“الموارد البشرية في الخليج والبحث عن بديل اقتصادي”
“Human resources in the Gulf and the search for an economic alternative“
إعداد: صالح علي المهندي
طالب بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي.
Abstract
The Gulf countries have increased their thinking in developing their human resources and reducing dependence on oil and gas, as these countries, especially the rich countries, have begun to make valuable efforts to reduce their dependence on oil excessively and shift to other sectors, which requires human competencies at the level, especially local human resources and reducing dependence. The human labor coming from abroad, knowing that the latter represents the majority of its human resources, which requires a long-term strategy to activate this trend.
ملخص:
لقد تنامى في الآونة الأخيرة، تفكير دول الخليج في تنمية مواردها البشرية والتقليل من الاعتماد على النفط والغاز، حيث بدأت هذه الدول خصوصا الدول الغنية، بالقيام بمجهودات قيمة لتخفيض تبعيتها للنفط بشكل مفرط والتحول لقطاعات أخرى، وهو ما يحتاج لكفاءات بشرية في المستوى خصوصا الموارد البشرية المحلية والتقليل من الاعتماد على العمالة البشرية الآتية من الخارج علما أن هذه الأخيرة تمثل غالبية مواردها البشرية، وهو ما يحتاج استراتيجية بعيدة المدى لتفعيل هذا التوجه .
مقدمة:
باتت الموارد البشرية علما قائما بذاته، وأضحت التنمية البشرية هدفا للتنمية الاقتصادية وأداة من أدواتها، ويمكن القول أن التنمية البشرية أصبحت أهم من الموارد المالية والمادية لما تتمتع به من مهارات وقدرات ومعارف، كما أن تنمية الموارد البشرية تحقق عائدا كبيرا على الاقتصاد الوطني ومردودا عاليا على المجتمع، مما يزيد في الإنتاج ويعمل على تحسين وتطوير الخدمات[1].
ولاشك أن الموارد البشرية وتطورها تبقى من المقاييس الأساسية التي تقاس بها ثروات الأمم باعتبار أن هذه الموارد هي أهم المكونات الرأسمالية والأصول المؤثرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول، وأصبح المورد البشري ودرجة كفاءته هما العامل الحاسم لتحقيق التقدم لأنه أهم بديل اقتصادي يمكن الاعتماد عليه إذا ما تم استثماره بشكل جيد. لقد أكد علماء الاقتصاد منذ وقت طويل على أهمية الموارد البشرية في تحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز البدائل الاقتصادية. ويعتبر الاستثمار في المورد البشري أعلى أنواع رأس المال قيمةً ومردوداً؛ لذلك اعتبر الاقتصاديون أن الموارد البشرية ذات قيمة محدودة إن لم تستغل وتُعَدُّ علميا وتُدرب لتكون قادرة على تحويل الثروات الطبيعية إلى وفرات زراعية ومنتجات صناعية وتنمية حضرية. كما أن الموارد البشرية تعتبر الأداة الحقيقية للتنمية الاقتصادية، فهي مصدر التخطيط والتطوير، وهي عنصر تشغيل وتوظيف باقي الموارد المادية المتاحة للمنشأة، كما تساهم مساهمة فعّالة في تحقيق أهداف المجتمع إذا توفرت الظروف الإيجابية التي تستثمر طاقاتها. عام 2008 نظم معهد الإدارة العامة في مسقط ندوة لمعاهد الإدارة والتنمية الإدارية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعنوان «استراتيجية تنمية الموارد البشرية ودور معاهد الإدارة والتنمية الإدارية في تنفيذها.» وعند مراجعة مضامين أوراق العمل التي قدمت خلالها حيث تم استعراض العديد من تجارب دول مجلس التعاون الخليجي في مجال تنمية الموارد البشرية، واتضح من خلال المشاركات والمداخلات من المشاركين في الندوة أن دول المجلس تولي اهتماما لتنمية الموارد البشرية، لكنها تعمل دون وجود استراتيجية تتطور في ضوء مستجدات الاقتصاد الكلي والنمو السكاني وفي حالة غياب استراتيجية خاصة بالموارد البشرية في كل دولة من دول المجلس فهذا يعني أن الجهود التعليمية والتأهيلية والتدريبية تسير في خطوط مختلفة ومتعددة ولا يكون هناك رؤية محددة لتنمية الموارد البشرية، بل أن التعليم أو التدريب يكون من أجل التعليم أو من أجل التدريب فقط، وهذا بلا شك وضع غير سليم لأنه يبدد الجهود والأموال دون تحقيق الفائدة المرجوة، ويدل على ذلك كثرة الحديث حول عدم ملاءمة مخرجات التعليم والتدريب لمتطلبات سوق العمل في دول المجلس[2].
لقد أصبح العنصر البشري ذو أهمية قصوى في إحداث التغيرات التنظيمية والتغييرات الضرورية لرفع الكفاءة في مختلف الإدارات[3]، ولهذا بات الاهتمام بالموارد البشرية وتنميتها يأخذ حيزا كبيرا من النقاش العام لدى المؤسسات العامة والخاصة، خصوصا وأن أثرها واضح على جودة الخدمات.
وبالتالي، فإن تنمية الموارد البشرية تطورت على مدى العقدين الماضيين في مجالات التنمية الإدارية، ومن ناحية الدور المهني في هذا المجال أصبحت العديد من المنظمات الاستشارية تتخصص بصفة أساسية في هذا المجال، كما قامت المنظمات الكبرى بإنشاء إدارات متخصصة لتنمية الموارد البشرية وتدريب العاملين بها على المناهج والجوانب المهنية المختلفة في هذا المجال. لأن الموارد البشرية إلى جانب الموارد المالية أحد الركائز الأساسية التي يلزم توفرها كما ونوعا، حتى يستطيع أي تنظيم كيفما كان نوعه، عام أو خاص تحقيق الفعالية والمردودية، فالموارد البشرية تشكل دعامة للاقتصاد كمستوى وطني أو محلي، لأي دولة كيفما كان توجهها الاقتصادي والسياسي[4].
حيث تتوقف عليها طاقة الإنتاج أكثر ما تتوقف على أي عامل أخر، فهي عصب جميع برامج السياسات التنموية الاقتصادية والسياسية.
فإذا كانت التنمية هي مجموع العمليات الهادفة إلى تغيير المجتمع، نحو الأفضل في كل المجالات؛ فلن يتأتى بذلك إلا بتنمية الموارد البشرية عن طريق تدبيرها بطريقة ناجحة وإن إخفاق كل سياسة اقتصادية أو إخفاق أية مؤسسة راجع بالأساس إلى سوء التدبير.
وعلى هذا الأساس، فإن تدبير الموارد البشرية هي كل تخطيط، وتنظيم، ومراقبة واستقطاب وتنمية، ومكافئة وتكامل وصيانة الموارد البشرية، بغرض تحقيق أهداف المنظمة[5]، كما أن الموارد البشرية هي ” مجموعة التقنيات لتنظيم العمل والعلاقات داخل العمل وسط منظمة معينة، ويرسي التدبير إلى تحريك داخل هذه المنظمة أحسن شروط فعالية المصلحة، وأحسن شروط رضي الأعوان داخل عملهم”[6].
وبناءً على ذلك، فإن الحاجة إلى الموارد البشرية في بناء اقتصاد متنوع لا يعتمد على مكون واحد بات من الألويات القصوى لدول الخليج العربي، وبالتالي، فإنه من الضروري العمل على تحديثها عبر مختلف الوسائل والآليات الحديثة كالتخطيط الاستراتيجي والتوقعي، وإدخال العامل الإلكتروني في إدارتها، وتكثيف الجهود البحثية لتنمية هذا المجال، من كافة الطلبة والباحثين من أجل تطوير ميدان الموارد البشرية ، وتتبع ما أنتجته الدول المتقدمة في هذا الميدان وملائمتها مع خصوصية هذه البلدان.
أهمية الموضوع:
تأتي أهمية هذا الموضوع من خلال أنه بات من الضروري والحتمي على دول الخليج العربي الاهتمام بمواردها البشرية وتعزيز قدراتها بنهج أساليب حديثة في تكوين وتدريب وتنمية هذا الرأسمال البشري، لأنه هو المحدد الرئيسي في عملية تنويع البدائل الاقتصادية الأخذة في النضوب.
