارتها، بل و في غالب الأحيان يكون تنفيذ الصفقة المثار بشأنها النزاع قد قطع أشواط مهمة مما يجعل مسألة تنفيذ حكم الإلغاء متعذرة إن لم نقل مستحيلة.

 

و بالرغم من أن مثل هذا الحكم لا يسعف  المقاولة في الإبقاء على حظوظها في الفوز بالصفقة، فإنه مع ذلك يصلح أن تعتمده أساسا للمطالبة بالتعويض عن الضرر في إطار دعوى المسؤولية التقصيرية … و نظرا لأن هذه الطريقة المتمثلة في إقامة دعوى الإلغاء ثم دعوى القضاء الشامل مرهقة بالنسبة للمقاولة سواء من حيث الوقت الذي يتطلبه أمر الفصل في كلا الدعوتين أو من حيث المصاريف المرتبطة بهما، و لأنه في الغالب الأعم لا تستطيع المقاولة الوصول إلى الفوز بالصفقة التي أقصيت من المنافسة المتعلقة بها، فإن المقاولات أصبحت تميل إلى اللجوء مباشرة إلى القضاء الشامل للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي ترى أنه لحقها من جراء قرار إقصائها من المنافسة عارضة على هذا القضاء أمر مراقبة مشروعية ذلك القرار ليس بهدف إلغائه و إنما بهدف ترتيب حقها في التعويض متى ثبتت عدم مشروعيته”[56].

 

كالحكم رقم 1269 الصادر عن قسم القضاء الشامل بالمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 4/4/2012 في الملف رقم 43/13/2012، و الذي تقدمت فيه الطاعنة بأنه و على إثر تقدمها بالمشاركة في إحدى الصفقات المعلن عنها بناء على طلب العروض المفتوح، فوجئت بقيام اللجنة المتعهد لها بفحص العينات من طرف صاحبة المشروع بإقصائها من المنافسة بعلة عدم مطابقتها للجودة، و هو ما دفعها إلى اللجوء القضاء بهدف إثبات عدم مشروعية قرار إقصائها و المطالبة بتعويض عما لحقها من ضرر و ما فاتها من كسب.

 

و قد جاء في حيثيات هذا الحكم بأنه ” حيث دفعت الجهة المدعى عليها بعدم احترام المدعية للشروط المنصوص عليها في مدونة الصفقات لكون العينات المدلى بها لا تنسجم مع المواصفات المتطلبة و ناقصة الجودة و أن خطأ الجماعة غير ثابت.

 

و حيث لما كانت الرقابة التي يبسطها القاضي الإداري على أسباب القرار الإداري تعد ضمانة أساسية لتحقيق مشروعية تصرفات الإدارة، و خضوعها لحكم القانون، و لما كان الاجتهاد القضائي مستقر على أن صحة وجود الأسباب القانونية و المادية يعد من شروط صحة القرار الإداري، و تتخذ مراقبة القضاء لركن السبب صورتين تتعلق الأولى بمراقبة الأسباب القانونية، و أما الصورة الثانية فتهم مراقبة الأسباب المادية التي تتمظهر في فحص مادية الوقائع و في مراقبة التكييف القانوني للوقائع، و أخيرا في تقدير الوقائع”.[57]

 

و قد عمدت الهيئة القضائية في ظل بتها في هذا الطعن، إلى التثبت من صحة الأسباب التي بني عليها قرار الإقصاء، و ذلك من خلال الحكم التمهيدي بإجراء خبرة، و هي ما أثبت أن العينات المقدمة من طرف المدعية و المدلى بها من طرف نائل الصفقة لهما نفس المواصفات حسب جدول المقارنة، فضلا عن أن النوع المقدم من طرف المدعية يتميز عن نظيره بمجموعة من المواصفات التي ترجح اختياره بشكل أكبر.

 

و تبعا لذلك، قضت المحكمة بأن ” تقدير الأهلية و الكفاءة الفنية للمشاركة في الصفقة يجب أن يستند إلى أسس موضوعية مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها”.

