جريمة التحرش الجنسي من منظور القانون الجنائي المغربي
(دراسة مقارنة)
إكرام مختاري / دكتوراه في القانون الجنائي والعلوم الجنائية
مقدمة:
يعتبر التحرش الجنسي من المواضيع المهمة والحساسة على حد سواء، حيث حظي الموضوع في اللآونة الأخيرة بإهتمام دولي ووطني بعد تصاعد الأصوات الحقوقية وغير الحقوقية المنددة بخطورة ظاهرة التحرش الجنسي، وتفاقم آثارها الإجتماعية والنفسية والإقتصادية وأيضا التربوية على الفرد والمجتمع، إذ أصبحت مشكلة واقعية تعاني منها فئة عريضة من المجتمع[1](نساء وأطفالا ورجالا)، وبشكل يومي سواء في الأماكن العمومية كالأسواق والمواصلات العامة والشوارع أو الأماكن الخاصة مثل المؤسسات التعليمية والنوادي الرياضية وأماكن العمل، والجامعات الخ…..
وبإعتبار التحرش الجنسي أحد الأفعال المشينة الماسة والحاطة بكرامة وجسم المرأة والطفل على حد سواء، فقد دعت مختلف التشريعات الدولية والوطنية[2] إلى التدخل بشكل فاعل من خلال توفير الحماية الجنائية لكافة أشكال الإساءة التي تتعرض لها هذه الفئة الهشة من المجتمع، خاصة بعد إصدار المنتظم الدولي للعديد من المواثيق والإعلانات الدولية، من بينها الإعلان العالمي لوقف العنف ضد النساء والذي وقعته الأمم المتحدة سنة 1993 والذي عرف العنف الممارس على المرأة بأنه كل فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد بإقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
وتشير الوثيقة الصادرة عن المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995 أن العنف ضد النساء(هو أي عنف مرتبط بنوع الجنس، يؤدي على الأرجح الى وقوع ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة بما في ذلك التهديد بمثل تلك الأفعال، والحرمان من الحرية قسرا أو تعسفا سواء حدث ذلك في مكان عام أو خاص، وربط المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان والذي صدر عنه ما يعرف بإعلان وبرنامج عمل فيينا(1993) بين العنف والتمييز ضد المرأة وأشار الى ذلك في الفقرة 38 بأن مظاهر العنف تشمل المضاربة الجنسية والإستغلال الجنسي والتمييز القائم على الجنس والتعصب والتطرف، وقد جاءت الفقرة كما يلي:
“يشدد المؤتمر العالمي لحقوق الانسان بصفة خاصة على أهمية العمل من أجل القضاء على العنف ضد المرأة في الحياة العامة والخاصة والقضاء على جميع أشكال المضايقة الجنسية والإتجار بالمرأة، والقضاء على التحيز القائم على الجنس في إقامة العدل وإزالة أي تضارب يمكن أن ينشأ بين حقوق المرأة والآثار الضارة لبعض الممارسات التقليدية أو المتصلة بالعادات والتعصب الثقافي والتطرف الديني[3]، وهو نفس التوجه دعت إليه إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في مادتها (11).
وإذا كان التحرش الجنسي هو كل فعل أو سلوك لا أخلاقي يرمي الى إستهداف جسد المرأة في تنكر تام لرغبتها ورضاها وبإستغلال السلطة الذكورية، فإن هذا السلوك المشين اللأخلاقي ينطوي على مساس خطير بحقوق المرأة وتقييد لحريتها، لاسيما وأنها أصبحت فاعلة إلى جانب الرجل في جميع أنشطة الحياة الإقتصادية والإجتماعية والتربوية مما يعرضها إلى المحاكاة بشكل يومي بالرجل، الشئ الذي يزيد من معاناتها وتعرضها للعنف من جانبه، وهوما دعى المنتظم الدولي للإلتفاف حول تحصين الحقوق التي تم إقرارها لصالح المرأة بنصوص جنائية خاصة لحمايتها من جميع أشكال التمييز والعنف التي قد تتعرض له.
ولما كانت الحماية الزجرية من أهم الأدوات الأكثر توفيرا وحفاظا على المكتسبات والمراكز القانونية وحماية حقوق الإنسان من جميع أشكال الإعتداءات التي قد تطال الشخص في حريته وكرامته وعرضه وماله، وإيمانا من المشرع المغربي بأهمية التدخل التشريعي من خلال تجريم كل فعل أو سلوك مشين قد يمس ويحط بكرامة وعرض وشرف الإنسان فقد تدخل أخيرا من خلال التعديل الذي طال بعض نصوص القانون الجنائي والذي تجلى في إستحداث الفصل 503/1 المجرم لفعل التحرش الجنسي تماشيا مع التعديلات التي طالت أيضا بعض القوانين الخاصة ونخص بالذكر مدونة الشغل التي كيفت فعل التحرش الجنسي من بين أحد الأخطاء الجسيمة التي تستوجب التعويض متى توفرت[4].
لهذه الأهمية التي يحظاها موضوع التحرش الجنسي بإعتباره من المواضيع المستحدثة التي طالت إهتمام المشرع المغربي كما باقي التشريعات المقارنة الأخرى إرتأينا تسليط الضوء على أهم ما جاء به المشرع الجنائي المعربي في هذا الإطار من خلال الإجابة على التساؤل المطروح ألا وهو هل إستطاع الفصل 503/1 المجرم لجريمة التحرش الجنسي الإحاطة بجميع الإعتداءات التي قد تطال المتحرش به؟.
ومن أجل ذلك قسمنا موضوع البحث إلى مطلبين تناولنا في المطلب الأول: جريمة التحرش الجنسي في القانون الجنائي المغربي، ثم خصصنا المطلب الثاني لدراسة إثبات هذه الجريمة وذلك للصعوبات التي يطرحها اثبات جريمة التحرش الجنسي.
المطلب الأول:جريمة التحرش الجنسي في القانون الجنائي:
إن الإحاطة بمفهوم التحرش الجنسي بشكل دقيق ومن كل الزوايا، لا يزال مطلبا يتعذر تحققه في الظرفية الحالية، وذلك لإرتباط هذا التحديد بأرضية علمية واسعة يتشارك فيها رجال القانون وأيضا علماء النفس والإجتماع(الفقرة الأولى)، وذلك لتشعب الموضوع وتعدد أسبابه، وهذا من دون شك سيبرز وجهات نظر تتقارب أحيانا، وقد تختلف أحيانا أخرى(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:ماهية التحرش الجنسي وأسبابه:
يطرح تعريف التحرش الجنسي صعوبة كبيرة في تحديد مدلوله نظرا لحداثة النص عليه من الناحية القانونية، وكذلك بسبب إختلاف المؤشرات الدالة عليه لتعدد الأفعال التي يمكن إدراجها ضمن هذا التعبير، وأيضا بسبب تنوع مظاهره، كما أن إحساس المتحرش بها يدخل كعنصر يحدد في إعتبار سلوك التحرش الجنسي، نظرا لطابع الذاتية في الإقرار بشعور الإهانة والمضايقة والمس بالكرامة بالنسبة للمتحرش به[5].
فما المقصود بالتحرش الجنسي (أولا)، وما هي الأفعال التي تندرج في هذا الإطار(ثانيا).
أولا:تحديد مدلول التحرش الجنسي.
يقتضي التطرق لتعريف التحرش الجنسي تحديد المقصود به لغة وإصطلاحا، ثم تعريفه قانونا.
1: التحرش لغة.
التحرش : من الحرش و التحريش بمعنى إغراؤك الإنسان و الأسد ليقع بقرنه، و حرش بينهم : أفسد و أغرق بعضهم ببعض[6].
قال الجوهري : ” التحرش الإغراء بين القوم و كذلك بين الكلاب. ” .
و في الحديث النبوي الشريف أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن التحريش بين البهائم، و هو الاغراء و تهييج بعضها على بعض، كما يفعل بين الجمال و الكباش و الديوك وغيرها، وفي الحديث أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب و لكن في التحريش بينهم أي حملمهم على الفتن و الحروب.
أما المعجم الفرنسي لروس، فقد عرف فعل – تحرش – بأنه إخضاع شخص أو مجموعة إلى هجمات متوالية و ملحة، و قد تعمدنا إدراج تعريف المصطلح باللغة الفرنسية حتى لا يلتبس في قراءة نص المادة القانونية باللغة الفرنسية في القانون الجنائي المغربي.
أما كلمة – جنسي – فهي نسبة إلى الجنس و هو في لسان العرب النوع من كل شيء، و ليس فيه أي دلالة على غريزة الوطء و شهوة الفرج على عكس ما يقابله في اللغة الفرنسيـة Sexuel فهو يشير بوضوح إلى ما يدل على الجماع و المضاجعة و التناسل و التوالد، و استعمال كلمة جنسي بهذا المعنى في اللغة العربية يعتبر هجينا و مستحدثا.
2: التحرش الجنسي اصطلاحا:
أمــا إصطلاحا فالمبدأ أن التحرش الجنسي يطال النساء فقط، و هو عمل واعي مقصود يقوم فيه إنسان مهووس، له نزعة جنسية أو شهوة، يريد بأساليب مختلفة، سمعية أو بصرية، أو رمزية و أحيانا جسدية مباشرة مثل الملامسات و التقارب الجسد يبتغي به الإثارة الجنسية أو إشباع رغبة جنسية، فيقوم عادة باقتحام حميمية الآخر أو إندفاع جسدي مباشر دون رضاه، إذ بعد رفض الغير يصبح هذا العرض فرضا، و بالتالي فإستراتيجية المعتدي تقوم على إضعاف إرادة الضحية و حملها على القبول بمشاعره و هو ما يثير لدى الضحية مشاعر قرف و إرتباك و إنزعاج بحدة، و قد يتصور أن يكون هذا الإقتراب عن طريق الهاتف عندما يصبح قرينا بالإلحاح و الملاحقة.
و الواقع أن أكثر حالات التحرش الجنسي تقع من الرجال على النساء، غير أن هذا لا ينفي العكس فقد يقع من غير الرجال على غير النساء، فلم تحدد معظم التشريعات جنس الجاني و الضحية، و ها هنا لا عجب فالقرآن الكريم تحدث عن أشهر قصة تحرش جنسي في التاريخ، كان المتحرش فيها امرأة و المتحرش به رجلا، أوردتها سورة يوسف، حيث تحرشت زوجة عزيز مصر بنبي الله يوسف عليه السلام، و الأعجب أن قصة هذا التحرش تنطبق حيثياتها مع ما يشترطه التشريع اليوم من وجود علاقة سلطة أو وصاية قائمة بين المتحرش و الضحية، و ما يشترط في إثبات الركن المادي من ممارسة الإغراء و الإكراه “ و راودته التي هو في بيتها عن نفسه و غلقت الأبواب و قالت هيت لك “ الآية(23) و المراودة تقتضي تكرير المحاولة، و النفس هنا كناية عن غرض المواقعة، فقد راودته على أن يسلم إليها إرادته و حكمه في نفسه.
كما إستعملت الإكراه و المساومة و إصدار الأوامر و التهديد، و قد ورد ذلك في قوله تعالى ” و لئن لم يفعل ما آمره ليسجسنن و ليكوننا من الصاغرين” [7]و قوله تعالى ” و قالت أخرج عليهن ” (الآية 31 )، فهيت إسم فعل أمر بمعنى بادر كما أن أمرها له بالخروج عليهن كان لبلوغ غاية و مقصد في نفسها تأتى لها فيما بعد ” فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن” الآية 31 ، كما أن علاقة السلطة و الوصاية بين المتحرش و الضحية قائمة في هذه القصة القرآنية، فقد كان يوسف عليه السلام غلاما مملوكا في قصر العزيز ” و قال الذي إشتراه من مصر لإمرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ” الآية 21″ ، كما أن عبارة الذي هو في بيتها دلالة على أنه من جملة أتباع ذلك المنزل.
و قد يقع التحرش الجنسي على الأطفال غير أنه غالبا ما يصعب وصف أفعال التحرش الجنسي بالأطفال في القانون المغربي مستقلة عن جريمة تحريض القصر على الفسق و الدعارة أو جريمة الانحراف الجنسي تجاه الأطفالLa pédophilie ، رغم أن المشرع في الدول الغربية عامة و حتى بعض دول العالم الثالث حدد إطار كل منها و عدد بعض السلوكات و الأفعال المجرمة التي تميز هذه عن تلك.
فالتحرش الجنسي في مضمونه خطوة أولية تتمثل في أفعال مجرمة إذا بلغ المتحرش مقصده من خلالها، امتد أثرها إلى جرائم ماسة بالعرض و الآداب كهتك العرض، الاغتصاب، زنا المحارم و تحريض القصر على الدعارة[8].
يذهب الأخصائيون الاجتماعيون العرب[9] أن ظاهرة التحرش ظاهرة حساسة في مجتمعاتنا ولذلك لا بد أن نعي أسبابها حتى نجتنب انتشارها، و بالتالي نخلص إلى مجتمع سليم و أخلاقي، فمفهوم جريمة التحرش الجنسي حسب إعتقادهم بأنه” سلوك سيء في نظر المجتمعات العربية جميعها، و هوعمل يقوم به إنسان غير طبيعي يعاني من مشاكل الإشباع لذاته الجنسية، كما أن التحرش ظاهرة عنف ضد المرأة و الطفل و أحيانا الرجل.
و على العموم فالتحرش هو كل سلوك مشين و خلق ضعيف يدل على خلل في التربية و التوجيه و المتابعة من قبل من له ولاية على من وقع فيها، و لها قواسم مشتركة تؤدي إليها كضعف الإيمان و الفراغ والإهمال وقلة التربية و التوجيه، و عدم انشغال الشباب بالإضافة إلى كثرة خروج المرأة.
3:مفهوم التحرش من الناحية القانونية.
تجدر الإشارة في البداية أن المشرع المغربي لم يكن ينص على جريمة التحرش الجنسي ضمن نصوص القانون الجنائي المجرمة للإنتهاكات التي تطال الشرف والعرض بصفة عامة، إلى غاية تعديل القانون الجنائي الذي طال بعض نصوصه بموجب القانون رقم 03,24 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي[10] والذي جاء كرد فعل قانوني من جهة، و كضرورة ملحة من جهة أخرى نتيجة لتنامي هذه الظاهرة في المجتمع المغربي، خاصة في مواقع العمل و داخل المؤسسات والجامعات و الإدارات العمومية و الخاصة من جهة، و إستجابة لنداءات الجمعيات النسائية و بعض المنظمات غير الحكومية النشطة في مجال حقوق المرأة من جهة ثانية.
ونتيجة لهذه الأسباب المتلاحقة بادر المشرع المغربي كغيره من التشريعات العربية والمقارنة[11] إلى تضمين القانون الجنائي لأول مرة نصا مكملا يعاقب على التحرش الجنسي في إطار التعديل الذي طال مجموعة القانون الجنائي، حيث نص في الفصل503_1 على أنه:
“يعاقب بالحبس من سنة الى سنتين وبالغرامة من خمسة آلاف الى خمسين ألف درهم، من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو اية وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية”[12]
من خلال قراءة هذا الفصل يتضح بأن المشرع المغربي لم يعرف التحرش الجنسي بل اكتفى بتعداد بعض أساليب ارتكاب هذه الجريمة كالأوامر أو التهديدات أو وسائل الإكراه الأخرى…التي قد يستعين الجاني في تنفيذها بالسلطة التي تخولها له مهامه أو وظيفته، على غرار المشرع الفرنسي الذي قام بتعريف جريمة التحرش الجنسي في قانون العقوبات الفرنسي الجديد في المادة 222_” بأنه: “الفعل الذي يقع من خلال التعسف في استعمال السلطة باستخدام الأوامر، والتهديدات أو الإكراه بغرض الحصول على منفعة أو إمتيازات أو مزايا ذات طبيعة جنسية”.
كما عرفته إتفاقية منع التمييز ضد المرأة “التحرش الجنسي” بأنه كل سلوك لا أخلاقي يرمي إلى إستهداف جسد المرأة في تنكر تام لرغبتها ورضاها وبإستغلال السلطة الذكورية.
كما عرفته الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بأنه كل سلوك يتضمن إيحاءات جنسية مباشرة أو ضمنية تستهدف الإيقاع بالطرف الآخر سواء كان ذكرا أو أنثى رغما عن إرادته في ممارسة جنسية مستغلا بذلك سلطته ونفوذه[13].
ويعرفه الفقيه “ببكيوو” بأنه: سلوك عدواني ذو طبيعة جنسية يرتبط بالخوف الذي يستمد أساسه من إستغلال النفوذ، وعلاقته بالسلطة، والإحساس بالعجز أمام سلطة المتحرش.[14]
وفي هذا الصدد لا يفوتنا أن نشير إلى ما تطرق إليه المشرع المغربي من خلال المادة 40 من قانون الشغل[15] الذي اعتبر فعل التحرش الجنسي من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل، أو رئيس المقاولة أو المؤسسة ضد الأجير والمؤدية إلى الحق في التعويض عن الفصل التعسفي ، إلا أن ما يعاب على المشرع أنه لم يقم بوضع تعريف لمفهوم التحرش الجنسي، وأيضا لم يحدد الطرف الذي يتحمل عبئ الإثبات مما يفهم ضمنيا أنه يحيل الى قواعد القانون الجنائي بإعتباره النص العام [16].
من خلال قرائتنا لمجمل التعاريف التي أعطيت لمفهوم التحرش الجنسي، يمكن القول أن هذا الأخير هو كل سلوك او فعل مشين يكون ذو طبيعة جنسية، يستغل فيه أحد الأطراف سلطته[17] ونفوذه من أجل الضغط على المجني عليه لممارسة علاقة جنسية غير مشروعة، وبمفهوم المخلافة لا يعتبر تحرشا جنسيا الأوامر أو التهديدات أو الإيحاءات والمضايقات التي قد يتعرض لها الشخص لأغراض ذات طبيعة جنسية، من أحد المارة في الشارع العام مثلا، إذا لم تكن للفاعل سلطة على الشخص المجني عليه، في حين أن فعل التحرش الجنسي يتحقق متى توفرت الشروط أو التصرفات السالفة الذكر والتي ترمي الى الاغراء والإغواء، من خلال استغلال الجاني ضعف الطرف الاخر عن طريق ضغوط تمارس عليه، وإغراءات بغرض الحصول على ميزة جنسية بصرف النظر عن وجود سلطة أو نفوذ يملكها الجاني، وكمثال على ذلك السلوكات المخالفة والمشينة للأخلاق التي تمارس بشكل كبير على الاطفال القصر الذين يتعرضون لمثل هذه الأفعال التي تندرج ضمن مسمى التحرش الجنسي حتى ولو لم يكن للفاعل سلطة عليهم، ومن هنا يمكن القول أن المشرع المغربي يجب عليه أن يتدارك هذا النقص من خلال تبني التصور العام للأفعال التي يمكن أن تندرج وتشكل جريمة التحرش، وعدم حصرها في وجود سلطة أو نفوذ للجاني على المجني عليه، وهو الأمر الذي تنبه له المشرع الفرنسي من خلال التعديل الأخير الذي طال قانون العقوبات الفرنسي الصادر في 17 فبراير 2002 حيث أصبح يعرف للتحرش الجنسي بكونه: “فعل التحرش بالغير يهدف الحصول على أغراض (أو امتيازات) من طبيعة جنسية يعاقب بسنة حبسا وغرامة 15.000 أورو”، موفرا بذلك حماية أكثر لضحايا التحرش، وحسب هذا التوجه تصبح جريمة التحرش قائمة، ولو صدر التحرش عن زميل في العمل أو الدراسة أو من أحد الزبائن أو حتى من مستخدم، ولم يعد يشترط شخصا يستغل سلطته ووظيفته[18].
ولتجاوز هذا القصور، فقد وسعت بعض التشريعات من الأفعال التي يمكن اعتبارها تحرشا جنسيا كما هو الحال بالنسبة للتشريع الفيدرالي الأسترالي لسنة 1984 بشأن الميز الجنسي بأستراليا الذي يعتبر أن شخصا قد إرتكب تحرشا جنسيا ضد شخص آخر إذا راوده عن نفسه، أو وجه له طلبا غير لائق يتعلق بممارسة جنسية، أو إذا أتى سلوكا غير لائق وذي طبيعة جنسية عندما تكون لدى المجني عليه أسباب معقولة تجعله يوقن بأن حالة رفض الطلب أو الإعتراض على السلوك، يمكن أن تجلب له الضرر والإساءة بأي شكل من الأشكال في مجال عمله، أو لنيل منصب أو شغل محتمل، أو إذا تبين فعلا أنه ترتب عن رفض المراودة أو طلب الاعتراض على السلوك، الإضرار بالضحية بأي شكل من الأشكال في عمله أو إمكانية تشغيله، ونفس التوجه تبناه المشرع الليبي حيث وسع من الأفعال التي من الممكن أن تندرج ضمن مفهوم التحرش الجنسي ولم يربط الجريمة بإستغلال الجاني للسلطة أو النفوذ على خلاف المشرع المعربي حيث نص في المادة 420 مكررة على أنه:”………….كل من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو الفعل أو الإشارة في طريق عام أو مطروق….”
ونفس التوجه سار عليه المشرع المصري وأعتقد أنه كان من بين أكثر التشريعات إحاطة وحزما بموضوع التحرش مقارنة بالتشريع المغربي حيث تطرق لعدة صور قد يتخذها التحرش الجنسي سواء في صورته المبسطة أو المشددة وبهذا الخصوص تنص المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات المصري على أنه:” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيها و بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.
وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى”.
نستخلص من قراءة المادة أعلاه أن المشرع المصري قد إعتبر جريمة التحرش الجنسي قائمة في الحالة التي يتعرض فيها الجاني لمضايقة المجني عليها بإتيانه أمورا أو ايحاءات أو تلميحات أو اشارات بالقول أو الفعل بما في ذالك استعماله لوسائل الإتصالات السلكية أو اللاسلكية، وحدد لهذا الفعل عقوبة متراوحة بين العقوبة الحبسية لا تقل عن 6 أشهر، والغرامة ما بين ثلاثة آلاف جنيه وخمس آلاف جنيه، ونجده في الفقرة الثانية والثالثة من نفس المادة يتحدث عن حالة العود ويرفع العقوبة الى الضعف اذا ما تكرر نفس الفعل.
وكذالك نجده في المادة 306 مكرر(ب) يربط اتيان الجاني للأفعال المشار إليها في المادة 306 مكررة(أ) للحصول على منافع جنسية من وراء أفعاله ويرفع العقوبة الحبسية والغرامة مقارنة بالحالة الأولى[19]، في حين نص المشرع في الفقرة الثانية من نفس المادة على الحالة التي يستغل فيها الجاني سلطته ووظيفته للضغط على المجني عليها سواء بصفة إنفرادية أو جماعية أو بإستعمال السلاح، فان العقوبة تصل الى أقصاها وأعتقد أن هذا التوجه كان صائبا لحد كبير لان استعمال السلطة أو النفوذ من قبل الجاني للضغط على المجني عليها يزيد من إكراهات ومعاناة الضحية، فلولا السلطة المخولة للجاني لما أقدم على فعله وإستغل المهام المخولة له بحكم وظيفته للضغط على المجني عليها للإستجابة لنزواته وممارساته الدنيئة التي هي في الأصل مجرمة بحكم القانون ومنافية لأخلاقيات المهنة والشرف[20].
كانت هاته اذن بعض الملاحظات بخصوص مفهوم التحرش الجنسي وبعض المؤاخذات عليه، في حين أن التساؤل المطروح ما هي الاسباب والعوامل التي أدت إلى إنتشار هذه الظاهرة والذي جعلها ترتقي الى جريمة معاقب عليها؟.
هذا ما سنسعى إلى تناوله في الآتي:
ثانيا: أسباب التحرش الجنسي.
إن إنتشار جريمة التحرش الجنسي وتضخمها في المجتمع مرده إلى وجود عوامل إجتماعية متعددة ومتشابكة هى التي أدت إلى إنتشارها بهذا الشكل فى المجتمع بمختلف قطاعاته، وهو السبب الذي أدى الى تنامي الأصوات الحقوقية وغير الحقوقية الى ضرورة مواجهة هذه الجريمة إجتماعيا وقانونيا من خلال التنصيص على هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها، لذلك يمكن إجمال هذه الأسباب الى:
1– أسباب إجتماعية:
تأتى في مقدمة أسباب التحرش الجنسي عدم وجود تنشئة سليمة منذ الصغر بالإضافة إلي دور الإعلام والمدارس لأنها عوامل مؤثره في نشأة الطفل ويجب التركيز عليها وضرورة الإهتمام بوجود وازع ديني قوى لتقليص هذه الظاهرة.
أضف الى ذلك سوء الحالة الإقتصادية وإنتشار معدلات البطالة بين الشباب تعد من أهم العوامل الاجتماعية المؤدية إلى إنتشار ظاهرة التحرش الجنسي، بالإضافة إلى ما تبثه وسائل الإعلام من مواد إباحية[21].
كما تعد المرأة نفسها هي احد العوامل الرئيسة لبعض أشكال العنف وذلك لتقبلها له والتسامح والخضوع أو السكوت عليه مما يجعل الآخر يتمادى أكثر، وغالبا ما يكون هذا السبب مفعّل عندما لا تجد المرأة المعنفة من تلجأ إليه ومن يقوم بحمايتها، كما إن ضعف المرأة نفسها في المطالبة بحقوقها الإنسانية والعمل لتفعيل وتنامي دورها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي[22].
2_ أسباب تربوية إذ قد تكون أسس التربية العنيفة التي نشأ عليها الفرد هي التي تولد لديه العنف وتجعله ضحية له حيث تشكل لديه شخصية تائهة وغير واثقة مما يؤدي إلى جبر هذا الضعف في المستقبل بالعنف بحيث يستقوي على الأضعف منه وهي المرأة، فالعنف يولد العنف.
3- أسباب ثقافية كالجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الآخر وعدم احترامه وما يتمتع به من حقوق وواجبات تعد عاملا أساسيا للعنف. وهذا الجهل قد يكون من الطرفين المرأة والشخص الذي يمارس العنف ضدها، فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من جهة، وجهل الآخر بهذه الحقوق من جهة أخرى قد يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود.
4- أسباب قانونية:
إن غياب أو نقص الحماية القانونية والزجرية للمتحرش عليهم من خلال نصوص زجرية رادعة تعتبر من بين أهم الأسباب التي تؤدي الى إنتشار جريمة التحرش في المجتمعات، بالإضافة الى عدم التواجد الأمنى المعني بحماية الشارع، وتوفير سبل الأمان للمواطنين وأقلها حرية التنقل والحركة والحق فى الخصوصية، مما يؤكد ضرورة وجود نص قانونى يساهم فى تدعيم مبادئ الحماية والأمان، فعلى الرغم من وجود النص القانوني حسب التعديلات التي شملت مجموعة القانون الجنائي المغربي وشملت جريمة التحرش الجنسي إلا أنها تبقى محصورة في فئة خصها المشرع بالذكر، حيث لم يبين المشرع جنس الفاعل أو الضحية و ذلك يحتمل أن يقع التحرش من أحد الجنسين على الآخر أو أن يكون المتحرش و المتحرش به من نفس الجنس بحثا عن إرغام الضحية على الاستجابة لرغبات جنسية شاذة، بالإضافة لعدم إشارة الفصل 503/1 للحماية الجنائية للطفل الممكن تعرضه للتحرش الجنسي وظروف التشديد.
كما أن المشرع الجنائي المغربي لم يجرم التحرش الجنسي الممارس من قبل المحارم داخل الأسرة، أو البيت رغم تعرض بعض التشريعات العربية و الإسلامية له كالتشريع المصري.
ونعتقد أنها ثغرات قانونية خطيرة يجب على المشرع إعادة النظر فيها بالشكل الذي لا يسمح بإرتكابها .
5- أسباب ترجع لمعتقدات خاطئة[23].
هناك بعض المعتقدات الخاطئة التي تساهم في تشجيع ظاهرة التحرش الجنسي ومنها:
– العادات والتقاليد إذ هناك أفكار وتقاليد متجذرة في ثقافات الكثيرين والتي تحمل في طياتها الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر على الأنثى مما يؤدي إلى تصغير وتضئيل الأنثى ودورها، وفي المقابل تكبير دور الذكر حيث يعطى الحق دائما للمجتمع الذكوري للهيمنة والسلطنة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر، وتعويد الأنثى على تقبل ذلك وتحمله والرضوخ إليه إذ أنها لا تحمل ذنبا سوى إنها ولدت أنثى.[24]
– الأسباب البيئية فالمشكلات البيئية التي تضغط على الإنسان كالإزدحام وضعف الخدمات ومشكلة السكن وزيادة عدد السكان و….. , فضلا عما تسببه البيئة من احباطات للفرد إذ لا تساعده على تحقيق ذاته والنجاح فيها كتوفير العمل المناسب للشباب، كل ذلك يدفعه دفعا نحو العنف ليؤدي إلى انفجاره على من هو اضعف منه إلا وهي المرأة.
– الخوف والخجل، فقد تخجل الضحية من الحادثة لما تتعرض له من لوم وإستنكار إجتماعى من الآخرين .
– التقليل من شأن الحادثة بأن تقول الضحية لنفسها “ليست بمشكلة كبيرة أنى حساسة أكثر من اللازم أو أني أبالغ في العفة والاحتشام” كما قد تسمع الضحية هذه العبارات من الآخرين.
– الشعور بالذنب فقد تشعر الضحية بالذنب تجاه ما حصل معها وتلوم نفسها.
_ إزدحام وسائل المواصلات والشوارع، خاصة في المناسبات الأمر الذي يخلق بيئة مشجعة على ممارسة هذا السلوك.
– الشعور بالعار حيث تشعر الضحية بالعار وقد لا تتقبل فكره كونها ضحية، أو تظن أنه كان يتوجب عليها وقف الاعتداء.
إضافة إلي تلك العوامل السابقة المسببة للتحرش الجنسي يرى البعض أن هناك أسباب أخري لانتشار ظاهرة التحرش الجنسي: مثل المظهر العام لبعض النساء وسلوكهن في الطريق العام، وأن الشباب معذور من كثرة من يراه من الفتيات وما يرتدينه من ملابس ضيقة تستحق التعرض للتحرش.
كما ربط البعض بين التحرش الجنسي وغياب الرقابة في المجتمع، فالفساد المالي والإداري للمؤسسات يؤدى بصورة ما إلى فساد أخلاقى خاصة، وأن الكثير من حالات التحرش الجنسي ضد المرأة في العمل تنتج من رؤوسائها الرجال، لما يتمتعون به من سلطة ونفوذ وإنعدام الرقابة[25].
صفوة القول مما سبق أن جريمة التحرش الجنسي هي ظاهرة إجتماعية متعددة الأسباب والعوامل يتشابك فيها ما هو إجتماعي بما هو إقتصادي وديني و تربوي وأيضا قانوني إلى غير ذلك من الأسباب والعوامل، وإن كان الجانب القانوني هو المسيطر والطاغي على دراستنا فإن السؤال المطروح متى نكون أمام جريمة التحرش الجنسي بالمعنى القانوني، وبصيغة أخرى ما هي الافعال التي تشكل جريمة التحرش حسب ما أورده المشرع في الفصل 503/1.
هذا ما سنقوم بتسليط الضوء عليه في الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية: أركان جريمة التحرش الجنسي.
نص الفصل 503_1 من القانون الجنائي المغربي على أنه:
“يعاقب بالحبس من سنة الى سنتين وبالغرامة من خمسة آلاف الى خمسين ألف درهم، من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو اية وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية”[26].
إنطلاقا من نص الفصل أعلاه يمكننا القول أنه لا يمكن الحديث عن جريمة التحرش الجنسي إلا في إطار علاقة سلطة أي علاقة رئيس بمرؤوس، علاقة آمر بمأمور قائمة بين الجاني والمجني عليه، وهو ما يستفاد من خلال إيراد المشرع عبارة,,,,,استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات إلخ، ثم أتبعها المشرع بعبارة مستغلا السلطة التي تخوله له مهامه، وبمفهوم المخالفة كل ما يخرج عن هذا الشرط لا يعتبر تحرشا بالمفهوم الضيق للنص حيث يربط المشرع قيام الجريمة بأن يكون الجاني شخصا يستغل سلطة وظيفته أو مهنته، و من ثمة يفلت من التجريم ما يصدر عن زميل في العمل أو عن زبون في مؤسسة….
لكن رغم هذا الشرط فإنّ جريمة التحرش الجنسي كغيرها من الجرائم تتطلب توفر ثلاثة أركان وهي ثلاثة: ركن مادّي أي إرتكاب الجريمة (أولا)؛ ثم ركن معنوي النّيّة المسبقة لدى المرتكب (ثانيا)؛ وركن قانوني مفترض أي أن يكون الفعل المرتكب مما جّرمه القانون وما دمنا قد تتطرقنا له سابقا سنقتصر على الركنين(المادي والمعنوي) فقط.
أولا: الركن المادي.
إن قيام جريمة التحرش الجنسي تتحقق بأن يلجأ الجاني إلى استعمال وسائل معينة، أهمها إصدار الأوامر، التهديد، الإكراه و ممارسة الضغوط قصد إجبار الضحية على الإستجابة لرغبات جنسية.
و يتكون الركن المادي من عنصرين أساسيين في وصف السلوك الإجرامي و هما، إستعمال وسيلة من وسائل العنف المادي أو المعنوي، ثم الغاية من استعمال الوسيلة و هي الحصول على أغراض ذي طابع جنسي.
الوسائل المستعملـة:
تتمثـل وسائل العنف المستعملة من طرف المتحرش فيما يلي:
1-1- إصدار الأوامر
يقصد به ما يصدر من رئيس إلى مرؤوس، من طلبات تستوجب التنفيذ، و قد يكون الأمر كتابيا أو شفويا، و من هذا القبيل، مدير المؤسسة الذي يطلب أو يستدعي إحدى المستخدمات أو الموظفات إلى مكتبه و يأمرها بغلق الباب أو تغليقه و خلع ثيابها مثلا[27].
1-2- التهــــديد
تؤخذ عبارة التهديد بمعناها اللغوي فلا يقتصر مدلولها على التهديد المجرم في الفصول 425و 426و 427 من القانون الجنائي المغربي[28]، و إنما يتسع ليشمل كل أشكال العنف المعنوي، و يستوي أن يكون التهديد شفويا أو بواسطة محرر أو مجرد حركات أو إشارات كأن يطلب المدير من مستخدمه قبول الاتصال به جنسيا و إلا فصلها عن العمل، إذ أن الأفعال، التعاليق، الملاحظات و الطلبات ذات الطابع الجنسي التي تقع في إطار العمل تعتبر تحرشا جنسيا إذا كانت ملحة و مضايقة، أو إذا كان أثرها على المستخدمين أو الطالبين للعمل مدعاة للخضوع أو رفض الخضوع للسلوكات المذكورة أعلاه بما يؤثر على القرارات التي ستتخذ بشأنــهــم[29].
1-3- الإكــــــراه
تجدر الإشارة في البداية أن المشرع الجنائي المعربي لم يعرف ما المقصود بالإكراه الذي يتطلبه التحرش الجنسي[30]، تاركا للفقه والقضاء تحديد مدلوله، وبالرجوع الى نص الفصل 124/2 ق.ج نجده ينص على مايلي:” لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الاحوال الاتية:
“اذا اظطر الفاعل ماديا الى إرتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها، إستحالة مادية، اجتنابها وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته”.
والنص يتكلم عن حالة الضرورة بمعنى الإكراه المادي، إلا أن الفقه الفرنسي توسع في تفسير النص المماثل في القانون الفرنسي كي يشمل حالة الضرورة، والإكراه المعنوي[31]، وعليه فالإكراه اما يكون ماديا أو معنويا:
- الاكراه المادي: يقصد به العنف الممارس على جسم الشخص الخاضع للإكراه، مما يؤدي الى انعدام الارادة كليا، وقد يكون هذا العنف الممارس عن طريق استعمال القوة الجسدية، كأن يقوم الجاني بضم إمرأة غصبا عنها معتمدا على قوته، كما قد يكون الإكراه ماديا عن طريق إستعمال وسيلة مادية كالسلاح، مثلا لتلبية رغباته الجنسية[32]
- الاكراه المعنوي:
يعرف الاكراه المعنوي بأنه إرغام الضحية أو المجني عليها على قبول الإتصال الجنسي عن طريق تهديدها بشر أو اذى جسيم على نحو يشل إرادتها ويدفعها إلى الإستسلام كتهديدها بنشر فضيحة عنها أو سر خاص، أو بإلحاق الاذى بها أو بعائلتها، وعلى العموم فكل تهديد بإلحاق الأذى بالمجني عليها في نفسها أو مالها أو سمعتها أو نفس أو مال أو سمعة شخص عزيز عليها يتحقق به إنعدام الرضا مما يوفر الإكراه المعنوي[33].
وبهذا يمكن القول أن الإكراه في جريمة التحرش الجنسي يتضمن 3 عناصر لابد منها وهي:
- أن نكون أمام اكراه سواء كان هذا الأخير اكراها ماديا أو معنويا.
- أن يقع على الأشخاص،أي على حساب شرفهم وأعراضهم.
- أن يكون المراد منه ممارسة أو تحقيق أغراض أو رغبات جنسية.
وبمفهوم المخالفة لا يعد تحرشا جنسيا إذا توفر عنصر الرضا، غير أن هذا الرضا لا يعتد به إذا تم التوصل إليه بالتهديد أو الوعد بمنصب شغل أو أي شكل من أشكال الإكراه، كما أن الصمت لا يعني بالضرورة توفر عنصر الرضا إذ أن الشخص القائم بالتحرش يعد مسئولا إذا ثبت بأن سلوكاته كانت ملحة و مضايقة.
1-4- إستعمال وسائل أخرى.
لم يحصر المشرع الأفعال التي يمكن إعتبارها تحرشا جنسيا في إصدار الأوامر والتهديدات وممارسة الإكراه (الفصل 503/1) ، وإنما ترك الباب مفتوحا لوسائل أخرى ويدخل في حكمها ممارسة الضغوط بشتى أنواعه.
وهذه الضغوط قد تكون بشكل مباشر أو غير مباشر و هنا يجب التنويه إلى أنه لا يشترط استعمال وسيلة معينة، و تبعا لذلك تقوم الجريمة حتى لمجرد إغواء أو مراودة إمرأة داخل مقرات العمل، و إجمالا يمكن القول أن التهديد و الإكراه و ممارسة الضغوط هي أشكال للعنف المعنوي و ثمة يثار التساؤل حول التمييز بين جريمة التحرش الجنسي و جريمتي الإغتصاب وهتك العرض و الفعل المخل بالأداب اللتان لا تستبعدان لقيامهما العنف المعنوي، لذلك يمكن القول أن جريمة التحرش الجنسي هي جريمة تبدأ بالقول لأنها تتضمن إيماءات أو تلميحات أو نظرات أو كلمات أو لمسات أو همسات ، بينما تنتهي بالفعل اذا إقترن القول بسلوك مادي فتصبح الجريمة آنذاك اما إغتصابا اذا تحققت أركانها حسب ما نص عليه المشرع المعربي في المادة “486”[34]، بمواقعة رجل لامرأة دون رضاها، أو جريمة هتك العرض اذا اقترن بالعنف أو بدونه[35] متى تم في عير المكان المخصص لذلك ودون موافقة المجني عليها.في حين تشترك كل من جريمة التحرش الجنسي وجريمة الفعل المخل للأداب في كون هذا الأخير ينطوي على أفعال أو اشارات تعد اخلالا علنيا بالحياء أو الأداب [36]ولا تمس الغير مسا مباشرا وهو الأمر الذي يشترك مع فعل التحرش الجنسي الذي يتضمن هو أيضا أفعالا وإيحاءات وتلميحات تخل بالحياء وتمس كرامة وحرية المجني عليها دون أن تقترن بفعل مادي مثل المواقعة أو هتك العرض، في حين يختلفان في كون الفعل المخل بالآداب يكون علنا وقد يكون بالتعري والتظاهر أمام الناس بمظهر منافي للأخلاق والأداب العامة في حين التحرش في غالبه يكون في سرية وهنا تكمن خطورة الجريمة وتنعكس على اثبات الجريمة.
2- الغاية من إستعمال الوسائل المذكورة:
ربط المشرع الجنائي المغربي ممارسة الضغوط السابقة بالحصول على منافع او أغراض جنسية في أن يتم إجبار الضحية على الغستجابة للرغبات الجنسية للجاني يمكن إيجازه في الآتي:
2-1- إجبار المجني عليه الإستجابـــة
يقصد به حمل المجني عليه القبول بالطلب الموجه له، و الإجبار يفيد عدم الرضا لدى المجني عليه، فان كانت راضية انعدمت الجريمة حسبما سبق التنويه إليه، و بالمقابل يتحول التحرش إلى هتك عرض أو فعل مخل بالحياء[37] مع استعمال العنف إن زاد عن حده و من الصعوبة بمكان رسم الحد الذي يتحول عنده الإجبار إلى عنف معنوي.
2-2- الأغراض الجنسية للجانــي
تتسع هذه العبارة لتشمل كل الأعمال الجنسية من التقبيل و الملامسة إلى الوطء، و يشترط القانون أن يكون الجاني هو المستفيد و ليس غيره و من ثم لا يسأل جزائيا من أجبر المجني عليه بما سبق من الوسائل على الاستجابة لرغبات غيره الجنسية، ما لم يشكل هذا الفعل جنحة تحريض قاصر على الفسق و الدعارة أو فساد الأخلاق، المنصوص عليها في الفصل 491 من القانون الجنائي المغربي و في هذه الحالة يشترط أن يكون المجني عليه قاصرا، أو جنحة وساطة في شأن الدعارة المنصوص عليها في الفصل 498 من نفس القانون، و في هذه الحالة يشترط أن يكون ذلك بمقابل فضلا على اعتياد المجني عليه ممارسة الدعارة.
ثانيا: الركن المعنوي(القصد الجنائي).
يقصد بالقصد الجنائي أو الركن المعنوي اتجاه إرادة الجاني نحو تحقيق الوقائع المكونة لجريمة التحرش الجنسي من (تهديدات أو أوامر أو ضغوط وإكراه,,,)من أجل الوصول إلى المبتغى المنشود والذي عبر عنه المشرع بالأغراض الجنسية مع إحاطته أو علمه بأن هذه التصرفات يجرمها القانون[38].
ونظرا لغموض جريمة التحرش لكونها تقوم على أقوال و أفعال و حركات، وتهديدات[39]، فإن هذه الجريمة تتطلب قصدا جنائيا، بل لا يمكن تصورها بدون هذا القصد و تبعا لذلك لا تقوم الجريمة إذا إنعدم القصد الجنائي لدى الجاني كأن تتجه إرادته الى إبداء الإعجاب بالضحية ليس الا، أو أن تتجه ارادته الى الجط من قيمتها وتصغيرها امام زملائها فلا يمكن اعتبار هذه التصرفات تحرشا بالمعنى الدقيق للتحرش[40] لأنه لا يوجد في القانون المغربي نصا يجرم هذا السلوك.
إن إثبات الركن المعنوي لجريمة التحرش الجنسي، من خلال تحديد العلاقة السببية بين الأفعال الموصوفة بالتحرش، و بلوغ الجاني النتيجة الإجرامية المقصودة و المتمثلة في تلبية رغبات جنسية أو الحصول على فضل ذي طابع جنسي، يعد من الصعوبة بمكان إن لم نقل أنه يستعصى في أغلب الأحيان، ما عدا الأفعال الموصوفة بالتحرش لفظية كانت أو جسدية و التي تحمل دلالة واضحة لا لبس فيها كعزل الضحية بالمكتب و إغراؤها أو تهديدها مقابل الرضوخ لنزوات جنسية، إذ أن أغلب الأفعال الموصوفة بالتحرش تقع تحت طائلة التلميح من خلال استعمال ألفاظ و عبارات و جمل تحمل أكثر من معنى، إذ يكون المعنى المشير للجنس الأقرب للتصور و الأكثر بداهة أو من خلال الاستعمال أو اللجوء إلى حركات و إيماءات جسدية، تختلط فيها النية المتعمدة المقصودة بمجرد سلوك قد لا يثير لغير المتحرش به أي رد فعل.
ونظرا لأهمية اثبات جريمة التحرش الجنسي من الناحية القانونية وما تطرحه من صعوبات، إرتأينا تخصيص المطلب الثاني لدراسة هذا الجانب وذلك على الشكل التالي:
المطلب الثاني:اثبات جريمة التحرش الجنسي.
تجدر الإشارة في البداية أن المشرع المعربي لم يقم بتحديد الوسائل التي من الممكن إثبات جريمة التحرش الجنسي من خلالها، لذلك وحسب المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية يمكن اثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الاثبات ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ومادام المشرع الجنائي لم يستثنى جريمة التحرش الجنسي بنص خاص فإنه يجوز إثبات هذه الأخيرة بكل وسائل الإثبات القانونية بما فيها إعتراف الجاني على نفسه وإن كان من الحالات الناذرة التي يسجل فيها إعتراف الجاني على نفسه، وكذا شهادة الشهود، بالإضافة الى الخبرة و المحررات أو ما يصطلح عليه بالمكاتيب الخ….
ولذلك سوف نتطرق لتعريف الإثبات الجنائي في (الفقرة الأولى)، ثم وسائل إثبات جريمة التحرش الجنسي في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ماهية الإثبات الجنائي.
ان البحث في ماهية الدليل أو الاثبات الجنائي يتطلب منا تبيان معناه اللغوي والاصطلاحي وأيضا القانوني، ونظرا لوقوع الكثير من القانونيين وغيرهم في الخلط بين مفهوم الدليل والإثبات إرتأينا تبيان المقصود بكل منهما (أولا)، ثم القواعد التي تحكم أو تؤطر نظام الإثبات الجنائي(ثانيا).
أولا:مفهوم الاثبات أو الدليل.
تعريف الدليل.
تعددت الأراء بشأن تعريف الدليل، وعلى العموم يمكن تعريفه من ناحيتين:
- الناحية اللغوية:
يقصد بالدليل من الناحية اللغوية المرشد وما يتم به الارشاد وهو ما يستدل به، والدليل هو الدال أيضا، والجمع أدلة ودلالات[41]، وورد في مختار الصحاح أن الدليل ما يستدل به، وقد دله على الطريق أي أرشده، يدله بالضم دلالة بفتح الدال وكسرها ودلولة بالضم والفتح أعلي ويقال أدل والاسم الدال بتشديد اللام، فلان يدل فلانا أي يثق به، قال ابو عبيد، الدال ريب المعنى من المعنى من الهدى وهما في السكينة والوقار في الهيئة والمنظر وغير ذلك.
- أما من الناحية الاصطلاحية:
يراد به ما يلزم من العلم به شيء آخر وغايته أن يتوصل العقل على التصديق اليقيني بما كان يشك في صحته، أن التوصل به على معرفة الحقيقة.
أما من الناحية القانونية:فيراد به الوسيلة التي يستعين بها القاضي للوصول الى الحقيقة التي ينشدها،والمقصود بالحقيقة هو كل ما يتعلق بالوقائع المعروضة على القاضي لإعمال جكم القانون عليها[42].
كما عرفه البعض بأنه: الواقعة التي يستمد منها القاضي البرهان على إثبات إقتناعه بالحكم الذي ينتهي اليه[43]، على دليل إثباتها وأما الوسيلة فتطلق على ما يتوصل به الى الشيء وهو عمل الدليل.
أما الإثبات فيقصد به بصفة عامة الدليل و البرهان على حقيقة أمر من الأمور توصلا لغاية معينة و هو ما يسمى بالإثبات العام أو الإثبات العملي.
ويعني الإثبات في معنى ثاني، النتيجة المحصل عليها باستعمال وسائل الإثبات المختلفة، أي إنتاج الدليل، و يتم هذا الإنتاج عن طريق جمع الأدلة في مرحلة أولى و تقديمها لقضاء التحقيق أو للنيابة العامة قصد تمحيصها، فإذا نتج عن هذا التمحيص أدلة تثبت الإدانة،أحيلت على مرحلة المحاكمة، حيث يتم تقدير قيمة الحجج و الأخذ منها بتلك التي تولد الجزم و اليقين في دائرة إقتناع القاضي، بحيث إذا تحقق هذا الجزم،وجب تبرئة ساحة المتهم[44].
وعلى العموم يعرف الفقه الإثبات في المادة الجنائية[45]، بأنه اقامة الدليل أو البرهان على إسنادها إلى المتهم أو براءته منها.
انطلاقا من التعاريف السابقة التي أعطيت لكل من الدليل والإثبات نخرج بخلاصة مفادها أنه كثيرا ما يقع الخلط بين تعريف الدليل والإثبات وذلك لما لهما من علاقة في الاجراءات القضائية، لذلك يمكن القول أن كلمة الاثبات في معناها العام تعني كل المراحل الي تمر بها العملية الاثباتية بدءا من جمع عناصر التحقيق والدعوى تمهيدا لتقديم المتهم لسلطة التحقيق الابتدائي.
فإذا أسفر هذا التحقيق عن دليل أو أدلة ترجح معها ادانة المتهم قدمته الى المحكمة، فإذا اقتنعت بتوافر أدلة ادانته أدانت المتهم، وإلا حكمت لصالحه في حالة عدم التوصل على يقين ادانته حيث القاعدة أن الشك يفسر لصالح المتهم.
في حين أن الدليل هو المحصلة أو النتيجة النهائية لكل مراحل الاثبات المختلفة، لهذا فمفهوم الاثبات أوسع على أن ينحصر في كلمة دليل[46].
إن العمل و الحزم على إثبات جريمة التحرش الجنسي من خلال دليل مادي ملموس يعتبر من المسائل الشائكة والمعقدة التي تستوجب إظهار دليل متماسك وفق المعايير التي حددها المشرع الجنائي المغربي و بالرجوع إلى الفصل 503/1 الذي ينظم جريمة التحرش الجنسي نجد المشرع قد حدد مسبقا العناصر التي تشكل هذه الجريمة، والتي يجب على المدعي اثباته حيث يفهم من قراءة الفصل أن المشرع ترك عبء الإثبات فيها على عاتق المجني عليه الذي يوجب عليه اقامة الدليل.
وعليه فمسألة إثبات جريمة التحرش الجنسي تبقى مسألة جد صعبة لان الفاعل أو مرتكب الجريمة يقترف فعله في سرية تامة متخذا كل التدابير و جميع الاحتياطات التي من شأنها استبعاد كشف سلوكه الإجرامي وأمام سكوت المشرع عن تنظيم اثبات جريمة التحرش الجنسي فالتساؤل المطروح كيف يمكن اثبات جريمة التحرش الجنسي في ظل القواعد العامة التي تحكم الإثبات في المسائل الجنائية؟.
هذا ما سوف تتم الاجابة عنه من خلال الآتي:
ثانيا: القواعد التي تحكم قواعد الإثبات الجنائي.
يحكم الإثبات في القضايا الجنائية مبدأ الإثبات الحر خلافا لإثبات المسائل المدنية المقيد، حيث تنص المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية المغربية على أنه:
“يمكن اثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الاثبات ماعدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا للبند 8 من المادة 365 الاتية بعده.
اذا إرتأت المحكمة أن الإثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته”.
يفهم من قراءة المادة 286 أعلاه أن الاثبات في القضايا الجنائية اثبات حر، حيث يجوز للمدعي أن يستدل بكل الوسائل التي أقرها القانون ما لم يقضي القانون خلاف ذلك، ويستند هذا المبدأ على كون الإثبات في المادة الزجرية ينصب على وقائع اجرامية مادية وليس على تصرفات قانونية[47] التي تستلزم نوعا محددا من الأدلة، بحيث لا يجوز الإستدلال بغيرها.
وبالتالي فالأصل هو حرية الإثبات والذي يقابله الحرية في الاقتناع الذي يجب أن يكون مبررا وهي مجموعة من المبادئ التي تطبق في المادة الجنائية، وفي مقابل ذلك نجد أن لهذه القاعدة عدة استثناءات[48].
و انطلاقا من مضمون المادة 286 أعلاه يجوز إثبات جريمة التحرش الجنسي بكل وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود و الإعتراف والمحررات وأيضا الخبرة وغيرها من طرق الإثبات حيث لم يحدد المشرع في الفصل 503/1 الوسائل التي يمكن اثبات جريمة التحرش من خلالها، مما يستخلص معه أن المشرع قد ترك الباب مفتوحا أمام المدعي لإثبات دعواه بكل الطرق القانونية وذلك لصعوبة اثبات جريمة التحرش الجنسي لأنها تتكون من أفعال هي عبارة عن تهديد وإكراه وإيحاءات وأقوال يصعب من الناحية العملية اثباتها ما لم تقترن وتعزز بأفعال مادية ملموسة، بالإضافة الى كونها جريمة حديثة لم يكن ينص عليها المشرع سابقا.
ونتيجة لما سبق يبقي للقاضي السلطة التقديرية في تقدير وترجيح أدلة على حساب أخري و هذا ما أكدته المادة 286 من ق.م.ج بقوله:” و يحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم، و يجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا للبند 8 من المادة 365 “، و في هذا الصدد جاء في قرار للمجلس الأعلى ما يلي:” يجب أن يكون كل حكم معلل من الناحيتين الواقعية و القانونية، وإلا كان باطلا، وأنه إذا كان من حق القضاة أن يكونوا اقتناعهم في جميع الأدلة المعروضة عليهم، فيجب أن تؤدي تلك الأدلة منطقيا و عقلا إلى النتيجة التي انتهوا إليها”.
والقاضي الجنائي وهو في سبيل تكوين اقتناعه عملا بالنظام الوجداني يجب عليه أن يراعي مجموعة من الضوابط والشروط نبرزها فيما يلي:
1 ـ لابد من طرح الدليل في الجلسة لمناقشتة شفاهيا وبحضور الأطراف حتى يدلـي كل واحد برأي فيه، و بالتالي لا يجوز للقاضي الفصل في الدعوى اعتمادا على دليل وصل إلى علمه الشخصي مـن غير أن يطرح المناقشة في جلسة المحاكمة.
2 ـ لابد من بناء الحكم الجنائي على الجزم و اليقين لا على مجرد الترجيح و التخمين، و الذي تعتـبـر في منزلة الشك و الذي يفسر لجهة مصلحة المتهم وفقا للقاعدة المأثورة، وإلا وقع نقض الحكم المشوب بعيب الشك و التخمين، و في هذا الصدد صدر قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 19/11/70 نص على مايلي:
” فإذا كانت المحكمة قد صرحت بأنها لم يوضع تحت يديها دليل مادي قاطع يثبت الجريمة، ورغم ذلك فقد قررت إدانة المتهمة فهذا يكفي لنقض حكمها إذ الأحكام يجب أن تبنى على الجزم و اليقين لا على الشك و التخمين”.[49]
3 ـ لابد أن يكون إقتناع القاضي مبني على وسيلة إثبات مشروعة و صحيحة.
والمشروعية في البحث عن الأدلة الجنائية، يشمل مطابقة العمل للقانون ومطابقة للضمير والإستقامة و النزاهة، من لدن المكلف بجمع الأدلة، وخرق المشروعية في مجال الأدلة قد يتخذ شكل دليل محصل عليه بارتكاب جــريمـة كالخبرة المقامة بعد تقديم رشوة، أو الإعتراف المنتزع بعنف و إكراه.
4 ـ لابد أن تكون الأدلة المعتمد عليها في تأسيس الحكم واقعية وقانونية مؤدية إلى النتيجة التي أعلنها الحكم ومعللا بذلك تعليلا واقعيا وماديا، وجاء في هذا الصدد قرار المجلس الأعلى مفاده: ” يجــوز إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، إلا في الأحوال التي يستوجب القانون فيها أو يحضر وسيلة معينة من هذه الوسائل ويحكم، ويتعين أن يتضمن المقرر الأسباب الواقعية والقانونية التي تبرر اقتناع القاضي ولو في حالة البراءة.
الفقرة الثانية:وسائل اثبات جريمة التحرش الجنسي.
يجوز اثبات جريمة التحرش الجنسي بكل وسائل الاثبات القانونية والمشروعة، ومادام المشرع الجنائي المغربي لم يحدد وسائل اثبات هذه الجريمة بوسيلة محددة بمدلول الفصل 503/1 حيث يحيل هذا الأخير بشكل ضمني للقواعد العامة التي تحكم قواعد الإثبات إرتأينا تناول أهمها(ثانيا)،وإذا كان الأصل في الإنسان البراءة فإن السؤال المطروح من يتحمل عبئ الإثبات امام سكوت النص(أولا).
اولا:عبئ الاثبات
إن الأصل في الانسان البراءة نزولا على المبدأ المشهور الذي يقضي بأن الأصل هو براءة المتهم[50]، فإن عبء الإثبات يتحمله من يدعي خلاف هذا الأصل، لأنه لا معنى لأن يكلف الشخص المراد مساءلته جنائيا بإثبات أنه بريء وهو كذلك بحسب الأصل، وبالتالي فإن أهم ما يترتب على قرينة البراءة،أن المتهم لا يتحمل عبء إثبات براءته، لأنها مفترضة ويترتب أيضا عن هذه القاعدة أنه في حالة العجز عن إثبات ما وقع الإدعاء به بالدليل القاطع فما على القاضي الجنائي إلا إعلان براءة المتهم المفترضة أصلا، بل له أكثر من ذلك، أن يعلن البراءة حتى لو قدم دليل في القضية لم يتمكن معه القاضي من تكوين قناعته التامة في الجريمة المنسوبة إلى المتهم بسبب الشك الذي بقي مساورا لعقيدته بصددها لأن الشك كما هو معلوم يفسر لصالح المتهم[51].