مشكلة البحث:
كيف يمكن الاعتماد على الموارد البشرية من أجل تنويع الاقتصاد في الخليج العربي؟
ولمعالجة هذا الموضوع نقترح التقسيم التالي:
المحور الأول: مفهوم الموارد البشرية ومفهوم التنويع الاقتصادي
المحور الثاني: دور الموارد البشرية في التنمية الاقتصادية في الخليج
المحور الأول: مفهوم الموارد البشرية ومفهوم بالتنويع الاقتصادي
إن دور الإنسان كعامل أساسي في عملية الإنتاج قد تغير مند فترة الاقتصاد الكلاسيكي، وتمظهرت هذه عوامل التحول الواضحة في تغير الذي طرأ على المسميات وأيضا على الدور الوظيفي للإنسان، وهو ما تمثل في التحول من العمل إلى المورد البشري، ومن التنظيم إلى التدبير، ومن الربح إلى الصحة.
وقد جلبت الفرص العالمية المنافسة العالمية، حيث أصبحت التكلفة والجودة هي معايير البقاء.
الفقرة الأولى: تعريف الموارد البشرية
عند تعريف الموارد البشرية، نجد من الأهمية بمكان أن نعرف ونوضح معنى مصطلح المورد البشري HUMAN RESOURCE، ذلك لأن هذا المورد يمثل محور عمل واهتمام هذه الإدارة.
وفي هذا الصدد يعرف ميغنسون[7] Megginson المورد البشري بوصفه “مجموع المعرفة، والكفاءات، والقدرات الإبداعية والمواهب، وكفاءة القوى العاملة في المنظمات، بالإضافة إلى مجموع القدرات الكامنة والمعرفة المكتسبة والمهارات التي تمثلها المواهب وكفاءة الأشخاص العاملين”.
وحسب ويندل فرينش[8] Wendell French، فإدارة الموارد البشرية هي التحكم المنهجي في شبكة من العمليات المترابطة التي تؤثر على جميع أعضاء المنظمة وتشركهم”.
كما يمكن أيضا القول أن الموارد البشرية هي مجموع الناس الذين يعملون في المنظمة رؤساء ومرؤوسين، والذين جرى توظيفهم فيها، لأداء كافة وظائفها وأعمالها تحت مظلة هي: ثقافتها التنظيمية التي توضح وتضبط وتوحد أنماطهم السلوكية، ومجموعة من الخطط والأنظمة والسياسات والجرات، التي تنظم أداء مهامهم وتنفيذهم لوظائف المنظمة، في سبيل تحقيق رسالتها وأهداف استراتيجيتها المستقبلية . ولقاء ذلك تتقاضى الموارد البشرية من المنظمة تعويضات متنوعة تتمثل في رواتب وأجور ومزايا وظيفية، في عملية تبادل للمنفعة تتم بينهم، فالموارد البشرية تقدم للمنظمة مساهمات على شكل مؤهلات علمية، خبرات، مهارات، جهد .. الخ، من أجل تحقيق أهدافها، وفي مقابل ذلك تحصل على تعويضات مالية ومعنوية على شكل رعاية وخدمات متنوعة. والموارد البشرية هي أهم عناصر العمل والإنتاج، فعلى الرغم من أن جميع الموارد المادية (رأس المال، الموجودات، التجهيزات ) ذات أهمية، إلا أن الموارد البشرية تعتبر أهمها، ذلك لأنها هي التي تقوم بعملية الابتكار والإبداع، وهي التي تصمم المنتج وتشرف على تصنيعه ورقابة جودته، وهي التي تسوقه، وتستثمر راس المال، وهي المسؤولة عن وضع الأهداف والاستراتيجيات. فبدون موارد بشرية جيدة وفعالة لا يمكن أداء هذه الأمور بكفاءة، ولن تتمكن أية منظمة من تحقيق أهدافها ورسالتها.
وهنا تأتي أهمية تدبير الموارد البشرية باعتبارها مجموعة من التقنيات التي تهتم بتنظيم العمل، والعلاقات داخل العمل وسط منظمة معينة، يروم إلى ضمان وتوفير فعالية المنظمة ورضى الأعوان داخل عملهم، باعتبارهم مدعوين إلى المساهمة بنشاط في تحديد وتحقيق الأهداف المحددة[9].
وبالتالي، تمثل الموارد البشرية المجموع الكلي للمعارف والمهارات والقدرات الإبداعية للأشخاص الذين تستخدمهم الإدارة لتحقيق أهدافها.
الفقرة الثانية: مفهوم التنويع الاقتصادي
إذ يعرف التنويع الاقتصادي (Economic Diversity) على أنه عملية إحداث تغيرات هيكلية في البنية الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الإنتاجية التي ترافق النمو الكمي بهدف تحقيق الرفاهية أو تنويع مصادر الدخل عن طريق تبني أسلوب متوازن للتنمية الاقتصادية قائم على التكامل المدروس بين القطاعات والنشاطات المختلفة.
ويعرف الاقتصادي اتاران (Attaran) التنويع الاقتصادي على أنه “توفر عدد كبير ومتنوع من الصناعات في دولة معينة” ، وفيما يخص البلدان المنتجة للنفط كحالة دولة الإمارات العربية المتحدة فان التنويع الاقتصادي يعني تقليل الاعتماد الكبير على قطاع النفط كمصدر رئيس لإيرادات الميزانية العامة من خلال تنمية قطاع غير نفطي واستحداث صادرات غير نفطية ومصادر إيرادات غير نفطية، فضلا عن أنه يعني ضمنا تقليص دور القطاع العام وتطوير دور القطاع الخاص، أو هو ” تهيئة اقتصاد حديث تتوافر له أسباب البقاء خارج نطاق النفط، ويحافظ على مستوى دخل عال نسبيا بعد نهاية عصر النفط”.
ويعرف الاقتصاديان ماليزيا وكي (Malizia and Ke) التنويع على أنه ” ليس غياب التخصص ولكنه ينعكس بوجود تخصصات مختلفة وصناعات معقدة وروابط قوية داخل الصناعة”، وفي هذا التعريف يوضح الاقتصاديان أن التنويع يتطلب وجود تخصصات متعددة داخل الاقتصاد بمعنى تنوع الأنشطة والقطاعات والصناعات ووجود روابط قوية بين الصناعات نفسها أي روابط جذب أمامية وخلفية.
ويرى الاقتصادي واجنر (John E. Wagner) أنه كلما ارتفعت درجة التنويع الاقتصادي في اقتصاد بلد ما كلما أصبح الاقتصاد أقل حساسية للتقلبات التي تسببها العوامل الخارجية.
من خلال ما تقدم يتضح أن التنويع الاقتصادي في البلدان المنتجة للنفط يهدف بشكل أساس لتنويع القاعدة الإنتاجية من أجل ضمان استقرار إيرادات الدولة وعدم تعرضها للهزات والأزمات الناتجة عن الاعتماد على سلعة وحيدة (كالنفط مثلا) كمصدر رئيس لتلك الإيرادات، بمعنى أن التنويع الاقتصادي يحد من أثر الصدمات على الاقتصاد, ويوفر الاستقرار الاقتصادي الذي يعد هدفا أساسيا لأية دولة، ولتحقيق ذلك يجب رفع مساهمة بقية القطاعات (غير النفطية) في الناتج المحلي الإجمالي مقابل انخفاض مساهمة القطاع الرئيس (النفطي) لكن دون تخفيض الإنتاج النفطي أو الصادرات النفطية.
ويتطلب التنويع الاقتصادي الناجح والنمو الاقتصادي المستدام بناءَ قطاعات مستقلّة فعلاً عن النفط والغاز. فعلى مرّ الزمن، مع انخفاض عائدات النفط والغاز، بإمكان هذه القطاعات المستقلّة التوسّع مع ابتعاد النشاط الاقتصادي عن القطاعات المدعومة بالهيدروكربون. وترتكز القدرة على إنشاء قطاعات مستقلّة على ثلاثة أسس: أولها، اعتماد إطار عمل مالي يخصِّص عائدات النفط والغاز للريوع القصيرة الأمد أو للاستثمارات الطويلة الأمد مع الحد الأدنى من التشوهات الاقتصادية؛ وثانيا، تمكين قطاع خاص موجّه نحو التصدير لا يعتمد على النفط والغاز لكي ينمو ويزدهر؛ وثالثا، بناء يد عاملة قادرة ومحفَّزة خارج القطاع العام تتضمّن روّاد الأعمال[10].
المحور الثاني: دور الموارد البشرية في التنمية الاقتصادية في الخليج
يذهب العديد من الباحثون في شؤون الشرق الأوسط والخليج العربي، إلى أن هذه المنطقة ليست كغيرها، ليس فقط بسبب احتياطات الطاقة الموجودة فوق أراضيها، بل كذلك من خلال موقعها الجغرافي المتحكم في الطرق البحرية الدولية[11]، إذ أنه، في الوقت الحاضر، منطقة الشرق الأوسط تقع في مركز الانتباه الدولي (centre of international attention) تؤثر في أسعار النفط نزولا وهبوطا، تعرف نزاعات مستمرة، اقتصاد قوي، سياسات متذبذبة، قضايا اقتصادية واجتماعية متباينة، كل ذلك يؤدي إلى عدم استقرار الوضع في كثير من المناطق فيها.
لكن الصدمة التي خلقها تراجع مبيعات النفط في 1980 دفع الكثير من دول المنطقة إلى التفكير في كيفية تخفيض اعتمادها المفرط على النفط وعلى الطاقة غير المتجددة وذلك من خلال التركيز على الموارد البشرية وتنويعها ضمن قطاعات أخرى[12].
وفي هذا الصدد، يؤكد العديد من المهتمين بالشأن السياسي العربي، إلى أن إشكالية نضوب النفط وصعوبة الوصول إلى البدائل المناسبة القابلة للاستغلال الأمثل ، والتي يمكن لها أن تحل بديلا من النفط بكلف اقتصادية وبيئية واجتماعية مقبولة ، ناهيك عن مشكلة إنتاج النفط والطلب الاستهلاكي العالمي عليه، لأن هذه المشكلة لا تكمن فقط في نضوب النفط بل هي تشمل كذلك، خطورة تحقيق التوازن بين الإنتاج والطلب المتنامي عليه في ظل عجز الدول المنتجة تحقيق ذلك التوازن. وغم أهمية بعض البدائل المختلفة للنفط ، التي باشرتها هذه الدول باعتبارها بدائل مجدية من الناحية الفنية إلا أنها ليست نافعة من الناحية الاقتصادية، فهذه الدول المنتجة للنفط والمسيطرة عليه يصعب عليها أن تقبل بتلك البدائل مادام لم تظهر لها فائدتها الاقتصادية أيضا[13].
ولاشك أن بناء المشاريع المهمة لترشيد الطاقة وضرورة وجود حلول اجتماعية تقوم على التوعية وتغيير النمط الاستهلاكي ( ترشيد الاستهلاك ). فالحلول السياسية مطلوبة لكن ليست غاية في ذاتها ما لم يتغير الوعي بضرورة الانتقال إلى اقتصاد متنوع الذي ستكون نتيجته تحقيق دول عوائد إضافية من مصادر أخرى غير النفط وتنويع مصادر دخلها، وتعد هذه بحد ذاتها منفعة اقتصادية كبيرة تجعل من مصادر دخل دول الفائض غير مرتبطة بعامل واحد، بل إلى توزيع البيض على أكثر من سلة، كما يقول المثل[14].
إن تنويع الاقتصاد والبحث عن بدائل لعوائد النفط أصبح ضرورة ملحة من عدة نواح، أولها عدم استقرار سوق النفط؛ وتحكم الدول الكبرى فيه؛ ظهور بدائل الطاقة المتجددة تقلل فرص الاعتماد على النفط ومشتقاته؛ عدم قدرة سوق النفط استيعاب جميع اليد العاملة. وبالتالي، فإن البدائل ستسهم في خلق فرص عمل جديدة، وفي تحقيق النمو الكلي والتنمية المستدامة خاصة إذا ما أحسن التخطيط لتلك الفرص وعرضها، وإذا كانت تعتمد فعلا على القدرات التنافسية، وعلى رأسها الاهتمام بالموارد البشرية.
إن المدخل الأساسي لتغيير نمط العيش في دول الخليج العربي، والتقليل من الاعتماد على مداخيل النفط والغاز، والتحول إلى اقتصاد بديل يرتكز على تنويع مصادره، لا يتأتى دون الاهتمام بالكفاءات البشرية، والعمل على بناء رأس مال بشري قوي يواجه تحديات العصر المتزايدة والمتسارعة التي باتت تعتمد أكثر فأكثر على العقل البشري وما ينتجه من أفكار، وما يتيحه من بدائل وحلول، أما الاعتماد على ما تنتجه الطبيعة فيبقى تحصيل حاصل، لا يقدم كثيرا في موازين القوى، بل أكثر من ذلك، يؤثر في كثير من الأحيان على نمو الدول ويجعلها دولا ريعية، تنتظر العوائد المالية دون بدل جهد يذكر، وهو ما يؤخر عملية النمو، لأن هذا الأخير يعتمد كثيرا ما ينتجه العقل البشري من أفكار يحولها لمشاريع كبرى تفتح أفاقا غير مسبوقة للدولة والمجتمع.
وغني عن البيان، في هذا المقام، ما قامت به دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وسنغافورة…من ثورة علمية تقدمت به خطوات إلى الأمام وصارت من الدول التي لها مكانتها في مصاف الدول المتقدمة، رغم أنها لا تمتلك ما تمتلكه دول الخليج العربي والشرق الأوسط، من مصادر طبيعية (نفط، غاز) بل إنها شمرت على سواعدها واستثمرت في الكفاءات البشرية، وعرفت كيف تستغل المورد البشري في سبيل تحقيق نمو غير مسبوق، وحققت بذلك مسيرة تنموية مشهودة، لا تجد بقعة من العالم إلا ومنتجات هذه الدول فيها.
لقد تنبهت العديد من دول الخليج العربي إلى مخاطر الاعتماد فقط على عوائد النفط دوت التحول إلى مصادر بديلة، يكون رابط هذا التحول هو الاعتماد الكلي على مواردها البشرية. فمنذ التسعينيات عندما كان الطلب العالمي لا يزال قوي على الطاقة الإنتاجية العالمية، وكان لا بد من إيقاف الاعتماد بشكل كامل على هذه الطاقة نظرا لتزايد سلبياتها على البيئة والإنسان، حيث بدأ المجتمع المدني العالمي بالضغط على الدول الصناعية من أجل احتواء الانبعاثات واستخدام بدائل أخرى أقل خطر على البيئة، وهو الأمر الذي أَضر بمنظمة الأوبك وبالدول المنتجة وعلى رأسها دول الخليج العربي[15]، كما أن الدول العظمى بعد أزمة النفط في 1970 تنبهت لضرورة عدم الاعتماد الكلي على النفط الخليجي وعدم السماح لمجموعة صغيرة للتحكم في أسواق العالم للطاقة[16].
واليوم لم يعد هذا هو الحال بالنسبة إلى تقدير حقيقي للخطر والعواقب المحتملة الكارثية خصوصا فيما يخص التغير المناخي، إلى جانب الرغبة في عدم زيادة إنتاج النفط والاستثمار في طاقة إضافية، وهو ما فتح الباب أمام تغيير كبير في سياسة العديد من الدول المنتجة وفي خطابها الرسمي[17].
وهكذا بدأت الدول المصدرة الأولى في العالم للبترول بالحديث عن مصادر بديلة للطاقة في الآونة الأخيرة، حيث تحدث وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، علي النعيمي، مرارًا وتكرارًا عن مصادر الطاقة البديلة، وعن مراكز أبحاث في المملكة العربية السعودية كمركز أبحاث الطاقة الشمسية في المستقبل والمصدر المحتمل للكهرباء. وقد أظهرت السعودية حماسا لإمكانات بحث كفاءة الطاقة، وأنواع الوقود الجديدة، وتقنيات التقاط الكربون. وبدأت تحتل الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة البديلة مكانة بارزة في جدول أعمال الأبحاث لمؤسسات سعودية مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهو ما يظهر تنبها يقظا لضرورة التقليل من الاعتماد على النفط ومشتقاته.
وذات الأمر بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، حيث في عام 2006 ، أطلقت أبو ظبي مبادرة مصدر « the Masdar initiative »، والتي تم تقديمها ك “قرار جريء وتاريخي لاحتضان تقنيات الطاقة المتجددة والمستدامة “[18]، أطلقت مصدر مشروع مدينة مصدر Masdar city project، الذي يهدف إلى إنشاء مجتمع خالٍ من انبعاثات الكربون[19].
كما بدأت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بمباشرة بعض المشاريع الصغرى للطاقة المتجددة في السنوات الأخيرة، لتطوير مصادر الطاقة المتجددة الرئيسية، خصوصا الاعتماد على الطاقة الشمسية.
والمهم أن هناك مبادرات جارية لإدخال البطاقات الخضراء وتشجيع المستهلكين على شراء منتجات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. حيث أدخلت المملكة العربية السعودية ملصقات للتمييز بين المعدات الأكثر كفاءة، ومن الممكن أن يستجيب المستهلكون الأكثر ثراءً والواعيين للبيئة لهذه المعلومات. ومع ذلك ، فإن الغالبية العظمى من السكان السعوديين ليسوا في وضع يمكنهم من الانخراط في مثل هذا الفخامة وسيذهبون ببساطة إلى أرخص المنتجات التي تؤدي المهمة[20]. وهو ما يظهر ضرورة وجود حلقة وصل تتمثل في تغيير عقلية الاستهلاك ولا يتم ذلك دون الاعتماد على الموارد البشرية كبديل قادر على الاضطلاع بعملية التحول هذه.
وبعد الحراك العربي الذي ضرب المنطقة العربية أواخر سنة 2010 زاد تفكير دول الخليج في تنمية مواردها البشرية والتقليل من الاعتماد على النفط والغاز، حيث بدأت هذه الدول خصوصا الدول الغنية، بالقيام بمجهودات قيمة لتخفيض تبعيتها للنفط بشكل مفرط والتحول لقطاعات أخرى، وهو ما يحتاج لكفاءات بشرية في المستوى خصوصا الموارد البشرية المحلية والتقليل من الاعتماد على العمالة البشرية الآتية من الخارج علما أن هذه الأخيرة تمثل غالبية مواردها البشرية، وهو ما يحتاج استراتيجية بعيدة المدى لتفعيل هذا التوجه[21].
قطر هي الأخرى، بدأت، ولو متأخرة نسبيا، بتطوير مواردها البشرية، في منتصف القرن العشرين، وبالرغم من ذلك فقد استثمرت بقوة في هذا المجال، وجزء من النفقات الحكومية تذهب إلى الموارد البشرية، كما أن برامج هذه الموارد تدار من قبل القطاع الحكومي وتقوم على شبكات قوية من الخدمات الاجتماعية الحرة، تشتمل ضمان كامل الوظائف للمواطنين برواتب جد عالية مع فوائد اجتماعية للأطفال، والولوج المجاني للتعليم الأساسي، ومجانية الماء والكهرباء، ومجانية الخدمات الطبية، ودعم المواد الاستهلاكية الأساسية، والإعفاء من الرسوم والضرائب. ولهذا تعتبر قطر اليوم حسب أغلب المراجعين الدوليين international reviewers من ضمن الدول التي تتضمن موارد بشرية متطورة[22].
وفي ظل الجهود التي تقوم بها الدول الخليجية على مستوى تنمية مواردها البشرية، فقد حققت تقدما ملحوظا من خلال تبوؤها لمكانة مرموقة على صعيد العالم، حيث جاء تصنيف الدول الخليجية وفقا لدليل التنمية البشرية الذي يضم 175 دولة حول العالم، ضمن فئة التنمية البشرية العالية، وقد كان موقع دولة قطر مشرفا، إذ كان ترتيبها 47 عام 2004 تقدمت في عام 2005 إلى الترتيب الأربعين، ثم قفزت إلى الترتيب 35 عام 2007 محققة مكانة عالية ضمن الدول ذات التنمية البشرية[23]؛ ثم ما لبثث أن تصدرت قطر المركز الأول بتبوؤها المرتبة الأولى عربياً و33 عالمياً في تقرير التنمية البشرية لعام 2016 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي[24].
لقد كانت برامج تنمية الموارد البشرية، على مدى العقود الماضية، تعتمد أكثر على تقديم الكمية بدل الجودة. إذ كان التباين الأكثر بروزاً يظهر من خلال التركيز على كمية الأداء بدل الجودة (المؤسسات التعليمية مثلا)، والتي غالباً ما كانت السبب وراء تركيزها المحدود على تطوير المهارات التقنية والمعرفية الكافية لإنتاج موظفين محتملين في القطاع العام، مما أدى إلى عدم التوافق بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وبالتالي ضعف أداء المنظمات والإدارات وكثافة العمالة الزائدة في القطاع العام[25]، دون أن يكون لها تأثير في فعالية ذلك القطاع وعدم قدرته على منافسة القطاع الخاص، لشعور الموظف والعامل بالاستقرار الوظيفي والروتين العملي وعدم الرغبة في الابتكار؛ لذلك تلجأ العديد من الكفاءات البشرية إلى مغادرة القطاع العام صوب القطاع الخاص القادر على استيعاب العقول ومنحها المجال للابتكار وخلق المنافسة والجاذبية، وبالتالي انتشرت ظاهرة تسرب الموظفين بشكل لافت.
وختاما، فإن الموارد البشرية تلعب دورا أساسيا في تعزيز قدرات الدول اقتصاديا من خلال أنها توفر كفاءات ذات مهارة عالية في خلق بدائل اقتصادية وفتح إمكانات استثمارية ما كان للدول أن تفتح أمامها لولا رأسمال بشري قادر على النهوض بتلك الأعباء الجسيمة في مواجهة تحديات العصر، ولا شك أن الدول الخليجية تواجه تحديات كبيرة في إدارة اقتصادياتها من خلال أنها تعتمد على سلعة شبه وحيدة في الصادرات هي النفط أو الغاز نظرا لأن أسعار وإيرادات هاته الموارد تبقى خاضعة لمنطق السوق الدولي بما يعرفه من تقلبات حسب الظروف الاقتصادية وكذلك – وهذا الأهم- خضوعه للحسابات السياسية من طرف الدول الكبرى، ومن الصعب التنبؤ بها فضلاً عن ذلك أن هذه الدول يتعين عليها أن تخطط للمستقبل وتضع في اعتبارها أن النفط سلعة ناضبة وبالتالي تخطط لما بعد نضوب النفط، معتمدة في الأساس، على الاستثمار في مواردها البشرية وطاقاتها المحلية.
[1] محمود يحيى سالم، تنمية الموارد البشرية، المجموعة العربية للتدريب والنشر، 2009، ص8
[2] محمد رياض حمزة، دور الموارد البشرية في برامج التنويع الاقتصادي، https://www.omandaily.om/?p=528354
[3] عبد الكريم أحمد جميل، تدريب وتنمية الموارد البشرية، الجنادرية للنشر والتوزيع، ط1، 2016، ص8
[4] عبد الله العبدلي، ” تأهيل الموارد البشرية في الإدارة العمومية، دولة الإمارات نموذجا ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال، 2002-2003، ص، 22
[5] رافده الحريرى، اتجاهات حديثة في إدارة الموارد البشرية، البازوري، 2001، ص18
[6] برنوطي سعاد، إدارة الموارد البشرية، دار وائل، عمان، 2003، ص34
[7] Megginson L.C., Personnel and Human Resource Administration,Richard D. Irwin Inc., Home Wood, Illinois, 1977, p-4
[8] Wendell French., Human Resource Management, Hougton Miffin, Boston, 1990, p9
[9] توفيق خطاب، التدبير التوقعي للموارد البشرية في الوظيفة العمومية، بحث تأهيلي لنيل دبلومات الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية السويسي، 2007-2008، ص8
[10] https://www.brookings.edu/ar/research/
[11] عبد العظيم محمود حنفي، الشرق الأوسط: صراعات ومصالح، دار الكتب، 2014، ص3
[12] Pawan S. Budhwar، Kamel Mellahi, Managing Human Resources in the Middle-East, Routledge, london and new York, first published 2006, in the preface
[13] مستقبل الاقتصاد العربي بين النفط والاستثمار، مجموعة مؤلفين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 2008، ص8 وما بعدها
[14] نفسه.
[15] David Held، Kristian Ulrichsen, The Transformation of the Gulf: Politics, Economics and the Global Order, Routledge, first published 2012, p27
[16] E.G. Frankel, Oil and Security: A World beyond Petroleum, springer 2007, p1
[17] David Held، Kristian Ulrichsen, ibid
[18] “a bold and historic decision to embrace renewable and sustainable energy technologies”
[19] David Held، Kristian Ulrichsen, ibid
[20] David Held، Kristian Ulrichsen, ibid
[21] Pawan S. Budhwar، Kamel Mellahi, Handbook of Human Resource Management in the Middle East, Edward Elgar publishing, 2016, p4
[22]Ikhlas A, Abdalla, human resource managment in Qatar in, Managing Human Resources in the Middle-East, by Pawan S. Budhwar، Kamel Mellahi, ibid, p124
[23] عبد الرحمان بن حمد العطية، دور مجلس التعاون الخليجي في دعم مسيرة التنمية البشرية في منطقة الخليج، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1، 2009، ص29
[24] https://www.alaraby.co.uk/economy/2017/3/23
[25] Ibid, p124