 

و اعتبرت أن ” خطأ الإدارة في إقصاء المدعية من الصفقة بالمخالفة للمبادئ الدستورية المتصلة بالشفافية و النزاهة و حرية المنافسة و اتصاله بالأضرار المادية و المعنوية المتمثلة في الخسارة الحقيقية و فوات الكسب الناتجة عن ضياع فرصة الفوز في الصفقة، فضلا عن المساس بسمعتها كشركة رائدة في السوق و متخصصة في مجال المصابيح و حاصلة على عدة شهادات للجودة بالإدعاء بكون خدماتها رديئة و ضعيفة الجودة، و هو عكس ما أثبته تقرير الخبرة، يدل على قيام عناصر المسؤولية الإدارية في حق الجماعة المدعى عليها”.

 

و هكذا قضت المحكمة تبعا لسلطتها التقديرية بتعويض مادي، يشمل الأضرار المادية المتمثلة فيما لحق المدعية من خسارة و ما فاتها من كسب، كما يشمل الأضرار المعنوية المترتبة عن الإقصاء من الصفقة.

 

و جدير بالذكر أنه سواء كان الطعن مقدما أمام قاضي الإلغاء أو القضاء الشامل، فإن الدور الأساسي للقاضي الإداري يبقى هو التطبيق العادل للقانون، و بالتالي توفير الحماية القضائية لحقوق كلا طرفي العلاقة التعاقدية و التي تظل رهينة باضطلاع القاضي الإداري بدوره الخلاق و المحايد في هاته الخصومة المتميزة بقيامها بين أطراف غير متكافئة المراكز القانونية، فالقاضي الإداري يكون مدعوًا إلى الإسهام في تحقيق الموازنة بين كل من المصلحتين العامة و الخاصة.

 

و في أي منازعة يتم البت فيها، و خاصة المنازعات المرتبطة بمشروعية قرارات الإقصاء ، يجب أن يبقى الهدف الرئيسي من إخضاع الإدارة للقانون و للرقابة القضائية هو تأمين الحماية لحقوق و حريات الأفراد ضد تعسف السلطات العامة، و حمل الإدارة على احترام القوانين الضابطة  لالتزاماتها  التعاقدية، و ذلك على النحو الذي يجعل منها نموذجا أعلى يحتدى به من قِبَل المتنافسين في التمسك بالمشروعية.

 

و ختاما لموضوعنا، يمكن أن نخلص إلى أن الحديث عن ضمانات المتنافس في مجال الصفقات العمومية هو من المواضيع الهامة، إذ أن تكريس هذه الضمانات و حمايتها يستدعي تدخل عدة أجهزة، بدءا من المشرع مرورا بأجهزة الرقابة الإدارية و انتهاء بالسلطة القضائية؛

 

فلابد من التنويه أولا بالدور الذي لعبه و لازال يضطلع به المشرع في تكريس و حماية هذه الضمانات، و ذلك عبر سن العديد من القوانين و مشاريع القوانين التي عمد من خلالها إلى الإحاطة بكل الأبعاد و الجوانب المؤطرة للعلاقة التعاقدية عامة، و لعلاقة المتنافسين بالإدارة التي تعتزم إبرام الصفقة العمومية بشكل خاص، و قد شكل مرسوم 20 مارس 2013 رقم 2.12.349 المتعلق بالصفقات العمومية، أهم المحطات التشريعية التي همت تكريس جملة من الضمانات التشريعية لحماية حقوق أطراف العلاقة التعاقدية، و بالأخص المتنافس باعتباره الطرف الضعيف و ذلك لما تتميز به الإدارة المتعاقدة من امتيازات السلطة العامة.

 

لتأتي بعد ذلك أهمية تدخل أجهزة الرقابة الإدارية، بصنفيها الداخلية و الخارجية، و التي تنخرط بدورها في حمل الإدارة و  كذا المتنافسين على احترام الضوابط التشريعية التي تحكم إجراءات التعاقد، و هو ما يشكل في حد ذاته ضمانة هامة للمتنافسين، إذ أنه و بفضل الرقابة التي تمارسها بناءا على التظلمات التي يتقدم بها المتنافسين و بفضل تدخلها بشكل ودي لحل الشكايات فإنها تسهم بشكل فعلي في حماية حقوقهم و ذلك متى ما تحقق لها مشروعيتها.

 

في حين لا تقل الرقابة الممارسة من قبل القضاء الإداري أهمية عن سابقتها، بل تظل أهم صور الرقابة و أكثرها ضمانا لحقوق المتنافسين، اعتبارا لأن الهيئة القضائية تتميز باستقلالها عن باقي الهيئات، و هو ما يضمن حيادها بالنسبة لكل الأطراف المتدخلة في عملية التعاقد، كما أنها تظل بمثابة صمام الأمان بالنسبة للمتنافس أمام التعسف الذي قد يطاله من قِبل الإدارة.

 

و في الأخير، فإنه و بالرغم من أهمية الدور الذي يلعبه كل من المشرع و كذا الأجهزة الرقابية في تكريس و حماية ضمانات المتنافسين، فإنه يبقى على الجميع الانخراط بشكل متكامل في ترجمة هذه الضمانات على أرض الواقع، و ذلك على النحو الذي يسهم في تدعيم ثقة المستثمرين سواء المغاربة أو الأجانب بالحماية القانونية و القضائية و بشفافية مساطر التعاقد و مصداقيتها، و تحفيزهم على الاستثمار بشكل أكبر في المغرب و هو ما سيخول بالتالي النهوض بمختلف القطاعات التنموية.

 

 

الفهرس

المطلب الأول: الضمانات المرتبطة بمساطر إبرام الصفقات العمومية. 3

الفرع الأول: مدى إسهام آليات التواصل في دعم الشفافية و المساواة بين المتنافسين. 3

أولا: علنية الدعوة للمنافسة. 3

الفقرة الأولى: نشر البرامج التوقعية. 3

الفقرة الثانية: الإعلان عن طلب العروض… 5

ثانيا: حق المتنافس في الحصول على المعلومات المتعلقة بالصفقة. 7

الفرع الثاني: الضمانات المرتبطة بإجراءات و مقاييس الاختيار. 8

أولا: تبسيط الإجراءات الإدارية. 8

الفقرة الأولى:  تبسيط إجراءات الحصول على ملفات طلب العروض… 8

الفقرة الثانية: تبسيط الإجراءات المرتبطة بتقديم ملفات المتنافسين. 9

ثانيا:  وضوح و موضوعية مقاييس الاختيار. 10

الفقرة الأولى: طلب إبداء الاهتمام. 10

الفقرة الثانية: نظام الاستشارة. 10

الفقرة الثالثة: الضمانات المرتبطة بجلسة فتح الأظرفة و تقييم العروض… 12

المطلب الثاني: الآليات الرقابية و القضائية لضمان حقوق المتنافسين. 13

الفرع الأول: الرقابة الإدارية كضمان لمشروعية المنافسة. 13

أولا: التظلم الإداري.. 14

الفقرة الأولى: التظلم الاستعطافي. 14

الفقرة الثانية: التظلم الرئاسي. 15

ثانيا: دور لجنة الصفقات كآلية للطعن الودي في حل شكايات المتنافسين. 16

الفرع الثاني: الطعن القضائي ضمانة أساسية للمتنافس في مواجهة قرار الإقصاء. 20

 

 

[1]  مرسوم رقم 2.12.349 الصادر في 8 جمادى الأولى 1434 ( 20 مارس 2013) المتعلق بالصفقات العمومية، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6140 بتاريخ 23 جمادى الأولى 1434 ( 4 أبريل 2014)، ص 3023.

[2]  تتمثل الهيئات العمومية في كل من الدولة و الجماعات الترابية و المؤسسات العمومية

[3]  ” القوة التنافسية لكل بلد لا تتحدد فقط بإمكاناته الاقتصادية بل بمدى توفيره الشروط الكفيلة لممارسة نشاط اقتصادي منتج، و تعد الحماية القانونية و القضائية عنصران أساسيان في تدعيم القدرة التنافسية، و ترسيخ مكانة الدولة كمصدر لجلب الاستثمارات. فالمستثمر سواء أكان وطنيا أو أجنبيا، لا يقدم على توظيف مدخراته و رساميله قبل التحري عن أحوال القضاء و النصوص القانونية الجاري بها العمل”: ذ. محمد هارون، ” تطور حماية القاضي الإداري المغربي للنشاط الاقتصادي”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – طنجة، السنة الجامعية 2006/2007، ص 140.

[4]  خضعت الصفقات العمومية بالمغرب للعديد من الأنظمة القانونية بدءا  من  معاهدة الجزيرة الخضراء ( 7 أبريل 1906) التي كرست مبدأ الحرية الاقتصادية و شكل اعتماد أسلوب المناقصة في الصفقات الأسلوب الأمثل لتحقيق المساواة في الاختيار بين الدول، و هو أيضا ما كرسته اتفاقية فرنسا و ألمانيا بتاريخ 4 نونبر 1911 و التي خضع لها المغرب في ظل الحماية الفرنسية ، إلى جانب ما نص عليه ظهير 9 يونيو 1917 الخاص بالمحاسبة العمومية حيث نص على أن إبرام الصفقات العمومية بالمغرب يجب أن يتم حسب ضوابط المنافسة و العلنية مركزا أيضا على أسلوب المناقصة، وهو نفس الأسلوب الذي أقره كل من قانون المحاسبة العمومية لسنة 1958 الخاص بالإدارات العمومية و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية  و كذلك المرسوم عدد 2.65.116 الصادر بتاريخ 19 ماي 1965 حيث كان يفرض على الإدارة قانونا اعتماد أسلوب المناقصة و اختيار المتعاقد بناء على عنصر الثمن فقط، و هو الأمر الذي حاول المشرع المغربي تجاوزه من خلال التنصيص في قانون 14 أكتوبر 1976 على حق الإدارة في اختيار أنجع السبل و ذلك باللجوء تارة إلى المناقصة و تارة أخرى إلى طلب العروض أو المباراة أو الاتفاق المباشر، ليتم بعد ذلك التخلي نهائيا عن أسلوب المناقصة في ظل المرسوم عدد 2.98.482 الصادر في 30 دجنبر 1998 و المتعلق بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة و كذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها و تدبيرها، و هو نفس التوجه الذي نهجه المشرع في كل من المرسوم  رقم 2.06.388 الصادر بتاريخ 5 فبراير 2007 و كذلك المرسوم الجديد رقم 2.12.349 المتعلق بالصفقات العمومية و الصادر بتاريخ 20 مارس 2013. للإطلاع أكثر على التطور التاريخي للصفقات العمومية بالمغرب نحيلكم على كتاب: ذ. عبد العالي سمير، ” الصفقات العمومية و التنمية”، الطبعة الأولى 2010، مطبعة المعارف الجديدة الرباط ، ص 4 -5- 9-10.

[5]  مرسوم رقم 2.06.388 صادر في 16 محرم 1428( 5 فبراير 2007) بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة و كذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها و مراقبتها، الصادر في الجريدة الرسمية رقم 5518 بتاريخ 16 أبريل 2007، ص 1235.

[6]  مرسوم رقم 2.12.349 الصادر في 8 جمادى الأولى 1434 ( 20 مارس 2013) المتعلق بالصفقات العمومية، مرجع سابق.

[7]  حيث سنقتصر على مرحلة ما قبل إبرام الصفقة.

[8] طلب العروض هو أسلوب أو وسيلة لفتح المجال أمام أكبر عدد من المتنافسين بهدف تنفيذ أشغال أو القيام بتوريد أو بخدمات لصالح الدولة. و تعتبر الطريقة الرئيسية لإبرام الصفقات العمومية، كما تفيد في إعطاء بعض الحرية للإدارة في اختيار المتعاقد معها دون التقيد بالثمن لإرساء الصفقة. و تنقسم بدورها إلى ثلاثة أنواع و هي ” طلب العروض المفتوح” و ” طلب العروض المحدود”، و طلب العروض بالانتقاء المسبق”.

[9]   تبعا لكون أن الدراسة تهم بالأساس دراسة الضمانات وفق مقاربة قانونية بين كل من المرسوم رقم 2.06.388 و المرسوم رقم 2.12.349، و بحكم أن المرسوم الأول كان متعلقا بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة فقط دون باقي الهيئات العمومية، و التي جاء المرسوم 2.12.349 موحدا لنظام إبرام صفقاتها، فإننا سنعمل على الحديث في سياق هذا الموضوع على الدولة فقط باعتبارها صاحب المشروع، غير أن هذا لا ينفي أن هذه الضمانات التي سنتحدث عنها تظل قائمة سواء تعلق الأمر بالدولة  أو بالجهات و الجماعات الترابية أو بالمؤسسات العمومية.

 

[10]   ” تتطلب برمجة الصفقات العمومية دراسات دقيقة و أبحاث معمقة لتكوين بنك للمعلومات عن جميع المعطيات الاقتصادية و عن الأهداف المنشودة حسب أولوياتها… و عموما فإن عملية البرمجة تقوم على أساس مقاييس و تحليلات معينة كتحليل التكاليف و مقارنتها بالمنفعة و الفائدة التي سيحققها المشروع مستقبلا. فبواسطة هذه المعطيات و الدراسات و التحليل يتم برمجة المشاريع عن بعد حتى يتسنى للإدارة إعدادها…”، ذ. عبد العالي سمير، ” الصفقات العمومية والتنمية”، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الأولى 2010، الصفحة 99.

[11]  مرسوم 5 فبراير 2007، مرجع سابق.

[12]  يعتبر المرسوم رقم 2.98.482 الصادر في 30 دجنبر 1998 المتعلق بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة أول  مرسوم نص على نشر البرامج التوقعية بموجب المادة 81 منه و هو الأمر الذي لم تلتزم به العديد من الهيئات العمومية و التي كانت خاضعة لنص المرسوم ” مبررة ذلك بعدم إمكانية التحديد المسبق لحاجياتها، أو تبرره بكل بساطة بكونها غير ملزمة بتطبيقه اعتبارا لأن هذا البرنامج ليست له إلا قيمة بيانية، الأمر الذي نتج عنه تعطيل أحد أهم مؤشرات الشفافية”،

Mohamed  Abdelmouhcine HANINE, «  La procédure de passation des marchés publics au Maroc : Etude analytique et réflexion à la lumière du code Français des marchés publics ( et des directives européennes) et des directives de la Banque Mondiale », mémoire de recherche pour l’obtention du diplôme du Master en Administration Publique, session 2007/2008, Ecole Nationale d’Administration, République Française, p : 24.

 

[13]  قرار وزير الاقتصاد و المالية رقم 3011.13 صادر في 24 من ذي الحجة 1434( 30 أكتوبر 2013) لتطبيق المادة 156 من المرسوم رقم 2.12.349 الصادر في 8 جمادى الأولى 1434 ( 20 مارس 2013) المتعلق بالصفقات العمومية، الجريدة الرسمية عدد 6209 الصادرة بتاريخ 28 محرم 1435 ( 2 ديسمبر2013)، ص 7364.

[14]  ” مستجدات المرسوم 2.12.349 المتعلق بآليات و طرق إبرام الصفقات العمومية”، مجلة المالية لوزارة الاقتصاد و المالية، مديرية الشؤون الإدارية والعامة، العدد 23، أبريل 2014، ص 13.

[15]  حمادي فدوى، ” دور القاضي الإداري في تطوير نظرية العقد الإداري”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – طنجة، السنة الجامعية 2007/2008، ص 171.

[16]  مرسوم 5 فبراير 2007، مرجع سابق.

[17]  مرسوم 20 مارس 2013، مرجع سابق.

[18]  مرسوم 20 مارس 2013، مرجع سابق.

[19]  ” مستجدات المرسوم 2.12.349 المتعلق بآليات و طرق إبرام الصفقات العمومية”، مرجع سابق، الهامش رقم 2، ص 9.

[20]  يتم التبليغ بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو فاكس مؤكد أو بأية وسيلة اتصال أخرى تعطي تاريخا مؤكدا.

[21]  يبين المحضر طلبات التوضيح المقدمة من قبل المتنافسين و الأجوبة التي أعطيت بشأنها خلال الاجتماع أو الزيارة.

[22]  تنص المادة 150 على أنه: ” يتم توطين قاعدة للمعطيات الإلكترونية للمقاولين و الموردين و الخدماتيين في الخزينة العامة للمملكة و تسير من طرف مصالحها.  تحتوي قاعدة المعطيات على المعلومات و الوثائق الإلكترونية المتعلقة بهؤلاء المقاولين و الموردين و الخدماتيين و بمؤهلاتهم القانونية و المالية و التقنية و كذا بمراجعهم المقررة في المادة 25 أعلاه. تحدد بقرار للوزير المكلف بالمالية كيفيات مسك و استغلال قاعدة المعطيات الالكترونية المذكورة”.

[23]  المرسوم رقم 2.12.349 .

[24]  المادة 148 من المرسوم رقم 2.12.349.

[25]  ” مستجدات المرسوم 2.12.349 المتعلق بآليات و طرق إبرام الصفقات العمومية”، مرجع سابق، ص 8.

[26]  د. مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص 74.

[27]  مرسوم 20 مارس 2013، مرجع سابق.

[28]  يأخذ التوقيع شكل توقيع منسوخ رقميا أو توقيع إلكتروني فيما يخص نظام الاستشارة المنشور في بوابة الصفقات العمومية.

[29]  باستثناء الطلبات التي تخص إدارة الدفاع الوطني، ﻓﻬﻲ ﺗﻔﺘﺢ في ﺟﻠﺴﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ.

[30]  ” مرسوم 20 مارس يعبد الطريق لإصلاح منظومة الصفقات العمومية”، مجلة المالية، وزارة الاقتصاد و المالية، مديرية الشؤون الإدارية والعامة، العدد 23، أبريل 2014، ص 4.

[31]  مع الأخذ بعين الاعتبار عند الاقتضاء جمع ثمن الاقتناء و التقييم النقدي لكلفة الاستعمال و/ أو الصيانة طيلة مدة محددة وفق الشروط المحددة في المادة 18.

[32]  غير تلك المتعلقة بالدراسات.

[33]  وفق الشروط المقررة في المادة 154 من نفس المرسوم.

[34]  المادة 156.

[35]  ” مرسوم 20 مارس يعبد الطريق لإصلاح منظومة الصفقات العمومية”، مرجع سابق، ص 5.

[36]  كانت تسمى في السابق بلجنة الصفقات، لكن تم استبدال هذه التسمية و ذلك  بعد صدور المرسوم رقم 2.14.867 الصادر في 7 من ذي الحجة 1436 ( 21 سبتمبر 2015) المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6399 بتاريخ 14 من ذي الحجة 1436 ( 28 سبتمبر 2015)، ص 7832، و الذي نسخ المرسوم رقم 2.75.840 الصادر بتاريخ 27 من ذي الحجة 1395 ( 30 ديسمبر 1975) المتعلق بإصلاح لجنة الصفقات. و يرتبط استبدال تسمية لجنة الصفقات باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، بكون أن المشرع قد عمل على  توسيع مجال تدخلها إذ أنه أصبح يشمل بالإضافة إلى الصفقات العمومية كل من عقود التدبير المفوض و كذا عقود الشراكة بين القطاع العام و الخاص.

[37]  سيف راشد رحمة الشامسي، ” العقود الإدارية بين النشأة و التغيير”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – الرباط، السنة الجامعية 2007/2008، ص 68 و 69.

 

[38]  تحتسب من تاريخ تسلم جواب صاحب المشروع.

[39]  حددت المادة 169 السلطة الرئاسية في كل  من: الوزير المعني بالنسبة لصفقات الدولة، و وزير الداخلية بالنسبة للصفقات المبرمة لحساب الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات، أما بالنسبة لصفقات المؤسسات العمومية فقد جاءت الصياغة مبهمة إذ نصت المادة على أن الشكاية يجب أن توجه إلى السلطة المختصة – دون توضيح ماهية هذه السلطة – كمرحلة أولى و من تم إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة العمومية المعنية.

[40]  و يهدف المرسوم الجديد المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية إلى مراجعة النظام الأساسي للجنة من خلال المحاور الثلاثة التالية:

  • إعادة النظر في المهام المسندة إليها من خلال إضافة مهام جديدة
  • إعادة تنظيم هيكلتها
  • تحديد مسطرة استشارتها من طرف الإدارات العمومية و المتنافسين و أصحاب الطلبيات العمومية

 

   [41]” مرسوم 20 مارس يعبد الطريق لإصلاح منظومة الصفقات العمومية”، مرجع سابق، ص 5.

[42]  ” مستجدات المرسوم 2.12.349 المتعلق بآليات و طرق إبرام الصفقات العمومية”، مرجع سابق، ص 10.

[43]  المادة 95 من مرسوم 5 فبراير 2007  رقم 2.06.388، مرجع سابق.

[44]  المرسوم رقم 2.14.867 الصادر في 7 من ذي الحجة 1436 ( 21 سبتمبر 2015) المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6399 بتاريخ 14 من ذي الحجة 1436 ( 28 سبتمبر 2015)، ص 7832.

[45]  أي منذ تاريخ صدور المرسوم رقم 2.75.840 بتاريخ 27 ذي الحجة 1397 ( 30 دجنبر 1975) المتعلق بإصلاح لجنة الصفقات، الجريدة الرسمية عدد 3297 بتاريخ 5 محرم 1396 ( 7 يناير 1976).

[46]  يوسف بلشهب، ” اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية دراسة في ضوء مستجدات مشروع المرسوم الجديد”، موقع العلوم القانونية، الاثنين 7 أبريل 2014، http://www.marocdroit.com

[47]  يوسف بلشهب، مرجع سابق.

[48]  المادة 32 من المرسوم رقم 2.14.867 المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، مرجع سابق.

[49]  أن شكاية المتنافس مبنية على أسس صحيحة، يمكن لرئيس اللجنة الوطنية أن يطلب من الإدارة المعنية توقيف مسطرة إبرام الطلبية العمومية أو إرجاء المصادقة عليها إلى حين إصدار مقترح المقرر في شأن المآل الواجب تخصيصه للشكاية خلال الأجل المنصوص عليه في المادة 32 من هذا المرسوم.

غير أنه، لا يعمل بالتوقيف أو بتأجيل المصادقة المطلوبة من طرف الجهاز التداولي إذا قررت الإدارة المعنية أنه من الضروري متابعة مسطرة إبرام الطلبية العمومية أو المصادقة عليها، وذلك إذا بررت ذلك اعتبارات استعجالية تدخل في إطار الصالح العام. و في هذه الحالة، يتعين على الإدارة المعنية توجيه رسالة إلى رئيس الحكومة و إلى رئيس اللجنة الوطنية تتضمن بوضوح الأسباب و المبررات التي حملتها على اتخاذ هذا القرار.”

[50]  المادة 35 من نفس المشروع.

[51]  و هو ما نصت عليه المادة 39 من الباب السابع من مشروع المرسوم.

[52]  ذ. عبد العالي سمير، مرجع سابق، ص 81.

[53]  أي المرسوم رقم 2.98.482 الصادر بتاريخ 30/12/1998 المتعلق بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة؛ إذ أن الفترة التي صدر فيها هذا الحكم كان هذا المرسوم هو المعمول به آنذاك، غير أنه جدير بالذكر أن مقتضيات المادة 22 التي تم الأخذ بها في سياق هذا الحكم  لا زالت قائمة في ظل مرسوم 30 مارس 2013 الحالي حيث تنظمها المادة 18.

[54]  المحكمة الإدارية بالرباط، الحكم رقم 187 الصادر عن قسم قضاء الإلغاء بتاريخ 7/02/2002 في الملف رقم 28/00 غ، غير منشور.

[55]  المحكمة الإدارية بالرباط، الحكم رقم 2963 الصادر بتاريخ 30/9/2013 في الملف رقم 154/5/2013، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 119، نونبرـ دجنبر 2014، ص 301.

[56]  ذ. محمد الزياتي، ” القاضي الإداري و الصفقات العمومية بالمغرب”، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، يناير– أبريل، عدد مزدوج 78-79، 2008، ص 29 و 30.

[57]  المحكمة الإدارية بالرباط، الحكم رقم 1269 الصادر عن قسم القضاء الشامل بتاريخ 4/4/2012 في الملف رقم 43/13/2012، غير منشور.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *