تقييم السياسات العمومية – الجهات المتدخلة و الرهانات

مقالة بعنوان : تقييم السياسات العمومية – الجهات المتدخلة و الرهانات.

هشام احزام

 

مقدمة:

السياسات العامة من المفاهيم المتعددة، شأنه شأن المفاهيم الأخرى ضمن العلوم الاجتماعية، حيت تعرف كمنهج عمل يسلكه فاعل أو أكثر في التعامل مع مشكلة ما، كما تعتبر مجموعة من القرارات التي يتخذها فاعلون محددون بهدف تحقيق مصلحة عامة تحدد توجهاتها النخبة الحاكمة بما يراعي التوازنات و المصالح الحاصلة داخل المجتمع، و هي أيضا منتوج النظام السياسي و وسيلة لتحقيق أهدافه وغاياته، استجابة للضغوط و المطالب الملحة في المجتمع، و تصدر عن المؤسسات الرسمية، المتمثلة في الجهاز التنفيذي، التشريعي و مؤسسة القضاء، وهي المؤهلة كذلك بتنفيذها.

لتقييم السياسات العامة يتم الاعتماد على رصد وتحليل الأطر الدستورية والنظم القانونية، و المطالب الملحة للمجتمع، وتقييم الأدوار الفعلية للفاعلين الرئيسيين في صنعها، و تحليل مضمون ومحتوى السياسة موضوع الدراسة، بقصد الوقوف على أهدافها و أولوياتها، والكشف عن حدود اتساقها الداخلي في بنيتها، ومدى تكامل عناصرها، وطبيعة تداخلها مع سياسات أخرى، وتحليل عملية تنفيذ السياسة العامة المدروسة، وذلك بدراسة طبيعة الأجهزة التي تقوم بالتنفيذ وبالتالي الحديث عن دور الجهاز الإداري ومدى فاعليته وكفاءته،  وسبب الإذعان لها و الالتزام بها، و مصادر تمويلها و الإمكانات المتاحة المادية و البشرية لتحقيق الأهداف المسطرة، و التغذية الراجعة المتمثلة في المواقف و ردود الفعل التي يمكن أن تخلفها نتائج و أثار هذه السياسة.

يعتبر التقييم من أهم مراحل السياسات العامة، حيث يظل مكون أساسي لكل فعل تحديثي للتدبير العمومي، فهو أداة فعالة لتحسين الأداء والنتائج، وتحديد الأهداف القابلة للإنجاز حسب الوسائل و الإمكانات، كما يمكننا من فهم و استيعاب مكانزمات عمل النظام السياسي و محدداتها و جميع العوامل المؤثرة  في ذلك، و كيف يضمن النظام استمراره و تجديد نفسه، مع استيعاب التغييرات اللازمة لضمان الحفاض على جميع مكونات النظام و مصالحها، وللتقييم مكانة في المشهد المؤسساتي للديمقراطيات الغربية حسب أشكال ومستويات متباينة، مما يحيل بالأساس إلى التقاليد الخاصة بهذه الديمقراطيات في ما يتعلق بعلاقات الدولة بالمجتمع، فما هي أنواعه؟ و إكراهاته؟ و من هي الجهات المتدخلة في هذه الوظيفة؟ وما هي المداخل النظرية المؤطرة له؟

ويعقد على تقييم السياسات العمومية رهانات أساسية إذ يستهدف مراجعة السياسات العامة وإجراء تعديلات بشأنها، أو إلغاءها وإيجاد بديل عنها يحل محلها، أو التأكيد على استمراريتها لسبب من الأسباب على سنورده في صلب الموضوع، كما لها رهانات سياسة العمومية تتمثل في ضمان استمرارية النظام، و تأمين خطوط دفاعه و تعزيز شرعيته و تجديدا لدى الجمهور  و الشركاء فكيف يتم ذلك؟

أولا : مفاهيم و منطلقات أساسية.

قبل التطرق للموضوع لابد من بسط مقاربة لمفهوم السياسة العمومية و تقييمها، حتى نذلل الصعوبات التي قد تعترض المتلقي في فهم و استيعاب الموضوع، وكذلك لضبط مجاله.

  • تعريف السياسات العمومية:

لم يعد إيجاد تعريف محدد للسياسات العامة يشكل تحد للباحث أو المهتم بمجال السياسات العامة، نظرا لما خلفه الرواد الأوائل من رصيد اصطلاحي للمفهوم الذين وجددوا صعوبة في إيجاد تعريف شامل و دقيق. يعكس هذا الرصيد الاختلاف و التداخل الموجود في المعنى، و يعكس أيضا اختلاف و تقاطع المناهج و التوجهات المعتمدة في هذا التحديد، و التي تعكس بالتبع الأهداف و الخلفيات الأكاديمية لأصحابها. غير أننا نسجل صعوبة إيجاد تعريف شامل و موحد دون اللجوء إلى تركيب بعض التعاريف المقدمة، فهي حسب توماس داي ” اختيار الحكومة القيام بمعل ما أو الامتناع عن القيام به”[1]، وحسب دافيد استون فهي” التوزيع السلطوي للقيم في المجتمع”[2]، وفي نظر جيمس اندرسون ” السياسات العامة هي برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو لمواجهة قضية أو موضوع”[3]، و هي أيضا ” كل تصرف أو قرار تقوم به الحكومة أو من يمثلها للتدخل في شؤون المجتمع، وحل المشاكل التي تواجه الدولة داخليا أو خارجيا”[4]، أما فانسيون لوميو بعد دراسته لمختلف التعاريف المقدمة للسياسات العمومية، لاحظ أنها تشترك جميعها في تركيزها على أحد العناصر التالية: الفاعلين و الأنشطة، المشاكل، الحلول[5]. فهي من وجهة نظر التركيز على العنصر الأول مجموعة من القرارات المترابطة التي يتخذها فاعل سياسي أو مجموعة من الفاعلين، أما من جهة التركيز على المشاكل فإنها لا تقتصر على ما تفعله الحكومات و ما لا تفعله، بل تشمل المشاكل و الصراعات و الإكراهات المحيطة بها، أما من حيث جهة الحلول فالسياسات العامة تحيل على الحلول و انتقاء الأهداف و كيفية بلوغها، فهي مجموعة من الأفعال أو اللاأفعال التي يقوم بها الفاعلون السياسيون بهدف وضع حلول لمشاكل عامة مطروحة. وقد قدم تعريفا نسقيا لها حيث اعتبرها ” أنشطة موجهة نحو إيجاد حل لمشاكل عمومية داخل المحيط من طرف فاعلين سياسيين، لهم علاقات بنيوية، و الكل يتطور في الزمن”[6]. و يمكن النظر إليها كسلسلة من القرارات أو الأنشطة التي تقوم بها أو تتجاهل القيام بها الدولة أو مؤسساتها أو من يقوم مقامها من الخواص، بهدف الإستجابة لحاجات عامة للمجتمع داخليا أو خارجيا، في إطار عام يحفظ المصالح و التوازنات الناتجة عنها.

كما يمكن أيضا مقاربة تعريف السياسات العامة من خلال خصائصها وفق التعريفات السابقة كالتالي:

– تشمل فقط الأعمال المقصودة و النظامية التي تقصد تحقيق أهداف معينة، و بالتالي لا تشمل التصرفات العفوية أو الذاتية للمسؤولين و أصحاب القرار، إذ لا تعدو أن تكون نمط و اتجاه في الحكم أو التدبير.

– تشمل الأعمال و البرامج المنسقة و المترابطة المقصودة للقادة السياسيين الرسميين.

– تشمل جميع القرارات و التصرفات الفعلية المادية، و بالتالي لا تشمل مجرد النوايا الحسنة و الإعلانات أو الوعود التي تقدمها المؤسسات أو المسؤولين دون أن تكون لها أثار مادية ملموسة في شكل قرارات أو أنشطة.

– تكون السياسة العامة إيجابية، و في شكل القيام بالفعل أو اتخاذ سلسلة من القرارات، كما يمكن أن تكون سلبية تتجلى في عدم الفعل أو عدم التقرير، حيث تتعمد الدولة غض الطرف و عدم التدخل لتقنين مجال ما، أو عدم فرض تطبيق القانون في موضوع معين لأسباب تقدرها هي.

– تكون شرعية و قانونية تصدر عن الجهات المختصة و فق القواعد و الأنظمة المقررة، ومحترمة للمنهجية المعلن عنها، حتى تكتسب صفة الإلزام و تحض بالقبول من جمهورها.

– تتشكل في إطار التوازنات المصلحية و النفوذ داخل المجتمع، فبتعبير احدهم السياسات العامة و مخرجاتها ما هي إلا تعبير و تحكيم لصراع المصالح داخل المجتمع.

– يتدخل فيها إلى جانب الفاعلين الرسميين فاعلين غير رسميين تختلف درجة تدخلهم حسب طبيعة النظام السياسي القائم و عقيدته السياسية.

– هي تعبير عن مشكلة سياسية عامة ملحة تهم المجتمع ككل.

  • مفهوم تقييم السياسات العمومية.

يعتبر التقييم مرحلة متقدمة من مراحل السياسة العامة أن لم نقل نهائية، و هو كنشاط وظيفي قديم قدم السياسة العامة نفسها، فصناعها و جمهورها دائما ما يطرحون السؤال حول نجاحها و أهميتها و قيمتها، وبقدر ما هي عملية فنية و تقنية، فإنها تنطوي على قدر كبير من السياسة و السلطة، فأطراف السياسة العامة كل حسب موقعه منها منهم من يرى فيها فرصة لتعزيز مكاسبه و منافعه منها و تحقيق وضع متقدم، في حين قد تشكل لآخرين فرصة للنيل من خصومهم السياسيين و إظهار عدم كفاءتهم، الشيء الذي قد ينتج عنه معارضة نتائج التقييم من هذا الطرف أو ذاك حسب الخلفية و الأهداف المحيطة بعملية التقييم، وهي عملية تهتم بتقدير و تثمين للمضمون الذي يشكل السياسات العامة، و للتنفيذ الذي يحولها لأفعال، و أيضا للأثر الذي ينتج عنها. و باعتبارها وظيفة فإنها مواكبة و متضمنة في جميع مراحل السياسة العامة، و ليست مرحلة لاحقة و أخيرة[7]. و في القاموس اللغوي التقييم هو “تقدير قيمة شيء ما”، و هذا التعريف و إن كان مبسط نوعا ما فإنه يتضمن أهم ما في التقييم ودره، و هو إعطاء الشيء قيمة ووزن ما و تقديره، و قد يتداخل التقييم بهذا التعريف مع مفاهيم أخرى كالتحليل، الاختبار، الفحص، التدقيق، المراقبة إلى غيرها من المصطلحات التي يمكن أن تحيل على نفس المعنى ظاهريا علما أن التقييم قد يشمل بعض هذه المعاني. و يعرفه مجموعة من الباحثين بأنه عملية حسابية تعطي قيمة محددة لكل نتيجة من نتائج تطبيق شيء ما، و الملاحظ أن هذا التعريف يرتكز على العمليات الحسابية و الكمية التي تعطي أحكام رقمية للسياسة العامة، تحكمه خلفية تقنية عقلانية، لكنه قد يغفل الجوانب الكيفية و النوعية في التقييم التي لا يمكن التعبير عنها بلغة الأرقام، حيت أن السياسات العامة قد تنطوي على أهداف و نتائج لا يمكن تثمينها و تقديرها كميا.

إذن هو عملية وظيفية تعتمد على معايير مقدرة لتحديد قيمة و أهمية الفعل و نتائجه و أثاره، مع توضيح وشرح تطبيق المعايير، للوصول إلى نظرة أو حكم معياري للنتائج النهائية و أثارها، تقوم به الجهة المنفذة للنشاط أو غيرها وفق ضوابط وقيم مؤطرة. و بالتالي فالتقييم محاولة للحكم على قيمة النشاط العمومي للدولة ومؤسساتها؛ أنه نجح أو فشل في تحقيق الأهداف المسطرة، و الحكم على أثرها بالوجود و التأثير أو العدم، وهذا يتطلب اعتماد منهجية علمية رصينة متماسكة، تستخدم الأساليب الكمية و النوعية التي تحقق قدرا من الموضوعية، حيث يكون الحكم منفصل عن الذات الفاعلة في التقييم، سواء تكلفت به بنية تنظيمية تنتمي للجهة المنفذة أو المقررة للسياسة العامة، أو تم تكليف جهة مستقلة عنهما، و ليتحقق ذلك لابد من مراعاة مجموعة من الخطوات و الضوابط المنهجية كالتالي[8]:

  • تحديد الأهداف المرجوة من التقييم و مستوياته، هل يهدف قياس نجاعة السياسة العامة بالنظر إلى نتائجها و أثرها على المشكلة موضوعها، أم يهدف إلى قياس أداء و فاعلية النظام المسؤول عن التنفيذ، أم أنه يقصد بيان صلاح عمليات صنع و إقرار السياسة العامة.
  • تحديد و تعريف أهداف السياسة العامة التي ستخضع للتقييم، بمعنى ضبط و فهم الأهداف التي حددها مقرروا السياسة العامة، أي الجواب عن السؤال التالي : ماذا أراد المشرع أو صاحب قرار صنع السياسة العامة من إقرار هذه الأخيرة؟ ما قصده؟ وما غايته؟ وذلك يساعد في فصل السياسة المراد تقييمها عن سياسة أخرى قد تتداخل أو تتشابك معها، لكن الأمر ليس بالهين لأن هناك بعض الأهداف غير المعلنة لبعض السياسات العامة يصعب ضبطها و كشفها من الوهلة الأولى خاصة أذا كان التقييم من طرف مؤسسة أو جهة مستقلة عن الجهة المقرر، لما يعرفه هذا الأمر من صعوبة الحصول على المعلومات.
  • تحديد منهجية و آلية التقييم وتعريفها و توضيحها، و إخضاعها للاختبار للتأكد من مدى سلامتها و جاهزيتها للقيام بهذه الوظيفة، حيث ينبغي أن يراعى تناسب الأدوات و الوسائل التي يتم اعتمادها مع السياسة العامة المراد تقييمها، و مع أهدافها و نوعية الأثر المترتب عنها.
  • تحديد منهجية وطريقة صياغة التقرير النهائي، بشكل يضمن الحياد و عدم التصرف في مخرجات عملية التقييم، حتى يكون التقرير واضحا صريحا مبني بشكل منهجي و علمي، يساعد الجهة التي ستعتمده في فهم شامل و دقيق و موضوعي للسياسة العامة موضوع التقرير حتى تتمكن من اتخاذ القرار المناسب وفق الأهداف المسطرة من التقييم، و يمكن الباحثين أيضا من دراسة نتائجه، و الخروج بخلاصات علمية بشكل سليم.

بعد ما تم تحيد مفهوم التقييم، و الذي ارتبط بالتعاريف المقدمة لمفهوم السياسة العمومية، يظهر أنه لا يشكل مجرد عملية فنية ذات أبعاد سياسية، بل تتحكم فيه خلفيات ومرجعيات فكرية قد تحدد نتائجه النهائية، تم تصنيفها إلى اتجاهات سياسية و أخرى تقنية سيتم التركيز في هذه الفقرة المقبلة على الاتجاه السياسي فقط، فما هي مداخل هذا الاتجاه في تقييم السياسات العمومية؟.

  • مداخل تقييم السياسات العمومية.

تتنوع مداخل تقييم السياسات العمومية وفق الاتجاه السياسي، سيتم التركيز على أهمها في محاولة لعرض أهم الخلفيات النظرية الممكنة لتأطير عملية التقييم، لتشمل مختلف الظواهر و العوامل التي تساعد على فهم السياسات العامة و الحكم عليها.

  • مدخل النخبة:

ظهر مفهوم النخبة في مقابل مفهوم الطبقة الذي اعتمدته النظرية الماركسية في التحليل السياسي، حيث تعتبر المجتمع ينقسم إلى طبقات، طبقة تملك كل شيء و هي التي تحكم، وطبقة فاقدة لكل شيء و هي التي تخضع للحكم و السيطرة، وقد حدد موريس دوفرجيه مفهوم الطبقة من خلال ثلاثة عناصر أساسية : وجود حالات التفاوت الجماعي في مجتمع معين، وتداخل هذا التفاوت مع تراتبية في السلطة إضافة إلى الإحساس أو الشعور بالإنتماء إلى نفس الطبقة[9]، في حين ترى نظرية النخب أن المجتمع مكون من أقلية متنفذة مسيطرة مالكة للسلطة، و أغلبية تشكل الكثلة المحكومة ، فالأولى يتأتى لها الاستئثار بالقوة السياسية، و سلطة اتخاذ القرارات الهامة التي تؤطر الحياة العامة للمجتمع[10]، وذلك من خلال المكانة التي تحضى بها تلك الأقلية بفعل امتلاكها للسلطة أو القرب منها، أو بفعل الإنتماء القبلي أو العائلي، أو من خلال النفوذ الإقتصادي، و أيضا من خلال النفوذ الديني، أو عبر قدرات تنظيمية كبيرة، إضافة إلى ما قد تمكنه السلطة العلمية من النفوذ و السيطرة، وتتميز هذه الأقلية بنوع من التماسك في مواجهة القوى الأخرى داخل المجتمع، أما الفئة المقابلة و التي تفتقر لآليات التأثير، تشكل الأغلبية العريضة داخل المجتمع و تكون موضوع الحكم، و لا تتخذ القرار بل عليها التنفيذ و الخضوع[11].

يعتبر أصحاب مدخل النخبة لتقييم السياسات العمومية أن أي مجتمع لا بد أن تكون فيه نخبة متفوقة و حاكمة، تتحكم في مسار القرار، مالكة لزمام المبادرة و الفعل، و بقية عريضة تكون موضوع القرار، عليها الخضوع و التنفيذ، فالنخبة بحكم موقعها الفاعل في النسق المجتمعي، و بالنظر إلى تأثيرها في عملية صياغة القرار السياسي و تنفيذه، فإنها تظهر كوسيلة للسيطرة التي تمارسها الأقلية المسيطرة على القرار، و يستوي في ذلك المجتمعات المتقدمة و النامية على حد سواء.

وفقا لهذا المدخل فالسياسات العامة تحددها توجهات و اختيارات الصفوة الحاكمة، و أنها كنخبة متفوقة هي التي تحدد توجهات الجمهور و تبلور مواقفه من السياسة العامة، فهي تؤثر في الجماهير أكثر من تأترها بهم. و يستند هذا المدخل إلى أن المجتمع مقسم إلى قسمين، قسم مع من يملك السلطة و السيطرة، و الأخر مع من لا يملك السلطة وخاضع للسيطرة، و بالتالي فتحول الأفراد من الكثلة إلى النخبة ممكن ومسموح به، لكنه يخضع لضوابط محددة، و لا يسمح بالصعود إلا لمن كانت له نفس قيم النخبة، و القلة الحاكمة هنا ليست ممثلة للأكثرية الكادحة فهي فوق المجتمع الذي يفترض فيها أن تدافع عن مصالحه، وهي لا تخضع لضغوط الجموع إلا في نسب جد محدودة، و أراء ومواقف هذه الأخيرة غالبا ما يتم التشويش عليها، و تضليلها بما تملكه هذه النخبة من سلطة المعرفة، و الإعلام، و الجماهير ذاتها، و السياسات العامة في هذا الإطار لا تعكس مطالب الأغلبية بقدر ما تعكس القيم السائدة للنخبة الحاكمة، و بالتالي فالتغيير في السياسات العمومية لا يكون إلا بالقدر الذي يحافظ على النظام و الاستقرار[12]، ويلامس هذا المدخل وضع السياسات العامة في الدول النامية، فهي تعكس توجهات و طموحات وقيم النخبة الحاكمة التي تراعي الحفاظ على مصالحها، و على التوازن الذي يسمح لها بالاستمرار و للوضع بالاستقرار، أكثر من اهتمامها بالحاجات الملحة للمجتمع، الذي يبقى دوره مهملا بلغة الرياضيات في مسار اتخاذ القرار، و إقرار السياسات العامة، و أهم تجسيد لذلك ما تعكسه عملية الاقتراع و تشكيل الحكومة و التحالفات الناتجة عنها هذا إن كانت هناك انتخابات أصلا في هذه النماذج.

ب .مدخل النظم:

يقوم مدخل النظم على أساس أن السياسات العامة هي منتوج النظام السياسي القائم في المجتمع، و أنها استجابة للضغوط و المطالب الملحة في المجتمع تجاه الطبقة الحاكمة، و يعتمد في ذلك على المعطيات المتاحة من خلال ثلاثية المدخلات و المخرجات و التغذية الراجعة، و يعتبر دافيد ايستون من مؤسسي نظرية النظم في التحليل السياسي، و يتكون النظام السياسي من مجموعة من العناصر المرتبطة بالحكم و مؤسساته و بالتنظيمات السياسية و الفعل السياسي، و يمكن التعرف على النظام السياسي و محدداته من خلال مخرجاته المرتبطة بالقرارات الإلزامية للمجتمع[13]، و تتحدد مدخلات النظام من خلال؛ الاحتياجات داخل المجتمع التي تأخذ شكل مطالب ملحة، الإذعان الذي هو خضوع الجمهور لسياسة الدولة و التزامه بقراراتها، وعلاقة الاستقرار بالخضوع متناسبة رياضيا، ثم مصادر تمويل السياسة العامة و الإمكانات المتاحة المادية و البشرية لتحقيق الأهداف المسطرة، و التغذية الراجعة المتمثلة في المواقف و ردود الفعل التي يمكن أن تخلفها مخرجات النظام، و التي قد تشكل مدخلات النظام في دورة جديدة.

وفق هذا المدخل لتقييم السياسات العامة لابد من البحث و التحقيق في المدخلات التي تحدد حتما المخرجات و تتحكم فيها، و دراسة المخرجات و التدقيق فيها لا بد أن يحدد المدخلات و يفسرها، و بالتالي لا ينبغي فقط التركيز على المطالب و الأهداف المسطرة لتلبيتها، بل أيضا لابد من البحث في عوامل الخضوع التي تستفيد منها السياسة العامة المدروسة، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار مختلف الفواعل الممكن تدخلهم في تدوير دفة السياسة العامة و توزيع منافعها، و طبعا دراسة الموارد و الإمكانات المادية و البشرية و الرمزية لها اعتبار في تقييم السياسات العامة، كما أن التفاعل و التغيرات التي قد تنشأ عن السياسات العامة لابد أن تكون موضوع التحليل و المناقشة خلال مختلف مراحل السياسة العامة، وذلك لفهم المخرجات و تفسيرها و تقديرها، لكن يمكن أيضا وفق هذا المدخل اعتماد المخرجات لفك و تحليل المدخلات و فهمها، و بالتالي يمكن من خلال نتائج السياسة العامة فهم أهداف النظام و غايته، و القيم المحددة لسلوكه، و التوازنات و المصالح السائدة فيه، إلى غير ذلك من العناصر المشكلة لمدخلات النظام السياسي. فتقييم السياسات العامة انطلاقا من هذا المدخل يمكننا من معرفة تأثير المدخلات على النظام السياسي التي تنتج مخرجاته في شكل سياسات عامة كما يمكننا من معرفة تأثير المخرجات على المجتمع و مطالبه.

ج .مدخل الجماعات

يرتكز هذا المدخل على دراسة التفاعلات الحاصلة بين الجماعات النافذة داخل المجتمع، و أن الصراعات أو التسويات التي تقوم بينهما هي التي تشكل نواة السياسة العامة حيت تتألف الجماعة وفقا لمصالحها و تشكل و حدة ضغط على الحكومة، هذه الأخيرة تتفاعل معها و تستجيب لمطالبها التي تشكل موضوع التدخل و سن القوانين و إقرار السياسات[14]، لقد أحدث هذا الاتجاه تحولا مهما في تحليل السياسات العامة حيث نقل الاهتمام و التركيز من المؤسسات و البنيات الرسمية إلى التركيز على الأفعال وتفاعلاتها، بمعنى التعمق في دراسة الفعل السياسي في إطار فعل المؤسسات الدينامكي و ليس في إطار البنيات الجامدة، فقد نقل هذا الاتجاه دراسة النشاط السياسي من مستوى أعلى يهتم بالبنيات و المؤسسات إلى مستوى أدنى يهتم بالنشاط و الحركية للمؤسسات، دون أن ينزل لمستوى فعل و أثر الفرد باعتبار أن الفرد يصنع تحركه و يبني مواقفه من خلال الجماعة التي ينتمي إليها، باعتبارها ضابطا و موجها لسلوكه، لهذا أولى رواد هذا التوجه الاهتمام للجماعة في صياغة السياسة العامة و تقييمها، بدلا من تأثير الأفراد أو النخبة أو غيرهما، فالسياسات العامة وفقا لهذا المدخل نتاج لصراع الجماعات و ضغطها على النظام، فهي نتاج لتوازن القوى أو المصالح داخل النظام السياسي تتوصل إليه الجماعات عبر نضالها، من خلال موقف معين يمكنها من ضمان مصالحها و التعبير عن إرادتها، و الجماعة مجموعة أفراد تربط بينهم مصالح و تجمعهم قيم مشتركة، يؤدي الإحساس الجماعي بالانتماء و الافتقار لمصلحة معينة إلى تشكيل جماعة مصلحية، تتحول إلى جماعة ضغط عندما تقوم بصياغتها مطالبها الخاصة و تطرحها للتفاوض و المناقشة مع الأجهزة الحكومية للتوصل إلى تنفيذها، و الفرد يسمد قوته من انتمائه لإحدى هذه الجماعات التي يضمن من خلالها مصالحه.

تعكس السياسات العامة في أي مرحلة من مراحلها مصالح الجماعات الضاغطة، ومع تغير موازين القوى و تبدل المواقع طبقا لمنطق الربح و الخسارة، النفوذ و النفوذ الأقوى، فإن هذه السياسات العامة تعرف تغيرا و تحولا لصالح هذه الجماعة في مقابل أخرى، فالتشريعات ما هي إلا نتاج لصراع المصالح داخل المجتمع، و دور الحكومة هنا هو حسم الصراع لصالح الجماعة القوية، و بالتالي فإقرار السياسات العامة ما هو إلا الوجه الظاهر للمساومات و المفاوضات الخفية لجماعة المصالح[15].

من المفيد استحضار دور الجماعات الضاغطة في عملية تقييم السياسات العمومية، ومصالحها المتضاربة و الخلفيات المتحكمة فيها، غير أنه لا يمكن الاعتماد عليها بشكل مطلق و إغفال المداخل الأخرى.

د .مدخل المؤسسات:

يقوم مدخل المؤسسات على دراسة مؤسسات الدولة و السلطة، فالسياسات العمومية لا تصدر إلا عن المؤسسات الرسمية، المتمثلة في الجهاز التنفيذي و التشريعي و مؤسسة القضاء، وهي المؤهلة كذلك بتنفيذها، وقد كان في السابق وفقا لهذا المدخل يتم التركيز على دراسة السياسات العمومية انطلاقا من دراسة و تقييم الجوانب المؤسساتية، من خلال الاهتمام بالصلاحيات و الاختصاصات و المناهج المتبعة في ذلك، وكذا الهياكل و البنيات التنظيمية و مستوياتها، إلى جانب العلاقات التي تسود فيما بينها، في حين ظل الاهتمام بسلوك وفعل هذه المؤسسات لا يحضى بالأهمية اللازمة، بل لم تكن السياسات العامة ذاتها تحضى بالاهتمام، غير أن هذا التوجه سرعان ما سيتحول إلى توجه جديد، يركز على النشاط و الفعل الصادر عن هذه المؤسسات الرسمية و المشاركين فيه، وقد تحول التركيز من تحليل و دراسة ما يجب أن يكون إلى ما هو كائن[16]، و بالتالي فدراسة السياسات العامة من خلال المؤسسات الرسمية أصبح يعتمد على الدينامية و الحركية داخل المؤسسات، بعد أن كان يعتمد على الثابت و الإجرائي فيها، فالمؤسسات إطار موجه و محدد لسلوك الرسميين فيها، و هو ما يميز مؤسسة عن أخرى وهو ما يطلق عليه بالضوابط و القواعد و الهياكل، التي تلعب دورا أساسيا في تحديد السياسات العامة، و طبعا هي ليست محايدة أو جامدة في تبنيها لخيار دون أخر.

إذا كانت المؤسسات الرسمية و الإجراءات و القواعد  تلعب دورا أساسيا و مهما في صنع و تقرير و تنفيذ السياسات العامة، و لا يمكن استبعادها في القيام بأي تقييم للسياسة العامة، فإن التغييرات الحاصلة في أدوار الدولة و صعود فاعلين آخرين إلى جانبها في الفضاء العام، جعل هذا المدخل لا يصلح ليعتمد عليه لوحده في تقييم السياسات العامة.

ثانيا: الجهات المتدخلة في التقييم.

باعتبار الدور التقليدي للسلطة التشريعية في مراقبة و تتبع أداء السلطة التنفيذية، يعتبر البرلمان أول المتدخلين في تقييم السياسات العمومية، لكن هذا لا يعني استفراده بهذه المهمة وحده دون غيره، بل تقوم السلطة التنفيذية نفسها بهذه الوظيفة تلقائيا، بهذف قياس كفاءة برامجها و فعالية أدائها، كما يضلع بهذا الدور بعض المؤسسات الدستورية المستقلة، وبجانب ذلك لا يمكن إغفال دور الإعلام في تقدير و تثمين السياسات العمومية.

  • تصدي البرلمان لتقييم السياسات العمومية.
    • آليات التقييم.

باستحضار أهم الوظائف التقليدية للمؤسسة التشريعية وهي الرقابة البرلمانية على الفعل الحكومي كاختصاص أصيل و مشترك بين جميع البرلمانات المقارنة، نجد أن تقييم السياسات العمومية أحد أهم تمظهراتها الحديثة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية حيث بدأ الاهتمام بتقييم النشاط العمومي في مطلع القرن العشرين، إذ كانت عبارة نشاط كمي يعتمد على التجربة الموجهة لإخضاع القرار العام للعقلانية العلمية، و باعتبار السياق التاريخي للديمقراطية الأمريكية التي يعتبر المجتمع المدني أساسها[17]، كان طبيعيا أن يضل الفعل العمومي خاضعا للنقاش العام و المستمر، و هنا لابد من الحديث عن المكتب العام للحسابات و الوكالات التابعة للكنغرس و المستقلة عن الحكومة التي يعهد إليها بهذا الأمر.

في النموذج الفرنسي عرفت مأسسة التقييم صعوبات متعددة داخل المجال الإداري و الحقل العلمي، ارتبطت بثقافة إدارية سائدة بتفوق الدولة في علاقتها بالمجتمع، و قد تبلورة هذه الوظيفة عبر مراحل تراكمية أهمها التصويت على قانون منشئ لمكتب برلماني لتقييم التشريع، و أخر لتقييم السياسات العمومية سنة 1996،  الذي لم يعطي النتائج المطلوبة، و ستنشأ الغرفتين معا كل على حد لجنة للتقييم[18]، ليأتي دستور سنة 2008 ليكرس دور البرلمان الفرنسي في القيام بتقييم السياسات العامة، من خلال الفصل 24، كما أكد الفصل 47 من ذات الدستور على أن ديوان المحاسبة يساعد البرلمان في تقييم السياسات العامة، و يساهم عبر التقارير التي ينشرها في إعلام المواطنين، كما عزز الفصل 48 منه وظيفة البرلمان في تقييم السياسات العامة من خلال تخصيص أسبوع واحد من أربعة أسابيع لهذا الغرض، و قد أناط الفصل 52 بعده في فقرته الثانية مهمة الرقابة و التقييم المنصوص عليها في الفصل 24 أعلاه إلى تأسيس لجنة تحقيق داخل كل مجلس، و بالرجوع للنظام الداخلي الفصل 146 للجمعية العمومية، و بالنظر إلى تركيبة و اختصاصات هذه اللجنة، تتضح الأهمية الكبرى التي حضيت بها من لدن المشرع الفرنسي و الرهانات المعقودة عليها.

يعتبر دستور 2011 بالنسبة للمغرب مرحلة مؤسسة لوظيفة تقييم السياسات العمومية من طرف البرلمان كاختصاص أصلي لهذه المؤسسة، حث أكد في الفصل 70 منه في فقرته الثانية أن البرلمان يصوت على القوانين، و يراقب عمل الحكومة، و يقيم السياسات العمومية، ويتوفر حسب الدستور على آليات و أدوات مختلفة تمكنه من الوصول للمعطيات التي تؤهله لتتبع و تقييم الأداء الحكومي في مجال السياسات العمومية، إذ نص الدستور على وجوب عرض الحكومة لحصيلتها المرحلية أمام البرلمان بمبادرة من الأولى أو بطلب من الأخير، كما تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة و تقييم السياسات العمومية ، في حين تخصص جلسة شهرية يجيب فيها رئيس الحكومة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسات العامة أمام المجلس الذي يعنيه السؤال، وقد حاول البرلمان في نظامه الداخلي توسيع هذا الاختصاص ليمتد إلى اللجان الدائمة، بتخصيص اجتماعات لتقييم السياسات العمومية، لكن المجلس الدستوري تعرض له في قراره عدد 829-12، حيث قضى بعدم دستورية هذا المقتضى، باعتبار منطوق الفصل 101  يخص البرلمان بتقييم السياسات العمومية في الجلسات العمومية، و ليس في اللجان الدائمة، ويمكن للبرلمان للقيام بهذه الوظيفة بالاستفادة من الآليات الرقابية التقليدية، كما يمكنه الاستفادة من المجلس الأعلى للحسابات حسب الفصل 148 من الدستور، و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي حسب الفصل 152 منه.

  • مدى مساهمة البرلمان في تقييم السياسات العمومية.

بالرغم من التنصيص على تقييم السياسات العمومية في الدستور و إسنادها للبرلمان، إلا أن ذلك لم يواكبه منح البرلمان الإمكانات و الوسائل التنظيمية و البشرية للاضطلاع بهذه الوظيفة كما هو الشأن بالنسبة للتجارب المقارنة، حيث حضيت في فرنسا بأهمية بالغة من حيت التركيب، إذ تم تخصيص لجنة للقيام بذلك تضم مختلف مكونات البرلمان الفرنسي، بحيث تشكل برلمانا مصغرا، و تخصيص جلسة واحد من أصل أربعة كل شهر للقيام بتقييم السياسات العمومية، ورفع تقارير للبرلمان بشأن تفعيل توصيات التقييم من طرف الحكومة، في حين التجربة المغربية اكتفت بجعلها شبيهة بآليات الرقابة الكلاسيكية، من خلال جلسة سنوية للتقييم، وشهرية للإجابة عن الأسئلة ذات العلاقة بالتقييم، و بالتالي لسنا أمام بنية تنظيمية تختص بتقييم السياسات العمومية مؤهلة تقنيا رصدت لها الإمكانات البشرية و المادية، مستقلة أو كلجنة تابعة للبرلمان.

فالبرلمان المغربي ظل يعرف ضعفا مزدوجا ارتبط ببنيته و اختصاصاته، ارتبط أيضا بتركيبته البشرية و سلوكها السياسي، فالأول صاحب الهندسة الدستورية منذ اللحظة التأسيسية في إطار ما سمي بالعقلنة البرلمانية[19]، الموروثة عن التجربة الدستورية الفرنسية، حيث تقييد صلاحيات البرلمان، في مقابل تقوية دور و اختصاص الجهاز التنفيذي، أما الضعف الثاني فقد ارتبط بالنخبة البرلمانية و أدائها التشريعي و سلوكها السياسي، الذي يتسم بالضعف و الارتباك، بسبب الأمية التخصصية و ضعف التكوين و عدم الاجتهاد و ضعف المبادرة ، و غياب حس الإبداع لدى غالبة النواب البرلمانيين، إضافة إلى الطريقة التي يتم بها الولوج للسلطة التشريعية، و التي تتخبط لحد اليوم في العديد من مظاهر الضعف و المحدودية، وقد اتسمت حصيلة أداء البرلمان في تقييم السياسات العمومية خلال الولاية التشريعية الأولى في ضل دستور 2011 بنوع من الضعف الكمي و النوعي، حيث لم يتعدى عدد الجلسات الشهرية 24 جلسة لمجلس النواب، و 20 جلسة لمجلس المستشارين، حيت لا تشكل هذه النسبة سوى 50 بالمائة من العدد المتوقع، في حين لم تتجاوز الجلسات السنوية جلسة واحد لكل مجلس، أما من حيث المضمون فظل هو الأخر يتسم بالضعف و المحدودية، فلم ينتج خلال هذه الولاية كلها تغيير سياسة عمومية، أو التخلي عنها، أو ترممها نتيجة لعملية التقييم التي قام بها البرلمان، علما أن خلال هذه الولاية تم إقرار برنامج الحسيمة منارة المتوسط، و خلالها عرفت مدينة الحسيمة الحراك الاجتماعي سنة 2017 نتيجة حاثة وفاة الشاب محسن فكري، نتج عنه تدخل الملك ليحيل الملف المجلس الأعلى للحسابات للتحقيق في مآل المشاريع التنموية المقررة في الإقليم، و ما نتج عن التقرير من قرارات توبيخية لوزراء و مسؤولين كبار إلى الإعفاء الحالي من المسؤولية و في المستقبل، في حين البرلمان اكتفى بمتابعة المشهد فقد.

  • تدخل الحكومة في تقييم السياسات العمومية.

إذا كان الدستور قد اسند اختصاص تقييم السياسات العمومية للبرلمان كأصل، فذلك لا يعني أن الحكومة لا تقوم بهذه الوظيفة حيث تقوم بتقدير و تثمين البرامج و المشاريع التي تقوم هي نفسها او من تفوضه بتنفيذها، و لأجل ذلك نجد داخل كل وزارة جهاز مكلف بالمتابعة و المواكبة بهدف تقييم  مدى تحقق الأهداف و البرامج، و تبقى المفتشية العامة للمالية، و المفتشية العامة للإدارة الترابية أهم البنيات التنظيمية التابعة للحكومة تضلع بهذه الوظيفة.

  • المفتشية العامة للمالية.

تعتبر المفتشية العامة للمالية إحدى أهم البنيات الإدارية المختصة في تقييم الفعل الحكومي، الذي يشكل صلب السياسات العمومية، و إذا كانت النصوص القانونية و التنظيمية المؤطرة لعملها لا تسمي عملها بالتقييم، فإن جوهر هذه الأخيرة يدخل في صلب عملية التقييم. أحدثت المفتشية العامة للمالية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.59.269 المؤرخ ب 14 أبريل 1960، و انيط بها: التحقيق في تسيير المحاسبين العموميين، مراقبة تسيير الأمرين بالصرف، و بصفة عامة على مستخدمي الدولة و الجماعات المحلية، مراقبة تسيير المؤسسات و المنشآت العامة، و كذا جميع الأشخاص الذاتيين و المعنويين المستفيدين بصفة مباشرة من دعم مالي من طرف الدولة أو الجماعات المحلية أو المنشآت العامة، تم التدقيق و إبداء الرأي بخصوص مشروعية وصدق العمليات المتعلقة بحسابات المشاريع الممولة من طرف الحكومة أو الهيئات المالية الدولية أو الجهوية، تفعيل دور المجالس الإدارية و الهيئات التقريرية، عقلنة النفقات عن طريق تحسين التدبير، ترشيد تدبير الموارد البشرية و غيرها من الإجراءات التي تساهم في رفع كفاء و جودة النشاط العمومي، و تشتغل وفق برنامج عمل يحدده وزير المالية باقتراح من المفتش العام، و يأخذ هذا البرنامج بعين الاعتبار طلبات التحقيق التي يقدمها البرلمان، رئيس الحكومة و أجهزة الرقابة التابعة للمؤسسات المقرضة أو المانحة، كما يمكن لشكايات المواطنين أن تكون محرك لعلية التقييم.

توجد المفتشية العامة لوزارة المالية في قلب السياسات العمومية حيث ما تمت مال عام مباشر أو غير مباشر فإنها موجودة، وطبعا إذا قلنا المال العام قلنا السياسات العامة، فلا سياسة عامة بالا مال، وإن تعلق الأمر بالسياسات الغير المادية.

  • المفتشية العامة للإدارة الترابية.

تشكل المفتشية العامة للإدارة الترابية إحدى أهم الآليات الحكومية لمتابعة و تقييم نشاط مختلف المصالح الإدارية و المؤسسات العمومية التابعة لها، وبالرجوع لمرسوم اختصاصات و تنظيم وزارة الداخلية[20]، و كذا النظام الأساسي الخاص بالمفتشية العامة للإدارة الترابية[21]، فإنها تختص بالقيام بأعمال التفتيش في الأقاليم و العمالات و الدوائر و القيادات، بناء على تعليمات وزير الداخلية، كما تقوم بنفس الشروط بمراقبة و تفتيش الجماعات المحلية، و أيضا القيام بالرقابة و التحقق من التسيير الإداري و التقني و المحاسباتي للمصالح التابعة لوزارة الداخلية، و الجماعات المحلية مع مراعات الاختصاصات المسندة لمختلف المفتشيات التابعة لباقي القطات الوزارية،كما يمكنها الإطلاع بأية مهمة من مهام الدراسة أو التخطيط، و تباشر عملها بناء على برنامج مسطر أو بشكل استثنائي بطلب من وزير الداخلية، كما يمكن للقطاعات الوزارية الأخرى أن تطلب تدخلها عبر طلب موجه لوزير الداخلة.

تتجلى الأهمية المحورية لهذه البنية في التقييم ليس فقط في القطاعات التابعة لوزارة الداخلية، بل أيضا لدى مختلف القطاعات بناء على طلب هذه الأخيرة، و بالنظر للموقع المركزي و الإرث التاريخي لوزارة الداخلية في النسق السياسي المغربي، فإن هذه البنية مؤهلة للقيام بهذه المهمة، نظرا لما يتوفر لها من موارد بشرية وتقنية و لوجستكية و سلطوية، وتحكمها في مختلف مصادر المعلومات الدقيقة التي تهم الأفراد و الجماعات ناهيك عن البرامج و المخططات، غير أن هذا لا يعني تفوقها نتيجة حتمية، بفعل التوازنات و الرهانات السياسية التي تتحكم في أدائها و نشاطها، حيث ظل هذا القطاع خارج إطار التدبير السياسي الحزبي، باستثناء شاذ لا يقاس عليه خلال النصف الأول من حكومة السيد عبد الإله بنكيران.

  • دور المؤسسات الدستورية المستقلة الاستشارية.
    • المجلس الأعلى للحسابات.

يختص المجلس الأعلى للحسابات باعتباره الهيأة العليا لمراقبة المالية العمومية[22]، بتدعيم و حماية مبادئ و قيم الحكامة الجيدة، و الشفافية و المحاسبة بالنسبة للدولة و الأجهزة العمومية، و يتولى المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية، و يتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بها، ويقيم كيفية تدبير الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، ويساعد البرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة، و كذا بوظائف البرلمان عموما في التشريع و المراقبة و التقييم المتعلقة بالمالية العامة، و يقدم أيضا المساعدة للحكومة في نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون، و ينشر جميع أعماله، و يرفع بشأنها تقرير سنوي للملك و لرئيس الحكومة و كذا لرئاسة البرلمان بمجلسيه، و يقدم بشأنه عرضا أمام البرلمان يكون موضوع مناقشة، ويراقب تسيير المصالح التابعة للدولة و الجماعات المحلية و هيئاتها و المؤسسات العامة و المقاولات المخولة الامتياز في مرفق عام، أو المعهودة إليها بتسييره، و كذا المقاولات أو الجمعيات، أو كل جهاز آخر يتلقى مساعدة مالية كيفما كان نوعها من طرف الدولة، أو إحدى المؤسسات العمومية، أو الجماعات المحلية، أو أحد الأجهزة الأخرى الخاضعة لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات.

لا شك أن الإمكانات المادية و التقنية و البشرية المؤهلة و إن كانت قليلة، و إمكانية الاستفادة من خبرة القطاع الخاص و الترسانة القانونية ،كلها عوامل تمكن المجلس من القيام بهذا الدور بامتياز، و هو ما تعكسه التقارير التي يصدرها سنويا، لكن هذا لا يمنع من طرح مسألة الاستقلالية – وإن ضمنها الدستور- عن الحكومة كون نفقاته تدرج ضمن المخصصات المالية لرئيس الحكومة، و كذا تأشيرة وزري المالية و الوظيفة العمومية لتقسييم المجالس الجهوية إلى فروع.

  • المجلس الاقتصادي و الاجتماعي.

يختص المجلس[23] بتقديم المشورة للبرلمان و الحكومة في جميع القضايا الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية، كما يدلي برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني، و التنمية المستدامة، و كذا الإدلاء برأيه في جميع القضايا ذات الطابع الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي المتعلقة بالجهوية المتقدمة، و تحليل الظرفية و تتبع السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و الوطنية و الجهوية و الدولية و انعكاساتها، وكذلك إنجاز الدراسات و الأبحاث في الميادين المرتبطة بممارسة صلاحياته، و نذكر في هذا الصدد دراسة الثروة الإجمالية للمغرب ما بين سنتي 1999 و 2013 التي تعد بمثابة تقييم للسياسات العامة في مجموعة من القطاعات، و يمكن استشارته من طرف البرلمان فيما يخص مشاريع أو مقترحات القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في الميادين ذات العلاقة باختصاصه، وكذا المشاريع المرتبطة بالاختيارات الكبرى للتنمية، و مشاريع الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة، وفي الميادين ذات العلاقة باستثناء مشاريع قوانين المالية، ويرفع تقريرا سنويا للملك حول أنشطته، و حول الحالة الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية للبلاد، و يوجهه أيضا لرئيس الحكومة و رئيسي البرلمان.

  • دور الإعلام في تقييم السياسات العمومية.

يشكل الإعلام السلطة الرابعة داخل المجتمعات الديمقراطية، حيث له تأثير ودور كبير في تشكيل الرأي العام و تحديد توجهات المجتمع، على عكس الأنظمة الشبه ديمقراطية حيث الرقابة الصارمة على وسائل الاتصال، و الحد من حرية التعبير و التضييق عليها، و صعوبة الحصول على المعلومة، غير أن الطفرة المعلوماتية[24] و التطور التقني لوسائل الاتصال الجماهيري التي يستخدمها الإعلام، سواء تعلق الأمر بشبكات التواصل الاجتماعي، أو القنوات التلفزية الإلكترونية، فضلا عن القنوات الفضائية، جعل من تدخل الدولة للحد من حرية التعبير و الاتصال تضل محدودة، وهنا يمكن استحضار ثورات الربيع العربي التي أعطت الثورة التونسية يناير 2011  شرارة انطلاقها،  لتتحول للعديد من الدول العربية من خلال التحفيز و الزخم المعنوي الذي لعبت فيه وسائل التواصل الاجتماعي و القنوات الفضائية دورا مهما يوازي التحرك الميداني للثوار، و أصبحنا نتابع الثورة في هذا القطر و ننتظر متى سنطلق في أخر.

وتلعب وسائل الإعلام دورا مهما في تقييم السياسات العمومية بشكل مباشر من خلال ما تتوفر عليه من وسائل مادية و إمكانات بشرية و تقنية، و ما تتحلى به من إصرار و عزم على كشف الاختلال و النقائص التي تعتري البرامج السياسية،  ووضع البرامج و السياسات العمومية موضع النقاش و التداول العمومي، فدورها لا ينتهي عند إبراز المشاكل و الحاجات الملحة للمجتمع و المساهمة في تضمينها بالأجندة السياسة و إعطائها الأولوية اللازمة، بل تتبع تلك السياسة و تساهم في كشف كل خباياها و أسرارها، و في حالة المغرب لا يمكن أن ننكر حجم ودور الإعلام في تقييم السياسة العمومية، حيث كان لوسائل الإعلام دور مهم و حيوي في فتح مجموعة من الملفات التي نتج عنها إقالة المسؤول الأول في القطاع، كما هو الشأن بالنسبة لقضية العفو الملكي على المجرم الإسباني المعتقل بالمغرب على خلفية اغتصاب قاصرين و المطالبات بعد ذلك بإعادة النظر في موضوع العفو الملكي، و شروط الاستفادة منه و طريقة تدبيره، أيضا قضية استيراد النفايات من المغرب التي فضحتها الصحافة المغربية سنة 2016، و ما نتج عن ذلك من تراجع الحكومة على قرار استقبال سفينة إيطالية محملة بالنفايات، و التراجع عن إقرار مرسوم ينظم العملية، و أيضا تغيير المادة 475 القانون الجنائي عبر إثارة الإعلام المغربي لقضية انتحار فتاة قاصر بعد تزويجها من مغتصبها و غيرها من القضايا التي يصعب حصرها.

ثالثا: أنواع التقييم و إكراهاته.

يعرف تقييم السياسات العمومية إكراهات و حدود مرتبطة بنوعية التقييم المعتمد و مرتكزاتها، فما هي أنواع التقييم؟ وماهي الإكراهات التي تحد من فعاليته وجودته؟

  1. أنواع التقييم

يتنوع التقييم حسب الجهة التي تقوم به إلى داخلي او خارجي، ففي النوع الأول يتصدى لوظيفة التقييم الجهاز الذي يسهر على تطبيق أو تنفيذ السياسات العمومية أو إحدى البنيات الإدارية التابعة له، و يكون خارجا عندما يتم تكليف جهة ما مستقلة  عن الأولى، و تشاركي إذا تم إشراك مختلف الفاعلين في المجتمع[25].

  • من حيت الجهة التي تقوم به.

التقييم الداخلي تتكلف به الوحدة التنفيذية نفسها، أو من خلال إحدى البنيات التابعة لها بشكل من الأشكال، و مثال ذلك ما نجده في بعض الدول[26]، حيث يعهد القيام بهذه المهمة لبنية تنظيمية من داخل الجهاز التنفيذي، أو من خلال مؤسسات مختصة بذلك تابعة له، و المغرب يعتمد هذا النوع من التقييم حيث توجد داخل كل قطاع وزاري مفتشية عامة، أو مصلحة الدراسات و التحليل، و غيرها من التسميات، توكل إليها مهام الرقابة و التدقيق، و تتعداها في الممارسة العملية لتشمل عملية التقييم، حيث يتم قياس مدى النجاعة و الفاعلية للسياسات المطبقة في القطاع، و يعتبر كذلك لو قامت به هيئة خارجية عن القطاع المعني لكنها تتبع له، أو للحكومة بشكل أو بأخر، كما هو الشأن بالنسبة للمفتشية العامة للمالية و الإدارة الترابية على نحو ما سبق ذكره، و يرتبط التقييم الداخلي بالثقافة التنظيمية للمؤسسة و كفاءتها، و يضمن هذا النوع من التقييم قياس و تقدير دائم للسياسات العامة، و يفيده الجهاز التنفذي في المراجعة كل حين، و تصحيح الاختلالات في إبانها، مما يحافظ على كفاءة و فعالية الجهة المنفذة، و يكسب أطرها كفاءة وخبرة عملية تساهم في تجويد صنع و تنفيذ السياسات العمومية، و يستفيد هذا النوع من التقييم من سهولة تدفق المعلومات و المعطيات المتعلقة بالسياسة العمومية المراد تقييمها،كما انه يستفيد من الخبرات و الإمكانات الإدارية و التقنية للجهاز التنفيذي.

يكون التقييم خارجيا إذا قامت به جهة أو هيئة مستقلة عن الجهاز التنفيذي، و عن المؤسسات التابعة أو الخاضعة له بأي شكل من الأشكال، بحث تكون مستقلة تماما عنه، و هذا النموذج نجده في العديد من الدول المقارنة ففي فرنسا نجد لجنة تقييم السياسات العمومية و المراقبة، و إدارة الحسابات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر درع الكونغرس في تقييم السياسات العمومية[27]، و في المغرب يعهد للبرلمان باختصاص تقييم السياسات العمومية، و هو مستقل عن الحكومة في ذلك باعتبار مبدأ فصل السلط – مع بعض التحفظ – كما يمكن إدراج عمليات التقييم التي يكلف بها المجلس الأعلى للحسابات، و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ضمن صنف التقييم الخارجي، باعتبارهم هيئات مستقلة عن الحكومة، و يتم اللجوء لهذا النوع من التقييم لما يتصف به من المصداقية و الموضوعية، و يعطي توصيات و خلاصات لا تحيز فيها لأي جهة، و يمكن الجهة التنفيذية من الانفتاح على مناهج وطرق جديدة تفيدها في مختلف مراحل السياسات العمومية، و يعتمد على الخبرة و التجربة المكتسبة في عمليات التقييم السابقة لمختلف السياسات العمومية، و يقوم بإجراء مقارنات بينها الشيء الذي يتيح فهما أوسع و تقديرا أدق.

ويعتبر كلا التقييمين تشاركيا إذا ما تم إشراك مختلف المتدخلين ، و خاصة الجمهور المستهدف بها، حيت يقر بالتعددية و يأخذ بعين الاعتبار المحيط العام للسياسات العمومية، و يستحضر دور جميع الفاعلين في مختلف مراحلها، باعتبارها نتاج تفاعل و تشابك مختلف العلاقات و المصالح داخل المجتمع.

بالرغم من الإيجابيات التي تم عرض بعضها أعلاه، فإن هذين النوعين لا يخلوان من بعض الحدود التي تحد من كفاءة و قيمة التقييم كل على حد، بحيث نقاط قوة هذا النوع هي في ذات الوقت نقط الضعف لدى الثاني و محاولة الجمع بينهما أولى و أفيد.

  • من حيت المرتكزات.

يمكن أيضا تصنيف أنواع التقييم حسب المرتكزات التي يعتمد عليها، و الجوانب التي تأخذ الأولوية و التركيز، وهنا نتحدث عن المرتكزات النوعية و المرتكزات الكمية.

يرتكز التقييم النوعي على قياس و تقدير المرجعيات والقيم التي تؤطر السياسات العمومية، و البحث في المشكلة الحقيقة و الأهداف المرجوة، و العلاقات السائدة في إطارها، كما يعتمد على قياس أثر السياسات العامة على الجمهور، و التغيرات التي طرأت عليه. ففي تقييم الأهداف يتم التركيز على مدى نجاح السياسة العمومية في تحقيق الأهداف المرجوة منها، و التحقق من نجاعتها، و طريقة تحديدها، مع البحث و التدقيق في المعلن منها و الخفي فيها، وذلك عبر مؤشرات قياس علمية دقيقة. أما فيما يخص تقييم الأثر و الوقع الذي تحدته السياسات العمومية على الفئة المستهدفة في واقعها المعيشي اليومي[28]، و تحديد التغيير الحاصل في محيط و مجال تنفيذها، ففي هذا الإطار يتم التركيز على أثر السياسة العمومية على المشكل موضوعها، و على أن الأثر قد يتعدى نطاق المشكل المراد مواجهته، كما أن هذا الأثر قد يكون أني مباشر أو مؤجلا يظهر بعد حين من الزمن.

يعتمد التقييم الكمي على المعطيات الكمية و الدراسات الإحصائية من خلال تقييم المؤشرات الحسابية، إذ يتم الاعتماد على الجداول و المبيانات، و استخدام المقارنات الرقمية بين سياسة و أخرى، و بين الفترات لنفس السياسة المدروسة، كما يتم الاعتماد على التحليل الرياضي و الإحصائي باستخراج المعادلات الحسابية، التي تمكن من قياس العلاقة أو التناسب بن المشكل و الوسيلة، و الأهداف و النتائج المحققة، حيت يتم التعامل مع السياسات العمومية كأرقام و أعداد يجب تحقيقها، و يعطي التقييم الكمي درجة عالية من الدقة و الشفافية في تقييم الأهداف و تبسيط فهمها و قراءتها.

يطرح كلا التقييمين حدود يمكن تجاوزها من خلال الارتكاز عليهما معا، حتى نتمكن من قياس الجانب الكمي و النوعي في كل سياسة عامة، و تقدير جميع الجوانب المحددة لها، و لنتائجها و مخرجاتها.

 

  • إكراهات التقييم.

يعرف التقييم بمختلف أنواعه و تصنيفاته حدودا و معيقات، قد تؤثر على عملية التقييم، و تحد من قيمة نتائجه، و يمكن تصنيف هذه الإكراهات إلى ذاتية ترتبط بالسياسة العامة نفسها أو احد عناصرها، و أخرى موضوعية تشترك فيها مختلف عمليات التقييم.

  • الإكراهات الذاتية.

تتنوع الإكراهات الذاتية للتقييم و ترتبط أساسا بنوعية التقييم المعتمدة ، أو بالسياسات المعتمدة ذاتها، أو بالجهة التي تقوم به، ومن أهم هذه الإكراهات: وسيلة أو منهجية التقييم و الخلفيات النظرية المؤطرة لها، فإذا كانت الوسيلة كمية فإنها لا تسعف في تقييم الأهداف و الآثار النوعية للسياسة المعنية، كما أن التقنيات المعتمدة في التقييم الكمي تكون مضللة في بعض الأحيان إذا لم يتم اختيار العينات و مكان تواجدها بشكل دقيق[29]. و بالنظر للجهة المتدخلة في التقييم تطرح مسألة الحياد و الموضوعية بالنسبة للتقييم الداخلي مشاكل مؤثرة، حيت تتحاشى الجهة القائمة على التقييم أن تصدر تقديرات تحكم على نفسها بعدم الكفاءة و ضعف نتائج سياساتها، كما أن الاتجاهات الفكرية و المرجعية للقائمين على التقييم تتسلل لتؤثر في مخرجاته، إذ الانتماء لطبقة اجتماعية أو جماعة مصلحية لها أثرها في تحديد المخرجات النهائية للتقييم[30].

وفيما يتعلق بالسياسة العامة ذاتها التي تكون موضوع التقييم، فالتداخل الزمني الذي تعرفه السياسات العمومية فيما بينها عندما تأتي سياسة عمومية حديثة تكون لها نفس أهداف أخرى سابقة أو مشابهة، يجعل أمر التقييم بالصعوبة بما كان، فكيف يمكن الحسم بـن هذه النتائج بفعل هذه السياسة أو تلك، و تزداد الصعوبة عندما يتعلق الأمر بسياسات عمومية لها أهداف بعيدة المدى، ومن الناحية الزمنية هناك بعض السياسات العامة تتطلب كما هو معلوم مساحة زمنية كبيرة قبل أن نتمكن من وضعها في ميزان التقييم، غير أن العوامل المحيطة بها قد تحتم إجراء تقييم لها قبل جاهزيتها، و بالتالي يكون هذا التقييم تجزيئيا و غير شامل، و يرتبط عنصر الزمن في التقييم بالضغوطات السياسات، التي تتعرض لها الحكومة و مؤسساتها من قبل المعارضة أو جماعات الضغط، أو المجتمع نفسه، فتكون الحكومة مضطرة للإعلان على نتائج السياسة العمومية و منجزاتها، وتكون هذه الحالات أكثر وضوحا إبان الاضطرابات الاجتماعية.

  • الإكراهات الموضوعية.

بعيدا عن الإكراهات الذاتية، تتجلى أهم الإكراهات الموضوعية في تحديد علاقة السببية المباشرة بين السياسة و نتائجها، فالتقييم يستهدف رصد وضبط أثر ووقع السياسة و أهدافها على أرض الواقع، فمن الصعب في كثر من الحالات ضبط هذه العلاقة في إطار الإجراءات أو العمليات و البرامج (أ) أعطت  النتائج  و الآثار (ب)، حيث يتعلق الأمر بالظواهر الاجتماعية التي تتميز بالتعقيد و الغموض، كما يكون لتشتت أثار السياسات العمومية صعوبات تواجه التقييم، حيث تتعدى نتائج أثار السياسة العمومية الفئة المستهدفة لتشمل فئات أخرى، كما قد تتعدى المجال المحدد لتدخلها عينه، و في صعوبة تحديد وضبط اثر السياسات العامة صعوبة تقييمها.

و قد يشكل الحصول على المعلومات و المعطيات المتعلق بالسياسة العمومية المراد تقييمها مشكلا من مشاكل التقييم عموما، خاصة عندما تتولى جهة مستقلة عملية التقييم، وقد يواجه التقييم الداخلي نفسه هذا الإكراه عندما يتعلق الأمر بمحاولة تحديد أثر السياسة العامة على الفئة المستهدفة إذا تعلق الأمر بسياسة عمومية نوعية. إن النظرة العامة الموروثة على الأدوات الرقابية التقليدية، وما ينتج عنها من قرارات و توصيات قد تمس المراكز القانونية و المصلحية، و شبكات العلاقات الناتجة عنها، لبعض الأفراد أو الجماعات الذين تناط بهم مسؤولية تنفيذ و تتبع السياسات العمومية،  تجعل المسؤولين عن التنفيذ يحجبون  المعطيات الضرورية و الحيوية عن غيرهم، و لا يسربون منها إلا ما كان منها في مصلحتهم، و لا يشكل خطرا محتملا عليهم، وقد يتطور الأمر إلى مقاومة رسمية للتقييم.

لما كان للسياسات العامة أثار على المصالح و النفوذ فإنها تخلق معارضين لها غير مستفيدين مها أو يتحملون عبئها و تكاليفها، فإن أي تقييم لهذه السياسة العمومية إلا وسيعرف محولات التشويه و التقليل من أهميته و وصفه بغير الدقيق و غير الموضوعي و السطحي، لذلك لابد من بنائه بشكل علمي وموضوعي متماسك و صلب.

رابعا: رهانات التقييم.

تتعدد رهانات تقييم السياسات العمومية بحسب رهانات الجهات المقررة للتقييم، و يمكن إجمالها في رهانات تقنية ذات بعد إجرائي، و أخرى سياسية مرتبط بالنظام السياسي ككل، فما هي هذه الرهانات.

  • الرهانات التقنية.

تتجلى الرهانات التقنية لتقييم السياسات العمومية في:

مراجعة السياسات العامة وإجراء تعديلات بشأنها،  و تغيير أو تتميم السياسات العمومية ضرورة مصلحية لابد منها، إذا من النادر أن تبقى سياسة الدولة في مجال ما على حالها، وذلك لعدت عوامل أهمها: تغيير المناخ السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و البيئي الذي كان سببا في تبنيها الذي ينتج عنه حاجات و متطلبات جديدة لا يمكن تحقيقها مما تقرر في السابق، اكتساب الجهة التنفيذية خبرة علمية و تجربة ميدانية في مجال التنفيذ تمكنها من كشف النقائص و الحدود التي تعرفها السياسة القائمة، الشيء الذي يقتضي التدخل لتعديلها و تحسينها.

الإنهاء، حيث تكون السياسة العامة كالكائن الحي، تعرف دورة من الولادة إلى التطور ثم الضمور و الانحلال، و يتم إنهاؤها بعد أن يثبت فشلها، أو ينتهي الهدف من تبنيها أو بعد سقوط الرهان المعقود عليها، و يكون الإلغاء بإيجاد بديل عنها يحل محلها، أو قد يتم التعامل معه باللافعل.

وقد يكون رهان التقييم هو التأكيد على استمرارية السياسة العمومية المعنية بعدما أثبتت نجاعتها و فعاليتها، و أيضا استمرار الحاجة إليها و الرهانات المعقودة عليها، أو بسبب عدم القدرة على تبني سياسة غيرها بسبب ضعف الموارد و الإمكانات. ويكون الاستمرار بإعادة تنفيذ نفس الإجراءات و العمليات التي تم القيام بها في بداية التنفيذ، مع بعض التعديلات الناتجة عن الخبرة و التجربة المحققة، و يكون أيضا بإعادة إنتاج نفس الشروط و نفس الأهداف و الآليات، أو بتغيير جزئي مع المحافظة على العناصر الأساسية المكونة لها، أو عن طريق إدماجها مع سياسات أخرى قائمة، و على عكس التعديل أو الإنهاء قد يحتاج الاستمرار في السياسة العمومية المقصودة لمجهود إضافي، و تحالف عدت متدخلين لدعم قرار الاستمرار، حيت يلزم إقناع الجمهور بنجاعتها وأهمية استمرارها، و طبعا لن يكون ذلك سهلا بالنظر لما تحصل من معرفة و فهم لها.

  • الرهانات السياسية.

يتجلى الرهان السياسي لتقييم السياسات العمومية في ضمان استمرارية النظام، و تأمين خطوط دفاعه و تعزيز شرعيته لدى الجمهور  و الشركاء، و أساس الشرعية قبول حكم فرد أو جماعة، وممارسة سلطة الدولة بما فيها استعمال العنف، و بالتالي تقبل المحكومين سلطة الحكام ورضاهم بها، وهذا الرضى ليس دائما و أبديا لا يتعرض للتغيير، بل هو دو طبيعة مرنة متقلبة تتجدد باستمرار، لدلك على الحكام صيانته و دعمه على الدوام، و صيانة الاعتقاد في الشرعية الذي يعتبر عاملا حساما في قبولها، و إلا سقط الأساس الذي بموجبه حضي الحاكم بقبول المحكومين و إذعانهم لسلطته، و الشرعية هي فكرة أو إيمان، و قناعة شعبية بممارسة حق الحكم و اعتلاء سدته، و احتلال مركز قرار السلطة السياسية، فإذا هوى هذا الإيمان، و قوض الاعتقاد فيه، هوت شرعية السلطة القائمة، و بالتالي هي معرضة للضعف و الزوال، كما يمكن تعزيزها و تجديدها.

تعتبر الشرعية أساس وجود النظام السياسي و استقراره، فكلما توطدت و تعززت كلما توطد النظام وعزز دعائمه و عوامل استمراره، وفي تآكل الشرعية وضعفها تهديد لاستقرار النظام و استمراره، وفي هذه الحالة يجب عليه إصلاح أعطابها، و توفير الاستقرار اللازم لتجديدها، و إعادة إنتاجها من خلال تعزيز مبررات وجود النظام، و السياسات العمومية من أهم آليات تجديد المشروعية، و تكريس الشرعية، و إبراز كفاءة النظام السياسي وفعاليته في تدبير الشؤون العامة للمجتمع، الذي يعتبر مصدر السلطة و الشرعية، و هي أهم مجال لتجديد الشرعية و تدعيمها، فالفاعلية و الشرعية تنعكسان على مستوى استقرار النظام و استمراره.

تحدث ماكس فيبر عن ثلاثة أنماط للشرعية و المتمثلة في: الشرعية التقليدية، الموهبة الروحية، ثم الشرعية العقلانية،[31] و هذه الأخيرة هي التي تعتمدها الأنظمة الديمقراطية، و تتأسس على القانون، ويتم الحصول عليها عبر الانتخابات الحرة و النزيهة، وطبعا قبول المواطنين للسلطة و خضوعهم لها ينبني على قناعتهم فيها، و إيمانهم بكفاءتها، و قدرتها على تحقيق المنافع لهم، و دفع المضار عليهم، و في غير ذلك لا معنى لبقاء النظام و استمراره، لذلك تعتمد الأنظمة على تقييم سياساتها  العمومية حتى تضمن بذلك النجاعة، و الفعالية المطلوبتين لضمان الإستقرار و الاستمرار للنظام القائم والسلطان الحاكم، ونتائج التقييم مفيدة جدا في ذلك، و يعتمد على هذا العنصر في تجديد الشرعية مختلف الأنظمة الحاكمة كيفما كان توصيفها من الناحية الديمقراطية، كما يمكنها أن تعتمد مصادر متعددة للتجديد، كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي يعتمد المشروعية التقليدية، و مشروعية الإنجاز و الكفاءة من خلال التقييم المستمر، و التجديد الدائم في سياساته العمومية، كان أخر تجلياتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

خاتمة:       

يمكن تقييم السياسات العمومية من إنجاح النشاط العام، وهو أساس كل المحاولات التحديثية للنظام السياسي و آليات تدبيره للفضاء العام، فهو أداة فعالة لتحسين المردودية وتحقيق النتائج، وتقدير الأهداف القابلة للإنجاز مقارنة بالوسائل و الإمكانات المتاحة، و يمكن من قياس مدى تحقيق احتياجات وانتظارات المواطنين، كما يمكن من تقليص المسافة بين النتائج المرغوبة و النتائج المتحققة.

إن التقييم بما سبق لا يعني أنه عملية تقنية و فنية جامدة و محايدة، بل هو مجال للتفاعلات و التجاذبات التي تنشط حقل السياسة، وآلية للسيطرة و الحفاظ على المواقع و ضبط المجال السياسي، بما يحفظ المصالح و  يضمن الاستقرار و الاستمرار للنظام القائم، حيث يعد فرصة لتجديد مشروعية النظام و تعزيز خطوط دفاعها.

يكون للناس عامة أفراد أو مجموعات وبغض النظر عن تكوينهم وخلفياتهم الفكرية انطباعات ذاتية عن السياسات العمومية، تجعلهم متفقين أو مختلفين معها حسب المعلومات و المعطيات التي تحصلت لهم عنها، لكن الفاعلين السياسيين يكونون مواقفهم بخصوص السياسات العمومية انطلاقا من مواقعهم في الميدان السياسي ورهناتهم في اللعب، بما يضمن مصالحهم ويحفظ توازنات اللعبة و قواعدها، و يتم اختيارهم لنوع التقييم و مرتكزاته انطلاقا من الرهانات المعقودة عليه، و بالتالي فالتقييم يعد أهم الأدوات التي تمكن الباحثين في علم السياسة من فهم آليات و ميكانزمات اشتغال النظام السياسي، و استمرار سلطة النخب الحاكمة، و استقرار المؤسسات السياسية و استمرارها.

 

[1]  – أحمد مصطفى الحسين، مدخل إلى تحليل السياسات العامة، المركز العلمي للدراسات السياسية، مطبعة الجامعة الأردنية، الأردن، ط 1، 2002، ص 10.

[2]  – أحمد مصطفى الحسين، مدخل إلى تحليل السياسات العامة، المرجع السابق، ص 11.

[3]  – جيمس اندرسون- ترجمه عامر الكبيسي، صنع السياسات العمومية، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الطبعة الثانية،2002، ص15.

[4]  –  عبد الفتاح ياغي،السياسات العامة: النظرية والتطبيق، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، الطبعة الأولى، القاهرة، 2010، ص17.

[5]  – فاسيون لوميو- ترجمة عبد المالك احزيرير و فريد خالد، دراسة السياسات العامة: الفاعلون وسلطتهم، منشورات كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية مراكش، مراكش 2014، ص 11.

[6]  – فاسيون لوميو- ترجمة عبد المالك احزيرير و فريد خالد، دراسة السياسات العامة: الفاعلون وسلطتهم، مرجع سابق، ص 14.

[7] –  جيمس اندرسون- ترجمه عامر الكبيسي، صنع السياسات العمومية، مرجع سابق، ص15.

8- عبد الفتاح ياغي،السياسات العامة: النظرية والتطبيق، مرجع سابق، ص159.

[9]  -موريس دوفرجيه – ترجمة سليم حداد ، علم السياسة: مبادئ علم السياسة، الطبقات الاجتماعية، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، بيروت، 2001، ص 146.

[10]  – جون واتربوري – ترجمة عبد الغني أو العزم و اخرون، الملكية و النخبة السياسية المغربية، مؤسسة الغنى، الرباط،  ط1، 2004، ص 134.

[11]  – بوتومور- مجموعة من المترجمين، الصفوة و المجتمع دراسة في علم الاجتماع السياسي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1988، ص 27.

[12] – أحمد مصطفى الحسين، مدخل إلى تحليل السياسات العامة، المرجع السابق، ص 112.

[13]  – جيمس اندرسون- ترجمه عامر الكبيسي، صنع السياسات العمومية، مرجع سابق، ص33.

[14]  – جيمس اندرسون- ترجمه عامر الكبيسي، صنع السياسات العمومية، مرجع سابق، ص34.

[15]  – جيمس اندرسون- ترجمه عامر الكبيسي، صنع السياسات العمومية، مرجع سابق، ص34.

[16]  – أحمد مصطفى الحسين، مدخل إلى تحليل السياسات العامة، المرجع السابق، ص 116.

 

[17]  – ألكس دوتكفيل – ترجمة أمين مرسي قتديل، الديمقراطية في أمريكا،عالم الكتب، القاهرة، الجزء 1 و 2، ط 4،2004، ص 72.

[18]  – حسن طارق، مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية، منشورات الوسيط من أجل الديمقراطية و حقوق الإنسان، الرباط أبريل 2014، ص 20.

[19]  – المختار المطيع، النظام السياسي الدستوري المغربي، سلسلة محاضرات، كلية الحقوق سطات، 1998، ص 25.

[20]  – مرسوم رقم 176-97-2 صادر في 14 شعبان 1418(15 دجنبر1997ج ر عدد4558 بتاريخ 7 شوال 1418 – فبراير 1998.

[21]  – مرسوم رقم 100-94-2 صادر في 6 محرم 1415( 16 يونيو 1994 ج ر عدد 4264 بتاريخ 10 صفر 1415 – يوليوز 1994

[22]  – ظهير شريف رقم 124 -02- 1 بتاريخ 1 ربيع الثاني 1423 (13 يونيو 2002)، ج ر عدد 5030 بتاريخ 3 نونبر 2008.

– [22]  – ظهير شريف رقم 175 -79- 1 بتاريخ 22 شوال 1399  (14 شتنبر 1979)، ج ر عدد 4390 بتاريخ 20 شتنبر 1979.

[23]  – ظهير شريف رقم 124.14.1 صادر في 3 شوال 1435( 31يوليوز 2014) ج ر عدد 6282 بتاريخ 17 شوال 1435(14 غشت 2014)

[24]  – فرانك كيلش / ترجمة حسام الدين زكريا – عبد السلام رضوان/ ثورة الأنفوميديا / سلسلة عالم المعرفة عدد 253/ المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب الكويت/ 2000/ ص 513.

[25]  – عبد الفتاح ياغي، السياسات العامة: النظرية و التطبيق، مرجع سابق، ص 159.

 – جيمس أندرسون – ترجمة عامر الكبيسي، صنع السياسات العامة، مرجع سابق، ص 205.[26]

 – جيمس أندرسون – ترجمة عامر الكبيسي، صنع السياسات العامة،  مرجع سابق، ص 204.[27]

جيمس أندرسون – ترجمة عامر الكبيسي، صنع السياسات العامة، مرجع سابق، ص 193.  – [28]

[29] – محمد نجيب بوليف، العالم العربي بين تحديات العولمة و متطلبات التنمية البشرية، طوب بريس، الرباط، ط 1، 2003، ص89.

[30]  – عبد الفتاح ياغي،السياسات العامة: النظرية والتطبيق، مرجع سابق، ص171.

 

[31]  – جان ماري دنكان – ترجمة محمد عرب صاصيلا/ مدخل لعلم السياسة/ المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر / بيروت/ 1992/ ص 117.

إقرأ أيضاً

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية Work …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *