تطور مفهوم الحمايةالدولية لبراءة الاختراع -دراسة في اتفاقية باريس-

  تطور مفهوم  الحماية  الدولية لبراءة الاختراع -دراسة في اتفاقية باريس-

محمد أفكار

باحث في القانون الخاص

مقدمة

 لقد  كانت الحماية القانونية للاختراعات على الصعيد الداخلي منحصرة في إطار ضيق لا يتعدى الحدود الإقليمية للدول، وكان ذلك نزولا عند رغبة المخترعين بمنحهم حقوق تتناسب مع جهودهم المبذولة للتوصل إلى الاختراعات ليتسنى لهم الاستفادة من الابتكارات التي يتوصلون إليها.

وقد صدر أول قانون ينظم هذه الحماية في جمهورية فينيسيا (البندقية – إيطاليا) بتاريخ 19 مارس سنة  1474 و الذي جاء فيه ما مفاده“ إن كل من يقوم بأي عمل جديد يحتاج إلى الحدق و المهارة يكون ملزما بتسجيله بمجرد الانتهاء من إعداده على الوجه الأكمل بصورة يمكن الاستفادة منه ، وأن يحظر على أي شخص أخر القيام بعمل مماثل أو مشابه من غير موافقة المخترع و ترخيصه وذلك لمدة عشر سنوات،واذا قام أي شخص أخر بعمل مماثل فيكون للمخترع حق طلب الحكم على المعتدي بدفع تعويض مع إتلاف ما عمله“.

وقد تلا ذلك إصدار قانون الاحتكارات الإنجليزي سنة 1623،الذي كان الهدف منه إلغاء الامتيازات وتقييد سلطة الملوك في منحها. وصدر بعدها القانون الأمريكي للاختراعات سنة 1790.

 ثم تلا ذلك القانون الفرنسي سنة 1791 الذي يعتبر أول قانون ينظم عملية تسجيل البراءات وفحصها، حيث نصت المادة الأولى منه على أن “ كل اكتشاف،أو اختراع جديد في كل فروع الصناعة هو ملك لصاحبه“.الا ان الملاحظ ان جميع التشريعات السابقة  تقضي بمنح الحماية للاختراعات الجديدة داخل أقاليم الدول المعنية دون أن تتعدى آثار الحماية إلى أقاليم الدول الأخرى .

 وقد تنبهت الدول الصناعية إلى أن حماية الاختراعات على هذا النحو لا يلبي طموح المخترعين في الاستفادة من اختراعاتهم في أوسع نطاق ممكن، كما أنها لا ترقى إلى مستوى الأهداف التي وضعتها الدول لحماية منتجاتها في كل مكان تصله في العالم، وتأمين حقوقها الخاصة باحتكار تصنيع تلك المنتجات ومنع الغير من القيام بتقليد المنتجات المشمولة بالحماية، أو أخذ فكرتها وتصنيعها بدون أخذ الموافقة وبدون دفع التعويضات التي يطالب بها أصحاب الاختراعات .

لذلك بدأ التفكير في توسيع نطاق الحماية، وإيجاد أسس للحماية على المستوى الدولي فدخلت الدول في مفاوضات انتهت بإبرام اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية في 20 مارس 1883  وخضعت هذه الاتفاقية للتعديل عدة مرات أولها في بروكسل في 14 دجنبر 1900، ثم في واشنطن في  2 يونيو 1911 ولاهاي في 6 نونبر 1925  ولندن في 2 يونيو 1934، ولشبونة في 31 أكتوبر 1958 وفي استكهولم 14 يوليوز 1967، وأخيراً تم تنقيحها في 2 أكتوبر 1979 .

ولما كانت الملكية الصناعية تشكل الحقوق المختلفة التي تكون نتاج النشاط الخلاق والإبداعي للفرد، سواء في المجال التجاري أو الصناعي فإن لفظ الملكية يطلق على هذه الحقوق لكونها تخول لصاحبها سلطة مباشرة على محل الحق، وكذا إمكانية مواجهة الكافة بها والتصرف فيها بكل حرية.

والحقيقة أن كل باحث أو متأمل في مجال الملكية الصناعية سيقف لا محالة على الأهمية القصوى لبراءة الإختراع ضمن باقي الحقوق الأخرى وخاصة على الصعيد الدولي (المطلب الأول) وبالتالي استشعاره فلسفة الحماية والإشكاليات التي يمليها الواقع الدولي من منظور يراعي واقعية التحولات الكبرى واختلافها النوعي بالنظر للحقب المختلفة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مكانة براءة الاختراع على الصعيد الدولي

لا أحد يجادل في أن الإختراع([1]) كيفما كانت تجلياته ووسائطه لا يمكن أن يكون سوى مظهرا من مظاهر التطور قديمه وحديثه ،على الرغم من أن هذا المفهوم ما يزال محط خلاف واختلاف من حيث نطاقه، لأن قيمته وخصوصيته تطرح “تنويعات”  تبقى محط التفكير وبالتالي تناولها بالبحث والسؤال.

إن المجال فسيح ومفتوح في حقل الإبداع والإبتكار ومن حسن الحظ أن ما من أحد يشك في ضرورته، وأعتقد أن في هذا المضمار لا مجال للحصر أو الحجر مادام الأمر يتحقق من زاوية فنية وتقنية.

 كما أنه ليس هناك مساحة للتضييق أو الوصاية مادامت القضية الأساسية التي نثيرها هنا، والفكرة التي نسعى إلى تجسيدها والدفاع عنها تكمن في أنه عندما نكون في مضمار الإختراع أو الإبتكار فإما أن يكون ما نقدمه اختراعا جديرا بهذه الصفة أو لا يكون، بالنظر إلى ما يحققه من إضافة إلى المجال التكنولوجي والإقتصادي.