وبما أن النيابة العامة تعتبر في القانون مبدئيا الطرف المدعي في الدعوى العمومية فإن عبء الإثبات يقع على عاتقها مستعينة بطبيعة الحال بالحجج التي يتقدم بها المطالب بالحق المدني إن وجد، لذلك مبدئيا يجب أن تقدم الدليل على توافر كل عناصر الجريمة المادية وظروف تشديدها إن وجدت،وإسنادها إلى المتهم باعتباره إما فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا فيها كما يقضي بذلك النص الموضوعي، ويمكنها أن تستعين في إثبات وقوع فعل مجرم و نسبته إلى المتهم أو العمل على تبرئة ساحته إذا ما إقتنعت ببراءته بكل الوسائل الإثباتية المعروفة من اعتراف أو شهادة شهود أو قرائن قوية و منطبقة…،أما إن هي عجزت عن ذلك لا يجوز لها أن تنقل عبء الإثبات إلى المتهم، و يكلف بإثبات أنه بريء ما دام هو المستفيد من قرينة البراءة و بالتالي قد يكتفي بإنكار التهمة الموجهة إليه أو أن يلوذ بالصمت فقط حيث لا يلزمه ذلك بشيء، اللهم إذا أراد تقديم الدليل على براءته بمبادرة إرادية منه فله ذلك[52].
إلا أنه وعلى سبيل الإستثناء قد يحدث بأن تقوم النيابة بممارسة اختصاصها بالإثبات في القضايا الزجرية إما باثبات الإدانة أو عدم وقوع الفعل المجرم المتابع به والمنسوبة إليه. ونأخذ في مثالنا الحالة الأولى،حالة العمل على إثبات إدانة المتهم بجريمة معينة، كجريمة القتل العمد ويتدخل المتهم بشكل إرادي كما أسلفنا الذكر ليزيل ويحيد عنه هذه التهمة و في معرض ذلك يدلـــي بدفع يريد من ورائه التحلل عمليا من المساءلة الجنائية و بالتالي العقاب و يتمسك بوجه من أوجه الدفاع، كتوفر مانع من موانع المسؤولية(عذر مخفف أو معفي من العقاب، سبب تبرير،واقعة تقادم..) فهل في هذه الفرضية المطروحة يكلف بإثبات الوقائع التي دفع بها بقصد الإعفاء أو التخفيف، أم إن إثبات العكس يكون على عاتق النيابة العامة؟
الإجابة عن هذا السؤال إتخذ وجهتين، الأولى وهي للفقيه كارو، فيها يرى على أن النيابة العامة بالإضافة إلى تحملها لعبء إثبات أركان الجريمة وأدلى المتهم بدفع يدلي فيه بسبب تبرير لقيامه بها، أن تقوم بإتمام اختصاص عبء الإثبات و ذلك بإثبات عدم صحة دفع المتهم، بعد أن تثبت أركان الجريمة بعنصريها كما هي محددة في النص الموضوعي.ورأيه هذا مؤسس على كون إثارة مثل هذه الدفــوع، تثير حالة من حالات الشك والتي ينبغي تفسيرها لمصلحة المتهم، وعلى النيابة العامة إزالة هذا الشك ويكون ذلك بإثبات نقيض المدفوع به، وبالتالي فالموقف يستند على قاعدة متأصلة مفادها”الشك يفسر لمصلحة المتهم”.
الوجهة الثانية، هي لموقف الفقيهين دونديو، دي فابر، ومقتضاها أن على المتهم الذي أثـبتت جهـــة الإدعاء النيابة العامة نسبة الجريمة إليه أن يقوم بإثبات صحة دفعه المتعلق إما بوجود سبب تبرير أو عذر مخفف أو معفي..، وإلا وجب عقابه إن هو عجز عن ذلك، وتأسيس موقفهم هذا ينبني على أساس المتهم المدلي بالدفع يصبح في الحالة هذه مدعيا بما ادعى به وما عليه إلا أن يقوم بإثباته لأن البينة على من ادعى، ومنه نستنتج بأن الموقف الثاني يذهب إلى التلطيف من ثقل عبء الإثبات الملقى على جهــة الاتهام ليلقي على الأقـل بجزء منه على ساحة المتهم في حالة إثـارته لدفع يفيد به عدم تحقـق أركـان الجريمة، ويطعن في ملابسات ظروفها كما أثبتتها النيابة العامة.
واذا قمنا بإسقاط هذه القواعد على جريمة التحرش الجنسي يمكن القول أن هذه الجريمة تعتبر جريمة جد صعبة في مجال إثباتها أمام القضاء، لان الجاني قد يأخذ كل الاحترازات و الإحتياطات اللازمة لاستبعاد كشفه، وعليه يبقى إقامة دليل الإثبات وفقا للقواعد العامة للإثبات على عاتق المجني عليه استنادا لمبدأ قرينة البراءة، حيث يكون المجني عليه مطالب بتقديم الأدلة لتبرير صحة ادعائه أمام القاضي هذا الاخير الذي يملك السلطة التقديرية في قبول هذه الادلة أو نفيها حسب اقتناعه الشخصي طبعا.
لذلك نتساءل عن طبيعة هذه الأدلة التي يمكن للمجني عليه الإستعانة بها لاثبات جريمة التحرش،وهو ما سوف تتم الاجابة عنه من خلال الآتي بيانه:
ثانيا:وسائل إثبات جريمة التحرش الجنسي
نظرا لتعدد وكثرة وسائل الاثبات التي يمكن الاستعانة بها لإثبات جريمة التحرش الجنسي والمنصوص على عقوبتها في الفصل 503/1 ارتأينا أن نقوم بتناول أهمها بالشكل الذي يتناسب وطبيعة الجريمة موضوع الاثبات، وعليه فإننا قسمنا هذه الوسائل إلى قسمين قسم خاص بوسائل الإثبات التقليدية والمتعارفة مثل الشهادة،والخبرة، والإعتراف والأوراق أو المحررات، وقسم آخر متعلق ببعض وسائل الإثبات الحديثة أو العلمية.
- وسائل الإثبات التقليدية:
الإعــــــتـــــــراف:
الإعتراف هو شهادة المتهم على نفسه، يعترف بواسطته بالتهمة أو بإرتكابه الجريمة إما بصفته فاعلا أصليا لها أو مساهما بالتهمة أو مشاركا فيها، فهو بهذا التحديد (أي الإعتراف)، عبارة عن شهادة المتهم على نفسه بأنه مرتكب الوقائع الجنائية المنسوبة إليه،إذ يتخذ شكل تصريح يدلي به المتهم أمام الجهات المختصة،و ينسب بمقتضاه الى نفسه مسؤولية إرتكاب الجريمة كليا أو جزئيا[53]، وقد إعتبر الإعتراف في ظل الإثبات المقيد سيد الأدلة، و كان يكفي وحده لتوليد الإقتناع، وفي العصر الراهن لم يبق للاعتراف من الوجهة النظرية تلك الحجية المطلقة، فهو يخضع كغيره من وسائل الإثبات للسلطة التقديرية للقضاة، ذلك أنه في ظل قانون المسطرة الجنائية الصادر سنة 1959و الملغى بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد النافذ في فاتح أكتوبر 2003،لم يكن يخصص للاعتراف أي نص قانوني خاص، وهو ما تداركه القانون الجديد السابق الذكر في مادته293 التي تنص على خضوع الإعتراف للسلطة التقديرية للقضاة تكريسا بذلك للإجتهاد القضائي الذي كان يؤكد قبل صدور قانون المسطرة الجنائية الجديدة على الحكم الذي قننه في الفصل [54]293.
والاعتراف قد يصدر من المتهم في جلسة المحاكمة أو أمام قاضي التحقيق و يسمى بذلك اعترافا قضائيا، و قد يصدر الاعتراف عن المتهم في غير جلسة المحكمة، و مع ذلك يصل هذا الاعتراف إلى القضاء بطريقة غير مباشرة بفرضية سرد الشاهد الاعتراف الذي أمر به المتهم إليه، و قد يصدر الاعتراف في محضر البحث التمهيدي أمام الضابطة القضائية، أو في ورقة صادرة عن المتهم و في هاتين الحالتين يسمى بالاعتراف غير القضائي وعموما فإن الاعتراف المعنون بسيد الأدلة في الإثبات هو الاعتراف القضائي من الناحية العملية، يحسم في غالبية الأمور من الحالات في موضوع الدعوى العمومية، و لكنه لكي يعتد بالاعتراف كدليل من أدلة الإثبات يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط لصحته فإذا توفرت اعتبر الاعتراف وسيلة تخضع لتقدير القاضي، فله أن يأخذ به أو أن يطرحه بعد أن يعلل موقفه في كلتا الحالتين. و بالتالي لابد أن يكون الاعتراف دالا على الحقيقة و صادرا من المتهم شخصيا، ذلك أنه إذا صدر عن غيره اعتبر من قبيل الشهادة، وسواء كان هذا الغير متهم معه في نفس الجريمة، كما أنه لابد أن ينصب على محل الإثبات، أي الوقائع المكونة للركن المادي للجريمة، كما أن وضوح الاعتراف مسألة مهمة في تقدير اقتناع القاضي بحيث يجب أن يبتعد عن الغموض و اللبس، و بالتالي لابد أن يكون مفصلا ما أمكن حتى لا يحتمل تأويلات و تفسيرات عدة، إذ لا يكفي القول الصادر عن المتهم شخصيا بأنه كان على علاقة غير جيدة و سيئة مع المقتول في الجريمة،أو فعلا كان موجودا في مسرح وقوع الجريمة، أو لاعتباره مدينا له بمبلغ مالي خيالي يصعب رده له ليستفاد من اعترافه بأنه هو فعلا من ارتكب ما هو منسوب إليه،نعم يمكن اعتبارها بمثابة قرائن حال،لابد من إسنادها بوسائل و أدلة أخرى كشهادة الشهود للقول فعلا بارتكاب الجرم المنسوب له، و عليه فالاعتراف الضمني يبقى مثيرا للشك الذي لا يزال إلا بإسناده بأدلة أخرى،و بالتالي يعتد بالاعتراف الصحيح،و أخيرا أن يكون الاعتراف صادرا من المتهم بطواعية و اختيار،وأن يكون سليم العقل تام الإدراك وقت هذا الاعتراف بحيث لا يجب أن ينتزع منه بالقوة و الإكراه و التعذيب تحت طائلة العقوبات الوارد بالتنصيص عليها في الفصول 225و 231 من القانون الجنائي المغربي.[55]
ومن المعروف أن الإقرار في النطاق المدني لا يقبل التجزئة و من ثم يمنع على القاضي المدني تجزئته و بالتالي إما أنه يأخذ به كله أو يطرحه و لا يأخذ به كله و ذلك بتصريح نص الفصل 414 من ظهير قانون الالتزامات و العقود: “لا يجوز تجزئة الإقرار ضد صاحبه…”لكن للقاضي الجنائي أن يجزى اعتراف المتهم،رفيأخذ الجزء الذي يطمئن إليه،و يطرح الباقي و يتحقق ذلك في الاعتراف المركب، ومثاله اعتراف متهم بارتكابه لجريمة و يدعي أنه كان في حالة دفاع شرعي، فيمكن للمحكمة أن تأخذ الاعتراف المنصب على ارتكاب الجريمة، دون أن يقتنع القاضي في حالة الدفاع الشرعي التي لم تثبت لديه لكن لابد من تعليل حكمه، وأخيرا ما دام الاعتراف دليلا من أدلة الإثبات يخضع في تقدير قيمته الإثباتية لتقدير القاضي الزجري فإن الرجوع عن الاعتراف من قبل المتهم يخضع كذلك لسلطة القاضي التقديرية في الأخذ بالاعتراف رغم عدول المعترف عنه، أو عدم الأخذ به و في كلتا الحالتين لابد من تعليل موقفه كما تقضي بذلك القواعد العامة في تعليل الأحكام.
2- الشــــــهــــــادة:
الشهادة إخبار أو رواية يرويها شخص عما أدركه مباشرة بحواسه عن واقعة معينة، و تأخذ شكل تصريح يدلي به صاحبه، و يدون بمحضرو يعتمد عليه في الإثبات بعد أداء اليمين، و توفر الشروط القانونية.
أما من حيث أنواع الشهادة فهي قد تكون إما مباشرة، و هي التي يتم فيها اتصال الشاهد مباشرة بالمرافعة محل الإثبات، بحيث يشهد بما عاينه و أدركه مباشرة، و إما شهادة غير مباشرة تتم عن طريق التواتر،كان يروي الشاهد بأن غيره قد رأى الواقعة محل الإثبات، و تسمى بذلك شهادة التواتر و النقل أو السماع، و هذه الأخيرة لا تعدو وسيلة إثبات و إنما هي طريق الاستدلال يمكن الاستئناس بها، و مع ذلك فإن الشهادة لا تؤدي دورها إلا إذا كانت خالية من الموانع إذ أوجب القانون على الشاهد،أداء اليمين القانونية طبقا للمواد[56]123 و[57]331 من قانون المسطرة الجنائية.
و يتعين على الشاهد المستدعى لأدائها الحضور والإدلاء بها[58]، بعد أداء القسم على أساس أن المشرع رتب على عدم القيام بهذه الواجبات جزاءات جنائية كالغرامة في حق هذا الشاهد المتخلف عن الحضور، أو إلزامه وإجباره على ذلك أو متابعته بدعوى الزور. ومنه نجد المشرع قد عالج كيفية استدعاء الشهود، وكذا إجراءات الإستماع إليهم أمام قاضي التحقيق و كذا أمام قاضي الحكم هذه الكيفيات والإجراءات تبتدئ من المواد 117 وما يليها و المادة 325 وما يليها.كما أنه تجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يتعرض إلى كيفية اخذ أقوال الشهود في مرحلة البحث التمهيدي، و يكفي إظهارا لذلك امتناع تحليف الشاهد اليمين في هذه المرحلة، و بالتالي فالأسئلة التي تبقى مطروحة بخصوص الأحكام المتعلقة بأداء الشهادة خلال مرحلة التحقيق الإعدادي أو أمام قاضي الحكم هي: ما هي كيفيات استدعاء الشهود و ما يترتب من جزاء عن تخلف الشاهد بحضوره لأدائها أو تغييره الحقيقة فيها عمدا؟ وكيف يتم أداءها و قيمتها الإثباتية؟
يتم إستدعاء الشهود إما من قبل المحكمة تلقائيا أو بناء على طلب من النيابة العامة أو المتهم أو المطالب بالحق المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية، و بالتالي فالملاحظ أن الأطراف المعينة أساسا (المادة 325 من ق.م،ج) بتعزيز مواقفها إما في الدفاع و إما في الاتهام في مرحلة المحاكمة،أما بخصوص طريقة الاستدعاء للشهود فتكون بإحدى الفرضيات التالية: إما برسالة مضمونة مع إشهاد بالتوصل أو إشهاد بريدي بتسلمها، أو بواسطة استدعاء يبلغه عون مكتب التبليغات أو عون قضائي أو بالطريق الإداري و هذا ما يوحي به نص الفقرة 2 من المادة 325 من قانون المسطرة الجنائية.
وتعتبر الشهادة في جريمة التحرش الجنسي من أهم الوسائل على إعتبار أن الجريمة تنطوي على أفعال و حركات و إيماءات قد لا يفهمها أو يعطي لها بالا غير المتحرش به، فشهادة الشهود هي الطريق الوحيد لإثبات الجريمة لأنها تنصب في المعتاد على حادثة عابرة تقع فجأة و لا يسبقها اتفاق، و بالتالي إن الشهادة هي تصريح الشخص بما رآه أو سمعه أو تحسسه بباقي حواسه، ذات صبغة معنوية أي أنها تنصب على مجرد أقوال مستقاة من المشاهدة أو الاستماع عن طريق الحواس، و يرجع القاضي في تقديره لصحة الشهادة إلى عاملين، الواقعة المشهود عليها و مدى احتمال وقوعها منطقيا من جهة، و من جهة أخرى الشهادة الخاصة و هي تتعلق بمدى نزاهة الشاهد و علاقته بالخصم أي المتهم.
3)المحرارات أو الدليل الكتابي:
يعتبر الدليل الكتابي من أهم وسائل الإثبات التي نظم المشرع أحكامها ويتمثل الدليل الكتابي في الأوراق والمحررات والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم يمثل جسم الجريمة أي أنه يدل على وقوع الجريمة ومثال على ذلك الورقة المزورة والعقد المزور أو رسائل التهديد الموجهة من المشعل الى الأجيرة لإجبارها على القيام بالمعاشرة أو لقاء جنسي خارج العمل الخ، فهذه الأوراق تدل على وقوع الجريمة. وقسم آخر يكون المحرر أو الورقة مجرد دليل على وقوع الجريمة، أي أنه دليل من بين أدلة الدعوى يستدل به على واقعة تثبت وقوع الجريمة وهذا القسم ينقسم بدوره إلى قسمين أوراق ومحررات خاصة ثم المحاضر الرسمية.
الأوراق والمحررات الخاصة:
ويقصد بها تلك التي تصدر عن المتهم نفسه أو عن الغير.
- المتهـم نفـسـه:
تدخل في زمرة الأدلة الكتابية التي يستعان بها لإثبات الفعل الإجرامي تلك الأوراق الصادرة عن المتهم، والتي يكتبها على شكل رسائل مثلا، من أجل التهديد أو الاكراه أو القذف أو رسائل موجهة إلى شخص ما تتضمن الإخبار بارتكاب جريمة من طرف المرسل أو من طرف أشخاص يعملون تحت إمرته أو متواطئين معه مساهمين أو مشاركين، وكذلك المذكرات التي يكتبها الشخص لنفسه دون نية إرسالها للغير، وتتضمن ارتكاب جريمة معينة أو اعترافا معينا…. .
وتأسيسا على ما سبق يمكن القول أن جميع وسائل الاتباث لا يمكن إعتبارها دليلا في عملية الإثبات إلا إذا تم الحصول عليها بطريقة مشروعة وقانونية كأن يتم الإدلاء بها ممن يحوزها طواعية سواء كان المتهم أو غيره. أو يتم حجزها عن طريق تفتيش المنزل مع مراعاة الشكليات التي يفرضها القانون في تفتيش المنازل أما إن هي وقع الحصول عليها بطريق غير مشروع كالسرقة أو الحجز أثناء تفتيش باطل لمنزل فالمحكمة لا تعتد بها وينبغي استبعادها لها.
- الــغــيـــر:
كما تعتبر الأوراق الصادرة عن غير المتهم، وسيلة من وسائل الإثبات الكتابية بحيث يشترط فيها أن تكون منتجة في إثبات الوقائع التي تتضمنها.
والغير يمكن أن يكون إما شخصا عاديا – أي بدون صفة – ولو لم تكن له صلاحية جمع الأدلة عن الجريمة، ولكن المحرر الذي يصدر عنه تكون له علاقة بالجريمة[59].
كما يمكن أن يكون هذا الغير موظفا عموميا له صفة معينة لكنه لم يعهد له بالتثبت من الجريمة ولكنه حرر بمناسبة وظيفة وثيقة لها علاقة بالجريمة.
كأن يكون مثلا موظفا مكلف بتصحيح الإمضاءات بأحد الجماعات الحضرية فيتبين له أن نسخة بطاقة التعريف الوطنية موضوع المصادقة على صحة ومطابقة ما جاء فيها، مزورة وبالتالي فتكون هذه النسخة دليلا كتابيا على ارتكاب صاحب البطاقة أو غيره جريمة التزوير…
ونتيجة لما سيق نخلص بخلاصة مفادها أن القيمة الاثباتية للأوراق الصادرة عن المتهم أو عن الغير في جريمة التحرش الجنسي أو عيرها ، فإنها تبقى خاضعة لقاعدة الاقتناع الوجداني للقاضي الجنائي عند استخلاص قناعته من الدليل أي كان. ويصح هذا القول خصوصا بالنسبة للمحررات التي لا يجادل المتهم في صدورها منه فتعتبر حينئذ اعترافات منه تقدرها المحكمة بمطلق الحرية.
- بعض وسائل الإثبات الحديثة والعلمية
إلى جانب وسائل الإثبات التقليدية الإعتراف المحررات، الشهادة، الخبرة، المحاضر التي يستعان بها لإثبات جريمة التحرش الجنسي، فإن التقدم العلمي قد أفرز عدة وسائل علمية متطورة، يمكن الأستعانة بها لإثبات الجريمة مثل التسجيل الصوتي سواء عن طريق وضع رقابة على الهواتف أو تركيب ميكروفونات حساسة تستطيع التقاط الأصوات، وتسجيلها، وتعتبر أكثر دقة في التقاط الأصوات والذبذبات، وأيضا الكاميرات المربوطة بالحاسوبات وغيرها من الوسائل الإلكترونية الحديثة، لذلك لا مانع في أن تستعين الضحية بهذه الوسائل لتبرير صحة دعواها.
لذلك نرى من الضروري التطرق لها بنوع من التدقيق.
– إلتقاط المكالمات الهاتفية:
إن التنصت السري يعني أن المحادثات الصادرة من هاتف معين أو إليه أو أي عنوان هاتفي آخر، يتصنت إليها بشكل سري أو يلتقط باستخدام وسائل تقنية مساعدة من أجل الحصول على محتويات تلك المكالمات موضوع المراقبة.
وتعد مراقبة المكالمات الهاتفية من أخطر الوسائل التي تقررت استثناءا على حق الإنسان في الخصوصية، كتفتيش المنازل، او ضبط المراسلات والإطلاع عليها، لأن المراقبة تتم دون علم الإنسان، وتتيح سماع وتسجيل أدق أسرار حياته على نحو لا يستطيع التفتيش أو الإطلاع على الرسائل أن يصل إليها،[60] لذلك قيدت المسطرة الجنائية هذه الوسيلة ضمن الحدود القانونية للكشف عن بعض الجرائم خاصة المنظمة منها، والتي تمس أمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو الجريمة الإرهابية[61].
وهنا يجب التمييز بين حالتين اثنين : الحالة الأولى عندما يكون التنصت على هاتف المشكوك فيه، والثانية على هاتف الضحية، فنرى أنه في الحالة الأولى يجب على مؤسسة التحقيق أن تحصل على إذن من الجهة المنصوص عليها في المادة 108 من ق،م،ج[62] التي يوجد تحت يدها ملف النازلة، أما في الحالة الثانية فغالبا ما يطلب الضحية نفسه وضع هاتفه تحت المراقبة ويكون ذلك في حالة التهديد أو حالة طلب الفدية.
ثانيا: وسائل حديثة سمعية بصرية:
إن التقدم العلمي قد أفرز عدة وسائل علمية متطورة، تنقل الصوت والصورة في أي مكان قد يوجد به الإنسان لذلك لا مانع من أن يستعان بهذه الادلة العلمية في اثبات الجريمة متى توفرت شروط صحتها وسلامتها من العبث، وهذه الادلة عديدة ومتنوعة تتمثل مثلا في التسجيل الصوتي سواء عن طريق وضع رقابة على الهواتف أو تركيب ميكروفونات حساسة تستطيع التقاط الأصوات، وتسجيلها، وتعتبر أكثر دقة في التقاط الأصوات والذبذبات، أو وضع آلة التصوير في المكان المراد اثبات السلوك المجرم، حيث اذا كانت الشهادة تعتمد على العين الباصرة التي ترى الواقعة ثم ينقلها الشاهد إلى القاضي فيما مضى، فإن آلة التصوير وخاصة في العصور الحديثة أصبحت أكثر دقة في التقاط الصور التي تبين وتوضح الواقعة أو الشخص أو التصرف أو العملية التي تطرح
أمام القاضي بدقة متناهية فتعتبر قرنية في الإثبات ولولا التدخل البشــري في التصوير والاحتمال الوارد والتلاعب لكانت الصورة قرينـــة قوية قاطعة تفيد اليقين في إثبات ما ورد فيها، ولكنها تخضع للفحص والتدقيق من القاضي والمختصين للتأكد منها.
صفوة القول أن هذه الادلة الحديثة مهما علا شأنها تبقي خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي الجنائي فله أن يأخذ بها أو يطرحها وذلك حسب القناعة الشخصية التي تتولد لديه، على أن تبقى هذه السلطة خاضعة بدورها لرقابة محكمة النقض.
خاتمة:
ختاما يمكن القول أن رغم الجهود المبذولة من قبل المشرع في تأطير جريمة التحرش الجنسي من الناحية القانونية، إلا أن مسألة إثبات هذه الجريمة تبقى من أصعب المواضيع على الإطلاق بالإضافة الى بعض النواقص والثغرات التي نسجلها وهي:
- حصر المشرع حالات التحرش الجنسي في وجود سلطة يستغلها الجاني للضغط على المجني عليها(ه)، وذلك بغية الحصول على منافع جنسية في حين أن حالات التحرش الجنسي قد تكون في هذه الحالة وقد تكون في الحالة التي لا تربط الجاني بالضحية علاقة تبعية، وهنا نستشهد بموقف المشرع المصري الذي كان أكثرا احاطة بجميع صور التحرش الجنسي على الأقل مقارنة بالمشرع المغربي، (أنظر الصفحة10 وما بعدها من الدراسة) .
- نسجل كذلك أن المشرع قد أغفل النص على مقتضيات حمائية خاصة بالطفل، في حين أن العدالة تقتضي ضرورة تشديد العقوبة على الجاني متى كان المتحرش به طفلا.
- بالاضافة الى وجود صعوبة في اثبات جريمة التحرش الجنسي، خاصة وأن أغلب حالات التحرش ترتكب في مكان مطوق، مقفل بعيدا عن الأنظار مما يجعل الجاني يأخذ كل الاحتياطات اللازمة لكي يتم فعله في سرية تامة.
- إن المشرع ربط جريمة التحرش الجنسي بأن يتم استعمال تلك الوسائل( الأقوال والإيحاءات والتلميحات والإكراه وغيرها من الوسائل..) للحصول على أغراض ذات طبيعة جنسية، وبمفهوم المخالفة كل الأفعال والأقوال التي لا يكون الغرض منها الحصول على منافع ومزايا جنسية لا تدخل في إطار التجريم، ونعتقد من وجهتنا أن المشرع لم يكن صائبا في توجهه هذا لأنه يشجع الجناة على إتيان مثل هذه السلوكات المشينة تحت طائلة عدم تجريم الفعل، وبهذا الخصوص نشيد بموقف المشرع المصري الذي اتجه الى تجريم هذه الصورة في المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات المصري كما سبقت الإشارة إليها حيث عاقب كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الإتصالات السلكية أو اللاسلكية ولم يربط إتيان هذه الأفعال بضرورة حصول الجاني على مزايا واغراض جنسية، ثم يعود في الفقرة الثانية لينص على الحالة التي يأتي فيها الجاني لمثل هذه السلوكات بعرض الحصول على مزايا جنسية واعتبرها ظرف تشديد مقارنة بالحالة الأولى.
- أشار المشرع المغربي في مستهل الفصل 503/1 للعقوبة المقررة في حق الجاني والتي حصرها المشرع بين العقوبة الحبسية والغرامة( بين سنة الى سنتين والغرامة بين خمسة آلاف الى خمسين الف درهم)، إلا أن المشرع اغفل الإشارة الى العقوبة في حالة العود.
- لذلك نقترح لتفادي هذه الثغرات القانونية التي تشوب الفصل 503/1 المجرم لجريمة التحرش الجنسي ما يلي:
- الإقتراحات:
- ضرورة إعادة النظر في صياغة الفصل 503/1 من القانون الجنائي ليستوعب كل الأفعال والسلوكات اللاخلاقية التي قد تتعرض لها المرأة بعض النظر عن استغلال السلطة أو النفوذ، تماشيا مع ما اتجهت اليه بعض التشريعات ومنها التشريع الفرنسي والمصري، واعتبار استغلال الجاني للسلطة المخولة ظرف تشديد.
- وجوب تخصيص نص خاص بالنسبة للمتحرش بهم الأطفال القصر، مع وضع آليات مكافحتها، وتشديد العقوبة في هذه الحالة.
- التنصيص على العقوبة المقررة في حالة العود.
- تشجيع البحث العلمي الذي يعالج مسألة التحرش الجنسي بكل أبعاده قانونية وغير قانونية.
- تفعيل دور المجتمع المدني وكذا الجمعيات الناشطة والمختصة إلى جانب الجهات الرسمية.
كانت هذه إذن نبذة عن موضوع التحرش الجنسي من منظور القانون الجنائي المغربي نتمنى أن تكون المنطلق لدراسات معمقة وشاملة إن شاء الله في المستقبل.
[1] بخصوص هذا الأمر نرى من الضرورة الاستشهاد بالدراسة الميدانية التي قامت بها الجمعية الديمقراطية لحقوق النساء والتي شملت 500 طالبة و 500 تلميذة إضافة إلى 45 مقابلة فردية معمقة مع بعض ضحايا التحرش الجنسي، صرحت 52.9 % منهن أنه مجرد صدور سلوك يؤدي إلى مضايقة الفتاة وإزعاجها هو بمثابة تحرش جنسي في حين أكدت 57.7 % منهن أنه الفعل هو الذي يمكن اعتباره تحرشا جنسيا حقيقيا وبالنظر إلى الأرقام فإن حجم الظاهرة في تفاقم حيث أن 96.2 % من الفتيات صرحن بأن التحرش الجنسي موجود داخل الأوساط التعليمية و 35.8 % منهن تعرضن له داخل المحيط الدراسي، حيث أن 83.8 % منهن تعرضن لتحرش جنسي شفوي 58.8 % عبر النظرات أما نسبة 28 % فتمثل تحرشات جنسية جسدية وتؤكد التلميذات أنهن تعرضن لهذا النوع من التحرش في أماكن مختلفة ومعزولة عن الأعين حيث أكدت 45.8 % منهن بتعرضهن للتحرش الجنسي داخل الفضاءات التعليمية و 53.5 % بالقاعات الرياضية و 26.6 % حددت المقررات الإدارية و 24.5 % بقاعات الدروس والباقي أكدت وجود الظاهرة بالأماكن العامة مثل وسائل النقل العمومي أو بجوار المؤسسات التعليمية .
وقد اعتبرت جل المستجدات بنسبة 84.5 % أن للتحرش الجنسي أثار جد سيئة وخطرة على الصحة النفسية و 78.2 % اعترفت بتأثيره على الحياة الاجتماعية و 56.5 % أكدت تأثيره على الحياة العائلية في حين أكدت 57.1 % تأثيره على الصحة الجسمية ، كما أن 57.1 % من المستجوبات أكدت على تأثير التحرش الجنسي على حياتهن الدراسية إن تحليل هذه الأرقام يعكس بالملموس خطورة الظاهرة التي أصبحت منتشرة بشكل كبير خاصة ضد الأطفال وما يزيد الأمر خطورة هو أن المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها لم تسلم من هذه الظاهرة الأمر الذي يؤثر سلبا على مردودية التلاميذ المتحرشين بهم ، بل قد يتسبب ذلك في بعض الأحيان انقطاعهم عن الدراسة أو على الأقل تغيير المؤسسة خاصة إذا كان المتحرش يتقنع بصفة مدرس أو إطار من أطر الإدارة التربوية لسلطتهم المعنوية على التلاميذ .
انظر كل من:
– إحصائيات صادرة عن الجمعية الديمقراطية للدفاع عن حقوق النساء سنة 2001 أوردها مراد دودوش، رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي جانحا وضحية،ص،160.
وأيضا: محمد مرزوكي ، السياسة الجنائية في مجال الأسرة والأحداث ومساعدة الضحايا ” ندوة السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق ، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، ص،400.
[2] تطرق المشرع الجزائري لجريمة التحرش الجنسي لأول مرة في قانون العقوبات الجديد، طبقا للقانون رقم 15/04 المؤرخ في27 رمضان عام 1425 هجرية الموافق لـ10 نوفمبر 2004 المعدل و المتمم للأمر رقم 156/66 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق لـ08 جوان 1966، الصادر بالجريدة الرسمية رقم71 لسنة 2004، حيث أورد في نص المادة 341 مكــرر:
يعد مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي و يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من50000 د ج إلى 100000 د ج، كل شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار الأوامر للغير أو بالتهديد أو الإكراه أو بممارسة ضغوط عليه قصد إجباره على الاستجابة لرغباته الجنسية و في حالة العود تضاعف العقوبة.
[3] مشار إليه عند هبفاء أبو عزالة، تقرير حول العنف ضد المرأة، المجلس الوطني لشؤون الأسرة، مجلة بشرى، العدد 77، منشور على موقع:.com.bshra www
[4] المادة 40 من مدونة الشغل المغربية.
[5] أنظر الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، جريمة التحرش الجنسي”سلسلة لنحرك الصمت”، مطبعة النجاح الجديدة، 2001،ص،27.
[6] أنظر ابن منظور، لسان العرب، دار الفكر للطباعة و النشر بيروت بدون ذكر سنة الطبع، ص،279.
[7] الآية 36 من سورة سيدنا يوسف عليه السلام.
[8] براجع: خديجة أبو مهدي، الحماية الجنائية للمرأة في المنظومة القانونية المغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق فاس ، 2002-2003، ص، 137.
[9][9] أما من الناحية النفسية فيعرف التحرش الجنسي بأنه محاولة إستثارة الأنثى جنسيا دون رغبتها، ويشمل اللمس، الكلام أو المحادثات التليفونية أو غرف المحادثات أو المجاملات غير البريئة ويحدث التجرش من رجل في موقع قوة بالنسبة للأنى مثل المدرس والتلميذة، الطبيب والمريضة،لكن أغلب حالات التحرش تحدث في مكان العمل.
انظر بخصوص هذا التعريف نبيا صقر، الوسيط في جرائم الأشخاص، دار الهدى،عين مليلة،2009، الجزائر،ص،326.
[10] القانون رقم 24,03 المتعلق بتعيير وتتميم محموعة القانون الجنائي الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1,03,207 بتاريخ 16 من رمضان 1424( 11 نوفمبر 2003)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5175 بتاريخ 12 ذو القعدة 1424(5 يناير 2004)،ص،121.
[11] بهذا الخصوص نجد المشرع الجزائري يجرم جريمة التحرش الجنسي لأول مرة بموجب القانون رقم 04_15 المؤرخ في 10 نوفمير 2004، بمقتضى نص المادة 341 مكرر قانون العقوبات(المادة 60 من القانون رقم 06_23 المؤرخ في 20 ديسمبر سنة 2002.
“يعد مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي، ويعاقب بالحبس من شهرين(02) الى سنة وبغرامة من 50,000 د ج الى 200,
000 دج، كل شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار الأوامر للغير أو بالتهديد أو الإكراه أو بممارسة ضغوط عليه قصد اجباره على الاستجابة لرغباته الجنسية، في حالة العود تضاعف العقوبة.”
وفي نفس الاتجاه نجد المشرع التونسي يجرم هذا الفعل حيث ورد في المجلة الجنائية لقانون 73 لعام 2004 أن التحرش الجنسي هو كل إمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعالأ و أقوال او إشارات من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حيائه وذلك بغية حمله للإستجابة على رغباته أو رغبة غيره الجنسية وحدد عقوبة بالحبس لمدة عام وبمبلغ (خطية) قدره 3000 دينار.
[12] أضيف هذا الفصل بمقتضى المادة الخامسة من القانون رقم 03_24 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي.
[13] الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، التحرش الجنسي في المغرب، نشر الفنك، مطبعة النجاح الجديدة، 2001، ص:39.
[14] نبيا صقر/ الوسيط في جرائم الأشخاص،مرجع سابق،ص،326.
[15] تنص المادة 40 من مدونة الشغل:
“يعد من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجير من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة ما يلي:
- السبب الفادح.
- إستعمال أي نوع من أنواع العنف والاعتداء الموجه ضد الأجير.
- التحرش الجنسي.
- التحريض على الفساد.
وتعتبر مغادرة الأجير لشغله بسبب أحد الأخطاء الواردة في هذه المادة في حالة ثبوت ارتكاب المشغل لاحداها، بمثابة فصل تعسفي.”
[16] للمزيد من الاطلاع يراجع أحمد الخمليشي،القانون الجنائي الخاص، الجزء الثاني، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، الرباط، 1982، ص، 173.
[17] للمزيد من الاطلاع يراجع أحمد الخمليشي،القانون الجنائي الخاص، الجزء الثاني، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، الرباط، 1982، ص، 173.
[17] يقصد بالسلطة أن يكون الجاني متمتعا بقدر من السلطة على المجني عليها، فيستعل هذا الوضع في سبيل ارتكاب فعلته ويسهل الأمر عليه ما يعلمه من خشية المجني عليها من نفوذه، ومثال على ذلك رب العمل بالنسبة الى عماله، والمخدوم بالنسبة الى خادمه ووجود السلطة يقتضي أن تكون العلاقة بين الجاني والمجني عليها قائمة، فتدفع الفاعل الى استغلالها، وتدعو المجني عليها للتسليم تحث تأثيرها.أنظر: محمد رشاد متولي، جرائم الاعتداء على العرض في القانون الجزائر والمقارن، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الثانية،1989،ص،139.
وعليه فممارسة السلطة على الغير لا يقتصر على مفهوم السلطة بالمفهوم الضيق بين رب العمل أو المستخدم على الموظف، فقد تكون السلطة سياسية يمارسها مسئول أعلى في السلم الهرمي و حتى في أعلى مستوياتها فلا يشترط أن تكون السلطة مباشرة.
و قد تكون السلطة معرفية و بالتالي فالطبيب يمارس نوع من السلطة على المريض بناء لتفوقه المعرفي و مرجعيته في مجال تشخيص الداء و وصف الدواء و تحديد بروتوكول استشفائي، فالمريض يشعر بشيء من الخضوع للطبيب مما قد يعرض هذه العلاقة لسوء الاستعمال و التعسف، فقد يتعرض المريض لممارسات طبية معينة كالملامسة المشبوهة و المتكررة لمواضع حميمية من جسد المريض دون وجه ضرورة، مما يجعل الأمر يلتبس في نظر المريض و يجعله عاجزا عن رفض هذه الملامسات رغم إعتقاده بعدم براءتها و سوء نية الطبيب، مخافة أن يتعرض لسوء التكفل و الإهمال و الرعاية الطبية، مع الاشارة إلى أن ما سبق من الصعوبة بمكان معاينته خاصة في إطار ما يسمى نظام الخدمة و الممارسة الطبية.
و قد تكون السلطة تربوية تعليمية، يمارسها المعلم على التلميذ و الأستاذ على الطالب و المؤطر على الباحث – في الأوساط الجامعية خاصة -، إذ أن فكرة الولاء للمعلم أو المربي و النهل من فكر الأستاذ يجعل هذا الأخير يمارس سلطة فكرية تفرض على المتلقي الخضوع لحد ما، و تشهد الأوساط الجامعية و الثانوية حالات عديدة للتحرش الجنسي في ظل تخوف الطالب من الرسوب أو الطرد أو تنزيل الشعبة، و ليس بالضرورة أن يكون الأستاذ هو المتحرش فقد يتورط مدير المؤسسة التعليمية أو المؤطرين و المراقبين في ذلك وعلى العموم فالواقع العملي متسع لمثل هذه الحالات.
و فضلا عن ذلك فهناك سلطة روحية يمارسها رجال الدين و شيوخ الزوايا على المخلصين و المنتمين الذين يبرزون ولاء لفكر معين أو مذهب ما، وقس على ذلك الأمر الكثير.
[18] للمزيد من الإطلاع يراجع نسرين عبد الحميد نبيه، الإجرام الجنسي، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية،مصر بدون طبعة، 2008، ص،157.
[19] بهذا الخصوص تنص المادة 306 مكرر (ب): يعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
[20] تنص الفقرة الثانية من المادة 306(ب) على أنه “فإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.”
[21] – Julitte R.nicole ,isist.HK:- The moderating .roles of race andgender- role attitudes in the relationship between sexual harassment and psychological well being ,psychology of women quarterly ,2007,p.55
[22] للمزيد حول معرفة الأسباب التي تحول دون تبليغ المعتدى عليها يراجع:
عبد الرحيم صدقي، الظاهرة الاجرامية، دار الثقافة العربية، 1989، القاهرة، ص،157.
11 Monica M.Alzate: International federation of social workers, sexual and Reproductive Rights, Women’s Right Affilia, vol (24), no (2), 2009, pp.108. 110..
[24] – لمزيد من التفاصيل عن صورة المرأة الاجتماعية ينظر: أسماء جميل رشيد، الصورة الاجتماعية وصورة الذات للمرأة في المجتمع العراقي ، أطروحة مقدمة إلى كلية الآداب / جامعة بغداد لنيل درجة الدكتوراه فلسفة في علم الاجتماع، السنة الجامعية 2007 /،2006، ص، 31 وما بعدها.
[25] Eric K. swank: Attitudes toward gays and lesbians Among undergraduate social work students, Ohio state university, Affilia ,vol (25), no (1) ,2010, pp.19-29.
[26] أضيف هذا الفصل بمقتضى المادة الخامسة من القانون رقم 03_24 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي.
[27] نسرين عبد الجميد نبيه، الاجرام الجنسي،مرجع سابق،ص،166.
[28] ينص الفصل 425 من القانون الجنائي على أنه:
” من هدد بارتكاب جناية ضد الأشخاص أو الأموال، وذلك بكتابة موقع عليها أو بدون توقيع، او صورة أو رمز أو علامة، يعاقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين الى خمسمائة درهم”.
كما ينص الفصل 426 من نفس القانون على أنه:
“التهديد المشار اليه في الفصل السابق، اذا كان مصحوبا بالأمر بايداع مبلغ من المال في مكان معين، أو بالقيام بأس شرط اخر،فعقوبته الحبس من سنتين الى خمس والغرامة من مائتين وخمسين الى الف درهم.
وينص الفصل 427 أيضا على أنه:
“التهديد المشار اليه في الفصل 425 اذا وقع شفاهيا وكان مصحوبا بأمر أو معلقا على شرط، عقوبته الحبس من ستة أشهر الى سنتين وغرامة من مائتين الى مائتين وخمسين درهما.”
[29][29] فسرت محكمة النقض الفرنسية التحرش الجنسي تفسيرا واسعا، جيث قضت أن التحرش الجنسي هو كل تهديد أو اشارة أو عبارات مستخدمة تعبر عن معنى جنسي، والتحرش لا يكون معاقبا عليه الا اذا كان التجاوز في السلطة نتيجة تهديدات، ومن أمثلة ذلك (الواقعة التي عرضت على محكمة ليون الدائرة الرابعة في 26 11 1998 تتلخص في أنه في 27/07/1996 قام السيد AC رئيس، وهو مدير شركة والتي كان نشاطها الغزل والنسيج بتوجيه مكاتبة لنائب الجمهورية عرض فيه أنه مضطر لفصل رئيس عمال المنصنع السيدML الذي كان يقوم بالتحرش الجنسي على أجيرات المشروع، وتبين من التحقيق أن رئيس العمال المذكور قام بالتحرش بثلاث عاملات، وبالنسبة للأولى كان يقوم بتصريحات مبتذلة، عرض عليها أن تصطحبه الى منزلها لإعطائها حمام، وأن يضعها على سريرها، وأن المتهم كان دائما يقوم بتلميحات جنسية، والتصق بها، وقرصها في بطنها، وذراعها، وان المدعية كانت تعمل بعقد محدد المدة، وأن المتهم أظهر لها أن وظيفتها مهددة اذا رفضت الاستجابة الى رغبته، وكان قد صرح لها”لا تنسي أني الرئيس، وأن لي كلمتي لدى المدير وأنك يجب أن تكوني لطيفة مع المدير”، ونفى المتهم التهمة بقوله أن أفعاله لم تتعدى المداعبة، ولا تشكل جريمة التحرش الجنسي، بيد أن المحكمة أدانته عن جريمة التحرش الجنسي بالنسبة للمتهمة الأولى، وقالت المحكمة أنه كانت له سلطة عليها، وأنه تجاوز سلطته بالتعبير عن ارادته في الحصول على مزايا جنسية منها، وأنه احتضنها وضمها، وقرصها في بطنها، وحيث أن التحرش الواقع منه كان يصاحبه تهديدات، واجبارات حيث صرح للمجني عليها:”لا تنسي بأني الرئيس”، وأنه ذكرها بأنها اذا صرحت بما قاله لها فان وظيفتها تكون مهددة لأنه الرئيس، وكل شيئ يتوقف عليه، وأن التهديد كان مؤثرا حيث أن المجني عليها كانت تشتعل بعقد محدد المدة فهي محل ضغط معنوي، وتجاوز للسلطة.
مشار اليه عند نسرين عبد الحميد نبيه، مرجع سابق،ص،128 وما بعده.
[30] وذلك خلافا للمشرع المدني الذي عرف الاكراه في الفصل 46 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي على أنه:”
” الإكراه إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون يحمل بواسطته شخص شخصا آخر على أن يعمل عملا بدون رضاه.”
[31] نبيل صقر، الوسيط في جرائم الأشخاص، مرجع سابق،ص،332و 333.
[32] أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال وبعض الجرائم الخاصة، دار هومة للطباعة النشر والتوزيع الجزائر، الطبعة العاشرة،2009 ، الجزء الأول ص،145.
[33] أنظر: فخري عبد الرزاق الحديثي/ خالد حميدي الزعبي، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، الجرائم الواقعة على الأشخاص الموسوعة الجنائية(2)،دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الأردن الطبعة الأولى، 2009 ،ص،245.
[34] [34] ينص الفصل 486 من القانون الجنائي على أن “الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ويعاقب عليه بالسجن من خمس الى عشر سنوات.
[35] راجع الفصل 483 و 484 من القانون الجنائي.
[36] بهذا الخصوص ينص الفصل 483 “من ارتكب اخلالا بالحياء، وذلك بالعرى المتعمد أو بالبذاءة في الاشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد الى سنتين وبغرامة من مائتين الى خمسمائة درهم.
[37] تجدر الاشارة الى أن المشرع الجنائي المعربي لم يعرف جريمة هتك العرض حيث ينص الفصل 485 من القانون الجنائي على أنه:
“يعاقب بالسجن من خمس الى عشر سنوات من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص ذكرا كان أو أنثى، مع استعمال العنف.”
وعلى العموم يقصد بهتك العرض كل فعل مخل بالحياء يقع على شخص، أي كل فعل مناف للآداب يقع عمدا ومباشرة على المجني عليه، وفقا لهذا التعريف يشترط في الفعل المخل بالحياء أن يكون على درجة من الفحش والجسامة، وأن يكون هذا الإخلال عمديا، فلا يعد هتك عرض ذلك الفعل الذي يقع بصورة غير عمدية مهما كان خادشا بالحياء، ولا يشترط أن يقع المساس بعورة المجني عليه من قبل الجاني وإنما يتصور ولو كان المجني عليه هو الذي أجبر على المساس بعورة الجاني.
انظر بهذا الخصوص: أحمد اجوييد، الموجز في شرح القانون الجنائي الخاص المغربي، الجزء الثاني، كلية الحقوق، فاس، السنة الجامعية 2004-2005 ص،83.
[38] من اجل التوسع بخصوص مفهوم القصد الجنائي يراجع:
العلمي عبد الواحد، شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، دار الأفاق المغربية، الطبعة الثالثة،2009 ،ص،213.
[39] و نذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض هذه الممارسات المتحرشة جنسيا:
• الحك أو اللمس المغري و كذا الملامسات، من مجرد التربيت الودي على الكتف إلى غاية القبلة المباغتة و التهجم.
• الوعود بالتفضيل و التعويض و كذا التهديدات بالانتقام و الاقتصاص المرتبطة بإطار السلطة أو الوصاية الممارسة.
• تقديم دعوات حميمية متكررة من كل نوع، أو تقديم و عرض تذاكر سينما.
• الملاحظات الخاصة بالشكل الظاهري للجسد و استعمال المناداة بأسماء مستعارة عاطفية و حميمية.
• النكت ذات الطابع الجنسي التي يكون الغرض منها إحراج و إرباك الضحية و صدمها
.
• الرسوم المتهجمة، و كذا الملصقات و الصور الحائطية ذات الطابع الجنسي.
• التواجد الدائم للشخص المتحرش بالقرب من الضحية بما يسبب إزعاجا و مضايقة.
• فرض الاختلاء داخل مكتب أو غرفة بمستخدم من الجنس الآخر دون حاجة أو ضرورة لذلك.
[40] بخصوص هذه النقطة اتجه المشرع الفرنسي من خلال القانون رقم 73_2002 بتاريخ 17 فبراير 2002 الى تجريم التحرش المعنويraleharcelement moral.
انظر عناصر هذه الجريمة : Obs. Mayaud (Y) : RSC, n°=4, 2005, p : 850
وهذه جريمة تخص بالأساس التمييز في ميدان العمل، والتي وصف بعض الفقه الفرنسي صياغتها بكونها لا تنسجم مع المادة 07 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، حول مبدأ الشرعية لكون صياغتها غير دقيقة ، انظر في هذا الصدد: Agnès CERF- Hollender :« Infraction relevant du droit social », RSC, n°=4, 2006, p : 841et s.
Agnès CERF- Hollender :« Infraction relevant du droit social », RSC, n°=4, 2006, p : 841et s
[41] يراجع جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى بيروت، 1970، ص، 23.
[42] يراجع بهذا الخصوص: رمسيس بهنام، المحاكمة والطعن في الأحكام منشأة المعارف 1993،ص،58 وما بعدها.
وأيضا برهامي أبو بكر عزمي، الشرعية الاجرائية للأدلة العلمية، دراسة تحليلية لأعمال الخبرة،دار النهضة العربية، القاهرة،2006،ص/89 وما بعدها.
[43] مأمون سلامة، الاجراءات الجزائية في التشريع المصري، دار النهضة العربية، القاهرة 1992،ص،191.
[44] الحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد” الجزء الأول، سلسلة اعمال جامعية من مشورات المجلة المغربية الادارة المحلية والتنمية، الطبعة الأولى، 2006،ص،275.
[45] أنظر محمود مصطفى، الاثبات في المواد الجنائية في القانون المقارن، الجزء الأول، دون ذكر المطيعة، الطبعة الأولي القاهرة،ص،1 وما بعده.
[46] يراحع بخصوص هذا الفرق،أحمد أبو القاسم، المفهوم العلمي والتطبيقي للدليل الجنائي المادي، مجلة مركز بحوث الشرطة، العدد السابع والعشرون،يناير 2005،ص،132.
[47] يقسم الفقه عموما طرق الاثبات الى نوعين:
الطريقة القانونية (1): وهي الطريقة التي رسمها القانون وحددها والتزم القاضي باتباعها ويعرض حكمه للنقض كلما خالفها ويمكن ان نسمي هذه الطريقة بالطريقة الموضوعية وهي بالحقل المدني أليق منها بالحقل الجنائي وقد ظهرت هذه الطريقة لتحد من غلواء النظرية الثانية التي تعتمد بالدرجة الاولى على قناعة القاضي الوجدانية، وقد اخذت الشريعة الاسلامية بهذه الطريقة في اثبات جرائم الحدود، فألزمت القاضي بان يدين المتهم كلما أثبت خصمه بشهادة رجلين او رجل وامرأتين او اربعة شهداء في جرائم القذف، وهذه الطريقة تجعل القاضي يصدر احكاما ولو كان غير مقتنع بها.
2- الطريقة الوجدانية او الشخصية، وهي التي تعتمد بالدرجة الاولى على قناعة القاضي في كون المتهم ارتكب الفعل المنسوب اليه ام لا.
[48] الاستثناء على المبدأ السابق مفاده أن صلاحية وسائل الإثبات للاستدلال بها أمام المحاكم الزجرية قد تتعطل بإرادة المشرع في بعض الحالات المحدودة جدا، الذي فرض فيها وسائل محددة ،أو يمنع أصلا الاستدلال بوسيلة معينة، و من أمثلة الاستثناءات نذكر ما يلي: الفصل 288 من قانون المسطرة الجنائية الذي يقرر بأنه:” إذا كان إثبات الجريمة متوقفة على حجج جارية عليها أحكام القانون المدني فيراعى عن القاضي في ذلك قواعد القانون المذكور”.
والمثال التقليدي المعطى لتوضيح هذه الحالة الاستثنائية التي تقام فيها الدعوى العمومية على شخص باعتباره خائنا للأمانة،حيث لا يجوز و الحالة هذه إثبات هذه الجريمة إلا بمقتضى قواعد القانون المدني التي تستلزم التأكد من قيام عقد من عقود الأمانة (الوديعة أو الوكالة أو الحراسة).
بحسب قواعد القانون المدني التي غالبا ما توجب أن يكون مكتوبا،حيث لا يكفي و الحالة هذه الشهادة في إثبات قيامه، في هذا الصدد جاء قرار للمجلس الأعلى بأن: “المحكمة لما اعتبرت شهادة الشهود لإثبات تسلم المتهم لمبلغ140.000 درهم و هو ما لا يجوز إثباته بغير الكتابة الذي نازع فيه هذا الأخير(أي المتهم الطاعن) لم تراع قواعد الإثبات المدنية و عرضت بذلك قرارها للنقض”
– ومن الأمثلة أيضا الفصل493 من مجموعة القانون الجنائي الذي يوجب في معرض إثبات الجرائم المنصوص عليها في الفصلين490 و491، والأمر هنا يتعلق بكل من جريمتي الخيانة الزوجية، و الفساد. أن يتم إثباتها بإحدى الفرضيات التالية كوسائل لإثبات تقيد حرية اقتناع القاضي و مبدأ الحرية في الإثبات،إما بمحضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي.
– كذلك الفصل294 من قانون المسطرة الجنائية الذي يقرر:”بأن الحجة الكتابية لا تنجم عن المراسلة المتبادلة بين المتهم و وكيله”.و غيرها من الاستثناءات الواردة على سبيل الحصر كما أكدنا في المادتين 294 و325 و193. والحكمة من هذه الاستثناءات هي تحقيق بعض الضمانات الهادفة إلى إظهار الحقيقة، أو حماية حقوق الدفاع،أو الحفاظ على بعض الاعتبارات الاجتماعية أو الأسرية.
يراجع بهذا الخصوص: عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، مرجع سابق، ص،384 وما بعدها.
[49] قرار مشار اليه عند:عبد الواحد العلمي،مرجع سابق،ص،389،
[50] تنص المادة 1 من قانون المسطرة الجنائية على أنه:”كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا الى أن تثبت ادانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيئ المقضي به، بناء عالى محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية.
ونفس الامر تنص عليه الفقرة 4 من الفصل 23 من الدستور الجديد”:قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان”.
[51]الفقرة 2 من المادة 1 من قانون المسطرة الحنائية حيث ينص على أنه:” يفسر الشك لفائدة المتهم”.
[52] عبد الواحد العلمي، شرح قانون المسطرة الجنائية،مرجع سابق،ص.244.
[53] جاء في هذا الصدد تأكيدا على الفكرة السابقة قرار للمجلس الأعلى:”إن تقدير أدلة الإثبات هو من اختصاص محكمة الموضوع في المسائل الجزائية.و لا يمكن تقييدها بمبدأ عدم تجزئة الإعتراف,لأنه متعلق بالإثبات في المسائل المدنية,و لا يقيد القاضي الجزائي في إقتناعه، و عليه إذا اعترف المتهم بالمضاربة مع المشتكي و تمسك بأنه كان في حالة دفاع شرعي، جاز لمحكمة الموضوع تجزئة الإعتراف” قرار عدد 76 و تاريخ 23 أكتوبر 1961، مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 43-44، م.33.
[54] تنص المادة 293 من قانون المسطرة الجنائية على أنه:
“يخضع الاعتراف كعيره من وسائل الاثبات للسلطة التقديرية للقضاة.
لايعتد بكل الاعتراف ثبت انتزاعه بالعنف أو الاكراه.
وعلاوة على ذلك، يتعرض مرتكب العنف أو الاكراه للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي.”
44سواء أكان هذا الإكراه مادي أو معنوي, فانه يمنع استعمال وسائل فيها انتهاك كرامة الإنسان و معاملته كحيوان للحصول على إعتراف كجهاز كشف الكذب(( p.4/grapheأو مصل الحقيقة(sérum de la vérité (أو التنويم المغناطيس((h y pnose أو جراحة الدماغ(LA botomie)، و قد عبرت اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب عن توصياتها بمناسبة مناقشة شهر نونبر 2003,للتقرير الدوري للمغرب المتعلق بأعمال اتفاقية مناهضة التعذيب و كل أشكال المعاملة القاسية و المهينة,تلك التوصيات التي ترتكز على ضرورة العمل على:إدراج تعريف واضح للتعذيب ضمن مقتضيات القانون الجنائي، مع تجريم كل الأفعال القابلة لأن تكيف بأنها تعذيب وفق ما تنص عليه المادة 1 من الاتفاقية:
الحرص على إخضاع الحالات المتعرضة للإكراه و التعذيب لبحث نزيه و دقيق- مواصلة تعزيز برامج التربية على حقوق الإنسان في مؤسسات و مراكز التكوين القضاة، ورجال السلطة و قوات الأمن و الدرك.
[56] تنص المادة 123 من قلنون المسطرة الجنائية:
يؤدي كل شاهد بعد ذلك اليمين حسب الصيغة التالية:
“أقسم بالله العظيم على أن أشهد بدون حقد ولاخوف، وان أقول الحق كل الحق وأن لا أشهد إلا بالحق”.
[57] تنص المادة 331 من نفس القانون” يعتبر أداء اليمين القانونية أمام القضاء من طرق الشاهد،شرطا جوهريا،يترتب البطلان عند الإخلال به”.
[58] إذ جاء في احدى قرارات المجلس الاعلى (سابقا) ما يلي: “إن اكتفاء المحكمة بتصريحات الشهود أمام الضابطة القضائية،و دون حضورهم أمامها،و أدائهم اليمين القانونية ، يعد خرقا للفصل 323 من قانون المسطرة الجنائية ،مما يجعل القرار المطعون فيه بالنقض،ناقص التعليل،و يستوجب النقض”
قرار عدد 6294 ملف جنحي عدد18568 /92 بتاريخ7 يوليوز1994 صادر عن المجلس الأعلى، منشور بمجلة القضاء و القانون،عدد 50-49،ص،243.
[59] أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، ص، 125.
[60] تنص الفقرة 3 من الفصل 42 من الدستور الجديد:” لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها ولايمكن الترخيص بالإطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا أو باستعمالها ضد أي كان،الا بأمر قضائي ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”.
[61] في هذا الاطار تنص المادة 108 من المسطرة الجنائية ” يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها “.
[62] اذا كان الأصل هو منع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها، فان المشرع عاد ونص على حالة الاستثناء بموجب الفقرة الثانية من المادة 108 من ق،م،ج
“عير أنه يمكن لقاضي التحقيق اذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها.”