النخبة الوزارية في الحكومات المغربية ما بين 1985 ـ 2012
*خــولة الــباز
ان معظم الدساتير في العالم لم تعمل في الغالب على تعريف كلمة حكومة بل فقط عملت على تحديد جزء من مكوناتها وصلاحياتها، كما هو الحال في الدساتير المغربية التي حصرت بنية الحكومة في عنصرين وهما الوزير الأول والوزراء، لتعرف هذه البنية الحكومية مع دستور 2011 زيادة عنصر آخر يقوم تواجده على عملية احتمالية، يتعلق الأمر هنا بكتاب الدولة.[1]
وأمام هذا الفراغ في تعريف كلمة الحكومة وخصوصا في تحديد شامل للتسلسل البروتوكولي لإعضاء الحكومة. لجأت بعض الدول في العالم الى القانون من أجل اتمام وإغناء فصولها الدستورية فيما يتعلق ببنية الحكومة وصلاحياتها، لكن دون اعطاء تعريف لها، على سبيل المثال القانون المنظم للحكومة الإسبانية؛ القانون المنظم للحكومة الإيطالية والقانون المنظم للحكومة الشيلية [2]….
فالمشرع المغربي قد اكتفى من خلال الدساتير[3] بالتنصيص بأن الحكومة تتألف من الوزير الأول والوزراء أي لم يأخذ على عاتقه مشقة التحديد[4] بالرغم من أن الدستور الحالي قد أضاف الى العنصرين أعلاه كتاب الدولة، كما ذهب الى تبني الطريقة المعتمدة في الدولة الإسبانية في مسألة الوضع القانوني لأعضاء الحكومة؛ والقواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير لأشغال الحكومة؛ وحالات التنافي مع الوظيفة الحكومية ؛ وقواعد الحد من الجمع بين المناصب ؛ والقواعد الخاصة المتعلقة بتصريف الحكومة المنتهية مهامها للأمور الجارية[5]. لتبقى الدساتير المغربية بعيدة كل البعد عن القواعد الضابطة للمؤسسة الحكومية في العدد والتسمية وقواعد عملها وكذا حالات الفراغ التي قد تحدث في مناصب الوزراء….
لكن، عند الاطلاع على الظهائر[6] والمراسيم الملكية المتعلقة بتأليف الحكومة يظهر أن الحكومات المغربية محل الدارسة تشكلت من: الوزير الاول ونائبه؛ وزراء الدولة؛ الوزراء؛ الأمين العام للحكومة والأمين العام المساعد للحكومة؛ الوزراء المنتدبون؛ كتاب الدولة ونواب كتاب الدولة.
غير أن هذه الاصناف الوزارية لم تكن جميعها متواجدة ضمن التشكيلة الحكومية الواحدة، لأن بعضا من هذه الأصناف اندثر والبعض الآخر يشكل جزءا ثانويا بحسب الحاجة إليه، وهذا ما يؤكده الجدول التالي الذي يبرز هذه الاصناف ذات الحضور الدائم دون اخرى.
أصناف الوزراء الحكومات | الوزير الاول أو رئيس الحكومة* | نائب الوزير الأول | وزراء الدولة | الوزراء | الامين العام للحكومة والأمين العام المساعد للحكومة * | الوزراء المنتدبون | كتاب الدولة | نواب كتاب الدولة | المجموع | رقم الظهير الشريف | عدد الجريدة الرسمية |
11 ابريل 1985 | 1 | 0 | 2 | 20 | 1 | 6 | 0 | 0 | 30 | 1.85.69 | 3785 |
التعديلات | 1 | 1 | 1 | 11 | 0 | 2 | 3 | 0 | 19 | ||
11 غشت 1992 | 1 | 0 | 2 | 18 | 1 | 3 | 2 | 1 | 28 | 1.92.137 | 4164 |
التعديلات | 0 | 0 | 0 | 0 | 1 * | 1 | 0 | 0 | 2 | ||
11 نونبر 1993 | 1 | 0 | 3 | 18 | 1 | 7 | 1 | 1 | 32 | 1.93.477 | 4229 |
التعديلات | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | ||
7 يونيو 1994 | 1 | 0 | 2 | 18 | 1 | 7 | 1 | 1 | 31 | 1.94.273 | 4259 |
التعديلات | 0 | 0 | 0 | 3 | 0 | 0 | 0 | 0 | 3 | ||
27 فبراير 1995 | 1 | 0 | 2 | 23 | 1 | 6 | 1 | 2 | 36 | 1.95.40 | 4296 مكرر |
التعديلات | 0 | 0 | 2 | 13 | 1 | 2 | 11 | 0 | 29 | ||
14 مارس 1998 | 1 | 0 | 2 | 21 | 1 | 7 | 9 | 0 | 41 | 1.98.38 | 4571 |
التعديلات | 0 | 0 | 0 | 15 | 0 | 2 | 5 | 0 | 22 | ||
7 نونبر 2002 | 1 | 0 | 1 | 23 | 1 | 7 | 6 | 0 | 39 | 1.02.312 | 5055 |
التعديلات | 0 | 0 | 0 | 8 | 0 | 1 | 5 | 0 | 14 | ||
15 اكتوبر 2007 | 1 | 0 | 1 | 20 | 1 | 4 | 7 | 0 | 34 | 1.07.200 | 5570 |
التعديلات | 0 | 0 | 1 | 6 | 1 | 2 | 1 | 0 | 11 | ||
3 يناير 2012 | 1 * | 0 | 1 | 21 | 1 | 7 | 0 | 0 | 31 | 1.12.01 | 6009 مكرر |
التعديلات | 0 | 0 | 0 | 10 | 0 | 10 | 0 | 0 | 20 | 1.13.105 | 6195 |
المجموع | 10 | 1 | 20 | 248 | 12 | 74 | 52 | 5 | 422 |
|
وبالتالي، لابد من القيام بدراسة بسيطة في هذه الفئات الوزارية التي عرفتها الدولة المغربية منذ 1985 الى 2012 والتي يقدر مجموعها بحسب الجدول أعلاه ب 422 وزيرا الذين شهدتهم كل وزارة على حدة، في حين أن العدد الحقيقي للشخصيات الوزارية المدروسة هو 219 وزيرا تضم 18 وزيرة. وكذا من أجل معرفة إذا كان المغرب يتوفر على “نخبة وزارية” خلال هذه المرحلة المدروسة على إعتبار أن مفهوم النخبة في وقتنا الحاضر أصبح مجالا يولى له أهمية متزايدة في عالمنا العربي. غير أن هذا المفهوم يطرح صعوبات مفاهيمة جمة لتعدد المقاربات والرؤى حوله منذ بداية استعمال كلمة “النخبة” الى يومنا هذا. لنجد أن مصطلح النخبة كان يقصد به عند كل من سانت سيمون ، باريتو ومانهايم أشكالا مختلفة وفقا للوظائف والمواقع التي يتخذها كل شكل من أشكال النخبة داخل المجتمع، لكون العامل المهم الذي قد يميزهم عن غيرهم يكمن في مواهبهم والمهارات والقدرات التي يملكونها. فضلا عن ذلك، الوزن الاجتماعي الذي يحظون به أكثر من غيرهم نتيجة تأثير أنشطتهم داخل المجتمع، ونظرا لهذه الميزة التي يتمتع بها هؤلاء الأفراد، إرتأيت دراسة “النخبة الوزارية” في المغرب في الحكومات المشكلة ما بين 1985 و2016 مع الإحالة للحكومات السابقة لهذه الفترة أحيانا حتى نكتشف إذا أخذت على عاتقها عملية التأثير والتغيير داخل المجتمع.
لكن قبل ذلك يجب أولا التعرف على المؤسسة الحكومية المغربية من خلال التطرق الى مكوناتها في الفصل الأول و أصول النخبة الوزارية في الفصل الثاني ثم بعد ذلك سنعمل في الفصل الثالث على تحليل عملها الحكومي من خلال برامجها الحكومية وما أنجزته على أرض الواقع.
الفصل الأول ـ البنية الحكومية للحكومات المغربية
فالحكومات المغربية تتشكل من أصناف الوزارية عدة سبق لنا ذكرها دون ابراز مكانتها ضمن التسلسل البروتوكولي لأعضاء الحكومة، لذلك سنولي هذا الفصل لفئات الوزارية التالية على التوالي: الوزير الأول أو رئيس الحكومة ونائب الوزير الأول؛ ووزراء الدولة ؛الوزارء؛ الأمين العام للحكومة والأمين العام المساعد للحكومة؛ الوزراء المنتدبون ثم في الأخير كتاب الدولة أو وكلاء الدولة ونوابهم.
- الوزير الأول أو رئيس الحكومة
الجدير بالذكر بأن منصب الوزير الأول قد عرف سابقا في عهد المولى الحسن الاول باسم الصدر الأعظم[7] عوض عن رئيس الحكومة في الفترة اللاحقة لاستقلال المغرب، وبما أن هذه المرحلة كانت سابقة للحياة الدستورية، نجد أن مهام رئيس الحكومة ثم التنصيص عليها في الظهير الشريف 6 يناير 1956 بحيث كل السلطات التي كانت مخول للصدر الأعظم قبل الحماية وكذلك المهام التي كانت بيد المقيم العام.[8]
لكن بمجرد بداية الحياة الدستورية تغيرت عبارة رئيس الحكومة بالوزير الأول، وهذا التغيير في النعت نتج عنه تقليص في صلاحيات وسلطات الوزير الأول، ليسترسل الأمر في ازدياد تقليص دوره مع اعلان حالة الاستثناء[9] ومع دستور 1970 ليصل الحد الى عدم تصدر اسمه قائمة أعضاء الحكومة[10]. إلا أن دستور 1972 عمل على تكريس مجموعة من السلطات لصالح الوزير الأول ليستمر الأمر مع كل الدساتير اللاحقة.
وبالرجوع الى المرحلة محل الدارسة نجد أن المشرع المغربي عمل على اعادة استعمال عبارة رئيس الحكومة عن طريق دسترتها في دستور 2011، لتعوض مصطلح الوزير الأول الذي دام تداوله منذ تشكيل أول حكومة دستورية[11] الى غاية حكومة 15 أكتوبر 2007. فالفترة محل الدراسة عرفت 5 أشخاص تولوا هذا المنصب باسم الوزير الأول وواحد جمع بين نعتين{ عباس الفاسي} وآخر نعت باسم رئيس الحكومة{عبد الاله بن كيران}، كما أن هناك شخصيتين تداولتا منصب وزير أول أكثر من مرة، بينما 4 شخصيات اخرى تم تعيينها مرة واحدة، علما ان هذه الظاهرة ليست وليدة هذه المرحلة المدروسة بل وجدت في الحكومات المنبثقة سابقا.[12]
وبالتالي ماهو السبب الكامن وراء تواجد شخصية في منصب وزير أول أكثر من مرة؟ هل هو تأكيد على دوره الفعال أم هو بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ؟ علما أن الصدر الأعظم كان يستمر في منصبه الى أن تأتيه المنية.
بالعودة الى الترتيب البروتوكولي بين أعضاء الحكومة الوارد في الظهائر الشريفة المتعلقة بتأليف الحكومة نجد المركز الثاني يحتله نائب الوزير الأول.
- نائب الوزير الأول
لقد عرف المغرب هذه الفئة الوزارية منذ تشكيله لأول حكومة بعد الإستقلال باسم نائب رئيس الحكومة، إلا أن هذا المنصب اقتصر تواجده في بعض الحكومات بتسميات مختلفة{ خليفة الرئيس أو نائب رئيس الحكـومة أو الممثل الشخصي لجلالة المـلك أو نائـب الوزير الأول}، غير أن هذا المنصب عرف باسم نائب الوزير الأول في حكومة محمد كريم العمراني الرابعة حيث تم تعيين كل من السيد عز الدين العراقي كنائب للوزير الاول. ليتضح أن المرحلة المدروسة[13] قد عرفت نائب وزير أول واحد مقارنة مع الفترة الزمنية الممتدة ما بين 7 دجنبر 1955 الى حدود 11 أبريل 1985.
بالعودة الى التاريخ نجد أن هذا الصنف الوزاري اقتصر على بعض الحكومات فقط دون غيرها بهدف تقديم يد العون الى رئيس الحكومة أو الوزير الأول نظرا للمهام الملقاة على كاهله. وبالتالي هل هذا يعني أن باقي رؤساء الحكومات السابقة لم يكونوا بحاجة الى نائب رئيس الحكومة؟
- وزراء الـدولة
ان منصب وزير الدولة لم يعرفه المغرب قبل الاستقلال وكذا لم يتم التنصيص عليه في الدساتير المغربية بل تم ذكره فقط في الظهائر الشريفة المتعلقة بتأليف الحكومة. وبحسب هذه الأخيرة نجد وزراء الدولة يتمركزون بين المرتبة الثانية والمرتبة الثالثة من التسلسل البروتوكولي لأعضاء الحكومة بحيث تواجد الوزير الأول ونائب الوزير الأول يجعل وزراء الدولة يحتلون المركز الثالث من التسلسل البروتوكولي لأعضاء الحكومة كما هو الحال بالنسبة لحكومة 11 أبريل 1985، في حين اذا لم يكن هناك نائب الوزير الأول فوزراء الدولة سيتمركزون في الصف الثاني كما هو الحال في باقي الحكومات محل الدراسة.[14]
أضف الى ذلك، هناك صنفين من وزراء الدولة هما وزير الدولة مكلف بحقيبة وزارية محددة ووزير الدولة بدون حقيبة وزارية، بحيث يشكل وزراء الدولة بدون حقيبة وزارية خلال هذه المرحلة المدروسة نسبة %55 بالمقارنة مع وزراء الدولة المكلفين بحقائب وزارية الذين يمثلون فقط %45.[15]
علما أن عدد الأشخاص الذين تولوا منصب وزير الدولة على امتداد الفترة المدروسة لم يتجاوز عددهم ثمانية أشخاص، بحيث خمسة منهم مروا مرور الكرام، بينما الباقي قد احتكر منصب وزير الدولة من خلال تعيينه بها عدة مرات.
أضف الى أن عدد وزراء الدولة ضمن الحكومات يعرف تدبدبا من حيث العدد، رغم ذلك هم دائمي الحضور في التشكيلة الحكومية[16] بغض النظر ان كانوا عند التعيين الحكومي الأول أو اللاحق.
- الـــــــوزراء
لقد نصت جل الدساتير المغربية على هذه الفئة الوزارية في فصولها [17] حيث تعتبر من العناصر الاساسية في الهيكل الحكومي المغربي، بحيث نسبة تواجدهم في تشكيلات حكومية خلال المرحلة المدروسة تقدر بحوالي % 59 مقارنة مع باقي الفئات الأخرى المشكلة للهيكل الحكومي.
يمكن ارجاع هذه النسبة المرتفعة لهذا المنصب الوزاري الى كثرة هؤلاء الوزراء بحيث بلغ مجموعهم بالحكومات على امتداد هذه المرحلة 248 وزيرا، أي ان عددهم عند تعيين كل حكومة يتراوح ما بين 18 الى 23 وزيرا، أما عند التعديل فيتراوح عددهم مابين ثلاث وزراء الى 15 وزيرا[18]. بينما في الحكومات قبل الحياة الدستورية كان عددهم يتراوح مابين 8 الى 13 وزيرا عند التعيين وفي التعديل كان بين 1 الى 4 وزراء، بمعنى أن هذه الفترة عرفت اقل عدد من هؤلاء الوزراء مقارنة مع المرحلة المدروسة التي بدورها عرفت أقل عدد بالمقارنة مع الفترة الممتدة من أول حكومة في ظل الحياة الدستورية الى غاية حكومة السيد محمد كريم العمراني الثالثة.
ان هذا الارتفاع المهول في عدد الوزراء يحيل الى الكم الحكومي المشكل في المغرب الذي بدوره يشير الى ان هناك احتدام في الاوضاع بالمغرب. علما أن هذا الصنف الوزاري يحتل مرتبتين مختلفتين بسبب ماهو وارد في الظهير وماهو منصوص عليه في الدستور.
- الأمين العام للحكومة ومساعده
يتضح من خلال استقراء الظهائر الشريفة والمراسيم الملكية أن الحكومات السابقة للدراسة لم يكن حضور الأمين العام للحكومة ضمن التشكيلة الحكومية أمرا غير طبيعيا، لأنه لم يحصل بعد على صفة وزير، بل عرف بداية ككاتب عام للحكومة منذ 10 دجنبر 1955، غير أن المرسوم الملكي[19] الصادر في 24 أكتوبر 1966 سيخول للكاتب العام للحكومة رتبة وزير بما يترتب عنها من منافع وإمتيازات. وهذا يعني إدراج اسمه كأمين عام للحكومة في لائحة أعضاء حكومة أحمد عصمان الثانية.[20].
وعلى العموم عرفت الحكومات السابقة للدراسة ثلاث امناء عامين للحكومة، وهذا يدل على أن الأشخاص الذين يتولون منصب الامين العام للحكومة يتم تعيينهم في هذا المنصب أكثر من مرة . فقد لوحظ الأمر نفسه على الفترة المدروسة فيما يتعلق بعدد الامناء ومسألة تداول المنصب بين بعض الأشخاص، بحيث يعتبر السيد عبد الصادق ربيع عميد الامناء العامين للحكومة هنا لأنه تولى هذا المنصب ستة مرات، ليليه كل من السيد عباس القيسي وإدريس الضحاك مرتين. علما أن هذا الأخير تولى هذا المنصب بعد وفاة السيد عبد الصادق ربيع[21]. وبالتالي الامانة العامة للحكومة عرفت خمس امناء عامون للحكومة فقط عبر تاريخ الحكومات المغربية.
و بالإضافة الى ما سبق هناك تواجد فئة وزارية اخرى تتمثل في الامين العام المساعد للحكومة الذي له رتبة نائب كاتب الدولة بما يترتب عليها من منافع وامتيازات[22] فكان أول من عين في هذا المنصب خلال الفترة محل الدراسة هو السيد عبد الصادق ربيع بتاريخ 22 فبراير 1993.
وتجدر الإشارة الى أن ظهير تعيينه قد حدد وضعيته ومجال اختصاصاته وسلطاته التي تجلت في كون الامين العام المساعد للحكومة يعمل على مؤازرة الأمين العام للحكومة[23]؛ وينظر بهذه الصفة تحت سلطة ومسؤولية هذا الأخير في جميع القضايا التي يعهد اليه بها. ويقوم مقام الأمين العام للحكومة في ممارسة جميع صلاحياته إذا تغيب أو حال مانع دون قيامه بذلك.[24]
خلافا لما سبق، لم يكن هناك نص يحدد صراحة صلاحيات السيد عباس القيسي عندما تم تعيينه أمينا عاما مساعدا للحكومة، أضف الى ذلك كان كل من هذا الأخير والأمين العام للحكومة يكلفان بحقائب وزارية بموازاة مع مهامهم في الكتابة العامة للحكومة خلال الفترة السابقة للدراسة.[25]
نستنتج أولا أن الحاجة الماسة الى جهاز يساعد رئيس الحكومة في القيام بمهامه هو الذي ادى الى انشائها[26]؛ ثانيا ان شخص الأمين العام للحكومة يتم تعيينه من قبل الملك[27]؛ وثالثا أن هذا المنصب يتطلب الإستقرار أي أنه يفرض الاستمرارية على من يتولونه الى أن تأتيهم المنية، كما هو الحال بالنسبة للسيد عبد الصادق ربيع. بالإضافة أن هذه الفئة الوزارية قبل ان تتولى الأمانة العامة للحكومة يتم تعيينها في منصب أمين عام مساعد للحكومة كما هو الأمر مع كل من السيد عباس القيسي وعبد الصادق ربيع، وهذا ان دل إنما يدل على الأهمية والمكانة التي تضطلع بها الأمانة العام للحكومة داخل المؤسسة الحكومية.
بالرغم من ذلك نجد ترتيبها في التسلسل البروتوكولي يعرف تدبدبا لأن تمركزها في الغالب يكون بين الوزراء العاديين[28]، لكن في بعض الأحيان يكون الأمين العام للحكومة هو الجسر الفاصل بين الوزراء العاديين والوزراء المنتدبين.[29]
- الوزراء المـنتـدبـون
هذه الفئة الوزارية ظهرت لأول مرة في حكومة 2 يونيو 1961 إلا أن تواجد الوزراء المنتدبون قد عرف تدبدبا الى أن أصبح حضورهم منتظما وكثيرا[30] في الحكومات الموالية لحكومة 10 أكتوبر 1977. فقد ظهرت أصناف في الوزارء المنتدبين لم تكن معروفة من قبل وذلك بشكل تدريجي، بحيث أصبح لدينا صنفين من الوزراء المنتدبين الذين بدورهم ينقسمون الى نوعين، وصنفين اخرين واحد منهما وزير منتدب لدى وزير الدولة وأخر وزير منتدب مستقل.
فالصنف الأول يتعلق بالوزراء المنتدبين لدى الوزير الأول والذي ينقسم الى نوعين هما الوزراء المنتدبون لدى الوزير الاول الغير المكلفين ويقدر عددهم بأربعة أشخاص فقط في حين الوزراء المنتدبون لدى الوزير الاول المكلفون يستحوذون على المجال بنسبة %66 أي بلغ عددهم 49 من بين 74 الذين عرفتهم الحكومات محل الدراسة.
أما بالنسبة للنوع الثاني أي الوزراء المنتدبون لدى الوزير الأول بدون مرفق وزاري بالرغم من أنهم لا يشكلون سوى %5 من تمثيليتهم داخل الحكومات المشكلة، إلا ان تواجدهم يخول للوزير الأول فرصة أو امكانية اسناد بعضا من المهام الملقاة على كاهله لها عبر تفويض بعض سلطاته من أجل مساعدته في اداء مهامه[31]، كما يعملون على ضمان حسن سير مهام الوزير الاول من خلال توليهم عملية الاشراف والتنسيق الحكومي.[32]
أما الصنف الثاني من الوزراء المنتدبين لدى الوزراء الذين ينقسمون الى نوعين وهما وزراء منتدبون لدى الوزراء المكلفون اذ بلغت نسبتهم حوالي %18 مقارنة مع الوزراء المنتدبون لدى الوزراء الغير المكلفين التي اقتصرت نسبة تمثيليتهم على %8 اي أن عدد الوزراء المنتدبون لدى الوزراء المكلفين كان عددهم يفوق عدد الوزراء المنتدبون لدى الوزراء بدون مرفق وزاري. كما أن ترتيبهم البروتوكولي يكون غالبا من بعد الصنف الأول والصنف الثالث أي الوزراء المنتدبين لدى الوزير الأول بشقيهما والوزراء المنتدبين لدى وزير الدولة.
وتجدر الإشارة الى أن حكومة 14 مارس 1998 كانت أول من قامت بخلق هذا الصنف الثاني في التشكيلة الحكومية، ليتوالى الأمر مع باقي الحكومات اللاحقة باستثناء حكومة 15 أكتوبر 2007.
إضافة الى ما سبق هناك صنف ثالث وهو صنف الوزراء المنتدبون لدى وزير الدولة الذي تواجد فقط في حكومة 14 مارس 1998 في شخص السيد عبد السلام زنيند[33]. بينما حكومة 7 نونبر 2002 عرفت الصنف الرابع المتعلق بالوزير المنتدب المستقل في شخص السيد فؤاد علي الهمة[34].
ومنه لم تعرف الحكومات المغربية هذين الصنفين الاخيرين إلا مرة واحدة فقط في تاريخها الحكومي أي منذ اول حكومة مغربية الى حكومة 3 يناير 2012.
- كتاب الدولة
عند استقراء الظهائر الشريفة نجد ان هذه الفئة الوزارية تحتل المرتبة ما قبل الأخيرة في الترتيب البروتوكولي إذا كان هناك نواب كتاب الدولة، أما في حالة عدم تواجدهم يصبح كاتب الدولة هو القاعدة في هرم التسلسل البروتوكولي، أي أن هذا المنصب يعد كآلية مساعدة للتدرج في سلم الترتيب البروتوكولي لأعضاء الحكومة.
لذلك، هذه الفئة الوزارية تواجدت عند تشكيل أول حكومة مغربية بعد الإستقلال ثم بعد ذلك اختفت عن بعض التشكيلات الحكومية، لتظهر مرة اخرى مع التعديل الذي طرأ في حكومة 2 يونيو 1961[35] ومع حكومة 5 يناير 1963[36] ثم مع التعديل الذي حدث في حكومة الحسن الثاني الرابعة[37]،أي أن تواجدها داخل الحكومة كان متقطعا في البداية، لكن بعد حكومة 8 يونيو 1965 أصبح حضورها منتظما في باقي الحكومات الى غاية حكومة 3 يناير 2012 التي ستعرف غيابهم لأول مرة بعد 47 سنة من تواجدهم. وبالتالي يمكن حصر عددهم الاجمالي في 108 كاتبا للدولة.
ان كاتب الدولة ينقسم الى ثلاثة أصناف بحيث هناك صنفان منهم ـ كتاب الدولة التابعين للوزير الأول وكتاب الدولة التابعين للوزراءـ ينشق عنهما نوعين آخرين وصنف اخر من كتاب الدولة غير التابعين أي المستقلين.
وينبغي الإشارة الى أن التعديل الوزاري الذي حدث في حكومة عبد اللطيف الفيلالي الثانية بتاريخ 13 غشت 1997 نتج عنه ولوج أربع نساء لأول مرة في تاريخ الحكومات المغربية، وهذا الحدث التاريخي لم يتوقف مع هذه الحكومة بل امتد مع باقي الحكومات الأخرى ـ سواء عن طريق التعديل أو عند بداية تشكيل الحكومةـ ليبلغ عددهن سبع كاتبات للدولة. فهذه الحكومات عرفت 11 كاتبة للدولة لدى الوزراء من بين 26 كاتبا للدولة لدى الوزراء أي بنسبة %30 من مجموع كتاب الدولة التابعين للوزراء.
أضف الى ذلك أن جلهن كلفن بما له علاقة بالقطاع الاجتماعي باستثناء السيدة لطيفة أخرباش[38] التي كانت كاتبة دولة لدى الوزير بدون مهمة. وقد يفهم من هذا على أنه اعتراف بان العنصر النسوي سيكون قادرا على تحقيق انجازات أكبر في هذا المجال بغض النظر عن الظرفية الزمنية التي استدعت تواجدهم.
انطلاقا مما سبق، يتضح أن كاتب الدولة يبقى مجرد مؤازر للوزير وتابع له، وهذا ما يؤكده الظهير الشريف في مادته الأولى.[39]
وبالتالي حتى لو اقتصر دور كتاب الدولة في تقديم يد العون الى الوزراء التابعين لهم من أجل تنفيذ البرنامج الحكومي، فان هذه الفئة الوزارية قد تعرضت للانتقادات في بعض الدول الغربية كفرنسا مستندين في ذلك على أن الحكومات المشكلة قبل الجمهورية الخامسة لم تعرف كاتبا للدولة كدليل على أن الحكومات القوية ليست في حاجة الى كتاب الدولة.[40] إذا كان الحال هكذا بالنسبة لهذه الفئة الوزارية فكيف هو الأمر عند نواب كتاب الدولة؟
- نواب كتاب الدولة
ان هذه الفئة الوزارية دائما ما تحتل المركز الأخير من الترتيب البروتوكولي لأعضاء الحكومة إذا كانت ضمن التشكيلة الحكومية. خاصة ان نسبة تمثيليتها في المرحلة المدروسة تقدر ب%1 فقط من مجموع اعضاء الحكومة، وهذا يعني أن عددهم على امتداد الدراسة بلغ 5 نواب كتاب الدولة.
ومعلوم أن كتاب الدولة ينقسم الى ثلاثة اصناف وهو الأمر ذاته بالنسبة لنواب كتاب الدولة[41]، غير أن العينة محل الدراسة اقتصرت فقط على الصنف الثاني من نواب كتاب الدولة التابعين للوزراء في شقها المكلف بمرفق وزاري بحيث وصلت نسبتها الى %8 من مجموع نواب كتاب الدولة ـ على امتداد سبع وعشرون حكومةـ بالمقارنة مع المرحلة السابقة للدراسة. ويعود هذا الانخفاض في الفترة المدروسة الى التزايد الملحوظ في عدد الوزراء المنتدبين الذي بلغ 74 من مجموع اعضاء الحكومات محل الدراسة.[42]
وتجدر الاشارة الى أن نائب كاتب الدولة أو وكيل الوزارة هو وزير يناط إليه القيام بمهمة المساعدة لصالح الوزير الذي يكون تحت سلطته، وهذا الأخير تسند له بعض من مهامه بواسطة تفويض يكون إما في الاختصاصات والسلطات وإما في الامضاء. وهذا الأمر يحيل الى أن مكانة هذه الفئة الوزارية هي نفس مكانة كتاب الدولة وبالتالي يمكن تبرير غياب وكيل الوزارة عن بعض الحكومات المعنية بالدراسة الى وجود بديل لها يقوم بنفس الدور.
في ختام هذا الفصل، نستنج أن بنية الجهاز الحكومي جد متنوعة لدرجة تحيل الى أن هذا التنوع في مكونات الحكومة غايته الاستجابة للمطالب الشعبية، خاصة، وان الارتفاع في عدد الحقائب الوزارية بين حكومة وأخرى يبدو بسبب الإكراهات الداخلية والخارجية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل الزيادة في الحقائب هو ما يساعد في تسريع تنفيذ مطالب الشعب أم ما تحتاج إليه السلطة التنفيذية هو وجود فريق وزاري منسجم نسبيا له مؤهلات خاصة؟ لذلك سنعمل في الفصل الثاني على تبيان طبيعة هذه الشخصيات الحكومية من خلال دراسة المعايير المعتمدة لإنتقائها، نظرا لأن معظم الدراسات حول أعضاء الحكومة تتمركز على اكتشاف ملامحهم من أجل معرفة اذا كانت لهذه المعايير دور في إنتقاء فئة دون أخرى، وأحيانا، تحاول معرفة إذا كانت تلك البلدان تتوفر على نخبة حاكمة أم لا.[43]
لذا، سنتناول المحددات الإجتماعية والمجالية لأعضاء الحكومة من خلال البحث في ثلاث نقاط أساسية، تتعلق بمحدد السن والجنس والإنتماء الجغرافي، وكذا البعد العلمي والفكري لهؤلاء، حتى نتمكن من سبر أغوارها.
الفصل الثاني ـ أصول النخبة الوزارية
إن معايير انتقاء النخبة السياسية في العالم يختلف من بلد لآخر، مثلا، فرنسا تعتمد على معيار التعليم من خلال توظيف خريجي المدارس الكبرى بإحدى الهيئات المهنية الكبرى لتلج فيما بعد القصر الوزاري الذي يوجهها إما للعمل السياسي أو للعمل الإداري، بينما إيطاليا تعتمد على المعيار الجغرافي في انتقاء نخبها، في حين بريطانيا تستند في هذا على جامعتين فقط وهما جامعة ” OXFORD ” وجامعة «CAMBRIDGE » . بيد ان انتقاءها في دول شمال إفريقيا بحسب “Zartman William ” لا يقوم على عنصر التعليم العالي باستثناء مصر وليبيا.[44] هل ما توصل اليه يعتبر صحيح بالنسبة للنخبة السياسية المغربية أم هو مجرد إفتراء عليها؟
- المحددات الإجتماعية
إن دراسة المحددات الإجتماعية لأعضاء الحكومة تسمح بمعرفة اذا حدث تغيير تاريخي في تركيبتها. إذ، الخلفية الإجتماعية التي سندرسها من خلال محدد السن ومحدد الجنس.
- محدد السن
فقد تم التوصل الى أن الأغلبية الساحقة منهم يكون تعيينهم لأول مرة وهم بين سن الأربعين والستين، بحيث قدر عددهم ب 172 وزيرا أي بنسبة %78، لتبقى نسبة %22 موزعة بين باقي الوزراء، حيث نسبة %12 تمثل من هم عينوا وهم في سن متقدمة[45]، أي بين 60 و80 سنة ونسبة %9 كانت للوزراء الشباب الذين تراوحت أعمارهم بين ثلاثين وأربعين سنة.
وبناء عليه، فالحكومات المغربية هي حكومات “ناضجة في طور الشيخوخة” وليست حكومات شابة كما كان الوضع في حكومات قبل الحياة الدستورية، خاصة اذا بقي الحال على ما هو عليه مستقبلا سنكون أمام “وزراء شيوخ” ـ بل اذا اعتمدنا معدل متوسط السن في كل حكومة على حدة سيتأكد ذلك أكثر فأكثرـ بسبب العملية الاحتكارية للمناصب الوزارية من طرف بعض الشخصيات الحكومية التي تظل متقلدة لهذه المناصب.
- معيار الجنس
إن هذا المعيار يساعد على معرفة الحقبة الزمنية التي عملت على إعطاء المرأة حقها في ولوج المناصب الحكومية مثلها مثل الرجل، حيث نجد أن نسبة الوزيرات[46] لم تتجاوز%8 من مجموع العينة المدروسة، بمعنى أن وجودها على مر مختلف التشكيلات الحكومية لم تستطع أن تحصل إلا على أقل من الثلث بكثير، أي أن صناع القرار السياسي في عملية إختيار أعضاء الحكومة ـ ونقصد هنا كل من الوزير الأول أو رئيس الحكومة والأحزاب السياسيةـ لم تسمح للمرأة أن تكون لها تمثيلية تصل للثلث، لعل “الفكرة الذكورية” هي المسيطرة ليومنا هذا، لأن حتى عندما تم تقرير تعيينها في المناصب الوزارية تم تحديد المجالات الموكولة إليها فيما له علاقة بمنظومة الأسرة أي لها طابع إجتماعي، ونادرا في المهام التي لها علاقة بما هو إقتصادي، مثلا.
وفي نفس السياق، يلاحظ بأن الوزيرات عند تعيينهن يكن في أغلب الأوقات تحت ولاية أو تحت سلطة وزير آخر منذ أول ظهور لهن في حكومة عبد اللطيف الفيلالي الثانية[47]، الى حدود حكومة عباس الفاسي حيث أصبح لهن وزارة قائمة بذاتها، ولكن حدث تراجع عنه مع حكومة عبد الإله ابن كيران، والتي عرفت وزيرة واحدة ضمن التشكيلة الحكومية لولا التعديل الوزاري[48] الذي عمل على جلب أربع وزيرات منتدبات ووزيرة الى جانبها.
- المسار الدراسي للنخبة الوزارية
ان معيار التكوين العلمي يلعب دورا حاسما في عملية انتقاء عدد كبير من الشخصيات، نقصد به المؤهلات الدراسية أو الشهادات العليا التي لدى الوزراء قبل ولوجهم الى المنصب الحكومي.
ومعلوم، بان هذا المعيار يعتبر من بين العوامل الأساسية التي يعتد بها عند دراسة أي نخبة من النخب في العالم. ففي فرنسا، مثلا، تعتمد عليه كأساس لإختيار نخبها السياسية ونفس الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وهل يمكن القول بان الأمر هو ذاته بالنسبة للنخبة السياسية في المغرب؟ بينما هناك بعض الدول التي لا تعتد به كأساس عند انتقاء نخبها، كبريطانيا التي تعطي الأسبقية لعامل الإنتماء لبعض العائلات التقليدية الميسورة على العامل التعليمي[49]، وهل هذا الأمر ينطبق على “النخبة” المغربية؟.
علما أن هناك بعض الدراسات التي اعتبرت أن اختيار النخبة السياسية بالمغرب لا يقوم على عنصر التكوين العلمي العالي مقارنة مع مصر وليبيا.[50] هل يمكن أن يكون هذا صحيحا أم مجرد مغالطات؟
إن المغرب قد عرف نوعين من التعليم قبل استقلاله، مما يجعل معرفة المسار الدراسي للوزراء من الأمور الأساسية لتحديد مستواهم التعليمي واكتشاف إذا كان التعليم التقليدي او التعليم العصري هو السائد عند الوزراء، وبما أن عمرهم السائد يصل الى %87 ممن سنهم تحت 60 عاما، فأي من هذين النوعين تم الاعتماد عليهما عند انتقائهم؟ وهل هي نفسها التي تم اعتمادها بالنسبة للوزراء الذين كان سنهم فوق 60 عاما؟ فما نوع ومكان الدراسة الذي أعتد به بعد شهادة الباكلوريا؟ وما هي التخصصات المسيطرة عند اختيار هؤلاء؟
لقد توصلت الى أن نوعية الدراسات التي تحتل أعلى نسبة في تكوين الوزراء، هي على التوالي دراسات في العلوم الإقتصادية؛ القانون؛ الهندسة؛ الطب والصيدلة والبيطرة؛ الآداب؛ العلوم ثم يليها بعض الدراسات ووجودها يعتبر قليلا مقارنة بالدراسات سابقة الذكر.
وبالتالي، يستنتج بأن مستوى التعليم عند الوزراء المغاربة جد مرتفع ومختلف عن ما تم التوصل اليه في البعض الأبحاث بان القانون والهندسة والدراسات العسكرية تحتل المراكز الأولى في تكوينات النخبة الوزارية في العالم[51]، الا أن الواقع أثبت العكس هنا في المرحلة المدروسة لدرجة أن الدراسات العسكرية، مثلا، لم تشكل سوى %0,60 أي لاشيء في العينة المدروسة.
لكن من الضروري الاشارة أيضا، الى وجود وزيرين لم يتم انتقائهما على معيار التكوين التعليمي كأساس للمشاركة في التشكيلات الحكومية، فالأمر يتعلق بكل من السيد محمد كريم العمراني ومولاي أحمد العلوي، بحيث الأول لم يتمم تعليمه الابتدائي، رغم من ذلك يعتبر من أهم رجال الأعمال بالمغرب، بينما الثاني لم يحصل على شهادته العليا في الطب.[52]
كما أن خريجي معاهد الفن قد استطاعوا ولوج المنصب الوزاري عن طريق المرأة الوزيرة فقط.[53] وتعتبر هذه الحالة الوحيدة عبر تاريخ الحكومات المغربية[54] التي عرفت ولوج هذا الصنف من الدراسات، وربما مستقبلا قد يكون لها تواجد بعدد ضئيل.
أضف الى أن نسبة الوزراء الذين كان مسار دراستهم متعدد يقدر ب %25 من مجموع العينة المدروسة مقارنة مع الوزراء الذين كانوا وحيدي التخصص، مما يعني أن فئة من هؤلاء الوزراء تعمل على توسيع مجالها الدراسي في مجالات أخرى كالدراسات في علوم الدين الإسلامي، مثلا. لكن السؤال الذي يطرح الآن من أين حصلت على هذا المستوى العالي من التعليم؟ هل هو تكوين مغربي أم تكوين أجنبي؟
- مكان الدراسة
إن معرفة مكان دراسة أي نخبة من النخب له أهمية بالغة، خاصة بالنسبة للنخبة السياسية في دول العالم الثالث التي غالبا ما يكون مكان حصولها على الشواهد خارج أرض الوطن. اتضح بأن مكان متابعة الوزراء لدراستهم يتأرجح بين فرنسا والمغرب، حيث نجد 56 وزيرا تابع دراسته في فرنسا أي ان هذه الأخيرة كانت الملجأ الأول لهؤلاء من أجل استكمال دراساتهم العليا، يأتي من بعدهم الوزراء الذين عملوا على الجمع بين المغرب وفرنسا لإتمام تحصيلهم العلمي يقدر عددهم ب 46 وزيرا، بمعنى أن بعضا من هؤلاء قصدوا الجامعات الأجنبية مباشرة بعد تحصيلهم لشهادة الباكالوريا[55]، بينما البعض الآخر بعد حصوله على شهادة الإجازة من المغرب توجهوا الى فرنسا من أجل الحصول على شهادات عليا متخصصة ومعمقة. ليليهم 42 وزيرا حصلوا على شواهدهم العليا من الجامعات والمعاهد المغربية فقط[56]. الى جانبهم يوجد وزير عمد على دمج هذين المقرين السابقين مع مقر آخر لمتابعة دراسته.
في حين، قام 12 من الوزراء على إختيار فرنسا مع بلدان اخرى كمقر لمتابعة مسارهم الأكاديمي، كما يوجد 10 من هؤلاء عمدوا نفس النهج ولكن مع اختلاف طفيف هو عوضا عن فرنسا كان المغرب مقرا لهم مع بلدان اخرى. ليبقى 7 وزراء كان مكان متابعتهم لتعليمهم العالي مختلف عن البقية باختيارهم دولا أخرى.
نخلص الى أن نوع التعليم هنا له طابع عصري بحكم أن جل الوزراء تابعوا دراستهم العليا بالجامعات والمعاهد من مختلف أنحاء العالم، مما يعني أن هؤلاء قد كان لهم حوار مع سياسات وثقافات وحضارات أخرى، وهل هذا الحوار لم يكن له تأثير على مستقبل البلاد عند تحملهم للمسؤوليات الكبرى؟
أما بالنسبة للوزيرات، تبين أن مقر متابعة الدراسات العليا بالنسبة للوزيرات هو المغرب وفرنسا مع البلدان الأخرى، أي أن مكان دراسة الوزيرات يقوم على ثلاثة أصناف منهن من كان مكان دراستها أحادي؛ ومكان دراستها ثنائي ثم مكان دراستها ثلاثي فقط، بينما عند الوزراء كان هناك اربعة بلدان تم التوجه اليها للحصول على الشهادات العليا، مما يدل على وجود تنوع في مقرات متابعة الدراسات عند أعضاء الحكومة ككل.
فوجود فرنسا في المرتبة الأولى بفارق بسيط مع المغرب، يمكن ارجاعه بحكم أن اللغة الفرنسية تعتبر اللغة الثانية بعد اللغة الرسمية للبلاد مقارنة مع باقي لغات العالم التي يتم تدريسها في معاهد ومدارس خاصة، إذ لو كانت لغة أخرى هي المعتمدة في تلك الفترة ستكون طبعا الأساس المحدد لمتابعة الدراسة. وهذا الأمر لم يمنع بعض الوزراء من الدراسة في بلدان انجلوفونية، حيث احتلت المركز الثالث بعد المغرب. ولربما في المستقبل القريب تصبح هذه البلدان مقرا للدراسات العليا لأعضاء الحكومات اللاحقة.
- المؤهلات العلمية
قد ظهر بأن أغلب أعضاء الحكومات تمتلك مستوى عال في نوع الشهادات المحصل عليها، والمتمثلة في شهادة الدكتوراه بنسبة %37,44 وشهادات أخرى[57] بنسبة %27,85 وشهادة دبلوم الدراسات العليا بنسبة % 18,26.
مما يعني أن جل اعضاء الحكومات حاصلين على الإجازة وما فوق باستثناء وزيرين، واحد يتوفر فقط على مستوى جامعي وآخر يتوفر على مستوى إبتدائي، وثلاث وزراء لديهم شواهد تقنية من ضمنهم وزيرا واحدا يحمل مستوى الباكلوريا فقط، لكنه حامل للشهادة التقنية.
وبالتالي، اتضح ان الأطروحات الأجنبية التي تفترض بأن اختيار الوزراء لا يقوم على انتقائية في التعليم، خاطئة وقد ثبت ذلك من خلال درستنا ودراسات أخرى.[58] لذا فإن المؤهلات العلمية تلعب دورا حاسما في اعتلاء المناصب الوزارية.
- الإنتاج الفكري
فقد اتسم الإنتاج الفكري والعلمي لأعضاء الحكومة بتنوعه، نظرا لارتباطه بعلاقة وطيدة بمجال تخصصهم الدراسي أو الاكاديمي لهؤلاء، غير أن البعض منهم عملوا على خلق انتاج علمي آخر خارج اطارهم الأكاديمي، لكن ربما يدخل ضمن اهتماماتهم. إذ قدرت نسبة هذا الإنتاج ب %30 من مجموع العينة المدروسة.
وبشكل عام، تم التوصل الى أن إنتاجات الوزراء غالبا كان له صلة بشكل أو بآخر بالأوضاع الإقتصادية؛ الإجتماعية والسياسية، أي ما أنتجوه له ارتباط بالمجتمع، لدرجة أن انتاج بعض الوزراء كان له وقع في العالم، كمكتشف طريقة جراحة السرطان المستقيم[59]، مثلا، ومنهم من حاز على العديد من الجوائز على منتوجه الفكري وطنيا ودوليا. لكن السؤال هل أصحاب هذا الانتاج الفكري عند وصولهم الى المنصب الحكومي استطاعوا تنفيذ ولو جزء منه أم بقى حبيس الرفوف؟
نخلص طبقا لما سبق، أن صانعي القرار السياسي كانوا يحاولون دوما إختيار الشخصيات الحكومية بناء على مجموعة من المعايير من أجل تجاوز الازمات الاجتماعية والاقتصادية، لكن هل كانت هذه الشخصيات واعية بذلك؟ وهل استطاعت وضع وتنفيذ سياساتها التنموية التي جاءت بها في برامجها الحكومية والتي تم أخذها في الغالب من احتجاجات المجتمع المدني. وبالتالي كيف كان الاداء الحكومي على الملف الإجتماعي؟ وهل اهتمام الحكومات المغربية بالتنمية الاجتماعية نابع من قناعاتها الذاتية أم هي مجرد مزايدات سياسية؟
الفصل الثالث.العمل الحكومي للنخبة الوزارية
إن الحكومة تشرع في القيام بالمهام والإختصاصات الموكولة اليها بعد حصولها على موافقة من مجلس النواب على برنامجها الذي تعتزم تطبيقه، على أن يتضمن هذا الأخير الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في الميادين التالية: السياسي ؛الإقتصادي ؛ الإجتماعي والثقافي وكذا الخارجي.
علما أن عدد البرامج الحكومية التي تم تقديمها منذ تأسيس أول حكومة مغربية بعد الإستقلال الى حدود حكومة عبد الاله بن كيران هو خمسة عشر برنامجا حكوميا من ضمن 27 حكومة مشكلة الى حد الآن، بعبارة أخرى هناك إثنى عشر حكومة لم تقدمه نظرا لأن فترات تعيينها كانت تعرف غياب المؤسسة التشريعية. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة للحكومات التي أقدمت على تقديم برنامجها طبقا لما هو وارد في الدستور. هو كيف قامت بإعداد هذه البرامج ومن أين استمدت مرجعيتها؟
- البرامج الحكومية
ان البرامج الحكومية في المغرب هي عبارة عن تصريح لما ترغب وتنوي الحكومة القيام به من تدابير أثناء فترة ولايتها، إلا أن الحكومة غير ملزمة بتنفيذ وتحقيق ما وعدت به في هذا البرنامج، نظرا لان هذا الأخير ينبني في الغالب على انشغالات المواطنين من خلال ترجمتها الى تمنيات لا الى خطط ودراسات يمكن تحقيقها على أرض الواقع من طرف الحكومات.
فالمرجع الأساسي للخطوط الرئيسية لهذه البرامج الحكومية التي تعرض أمام البرلمان يتم استنباطها وأخذها من التوجيهات الملكية التي تكون إما في شكل خطاب أو رسالة ملكية موجهة الى الشعب المغربي، بصفة عامة، في مختلف المناسبات.
وأحيانا تكون برامج الأحزاب السياسية المعتمدة في حملاتهم الإنتخابية مصدرا في بلورة بعض النقط في الخطوط الرئيسية للبرامج الحكومية عند بعض الحكومات المنتمية أو السياسية، بمعنى اخر فهذه الحكومات تتشكل من أحزاب سياسية تتوفر على برامج سياسية خاصة بكل حزب على حدة، إلا أنها نادرا ما تأخذ ببرامجها المعلن عنها في حملاتهم الإنتخابية[60]. بيد ما الحكومات التقنوقراطية أو المحايدة فهي أصلا لا تتوفر على برامج قبل تشكلها، لتبقى التوجيهات الملكية هي مصدرها الوحيد في اعداد برنامجها الحكومي مع اللجوء الى اعتماد بعض المقترحات التي كانت واردة في البرامج الحكومية المقدمة سابقا.
بالإضافة الى ذلك، تم اعداد البرامج الحكومية في ظرفية زمنية جد وجيزة من تاريخ تشكيل الحكومات محل الدراسة باستثناء حكومة عبد الرحمان اليوسفي التي تطلب منها الامر 30 يوما لانجازه قبل عرضه على البرلمان. في حين باقي الحكومات أعدته في مدة لا تقل عن يومين ولا تتجاوز 16 يوما، إلا أنه يجب الإنتباه الى أن الحكومات المشكلة قبل حكومة 11 نونبر 1993 لم تكن برامجها تخضع للتصويت بناءا على ما جاءت به الدساتير السابقة.
إذن، فستة برامج حكومية هي التي طبقت عليها مسطرة التصويت من المجموع الكلي للحكومات المغربية منذ الإستقلال، إبتداءا من حكومة العمراني السادسة الى حدود حكومة عباس الفاسي. أضف اليها برنامج حكومة عبد الاله بن كيران الذي خضع لمسطرة التصويت المنصوص عليها في الفصل 88 من دستور 2011،
كما أن جل البرامج الحكومية التي تم التصويت عليها تم قبولها من قبل مجلس النواب، غير أن ما يلاحظ في عملية التصويت على هذه البرامج المقدمة من طرف الحكومات التقنوقراطية لم تحضى قط بأصوات ممتنعة مقارنة مع الحكومات السياسية التي عرفت ذلك، باستثناء حكومة 3 يناير 2012، لكنها في المقابل حصد برنامجها على أكبر عدد من الموافقين والمعارضين عليها منذ بداية عملية التصويت. لكن، كيف كان إنزال هذه البرامج على أرض الواقع؟ هل التكوين العلمي والأكاديمي لأعضاء الحكومة قد لعب دورا أو أحدث فرقا على مستوى تلبية حاجيات ومتطلبات المواطنين أم أن وجود وزراء ذووا تعليم عالي من عدمه سيشكل فرقا في إنزالها، قبل الحكم لابد من اكتشاف كيف كان الأداء الحكومي؟
- أثر العمل الحكومي على المواطن
إن الأداء الحكومي كان دوما عرضة للانتقادات داخل الأوساط السياسية والإجتماعية بمختلف شرائحها، هذا لا يعني أن التمنيات التي كانت واردة في البرامج الحكومية لم يتم تحقيقها بشكل قطعي، وإنما منها ما تم إنجازه ومنها من بقي شعارا للحصول على تأييد الرأي العام وعلى الأغلبية المساندة له ومنها من حال الواقع دون تحقيقها. فمثلا، حكومة التناوب قد أنجزت العديد مما قامت بطرحه في برنامجها الحكومي، على سبيل المثال لا الحصر، فقد استطاعت الرفع من الإعتمادات المخصصة للقطاعات الإجتماعية، وكذا الرفع من نسبة تغطية العالم القروي بتزويده بالماء الشروب والكهرباء. كما استطاعت في قطاع الإسكان إنجاز الشطر الاول من البرنامج السكني بالأقاليم الجنوبية؛ إنجاز مخطط محاربة الأمية؛ إحداث مركزا للأطفال المعاقين المهملين وإحداث خزانة ناطقة للمكفوفين.[61]
وبخصوص قطاع التعليم قامت الحكومة بتشكيل لجنة وزارية تحت رئاسة الوزير الأول لدراسة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية لميثاق التربية والتكوين، كما رفعت الحكومة من نسبة التمدرس عند الأطفال البالغين سن 6 سنوات و بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 11 سنة.
أما في مجال التشغيل فقد بلورت برنامجا للتشغيل الذاتي لفائدة حاملي الشهادات في إطار شراكة مع النظام البنكي وهيئات استشارية، خلقت وكالة وطنية لإنعاش التشغيل، كما عملت على وضع برنامج للتكوين التأهيلي لفائدة حاملي شهادات الإجازة ودبلوم الدراسات العليا أو ما يعادلها للعاطلين عن العمل لمدة تزيد عن 12 شهرا.
وعلى مستوى محاربة الفقر تم تخصيص غلاف مالي يقدر بمليار درهم خلال المخطط الخماسي موجه بالخصوص الى المناطق النائية في الوسط القروي. أيضا تم تحديد السقف الأدنى للمعاشات في 500 درهم شهريا لفائدة الموظفين المنخرطين في نظام المعاشات المدنية والعسكرية، أضف اليها مرسوم يقضي بالزيادة في الإيرادات التي يتقاضاها ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية بنسبة %20.
أما في مجال العدل، فقد تمت المصادقة على مشروع قانون تنظيم السجون، إحداث محاكم استئناف إدارية، وكذا الرفع في عدد المحاكم التجارية. وكذا عملت على إعادة هيكلة وزراة العدل وتحديد اختصاصاتها وتطوير أداء المجلس الأعلى للقضاء.
أما بخصوص حقوق الإنسان فقد عملت الحكومة على طي ملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وكذا بادماج ضحايا إجراءات الطرد والتوقيف التعسفي بتمتيعهم حقوقهم وأجورهم ورواتبهم إبتداءا من تاريخ طردهم أو توقيفهم، وملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
كما اولت الحكومة إهتماما بموضوع المرأة حيث أنشأت لجنة وزارية دائمة للمرأة أوكلت إليها دراسة مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية لتفعيل مضامينها وإعداد مشاريع قوانين لتطبيقها.
أيضا، واصلت الحكومة عملها في محاربة الرشوة وتكثيف الجهود للحد منها ومن آثارها على التنمية الإقتصادية والإجتماعية. كما إتخذت اجراءات في إطار تخليق العمل الإداري بمحاربة التبذير والتقليص من المصاريف المالية حيث وفرت ما يناهز 3 ملايير درهم.[62]
بيد أن هذه الانجازات التي حققتها حكومة التناوب لم تعفيها من الإنتقادات التي وجهت اليها والتي همت بالأساس بطئ العمل الحكومي، والعجيب في الأمر أن البعض من هذه الانتقادات وردت من طرف حزب مشارك في التحالف الحكومي[63]، حيث عمل هذا الأخير بتوجيه مذكرة من طرف الامين العام لحزب الاستقلال الى الوزير الأول تحتوي على مجموعة من الاقتراحات ينبغي على الحكومة الأخذ بها من أجل تحسين وتسريع وتيرة العمل الحكومي. علما أن توجيه مذكرة الى الوزير الأول تعتبر سابقة في تاريخ المغرب، لان جل المذكرات التي رفعت في تاريخ المغرب تم توجيهها الى جلالة الملك.[64]
مما دفع الوزير الأول بإدلاء تصريح حكومي أبرز فيه منجزات حكومته وكذا العوائق التي حالت دون اسراع الاداء الحكومي، والتي جسدت سلبياتها في الإرث الثقيل الموروث عن الحكومات السابقة ومقاومة اللوبيات للتغيير، وكذا في العوائق الناجمة عن غياب الانسجام بين أعضاء الحكومة [65]، الذي أدى الى تأخير العمل الحكومي والاخلال بميثاق التغيير.
إن باقي الحكومات المدروسة قد قامت ـ ابتداء من حكومة العمراني الرابعة الى حكومة عبد الاله بن كيران ـ بتنفيذ جزء من برامجها، والتي تؤول من طرف البعض بأنها كانت مطالب وحاجيات الشعب المغربي قد تمت الاستجابة لها، إلا أن الحراك الاجتماعي الذي يعرفه المجتمع المغربي بين فترة وأخرى يبرز العكس.
أن القضايا التي تم تناولها من طرف البرامج الحكومية سواء في حكومة اليوسفي أو باقي الحكومات المدروسة كانت ولازالت هي ذاتها منذ تأسيس أول حكومة دستورية الى يومنا هذا، بل الوضع قد تفاقم أكثرـ مع حكومة عبد الاه بن كيران ـ خاصة من جانب تحقيق التنمية الاجتماعية إنطلاقا من العمل الحكومي. إذن، أين يكمن الخلل؟ هل تحقيق المشروع النهضوي للأمة شيء مستبعد وجوده في ظل نخبة وزارية تسعى الى تلبية حاجياتها الشخصية بدلا عن حاجيات الشعب الواجبة عليهم؟
خـــــــلاصـة
فقد كان لصناع القرار السياسي إدراك بأن إزدهار أي مجتمع ينطلق من جهازه الحكومي، إلا أن الشخصيات المسؤولة في هذا الجهاز تفتقد الى أهم العناصر وهي: الإرادة الحقيقية والوعي والإتحاد بين الوزراء. ان مصير المغرب يتوقف على وجود نخبة سياسية حكومية حقيقية سائدة وليس على شخصيات واهمة بأنها نخبة.
* باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية.
[1] الفقرة الاولى من الفصل 87 من دستور 2011 ،تنص على أن »تتألف الحكومة من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة«.
[2] راجع: أمينة المسعودي » هوامش التغيير السياسي في المغرب« .مطبعة النجاح الجديدة ـ الدار البيضاء. الطبعة الأولى 2011.ص.114ـ 117.
[3] يتعلق الامر بالفصول الدستورية التالية: الفصل 64 من الدستور 1962، الفصل 59 من الدساتير 1970 و1972 و1992، وبالفصل 60 من الدستور 1996.
[4]بينما الدستور الاسباني في مادته 98 فقرة الاولى اعتمد خيار تحديد أنواع الوزراء وترك المجال للقانون – القانون رقم 50/ 1997 ـ من أجل التنصيص على أنواعهم. راجع في هذا الامر الجريدة الرسمية الاسبانية عدد 285 الصادر بتاريخ 27 نونبر 1997. كما عرف هذا القانون تعديل في مادتين : المادة 22 فقرة 2؛ المادة 24 فقرة 1 ب. انظر الجريدة الرسمية الاسبانية عدد 246 الصادرة بتاريخ 14 أكتوبر 2003.
[5] راجع: الفصل87 من دستور 2011.
[6] أنظر: الظهائر الشريفة المتعلقة بتأليف الحكومات منذ 11 أبريل 1985 الى 3 يناير 2012.
[7] راجع في هذا السياق:
Samir Lyazidi « L’Institution du premier Ministre au Maroc ».Thèse de Doctorat en Droit Public. 2003-2004.
Mohamed Lahbabi « Le Gouvernement Marocain a l’aube du xx éme siècle. Edition Maghrébine. Casablanca 1975.p 10.
[8] محمد اشركي “الوزير الأول: مركزه ووظيفته في النظام المغربي”. أطرحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام. كلية الحقوق الدار البيضاء 1985. ص .37.
[9] Salah Eddine Berrahou « L’ETAT D’EXCEPTION AU MAROC : Essai sur les rapports entre le pouvoir et les partis politiques de l’opposition ». Série ouvrages : – Numéro 27- Collection de la faculté des Sciences Juridiques Economiques et Sociales .Marrakech.2002.
[10] أنظر الجريدة الرسمية عدد 3001 الصادرة بتاريخ 29 صفر 1390 – 26 ماي 1970- ص 1174.
[11] يتعلق الأمر بحكومة أحمد أباحنيني تشكلت بتاريخ 13 نونبر 1963.
[12] راجع: أمينة المسعودي” الوزراء في النظام السياسي المغربي 1955ـ 1992 الأصول ـ المنافذ ـ المال”. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. الطبعة الأولى 2001.ص. 52 ـ 53.
[13] راجع الجدول رقم 1 المتعلق بأصناف الوزراء بالحكومات المغربية.
[14] أنظر الجدول رقم: 1 المتعلق بأصناف الوزراء بالحكومات المغربية.
[15] تجدر الاشارة الى أن نسبة الوزراء الدولة بدون حقائب تقدر ب %39 بالمقارنة مع وزراء الدولة بحقائب الذين يقدرون بحوالي % 61 خلال الفترة الممتدة ما بين حكومة أحمد اباحنيني وحكومة العمراني الثالثة.
[16] في ظل الحياة الدستورية لم تكن هذه الفئة الوزارية متواجدة فقط في حكومتي العمراني 6 غشت 1971 و 12 أبريل 1972.راجع:
ظ.ش رقم 1.71.133 الصادر بتاريخ 19 جمادى الثانية 1391 )11 غشت 1971) بتأليف الحكومة.ج. ر.ع. 3068.ص.1918 ـ 1919.
ظ.ش رقم 1.72.109 الصادر بتاريخ 28 صفر 1392 )13 أبريل 1972) بتأليف الحكومة.ج. ر.ع. 3103.ص. 966.
[17] الفصل 64 من الدستور 1962؛ الفصل 59 من الدساتير 1970 و1972 و1992 ؛ الفصل 60 من الدستور 1996؛ فقرة الاولى من الفصل 87 من الدستور 2011.
[18] انظر الجدول رقم 1 المتعلق بأصناف الوزراء في الحكومات المغربية.
[19] أنظر: المرسوم الملكي رقم 856.66 بتاريخ 9 رجب 1386 )24 أكتوبر 1966) بتخويل الأمين العام للحكومة رتبة وزير.ج. ر.ع.2817. الصادرة بتاريخ 26 أكتوبر 1966.ص. 2191.
[20] أنظر: المرسوم الملكي رقم 555.67 بتاريخ 8 شعبان 1387 )11 نونبر 1967) بتأليف وتنظيم الحكومة.ج. ر.ع.2872. الصادرة بتاريخ 15 نونبر 1967.ص. 2478.
[21] عبد الصادق ربيع ولد بمراكش سنة 1954 وهو حاصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون من جامعة بوردو. وقد شغل منصب مدير الدراسات التشريعية بالأمانة العامة للحكومة الى جانب ذلك كان مستشار قانوني للهيئة الوطنية للأطباء. فقد تولى أول منصب وزاري له سنة 1993 ليستمر وزيرا الى أن أدركه الموت.
[22] راجع: المادة 5 من ظ.ش رقم 1.93.52 صادر في 7 ذي القعدة 1413 )29 أبريل 1993) بتعيين السيد عبد الصادق ربيع أمينا عاما مساعدا للحكومة.ج. ر.ع. 4201.الصادرة بتاريخ 5 ماي 1993.
[23] راجع: المادة 2 من ظ.ش رقم 1.93.52 …….. المرجع السابق.
[24] راجع: المادة 4 من ظ.ش رقم 1.93.52 …………….. نفس المرجع السابق.
[25] للمزيد من التفاصيل راجع كل من: ج.ر.ع.2410. الصادرة بتاريخ 2 يناير 1959 ؛ ج.ر.ع.2485. الصادرة بتاريخ 10 يونيو 1960؛ ج.ر.ع.2746. الصادرة بتاريخ 16 يونيو 1965؛ ج.ر.ع.2930. الصادرة بتاريخ 25 دجنبر 1968.
[26] كما هو الحال بالنسبة لفرنسا حيث شرعت في البحث عن الأمانة العامة للحكومة منذ 1917 الى 1934. للمزيد من التفاصيل أنظر:
Roselyne Py « le secrétariat général du gouvernement ». Notes et Etudes Documentaires .N° 4779.1985.
Lavroff Demitri georges « le système politique français ».Edition , Dalloz. Paris.1991.
[27] في فرنسا مثلا يتم تعيين الكاتب العام للحكومة من طرف الوزير الأول. أنظر:
Marceau Long « Les services du Premier Ministre » presses universitaires d’aix-Marseille. 1981. p .64.
[28] راجع الظهائر الشريفة المتعلقة بتأليف وتنظيم الحكومة.
[29] أنظر: ج.ر.ع. 4229. الصادرة بتاريخ 17 نونبر 1993.ص.2250 ؛ ج.ر.ع. 4259. الصادرة بتاريخ 15 يونيو 1994.ص.904.
[30] خاصة في الفترة الزمنية محل الدراسة.
[31] راجع: عبد القادر باينة المختصر في القانون الإداري المغربي. مطبعة صوبا ياديير. طبعة 1989. ص. 306 ـ 308.
[32] أنظر: الناجي الدرداري “الحكومة في ظل الدساتير المغربية من 1962 الى 1996”. اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام. 2001 ـ 2002. ص. 107.
[33] عبد السلام زنيند ولد في 1934 تولى عدة مناصب سامية ووزارية. وهو حاصل على الإجازة في الآداب من جامعة بوردو وعلى دبلوم من معهد الدراسات الدولية العليا بجنيف.
[34] فؤاد علي الهمة ولد في 1962 بمراكش. حاصل على البكالوريا من المدرسة المولوية ؛ وعلى الاجازة في القانون؛ وعلى شهادتين للدراسات العليا في العلوم السياسية والعلوم الادارية. فقد تولى منصب مدير ديوان ولي العهد سيدي محمد. وهو مؤسس ورئيس حزب الأصالة والمعاصرة قبل أن يصبح مستشارا لجلالة الملك محمد السادس.
[35] أنظر: ظ. ش. ر. 1.61.166 بشأن تنظيم وتأليف الحكومة …..ج. ر. ع. 2538 الصادرة بتاريخ 16 يونيو 1961.
[36] أنظر: ظ. ش. ر. 1.63.026 بتنظيم وتأليف الحكومة ……….ج. ر. ع. 2624 الصادرة بتاريخ 8 فبراير 1963 .
[37] أنظر: مرسوم ملكي رقم 138.65 بتتأليف الحكومة ……….ج. ر. ع. 2746 الصادرة بتاريخ 16 يونيو 1965 .
[38] السيدة لطيفة أخرباش: إزدادت بتطوان سنة 1960وهي حاصلة على دكتوراه في العلوم المعلومات والتواصل،دبلوم الدراسات المعمقة في نفس التخصص.وقد عملت مستشارة في التواصل. كما كانت مديرة العامة لراديو مغربي؛ ورئيسة شبكة ’ Théophraste. قبل أن تلج هذا المنصب الوزاري.
Trombino Maroc « Qui fait Quoi : portraits, biographies….. ». 9éme Etidion .p.142
[39] راجع: ظ. ش. ر. 1.77.352 بتاريخ ……..30 مارس 1978 يؤهل بموجبه وزراء الحكومة المؤلفة طبقا للظهير الشريف رقم 1.77.328 المؤرخ….10 أكتوبر 1977 للتفويض في امضائهم أو اختصاصاتهم الى كتاب الدولة.ج .ر.ع. 3414 الصادرة بتاريخ 5 أبريل 1978.ص. 1039.
[40] أنظر: الناجي الدرداري “الحكومة في ظل الدساتير المغربية من 1962 الى 1996”. اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام. 2001 ـ 2002. ص. 112.
[41] هذه الفئة الوزارية قد عرفت بداية باسم وكيل الوزارة ثم بعد ذلك عرفت باسم نائب كاتب الدولة.
[43] Dogan Mattei « Is there a Ruling Class in France? ».Brill, Boston,2003. p.16.85.
[44] Zartman William “political Elites in Arab North Africa.op.cit.p.5
[45] ان وجود وزراء في سن متقدمة هو أمر نادر في جميع دول العالم باستثناء بعض الدول الشيوعية. أنظر كل من:
ـ أمينة المسعودي” الوزراء في النظام السياسي المغربي 1955ـ 1992…..ص. 75ـ
Blondel jean « Gouvernements et exécutifs, Parlements et législatifs » .in Traité de sciences politique de Grawitz(M) et Leca (J).p.41.
Zartman William (1982). op.cit.p.2.
[46] الدراسة قد توقفت عند التعديل الحكومي لحكومة عبد الاله ابن كيران، مما يعني أن التعديل الثاني الذي حدث بتاريخ 12 ماي 2015 لم يتم دمجه في الدارسة. ومنه، السيدة جميلة المصلي مع باقي الوزراء سنقوم بإحالة اليهم في بعض الأحيان عندما يتطلب الأمر ذلك.
[47] في التعديل الوزاري الذي طرأ بتاريخ 13 غشت 1997.
[48] حدث هذا التعديل بتاريخ 10 أكتوبر 2013.
[49] Zartman William (1982) .op.cit.p.5
[50] Ibid.p.5
[51] Blondel jean « The Government Ministers in the Contemporary world ».Ed.sage, London 1985.p.47.
[52] وتجدر الإشارة بأن بعض من السير الذاتية المتعلقة بالسيد مولاي أحمد العلوي التي تم تحصيلها أثناء جمع المعلومات ترجع عدم حصوله على شهادته لانشغاله بالقضية الوطنية أي بالاستقلال المغرب.
[53] الأمر يتعلق بالسيدة ثريا جبران.
[54] منذ أول حكومة غداة استقلال المغرب الى حكومة 3 يناير 2012.
[55] هناك من الوزراء من اتمم تعليمه الثانوي بالخارج، كالسيد عثمان الدمناتي. وربما قد تكون حالات أخرى لكن ليس لنا بها علم بسبب التكتم الدائم عن المعلومات.
[56] لقد كانت سنة 1957 بداية إنشاء العديد من الجامعات والمعاهد والمدارس العليا.
[57] نقصد بها الشواهد المحصل عليها من المعاهد والخاصة والعمومية من ضمنها شواهد تقنية.
[58] فالأمر لا يتوقف فقط على الفترة المدروسة كذلك الفترة السابقة للدراسة قد عرفت ذلك.
[59] نقصد هنا السيد سعيد اولباشا .
[60] فعند مقارنة البرامج الإنتخابية للأحزاب السياسية المكونة لأي حكومة سياسية نجد أن ما يحتوي عليه البرنامج الحكومي من تدابير واستشرافات يكون بعيدا كل البعد عن ما تم الترويج اليه في برامجها، بمعنى أن الأحزاب السياسية تعمد على البرامج التي تمكنها من الفوز بالاستحقاقات أي على أكبر عدد من أصوات الناخبين.
[61] المختار مطيع” التناوب على الحكم بالمغرب وإشكالية الإنتقال الديمقراطي”. دراسات ووقائع دستورية وسياسية. العدد 2. ص. 9 ـ 23.
[62] م.س. ن. ص.
[63] الحزب المقصود هنا هو حزب الإستقلال.
[64] راجع: أمينة المسعودي” هوامش التغيير السياسي في المغرب”. مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء. الطبعة الاولى. ص. 61ـ 62.
[65] المختار مطيع” التناوب على الحكم بالمغرب وإشكالية الإنتقال الديمقراطي”. دراسات ووقائع دستورية وسياسية. العدد 2. ص. 15.