صعوبات المقاولة ودور القضاء في معالجتها
محمد بنسعيد
باحث بسلك الدكتوراه “القانون الخاص“
جامعة محمد الخامس – الرباط
كلّية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال – الرباط
“ إن القضاء لم يصبح فقط أساسا لطمأنينة الرعية والمجتمع، بل أصبح أمرا ضروريا للنّماء، ولا يمكن للمغرب أن يفتح أبوابه للمال الأجنبي إذا لم يكن ذلك المال عارفا أنّه في مأمن من الشطط أو سوء الفهم” [1]
مقدمــة :
إذا كان من الثابت أن استمرارية المقاولة شكلت إحدى أبرز هواجس المشرع المغربي عندما اعتمد نظام صعوبات المقاولة، الذي أضفى على الجهاز القضائي طابعا مميّزا جعله يتجاوز مهمّته التقليدية المتمثلة في الفصل في المنازعات، إلى لعب دور محوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فإنه من الثابت أيضا، أن هذه الاستمرارية تحقّق مصالح متعدّدة في آن واحد، مصلحة المقاولة في البقاء في ملكية صاحبها، مصلحة العمّال في الحفاظ على مناصبهم ومصلحة الدائنين المزدوجة المتجلّية في استيفاء ديونهم والحفاظ على مواردهم المالية[2]. وتشكل المقتضيات القانونية المتعلقة بالتسوية القضائية المرآة التي تعكس فلسفة المشرع وغاياته من سنّ نظام صعوبات المقاولة، وأهم مرحلة يبرز فيها الدور الاقتصادي الذي أنيط بالقضاء التجاري بمقتضى هذا النظام[3].
وخلافا لمقتضيات القانون التجاري القديم المتعلق بالإفلاس[4]، والذي كان يعتبر مجرّد التوقّف عن الدفع سبباً مؤديا إلى إفلاس التاجر، فإن المشرع المغربي باعتماده نظام التسوية القضائية، يكون قد خوّل للقضاء دورا هامّاً في تحديد درجة الاختلال الذي تعاني منه المقاولة[5]، والتصريح باستمراريتها في إطار نظام التسوية القضائية بدل تصفيتها، التي لن يجن الاقتصاد منها سوى المزيد من اليد العاملة المعطّلة، وتقليص موارد الدولة. وهكذا، فإن المحكمة التجارية إذا كانت تملك سلطة تقديرية كاملة للتثبّت من الوقائع والوقوف على مدى تحقّق الشروط اللازمة لفتح مسطرة المعالجة، فإنها لا تملك عند ثبوت هذه الشروط إلاّ أن تحكم بفتح إحدى المسطرتين، مسطرة التسوية القضائية إذا لم تكن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه، ومسطرة التصفية القضائية إذا كانت وضعية المقاولة مختلّة بشكل لا رجعة فيه، إلا أن ما يميز التشريع المغربي هو أنّه لم يجعل من التسوية القضائية أمرا إجباريا بخلاف المشرع الفرنسي قبل تعديل 10 يونيو 1994، وخلافا أيضا للمشرّع التونسي الذي ما زال يجعل التسوية القضائية إجبارية قبل الانتقال إلى التصفية القضائية[6].
إن التسوية القضائية أو التصحيح القضائي “Le redressement judiciaire “، هي السبيل إذن للإبقاء على المقاولة لفترة معينة في انتظار اتخاذ القرار المناسب لوضعيتها، وهذا ما يدفعنا إلى التطرق إليها لارتباطها الوثيق باستمرارية المقاولة داخل النسيج الاقتصادي.
وما دمنا سنبحث في دور الاجتهاد القضائي في نظام صعوبات المقاولة، فلابدّ من التركيز على تدخل القضاء لفتح مسطرة التسوية القضائية، إن على مستوى قضاء الحكم أو قضاء النيابة العامة، خاصة وأن مدونة التجارة لسنة 1996[7] جعلت السلطة القضائية تنغمس في الحياة الاقتصادية والمالية بفعل الصلاحيات التي منحت له.
فإلى أي حدّ ترجم القضاء المغربي على ضوء الأحكام والقرارات الصادرة عنه، أهداف المشرّع من اعتماد نظام صعوبات المقاولة ؟
يتطلب الحكم بالتسوية القضائية شروطاً لا بد من مراعاتها، سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الموضوع، وسنسعى إلى إبراز هذه الشروط على ضوء العمل القضائي (المبحث الأول)، على أن نتطرق في (المبحث الثاني) لإحدى الفترات الحاسمة في حياة المقاولة، ألا وهي فترة إعداد الحل، هذه الفترة التي تعرف استمرارية نشاط المقاولة بقوة القانون، وإنجاز عمل هام ومصيري بالنسبة للمقاولة موضوع التسوية القضائية، محاولين الإجابة – كلّما اقتضى الحال – عن الأسئلة التي يطرحها تدخّل القضاء لإنقاذ المقاولة والمضيّ بها قدما نحو حلول اقتصادية ملائمة.
المبحث الأول : الإجراءات الخاصة بافتتاح مسطرة التسوية القضائية
تضمنت المواد من 560 إلى 570 من مدونة التجارة، إجراءات وشروط فتح مسطرة التسوية القضائية، والتي يمكن تقسيمها إلى: شروط شكلية بانتفائها تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى (مطلب أول)، وإلى شروط موضوعية باختلالها تصرح المحكمة برفض الطلب (مطلب ثاني).
المطلب الأول: الشروط الشكلية لفتح مسطرة التسوية القضائية
تنقسم هذه الشروط إلى جزأين : شرط اختصاص المحكمة التجارية للبتّ في طلب التسوية القضائية المعروض عليها (فقرة أولى). وشرط توفر طالب فتح المسطرة على الصفة القانونية المحدّدة بمقتضى المواد من 561 إلى 563 من مدونة التجارة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: اختصاص المحكمة التجارية للبت في طلبات التسوية القضائية
خصّ المشرع المغربي المحاكم التجارية دون غيرها بالنظر في الدعاوى المتعلقة بفتح مساطر صعوبات المقاولة، فكيف نظّم القانون رقم 95-53 المحدث للمحاكم التجارية هذا الاختصاص؟[8]، وما هي العوائق والصعوبات العملية التي تعترض القضاء في إطار اختصاصه نوعيا ومكانيا للبتّ في طلبات التسوية القضائية؟[9]
- الاختصاص النوعي Compétence d’attribution:
تختص المحاكم التجارية بالنظر في جميع الدعاوى المتعلقة بصعوبات المقاولة، وكذا القضايا المرتبطة بها. وفي هذا الإطار نصت المادة 566 من مدونة التجارة على أنه :
« تكون المحكمة المفتوحة مسطرة المعالجة أمامها مختصة للنظر في جميع الدعاوى المتصلة بها.
تدخل في إطار اختصاص المحكمة بصفة خاصة، الدعاوى المتعلقة بتسيير المسطرة أو التي يقتضي حلها تطبيق مقتضيات هذا القسم ».
كما تختص بالنظر في الدعاوى المرتبطة بالعقوبات المالية وسقوط الأهلية التجارية طبقا لمقتضيات المواد من 703 إلى 706 و712 من مدونة التجارة.
وقد سبق للقضاء المغربي أن طبّق هذه القواعد من خلال مجموعة من الأحكام، إذ قررت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء :
« بأن المحكمة المفتوحة مسطرة المعالجة أمامها تكون مختصة بالنظر في جميع الدعاوى المتصلة بها طبقا للمادة 566 من مدونة التجارة.
والمقصود بالدعاوى المتصلة بمساطر المعالجة حسب الرأي السائد في الفقه والقضاء كل الدعاوى المتوحدة عن هذه المساطر والتي ما كانت لتنشأ إلا بسبب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة وكذا الدعاوى التي تتأثر بها[10]».
وإذا كان الفقه والقضاء المغربيين قد اختلفا في غياب أي نص تشريعي حول مدى تعلق الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية بالنظام العام، فإنه لا نقاش في كون الاختصاص المتعلق بمساطر معالجات صعوبات المقاولة مرتبطا بالنظام العام، نظرا لخصوصيته التي تسلب الأطراف الخيار المعطى لهم في إطار الفصل الرابع من مدونة التجارة، حيث يمنع عليهم عرض النزاع على محكمة أخرى غير المحكمة التجارية المختصة.
وعليه، فإذا تمت المطالبة بفتح مسطرة المعالجة طبقا لمقتضيات المادة 560 وما يليها من مدونة التجارة أمام المحكمة العادية، فيتعين على هذه الأخيرة التصريح تلقائيا بعدم اختصاصها نوعيا للبت في هذا الطلب.
وبناء على الدفع بعدم الاختصاص النوعي المثار من طرف النيابة العامة بعدم اختصاصها، أجابت المحكمة التجارية بوجدة بما يلي:
« وحيث إنه بخصوص الدفع المثار من طرف النيابة العامة بشأن عدم اختصاص هذه المحكمة نوعيا للبت في النازلة، تأسيسا على أن الشركة المدعية هي شركة مدنية وليس لها طابع تجاري يتعين رده، بعلة أن مساطر معالجة صعوبات المقاولة تنظمها مدونة التجارة في الكتاب الخامس، وأن جميع الطلبات المتعلقة بها تختص بالنظر فيها المحكمة التجارية؛ بغض النظر عن مآل موضوع الدعوى[11]».
- الاختصاص المحلي Compétence territoriale :
نصت المادة 11 من القانون المحدث للمحاكم التجارية على أنه: «استثناء من المادة 28 من قانون المسطرة المدنية، يرجع الاختصاص المحلي فيما يتعلق بصعوبات المقاولة إلى المحكمة التجارية التابعة لها مؤسسة التاجر الرئيسية، أو المقر الاجتماعي للشركة».
وعليه فلا يجوز المطالبة بفتح مسطرة التسوية القضائية، إلا أمام المحكمة التجارية التي يوجد في دائرتها المقر الاجتماعي للشركة أو المؤسسة الرئيسية للتاجر[12]، أي المحل الذي يمارس فيه التاجر أو الشركة نشاطهما التجاري بصفة أساسية، ويتم تحديد هذا المقر بناء على ما هو مدون في السجل التجاري من معلومات بهذا الخصوص[13].
ولعل السبب في ذلك، راجع لطبيعة هذه المسطرة التي تستلزم وجود المحكمة في موقع يسمح لها مباشرة بتشخيص الوضعية المالية والاقتصادية الحقيقية للمقاولة.
وفي هذا المجال، قضت المحكمة التجارية بفاس بعدم اختصاصها محليا للبت في النازلة، وإحالة الملف على المحكمة التجارية بوجدة معللة حكمها بما يلي:
«حيث انه من الثابت قانونا أن الدعاوى المتعلقة بمساطر صعوبات المقاولة تكون من اختصاص المحكمة التجارية التابع لها المقر الاجتماعي للشركة حسب المادة 566 من مدونة التجارة.
وحيث إنه من الثابت أن المقر الاجتماعي للمدعية المطلوب فتح مسطرة التسوية القضائية في حقها يقع بمدينة وجدة حسب شهادة التسجيل المستدل بها من طرفها والمسجلة به تحت عدد 7422.
وحيث إنه واعتبارا لما ذكر أعلاه، ولحسن سير المسطرة يقتضي قرب المحكمة من الأجهزة المسيرة وغيرها من الأطراف المعنية، فإنه يتعين التصريح بعدم اختصاص المحكمة التجارية بفاس محليا وإحالته على المحكمة التجارية بوجدة»[14].
الفقرة الثانية: طرق افتتاح مسطرة التسوية القضائية
يتم افتتاح مسطرة التسوية القضائية[15]، إما بناء على طلب من رئيس المقاولة، أو بناء على دعوى يقيمها أحد الدائنين لهذا الغرض[16]، أو بمبادرة من المحكمة، أو بطلب من النيابة العامة[17]. وسوف لن نتطرّق في بحثنا هذا إلى كلّ هذه المحاور بتفصيل لكثرة المراجع والمؤلّفات الفقهية من جهة، وعدم ارتباط هذه المحاور بصميم دراستنا التي تركّز على العمل القضائي في إنقاذ المقاولة وضمان استمراريتها.
وهكذا، يجب على رئيس المقاولة التي توقفت عن دفع ديونها الحالة وبصفة إلزامية، أن يتقدم إلى المحكمة بطلب افتتاح المسطرة داخل أجل 15 يوما من تاريخ التوقف عن الدفع، وذلك بوضع طلبه لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة، مع الإشارة إلى أسباب التوقف عن الدفع وإرفاقه بالوثائق التالية :
- القوائم التركيبية لآخر سنة مالية ؛
- جرد وقيمة كل أموال المقاولة المنقولة وغير المنقولة ؛
- لائحة الدائنين والمدينين مع الإشارة إلى مكان إقامتهم، ومبلغ حقوقهم وديونهم وضماناتهم عند تاريخ التوقف عن الدفع ؛
- جدول التحملات.
ويجب أن تكون هذه الوثائق مؤرخة وموقعة ومصادق عليها من طرف رئيس المقاولة، وفي حالة تعذر تقديم إحدى هذه الوثائق أو أدلي بها بشكل غير كامل، وجب أن يشمل التصريح بيان الأسباب التي تمنع تقديمها، ويشهد كاتب الضبط على استلام هذه الوثائق.
ومن جملة ما يمكن ملاحظته عمليا، أن رئيس المقاولة لا يحترم الأجل المنصوص عليه في المادة المذكورة، رغم ورود مقتضياتها بصيغة الوجوب، كما أن القضاء المغربي لم يتقيّد بحرفية النصّ ولم يتشدّد في ذلك، في الوقت الذي تخوّل المادة 714 من مدوّنة التجارة الصلاحية في إسقاط الأهلية التجارية لرئيس المقاولة الذي أغفل عن التصريح بتوقّفه عن الدفع خلال أجل 15 يوما الموالية لواقعة التوقف عن الدفع[18]. وهو ما يعكس المرونة التي أصبح يتميّز بها القضاء التجاري مادامت المصلحة الفضلى في كلّ ذلك، هي إبقاء المقاولة في كنف الحياة الاقتصادية.
وإذا كان المشرع المغربي لم ينصّ على حالات معينة يترتب عليها تدخل المحكمة تلقائيا لفتح المسطرة، إلا أن العمل القضائي أفرز بعض الحالات، نذكر منها :
- الحالة التي يفشل المصالح في إجراء اتفاق ودّي بين الأطراف خلال مسطرة التسوية الودية، حيث يحال الملف من طرف رئيس المحكمة على محكمة الموضوع كي تفتح مسطرة المعالجة التي تراها ملائمة لوضعية المقاولة[19].
- الحالة التي يحيل فيها رئيس المحكمة الملف المعروض عليه في إطار الوقاية الخارجية إلى المحكمة، بعد أن يثبت له توقف المقاولة عن الدفع، وبالتالي عدم إمكانية تطبيق مسطرة الوقاية الخارجية في هذه الحالة.
- وأخيرا للمحكمة أن تضع يدها على المسطرة بطلب من النيابة العامة، لاسيما في حالة عدم تنفيذ الالتزامات المبرمة في إطار الاتفاق الودي طبقا للمادة 556 من مدونة التجارة.
المطلب الثاني : الشروط الموضوعية لفتح مسطرة التسوية القضائية.
يستفاد من المادتين 560 و568 من مدونة التجارة، أن المشرع المغربي وضع ثلاثة شروط أساسية لتطبيق مسطرة التسوية القضائية، فمن جهة، لا يمكن فتح المسطرة إلا في مواجهة كل شخص طبيعي له صفة تاجر، وكل شخص معنوي له صفة شركة تجارية. ومن جهة أخرى، لا تفتح المسطرة إلا في مواجهة هؤلاء الأشخاص إذا كانوا غير قادرين على سداد الديون المستحقة عليهم، أمّا الشرط الأساسي الثالث، فمفاده أنّ التسوية القضائية لا يلجأ إليها إلا إذا كانت وضعية المقاولة غير مختلة بشكل لا رجعة فيه[20]. وهو ما سنبرزه وفق الترتيب التالي :
الفقرة الأولى : الصفة التجارية للشخص الطبيعي والمعنوي
لا يقضى بالتسوية إلا بعد التأكد من الصفة التجارية للمدين؛ سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا.
- الصفة التجارية للشخص الطبيعي:
نصت المادة 560 من مدونة التجارة، على أن مسطرة التسوية القضائية تفتح في مواجهة كل تاجر وكل حرفي وكل شركة تجارية ليس بمقدورهم سداد الديون المستحقّة عليهم عند الحلول. وتكتسب الصفة التجارية بالمزاولة الاعتيادية والحرفية للأنشطة المحددة في المادتين السادسة والسابعة من مدونة التجارة، أو لأي نشاط يمكن أن يماثل تلك الأنشطة، كما تعتبر المادة 58 من مدونة التجارة، التسجيل في السجل التجاري قرينة على اكتساب الشخص للصفة التجارية ما لم يثبت العكس[21].
وبهذا الخصوص، قضت المحكمة التجارية بالدار البيضاء بفتح المسطرة في مواجهة طبيب رغم وقوعه في حالة الحظر[22].
في حين ذهبت المحكمة التجارية بوجدة في اتجاه معاكس، حيث قضت بعدم قبول طلب فتح مسطرة التسوية القضائية المقدم من طرف شركة العيادة المتعددة الاختصاصات «سيدي علي» بالناظور، تأسيسا على أن: « الطب مهنة إنسانية تهدف إلى الوقاية من الأمراض وعلاجها، ولا يجوز أن تمارس باعتبارها نشاطا تجاريا سواء مورست بصورة انفرادية، أو بصورة جماعية على شكل شركة أو جمعية طبقا لمقتضيات المادة 49 من قانون رقم 94-1 المتعلق بمزاولة الطب… وبحكم طبيعتها المهنية فإن المدعية لا تتوفر على الصفة التجارية حتى يمكنها سلوك مسطرة المعالجة طبقا للمادة 560 من مدونة التجارة».
- الصفة التجارية للشخص المعنوي:
نصت المادة 560 من مدونة التجارة، على أن مسطرة التسوية القضائية تفتح في مواجهة كل شركة تجارية[23].
وعليه، يتطلب فتح مسطرة التسوية القضائية في مواجهة شركة ما، أن تكون مكتسبة للصفة التجارية ومتمتعة بالشخصية المعنوية التي تجعلها مستقلة من الناحية القانونية عن الأشخاص الطبيعيين الذين يملكونها، وذلك بتسجيلها في السجل التجاري خلال آجل ثلاثة أشهر الموالية لتأسيسها، ومن ثمّ لا يمكن تطبيق المسطرة على الشركة الموجودة في فترة التأسيس السابقة للتسجيل في السجل التجاري لعدم توفرها على الشخصية المعنوية. وفي هذا الصدد أصدرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء حكماً قضى بعدم قبول الطلب، لأن المدعية لا تملك الصفة لطلب فتح مسطرة التصفية القضائية في حق المدعى عليها[24]، جاء فيه :
« وحيث إن المدعية تقدمت بطلبها الحالي بصفتها مالكة أسهم في الشركة المدعى عليها.
وحيث إن مشرع المساطر الجماعية حدد الأشخاص الذين يحق لهم تقديم طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، وهم بالإضافة إلى رئيس المقاولة الدائن والنيابة العامة والمحكمة تلقائيا.
وحيث إن المدعية لا تملك الصفة لطلب فتح مسطرة التصفية القضائية في حق المدعى عليها.
وحيث إن المحكمة وعند تحريك مساطر معالجة صعوبات المقاولة لم تعد مقيدة بصفة، وطلبات الأطراف والوثائق المرفقة بها، بل يصبح بإمكانها أن تضع يدها تلقائيا على القضية قصد ضبط المركز المالي الحقيقي للمدين، وهذا يعتبر استثناء من المبدأ العام الذي ينص على أن القضاء لا يبت إلا في حدود طلبات الأطراف طبقا للفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية.
وحيث إن التوقف عن الدفع كشرط موضوع لفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، هو عدم القدرة على سداد الديون المستحقة عند الحلول، الشيء الذي يتعين معه العجز وحصول الاختلال في الموازنة المالية للمقاولة.
وحيث إنه لا يوجد بالملف ما يفيد وجود مطالبات في مواجهة المدعى عليها من أجل أداء ديون مستحقة وحالة الأداء وكذا اختلال في وضعيتها المالية…».
وأصدرت نفس المحكمة حكما آخر قضى بعدم قبول الطلب لانتفاء صفة طالب فتح المسطرة[25]، ورد فيه :
«وحيث تقدمت المدعية الأولى بالطلب الحالي بصفتها مساهمة ودائنة للمدعى عليها في حين أن المدعي الثاني تقدم بنفس الطلب بصفته مساهما.
وحيث إنه من جهة فإن المشرّع المغربي لم يخول للمساهمين أو الشركاء الحق في طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة في حق الشركة التي يملكون فيها حصصا أو أسهما وأعطى هذا الحق بصفة قطيعة لرئيس المقاولة.
وحيث إنه، من جهة أخرى، فإن المدعية الأولى أدلت بمجموعة من الفواتير لإثبات دينه المتعلق بذمة المدعى عليها، مما يعني أن دين المدعية الأولى مازال متنازعا فيه، وبالتالي غير ثابت وغير مستحق الأداء، ومن تم لا يعطي لصاحبه الصفة في طلب فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة؛ فبالأحرى البحث في شرط التوقف عن الدفع بالنسبة للمقاولة، وعن مدى امتداد اختلال وضعيتها المالية…».
الفقرة الثانية: توقف المقاولة عن دفع ديونها الحالة والمستحقة
يعتبر هذا الشرط أساسيا وجوهريا لفتح مسطرة التسوية القضائية، و في هذا الصدد صدرت عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء عدة أحكام مصادفة للصواب، نذكر منها الحكم الذي قضى برفض طلب فتح المسطرة بناء على المعطيات المدونة بالقوائم التركيبية[26]. والذي جاء فيه :
«…وحيث إن التوقف عن الدفع حسب المادة 560 من مدونة التجارة، هو عدم القدرة على سداد الديون المستحقة عند الحلول، الشيء الذي يعني العجز وحصول الاختلال في الموازنة المالية للمقاولة.
وحيث يستفاد من القوائم التركيبية لآخر سنة مالية والمدعمة بلائحة الدائنين والمدينين، أن المقاولة مازالت تحافظ على رأسمالها البالغ 100 ألف درهم وحققت أرباحا تقدر ب 79448 درهم، إذ أن حجم رؤوس الأموال الذاتية ايجابيا ويفوق رأس المال، وأن الاحتياطي المتداول ايجابيا، ذلك أن التمويل الدائم والبالغ 179.448 يفوق بكثير الأصول، كما أن الخزينة الصافية ايجابية، الشيء الذي يدل على أن المقاولة لا تعرف خللا في موازنتها المالية وهو ما يتأكد من حجم الديون المستحقة للمقاولة على الغير، والتي تقدر حسب ما جاء في لائحة الدائنين بمبلغ 3341602 درهم، في حين أن المقاولة مدينة فقط بمبلغ 2858488 درهم.
وحيث إن التوقف عن الدفع كشرط موضوعي لتبرير فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة، يتعين أن تكون هناك ديون ثابتة وحالة الأداء ومطالب بها من جهة ثانية؛ حسب ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في غرفتها التجارية في قرارها الصادر بتاريخ 17 يوليوز 1997، وهو ما استقر عليه كذلك الاجتهاد القضائي المغربي».
الفقرة الثالثة: ألا تكون وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه
نصت المادة 568 من مدونة التجارة على أنه :
« يقضي بالتسوية القضائية إذا تبين أن وضعية المقاولة ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه، وإلا فيقضي بالتصفية القضائية».
ويتبين من ظاهر هذه المادة، أنها تميز بين وضعيتين للشركة التجارية :
أولا: وضعية غير مختلة بشكل لا رجعة فيه والتي تبيح فتح مسطرة التسوية القضائية.
ثانيا: وضعية مختلة بشكل نهائي ولا رجعة فيه والتي تبيح فتح مسطرة التصفية القضائية.
ويلاحظ أن المشرع المغربي لم يعط أي تعريف للوضعيتين معا، غير أنه بالاطلاع على مجموعة من الأحكام القضائية المتعلقة بفتح مسطرة التسوية القضائية، نجد أن العمل القضائي استقر على عنصرين أساسين، وهما عنصر الاستمرارية في الاستغلال وعنصر أداء أجور العمال[27]، فكلّما تأكدت المحكمة من توافر هذين العنصرين في المقاولة موضوع طلب فتح المسطرة، إلّا وقضت بفتح مسطرة التسوية القضائية في حقّها، على اعتبار أن وضعيتها غير مختلة بشكل لا رجعة فيه.
وإن كان لنا من رأي نبديه في المسألة، فإن الاجتهاد القضائي المغربي قد صادف الصواب بارتكازه على هذين العنصرين، نظراً لأهميتهما بالنسبة للمقاولة. فاستمرار المقاولة في الاستغلال، يعتبر حافزا على السير نحو محاولة المحافظة على هذه الاستمرارية عن طريق التسوية القضائية، التي تمكن من تحديد مخطط الاستمرارية إذا ما كانت وضعية المقاولة قابلة لذلك. كما أن أداء أجور العمال يعتبر حافزاً لهؤلاء على العمل والإنتاج من أجل النهوض بالمقاولة. في حين، إذا اختلّ أحد هذين العنصرين، خاصة توقّف المقاولة عن الاستغلال، لم يعد هناك مبرر للتسوية القضائية، وعلى المحكمة في هذه الحالة أن تقضي بالتصفية القضائية[28].
وغني عن البيان، أن المحكمة المرفوع إليها الطلب الرامي إلى فتح مسطرة المعالجة، لا تكون ملزمة بضرورة الحكم بالتسوية القضائية في بداية الأمر، ثم تحويل هذه التسوية إلى تصفية قضائية كلما تبين لها – من خلال التقرير الذي يعدّه السنديك طبقا لمقتضيات المادة 579 من مدونة التجارة[29]– أن وضعية المقاولة المعنية لا تقبل التصحيح، بل يتعين على المحكمة أن تحكم مباشرة بالتصفية القضائية إذا كانت وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادتين 568 و619 من مدونة التجارة.
و يمكن للسنديك أيضا – و للمحكمة تلقائيا – إن كانت استمرارية المقاولة تستدعي ذلك، أن يطلب من المحكمة تعليق اعتماد مخطط التسوية القضائية على استبدال مسير أو عدة مسيرين[30]، لأن تسوية المقاولة تكون دون جدوى إذا استمر مسير، أو مسيرو الشخص المعنوي على رأس المشروع مع ثبوت عدم كفاءتهم المهنية أو تأثيرهم السيئ في ميدان التسيير[31]، فقد تجد المحكمة أن من بين أسباب تعثّر المقاولة عدم أهلية المسير أو مسيري المقاولة مهنيا وسوء تسيير أو انعدام نزاهتهم وخبرتهم، مما يعني أن استمرارهم داخل المقاولة قد يزيد تفاقم وضعيتها عند تنفيذ الحل المسطري المزمع اختياره .[32]
وعليه، فالمحكمة المقدم إليها طلب فتح مسطرة المعالجة لا تتقيد بسلوك مسطرة التسوية القضائية ابتداء ومسطرة التصفية القضائية انتهاء، كما أنها لا تتقيد بطلبات الأطراف وهذا على خلاف ما كان عليه القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 25 يناير 1985 قبل تعديله بقانون 10 يونيو 1994، حيث كان يلزم المحكمة المرفوع إليها طلب فتح مسطرة المعالجة، بضرورة الحكم بالتسوية القضائية في البداية، ثم انتظار انتهاء فترة الملاحظة لتحديد ما إذا كانت وضعية المقاولة قابلة للتقويم، أو أنه يجب تصفيتها قضائيا.
المبحث الثاني : اختيار مخطط لتسوية وضعية المقاولة
تبدأ مسطرة التسوية القضائية بمرحلة يتم خلالها ترقّب أحوال المقاولة وتتبّعها، على عكس مسطرة التصفية القضائية التي تتميّز بالبدء مباشرة، بعد صدور الحكم القاضي بذلك في التنفيذ على أموال المقاولة المعنية بالأمر، وذلك عن طريق بيع مالها من أصول بهدف تصفية خصومها. وقد عرفت بفترة الملاحظة Période d’observation كما يطلق عليها في ظلّ القانون الفرنسي، التي تقوم خلالها أجهزة المسطرة ببلورة الحلّ الذي من شأنه أن يجعل تقويم وضعية المقاولة أمراً ممكن التحقيق، وتنتهي هذه المسطرة بصدور الحكم القاضي باختيار الحل المناسب للمقاولة والذي لا يخرج عن إحدى الإمكانيات الثلاث، استمرارية المقاولة، أو تفويتها، أو التصريح بتصفيتها قضائيا.
وعليه، فالصلاحيات الاقتصادية المخوّلة للمحكمة بمقتضى قانون معالجة صعوبات المقاولة، لا تقف عند تنظيم المسطرة وتسييرها وتحديد المتدخلين فيها، وإنما تتعدّى ذلك إلى تنظيم المقاولة وفرض تغييرات على بنيتها والتدخل في شؤونها الإدارية والمالية والقانونية.
وسنرى كيف يتعامل القضاء في ظل هذه الصلاحيات، خلال فترة إعداد الحل ومراقبة استمرارية نشاط المقاولة من جهة (المطلب الأول)، والحسم في الاختيار المسطري وتحديد الحل المناسب لوضعية المقاولة من جهة أخرى (المطلب الثاني).
المطلب الأول : فترة إعداد الحل ومراقبة استمرارية نشاط المقاولة[33].
يقصد بفترة إعداد الحل – فترة الملاحظة كمرحلة انتقالية – الفترة الزمنية الفاصلة بين حكم التسوية القضائية والمدة المحددة لإعداد مخطط التسوية، الذي سيعرض على المحكمة في شكل اقتراح. والذي لا يكمن أن يكون إلا واحدا من ثلاثة حلول، إما استمرارية المقاولة أو تفويتها أو التصفية القضائية.
وتهدف هذه المرحلة، إلى توفير الوقت اللازم والكافي للتفكير في حاضر ومستقبل المقاولة، إتاحة الفرصة لأجهزة المسطرة لإعداد الموازنة الحقيقية، واقتراح الحلول الملائمة القابلة للتطبيق في الوقت المناسب[34].
وتعتبر متابعة نشاط المقاولة من المستجدات التي أتى بها قانون معالجة صعوبات المقاولة، والتي تترتب بقوة القانون بعد إصدار الحكم بالتسوية القضائية، حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 571 من مدونة التجارة على أنه:
« يتابع نشاط المقاولة بعد إصدار الحكم بالتسوية القضائية ».
غير أنه، إذا كان متابعة نشاط المقاولة يتسبب في خسائر جسيمة للمقاولة ولا يحقق الغاية المتوخاة منه، والمتمثلة في توفير تمويل للمقاولة والحفاظ على مستوى التشغيل والزبائن، أمكن للمحكمة أن تأمر بإيقاف متابعة النشاط التجاري للمقاولة كليا أو جزئيا استنادا إلى المادة 572 من مدونة التجارة التي تنص على أنه :
«يمكن للمحكمة في أي وقت أن تأمر بتوقيف المقاولة عن نشاكها جزئيا أو كليا».
الفقرة الأولى : استمرار المقاولة في مزاولة نشاطها
إن صدور الحكم بالتسوية القضائية لا يؤثر على مواصلة تسيير المقاولة، بل تستمر هذه الأخيرة في مزاولة نشاطها بكيفية عادية وطبيعية، حتى إيجاد الحل المناسب.
وقد أخضع المشرع المقاولة في هذه المرحلة تحت إشراف دقيق للمحكمة، الأمر الذي يخول لهذه الأخيرة تحديد شكل تسيير المقاولة ومراقبة تسييرها.
- تحديد شكل تسيير المقاولة :
تملك المحكمة السلطة التقديرية لاختيار الأسلوب الإداري المناسب لتسيير المقاولة في فترة إعداد الحل، مع حق تغييره في أي وقت بغية حسن التدبير واستمرارية الاستغلال. وفي هذا الإطار تعمل المحكمة على اختيار شكل من بين ثلاثة أشكال لتسيير المقاولة في هذه المرحلة، نعالجها تباعا في المسائل الآتية :
- المسألة الأولى : إبقاء التسيير بيد رئيس المقاولة مع تكليف السنديك بالمراقبة.
يبقي هذا الشكل سلطة التسيير بيد رئيس المقاولة وحده، يتخذ مختلف القرارات بمحض إرادته، بينما يقتصر دور السنديك على مراقبة التسيير، وخاصة من حيث التزامه أو خروجه على المجرى العادي للأمور، مما قد يؤثر على وضعية المقاولة نحو مزيد من التدهور، فيرفع آنذاك السنديك تقريره إلى المحكمة لكي تتخذ الإجراءات والتدابير الملائمة.
والراجح أن تختار المحكمة هذا الشكل من أشكال التسيير، إذا ثبت لديها أن الصعوبات التي أدت بالمقاولة إلى التوقف عن الدفع لا دخل للمسيرين فيها، وإنما نتجت عن ظروف موضوعية ترجع إلى تقلبات الظرفية الاقتصادية.
ومن إيجابيات هذا الشكل، أنه يجعل المقاولة تستفيد من خبرة مسيريها ومعرفتهم بتقنيات التدبير وعلاقاتهم بالزبناء والممولين، غير أن هذا النظام يلزم رئيس المقاولة باطلاع السنديك على سائر القرارات المتخذة ومدى تنفيذها وتحقيق نتائجها، ليتمكن السنديك بدوره من إخبار المحكمة بمعطيات هذا التسيير في الوقت المناسب[35].
والجدير بالذكر، أن هذا الأخير لا يمكن تعيينه من أقارب رئيس المقاولة أو أصهاره إلى غاية الدرجة الرابعة، وطلب استبدال السنديك ينبغي أن يقدم في أول الأمر إلى القاضي المنتدب[36]، لأن هذا الأخير هو المشرف على مراقبة وتتبع أعمال السنديك، وله اتصال مباشر مع رئيس المقاولة وبالتالي يوجد في وضعية تخول له إبداء رأيه بخصوص استبدال السنديك اعتمادا على معطيات ملموسة يتوفر عليها، وفي هذا الصدد أصدرت المحكمة التجارية حكما قضى بعدم قبول طلب استبدال السنديك لأنه قدم مباشرة إليها[37] ومما جاء فيه :
«وحيث إنه باستقراء المادة 644 من مدونة التجارة يتضح أن طلب استبدال السنديك سواء كان بناء على تشك من الدائن أو المدين يجب أن يقدم في أول الأمر إلى القاضي المنتدب الذي يتقدم بعد ذلك بطلب إلى المحكمة قصد اتخاذ القرار المناسب».
- المسألة الثانية: إشراك السنديك في عمليات التسيير
في هذه الحالة، تقرر المحكمة مساعدة رئيس المقاولة في مهام التسيير من طرف السنديك، وتتولى المحكمة التحديد الدقيق لنطاق الصلاحيات التي تشملها المساعدة، لأن الفقرة الثانية من المادة 576 من مدونة التجارة تنص على أن حكم المحكمة يكلف السنديك «بمساعدة رئيس المقاولة في جميع الأعمال التي تخص التسيير أو في بعضها».
ويلزم توخي الدقة في هذا التحديد تفاديا للنزاع حول تداخل الصلاحيات[38].
والغالب أن تقرر المحكمة شمول المساعدة لكل عمليات التسيير، إذا ثبت لديها أسباب تبرر هذا التقليص من صلاحيات رئيس المقاولة كسوء التسيير أو قلة الخبرة.
- المسألة الثالثة : إقصاء رئيس المقاولة من عمليات التسيير وإسنادها للسنديك.
هنا تتجلى قوة السلطة التي تملكها المحكمة في مرحلة متابعة نشاط المقاولة خلال الفترة الإعدادية. حيث تصل هذه السلطة إلى حد الإبعاد الكلي أو الجزئي لرئيس المقاولة من ممارسة صلاحياته على رأس مقاولته، ويجعل هذا القرار المقاولة تحت الإشراف غير المباشر للقضاء، حيث يعتبر السنديك المسير الفعلي للمقاولة والممثل الوحيد لرئيس المقاولة. ولا تعمد المحكمة إلى اختيار هذا الأسلوب إلا في حالات صدور الأخطاء الجسيمة من المسير أو حالة عدم الكفاءة التامة من قبله.
وإذا كانت المحكمة تملك صلاحية تحديد شكل تسيير المقاولة، فإنها تملك أيضا صلاحية تغيير هذا الشكل حسب مصلحة المقاولة.
ومن الأسباب التي قد تدعو المحكمة إلى تغيير شكل التسيير، نشوء نزاع بين السنديك ورئيس المقاولة بخصوص الصلاحيات. فبالإضافة إلى حق القاضي المنتدب في التدخل في هذه الحالة للبت في هذا النزاع انطلاقا من دوره الساهر على السير السريع للمسطرة، والبت في الشكاوى المقدمة ضد أعمال السنديك[39]. فإن المحكمة يمكنها التدخل لتغيير شكل التسيير وتحديد صلاحيات السنديك وصلاحيات رئيس المقاولة من جديد.
- مراقبة تسيير المقاولة:
تتجلى مظاهر هذه الرقابة في تدخل المحكمة للترخيص بقيام السنديك ورئيس المقاولة ببعض التصرفات «المسألة الأولى»، وتدخلها لحل النزاعات المتعلقة بتنفيذ العقود الجارية «المسألة الثانية»، وتدخلها أيضا لحل النزاعات المتعلقة بتمويل المقاولة «المسألة الثالثة».
- المسألة الأولى : تدخّل المحكمة للترخيص بقيام السنديك ورئيس المقاولة ببعض التصرفات.
أخضع المشرع بعض التصرفات التي قد يقوم بها السنديك ورئيس المقاولة، لضرورة الحصول على إذن مسبق من القاضي المنتدب كيفما كان الشكل الذي اختارته المحكمة لتسيير المقاولة، وهذا يفيد أن القيام بهذه التصرفات لا يمكن أن يتم بدون مراقبة المحكمة (في شخص القاضي المنتدب) وتقديرها لملاءمتها.
- المسألة الثانية : تدخّل المحكمة لحل النزاعات المتعلقة بتنفيذ العقود الجارية.
العقود الجارية هي العقود التي أبرمها رئيس المقاولة أو مسيرها مع الأغيار في وقت سابق على فتح المسطرة، ولكن آثارها تستمر في السريان حتى بعد حكم فتح المسطرة، ولقد عرفها القضاء الفرنسي بأنها :
« كل عقد يتعلق بتقديم خدمة أو بتوريد أو بتأجير ساري التنفيذ في تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة، ولو كان مبنيا على الاعتبار الشخصي للمدين »[40].
ولا يتم تنفيذ هذه العقود بقوة القانون، وإنما أسند المشرع للسنديك صلاحية المطالبة بالاستمرار في تنفيذها في مصلحة المقاولة، ويملك السنديك وحده هذه الصلاحية المطلقة دون حاجة إلى إذن من المحكمة أو من القاضي المنتدب، كما لا يكون في حاجة إلى استشارة رئيس المقاولة[41].
وإذا كان خيار تنفيذ هذه العقود أو عدم تنفيذها يرجع إلى صلاحيات السنديك، فإن النزاعات التي تنشأ بمناسبة إعمال خيار متابعة التنفيذ أو خيار عدم المتابعة، سواء بين السنديك والمتعاقد مع المقاولة أو بين هذا الأخير ورئيس المقاولة. أو بين السنديك ورئيس المقاولة، ترجع إلى صلاحيات المحكمة طبقا لمقتضيات المادة 566 من مدونة التجارة.
وأمام هذه العموميات، فإن القضاء المغربي مدعوٌّ للفصل بين حدود اختصاص المحكمة، واختصاص القاضي المنتدب في ما يرجع للنزاعات المرتبطة بتنفيذ العقود الجارية. ومن النزاعات التي قد تثار بخصوص هذا الموضوع والتي لها تأثير مباشر على الوضعية الاقتصادية للمقاولة وفرص تسويتها، عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها الناشئة عن تنفيذ العقود الجارية[42].
الفقرة الثانية: إيقاف نشاط المقاولة
قد لا يكون استمرار نشاط المقاولة أثناء الفترة الإعدادية أمرا مفيدا يساعد على تسوية وضعيتها، مما يجعل المحكمة تأمر بإيقاف نشاط المقاولة كليا أو جزئيا، حتى لا تزداد وضعيتها تدهورا.
وفي هذا السياق، نصت المادة 752 من مدونة التجارة على أنه :
« يمكن للمحكمة في أي وقت أن تأمر بتوقيف المقاولة عن نشاطها جزئيا أو كليا أو النطق بتصفيتها القضائية ».
وإذا كان طلب إيقاف النشاط هذا، يمكن أن يأتي معللا من طرف السنديك، أو من مراقب الدائنين، أو من رئيس المقاولة، فإن الأهم في ذلك هو أن المحكمة تملك أن تتخذ هذا القرار تلقائيا بناء على تقرير من القاضي المنتدب.
غير أن ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، هو أن الأمر بالتوقيف الجزئي أو الكلي للنشاط، لا يترتب عليه النطق مباشرة أو تلقائيا بالتصفية القضائية.
فالتصفية القضائية ليست أثرا من آثار توقيف النشاط، وإنما هي مسطرة مستقلة يخضع النطق بها للسلطة التقديرية للمحكمة في أي وقت[43].
وعليه، فاختيار المحكمة لإيقاف نشاط المقاولة كليا خلال الفترة الإعدادية لاعتبارات اقتصادية أو مالية أو اجتماعية، لا يرتب بالضرورة إخضاع المقاولة للتصفية القضائية، وإنما قد يكون اختيارا اقتصاديا «تكتيكيا» تتخذه المحكمة لعدم قدرة المقاولة على الاستمرار، وهذا ريثما يتم إعداد الموازنة الشاملة[44] للمقاولة والتوصل بعروض الأغيار واقتراح مخطط الحل.
المطلب الثاني: تحديد المحكمة للحل المناسب لوضعية المقاولة
إذا كانت المحكمة مجبرة على اختيار حل من ثلاثة حلول : اثنين يهدفان إلى إنقاذ المقاولة، والثالث ذي طابع تصفوي، فالصلاحية تبقى لها في اختيار الحل المناسب حسب تقديرها وملاءمتها لوضعية المقاولة، بالرغم من المشاورات الواسعة التي تسبق تهيئ مشروع الحل، ولا شك أن كل حل من هذه الحلول الثلاثة له خصائص ومميزات وآثار متباينة على المقاولة[45]، لذا سنتطرق إلى كل واحد منها بشكل مستقل.
الفقرة الأولى : اعتماد المحكمة لمخطط الاستمرارية
إذا تأكد للمحكمة وجود إمكانيات جدية لتسوية وضعية المقاولة وسداد خصومها، فإنها تتبنى مخطط الاستمرارية Le plan de continuation، هذا الأخير يتضمن تدخلين مختلفين : أحدهما إيجابي في مواجهة المقاولة[46]، وذلك باستمرارها في أداء نشاطها مع إدخال التغييرات الضرورية واتخاذ التدابير اللازمة لذلك، وثانيهما سلبي يتمثل أساسا في تنفيذ المقاولة لالتزاماتها بخصوص أداء الديون المستحقة وتصفية خصومها.
- أولا: حصر مخطط استمرارية المقاولة:
تعد استمرارية المقاولة من أهم آليات التسوية أو التصحيح الذي تسعى إليه سائر الأطراف من رئيس المقاولة والدائنين والأجهزة القضائية. ولا يمكن للمحكمة أن تقرر استمرارية المقاولة، إلا إذا توفر الشرطان الوردان في الفقرة الأولى من المادة 592 من مدونة التجارة وهما :
1/- أن تتوفر إمكانات جدية لتسوية وضعية المقاولة : وهذا يتطلب من المحكمة القيام بتقويم دقيق للوضعية المالية والقانونية للمقاولة[47]، وتحليل عميق للموازنة ودراسة متأنية للتقرير المقدم من السنديك، دون إغفال الاستفادة من أقوال الأطراف المستمع إليهم.
2/- أن تكون هناك إمكانات جدية لسداد الخصوم : ولهذا الشرط أهمية بالغة في الحكم باستمرارية المقاولة، وذلك حتى لا تكون تسوية وضعية المقاولة على حساب مصلحة الدائنين.
وبمراعاة هذه المعايير، يصبح مخطط الاستمرارية متضمنا لآفاق التمويل الكفيلة بتصحيح وضعية المقاولة، ولطرق تسديد الخصوم، إلى جانب تحديد مناصب الشغل[48] التي سيتم الاحتفاظ بها أو الاستغناء عنها.
- ثانيا : سداد ديون المقاولة في إطار مخطط الاستمرارية:
من المعلوم أن تصفية الخصوم في إطار تنفيذ مخطط الاستمرارية، يختلف عن تصفيتها في الأحوال العادية، ذلك أن المخطط غالبا ما يفرض تضحيات من جانب الدائنين والمقاولة على حد سواء، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشكل أو بأخر على وضعية كل طرف على حدة، لهذا، سنتطرق أولا إلى وضعية الدائنين خلال تنفيذ مخطط الاستمرارية. وثانيا إلى وضعية المقاولة إبّان تنفيذ هذا المخطط.
- وضعية الدائنين خلال تنفيذ مخطط استمرارية المقاولة :
تواجه المقاولة في ظل حصر مخطط الاستمرارية ثلاثة أنواع من الدائنين :
1/- الدائنون الذين نشأت ديونهم قبل فتح مسطرة التسوية القضائية ؛
2/- الدائنون الذين نشأت ديونهم في المرحلة التي تقع بين الحكم الأول بفتح مسطرة التسوية القضائية، والحكم الثاني القاضي بحصر مخطط الاستمرارية ؛
3/- الدائنون الذين نشأت ديونهم بعد مخطط الاستمرارية.
بعد حصر أنواع الدائنين، نشير إلى أن تصفية الخصوم أو تسديد الديون تعتبر من أهم آليات مخطط الاستمرارية[49]. فتحث طائلة الفسخ والحكم بالتصفية القضائية، نجد أن الدائنين أدوا فعلا ثمن هذه الصرامة، بمنح رئيس المقاولة أو مسيري الشركة الآجال والتخفيضات الجديدة اللازمة لإنجاز التسوية، وهكذا فبعد حصول السنديك خلال مرحلة الاستشارة الفردية أو الجماعية على موافقة كل دائن صرح بدينه بشأن الآجال والتخفيضات التي يفترضها لضمان تنفيذ مخطط استمرارية المقاولة، وإبلاغ المراقبين بالمقترحات التي يتم التقدم بها من أجل تسديد الديون طبقا لإعدادها تحت مراقبة القاضي المنتدب، يتم عرض الأمر على المحكمة قصد الإشهاد على الآجال، والتخفيضات الممنوحة للدائنين خلال الاستشارة، ويمكن للمحكمة أن تخفض هذه الآجال إن اقتضى الحال ذلك.
- وضعية المقاولة خلال تنفيذ مخطط الاستمرارية:
تخضع المقاولة في إطار مخطط الاستمرارية إلى عدة إجراءات صارمة، مما يفرض عليها أن تنفذ التزاماتها وفق الكيفيات والشروط المحددة في هذا المخطط[50]، وإلا يكون مصير هذا المخطط الفسخ من طرف المحكمة التجارية المفتوحة أمامها المسطرة.
الفقرة الثانية: اعتماد المحكمة لمخطط التفويت
إذا تأكد للمحكمة التجارية، أن مسألة استمرارية المقاولة في نشاطها التجاري أصبحت مستحيلة لعدم توفر شروطها وظروفها، يمكن لها أن تختار التفويت لإنقاذ المقاولة من الصعوبات التي تعترضها.
ويعتبر مخطط التفويت الوجه الثاني لمخطط التسوية الذي تخضع له المقاولة في مسطرة المعالجة، وهو مناسبة أخرى لإبراز حجم الصلاحيات الاقتصادية التي تمارسها المحكمة في القانون الجديد لمعالجة صعوبات المقاولة[51].
ويختلف نظام تفويت المقاولة اختلافا جوهريا وجذريا عن نظام استمرار المقاولة، فالأول ينقل ملكية المقاولة من مالكها الأصلي إلى الغير الذي دخل السوق برأسمال جديد، وسيحصل بدون شك بأفكار جديدة وسيطبق خططا مغايرة بغية إنقاذ المقاولة. أما النظام الثاني فيبقي على ملكية المقاولة لصاحبها القديم ولكن في شكل جديد[52].
ولكن إذا كانت أهداف التفويت واضحة ولا تثير أي إشكال، فإن السؤال يبقى مطروحا بخصوص كيفية التفويت وأنواعه، والتزامات المفوت إليه والآثار المترتبة عن واقعة التفويت.
فاستناداً إلى المادة 603 من مدونة التجارة، فإن المشرع عمد إلى تعريف التفويت وبيان أغراضه وأهدافه، وهكذا يتعين على المحكمة عندما تقرر اعتماد مخطط تفويت المقاولة أو الشركة التجارية، أن تحدد في الحكم ذاته الذي يحصر هذا المخطط، أهداف ومضامين التفويت والإجراءات الكفيلة بانجاز عملياته، وما إذا كان التفويت كليا أو جزئيا مع نشر إعلان بهذا التفويت في صحيفة مخول لها بنشر الإعلانات القانونية أو في الجريدة الرسمية لمدة معينة. ويتعين على السنديك السهر على تعليق نسخة من هذا الإعلان على اللوحة المعدة لهذا الغرض بالمحكمة، وإعلام المراقبين ورئيس المقاولة بتاريخ تلقى العروض، وغير ذلك من الإجراءات القانونية الكفيلة بإنجاح عمليات التفويت.
كما أنه عند بتّ المحكمة في مسألة اختيار العرض المتعلق بالمجموعة المفوتة، والذي يضمن أطول مدة لاستقرار التشغيل وأداء مستحقات الدائنين، فإنه يتعين ابتداء إبلاغ السنديك بكل عرض داخل الأجل المحدد والذي أعلم به المراقبين.
كما يجب أن يفصل بين تاريخ توصل السنديك بالعرض[53]، وبين الجلسة التي تنظر خلالها المحكمة في مسألة اختيار العرض الأكثر ضمانا، مدة 15 يوما، إذا حصل اتفاق بشأن ذلك بين رئيس المقاولة والسنديك والمراقبين، عند ذلك يمكن تمديد الأجل.
وترفق بالعرض، الوثائق الخاصة بالسنوات المالية الثلاثة الأخيرة للمقاولة، حينما يكون صاحب العرض ملزما بإعدادها، كما يمكن للقاضي المنتدب أن يطلب من صاحب العرض شروحا تكميلية أو إضافية لتتضح الرؤية ويحسن الاختيار، كما يخبر السنديك المراقبين، وممثلي العمال، ورئيس المقاولة بمضمون العروض قصد إبداء ملاحظاتهم بهذا الخصوص.
ويقوم السنديك بعد ذلك بإخبار المراقبين وممثلي العمال بمضمون العروض المقدمة إليه، ثم يعرض على المحكمة جميع العناصر التي تسمح لها بالتأكد من جدية العروض لتتمكن من اختيار العرض الذي يخدم مصالح المقاولة بشكل كبير.
الفقرة الثالثة: اعتماد المحكمة لقرار التصفية القضائية
إذا استنفذت المقاولة جميع سبل المعالجة، بأن أصبحت وضعيتها المالية والاقتصادية مختلة بشكل لا يقبل التصحيح، فإن ذلك يقتضي حتماً إنهاء وجودها وإقبارها من الحياة الاقتصادية عبر نظام التصفية القضائية[54]، ويمكن أن تلجأ إليه المحكمة من تلقاء نفسها، بحيث يسوغ لها أن تقتضي بالتصفية القضائية دون المرور من نظام التصحيح القضائي، إذا كانت المقاولة في وضعية عجز بيّن[55]. وتختلف التصفية القضائية عن التسوية القضائية، في كون هذه الأخيرة لا تغل يد المدين عن إدارة أمواله، فتصرّفاته تكون نافذة في مواجهة الدائنين والأغيار على السواء[56].
أما التصفية القضائية فهي تغلّ يد المدين، ولا تعطي حق التسيير للمقاولة، ولكن السنديك هو الذي يباشر هذه التصرفات[57]، بحيث يتعين عليه بمجرد الشروع في مهمته – المتمثلة في محاولة بيع أصول الشركة لتصفية خصومها–، أن يطلب من رئيس المقاولة بالقيام بنفسه بجميع الأعمال الضرورية لحماية حقوق المقاولة ضد مدينيها، والحفاظ على قدراتها الإنتاجية[58].
أولا: افتتاح مسطرة التصفية القضائية.
تفتح مسطرة التصفية القضائية بصدور حكم قضائي يعتبر نقطة البداية في تنفيذ مخطط التصفية من طرف أجهزة خاصة.
ويصدر الحكم بناء على طلب أو تلقائيا من طرف المحكمة التجارية المختصة، ووفقا لما تنص عليه المادة 561 من مدونة التجارة، فإن إمكانية تقديم طلب فتح مسطرة التصفية القضائية متاحة لكل من رئيس المقاولة، شريطة أن يودع الطلب مرفقا بمجموعة من الوثائق المنصوص عليها في المادة 562 من مدونة التجارة، داخل أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما، تبتدئ من تاريخ التوقف عن الدفع.
كما خول القانون تقديم طلب للدائنين أو أحدهم والسنديك أو أحد المراقبين. غير أنه في هذه الحالة الأخيرة لا يقبل الطلب إلا بناء على تقرير القاضي المنتدب، علاوة على ذلك؛ فإنه إذا تبين للنيابة العامة أن النظام العام الاقتصادي يقتضي تصفية مقاولة معينة، جاز لها أن تطلب من المحكمة فتح مسطرة التصفية القضائية.
إذا كان هذا، كل ما يتعلق بمجموعة الأطراف التي يجوز لها تقديم طلب افتتاح مسطرة التصفية القضائية، فإن الأجهزة الموكول لها أمر تحريك المسطرة تنحصر في القاضي المنتدب، الذي تلقى على عاتقه مهمة السهر على تعجيل مسطرة التصفية القضائية، وعلى حماية المصالح المرتبطة بالمقاولة خاصة حقوق الدائنين، والسنديك الذي يختص بممارسة حقوق المدين طيلة فترة التصفية. كما له وحده حق التصرف باسم الدائنين، والسنديك الذي يختص بممارسة حقوق المدين طيلة فترة التصفية. كما له وحده حق التصرف باسم الدائنين ولفائدتهم[59]، ويتعين عليه أيضا إخبار القاضي المنتدب لسير المسطرة[60]، وإخبار الدائنين واستشارتهم[61]. وقد أوكل القانون للمراقبين دور مساعدة السنديك والقاضي المنتدب في مراقبة تسيير المقاولة، وهم ملزمون بإبلاغ الدائنين الآخرين بكل ما تحقق في كل مرحلة من مراحل المسطرة[62].
ثانيا: عمليات التصفية القضائية
إن صدور حكم بفتح مسطرة التصفية القضائية، هو بمثابة الضوء الأخضر بالنسبة لأجهزة المسطرة للقيام بعمليات التصفية القضائية، ويقصد بتلك العمليات بيع موجودات المقاولة وتوزيعها على أصحاب الحق فيها، وهذا ما يصطلح عليها بيع الأصول لتصفية خصوم المقاولة، و سنفصله فيما يلي:
1 : بيع الأصول لتصفية خصوم المقاولة
إن أولى خطوات التصفية القضائية، تبدأ من مرحلة بيع الأصول إما عن طريق المزايدة العلنية أو بالتراضي بناء على أمر صادر من القاضي المنتدب[63]. ويشمل بيع الأصول : الأموال والحقوق المملوكة للمقاولة، والموجودة وقت صدور حكم افتتاح مسطرة التصفية.
وتشكل الأموال التي تعود إلى ذمة المدين، الضمان المشترك لسائر الدائنين، كما أنه في حالة وجود شركة تضامن بين مجموعة من الشركاء، فإن فتح مسطرة التصفية القضائية قد يؤدي إلى تصفية أموال جميع الشركاء المتضامنين.
وقد منحت المادة 626 من مدونة التجارة للسنديك، وبعد إذن القاضي المنتدب، صلاحية فك الأموال المرهونة من طرف المدين، أو الأشياء المحبوسة وذلك عند أدائه للدين، كما يترتب عن الحكم القاضي بفتح مسطرة التصفية حلول آجال الديون المؤجلة تطبيقا للمادة 627 من مدونة التجارة، وذلك وفقا لمقتضيات المادة 628 من مدونة التجارة، التي تعطي للدائنين المتوفرين على امتياز خاص أو على رهن حيازي أو رسمي، وكذا للخزينة العامة بالنسبة لديونها الممتازة، ممارسة حق إجراء المتابعات الفردية إذا لم يقم السنديك بتصفية الأموال المثقلة داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التصفية القضائية، وذلك شريطة أن يكونوا قد صرحوا بديونهم، وإن لم تقبل بعد. أما ثاني خطوة في مجال التصفية القضائية، فهي تصفية خصوم المقاولة، أو توزيع الناتج من بيع الأصول على مختلف الدائنين.
وتنص المادة 634 من مدون التجارة على أنه :
« يوزع مبلغ الأصول بين جميع الدائنين بالمحاصة مع ديونهم المقبولة بعد خصم مصاريف ونفقات التصفية القضائية، والإعلانات المقدمة لرئيس المقاولة أو مسيريها أو إلى عائلاتهم والمأذون بها من طرف القاضي المنتدب وكذا المبالغ التي تقاضاها الدائنون أصحاب الامتياز».
2 : قفل عمليات التصفية
إن انتهاء عمليات التصفية القضائية تتمّ بحكم من المحكمة المختصة، التي تملك حق قفل مسطرة التصفية القضائية في أي وقت ولو تلقائيا، وبعد الاستماع إلى رئيس المقاولة؛ وبناء على تقرير القاضي المنتدب، وذلك في الأحوال الآتية:
- إذا لم يعد ثمة خصوم واجبة الأداء، أو توفر السنديك على المبالغ الكافية لتغطية ديون الدائنين.
- إذا استحال الاستمرار في القيام بعمليات التصفية القضائية لعدم كفاية الأصول[64].
وفي هذا الصدد، أصدرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء حكما قضى بقفل مسطرة التصفية القضائية، ومما جاء فيه :
« وحيث إنه طبقا للمادة 635 من مدونة التجارة؛ يمكن للمحكمة أن تقضى في أي وقت ولو تلقائيا بقفل التصفية القضائية إذا استحال الاستمرار فيها لعدم كفاية الأصول.
وحيث إن الثابت من وثائق الملف؛ أن الشركة المصفى لها لم تعد لها أية أصول، خاصة أن جميع عناصر الأصل التجاري للشركة، المادية منها والمعنوية، قد اندثرت بفعل تآكل البناية لوجودها على جانب البحر، بالإضافة إلى السرقة التي تعرضت لها أصول الشركة، ولا تتوفر على أصول أخرى تمكن السنديك من الاستمرار في القيام بعمليات التصفية.
وحيث إنه بذلك، يتعين القول بقفل التصفية القضائية أعلاه، عملا بمقتضيات المادة 635 من المدونة»[65].
خاتمـــة :
إن المتبصر في الإجراءات المسطرية التي أحدثها نظام صعوبات المقاولة، يستشفّ التغيير الحاصل في الوظيفة القضائية، فلم يعد دور القضاء يقتصر على فضّ المنازعات بين الأطراف من منظور الخصومة التقليدية، بل أصبح موكولا له اتخاذ قرارات تتعلّق بالتسيير وتدبير المقاولات، ومن ثمّ اختيار الحلول الاقتصادية الملائمة، ولا شك أنّ هذا الدور الجديد فرضته الحاجة الملحّة المتمثلة في ضرورة مساهمة القضاء في التنمية المستدامة، فالمؤسسة القضائية مدعوّة –أكثر من أيّ وقت مضى- إلى مواكبة العصر واستلهام أبعاد عولمة الاقتصاد والتخلّص من سلبيات الماضي، لذلك يمكن القول أن المشرع المغربي حاول جاهدا تجسيد هذه الهواجس في مسطرة صعوبات المقاولة، ويبقى عليه الاجتهاد أكثر في تحسين هذه الإجراءات خصوصا مع وجود مشروع قانون يخص ذلك مطروح للنقاش في هذه الآونة الأخيرة، فهل يمكن الحديث في قانون صعوبات المقاولة عن تأسيس قضاء اقتصادي؟
[1]– مقتطف من خطاب الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، لدى استقباله أعضاء المجلس الأعلى للقضاء يومه الإثنين 24 أبريل 1995
[2]– وإن كان المشرّع المغربي لم يبين بصورة واضحة الغاية من سنّ هذا النظام، على عكس المشرّع الفرنسي الّذي عبّر صراحة في إطار مقتضيات الفصل الأول من قانون 25/01/1985 المتعلّق بالتّصحيح والتصفية القضائية والذي جاء فيه :” تحدث مسطرة للتّصحيح القضائي تهدف إلى حماية المقاولة والمحافظة على النشاط الإقتصادي والشغل وتصفية الخصوم”، لكن وباستقرائنا لمقتضيات الفصلين 603 و605 من مدونة التجارة، نستشّف أن الإبقاء على المقاولة يشكّل أحد الأهداف الأساسية لسنّ نظام صعوبات المقاولة من خلال المحافظة على استمرار الشغل داخلها وإقرار السلم الاجتماعي.
[3]– خالد بنكيران : “التوقف عن الدفع وسلطة القضاء في الإستجابة لطلبات التسوية”، مداخلة قدّمت في الندوة الرابعة للعمل القضائي والبنكي التي احتضنتها الرباط، أيام 17 و 18 ماي 2002، منشورات المعهد الوطني للدراسات القضائية، ص: 26.
[4]– الإفلاس نظام يستمدّ أصوله من القانون الروماني، ذلك أن الرومان عرفوا نظاما لتصفية أموال المدين تصفية جماعية، إذا توقّف عن سداد ديونه، ولم يفرّق القانون الروماني بين التاجر وغير التاجر، فقواعده كانت واحدة تطبّق على المدين الذي لا يقوم بوفاء ديونه أيّا كان نشاطه.
عن التطور التاريخي لنظام الإفلاس، يراجع أحمد شكري السباعي :”الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها”، دار نشر المعرفة – الرباط، الطبعة الأولى 2000، ص: 19 ومابعدها.
[5]– في ظلّ تفشّي الأمراض الاقتصادية التي تخنقها من قبيل الديون المجحفة والمنافسة القاتلة وتقلّبات أوضاع الأسواق الداخلية والخارجية علاوة على المشاكل الجمّة التي يطرحها التسويق.
[6]– تطبيقا لمقتضيات الفصل 54 من القانون عدد 34 لسنة 1995 المتعلق بإنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية، والذي جاء فيه: “تسبق إجراءات التسوية القضائية بالنسبة للمؤسسات الخاضعة لهذا القانون وجوبا إجراءات التفليس، باستثناء الحالتين المنصوص عليهما في الفصل 449 وفي الفقرة الثانية من الفصل 593 من المجلة التجارية”
[7]– ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996) المتعلق بتنفيذ القانون رقم 15 لسنة 1995 المتعلق بمدونة التجارة و المنشور بالجريدة عدد 4418 بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 (3 أكتوبر 1996).
[8]– لم تذكر المادّة 566 (المحكمة التجارية)، وكان ذلك طبيعيا لأنّ مدوّنة التجارة رقم 15.95 صدرت عن مجلس النواب في 13 ماي 1996، أمّا القانون رقم 53.95 المحدث للمحاكم التجارية (ج.ر عدد 4532 الصادرة بتاريخ 6 نونبر 1997 )، فقد صدر عن ذات المجلس في 6 يناير 1997، أي أنّ المدونة سابقة عن قانون إحداث المحاكم التجارية، لذلك لم يكن في الإمكان الإشارة إلى شيء غير موجود. راجع في تبيان ذلك : أستاذنا الفاضل أحمد شكري السباعي :”الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها- الجزء الثاني”، دار نشر المعرفة – الرباط، الطبعة الأولى 2000، الهامش 4 من الصفحة 200.
[9]– عبد الواحد صفوري : “التوقف عن الدفع بين الفقه و القانون و القضاء”، مطبعة ابن سينا – الدار البيضاء – الطبعة الأولى 2008، ص: 102
[10]– قرار رقم 996-2000 صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء بتاريخ 9 مايو 2000 ملف رقم 964-00-4. غير منشور.
[11]– حكم عدد 1-2001 صادر عن المحكمة التجارية بوجدة بتاريخ 21 نونبر 2001 ملف رقم 1-2001-5. غير منشور.
[12]– باستقرائنا للمادّة الأولى من المرسوم رقم 2.97.771 الصادر في جمادى الآخرة 1418 الموافق ل 18 أكتوبر 1997، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4532 الصادرة بتاريخ 6 نونبر 1997، توجد بالمغرب حاليا ستّ محاكم تجارية وثلاث محاكم استئناف تجارية، حدّدت مقارّها ودوائر اختصاصها.
[13]– قد يحدث ألا يكون للتاجر موطن أو مركز رئيسي واحد، أو ليس له موطن أو مركز رئيسي قارّ بالمرّة، كما هو الحال لصاحب السيرك الذي يجول ويصول في بقاع العالم طيلة السنة، فالمستقرّ قضائيا وتشريعيا في بعض الدول، أن المسطرة تكون من اختصاص المحكمة التي حصل في دائرتها التوقّف عن الدفع (وقد أخد بهذا الحلّ القانون الكويتي في المادّة 563 من القانون التجاري التي جاء فيها : “إن لم يكن له موطن كانت المحكمة المختصّة هي التي وقف عن الدفع في دائرتها”). وذهب الاجتهاد القضائي الفرنسي إلى أن الدائن يكون حرّا في اختيار المحكمة التي يرفع إليها الدعوى.
ولم تتعرّض مدوّنة التجارة المغربية لمثل هذه الإشكالات الصّعبة، مكتفية بالفقرة الأولى من المادّة 560 التي تجعل الاختصاص المحلّي للمحكمة الموجودة في مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة، تاركة أمر البحث في إيجاد الحلول المرضية بيد القضاة، والحديث يجرّنا إلى دور القضاء في خلق القاعدة القانونية.
[14]– حكم عدد 4 صادر بتاريخ 31 أكتوبر 2001، ملف رقم 12-02-6. غير منشور.
[15]– حدّدت المادّتين 561 و 563 من مدونة التجارة الأطراف التي يجوز لها مبدئيا تحريك فتح مسطرة المعالجة، وهي أربعة أطراف : ثلاثة حافظوا على هذا الحقّ التقليدي الموروث عن نظام الإفلاس المنسوخ (وهم المدين أو رئيس المقاولة – المادة 561-، واحد أو أكثر من الدائنين -فق 1 من المادة 563-، والمحكمة التي تضع يدها على المسطرة تلقائيا –فق 2 من المادّة 563 -)، وطرف رابع توكل له هذه المهمّة لأوّل مرّة في تاريخ المغرب، وهو جهاز النيابة العامّة بمقتضى الفقرة 2 من المادّة 563 والمادّتان 2 و3 من القانون المحدث للمحاكم التجارية.
ويعدّ إقحام النيابة العامّة في مراقبة سير الحركة الاقتصادية والمالية خطوة تستحقّ التنويه، لما تملكه هذه الأخيرة من وسائل البحث والتقصّي سواء تعلّق الأمر بالمراقبة أو التسوية أو التصحيح.
وهكذا يمكن للنيابة العامّة أن تتقدّم بطلب فتح مسطرة المتابعة كيفما كانت طبيعة الدين، مدنيا كان أو تجاريا، على الرغم من أنّ طبيعة الدّين جاءت مقترنة بصفة الدائن فحسب لعيب في الصياغة (المادّة 563 من مدونة التجارة)، ولا يتقّيد هذا الحقّ أيضا بأيّ أجل، بمعنى أن حق النيابة العامة في طلب فتح مسطرة المعالجة يستمرّ باستمرار حالة التوقّف عن الدفع ما لم تتقادم الديون، إما بخمس سنوات إذا كان الدّين أو الالتزام تجاريا (المادّة 5 من مدونة التجارة)، أو خمس عشر سنة إذا كان الدّين أو الالتزام مدنيا ( الفصل 387 من ق ل ع) مع مراعاة الاستثناءات الواردة في المواد من 388 إلى 392 من ق.ل ع.
[16]– للمزيد من التفاصيل راجع أستاذنا أحمد شكري السباعي، المرجع السابق، الفصل الأول من الباب الثاني من القسم الثالث المتعلّق بمساطر معالجة الصعوبات التي تعترض المقاولة، ص 169 – 199، محمد لفروجي :”صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة لمعالجتها”، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000، ، ص 176 – 196.
[17]– أعطيت للنيابة العامة الحقّ في طلب فتح مسطرة المعالجة أسوة بتشريعات دول رائدة، منها القانون الفرنسي (المادة الرابعة من قانون 25 يناير 1985)، والقانون المصري (المادة 196 من القانون التجاري).
[18]– عبد الواحد صفوري، المرجع السابق، ص 106.
[19]– منح المشرع المغربي في مادة وقاية المقاولة من الصعوبات رئيس المحكمة التجارية صلاحية كبيرة في ما يتعلق بالاستجابة للطلب الذي يتقدم به رئيس المقاولة بشأن فتح مسطرة التسوية القضائية Règlement amiable ، إذ يبقى رئيس المحكمة وحده مختصّا للنظر في هذا الطلب والتقرير بشأنه استجابة أو رفضا بناء على معرفته بحال المقاولة المعنية بهذا الإجراء مع مراعاة الشروط المنصوص عليها في المادة 50 من مدونة التجارة، وفي حال قبول رئيس المحكمة فتح مسطرة التسوية الودية، فإنّه يبقى هو المشرف عليه أثناء جريانه وذلك من خلال تعيينه للمصالح وتحديد مهمته ومساعدته على القيام بها. للتوسّع في هذا الأمر، يراجع :
عبد اللطيف الشنتوف :”دور رئيس المحكمة التجارية في وقاية المقاولة من الصعوبات”، مطبعة دار السلام – الرباط، الطبعة الأولى 2012، ، ص 39 وما بعدها.
[20]– لكي تستجيب المحكمة لطلب فتح مسطرة التسوية القضائية، يجب عليها أن تتأكد من توفر ثلاثة شروط وهي :
* الشرط الأول : الصفة التجارية للشخص الطبيعي أو المعنوي.
* الشرط الثاني: توقف المقاولة عن دفع ديونها المستحقة.
* الشرط الثالث: ألا تكون وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه.
[21]– وتفتح مسطرة التسوية القضائية في مواجهة الشخص المكتسب للصفة التجارية في حالتين:
الحالة الأولى: تتعلق بالتاجر الذي توقف عن دفع ديونه المستحقة أثناء ممارسته لعمله، وفتحت في حقه مسطرة التسوية القضائية، بطلب من أحد الأشخاص المعترف لهم قانونا بهذا الحق، وهي الحالة الأكثر شيوعا أمام المحاكم التجارية. الحالة الثانية: تتعلق بالتاجر الذي توقف عن ممارسة نشاطه التجاري نتيجة اعتزاله أو وفاته، والذي يمكن فتح المسطرة في مواجهته بعد التحقق من توفر شرطين:
1/- أن يتم تقديم طلب فتح المسطرة داخل أجل السنة الموالية لواقعة الاعتزال أو الوفاة ؛
2/- إثبات الدائن أن واقعة التوقف عن الدفع كانت سابقة لتاريخ اعتزال التاجر المدين أو وفاته.
وهناك حالة ثالثة ذات طابع استثنائي؛ وتتعلق بالشخص الذي اعتاد ممارسة نشاط تجاري رغم وقوعه في حالة الحظر أو السقوط أو التنافي، والذي يعتبر تاجرا طبقا لمقتضيات المادة 11 من مدونة التجارة.
[22]– ملف عدد 2573-98 بتاريخ 08-02-99. غير منشور.
[23]– تنقسم الشركات المنظمة في التشريع المغربي من زاوية أولى إلى فئتين، الفئة الأولى من هذه الشركات يطغى عليها الاعتبار الشخصي بحيث تسمى شركات الأشخاص Sociétés de personnes، كما هو الشأن بالنسبة لشركة التضامن Société en nom collectif وشركة التوصية البسيطة Société en commandité simple وشركة المحاصة Société en participation، والفئة الثانية يطغى عليها الاعتبار المالي وتسمى شركات الأموال Sociétés de capitaux ، كما هو الشأن بالنسبة لشركة المساهمة Société anonyme وشركة التوصية بالأسهم Société en commandité par actions والشركة ذات المسؤولية المحدودة Société à responsabilité limitée. ومن زاوية ثانية، تنقسم الشركات في المغرب إلى نوعين؛ النوع الأول يهمّ الشركات التي لا تكون تجاربة إلاّ إذا كان الغرض منها تجاريا ويتعلّق الأمر هنا بشركة المحاصة فقط، أما النوع الثاني فيتعلّق بالشركات التي تكون تجارية بحسب الشكل مهما كان غرضها، ويشمل هذا النوع سائر الشركات المذكورة فيما تقدّم ماعدا شركة المحاصة بطبيعة الحال. للمزيد من الإيضاح حول هذا الموضوع راجع :
محمد لفروجي :”التاجر وقانون التجارة بالمغرب”، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1999، ص 252 وما يليها.
وللإطلاع على القواعد الخاصّة بكل شركة تجارية على حدة وعلى القواعد العامّة التي تطبّق على كافّة الشركات التجارية في التشريع المغربي، أنظر :
عزّ الدين بنستي :”الشركات في التشريع المغربي والمقارن دراسة مقارنة”، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000.
[24]– حكم رقم 197/2005 تاريخ 13 يونيو 2005، ملف رقم 372/10/2004، غير منشور.
[25]– حكم رقم 260 تاريخ 30 أكتوبر 2006، ملف رقم 84/21/2006، غير منشور.
[26]– حكم رقم 11 الصادر بتاريخ 10 يناير 2005، ملف رقم 346/10/2004 غير منشور.
[27]– وبالإضافة إلى هذين العنصرين، يجوز للمحكمة الاستعانة بعناصر أخرى، للتأكد من وضعية المقاولة وما كانت غير مختلة بشكل لا رجعة فيه، كالبحث عن مدى توفر المقاولة على الإمكانيات المادية لسداد ديونها المستحقة الأداء، من خلال الاطلاع ودراسة الوثائق المحددة في المادة 562 من مدونة التجارة. كما أنه ليس هناك ما يمنع المحكمة من إجراء خبرة للوقوف على الوضعية المادية للمقاولة.
[28]– عبد الواحد صفوري، المرجع السابق، ص 119.
[29]– ينصبّ التقرير الذي يعده السنديك في هذا الصدد على أربعة محاور أساسية وهي المحور المالي، المحور الإقتصادي، المحور الإجتماعي ومحور تصفية الخصوم والضمانات المحتملة للتنفيذ.
- المحور المالي : يجب أن يتضمن المحور المالي تحليلا حسابيا وماليا لوضعية المقاولة يتمثل في رأس المال والسيولة النقدية المتوفرة والمصاريف والإستهلاك والمداخيل المحتملة وإمكانات التمويل المتاحة وتقييم أدوات الإنتاج والخدمات والمنتوجات التي يمكن تطوريها والتي يمكن التخلي عنها، وبيان قدر المبالغ التي يمكن الحصول عليها سواء من أنشطة المقاولة أو من التفويت الجزئي لأصولها، وغيرها من العناصر المؤثرة في الخصوم والأصول.
- المحور الاقتصادي : بالنسبة للمحور الاقتصادي والتجاري يجب أن يتضمن جردا شاملا للمعطيات المتعلقة بتقنيات التسويق والسوق والمنافسة و وضعية الخدمات والإنتاج وجودتهما وآفاقهما المستقبلية وحالة العقود والتوزيع والمردودية المتوقعة وطرق التسيير والهيكلة ومختلف أنواع النشاط والفروع التي يلزم تفويتها والتي ينبغي توقيفها مؤقتا أو نهائيا، وغيرها من عناصر الإنتاج والتسويق والخصوم والأصول اللازم تقديرها تقديرا صحيحا وشاملا لإجراء عملية التسوية أو التصحيح.
- المحور الاجتماعي : ينبغي للسنديك أن يقوم بتحليل شامل للعنصر البشري للمقاولة، وبيان كيفية توظيف العمال والمستخدمين، وما إذا كان هذا التوظيف يستجيب أولا لحاجات المقاولة وإمكانياتها ومناصب الشغل والآفاق المستقبلية والطرق الجديدة التي يقترحها لاستخدام العنصر البشري استخداما عقلانيا، وبيان ما إذا كانت هناك رغبة في تسريح العمال والمستخدمين لأسباب اقتصادية، ومقدار التعويضات وكذا الإجراءات القانونية التي ينبغي اتخاذها طبقا لما تقرّره مدونة الشغل وغيرها من الإشكالات المرتبطة بالعنصر البشري والوضعية الإجتماعية للمقاولة.
- محور التصفية أو تسديد الخصوم وضمانات التنفيذ : يجب أن يحدد مشروع مخطط التسوية، إن تعلق الأمر باستمرارية المقاولة (المادة 592 و 585 من مدونة التجارة) طرق تسديد الخصوم أو الديون، والضمانات المحتملة التي يشترطها كل شخص لضمان تنفيذ هذا المخطط (المادة 580 من مدونة التجارة)، وتقدم هذه الضمانات من قبل رئيس المقاولة لتأمين حقوق الدائنين الذين ارتضوا الآجال الجديدة أو التخفيضات أو الاثنين معا (المادتان 585 و 586 من مدونة التجارة).
ويجب في كل الأحوال أن تؤدي الموازنة المالية والإقتصادية والإجتماعية بمختلف محاورها المبيّنة أعلاه إلى تقديم اقتراح مخطط للتسوية جدي ومعقول وقابل للتطبيق، وأن يكون مبررا أو مرفقا بالمعلومات والوثائق والخبرات المثبتة، حتى يتسنى للمحكمة أن تكون قناعتها، وتقرر عن بيّنة واقتناع استمرارية المقاولة أو تفويتها إلى أحد الأغيار أو التصفية القضائية.
[30]– المادة 584 من م. ت.
[31]– عبد الرحيم السلماني: ” حصر المحكمة لمخطط الاستمرارية في إطار مسطرة التسوية القضائية “، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، ع : 7 يناير 2005 ص : 31.
[32]– إحسان الجيدي، ” صلاحيات القضاء التجاري في معالجة صعوبات المقاولة – مرحلة التسوية – ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس – الرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال- الرباط، السنة الجامعية 2005 – 2004، ص : 164.
[33]– الحديث عن فترة إعداد الحلّ يقودنا حتما إلى التساؤل حول المدّة الدنيا والمدّة القصوى لهذه الفترة، وهكذا فإن المشرع المغربي أسوة بنظيره الفرنسي، لم يقم بتحديد المدّة الدنيا واكتفى بتعيين المدّة القصوى في أربعة أشهر طبقا لمقتضيات المادّة 575 من مدونة التجارة، ويمكن أن تجدّد مرّة واحدة عند طلب السنديك وذلك استنادا للمادّة 579 من مدونة التجارة، بمعنى أن المدّة التي تستغرقها فترة إعداد الحلّ لا يمكن أن تتجاوز ثمانية أشهر، وهنا نلاحظ أن تحديد المدّة مسألة في غاية التعقيد والبساطة معا، إذ أنّه كلّما كبر حجم المقاولة، كلّما تطلّب الأمر مدّة أطول لإعداد الحلّ المناسب لها وهذا ما ذهب إليه الفقيه Yves GUYON
Voir à ce propos, son ouvrage : « Droit des affaires, entreprises en difficulté, redressement judiciaire, faillite », Tome II, 6ème édition 1996, P : 206.
إلا أن العبرة ليست بحجم المقاولة وإنما بحجم المشاكل التي تواجهها، فقد تكون المقاولة ضخمة لكن الصعوبات بسيطة والحلول ممكنة والعكس صحيح.
للإطلاع على كيفية تعامل المشرّع الفرنسي مع فترة إعداد الحلّ بين التحديد القانوني والعمل القضائي، أنظر :
كريم ايت بلا : ” استمرارية المقاولة في إطار التسوية القضائية على ضوء العمل القضائي”، مكتبة دار السلام – الرباط، الطبعة الأولى 2008. ص: 48 وبعدها.
[34]– لم يعد القاضي بهذه المهام الجديدة يحكم بالقانون فقط، وإنّما أصبح يبثّ في النازلة بمقتضى سلطة الملاءمة والتقدير في تبنّي الإختيار الأنسب لوضعية المقاولة التي تعاني من صعوبات. أنظر عبد الحميد أخريف : “الدور القضائي الجديد في القانون المغربي لمعالجة صعوبات المقاولة”، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2001- 2000، ص: 2
[35]– يتولى القاضي المنتدب بموازاة مع هذا تحديد الأجور المتعلقة بالأعمال التي يمارسها رئيس المقاولة أو مسيرو الشخص المعنوي، وعند انعدام الأجر يمكن للأشخاص المذكورين سلفا الحصول بالاقتطاع من أصول الشركة، لهم ولعائلتهم، على إعانات يحددها القاضي المنتدب (الفقرة الثانية من المادة 652 من مدونة التجارة).
-[36] اعتمد المغرب مؤسسة “القاضي المنتدب” لأول مرة بموجب ظهير 12 غشت 1913 المكون للقانون التجاري، واستمد المشرع معالمها من القانون الفرنسي النافذ آنذاك (قانون 4 مارس 1889)، ثمّ طوّرها مع مدوّنة التجارة متأثرا بتنظيمها الجديد في القانون الفرنسي. للتوسّع في تفاصيل هذه المؤسسة، يراجع المهدي شبّو: “مؤسسة القاضي المنتدب في مساطر معالجة صعوبات المقاولة –دراسة مقارنة-“، المطبعة الوطنية – مراكش، الطبعة الأولى 2006، (أصل هذا الكتاب أطروحة دكتوراه نوقشت بكلّية الحقوق بالدار البيضاء يوم السبت 17 يوليوز 2004).
[37]– حكم رقم 65/2005 الصادر بتاريخ 7 مارس 2005 ملف رقم 17/25/2005 غير منشور.
[38]– يعتبر السنديك المحرك الأساسي لمختلف الإجراءات التي تقتضيها مسطرة المعالجة، الأمر الذي يفرض أن يكون مزودا بخبرة وكفاءة عالية في الميادين الإقتصادية والمالية والقانونية على اعتبار أن قانون صعوبات المقاولة منح لهذا الأخير إختصاصات هامة ومعقدة، أما على مستوى القانون الفرنسي، فإنه عمد إلى إلغاء وظيفة السنديك، وبالمقابل خلق منصبين مستقلين يتعلق الأمر بالمسير القضائي judiciaire Administrateur ووكيل الدولة Mandataire liquidateur وذلك بمقتضى قانون رقم 99.85 بتاريخ 25 يناير 1985 كما تم تعديله بقانون 10 يونيو 1994. للتوسع في هذا المضمار يراجع، عبد الرحيم السلماني :” القضاء التجاري بالمغرب ومساطر معالجة صعوبات المقاولة – دراسة نقدية ومقارنة-“، طوب بريس – الرباط، الطبعة الأولى 2008، ص : 164 وما بعدها.
[39]– المادة 638 من مدونة التجارة: «يسهر القاضي المنتدب على السير السريع للمسطرة وعلى حماية المصالح المتواجدة» و المادة 639 من نفس المدونة : «يبت القاضي المنتدب بمقتضى أوامر في الطلبات والمنازعات والمطالب الداخلة في اختصاصه وكذا الشكاوى المقدمة ضد أعمال السنديك. تودع أوامر القاضي المنتدب بكتابة الضبط فورا».
[40]– عبد الواحد صفوري، المرجع السابق، ص 129.
[41]– المادة 573 من مدونة التجارة وتعتبر مقتضيات هذه المادة من النظام العام، وهي مقتضيات مطلقة تشمل كل العقود الجارية دون استثناء.
[42]– يجب التمييز في هذا الصدد بين حالتين :
الحالة الأولى : الإلتزامات الناشئة قبل حكم فتح المسطرة
يجب على المتعاقد في هذه الحالة، الوفاء بالتزاماته السابقة عن حكم فتح المسطرة رغم عدم وفاء المقاولة بتلك الإلتزامات (إلا أن الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية سواء تعلقت بالعقود الجارية أو بعقود أخرى جديدة، يتم سدادها بالأسبقية على كل الديون الأخرى (أي الديون الناشئة قبل الحكم) سواء كانت مقرونة بامتيازات أو بضمانات أم لا (المادة 575 من مدونة التجارة)، وذلك لاعتبارات التسوية وإنقاذ المقاولة. ولا يجوز للمتعاقد – خلافا للقواعد العامة ولأي شرط تعاقدي – الدفع بعدم التنفيذ أو التمسك بعدم قابلية الالتزام للتجزئة (الفقرة الأخيرة من المادة 573 مدونة التجارة).
ولا يملك الدائن في هذه الحالة، إلا الحق بالتصريح بدينه في قائمة الخصوم، شأنه في ذلك شأن باقي الدائنين (قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 22 يناير 1974، وقرار أخر لنفس المحكمة بتاريخ 20 يونيو 1977). ويتجلى دور المحكمة هنا في إجبار المتعاقد على مواصلة تنفيذ العقد، لما في ذلك من فائدة لمتابعة نشاط المقاولة، وهو ما يعكس بجلاء الدور الإقتصادي الخلاق الذي يلعبه القضاء التجاري من أجل مقاولة حية ومنتجة.
الحالة الثانية : الالتزامات الناشئة بعد الحكم بفتح المسطرة
وهي الالتزامات الناشئة نتيجة تنفيذ العقود الجارية، ذلك أنه من حق المتعاقد مع المقاولة المطالبة بتنفيذها في تاريخ استحقاقها، إذا ما اختار السنديك متابعة التنفيذ.
ومن حق المتعاقد أيضا، الدفع بعدم التنفيذ أو المطالبة بالفسخ مع التعويض، وهنا تتدخل المحكمة للبت في هذه المطالبة والتصريح بالفسخ مع التعويض، غير أن المبلغ المحكوم به كتعويض لا يدفع إلى المتعاقد و إنما يدرج في قائمة الخصوم (يرى أستاذنا أحمد شكري السباعي أن هناك تفرقة تحكمية بين الديون الناشئة عن تنفيد العقود الجارية التي تحظى بالأولوية، وبين التعويض عن الأضرار لعدم متابعة تنفيذ هذه العقود الذي يتوجب أن يدرج في قائمة الخصوم ضمانا للمساواة بين الدائنين. يراجع في ذلك : ‘الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها – الجزء الثاني” دار نشر المعرفة – الرباط – الطبعة الأولى 2000. ص: 333).
[43]– أحمد شكري السباعي، المرجع السابق، ص 303 وما بعدها.
[44]– تقرير الموازنة يتخذ طابعا شموليا، بحيث يتناول الأبعاد المالية والاقتصادية والاجتماعية، فبالنسبة للجانب المالي-المحاسبي، فهو يتضمن جملة من المعطيات من ضمنها الإشارة إلى الحسابات السنوية للثلاث أعوام السابقة، الحالة الحقيقية للديون، الأموال التي تتوفر عليها المقاولة، ويكون الجانب المحاسبي سهلا إذا كانت هناك محاسبة ممسوكة بنظام وانتظام وتراقب باستمرار من طرف مراقب الحسابات، أما الجانب الاقتصادي، فيشمل نوع النشاط الذي تمارسه المقاولة، حجم المبيعات، دراسة وضعية السوق، القدرة التنافسية للمقاولة وغيرها من المعطيات، ويحتل الجانب الاجتماعي حيزا هاما في تقرير الموازنة الذي يتعين أن يتضمن إشارة إلى عدد العمال الذين تشغلهم المقاولة ووضعياتهم القانونية وكذا مستوى الأجور إضافة إلى ديون العمال. للمزيد من التفاصيل أنظر عبد الرحيم السلماني، مرجع سابق، ص : 183 وما بعدها.
[45]– تجدر الإشارة إلى أن الآثار المترتبة على الحكم بفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة نوعان :
* الآثار الداخلية المتمثلة في آثار مسطرة التسوية القضائية على وضعية الاجراء وعلى عقود العمل،
* الآثار الخارجية المتمثلة في آثار مسطرة المعالجة على العقود الجارية و على الدائنين. للتوسع في هذا الصدد، راجع : إشراق الإدريسي :” الآثار المترتبة على الحكم بفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة”، مجلة القانون المغربي، مطبعة دار السلام-الرباط، العدد 24 شتنبر 2014، ص 133 وما يليها.
[46]– وهنا يبرز دور القضاء التجاري في الحفاظ على التوازن الاجتماعي عند استمرار النشاط الاقتصادي سواء كان ذلك خلال تبني مخطط الاستمرارية أو أثناء اختيار التفويت كحلّ، للتوسع في الموضوع، يراجع :
حياة متوكل :” دور القضاء التجاري في الحماية الاجتماعية عند حصر مخطط الاستمرارية”، مجلة الحقوق مطبعة المعارف الجديدة-الرباط، العدد 15 (يونيو 2013 يناير 2014)، ص 39-55.
[47]– والحديث هنا يجرنا إلى إبراز الدور المحوري للمراقب أو مراقبو الحسابات عند تعرض المقاولة لبعض الاختلالات التي يمكن أن تحول دون استمرار هده الأخيرة في استغلال نشاطها التجاري (م 546 من مدونة التجارة)، ويتمثل هذا الدور في الذي يكتسيه أهمية بالغة بالمقارنة مع باقي المهام الموكولة إليه قانونا، في تحريكه لمسطرة الوقاية الداخلية انطلاقا من إخبار رئيس المقاولة الذي يكون ملزما بالبحث عن حلول للأزمة، ثمّ إذا لم يستطيع هذا الأخير من إيجاد حلول ناجعة بمفرده أو بمساعدة مجلس الإدارة ومجلس المراقبة، يكون مراقب الحسابات ملزما بإبلاغ رئيس المحكمة للتدخّل كجهاز قضائي خارج عن المقاولة لإيجاد حلول وقائية لفائدة هذه الأخيرة. أنظر في هذا الصدد :
ذة. بنخير :”مراقب الحسابات ودوره في تفعيل مساطر الوقاية من الصعوبات” ورقة عمل قدمت ضمن فعاليات الندوة الجهوية الثامنة المنظمة احتفاء بالذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) خلال الفترة الممتدّة من 21 إلى 22 يونيو 2007 بطنجة، ص 53-72.
[48].- للتوسّع في موضوع مظاهر حماية الأجير خلال سير مساطر المعالجة، يراجع :
خالد لعوان :”وضعية الأجراء ضمن مساطر معالجة صعوبات المقاولة –دراسة قانونية على ضوء مقتضيات مدوّنة النجارة ومدوّنة الشغل”، نشرة قرارات محكمة النقض، السلسلة 4، العدد 17 (الغرفة التجارية)، ص 199-201.
[49]– بتعبير مغاير، فإنه من أقوى التعهدات الناشئة عن حكم حصر مخطط استمرارية المقاولة، الوفاء بالالتزامات المالية التي تقع على عاتق رئيس المقاولة أو المسير، سواء كانت هذه الالتزامات تعاقدية (لكون السنديك يحصل من خلال الاستشارة الفردية أو الجماعية على موافقة كل دائن صرح بدينه بشأن الآجال والتخفيضات التي يطلبها منهم لضمان تنفيذ مخطط استمرارية المقاولة في أحسن الأحوال –المادة 585 من مدونة التجارة-)، أو قضائية (لأن المحكمة تشهد على هذه الآجال والتخفيضات الممنوحة من الدائنين خلال هذه الاستشارة في حكم حصر مخطط الاستمرارية –المادة 598 من مدونة التجارة-).
[50]– من أهم هذه الكيفيات والشروط، نذكر :
1/- يمكن للمحكمة التجارية التي فتحت مسطرة التسوية القضائية، أن تقرر في الحكم الذي يقضي إما بحصر مخطط استمرارية المقاولة الخاضعة لمسطرة المعالجة، وإما بتغيير أهداف ووسائل هذا المخطط، عدم إمكانية تفويت الأموال التي تعتبرها ضرورية في استمرارية هذه المقاولة دون ترخيص منها، وذلك لمدة تحددها هذه المحكمة (المادة 597 من مدونة التجارة).
2/- استنادا إلى المادة 595 من مدونة التجارة، يمكن لمخطط استمرارية المقاولة الخاضعة لمسطرة المعالجة، أن يتضمن التغييرات التي يتعين إدخالها على النظام الأساسي للشركة أو للمجموعة ذات النفع الاقتصادي التي يكون لها غرض تجاري، وذلك كلما كانت هذه التغييرات ضرورية لاستمرارية المقاولة المعنية بالأمر، ويقوم السنديك في هذه الحالة باستدعاء الجمعية المختصة وفق الشكليات المنصوص عليها في النظام الأساسي لأجل إجراء التغييرات التي تضمنها مخطط الاستمرارية.
3/- إذا لم تنفذ المقاولة التزاماتها المحددة في مخطط الاستمرارية، يمكن للمحكمة التجارية المفتوحة أمامها المسطرة أن تقضي تلقائيا أو بطلب من أحد الدائنين، وبعد الاستماع إلى أقوال السنديك، بفسخ هذا المخطط، ووضع المقاولة في حالة التصفية القضائية (الفقرة الأولى من المادة 602 من مدونة التجارة). وتقضى المحكمة بفسخ مخطط الاستمرارية إذا لم تحترم المقاولة جدول الأداءات المنصوص عليها في مخطط الاستمرارية.
[51]– يعتبر مخطط التفويت نوع من النقل القضائي الجبري لملكية المقاولة من مالكها الأصلي إلى مالك جديد، بهدف الحفاظ على النشاط ومناصب الشغل الخاصة به أكثر من الإبقاء على المقاولة بالشكل الذي كانت عليه عند الحكم بفتح المسطرة. أما الدائنون فمصلحتهم في المرتبة الأخيرة، لأن حقوقهم تسدد من ثمن التفويت الذي قد يكون كاف لتغطيتها. مما جعل بعض الفقه الفرنسي يشبه نقل الملكية عن طريق التفويت إذا كان الثمن بخسا بنزع الملكية في القانون الخاص على حساب رئيس المقاولة القديم والدائنين.
[52]– ونظرا لأهمية هذا الحل القانوني والاقتصادي والاجتماعي، فقد حدد المشرع الأهداف التي يرغب في تحقيقها من التفويت طبقا للمادتين 603 و 615 من مدونة التجارة :
– الإبقاء على النشاط الذي من شأنه أن يتخذ شكلا مستقلا ؛
– المحافظة على كل أو بعض مناصب الشغل الخاصة بذلك النشاط ؛
– إبراء ذمة المقاولة من الخصوم ؛
– توزيع ثمن التفويت بين الدائنين حسب مرتبتهم.
[53]– ويجب أن تتضمن العروض البيانات التي نصت عليها المادة 604 من مدونة التجارة وهي :
1/- التوقعات الخاصة بالنشاط والتمويل ؛ | 2/- ثمن التفويت وكيفية سداده ؛ |
3/- تاريخ إنجاز التفويت ؛ | 4/- مستوى التشغيل وآفاقه حسب النشاط المعني ؛ |
5/- الضمانات المقدمة لأجل تنفيذ العرض المقدم؛ | 6/- توقعات ببيع الأصول خلال السنتين التاليتين للتفويت. |
[54]– وهو يشبه إلى حدّ كبير نظام الطلاق في الإسلام، وقد أكّد المشرع المغربي عدم الترابط أو التلازم بين مسطرة التسوية القضائية ومسطرة التصفية القضائية بصورة مباشرة (الفقرة الأولى من المادة 619 من مدونة التجارة)، وبصورة غير مباشرة (الفقرة الأولى من المادة 568 من نفس المدونة).
[55]– ويعبر عنه بوضعية المقاولة مختلّة بشكل لا رجعة فيه compromise Irrémédiablement، ويقصد بهذا المعيار المادي والإقتصادي، حالة المقاولة العاجزة أو غير القادرة بالمرّة عن الوفاء بالتزاماتها والميؤوس من تصحيحها أو تسويتها.
-[56] للمزيد من الإيضاح حول مسطرة التصفية القضائية في مدونة التجارة الجديدة ومقارنتها بالتصفية القضائية في نظام الإفلاس القديم، يراجع :
أستاذنا الفاضل احمد شكري السباعي : ‘الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها – الجزء الثالث” دار نشر المعرفة الرباط – الطبعة الأولى 2000. ص: 7 وما بعدها.
[57]– الفقرة الثالثة من المادة 619 من مدونة التجارة.
[58]– الفقرة الأولى من المادة 646 من مدونة التجارة.
[59]– المادة 642 من مدونة التجارة.
[60]– المادة 641 من مدونة التجارة.
[61]– المادة 643 من مدونة التجارة.
[62]– المادة 645 من مدونة التجارة.
[63]– المادة 624 من مدونة التجارة.
[64]– المادة 635 من مدونة التجارة.
حكم رقم 15 الصادر بتاريخ 17يناير 2005 ملف رقم 316-10-2004 غير منشور. -[65]