حقوق المكلف بالضريبة بين إجرائي التعسف
في استعمال الحق والمحرر الجبائي في القانون الجزائري
حايد فاطمة
أستاذة مساعدة “أ” في قسم الحقوق ،
جامعة جيجل ، الجزائر.
مقدّمة :
ترتكز مختلف الأنظمة الضريبية على الطابع التصريحي ، لذا يتوجب على المكلفين بالضريبة أن يكتتبوا ويوجهوا إلى مفتش الضرائب المعني تلك التصريحات ؛ وإعمالا لمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة ، يمكن للإدارة الجبائية أن تقوم بإتباع عمليات الرقابة للتأكد من صحة تلك التصريحات ومدى مطابقتها للواقع ، وما ينجر عنها من تغيير للأسس الضريبية المصرّح بها من طرف المكلف بالضريبة.
لكن، متى تبيّن للإدارة الضريبية وجود مستندات تكتسي طابعا وهميا يخفي مضمونها الحقيقي، أو تهدف إلى إقامة وضعية قانونية مصطنعة بحتة غايتها الأولى هي الاستفادة من الامتيازات الجبائية أو التملص أو تخفيض الضريبة المستحقة على المعني بالأمر التي كان من المفروض أن يدفعها بالنظر إلى وضعيته أو أنشطته الحقيقية ، يحق لها استبعادها وأن تعيد لها طابعها الحقيقي [1].
وفي مقابل ذلك، لا تسري الأحكام المذكورة أعلاه قبل الخضوع لمراقبة جبائية وقبل تصنيف المستندات على أنّها تعسف في استعمال الحق شريطة لجوء المكلف للإدارة الضريبية للحصول على محرر جبائي، الذي يعتبر قرارا قطعيا تتخذه الإدارة الجبائية ويشكل ردا واضحا ونهائيا على طلب المكلف بالضريبة الذي يريد معرفة الأحكام الجبائية المطبّقة في وضعية ما[2].
هذا ما يدفعنا إلى طرح الإشكالية الآتية: ما مدى فعالية ضمانات المكلف بالضريبة بين إجرائي التعسف في استعمال الحق والمحرر الجبائي؟.
للإجابة عن الإشكالية المطروحة قمنا بتقسيم الدراسة إلى جزئين معتمدين في ذلك على المنهج التحليلي والوصفي كما يلي:
المبحث الأول: محدودية ضمانات المكلف بالضريبة أثناء إجراء التعسف في استعمال القانون.
يقوم النظام الجبائي الجزائري على الطابع التصريحي، لذا يتوجب على المكلفين اكتتاب وإرسال التصريحات للإدارة الضريبية.
وفي مقابل الصفة التلقائية في تقديم الإقرارات، وإعمالا لمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة يمكن للإدارة الضريبية ممارسة سُلُطاتها الرقابية للتأكد من حقيقة المعلومات والبيانات الواردة في الإقرارات، لذايمكن للمفتش طلب تبريرات وتوضيحات بشكل كتابي من المكلف بالضريبة بشأن التصريحات المقدّمة ،كما يمكن أن يطلب دراسة الوثائق المحاسبية المتعلقة بالبيانات والعمليات والمعطيات موضوع الرقابة ، كما يستمع للمعنيين إذا تبيّن أنّ استدعاءهم ضروري أو لمّا يطلب هؤلاء تقديم توضيحات شفوية [3]. وفي حالة رفض المكلف بالضريبة الإجابة على الطلب الشفوي أو يكون جوابه عن هذا الطلب بالرفض الجزئي أو الكلي من النقاط المطلوب توضيحها يتعيّن على المفتش أن يعيد طلبه كتابيا، ويجب أن تبيّن الطلبات الكتابية بشكل صريح النقاط التي يراها المفتش ضرورية للحصول على التوضيحات والتبريرات وتوجيهها للمكلف بالضريبة لتقديم إجابته في مدّة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقل عن ثلاثين(30) يوما[4].
وأثناء مراقبة هذه التصريحات المتعلقة بكل ضريبة أو حق أو رسم أو إتاوة ، لا يجوز التحجج بالمستندات المشكّلة لتعسف في استعمال القانون لدى الإدارة الضريبية التي يحق لها استبعادها وأن تعيد لها طابعها الحقيقي[5].
وباستقرائنا لأحكام المواد المنظّمة لحالة التعسف في استعمال القانون نجد بأنّ المشرّع لم يحصر الحالات التي يمكن أن تشكل تعسفا ، ما يجعل حماية حقوق المكلف بالضريبة في أدنى مستوياتها، ما ينجرعنها من استمرارية في الخلاف بين المكلف بالضريبة والسلطة الإدارية الضريبية.لذلك قدّم المشرّع للمكلف ضمانة هامة تتمثل في إمكانية عرض الخلاف أمام لجنة التعسف في استعمال القانون متى قبل المكلف بالضريبة ذلك، إلاّ أنّ ما تخرج به من آراء لا يلزم الإدارة الضريبية في شيء ،ما يؤدي بنا إلى القول بعدم فعالية الطعن أمامها.
المطلب الأول : عدم تحديد حالات التعسف في استعمال القانون.
لم يعمل المشرع على ذكر المستندات والوثائق التي تشكل تعسفا في استعمال القانون من قبل المكلف بالضريبة وترك مسألة تقدير التعسف من عدمه لسلطة الإدارة الضريبية ، واكتفى في ذلك بالإشارة إلى موضوع المستند والغاية من وراءه.[6]
وبخصوص مضمون المستند المشكل لحالة التعسف ، تلك المستندات التي تكتسي طابعا وهميا يخفي مضمونها الحقيقي هذا من جهة.أو تهدف عملية استخدام المستند المكوّن لحالة التعسف إلى إقامة وضعية مصطنعة بحتة غايتها الأولى هي الاستفادة من الامتيازات الجبائية أو التملص أو تخفيض الضريبة المستحقة على المكلف. التي كان من المفروض أن يدفعها بالنظر إلى وضعيته أو أنشطته الحقيقية ، من جهة أخرى.
والأكثر من ذلك، أنّ المشرّع أطلق العنان أمام الإدارة الضريبية لممارسة سلطاتها في مواجهة المكلف المجرد من أية سلطة سوى ما يمنحه له القانون من حماية. وما يبرر قولنا استعمال القانون عبارة ” عندما تؤكد الإدارة الجبائية قانونا وجود مستندات تشكل تعسفا” [7].
من خلال ما تقدم نتوصل إلى نتيجة مفادها أنّ عدم تحديد صورة السندات التي تشكّل تعسفا في استعمال القانون ، يمكن للإدارة الضريبية أن تقع في خطأ بشأنها كما يمكن أن تتعسف في تحديدها طالما أنّ المشرّع لم يذكرها على سبيل الحصر، كما يمكن أن تؤدي مسألة عدم تحديد وحصر المستندات إلى رفض المكلف استبعاد الإدارة الضريبية لها، ما يؤسس لقيام نزاع فيما بين المكلف بالضريبة والإدارة.
الفرع الأول: خطأ أو تعسف الإدارة في تكييف حالة التعسف في استعمال القانون.
باستقرائنا لأحكام المادة 19 مكرر من قانون الإجراءات الجبائية نستنتج أنّ المشرع قدّم للإدارة الضريبية ضمانات قصد حماية الأموال العمومية ، وذلك على حساب مصلحة المكلف بالضريبة.إذ نلمس بأن الحماية التي كرّسها القانون للمعني بالأمر محدودة إلى درجة انعدامها ما يمكن أن يؤدي بالإدارة الضريبية إلى الخطأ في استبعاد الوثائق والأدلة المقدّمة، كما يمكن أن يدفع ذلك بالإدارة للتعسف في استعمال هذه السلطة، أي عدم وجود تعسف من قبل المكلف مقابل التعسف من طرف الإدارة الضريبية ؛ كحالة رفض مستند ما ورفض ملحقه وينعكس ذلك سلبا على أموال المكلف بالضريبة عن طريق تقرير جملة من الزيادات الجبائية نتيجة الغش.وبالإضافة إلى هذه الزيادات ، تترتب عن إجراء التعسف في استعمال الحق آثار جبائية [8]إزاء أنظمة الإخضاع الضريبي وإجراءات المراقبة وحق استرداد الأموال المدفوعة من دون وجه حق لاسيما :
- إمكانية إعادة تجديد عمليات التحقيق المحاسبي المنتهية.
- إمكانية تمديد آجال التحقيق ؛ والتمديد في آجال التقادم بسنتين(02).
- استثناء إرجاء الدفع ، وجدول الدفع بالتقسيط.
- تسجيل المكلف مرتكب الغش في البطاقية الوطنية لمرتكبي أعمال الغش.
وعليه، كلمّا اتسع المجال أمام الإدارة كلّما أهدرت حقوق المكلف بالضريبة، ما يجعل المكلف في مركز قانوني غير متكافئ مع الإدارة ، على الرغم من محاولة المشرّع تحديد التعسف ، إذ اكتفى بالإشارة لها ، كما بيّنا ذلك سابقا.
الفرع الثاني: حتمية استمرار الخلاف بين الإدارة والمكلف بالضريبة.
طالما أنّ المشرّع حدد شكل ومضمون المستندات المشكلة لحالة التعسف في استعمال القانون ، إلاّ أنّه استعمل عبارات مطاطة تحمل في طياتها احتمالات كثيرة هذا من جهة ؛ إضافة إلى أنّه في الفقرة الثالثة من المادة 19 مكرر 1 فتح المجال أمام الإدارة لإعمال سلطتها في تقدير المستندات المكوّنة لحالة التعسف.
وكنتيجة طبيعية لما ذكرناه ، أنّ العلاقة بين الطرفين هي علاقة تنافرية وليست تشاركية تعاونية ، فالمفترض أنّ المكلف بالضريبة هو من يشارك ويساهم في عملية تحديد الأساس الضريبي ، لكن على هذه الشاكلة المكلف يحس بأن الإدارة الضريبية طرف قوي مقارنة بمركزه الضعيف حيال هذه الأوضاع ما يؤدي إلى نشوب خلاف ونزاع فيما بينهما بخصوص اعتبار سندات معينة على أنّها تعتبر تعسفية لابد من استبعادها.
المطلب الثاني: الطعن أمام لجنة التعسف في استعمال القانون
في حالة نشوب خلاف بين المكلف بالضريبة والإدارة الضريبية حول أساس التصحيح الناتج عن استبعاد المستندات المشكلة لحالة التعسف ، يمكن للإدارة الضريبية عرض الخلاف على لجنة التعسف، متى طلب المكلف ذلك، في ميعاد ثلاثين (30) يوما تحتسب ابتداء من تاريخ تبليغ الإخطار المتضمن الأساس الجديد.
فبعد تبليغ المكلف المعني بأساس التصحيح يمكن له طلب عرض النزاع على اللجنة، ويتحقق ذلك قبل وضع الضريبة موضع التحصيل (قبل إعداد الجدول).
فطالما أنّ الخلاف يتم عرضه على لجنة التعسف التي يفترض فيها الاستقلالية والحياد عن الإدارة الضريبة كما يفترض أن تخرج من خلال اجتماعاتها ومداولتها بالآراء الدارسة لحالة التعسف من عدمه وتكون ملزمة للإدارة، حتى تتحقق الفعالية من وجودها ( خلق نوع من التوازن فيما بين الطرفين المتنازعين).
الفرع الأول: الاستقلالية العضوية والوظيفية للجنة
عند تصفح الأحكام القانونية التي تضم تشكيلة اللجنة البشرية [9]يجد بأنّها تضم أعضاء معظمهم من الشخصيات ذوي الرتب العليا على مستوى المديرية العامة للضرائب المتواجدة بوزارة المالية في ظل غياب تام للأعوان الاقتصاديين ما يجعل هذه التشكيلة إدارية بحتة لا تخدم مصالح المكلف بالضريبة.
إضافة إلى أنّ هذه اللجنة متواجدة على مستوى وزارة المالية [10]، أي الجهة الرئيسة عن الإدارة الضريبية ما يحد من استقلالية وحيادية اللجنة في مواجهة السلطة الإدارية الضريبية ، هذا ما يجعل الإدارة حكم وخصم في ذات الوقت.
وعند قبول المكلف بالضريبة عرض الخلاف على لجنة التعسف إنّما يشعر منذ البداية بأنه عرض الخلاف على الإدارة الضريبية.التي لا يمكنها التراجع عن قرارها الأول المتضمن وجود مستندات تضم الغش وتعمل بذلك على استبعادها.
الفرع الثاني: الطبيعة غير الملزمة لآراء اللجنة في مواجهة الإدارة الضريبية
إنّ المطّلع على مقتضيات المواد التي تضبط عمل اللجنة وتشكيلتها يبدو له منذ الوهلة الأولى أنّ لنتائج عمل اللجنة قوّة إلزامية ، إلاّ أنّ عبارة ” يمكن للإدارة الجبائية الاستعانة باللجنة” لا تدع مجالا للشك بهذا الخصوص لتجعل منها مجرد آراء استشارية يمكن أن تستعين بها الإدارة الضريبية كما يمكن أن لا تأخذ بها.
وما يعزز رأينا في هذا المقام أنّ اللجنة لا تعرف استقلالية عضوية ولا وظيفية في أدائها مهامها، وبالتالي فالقرار الذي تتخذه الإدارة ويتظلم منه المكلف لدى اللجنة لن يتغيّر طالما أنّ طعنه يتم أمام السلطة الرئيسة للإدارة المرؤوسة التي قرّرت حالة التعسف.
من خلال ما تقدّم نتوصل إلى أنّ حقوق المكلف بالضريبة لا تعرف الحماية المطلوبة، وأنّ اللجنة الإدارية الخاصة بدراسة التعسف في استعمال القانون شكلية ولا تضمن أية حماية للطرف المجرد من أية سلطة وامتياز، حتى ولو كان اللجوء إليها قبل إصدار سند الإستخلاص.
المبحث الثاني: العلاقة بين إجراء التعسف في استعمال الحق والنص الجبائي.
إنّ العلاقة التي تجمع بين إجراء التعسف وتدبير المحرر الجبائي هي علاقة تعارض فيما بين متغيّرين، فبتحقق الثاني عن طريق حصول المكلف بالضريبة على توضيح الأحكام الجبائية المطبقة على وضعية معيّنة كطلب معرفة وتبيان المستندات التي تشكل تعسفا في استعمال الحق ، ينتفي الأول.
فحالة التعسف في استعمال الحق تتغير بثبوت المحرر الجبائي، ما يشكّل قيدا على الإدارة الضريبية طالما عملت على شرح مسألة معينة بخصوص مستند ما.
لكن الملاحظ أنّ المشرّع لم يعمم ضمانة المحرر الجبائي على جميع المكلفين بالضريبة، وحصر نطاق الاستفادة من هذا الإجراء على المكلفين بالضريبة التابعين لمديرية المؤسسات الكبرى دون غيرهم ، ما يشكّل في نظرنا تعدِ على مبدأ العدالة الضريبية والمساواة أمام الأعباء العامة المكرسين دستوريا[11].
المطلب الأول:تحديد المستفيد من إجراء النص الجبائي
عمل المشرّع على تحديد المكلفين الذين يمكنهم تقديم طب توضيح مسألة جبائية معينة وحصرهم في المكلفين بالضريبة التابعين لمديرية المؤسسات الكبرى المتواجدة على مستوى الجزائر العاصمة ، عن طريق إتباعهم تدابير إجرائية.
الفرع الأول : المكلفين التابعين لمديرية المؤسسات الكبرى
تعتبر مديرية المؤسسات الكبرى محلا لإيداع التصريحات الجبائية وتسديد الضرائب ،وتلقي طلبات الحصول على النصوص الجبائية بالنسبة إلى :
- الشركات أو التجمعات التي تنشط في قطاع المحروقات ؛
- الشركات الأجنبية الناشطة بالجزائر مؤقتا في إطار تعاقدي يخضع للنظام الحقيقي ؛
- شركات رؤوس الأموال وكذا شركات الأشخاص الذين اختارو الخضوع للنظام الجبائي لشركات رؤوس الأموال ؛
- تجمعات الشركات.
إذن، ضيّق المشرع نطاق الحصول على المحررات الجبائية في المكلفين بالضريبة المذكورين أعلاه دون سواهم، ويشكل بذلك تجاوز المبدأ المساواة والعدالة الضريبية، هاذين المبدأين الذين تسعى معظم دول العالم بلوغهما انطلاقا من مبدأ المساواة أمام المرافق العامة المعروف لدى القاضي والمشرّع الإداري بصفة عامة.
الفرع الثاني : إجراءات الحصول على النص الجبائي
من أجل استصدار قرار قطعي واضح ونهائي على وضعية جبائية معينةمن طرف المكلفين بالضريبة التابعين لمديرية المؤسسات الكبرى، دون سواهم، تقديم طلب محرر جبائي الذي يجب أن يتضمن أسم وعنوان المكلف بالضريبة، كما يلزم أن يبين هذا الطلب الأحكام الجبائية التي ينوي المكلف بالضريبة تطبيقها ويقدم لأجل ذلك عرضا واضحا وتاما وصريحا للوضعية مع التمييز، عند الاقتضاء وحسب الأحكام المعنية، لفئات المعلومات الضرورية التي تسمح للإدارة الجبائية بأن تقدّر فيما إذا قام المكلف بالضريبة بالتنفيذ الفعلي للالتزامات الجبائية.
بعد استلام الطلب يتم معالجته من طرف مصالح المديرية في أجل أربعة (04) أشهر، وفي حالة انقضاء ميعاد، ولم يتم إرسال أي رد إلى المكلف بالضريبة، يستفيد هذا الأخير من الوضعية الجبائية التي صاغها في طلبه.
هكذا، فإنّ عدم الرّد خلال المدة المذكورة يحرم الإدارة الضريبية من إعادة تقويم وضعية ما شكلت موضوع طلب محرر جبائي.
هنا نلمس بأنّ المشرّع وفّر ضمانة مهمة للمكلف بالضريبة، إذ لم يفسّر سكوت الإدارة على أنّه رفض ضمني لطلب المكلف بالضريبة وفقا للقاعدة المعمول بها من قبل المشرع والقاضي الإداري. إضافة إلى إمكانية طلب مراجعة المحرر الجبائي من المكلف بالضريبة في أجل شهرين (02) ، وترد الإدارة على ذلك الطلب في غضون أربعة (04) أشهر ابتداء من تاريخ إبلاغ الإدارة بذلك [12].
المطلب الثاني: نتائج العلاقة بين التعسف والمحرر الجبائي.
إنّطبيعة العلاقة التي تجمع التعسف في استعمال القانون مع المحررات الجبائية هي علاقة تأثير تأثر، فإذا وُجِد لدى الكلف بالضريبة محرر جبائي بخصوص مستندات معينة لا يمكن للإدارة تقدير حالة التعسف بشأنها على الإطلاق ، لكن في حالة عدم طلب المكلف بالضريبة التابع لمديرية المؤسسات الكبرى النص الجبائي بشأن مسألة الوثائق والمستندات الجبائية ، فالإدارة لها صلاحية وسلطة تكييفها على أنّها تعسف ،ولا يبق أمامه سوى الطعن أمام لجنة التعسف في استعمال الحق التي تعتبر امتداد للإدارة الضريبية التي قررت هذه الحالة كما بينا ذلك سابقا. فيفقد معه المكلف حقوقه عن طريق رفع الإدارة الضريبية لأساس الإخضاع الضريبي خلافا للتصريح المقدّم من قبل المكلف بالضريبة بناء على حالة التعسف.
الفرع الأول : عدم سريان إجراء التعسف في استعمال الحق في وجود النص الجبائي.
عند طلب المفتش توضيحات وتبريرات بشأن المستندات المثبتة للتصريح الجبائي، وعلى إثرها يمكن أن يصنّفها ضمن المستندات التي تحمل تعسف في استعمال القانون ويعمل على استبعادها وإعادة طابعها الحقيقي.
ولتفادي هذه الحالة، بعد تقديم التصريح الجبائي وقبل الخضوع للمراقبة الجبائية ، يتقدّم المكلف بالضريبة بطلب لتصنيف المستندات على أنّها لا تشكل تعسفا في استعمال الحق عن طريق محرر جبائي.
لكن، هذا الحق لا يسري على أي مكلف مهما كان، إنّما حصره المشرّع في المكلفين التابعين لمديرية المؤسسات الكبرى حسني النيّة دون غيرهم؛ ولا نرى سببا قانونيا يجعل المشرّع يميّز بين المكلفين في الاستفادة من هذا الإجراء.
من خلال ما قلناه، نستنتج بأنّ المشرّع عزّز ضمانات المكلف بالضريبة التابع لمديرية المؤسسات الكبرى بإجراء النص الجبائي الذي في وجوده تنتفي الصفة التعسفية عن المستندات. فغير هؤلاء المكلفين لهم ضمانة إدارية تتمثل في لجنة التعسف التي تتولى دراسة حالة التعسف المقدّرة من قبل الإدارة الضريبية ، على الرغم من مبالغة المشرع في منح الإدارة الضريبية سلطة في عدم الأخذ بآرائها.
نهأأ
الفرع الثاني: عدم تطبيق إجراء التعسف عند عدم رد الإدارة على طلب المحرر خلال الميعاد
تماشيا مع ما ذكرناه أعلاه بخصوص ضمانة المحرر الجبائي ،فلا يسري على المكلف الذي تقدّم بطلب المحرر الجبائي من دون رد على ذلك الطلب من قبل الإدارة الضريبية في غضون أربعة (04) أشهر ابتداء من تاريخ إعلام الإدارة بذلك الطلب إجراء التعسف في استعمال القانون.
لكن، يفترض أنّ الإدارة الضريبية ستكون حتما حريصة أشد الحرص على ميعاد دراسة طلب استحداث أو مراجعة المحررات الجبائية ،طالما ستفقد بمضيه حقها في دراسة حالة التعسف في استعمال القانون.
الخاتمة
نتوصل من خلال ما قمنا بدراسته إلى أنّ إجراء التعسف في استعمال القانون يخوّل للإدارة الجبائية استعمال حقها في استبعاد المستندات الجبائية المقدّمة من قبل المكلف بالضريبة وإعادة طابعها الحقيقي لا يجد له المكلف حماية سوى المطالبة بتقدير الوضعية عن طريق النص الجبائي الذي يعد صمام أمان في مواجهة السلطة التقديرية للإدارة الضريبية التي يمكن أن تقدّر وضعية التعسف بناء على خطأ أو تعسف منها.
لكن هذه الحماية لا تطال كل المكلفين بالضريبة إنّما منحها المشرع للمكلف بالضريبة حسن النية ، التابع لمديرية المؤسسات الكبرى دون سواها ،ما يثير إشكالية حقيقة وتجاوزا لمبدأ العدالة والمساواة أمام الأعباء العامة.
لذا، من الأجدر بالمشرّع أن يعيد النظر في نص المادة 174 مكرر و174 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجبائية حتى تتحقق العدالة الضريبية التي تسعى مختلف الدول بلوغها.
[1]– انظر المادة 19 مكرر فقرة 1 و2، قانون الإجراءات الجبائية،المؤسس بموجب المادة 40 من قانون المالية لسنة 1991( قانون رقم 90- 36، مؤرخ في 31 ديسمبر 1990، يتضمن قانون المالية لسنة 1991، جريدة رسمية عدد 57، مؤرخ في 31 ديسمبر 1990 ).
[2]– وزارة المالية، المديرية العامة للضرائب، المحررات الجبائية، الجزائر، 2018، ص 01.
[3]– انظر المادة 19، فقرة 01 و 02، ق إ ج، المرجع السابق.
[4]– المادة 19 /03، نفس المرجع.
[5]– راجع المادة 19 مكرر فقرة 1، نفس المرجع.
[6]– انظرالمادة 19 مكرر /02، نفس المرجع.
[7]– انظر المادة 19 مكرر /03، ق إ ج، المرجع السابق.
[8]– انظر المادة 19 مكرر 3، نفس المرجع.
[9]– تنص المادة 19 مكرر 2 من قانون الإجراءات الجبائية المذكور سابقا على ما يلي: “…تتكون من : مدير التشريع والتنظيم الجبائيين؛مدير الأبحاث والتحقيقات ؛ مدير المنازعات ؛ مدير كبريات المؤسسات ؛ نائب مدير مديرية الضرائب ؛ خبير محاسب؛ موثق ؛ المدير العام للمديرية…”.
[10]– حسب المادة 19 مكرر 2 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجبائية المذكور سابقا فإنّه :” تنشأ لدى المديرية العامة للضرائب لجنة لدراسة حالة التعسف…”.
[11]– انظر المادة 78 من دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الصادر بالاستفتاء الشعبي في 28 نوفمبر 1996، المنشور بموجب مرسوم رئاسي رقم 96- 438، مؤرخ في 07 ديسمبر 1996، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية عدد 76، مؤرخ في 08 ديسمبر 1996، المعدل والمتمم بموجب قانون 16- 01، مؤرخ في 06 مارس 2016، يتضمن التعديل الدستوري، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية عدد 14، مؤرخ في 07 مارس 2016.التي تنص على: ” كل المواطنون متساوون في أداء الضريبة…كل عمل يهدف إلى التحايل في المساواة بين المواطنين والأشخاص المعنويين في أداء الضريبة يعتبر مساسا بمصالح المجموعة الوطنية…”.
[12]– انظر المادة 174 مكرر 1، ق إ ج، المرجع السابق.