لكل ذلك سنتناول في فقرة أولى دور البراءة في رصد التطور التكنولوجي و الاقتصادي على أن نتناول في فقرة ثانية تحديد التخصص القطاعي للدول.

الفقرة الأولى: دور البراءة في رصد التطور التكنولوجي والإقتصادي

إن نظام براءة الإختراع من خلال مراحله التاريخية([2]) كان في حالة مد وجزر، بين ضرورة حماية المخترع وتعطيل تلك الحماية.

لكل لذك فإن  النظام الدولي لبراءة الإختراع قد تأسس لتجاوز إقليمية الحماية وتنظيم وتطوير العلاقة بين الدول في مجال براءة الإختراع([3]) لضمان التطور المطرد على المستوى التكنولوجي والإقتصادي.

إن أهمية براءة الإختراع يمكن استنتاجها بالنظر لكونها مؤشر أساسي لتطويق نتائج البحث والتطور التي قد لا تتوفر بالنظر إلى المؤشرات الأخرى، التي تبقى قاصرة عن ذلك من ذلك أن براءة الإختراع التي تسمح للمخترع باحتكار اختراعه واستثماره بالنظر لما بذله من جهد ومال في الوصول إليه([4]) تغطي بشكل كلي كافة المجالات التكنولوجية([5]) والتي تعتبر مكسبا خاصا في حالة القيام بتحليل النشر التكنولوجي أو تحديد تخصصات دولة أو مقاولة، كما تعتبر التغطية الجغرافية – بالنظر إلى أن معظم الدول تتوفر على نظام براءات الإختراع – من بين المبررات التي تبين مدى أهميتها من جانب الدراسة الإقتصادية والتكنولوجية.

لا شك إذن أن ما توحي به مؤشرات نفقات البحث والتطوير الأخرى أو الإحصائيات حول التجارة الخارجية والإنتاج، يبرز لنا  بما لا يدع المجال مفتوحا أمام أي تأمل أو تمحيص أننا أمام معايير يظل فيها مستوى الرصد جد منخفض. فبراءة الإختراع تحتوي على العديد من التفاصيل المهمة مثل تصنيف الإختراع حسب المجالات التكنولوجية وسنة الإختراع، المالك… إلخ وهي مصادر غنية بالمعلومات لمختلف أنواع التحاليل. وخلال السنوات الأخيرة شهد استخدام هذه الكتلة من المعلومات للتحاليل الإقتصادية تطورا سريعا، نظرا لتحسن ويسر الوصول إلى قاعدة المعطيات حول البراءات.

بحيث تشكل براءات الإختراع مصدر المعطيات الأوسع استعمالا لتوضيح نشاطات الإختراع بحيث توفر حوالي 80 % من المعلومات التكنولوجية([6]).

فعدد البراءات المودعة كل سنة هي ثمرة الإستثمارات في البحث والتطوير وبالتالي فهي مصدر للمعلومات  الزمنية والجغرافية، القطاعية والتكنولوجية، حول نشاط الإختراع والإبداع التكنولوجي، كما تشكل مؤشرا جيدا للبعد التنافسي للتغير التكنولوجي وتسمح بكشف خصائص الإبداع التكنولوجي وبالتالي التوجه القطاعي للدول.

إن المجال التجاري يحكمه مبدأ أساسي هو مبدأ الحرية([7])  إلا أن سلوك واستراتيجية الدول أو المقاولات قد تؤدي إلى التقييد في مجال الإختراعات، خاصة فيما يتعلق بنشر المعلومات التقنية المجمعة عند إيداع طلبات براءات الإختراع، ما قد يؤثر حقا في الرصد الجيد للتطور التكنولوجي، وبالتالي تنظيم التطور المستقبلي حول موضوع معين من مواضيع البحث والتطوير.

الفقرة الثانية: براءة الإختراع وتحديد التخصص القطاعي للدول

يتسم النظام العالمي بخصائص جديدة تعتمد بالدرجة الأولى وبصفة جوهرية على قدرات اقتصادية هائلة تتحكم في الإقتصاد العالمي من خلال سيادة وسيطرة علمية وتكنولوجية محتكرة مع سرعة في تغيير أسلوب الإنتاج ومنافسة ناجحة نتيجة الكفاءة العالية في الإدارة وهذه الخصائص أظهرت آليات دولية جديدة تناسبها([8]).

إن ما نقوم به هو فقط محاولة لدفع إلى التفكير والبحث، وما نرومه هنا هو تسجيل بعض المعطيات التي تمكننا من دراسة نشاط الدول في موضوع براءات الإختراع. وبالتالي تحديد التوزيع الجغرافي للنشاطات التكنولوجية. فالمشكلة المنهجية الجوهرية ظلت تحكمها عدة عوامل وطنية خاصة بحجم السكان، أهمية نفقات البحث والتطوير، الهياكل التكنولوجية…

إن طبيعة التخصص القطاعي للدول تجعله شديد الصلة بهذا العامل أو ذاك، وبالتالي فهو يتطور داخلها وبموازاتها ومن خلالها يتغير. كما أن التخصص القطاعي ليس في رأيي سوى مسار تطور للدول وتبدل وظائفها في علاقاتها بكبريات القضايا الإقتصادية.

فلو أردنا تعيين الشكل الأولي  والبسيط للمتغيرات التي تسمح بضبط التخصص لوجدناه يتحدد من خلال العلاقة التي تقام بين المتغيرات المختلفة وبراءة الإختراع، كالعلاقة بين براءة الإختراع بالنظر لعدد الباحثين، وبراءة الإختراع بالنسبة لنفقات البحث والتطوير…

فبراءة الإختراع تلعب إذن دورا رياديا في توزيع المعلومات  التقنية والأخبار الحسية والتقنية كما انها عامل من عوامل إغناء الإرث التكنولوجي([9]) لكن ربط براءة الإختراع لدولة ما يطرح عدة مشاكل، فجنسية براءة الإختراع يمكن أن تكون جنسية المخترع، أو البلد الذي طرح فيه الطلب لأول مرة، ويمكن كذلك اعتماد أصل المودع…

فهذه المقاربات المختلفة التي تستند إلى التحليل العلمي والجزئي لبراءة الإختراع تبقى مجرد تجميع لعناصر مختلفة ومعلومات متنافرة قد تؤدي إلى صياغتها بصورة لا تضمن لها درجة من الإنسجام المقبول ولو على الصعيد الشكلي إذا ما تم إهمال عنصر دون آخر، وبالتالي فأي دراسة تقاطعية لابد وأن تستند لمختلف هاته المقاربات، خاصة وأنه قد أصبح تحديد قوة الدولة يعتمد على مقدار ما تملكه من الحقوق الفكرية فالتفاوت في امتلاك هذه الحقوق بين الدول يترتب عليه تفاوت شديد في درجة الإنتاج وجودته ومستوى الدخل القومي وكذلك مستوى معيشة الفرد([10]).

المطلب الثاني: القواعد الدولية للحماية في ضوء اتفاقية باريس

لا شك أن حماية الإختراع المسلمة عنه البراءة لا تتعدى الحدود الإقليمية التي سلمت فيها هذه البراءة، مما يفرض على صاحب براءة الإختراع أن يقوم بتسجيل اختراعه في كل دولة يرغب أن يتمتع فيها بالحماية القانونية بالنسبة للحقوق التي يخولها له سند الملكية الصناعية المسلم إليه في هذه الحالة([11]).

ولذلك كقاعدة، لا يسري أثر أي براءة اختراع إلا في الدولة التي تم تسجيل البراءة فيها، وبالتالي ينحصر أثر تلك البراءة في تلك الدولة، ولا يسري أثر ذلك التسجيل في أية دولة أخرى، فإذا رغب صاحب الإختراع حماية حقه في دولة أخرى، عليه أن يسجله في تلك الدولة، الأمر الذي يفرض على صاحب الحق  أن يسجله في كل دولة يرغب حماية حقه عليها.

إن ما سبق قد يسمح لنا بالقول بأن”الإقليمية” ليست سوى تكييف خاص لحقبة معينة باعتبارها مضمون أو مادة ثابتة لكنها متغيرة في نفس الوقت بالنظر للتطور التقني المتسارع عالميا. مما أدى إلى التفكير في الحماية الدولية للإختراعات بناءا على فلسفة كونية وثوابت غير قارة بطبيعتها (الفقرة الأولى) كما أنه لا يمكن أن تتحقق “بنية الحماية الدولية” إلا من خلال تقنيات لا ينفصل أحدها عن الآخر (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الحماية الدولية لبراءة الاختراع من خلال نظرية الإستئثار

إن السعي نحو تدويل حقوق الملكية الصناعية قد عرف مسارا اتسم بالبطء منذ 1883 والسبب بسيط يرتبط بسيادة الدول وتطورها الإقتصادي([12]).

ويعتبر دخول العالم عصر التكنولوجيا من أهم التحولات التي عرفها المجتمع الإنساني منذ العصور الأولى والذي ترتب عنه ارتفاع في مستوى المعيشة، وإقبال الناس على استهلاك المنتجات والبضائع على نطاق واسع، مما حتم الزيادة في الإنتاج لإشباع الحاجيات المتزايدة للإنسان، وهو ما ساهم في ازدياد النشاط الإبتكاري وبالتالي انتشار الإختراعات([13])، الشيء الذي أدى إلى سرعة تداول المنتجات الصناعية بين الدول عبر التجارة الدولية.

غير أننا بهذه العبارات إنما نعبر عن النسق كله أو على الأقل ننطلق منه ولا نخرج عنه ،وبذلك نعبر حقا عن خاصيات إيقاع التطور الصناعي ضمن شروط اتساق نظام الحماية الدولية مع ذاته من جهة، ومع مجاله الخاص والعام ككل.

إن المعايير التي يقاس بها التدويل، ليس هو تماسكه مع ذاته فقط، من حيث هو تصور وبرنامج عمل أو سلوك، ولكن تماسكه مع غيره من مفاهيم نظام الحماية الدولية، أي اتساقه ضمن شبكة المفاهيم التي تفرزه بالنظر للاعتبارات التالية:

– اختلاف الدول في نطاق الحماية القانونية التي توفرها للإختراعات نظرا لاختلاف القانون من دولة إلى أخرى.

– العبئ الذي يقع على صاحب الإختراع الذي يرغب في الحصول على حماية اختراعه في أكثر من دولة، فهو ملزم بتقديم طلبات تسجيل لاختراعه في كل دولة من الدول التي يرغب في حماية اختراعه فيها في آن واحد، لتجنب فقدان شرط الجدة  في اختراعه والمحافظة على مرتبته.

– تقيد مجال الحماية في الحدود الإقليمية للدولة التي تم تسجيل الإختراع فيها.

– ربط الحماية بشرط الجدة  يتهدد عند تسجيله في دولة ما لكونه قد أصبح معلوما لسبق نشره في الدولة التي سجل فيها.

هذه الإعتبارات أدت إلى تحرك المنتظم الدولي من خلال عقد مؤتمر فيينا لتأهيل البراءات سنة 1873، وتم الإتفاق فيه على عدد من المبادئ التي أسست للحماية الدولية للإختراعات بصورة تتجاوز مثالب النظام السابق.

ففي عام 1878 عقد في باريس مؤتمر دولي حول الملكية الصناعية، تمخض عنه الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي دبلوماسي لغايات تحديد الإطار التشريعي في حقل الملكية الصناعية.

وفي عام 1880 قامت حكومة فرنسا بتحضيره مسودة نهائية تقترح اتحادا عالميا لحماية الملكية الصناعية وأرسلت المسودة مع بطاقات لسائر الدول للحضور إلى باريس لمناقشة تلك المسودة، فتم تبني ما ورد في تلك المسودة من قبل الدول التي لبت الدعوة، وقد حوت  تلك المسودة في جوهرها المواد الرئيسية التي مازالت تشكل الخطوط العريضة لما يسمى – اليوم – باتفاقية باريس، ثم عقد مؤتمر ديبلوماسي في باريس في 20/3/1883 حضرته إحدى عشر دولة فأخرجت إلى الوجود اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لسنة 1883 وقد بدا سريانها في 7/6/1883، والتي شكلت المظلة الدولية لحماية الحقوق الفكرية على وجه العموم والحقوق الصناعية على وجه الخصوص([14]).

إن الحقوق المعترف بها للمخترع على اختراعه هي محل تنظيم وحماية خاصة تضبطها قوانين خاصة كذلك([15]) كما أنها كانت محط اختلاف في طبيعتها وسط الساحة الفقهية إلى حد أن هناك من اعتبرها عقد يربط المخترع / المبدع بالجماعة([16]).

 إلا أن التوجه الذي لاقى قبولا وسط القضاء والفقه بالنظر إلى ما ساد من تصورات واعتقادات يصب فيما تم تناقله من دراسات وإشارات أن هناك رغبة في تجاوز الجفاف النظري الذي ساد قبل اتفاقية باريس.

إن دخول الفقه والقضاء غمار البحث عن أساس قانوني لحماية براءة الإختراع استقر باعتباره استئثارا مؤقتا لاستغلال الإختراع الذي توصل له المخترع وفقا لشروط يقررها المجتمع نفسه([17]).

إن توجه الفقه لم يأت بجديد بالنظر إلى التشريعات التي سادت خلال فترات معينة كالتشريع الأمريكي لسنة 1952 والتشريع المصري رقم 132 لسنة 1949 التي تبنت نظرية الإستئثار كأساس للحماية.

وبالرجوع إلى اتفاقية باريس، التي أسست لميلاد الإتحاد الدولي لحماية الملكية الصناعية خاصة براءة الإختراع وباقي حقوق الملكية الصناعية بالإضافة إلى الحماية ضد المنافسة المشروعة([18]) يظهر لنا من خلال المادة الثانية(2) أن استئثار المخترع باستغلال اختراع يظل رهينا بالقواعد الموضوعية والإجرائية السائدة في كل دولة من دول الإتحاد وليس بالإختراع نفسه، مما يؤدي لا محالة إلى اختلاف شروط الحماية ومدتها ونطاقها.

إن الأساس في هذه الفكرة هو أن العالمية لا تتحقق بالإستئثار في ظل هذه النظرية مادامت رهينة بالتوجه التشريعي السائد في كل دولة.

فقد يحصل مخترع على براءة في بلد تكون فيه مدة الإستئثار 20 سنة، في حين أن بلد آخر يقرر مدة أقصر من ذلك هذا من حيث المدة، أما من حيث النطاق فقد تجد دولة توفر حماية المنتجات الدوائية والإختراعات الناتجة عن التكنولوجيا الحيوية، فحين أن دولة آخر تقصيها من مجال الحماية.

إن مثل هذا الأمر الخارج عن عمق “الكونية المنشودة” بدون أدنى وهم مجرد استيهامات، لن يكتب له الإستمرار، ما حتم إعادة النظر في أساس جديد للحماية وهو ما سنراه في الفرع الثاني من هذا الفصل.

الفقرة الثانية: مرتكزات الحماية وتعطيل مبدأ الإقليمية

اهتمت الدول الغربية التي بدأت فيها الثورة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر بالملكية الصناعية وبدأت في إرساء قواعد هذه الملكية، إلا أن هذه القواعد لم تخرج عن نطاق التشريع الداخلي داخل إقليم الدولة، ولكن مع تقدم الصناعة في هذه الدول وازدهار التجارة فيما بينها بدأ التفكير في تدويل قوانين الملكية الصناعية بمعنى أن يكون هناك قانون أعلى من قانون الدول يحكم الملكية الصناعية وهو ما يعرف بمصطلح Droit supranational([19])  لذا فقد أبرمت اتفاقية باريس التي تنظم حماية الملكية الصناعية والتي عقبتها عدة اتفاقيات شملت الجوانب المتعددة لحقل الحقوق الفكرية([20]).

إن حضور الاتفاقيات الدولية في القوانين التجارية الوطنية جعلت الحدود السياسية التقليدية تتلاشى أمام مبادئ ومفاهيم الاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بالقواعد التجارية([21]).

إن أهم المبادئ والأحكام الأساسية التي حوتها اتفاقية باريس هي  مبدأ المعاملة الوطنية) أولا( مبدأ حق الأولوية )ثانيا(  ،الاحكام العامة و التشريعات الداخلية )ثالثا (

أولا: مبدأ المعاملة الوطنية.

يتأسس هذا المبدأ بالرجوع إلى المادة الثانية المومأ إليها سلفا، أي أن الإتحادي يتمتع في كل دولة من دول الإتحاد بنفس الحماية التي يتمتع بها الوطني([22]).

وعليه فإن اتفاقية باريس تعطي لرعايا الدول المنضمة إليها الحق بالتمتع في المزايا الممنوحة أو التي تمنحها في المستقبل قوانين تلك الدول لمواطنيها، دون الإخلال بالحقوق المنصوص عليها في هذه الإتفاقية.

كما تمتد الحماية لتشمل رعايا الدول التي ليست عضوا في اتفاقية باريس شريطة أن يكون هؤلاء الرعايا يقيمون في دولة عضو في اتفاقية باريس أو يملكون مؤسسة صناعية أو تجارية حقيقية وفعلية لا صورية أو وهمية.

وإذا كانت الاتفاقية تقضي بالتشبيه بين الأجانب من رعايا دول الإتحاد وبين الوطنيين، فإن هذا التشبيه يفترض انتفاء الإختلافات الجوهرية بين تشريعات دول الإتحاد فيما يتعلق بنطاق الحماية([23]).

وعليه فإن الأشخاص الذين لهم حق الإستفادة من مبدأ المعاملة الوطنية هم:

– الأشخاص الذين يتمتعون بجنسية إحدى الدول الأعضاء في اتفاقية باريس.

– الأشخاص الذين يقيمون في دولة عضو في هذه الإتفاقية.

– الأشخاص الذين يملكون مؤسسة صناعية أو تجارية في دولة عضو في هذه الإتفاقية.

وتجدر الإشارة إلى أنه عند تعارض أحكام القانون الداخلي مع أحكام هذه الإتفاقية بشأن الحماية، فيكون لرعايا دول الإتفاقية ومن يحق لهم الإستفادة من أحكامها التمسك بمقتضياتها مادام أن الإتفاقيات الدولية لها قوة القانون الداخلي، وتسمو على مقتضيات القوانين الوطنية.

فقد ترتب على عدم توافق القوانين الوطنية مع الحاجيات الإقتصادية للتجارة الدولية، ميلاد قواعد أو حلول موضوعية أو مادية تلائم خصوصيات الواقع التجاري العالمي، وتهدف إلى تلافي الإختلاف الناتج عن تباين القوانين الوطنية التي تقف حاجزا أمام تطور التجارة الحديثة. وقد أوضح ميلاد تلك القواعد أن واضعي القوانين الوطنية قد فشلوا في مواكبة الخطوات الجبارة للتجارة الدولية، كما أن بعدهم عن واقع تلك الأخيرة جعلهم بعيدين عن تصور الحلول والقواعد الملائمة لمشكلاتها([24]). وهو ما يفسر إقدام المشرع المغربي على تدعيم ترسانته القانونية في مجال الملكية الصناعية.

ثانيا: مبدأ حق الأولوية

إن المخترع يستطيع أن يحصل على براءة اختراع في كل دولة يرغب في حماية اختراعه لديها بإيداعه طلب دولي واحد في شكل موحد دوليا، ويكون لإيداع هذا الطلب ذات الآثار القانونية التي تترتب على إيداع عدة طلبات في الدولة المبينة في الطلب، ويمنحه الأسبقية على غيره إذا ما تقدم بعده بطلب عن اختراع مماثل في أي من دول الإتحاد والعلة في ذلك أن الإتفاقية الدولية ترمي إلى اعتبار جميع دول الإتحاد كدولة واحدة([25]).

إن ثوابت اتفاقية باريس عندما تحدد قواعد التعامل معها بناءا على قاعدة حق الأسبقية، نكون قد عملنا على تحسين وعينا بأهم المرتكزات في الآن نفسه، وهذا الرهان هو ما علينا وعيه جيدا والعمل بناءا على مقتضياته وفق رؤية مرنة، بعيدا عن أي تصور مستعجل.

إن قاعدة الأسبقية تقدم إمكانيات للفعل الإيجابي، تأسيسا على أن الإيداع الأول لا يعد إفشاء لسر الإختراع ثم إنه لا يعتد بأي إيداع يقوم به الغير ويكون لاحقا على الإيداع الأول لبراءة الإختراع طالما تم احترام مهلة الأولوية([26]).

فلو فرضنا أن مخترعا فرنسيا حصل على براءة في فرنسا ثم أراد الحصول على براءة في المغرب فوجد شخصا آخر تقدم بطلب براءة عن نفس الإختراع في المغرب وكان هذا الطلب الأخير لاحقا في التاريخ لطلب البراءة في فرنسا ولكنه سابق لطلب المخترع الفرنسي في المغرب.

فلو طبقنا المبدأ الذي يقضي بأن الحق في البراءة يكون لمن سبق غيره في تقديم الطلب، فإن البراءة الفرنسية تكون من حق الطالب الآخر لا من حق المخترع الفرنسي.

إن صنعة نص المادة الرابعة تقدم لنا رؤية جديدة مخالفة لما أوردناه في المثال السابق الذكر.

إن النظام الذي أرسته اتفاقية باريس والذي يجعل المخترع مضطرا لطلب البراءة في كل الدول الأعضاء في الإتفاقية بناءا على حق الأولوية([27]) أعطاه الفرصة لتحديد الدول التي يرغب في إيداع اختراعه بها، ولا يشترط أن يتم الإيداع الأول في بلد المودع الأصلي ولكن يجب أن يتم الإيداع في إحدى دول الإتحاد، أما إذا ما تم الإيداع في إحدى الدول التي ليست عضوا في الإتحاد فيعتد به كإيداع أول بشرط أن يؤسس على حق المعاملة بالمثل.

ثالثا: الأحكام العامة والتشريعات الداخلية

تتجاذب التشريعات – مثل اللغات إلى حدا ما- لكن تدويل الحماية يبقى بدون أساس مشترك ما لم يتم توفير حد ادنى من التقنيات لتجاوز قصور وتخلف التشريعات الداخلية.

وهو ما حاولت اتفاقية باريس التأكيد عليه من خلال المبادئ التالية:

1- مبدأ استقلال البراءات

إن البراءات الممنوحة عن اختراع واحد في عدة دول كل منها تعتبر مستقلة عن الأخرى، وبغض النظر عما إذا كانت البراءة قد منحت في دولة منضمة لاتحاد باريس أو دولة خارج الإتحاد، ومعنى ذلك أنه إذا منحت براءة اختراع عن اختراع معين في المغرب أو منحت عن نفس الإختراع براءة في إحدى الدول وسقطت البراءة في هذه الدولة لأي سبب من الأسباب فإنه وفقا لقاعدة استقلال البراءات فإن هذه البراءة تبقى سارية في المغرب.

فقد نصت المادة الرابعة مكررة من الإتفاقية على أن البراءات التي يطلبها رعايا دول الإتحاد في مختلف هذه الدول تكون مستقلة عن البراءات التي منحت عن نفس الإختراع سواء أكانت هذه الدول منضمة او غير منضمة للإتحاد.

وانطلاقا من ذلك  تكون البراءات التي تطلب خلال مدة الأسبقية مستقلة من حيث البطلان أو أسباب سقوط الحق أو مدة الحماية العادية([28]).

فالبراءات التي تمنح لنفس الإختراع من أية دولة، سواءا كانت هذه الدولة عضوا في اتفاقية باريس أم غير عضو، تكون تلك البراءات مستقلة عن بعضها البعض، فلا تأثير لهذه البراءات على بعضها البعض، بل تحيا كل واحدة منها حياتها القانونية الخاصة بها، وفقا لأحكام قانون الدولة التي منحت البراءة، حتى لو لم تكن تلك الدولة عضوا في اتفاقية باريس([29]).

2- حق الدولة المتعاقدة في إبرام اتفاقيات خاصة.

نصت على هذه القاعدة المادة 19 من اتفاقية باريس بحيث من المتفق عليه أن تحتفظ دول الإتحاد لنفسها بالحق في أن تبرم على انفراد فيما بينها اتفاقيات خاصة لحماية الملكية الصناعية طالما أن هذه الإتفاقيات لا تتعارض مع أحكام هذه الإتفاقية.

 فالوحدات السياسية الأقل فاعلية على المستوى الدولي والتي تنازلت عن ما يمكن أن تلعبه من دور لصالح الدول الكبرى في إطار العلاقات الإستراتيجية التي يطغى عليها البعد الجديد في نطاق ومجال الأعمال([30]) يمكنها أن تستفيد من هذا المقتضى طالما أن براءة الإختراع تظل الحافز الأساسي في عقود نقل التكنولوجيا بين الدول وطالما رأت في مقتضيات اتفاقية باريس ما يعرقل تنميتها الإقتصادية.

فالإتفاقية الدولية كما عرفها البعض “هي اتفاقات تعقدها الدول لإنشاء أو تعديل أو إنهاء علاقة قانونية دولية بينها([31]) في حين عرفها البعض الآخر بقوله “المعاهدات اتفاقيات تعقدها الدول فيما بينها بغرض تنظيم علاقة قانونية دولية وتحديد القواعد التي تخضع لها هذه العلاقة([32]).

إنه بحديثنا عن الإتفاقيات الدولية وكأننا نتحدث عن وصفة جاهزة للتدويل، غير أني أعرف كما يعرف كل باحث وكل دارس، أنه لابد من اندماج العلاقات الإقتصادية الدولية التي تدخل فيها الدولة كطرف وإبراز مركز الثقل الذي يستلزم إعطاء البعد الدولي مكانته، والذي يفترض تطبيق الإتفاقية الدولية، من طبيعة ودولية التعامل المشترك،فالاتفاقيات الخاصة هي الكفيلة بضمان تلك الاضافة للحماية الدولية لبراءة الاختراع

3- التراخيص الإجبارية([33]):

يحق لكل دولة متعاقدة أن تتخذ التدابير التشريعية التي تقضي بمنح تراخيص إجبارية للحيلولة دون أي تعسف، قد ينجم عن الحقوق الإستئثارية التي تخولها براءة الإختراع، ان تفعل ذلك في نطاق محدود فقط ([34])، هكذا نصت المادة 5 من اتفاقية باريس على أنه”لكل دولة من دول الإتحاد حق اتخاذ إجراءات تشريعية تقضي بمنح تراخيص إجبارية لتحول دون ما قد ينتج من تعسف في مباشرة الحق الإستئثاري الذي تكفله لبراءة الإختراع كعدم الإستغلال مثلا.

وتجدر الإشارة أن طلب الترخيص الإجباري الذي يستند إلى عدم الإستغلال او عدم كفايته، لا يمكن المطالبة به قبل انقضاء أربع سنوات من تاريخ إيداع طلب البراءة، أو ثلاث سنوات من تاريخ منح البراءة مع وجوب تطبيق المدة التي تنقضي مؤخرا.

ويرفض هذا الترخيص إذا برر مالك البراءة توقفه بأعذار مشروعة، والعذر المشروع هو كل عائق مادي جدي يحول دون مالك براءة الإختراع أو خلفه في القيام باستغلال الإختراع المسلمة عنه البراءة أو يحول دون تسويق المنتوج موضوع هذه البراءة([35]).

وقد اعتبر القضاء الفرنسي، في ظل قانون الملكية الصناعية لسنة 1968 أن العذر المشروع المنصوص عليه في المادة 32 من هذا القانون ،لا يكون متوفرا في حالة رفض الجهاز Appareil موضوع البراءة من طرف الإدارة التي لها الصلاحية في التصديق عليه أو في حالة التقليد/ contrefaçon الذي يتم من الغير أو في حالة ضياع الوقت في إجراء مفاوضات من أجل إبرام عقد ترخيص بالإستغلال([36]).

يتضح لنا أن الشروط التي وضعتها اتفاقية باريس هي شروط قاسية نوعا ما ولا تخدم التنمية الإقتصادية في بعض البلدان، خاصة إذا علمنا أن الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات هي المسيطرة على البحث والتطوير وبراءات الإختراع وبالتالي انعدام التوازن بين الدول المتعاقدة.

4- توفير الحماية المؤقتة للإختراعات في المعارض الدولية:

لاشك أن كل دولة عضو في الإتحاد الدولي لحماية الملكية الصناعية، أن تتخذ التدابير الضرورية والكافية لضمان الحماية المؤقتة للمبتكرات الجديدة المقبولة في المعارض الدولية الرسمية او المعترف بها رسميا ويظهر ذلك من خلال ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 11 من اتفاقية باريس التي تنص على أنه”يجوز لكل دولة أن تطلب ما تراه ضروريا من المستندات التي تثبت ذاتية الشيء المعروض وتاريخ إدخاله المعرض”([37]).

ونشير أن تقديم الإختراع للمرة الأولى من طرف طالب البراءة أو سلفه الذي له الحق في ذلك في معارض دولية رسمية او معترف بها رسميا تم تنظيمها بأحد بلدان الإتحاد الدولي لحماية الملكية الصناعية ليس من شأنه أن يهدد مصالح طالب البراءة طالما احترم المهلة المحددة في هذا الإطار([38])

خاتمة

إن الوعي بالمستقبل الإقتصادي للدول يمر حتما عبر الوعي بمكانة الإختراع والوعي بهما معا ليس وعي بالحاضر باعتباره يتحدد بينهما، ومدخل الوعي بالحاضر التكنولوجي والإقتصادي يكمن في تجديد أدوات تفكيرنا في نمط اشتغال المقاولة في علاقتها بمنظومة الإختراع وتطوير أشكال ممارستنا وصور تعاملنا مع مختلف الآليات القانونية التي تحقق لها تلك القيمة المضافة، باعتبارها تلك الركيزة التي تجسد مطامح الدول ورؤياتها إلى تفاصيل واقعها ومختلف مشاكلها ومقومات وجودها على الساحة الدولية.

إن غياب “إطار دولي” للحماية بكل مقوماته وشروطه لا يمكن إلا أن يضيع على الدول فرصة الحضور بشكل فعال على الساحة الدولية، وهذه الرؤية التي مورست قبل اتفاقية باريس،غيبت الإهتمام بمفهوم تدويل حماية براءة الإختراع في ذاته لأنها كانت ملهية بالحدود الإقليمية ليس إلا، وكانت الحصيلة أن لا يحظى المخترع ومن تم المجتمع بالقيمة اللازمة التي تحدد ميزته وتأثيره القوي في الحياة.

لابد لنا والحالة هذه إذن من إعادة طرح الأسئلة من جديد بعد مرور أكثر من قرن على اتفاقية باريس ونحن قد تخطينا عتبات قرن جديد باتفاقية جديدة”تريبس” لأننا وقفنا على ضرورة أن نذهب إلى أن مفهوم “براءة الإختراع” عليه أن يأخذ معنى مخالفا لما مارسناه منذ أمد طويل مفهوما يتماشى وطبيعة التغيرات التكنولوجية والإقتصادية التي يشهدها المنتظم الدولي، فأضحت بالتالي براءة الإختراع منظومة قانونية، اقتصادية تؤثر وتتأثر بالسياج الدولي الذي يفرض نفسه بقوة.

لابد لنا أن نشير كذلك إلى أنه كثيرة هي الأمور التي تفرض نفسها علينا ونحن نفكر في “دولية براءة الإختراع” وفي واقعها ومستقبلها لأن تاريخ الممارسة الجديدة يكشف تفاوتا بين الدول الذي أشرنا اليه سابقا.

 ذلك أن معظمها وإن حقق تراكمات شتى على صعيد الكم، فإنه لم يتح إمكانية الانتقال إلى الكيف، ما يفسر أن غالبية الدول تجد صعوبة الانفتاح على المستقبل وبالتالي إمكانية التحول.

إن تطور مفهوم الحماية الدولية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تعزيز الوعي بأهمية العناية ببراءة الإختراع والعمل على حمايتها دوليا، من خلال تصور محدد واستراتيجية تهدف إلى تحقيق وبلورة الحماية، الشيء الذي سيشكل قفزة قوية على صعيد تشجيع الإبتكار والتواصل من منظور دولي.

– و أخيرا لابد من إعادة التفكير في هذا “الإطار الدولي” بصورة جديدة ومغايرة لما مارسته الدول المتقدمة طوال عقود وأزمان ووضع إطار أكثر مراعاة لخصوصيات جل الدول السائرة في طريق النمو وذلك عن طريق دعم التواصل والتفاعل فيما بينها.

– العمل على خلق المزيد من المؤسسات والإطارات الدولية بحسب التخصصات التي يشملها مفهوم”الصناعة” لتسويق المنتوج القانوني المتعلق ببراءة الإختراع.

– الإنفتاح على جميع المشتغلين بالملكية الصناعية، والعمل الجاد لمواصلة ذلك على الصعيد الواقعي هو المدخل الطبيعي لإعطاء”براءة الإختراع” موقعها الحقيقي ضمن السياسة الإقتصادية في الداخل، كما أن الوعي بأهمية الابتكار والعمل بمقتضى ما يساهم في ترجمة هذا الوعي على الصعيد الواقعي هو العتبة الملائمة لدخول زمن الإبداع الحقيقي.


[1] – الإختراع هو كل إنتاج يتيح طريقة جديدة لإنجاز عمل ما أو يقدم حلا جديدا لمشكل تقني معين.

[2]-L’histoire des brevets. En ligne sur : http//www.robic.com/publication/pdf/246-SLA.pdf.

أنظر كذلك محمد مختار بربري”الإلتزام باستغلال المبتكرات الجديدة”. دار الفكر العربي، ص 18.

[3] –  Salwa Hafsy « Les brevets de médicaments au Maroc » Mémoire pour l’obtention du diplôme des études supérieures spécifiques, Rabat – Agdal, 2006/2007.

[4]-J-P Marlin « Le brevet d’invention arme stratégique  anticontrefaçon » J-C-P, entrep. 1993 – I – 204.

[5] – باستثناء ما تم استبعاده كبرامج الحاسوب التي تحمى بقانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

[6] –  Djeflat Abdelkader « La fonction veille technologique dans la dynamique de transfert de technologie : rôle importance et perspectives » Alger CERIST, Juin 2004, p 19.

[7] –  Jean – Jacques Burst « Concurrence Déloyale et parasitisme », édition Dalloz, 1993, p 1.

[8] – سميحة القليوبي” الملكية الصناعية وفقا لأحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 واتفاقية تريبس” دار النهضة العربية، الطبعة الرابعة، 2003، ص 24.

[9] – كمال محرر”الحماية القانونية لحقوق الملكية الصناعية بالمغرب العلامة التجارية نموذجا”، مجلة القانون والقضاء – العدد 151، ص 207.

[10] – محمد محبوبي”تطور حقوق الملكية الفكرية” المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، العدد 6 – 2004، ص 47.

[11] – محمد لفروجي”الملكية الصناعية والتجارية وتطبيقاتها ودعواها المدنية والجنائية”، مطبعة النجاح الجديدة، 2002، ص 224.

– أنظر في نفس المعنى علي صادق أبو هيف”القانون الدولي العام” منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة الثانية عشر، 1994، ص 116 وما بعدها.

[12] –  André français « cours de propriété littéraire artistique et industrielle », CD-Paris- 1996/1997, p 15.

[13] – محمد المسلومي”دور براءة الإختراع في نقل التكنولوجيا” المجلة المغربية للقانون والإقتصاد والتدبير، العدد 52، 2006، ص 34.

[14] – أنظر صلاح زين الدين”شرح التشريعات الصناعية والتجارية” دار الثقافة  للنشر و التوزيع،2005، ص 256.

[15] –  Jean Derruppé « Le fonds de commerce » édition Dalloz 1994, p 7.

[16] –   Jean Michel Bruguière « Droit des propriétés intellectuelles » Aubin imprimeur, poitier Dol novembre, 2005, p 102.

[17] – سميحة القليوبي”الملكية الصناعية” دار النهضة العربية، 1996، ص 7. أنظر كذلك:                                                                           

-Dominique Vidal « Grands arrêts du droit des affaires » édition sirey, 1992, p 181.

[18] –  Joanna Schmidt – Szalewsky « Droit de la propriété industrielle » édition Dalloz, 1999, p 63.

[19] – منى جمال الدين محمد محمود”الحماية الدولية لبراءات الإختراع في ضوء اتفاقية التريبس والقانون المصري رقم 82 لسنة 2002″ طبعة 2003، 2004، ص 104.

[20] – من اهم الاتفاقيات في مجال براءات الإختراع:

                        – اتفاقية التعاون الدولي بشأن البراءات لعام 1970.

                        – اتفاقية استراسبورغ بشأن التطبيق الدولي لبراءات الإختراع لعام 1971.

                        – اتفاقية بودابست بشأن الإعتراف الدولي بإيداع الكائنات الدقيقة لأغراض تقديم البراءات لعام 1977.

[21] – عبد الرحيم شميعة”محاضرات في القانون التجاري” طبعة 2003/2004، ص 22.

[22] –  Hassania Cherkaoui « Droit commercial » 1er édition 2001, p 186.

[23] – مصطفى كمال طه”القانون التجاري” الدار الجامعية، 1986، ص 711.

[24] – محمد منير ثابت”تنازع القوانين في مادة التعاقد – دراسة لدور الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق-” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق الدار البيضاء، 2000/2001، ص 230.

[25] – نادية محمد معوض”القانون التجاري وفقا لأحكام قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999، الطبعة الأولى ، دار النهضة العربية،2000، ص 277.

[26] – أنظر المادة الر ابعة من اتفاقية باريس والتي حددت مهلة الأولوية في 12 عشر شهرا.

[27] –  Jean – Pier Casimir, Alain Couver « Droit des affaires, gestion juridique de l’entreprise », Paris 1988, p 209.

[28] – مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 713.

[29] – صلاح زين الدين، مرجع سابق، ص 262.

[30] –   Alexis Jacquemin, Guy Schrans « Le droit économique » 3ème édition 28 mille, p 34-35.

[31] – صلاح الدين جمال الدين”عقود نقل التكنولوجيا – دراسة في إطار القانون الدولي الخاص والقانون التجاري الدولي-” دار الفكر الجامعي، 2005، ص 251.

[32] – عبد العزيز محمد سرحان”مبادئ القانون الدولي العام” دار النهضة العربية، 1980، ص 151.                                                                                        

[33] – هو الترخيص الذي تمنحه السلطات العامة في الدولة وليس الترخيص الذي يمنحه صاحب البراءة.

[34] – صلاح زين الدين، المرجع السابق، ص 262.

[35] – محمد لفروجي، المرجع السابق، ص 147.

[36] –  Tribunal de grande instance de Rennes – 16 novembre 1970- JCP- 1971 II 16852 – Notex Desjeux.  Tribunal de grande instance de paris, 21 Juin 1975- P.I.B.D 1975-3-184.

– أوردهما : محمد لفروجي، المرجع السابق، ص 147.

[37] – توفيق الراشدي”الحماية المؤقتة في المعارض” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة وجدة، قانون الأعمال جامعة الحسن الثاني البيضاء، 2000،/2001، ص 16-17.

[38] – حدد المشرع المغربي في المادة 187 مدة الحماية المؤقتة الخاصة بالإختراعات المقدمة لأول مرة في معارض دولية رسمية في سنة وستة أشهر.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *