تدبير أزمة التعليم خلال فترة الطوارئ الصحية بالمغرب : التعليم الإلكتروني بالجامعات نموذجا

تدبير أزمة التعليم خلال فترة الطوارئ الصحية بالمغرب : التعليم الإلكتروني بالجامعات نموذجا

Managing the education crisis during the health emergency in Morocco: e-learning in universities as a model

رضوان قطبي

دكتور وباحث في العلوم القانونية والسياسية

أستاذ الفلسفة بالثانوي التأهيلي (وزارة التربية الوطنية)

[email protected]

الملخص : تهدف هذه الدراسة إلى مساءلة دور التعليم الإلكتروني في تطوير منظومة التعليم الجامعي بالمغرب في ظل حالة الحجر الصحي التي يعرفها المغرب بسب انتشار وباء فيروس كورونا المستجد. وأدت هذه الأزمة إلى إغلاق الجامعات وتوقف الدراسة الحضورية بها نهائيا. وخلصت الدراسة إلى أهمية الأدوار التي يمكن أن يؤديها التعليم الإلكتروني بالجامعات المغربية، والتي تستطيع المساهمة الفعلية في تطوير منظومة التربية والتكوين وتجاوز مشكلاتها.

الكلمات المفتاحية : التعليم الإلكتروني، التعليم عن بعد، الذكاء الاصطناعي.

Abstract : This study aims to question the role of e-learning in developing the university education system in Morocco in light of the state of quarantine that Morocco knows due to the spread of the new Corona virus epidemic. This crisis led to the closure of universities and the suspension of urban studies permanently. The study concluded the importance of the roles that e-learning can play in Moroccan universities, which can actually contribute to the development of the education and training system and overcome its problems.                         

Key words: e-learning, distance education , artificial intelligence

المقدمة : لاشك أن سياسة الحجر الصحي التي اتبعتها معظم دول العالم في زمن كورونا قد أعادت قضية تطوير منظومة التعليم إلى واجهة الاهتمام، بعد تعذر التحاق الطلاب والتلاميذ بفصولهم الدراسية. وفي هذا السياق عملت دول عديدة – بما فيها المغرب- على استثمار تطبيقات الإنترنت في العملية التعليمية التعلمية ابتداءا من فصول التمهيدي والابتدائي ووصولا إلى المستويات الجامعية. ذلك أن المواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وأجهزة الهاتف المحمولة الذكية، والتفاعل المتقدم بين الإنسان والآلة، والتفاعل متعدد المستويات مع المستخدمين، تؤشر على ثورة رقمية وتكنولوجية غير مسبوقة في حقل التعليم لاسيما الجامعي منه. وتأسيسا على ذلك يعالج الباحث في هذه الدراسة إشكالية دور التعليم الإلكتروني في تطوير منظومة التعليم الجامعي بالمغرب من خلال الأسئلة التالية :

  • ما مكانة قطاع التعليم في المنظومة الدستورية والقانونية  بالمغرب؟
  • وما مدى حضور الرقمنة بالبيئة الإعلامية والاتصالية؟ وما طبيعة تأثيرها في الفضاء العام؟
  • وما مفهوم التعليم الإلكتروني؟ وما هي مقومات البنية التحية الرقمية اللازمة لتطوير هذا النوع من التعليم؟  وما هي الفرص والتحديات التي يطرحها التعليم الإلكتروني بالجامعات المغربية؟.

   وللإجابة عن هذه الأسئلة يعتمد الباحث على منهجية تحليلية للمعطيات والوثائق، كما ينطلق من فرضية مفادها : أن التعليم الإلكتروني بالجامعات المغربية يمكن أن يلعب دورا مهما في تطوير منظومة التربية والتعليم، عبر محاربة الاكتظاظ الجامعي وزيادة المردودية العلمية. وتتوزع هذه الدراسة على أربع محاور هي :

  • المحور الأول : المكانة الدستورية والحقوقية للتربية والتعليم بالمغرب.
  • المحور الثاني : البيئة الاتصالية بالمغرب والتحول نحو الفضاء الإلكتروني.
  • المحور الثالث : التعليم الإلكتروني بالجامعات.
  • المحور الرابع : مستقبل التعليم الإلكتروني في الجامعات المغربية.

المحور الأول : المكانة الدستورية والحقوقية للتربية والتعليم بالمغرب

   يعتبر التعليم حقا من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلتها العهود والمواثيق الدولية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم. وأعيد التأكيد عليه في المعاهدات الأخرى التي تغطي فئات محددة (النساء والفتيات والمعوقين والمهاجرين واللاجئين والسكان الأصليين، الخ)، أو سياقات أخرى (التعليم أثناء النزاعات المسلحة)، كما وأدرج في مختلف المعاهدات الإقليمية، وكُفل كحق في الغالبية العظمى من الدساتير الوطنية. ولقد شكل الحق في التعليم محل إجماع بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بحيث إن غالبية النصوص والمواد التي تتعلق بهذا الحق لم تلق أية معارضة أو تحفظ يذكر من قبل الدول المصادقة عليها، بخلاف باقي الحقوق الأخرى.

   هكذا نجد المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[1] الصادر سنة 1948 تؤكد على ضمان الدولة لكل شخص حقه في التعليم مع ضمان مبدأ المجانية، كما يلي :

  1. لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم.
  2. يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام.
  3. للآباء، على سبيل الأولوية، حقُّ اختيار نوع التعليم الذي يُعطى لأولادهم.

   المنحى نفسه ذهب إليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في المادة 13 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966[2]، حيث تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم. وتضمنت هذه المادة ثلاث نقط أساسية يمكن إيرادها كما يلي:

  1. وتقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب:
    1. جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع،
    1.  (ب) تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم،
    1. (ج) جعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم،
    1. (د)تشجيع التربية الأساسية أو تكثيفها، إلى أبعد مدى ممكن، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية،(ه) العمل بنشاط على إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات، وإنشاء نظام منح واف بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدري.
  2.  تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الأباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة، وبتامين تربية أولئك الأولاد دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة.
  3.  ليس في أي من أحكام هذه المادة ما يجوز تأويله على نحو يفيد مساسه بحرية الأفراد والهيئات في إنشاء وإدارة مؤسسات تعليمية، شريطة التقيد دائما بالمبادئ المنصوص عليها في الفقرة 1 من هذه المادة ورهنا بخضوع التعليم الذي توفره هذه المؤسسات لما قد تفرضه الدولة من معايير دنيا.

    وبرجوعنا إلى الميثاق الأوروبي الاجتماعي لعام 1961 والملحق الإضافي لعام 1988 نجدهما أكدا على الحق في التعليم بكافة مجالاته لما له من أهمية في تطوير الفرد، وهو ما ركز عليه الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان في المادة السابعة عشرة، وكفله إعلان القاهرة لحقوق الإنسان من قبل منظمة العمل الإسلامي سنة 1999.

  في حين نجد الدستور المغربي عمل على دسترة هذا الحق من خلال مقتضيات الفصول 31 و32 و33 و168 من دستور 2011 بقوله في الفصل 31: ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في… الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة ” ؛ إذ جعل هذا الحق مقرونا بالحقوق المرتبطة بالعلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية. كما أن الفصل 32 من الدستور المغربي نجده يؤكد صراحة على هذا الحق بقوله : “التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة”. ويؤكد الفصل 168 من الدستور ذاته، على إحداث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بصفته هيئة استشارية مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها، كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال.

المحور الثاني : البيئة الاتصالية بالمغرب والتحول نحو الفضاء الإلكتروني

    لاشك أن شبكة الإنترنت أصبحت تحتل مكانة مهمة في البيئة الاتصالية والإعلامية بالمغرب، حيث “تشير الأرقام الرسمية إلى أن حظيرة مشتركي شبكة الإنترنت عرفت تطورا إيجابيا حيث بلغ عدد مشتركي الشبكة العنكبوتية حوالي 23.840.000 منخرط، وقفز عدد مشتركي شبكة الفيسبوك إلى  18.83 مليون مشترك في دجنبر”2019[3]، مكرسا بذلك صدارته لمنصات التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة بالمغرب.

  وقد كشفت دراسة منجزة من طرف الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات سنة 2017[4]، اعتماد على منهجية أخذ العينات الاحتمالية التي همت حوالي  12000أسرة وفرد، مجموعة من المعطيات :

  • بالنسبة لتعميم الهاتف الذكي وخدمة الإنترنيت : بلغت نسبة تجهيز الأفراد بالهاتف المتنقل 99.80%، سواء تعلق الأمر بالوسط الحضري أو الوسط القروي. كما يمتلك زهاء 92 %من الأفراد الذين تتجاوز أعمارهم خمس سنوات هاتفا متنقال، 73 %من ضمنهم يتوفرون على هاتف ذكي. أما بالنسبة لألفراد الذين ترتاوح أعمارهم ما بني 5 و39 سنة فهم يحتلون الريادة من حيث امتلاك الهواتف الذكية، بنسبة تقارب 80.% و تستعمل نسبة 86 %من الأفراد الذين تتجاوز أعمارهم خمس سنوات والذين يتوفرون على هاتف ذكي، هذا الأخير للإبحار في شبكة الإنرنيت.بينما تستعمل نسبة 93 %من الأفراد الذين يتوفرون على الهواتف الذكية التطبيقات المتنقلة.
  • أما فيما يخص التجهيز بالحواسيب : فتمتلك ست أسر من أصل عشرة حاسوبا و/أو لوحة إلكرتونية. ويتعلق الأمر بزيادة فاقت6 %مقارنة مع سنة 2016 بالنسبة للفترة الزمنية الممتدة ما بني سنة 2010 و2017 ، بلغت الزيادة زهاء 72 .%
  • وفيما يتعلق باستخدام المواقع الاجتماعية : فقد ولج 94.3 %من مستعملي الإنترنيت البالغة أعمارهم ما بني خمس سنوات وأكثر أي 18.5 مليون مستعمل إلى المواقع الاجتماعية خلال الأشهر الثالثة الأخيرة من سنة 2017. كما يشارك 98.4 %من مستعملي الإنترنيت البالغة أعمارهم ما بين خمس عشرة وأربعة وعشرين سنة في المواقع الاجتماعية. و تلج ثمانية أشخاص من أصل عشرة يوميا إلى المواقع الاجتماعية، حيث يخصص نصف هذا العدد أكثر من ساعة واحدة لهذا النشاط.

المحور الثالث : التعليم الإلكتروني بالجامعات وتدبير حالة الطوارئ الصحية

    يعرف قاموس الإعلام التعليم الإلكتروني بكونه ذلك التعلم القائم على استعمال التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال على الأقراص الليزرية في حالة التدريب الحضوري، وعلى الإنترنت في حالة التدريب عن بعد وعلى أرضيات التكوين عن بعد[5]، كما يعرف كذلك بأنه  طريقة للتعليم باستخدام آليات الاتصال الحديثة من حاسب وشبكات، ووسائطه المتعددة من صوت وصورة ورسومات وآليات بحث ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الإنترنت سواء كان ذلك فى الفصل الدراسى أو عن بعد. المهم هو استخدام التقنية بجميع أنواعها فى إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة[6]. وفي ذات السياق ينظر إلى التعليم الإلكتروني على أنه  التعليم الذي يتم باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات كواسطة لتوفير أو توصيل المادة التعليمية ومن أمثلة ذلك : التلفزيون التعليمي، بث الأقمار الصناعية والحواسيب الشخصية ، والأقراص المدمجة والأقراص المسموعة )والأشرطة المرئية، والأقراص الرقمية المرئية وشبكة المعلومات الدولية)[7]. وبدورها تنظر المفوضية الأوروبية الى التعليم الالكتروني، بأنه استخدام تقنيات الوسائط المتعددة الحديثة مع الإنترنت لتعزيز جودة التعلم عن طريق تيسير التعامل مع مصادر المعرفة وخدمات الشبكة ودعم التعاون وتبادل المعلومات والمشاركة عن بعد[8].

   وتجدر الإشارة إلى أن التعليم الإلكتروني يمكن أن يكون حضوريا كما يمكن أن يكون أيضا عن بعد، حيث تتأسس فكرة التعليم عن بعد على التحول الذي حدث في العملية التعليمية،  ومعنى ذلك أنه يجب التركيز على كيف نتعلم بدل ماذا نتعلم، لأن مضمون ما نتعلمه مندمج ضمنيا في كيف نتعلم، وما لم يمتلك المتعلم كيفية التعلم ومنهجيته، فإن المعارف تبقى بلا جدوى، مما يجعل الاستفادة من المعارف الموجودة عبر مختلف منصات الشبكة العنكبوتية متعذرة على المتعلم. ولا ينحصر الأمر هنا في الحصول على المعلومات، بل لا بد أن تتحول المعلومة إلى معرفة، وذلك”يلزم توجيه التلميذ في أبحاثه وتعليمه إلى كيف يتعلم، ومرافقته في مسيرته لاكتساب معارفه حتى يتملكها قالبا ونسقا وعلاقات ويمارس مسؤولية تعلمه عبر مجموعة الأنشطة التي تتطلبها عملية الهيكلة”[9].

     وألقت أزمة فيروس كورونا المستجد بظلالها على قطاع التعليم في العالم، إذ دفعت المدارسَ والجامعات والمؤسسات التعليمية لإغلاق أبوابها تقليلا من فرص انتشاره. وهو ما أثار قلقا كبيرا لدى المنتسبين لهذا القطاع، وخاصة طلاب الجامعات في ظل أزمة قد تطول. وكشفت الأزمة الوبائية الحالية هشاشة الأنظمة التعليمية في بعض البلدان العربية، لكنها في المقابل جعلت الحكومات تدرك أكثر فأكثر أهمية التخطيط لمواصلة تجربة التعلّم عن بعد حتى في فترة ما بعد كورونا[10]. لاسيما أن تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التعليم العالي بالمغرب، فعالية نجاعة النظام الجامعي ذي الولوج المحدود والذي أبرز وجود مجموعة من الاختلالات الكبرى :

-الاكتظاظ : 22 % بالمئة هي النسبة المتوسطة للزيادة السنوية في اعداد الملتحقين الجدد بسلك الإجازة الأساسية.

-هدر الزمن الجامعي 25 في المائة فقط من يحصلون على الإجازة الأساسية بغض النظر عن المدة، والنسبة تعرف وتيرة تنازلية. و9بالمئة فقط من يحصلون على الإجازة األساسية في المدة القانونية من مجموع عدد المسجلين في السنة الأولى. و25.3 بالمئة نسبة الانقطاع في سلك الإجازة الأساسية، والنسبة في تزايد مستمر.

– الهدر المالي : 1.1 مليار درهم قيمة الخسائر المالية التي يخلفها انقطاع الطلبة وتأخرهم في الحصول على الإجازة في المدة القانونية[11].

    وفي ظل الأزمة الصحية الراهنة التي يسببها فيروس كورونا، تم تعليق التعليم في كافة المدارس في عدد كبير من دول العالم. وأصبح الطلاب ملزمين بمتابعة دروسهم كل صباح من منازلهم عبر شاشة الكومبيوتر أو الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية. وتوجهت غالبية المؤسسات التعليمية نحو التعليم الإلكتروني كبديل أنسب لضمان استمرار العملية التعليمية. وزاد بشكل ملحوظ استخدام تطبيقات محادثات الفيديو عبر الإنترنت مثل “زوم” و”غوغل” و”ميتينغ” و”ويب إكس ميت” وغيره، كما ارتفعت نسب متابعة شبكات التواصل الاجتماعي وتقاسم الفيديوهات والوصلات التعليمية، حيث اضطر عدد من أساتذة الجامعات إلى تقديم محاضراتهم للطلاب من خلال اللايفات على الفيسبوك وانسغرام وغيرهما من المواقع.

    والحقيقة أن هذا الوضع الاستثنائي الذي خلقه فيروس كورونا عبر العالم، جعل الدول العربية تدرك اليوم أهمية التعيلم الإلكتروني ليس فقط كخيار بديل في الحالات والأوضاع الاستثنائية لكن كخطوة مستقبلية ضرورية، ويعدّ هذا واحدا من دروس كثيرة قدمتها أزمة فايروس كورونا للحكومات العربية وشعوبها[12].

المحور الرابع : مستقبل التعليم الإلكتروني في الجامعات المغربية

    لقد أصبح التعليم الإلكتروني حضوريا كان أو عن بعد ضرورة ملحة لنجاح أي نظام تعليمي، ولا يمكن للعملية التربوية أن تبقى كما كان الأمر قبل الثورة الرقمية. وقد دفعت وضعية الإغلاق التام للجامعات، التي نتجت عن انتشار فيروس كورونا المستجد الكثير من مؤسسات التعليم العالي، لتوظيف استراتيجيات بنّاءة وهادفة من خلال إتاحة الدروس والمجزوءات التكوينية للطلبة عن بعد للجميع وبدون استثناء، من خلال المواقع الإلكترونية الرسمية التي تمثل هذه المؤسسات. كما استعان الأساتذة والمكونون بالمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، والتسجيلات الصوتية وتقنيات التحاضر عبر تقنية الفيديو وغيرها من التطبيقات المتاحة. ولكن بالمقابل يلاحظ أن التعليم عن بعد في السياق المغربي شابته عدة اختلالات تقلل من فرص نجاحه، حيث كشفت دراسة  أجراها فريق من أساتذة الجامعات المغربية تحت عنوان “الاستمرارية البيداغوجية والتعليم عن بعد في فترة الحجر الصحي”[13] ، أن 61,5 من المدرسين يعتقدون أن التعليم عن بعد لم ينجح في أن يحل محل الدراسة الحضورية، وأن 57 في المائة من الطلاب لا يرغبون في تتبع مثل هذه الدروس في المستقبل. كما سجلت الدراسة أن الطلاب غير راضين عن تجربة التعليم عن بعد المفروضة في سياق الأزمة الصحية (كوفيد-19). وفيما يتعلق بالصعوبات التي يواجهها التعليم عن بعد، فإن الأغلبية أي 78 في المائة من المدرسين و65.4 في المائة من الطلبة، أبرزوا مشاكل الربط بالإنترنت، والتي تعتبر شرطا ضروريا لإنجاح هذا النوع من التعليم. ومن بين العوائق الأخرى، تشير الدراسة، إلى العجز الملحوظ من حيث التفاعل بين المدرسين والطلبة، وعدم وجود مقاربات وأساليب مشتركة بين أعضاء هيئة التدريس. يشار إلى أنه تم إجراء هذه الدراسة بين فاتح ماي و12 منه على عينة تمثيلية من 200 أستاذ و1340 طالب موزعين على عدة جهات، حيث قادها باحثون من كليات للحقوق والمدرسة العليا لأساتذة التعليم التقني بالمحمدية، والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالقنيطرة.

    وزيادة على الأعطاب العامة التي تحياها الجامعة المغربية، والتي لم تنجح حتى الآن في ربط البحث العلمي بالأهداف التنموية والتكوين بسوق الشغل، فإن تجربة التعليم عن بعد اعتمادا على التكنولوجيا الرقمية أضافت أعطابا أخرى، من بينها : غياب أوضعف التجهيزات والأدوات الرقمية لدى كل من الأساتدة والمكونين من جهة، والطلبة والمتدربين من جهة أخرى، وكذا ضعف تكوين الأساتذة والمؤطرين في مجال التعليم عن بعد  والتعليم الإلكتروني، وأيضا مشكلة تكلفة الإنترنت حيث تستهلك الشبكة في إطار هذه العملية ميزانيات ضخمة يؤدي فواتيرها الأساتذة وأسر الطلبة في غياب استراتيجية وطنية داعمة للتعلم عن بعد. دون أن ننسى ضعف صبيب الإنترنت في مناطق معينة وفي ساعات معينة، مما يشكل عائقا تقنيا حقيقيا لمواصلة التعلم وتحقيق الأهداف المرجوة.

    لم يكن التعليم عن بعد في المغرب اختيارا تربويا مهيكلا ومفكرا فيه، بل كان اضطرارا ظرفيا أملته وضعية الحجر الصحي بعد انتشار جائحة كورونا. وبالتالي فلا يمكن التعويل عليه كثيرا في ضمان الاستمرارية  البيداغوجية ودينامية التعليم والتعلم بالجامعات المغربية.  والحقيقة أن التعليم عن بعد شكل فرصة سانحة لاستكشاف فوائد العالم التكنولوجي ووظائفه في دينامية التعليم والتعلم، واكتشاف الغنى المعرفي والعلمي للمواقع الشبكية، في ظل توجه العالم نحو الثوة الصناعية الرابعة وأنظمة الذكاء الصناعي، حيث “يتجسد الذكاء الاصطناعي في عملية محاكاة الذكاء البشري بخرائط الكمبيوتر، فهو محاولة لتقليد سلوك البشر عبر إجراء تجارب على تصرفاتهم في مواقف معينة، ومراقبة ردود أفعالهم ونمط تفكيرهم وتعاملهم مع هذه المواقف، ومن ثمة محاولة محاكاة طريقة التفكير البشرية عبر أنظمة كمبيوتر معقدة”[14].

    ولاريب أن التعليم سيواجه عبر العالم تحديات الكفايات الجديدة اللازمة لولوج عالم المعرفة ورقمنة كل مجالات الحياة، “ففي عصر المعلومات الرقميّة وما تحمله من رموز ودلالات، انتهى عهد المسافات المُضنية التي كان على المعلومة أن تقطعها لتصل إلينا”[15]، فالمعلومات تنتقل بسرعة كبيرة فور خروجها من المصدر لتصل إلى الفئات التعليمية المستهدفة في بيوتها، كما لعبت الهواتف الذكية باعتبارها توليفة من الذكاء الاصطناعي تجمع بين تقنيات الاتصال عن بعد وتطبيقات الشبكة العنكبوتية دور مهما في إيصال المادة التعليمية للطلاب. “ذلك أن الهواتف الذکیة لها مزايا عديدة فبالإضافة إلی سهولة الاستعمال والتنقل، فهي تحتوي على کامیرات متطورة عالیة الجودة وتطبیقات متنوعة، وتعمل بکفاءة، وهذا ممکن لیس في حالات الطوارئ أو الأوضاع العالیة الخطورة فحسب، بل أیضاً لإنتاج مواد ذات جودة عالیة للجمهور تصلح أیضاً للبث”[16].

   خاتمة :  نخلص في النهاية إلى أهمية إدماج وتوظيف التكنولوجيات الرقمية في الممارسة التعليمية والرهان على التعليم الإلكتروني بالأوساط الجامعية، حيث يمتلك هذا النوع من التعليم  قدرة فائقة على التفاعل الفوري مع البيانات وتوفير أدوات مهمة لمساعدة الأساتذة والمتعلمين على تأدية المهام الموكولة إليهم. كما يساهم هذا النوع من في حـل العديـد مـن المشكلات التـي يواجههـا نظـام التعليـم الجامعي، مثـل: مشـكلة تكـدس الطـلاب في الفصـول، وعـدم توافـر الموارد اللازمة لبنـاء أعـداد كبـيرة مـن المدارس والجامعـات أيضـاً تلبـي الزيـادة المستمر في الضغـط عـى البنيـة التحتيـة للعمليـة التعليميـة. لهذا نوصي بما يلي :

  • وجود تغطية كافية وقوية لشبكة الإنترنت في ربوع البلاد.
  • تعميم استخدام شبكة الإنترنت لجميع الطلاب والأساتذة.
  • الحرص على مجانية الإنترنت لأغراض تربوبة وتعليمية.
  • تعميم امتلاك الوسائط الإلكترونية الضرورية (الحواسيب، أو الأجهزة اللوحية).
  • تكوين القائمين على التعليم الإلكتروني تقنيا وعلميا وتربويا.

 

  https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[1]

  http://hrlibrary.umn.edu/arab/b002.html العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[2]

[3] https://www.internetworldstats.com/stats1.htm/ ( Africa Internet Usage, 2019 Population Stats and Facebook Subscribers)-(20/11/2019).

 [4]الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، التقرير السنوي،2017، ص ص  : 17-18. https://www.anrt.ma/sites/default/files/rapportannuel/rapport_annuel_2017_va.pdf

[5]سهام العاقل،استعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال في التعليم المفتوح عن بعد ( حالة جامعة التكوين المتواصل الجزائرية لأساتذة التعليم المتوسط خلال فترة 2005-2010 ) ، مذكرة لنيل شهادة دكتوراه علوم في علوم الإعلام والاتصال ، كلية العلوم السياسية والإعلام ، قسم علوم الإعلام  والاتصال ، جامعة الجزائر 03 ، 2010-2011 ، ص : 12.

[6] فايزة ربيعي، اتجاه أساتذة التعليم الجامعي نحو التعليم الإلكتروني ( دراسة ميدانية  بجامعة باتنة) ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علوم التربية، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية والاسلامية، قسم العلوم الاجتماعية، جامعة الحاج لخضر باتنة، 2010-2011، ص : 50.

[7] لطيفة علي الكميشي، التعليم الإلكتروني ركيزة مجتمع المعرفة ، مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية ، مركز جيل البحث العلمي، السنة الثالثة،  العدد 24 ، أكتوبر 2016، ص : 146.

[8]   نبيل جاد عزمي ، تكنولوجيا التعليم الالكتروني ، ط 1 ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 2008 ، ص ص : 94-95.

[9] عبد النبي رجواني، التعليم في عصر المعلومات، تجديد تربوي أم وهم تكنولوجي. سلسلة كتاب الجيب منشورات الزمن، العدد 46، 2006، ص ص : 29-93.

[10]   جريدة العرب، السنة 42، العدد11687، 24/04/2020، ص : 21.

[11] رحمة بورقية وآخرون، التعليم العالي بالمغرب، فعالية نجاعة النظام الجامعي ذي الولوج المحدود،الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التقرير القطاعي، المحلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المملكة المغربية، 2019.

[12]  جريدة العرب، السنة 42، العدد11687، 24/04/2020، ص : 21.

https://2m.ma/ar/news دراسة : التعليم عن بعد لم يستطيع تعويض التدريس الحضوري (18/05/2020) [13]

 [14]إيهاب خليفة، الذكاء الاصطناعي، تأثيرات تزايد دور التقنيات الذكية في الحياة اليومية للبشر، مجلة اتجاهات الأحداث، العدد 20، 2017، ص:62.

[15] حمود بري، السيبرنيطيقا : السبرانية علم  القدرة على التواصل والتحكّم والسيطرة، سلسلة مصطلحات معاصرة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، لبنان، ط 1، 2019، ص :09

[16] نفسه، ص :1.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *