المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك
سهام القشتول
باحثة في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بالسويسي.
تقديم:
يمكن معالجة دور المصلحة في مجال الوظيفة القضائية وفق نهجين، فمن جهة أولى دراسة المصلحة من وجهة نظر الطرفين، وبالتالي ينصب التركيز على الدعوى([1])، ومن جهة ثانية النظر إلى المصلحة من زاوية القاضي والتي تعنى بالإعلان عن نموذج لتوازن العدالة([2]).
فبخصوص الدعوى القضائية، عندما تبدأ هذه الأخيرة، تظهر المصلحة في شكل شرط لصحة الدعوى([3])، حيث يتمخض للوجود في ظل قانون الأعمال وجود دعاوى جماعية([4]).
وعندما نتحدث عن المصلحة الجماعية، فإننا لا نقصد تلك التي يكون أصحابها كثيرين، حيث تنشأ عن دعوى واحدة مصالح متضادة أو متعارضة « intérêt opposés »، حيث لا يجوز والحالة هاته أن ينوب أحدهم عن غيره ممن تتعارض معه مصالحه ،بسبب عدم الملاءمة أو التنافي”incompatibilité”.
وتجد الدعوى الجماعية أصلها في الأنظمة الرومانية القديمة، وهو ما كان يعبر عنه بالدعوى الشعبية “actiopopularis”، والتي تعارض الدعوى الفردية “الخاصة” والتي لا يمكن ممارستها إلا من قبل المتضرر، حيث أن المدعي الشعبي، لا يلزمه إثبات كونه أصيب شخصيا بالفعل الغير المشروع فصفة كونه مواطن تكفي([5]). كذلك إن القوانين الوضعية تعكس وجود مؤسسة الدعوى الجماعية، أو حماية المصالح الجماعية([6])، ونخص بالذكر التشريع المتعلق بتدابير لحماية المستهلك([7])، عن طريق جمعيات حماية المستهلك([8]).
وتظهر أهمية الموضوع في كونه يعكس الوعي المتزايد لمصلحة كل واحد للامتثال للقواعد التي تحمي القيم والمصالح المشتركة، حيث تمكن كل مواطن من حراسة المساواة، وبالتالي سد ثغرة ضعف الوسائل العامة المتاحة، كذلك تعتبر هذه الأخيرة ضمن خانة المصطلحات التي تشمل مفهومين متناقضين، حيث تعتبر بالنسبة للبعض تجسيدا للتشدد الخطير الذي يهدد باكتظاظ المحاكم ويهدد وظيفتها. أما بالنسبة للبعض الآخر فهي مطالبة مشروعة، وأن رفضها يعبر عن حماية قضائية رديئة الجودة.
وعليه فإن الاشكال الذي يمكن إثارته في هذا الصدد هو:
إلى أي حد يمكن الحديث عن مصلحة جماعية محمية من طرف دعوى جمعيات حماية المستهلك؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية سنحاول تسليط الضوء على كل من انبثاق المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك من جهة، ثم إلى دعوى المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك من جهة اخرى وذلك وفق التقسيم التالي:
المحور الأول: انبثاق المصلحة الجماعية لجمعيات المستهلك
المحور الثاني: دعوى المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك
المحور الأول:انبثاق المصلحة الجماعية للمجتمع المدني
ليست المصلحة العامة- نفضل المصلحة الجماعية- حكرا على الدولة تحت ضغط الفردانية والدولانية، وإذا كانت الدولة هي وحدها المؤهلة لتمثيل المصلحة العامة، بل والمحتكرة لمسك هذه التمثيلية، فهذا الحكم المسبق مؤسس على أخطاء منطقية والذي كذب ألف مرة بحكم الواقع. فهي قبل كل شيء المصلحة التي تتبعها الجماعة باعتبارها مجموعة من الأفراد موحدين برابطة اجتماعية وإذا اعتبرنا ذلك فإن المجتمع المدني يقوم هو الآخر على المصلحة العامة (الجماعية) يصبح إذن من الصعب اختزال المصلحة العامة عن ذلك المنظور التقليدي الذي يكرس حصرية الدولة لها، عند مقابلتها بمصالح أفراد المجتمع المدني ،فعلى ما يبدو فالمجتمع المدني أساسا وعبر مجموعة من المصالح الجماعية يساهم في جعل المصلحة العامة نتيجة توازن وثمرة تحكمية .فهذه المطالب الجماعية للمصلحة العامة تراجعت بثلاث طرق متكاملة، نشأة إيديولوجية السوق وبروز قانون اجتماعي، وتوسع منطقة وسطى –توافقية- بين الفرد والدولة([9]).
إيديولوجية السوق : ويقصد به ظهور قانون الأعمال([10])، مذهب جديد بدأ ينافس الدولة “حلت مصلحة السوق في ظل ذغمائية الدولة “، والذي أصبح من نفس طبيعة شكل الديمقراطية الغربية ينتشر بشكل متزايد، ويميل إلى امتصاص المفهوم التقليدي للمصلحة العامة، ويسهل التقريب بين هذه الأخيرة ومصالح الأفراد، أو التوفيق بين مصالح الأفراد والمصلحة العامة. تاريخيا فمن خلال الطابع الاقتصادي إن المجتمع المدني قد أكد لأول مرة في مواجهة الدولة وتحت أضواء الليبرالية حصرية هذا الميدان.([11])
إنها الديمقراطية الممتدة إلى كل مواضيع القانون تحت تأثير الفكر النفعي، والمدرك للرذائل التي تميز الطبيعة البشرية، فالأفراد نظموا بسرعة مجتمع السوق والسوق يفترض وجود تنظيم، وهو الهدف من قانون السوق المبني على قانون المستهلك وقانون المنافسة بصفة خاصة([12]). فنفوذ المنطق الاقتصادي يتطلب تحليلا يوصل إلى غاية، فليس المستساغ التفكير في مصلحة المقاولة أو مصلحة المستهلكين لأجل نشأة قانون اجتماعي حقيقي([13]).
نشأة القانون الاجتماعي:حاليا المجتمع المدني لا يدعي حصرية المصلحة العامة، مثل الليبرالية التي ارتأت إقامة حدود صارمة بين الدولة والمجال الاقتصادي، فبروز المجتمع المدني يؤكد بصفة دقيقة وجود المصلحة العامة، التي تنصهر في تعاون حقيقي بين المجتمع المدني والدولة. وكنتيجة لذلك فإنه لا ينبغي التدرع بحجة أن الدفاع عن التعبير الاجتماعي للمصلحة العامة يؤدي إلى السقوط في استبعاد الدولة، وجعل المصلحة العامة حكرا على المجتمع المدني والدليل على ذلك تجديد العلاقات بين المجتمع المدني والدولة من حيث زاوية المصلحة العامة كمجال اجتماعي لاندماج العام مع الخاص، يظهر ويأخذ صفات القانون الاجتماعي، هذا الأخير يمكن أن يتميز بثلاث سمات أساسية: فهو يعالج كميزة أولى جماعات كأنها أفراد معزولة، فبهذا المعنى فهو قانون أكثر واقعية، وهو يعني كذلك قانون عدم المساواة والذي يأخذ بالحسبان علاقات السلطة، وأخيرا فهو قانون علم الاجتماع خلافا للقانون المدني عموما الذي يعتبر أكثر فلسفة، بالإضافة إلى تقارب مصالح التعاون يبن المجتمع المدني والدولة الذي يفرضه القانون الاجتماعي فهو في الغالب يدل على مكانة ذات أهمية بالغة تربط الجماعة، وتشكل مجالا وسطا([14]).
ظهور مجال وسط: يرجع أصل المجتمع الليبرالي إلى قانون Chapelier ل 14 و17 يونيو 1791 الذي أصبح متجاوزا، فهذا القانون لم يعد ينظر للهيئات الوسيطة بريبة، هذه ألأخيرة أصبحت تعمل بالقانون الجماعي “الظاهرة الأكثر بروزا في عصرنا”، والذي ترجم بالاعتراف بظهور نظام جماعي، فهذه الجماعات تلعب دور تناوب بين الأفراد والدولة فبالنسبة ل E. Durkheim، “مفهوم الدولة لا يمكن المحافظة عليه إلا بين الدولة والأفراد، يقحم في سلسلة من المجموعات القانونية التي تقترب من الأفراد لجذبهم بقوة في مجال عملهم وكذلك جذبهم للحياة الاجتماعية“([15]).
ففي القدم كان يعتبر أقرب من الأفراد من أجل تلبية رغباتهم واحتياجاتهم وتحسين أوضاعهم، فالمصالح الجماعية لها ايجابيات، والتي تعتبر اليوم بمثابة متعاون مع الدولة ممثلين لانفجار المصلحة العامة. فهذه المصالح الجماعية هي تجمع مجموعات مثل الجمعيات أو النقابات كذلك أيضا تلك الخاصة بالمصالح الشخصية مثل الأسرة أو الشركة([16]).
فإيديولوجية الدولة تمتد إلى المجتمع المدني من أجل أن تصبح إيديولوجية مؤسساتية، ففي الماضي كانت تشكل وسيلة لاستبعاد الدولة بغية حماية الفرد،واليوم تشكل المصلحة العامة رمز التعاون بين المجتمع المدني والدولة فهذا المجال الوسط يأخذ أحيانا ملامح “نماذج متعددة الوظائف”، لتعزيز حيوية المجتمع المدني وأحيانا أخرى نموذج “نيو اشتراكية”، والتي ما زالت من مخصصات الدولة وليست لها الاستقلالية، وحاليا في فرنسا يبدو أن هذين المفهومين يتعايشان، وهذا النظام الجماعي يساهم بطريقته في مماثلة الانقسام الكلاسيكي بين القانون العام والقانون الخاص وتقريب المصلحة العامة من المصالح الجماعية([17])
المحور الثاني: المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك([18]).
إنموضوع حماية المستهلك يكشف الأهمية العلمية والعملية لهذا الفاعل والتي تمس شريحة واسعة من المجتمع، رأى المشرع أنها أطراف ضعيفة([19])، واتفق الكل على ضرورة حماية مصالحها، غير أن هذه الحماية ظهرت اليوم بحلة جديدة، حيث أنها لم تعد تكرس في إطار فردي بل تعدت ذلك إلى وجود تكتلات لجمعيات حماية المستهلك([20])، تمثل مصالح المستهلك وتدافع عنها طبقا لأحكام القانون.
وتعتبر دول أوربا القارية Continentale تجربة ليس لها نظير فهي طريق قانوني يرمي في أفق تعزيز المصلحة الأهم للمجتمع ومثال فرنسا يبقى هاما، حيث تسمح للأشخاص المعنوية، كحالة النقابة أو الجمعية للترافع لحماية المصالح الجماعية لأفرادها، ليس فقط أمام القضاء الإداري أو المدني، ولكن أيضا أمام القضاء الزجري وذلك من خلال إمكانية تنصيبها طرفا مدنيا.
غير أنه لم يسمح لجميع الجمعيات بالترافع أمام القضاء، لأن هذه الأخيرة ستستغل هذه الإمكانية لتحقيق أغراضها الشخصية، تبعا لذلك تم حصر حق الترافع للجمعيات ذات التمثيلية حسب ما نص عليه مرسوم 1988. وبذلك ولقبول دعوى الجمعية يجب تحقق مجموعة من الشروط، حيث يلزم أن يكون محل نشاط الجمعية هو حماية المستهلك، علاوة على أنها تمنع من ممارسة أي نشاط مهني، وأخيرا أن تتوفر على شرط المنفعة العامة، وان كان من الصعب تحديد هذا الشرط الأخير، مع العلم أن مرسوم1988 وضع ثلاث معايير لتحديد هذه التمثيلية:
– مدة وجود الجمعية “سنة على الأقل”.
-أن يكون نشاطها الفعلي عاما ويهدف لحماية مصلحة المستهلك.
– تحديد عدد الأعضاء المشتركين على المستوى الوطني في “10000 على الأقل”.
وفي جميع الأحوال فان هذه الرخصة تمنح لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.([21])
كذلك ان قانون المسطرة الجنائية الفرنسي سمح للطرف المتضرر من جراء جرم أن يرفع دعوى التعويض سواء أمام القاضي المدني المختص أو القاضي الجنائي، وذلك باعتباره طرفا مدنيا، ان مثل هذه الميزة الثانية أي الطريق المسطري الذي يرمي إلى إثارة الدعوى العمومية تلقائيا يلزم قاضي التحقيق بالنظر في القضية وينطبق ذلك على كل من الدعوى العمومية أو المدنية. والتي تخدم مزية تضمن للضحية تفادي إهمال أو حتى سوء نية النيابة العامة، هذا مع العلم أن النيابة العامة لا يمكن تنحيتها للقيام بهذا الإجراء ليظل بذلك الضحية أو المنظمة باعتبارها طرفا مدنيا مجرد طرف إضافي للمحاكمة الجنائية (المادة الأولى Iو II- 421-L) من قانون الاستهلاك .
والمشرعالمغربيبدورهيسيرعلىنفسنهجالتشريعالفرنسيمنخلالسنهلمجموعةمنالشروطتلزمالجمعيةللترافعوذلكمعاختلافبسيطحيثأنالمشرعفيإطارم 7 منقمجنص علىمدة 4 سنواتمنالتأسيسالقانونيبالإضافةإلىشرطالمنفعةالعامةهذامعالإشارةإلىأنالمشرعفيقانونرقم 08-31 خاصةم 157 منهسكتعنمدةالأقدميةالواردةفيم7 منق.م.ج.
وإذا كانت الإمكانية التشريعية لممارسة الدعوى الجماعية([22])مرتبط بتحقيق مجموعة من الشروط، حيث أن النص التشريعي يلزم على الجمعية تشكيلة وأقدمية معينة فالقضاء أيضا يراقب بالمقابل كون الضرر الحاصل يدخل في خانة نشاط الجمعية المنصوص عليه في نظامها الأساسي، هذا وقد يحصل في بعض الأحيان تقييد دعوى الجمعية بإثارة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المتضرر أو بموافقة كتابية للطرف المعني لتعكس بذلك هذه الإجراءات ما يمكن تسميته “شرطة دعوى الجمعية” والتي من شأنها أن تكبح الحماس المفرط في الرغبة في الانتقام الذي يكون لأعضاء النيابة العامة([23]).
ويبقى للجمعية ممارسة جميع الحقوق المخولة للطرف المدني، هذا المبدأ يجد سنه في م 1 من مرسوم1988 التي ورد فيها ان الجمعيات المرخص لها يمكنها ممارسة جميع الحقوق المعترف بها للطرف المدني والمرتبطة بالضرر المباشر أو الغير المباشر الذي أصاب المصلحة الجماعية للمستهلكين، فحسب هذه م يجب توفر شرطين لقبول دعوى الجمعية، الأول يتمثل في ارتكاب مخالفة جنائية مثل الغش والتزوير والإشهار الكاذب..، وثانيا أن تلحق المخالفة ضررا مباشرا أو غير مباشرللمصلحة الجماعية للمستهلكين([24]).
وإذا كانت المصلحة الجماعية هي تلك المشتركة بين مجموعة من المستهلكين والتي لحقها فعل ذي أثار منتشرة ، كذلك أن المصلحة الجماعية تقع بين المصلحة الفردية لكل مستهلك والمصلحة الجماعية لجموع المواطنين، إذن فالدعوى الجماعية تجد مكانها بين الدعوى الفردية للضحية والدعوى الممارسة من قبل النيابة العامة، ورغم تنوع هذه الدعاوى فان كل واحدة لا تلغي وجود الأخرى ،لأن نفس الفعل يمكن أن يمس في ذات الآن المصالح المتواجدة على المحك.
ترتيبا لذلك متى تحققت هذه الشروط يمكن للجمعية الترافع سواء في المادة الجناية أو المدنية ، وسواء بموجب طلب أصلي أو عارض ، على أن طلب الجمعية يمكن أن يكون موضوعا لثلاث محاور، فبالنسبة للأول يمكن للجمعية الترافع للحصول على التعويض عن الضرر والموجه لإصلاح الأضرار التي أصابت المصلحة الجماعية للمستهلكين ، فالتعويض عن الضرر لم يخصص للمستهلكين المصابين شخصيا ،ولكن للجمعية التي تجسد المصلحة الجماعية ،عمليا يبقي من الصعب تقييم هذا الضرر لأنه لايشكل مجموع الأضرار الفردية،فالجمعية تسعى الى إصلاح الأضرار التي تعرضت لها مجموعة مجردة من المستهلكين،و ليست تلك المعينة بشكل فردي .([25])
كذلك يمكن أن تترافع الجمعية لطلب بطلان الأفعال غير المشروعة فادا كانت دعوى التعويض تهدف إلىإصلاح الأضرار الماضية ، فان دعوى البطلان تهدف إلى منع الأضرار المستقبلية ، و هو ما يبرر أهمية حماية المصلحة الجماعية للمستهلكين،كذلك إن الجمعية تعمل على حماية المصلحة الجماعية عن طريق نشر ملخص الحكم الصادر ، وان كان المشرع قد ترك حرية كبيرة للمحكمة لقبول هذا الطلب من عدمه الذي يهدف إلىإعلام جميع المستهلكين الذين تم المس بمصلحتهم الجماعية. وأخيرا ان النص التشريعي أتى بمكسب جديد لحذف الشروط التعسفية([26]) حيث يمكن للجمعية الترافع في هذا الصدد لحماية المصلحة الجماعية([27]).
وتجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض الفرنسية عملت جاهدة على تقييد مختلف الإمكانيات التشريعية لفائدة الجمعية وذلك برسمها خطا فاصلا بين الدفاع عن المصلحة العامة والتي تختص في حمايتها النيابة العامة والحماية بواسطة المنظمات لمصالح المجموعات وأفرادها فحسب اجتهاد محكمة النقض: “الدعوى المدنية مفتوحة فقط للنقابات والجمعيات بشرط أن يكون الضرر المزعوم منفصلا عن الاضطرابات المتعلقة بالمصلحة العامة أو النظام العام”([28]). ونظن أنه عمليا من الصعب إقامة هذا التميز فكيف يمكن تمييز مصالح أعضاء الجمعية عن باقي مصالح الجمهور؟.
خاتمة:
نود تسجيل أن المصلحة الجماعية لا تختلط بمزايا المصلحة العامة التي ترجع حمايتها إلى النيابة العامة ففي الماضي كانت الوظيفة التي يسهر عليها التشريع الاجتماعي والتي تلعبها الجمعيات لا تستبعد تداخل أو ازدواجية الاثنين كذلك ليس من النادر أن تترافع جمعيات المستهلك أمام المحكمة الزجرية وذلك لحماية حقوق المستهلكين وهذا يؤكد على دور الجمعية المتمثل في استعادة الشرعية لقاعدة تم خرقها وذلك وفق الأعمال غير القانونية والمستقلة عن المطالبات الفردية لإصلاح الضرر([29]).
كذلك إن هذا النوع من الدعاوي، والذي تمارسه جمعيات تنتصب فيه للدفاع، يكتسي طبيعة هجينة خاصة إذا علمنا أنها تتعهد بمصالح غير خاصة ودون تحديد للمصلحة العامة مما يفسر مشكلة صحة هذه الدعوى ولمعالجة هذه الإشكالية فإننا نؤيد فكرة الاعتراف بهذا الحق لصالح الجمعيات والنقابات على السواء باعتبارها مصلحة مشروعة تخول من خلالها لهذه العناصر متابعة الغرض الاجتماعي الذي يسعون إليه.
([1])هناك مجموعة من المعاجم الفرنسية تعرف المصلحة في الدعوى « pour agir » باعتبارها شرطا أساسيا لممارسة الدعوى:
-Maitre Alain NizouLesaffre: “dictionnaire des termes juridiques” édition de VECCHI, Paris 2000 p: 92
– M.Fontaine, R.GAVALERIE, J.A. HASSENFORDER, M.P Schneider « dictionnaire de droit » édition Foucher Vanves, 2004, p :263
– Gérard cornu : « Vocabulaire juridique » Quadrige, 8 éme édition 2007, p : 506
– Sébastien Bissardon : « guide de langage Juridique vocabulaire-piège et difficultés » Lexis nexis, paris 2005, p : 276
– كذلك بخصوص المعاجم العربية أنظر:
أحمد زكي بدوي: “معجم المصطلحات القانونية” الطبعة الأولى، دار الكتاب المصري، ودار الكتاب اللبناني، ص: 133
([2])للمزيد من التوسع حول هذا الموضوع أنظر:
Actes du colloque « les conflits d’intérêts » organisé le 20 novembre 2012 par l’association HERNI CAPITANT des amis de la culture juridique Française université panthéon « Assas paris II » et l’équipe de droit privé de l’université jean Moulin Lyon 3, dans le cadre des 25 entretiens Jacques cartier, édition DALLOZ 2013 .
([3])الفصل 1 من ق.م.م الذي ينص على : “لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه…”
([4])إن جل الدراسات تستعمل مصطلح دعوى جماعية بصيغة المفرد على الرغم من أن نطاقها واسع وشاسع، وبالتالي فاستخدام صيغة المفرد لها أمر مظلل “خادع” فالدعوى الجماعية مصطلح عام ينطبق على سلسلة من الإجراءات التي نتخذها اليوم في المقام الأول للحفاظ على النظام العام والأمن، ولعل إنشاء هذه التدابير المختلفة على مر الزمن -وحسب الحاجة إليها-، كان لتخصيص ميزة للترافع لأي مواطن بغض النظر عن كل مصلحة شخصية مباشرة.
([5]) FRANCOIS VOEFFRAY : « l’actiopopularis ou la défense de l’intérêt collectif devant les juridictions internationales » 1er Edition PUF PARIS 2004 PP :23/31 .
([6])نود الإشارة إلى أن حماية المصلحة الجماعية لا تنحصر فقط في الدعوى المباشرة من قبل جمعيات حماية المستهلك، ففي فرنسا مثلا يتم حماية هذه المصالح بثلاث طرق متكاملة، إما عن طريق المستهلك نفسه أو عن طريق الدعوى القضائية –محل الدراسة- وأخيرا عن طريق الإدارة، فعقب قانون 1905/08/01 المتعلق بالغش والتزوير ظهرت الحاجة إلى إحداث مؤسسة متخصصة، تشغل مهمة مراقبة احترام القانون السالف ذكره: أي خدمة تمكن من ضبط الغش، وبعد ذلك صدر مرسوم 30 يونيو 1945 الذي سمح للدولة بالتدخل في الأسعار والحفاظ على المنافسة، مما أدى إلى إحداث إدارة أخرى أصبحت بعد عدة تحولات المديرية العامة للمنافسة والمستهلك، وسنة 1985 اتحدت الإدارتين معا لتشكل المديرية العامة للمنافسة وشؤون المستهلك ومكافحة الغش، ما يعرف باختصار DGCCRF الخاضعة لوزارة الاقتصاد والمالية، وفي سنة 2009 صدرا مرسومين عملا على إعادة تنظيم الخدمات الإقليمية لهذه الإدارة.
*Jean Calais AulayHerni Temple :”droit de la consommation » 8 éme édition DALLOZ, Paris, 2010p : 671 et suiv.
([7])ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5932 الصادر بتاريخ 3 جمادى 1432 (17 أبريل 2011) ص: 1072.وخاصة المواد 152 إلى 165 منه.
([8])هذا مع العلم أنه في إطار القانون المغربي يجد هذا المقتضى أساسه قبل صدور قانون تدابير لحماية المستهلك:
- ظهير شريف رقم 1.58.376 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2404 مكرر بتاريخ 27 نونبر 1958 ص: 2849، كما وقع تغييره وتتميمه بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.283 المؤرخ في 10 أبريل 1973 والمعدل والمتمم بمقتضى قانونين جديدين رقم 75.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.206 بتاريخ 5 يوليوز 2002 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5046 في 10 أكتوبر 2002 ص: 2892. والقانون رقم 36.04 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.06.18 بتاريخ 14 فبراير 2006 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5397 في 20 فبراير 2006 ص: 496.
- حيث ينص الفصل 6 من القانون المتعلق بتأسيس الجمعيات المعدل والمتمم بالقانون رقم 75.00 على ما يلي:”كل جمعية مصرح بتأسيسها بصفة قانونية يحق لها أن تترافع أمام المحاكم، وأن تعتني بعوض، وأن تمتلك وتتصرف فيما يلي…”=
- كذلك الفصل 7 من الظهير الشريف رقم 02.255 صادر في 25 من رجب 1423 (03 اكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية و المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 30 يناير 2003 ،315.
)[9](- Mustapha Mekki, : « l’intérêt général et le contrat »Edition L.G.D.J et D.E.L.T.A 2004 p 24 .
([10])-للمزيد من التوسع حول موضوع فانون الاعمال انظر:
LOUIS VOGEL : « Traité de droit des affaires :du droit commercial au droit économique » 19 édition L G D J 2010
)[11](- Mustapha Mekki: op cit p :25.
)[12]( YVES .PICOD: « droit du marché et droit commun des obligations rapport introductif »R.T.D .COM EDITION DALLOZ PARIS 1998 P :1
)[13](-MustaphaMekki op cit p25.
)[14]( -Mustapha Mekki, op.cit. pp 25-26.
)[15]( -cité par : Mustapha Mekki, op.cit. p26.
([16])- هذا مع العلم أن الاعتراف بحق الترافع للنقابات يتجاوز أي قوة ناشئة عن شخصية معنوية (شركة مثلا) للدفاع عن حقوقها أمام القضاء.
Sophie Rozez «les organisations syndicales de salariés » sous la direction de Ismaël omarjee et Laurence sinopoli “les actions en justice Au-delà de l’intérêt personnel “, édition DALLOZ 2014 p : 144 et suiv
)[17]( -Mustapha Mekki, op.cit. p :27.
([18])- تجدر الإشارة إلى أن جمعيات حماية المستهلك تمارس نوعين من القضايا ألأول يشمل الدعاوي التي ترفع للدفاع عن المصلحة المشتركة للمستهلكين وهو الموضوع الذي يمكن الاحتفاظ به محل الدراسة، والتي تمثل مصالح كل الأفراد لكنها لا تختلط بها وتأتي في مرتبة متقدمة عليها ويتجلى ذلك في الدفاع عن مصالح المستهلكين الذين يتعرضون للضرر بسبب استهلاك مواد غذائية فاسدة مثلا، حيث أن مصلحة المستهلك في هذه الدعوى هي حصول التعويض عن الضرر الذي قد يصيبه، أما المصلحة المشتركة للمستهلكين فهي تتجلى في دفع الخطر الذي يحتمل حصوله من جراء تداول هذه المواد في الأسواق، وبذلك تكون المصلحة المشتركة أعلى مرتبة من المصلحة الفردية والتي تهدف إلى الحفاظ على سلامة الجميع وضمنيا حماية مصلحة الفرد الواحد أيضا.
أما الثانية تشمل الدعاوي التي ترفع للدفاع عن مصالح المستهلكين حيث أن الأمر هنا يخص مصالح فردية مجتمعة وليس مصلحة مشتركة. هذا وتعتمد جمعيات المستهلك على وسائل غير قضائية للدفاع عن مصالح المستهلك وذلك من خلال حضورها القوي على الفعاليات الاقتصادية والسياسية من أجل الحد من خطورة بعض المنتجات أو المواد الاستهلاكية، والتي غالبا ما تلقى استجابة فورية تساهم في تفعيل حقوق المستهلك من خلال فرض وجوده، وتسليط الضوء عليه.
أنظر في ذلك:
مهدي منير: “المظاهر القانونية لحماية المستهلك” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وحدة البحث والتكوين قانون الأعمال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية محمد الأول، وجدة السنة الجامعية 2004-2005 ص: 350.
([19])- وذلك حسب ما تم استنتاجه من تسمية القانون نفسه “تدابير لحماية المستهلك”، كما أوضحت ذلك ديباجة القانون 08-31 “يعتبر هذا القانون إطارا مكملا للمنظومة القانونية في مجال حماية المستهلك ومن خلاله يتم تعزيز حقوقه الأساسية ولاسيما منها:
- الحق رفي الإعلام
- الحق في حماية حقوقه الاقتصادية
- الحق في التمثيلية
- الحق في التراجع
- الحق في الاختيار
- الحق في الإصغاء إليه
([20])- بخصوص تعريف المستهلك سواء الاتجاه الضيق أو الموسع، أنظر:
سهام القشتول، “بعض المشاكل المرتبطة بالأداء في وسائل الأداء” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تخصص القانون والمقاولة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مولاي إسماعيل مكناس السنة الجامعية 2011-2012 ص 151.
)[21]-(JEAN CALAIS AULOY : « DROIT DE CONSOMMATION » 3émeédition DALLOZ Sirey PARIS 1992 PP :391/392.
([22])- ولرصد التطور التشريعي للسماح بجمعيات حماية المستهلك في فرنسا الترافع أمام القضاء والدفاع عن المصالح الجماعية للمستهلكين أنظر مهدي منير، م.س ص 347 وما بعدها.
)[23]( – FRANCOIS VOEFFRAY, op.cit p :27.
([24])المستهلك هو كل شخص يقتني سلعا أو خدمات لأغراض غير مهنية ،و قد عرفت المادة الثانية من قانون 31/08 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك بأنه “كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير مهنية منتوجات أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي.”
)[25](-JEAN CALAIS AULOY : « DROIT DE CONSOMMATION »op cit pp 593/594.
([26]) -يعتبر شرطا تعسفيا بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه او يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك . حسب تعريف المادة 15 من قانون 31/08 .
[27])-حسب ما جاء المادة 162 من قانون 31/08 .
)[28]( – l’arrêt de la chambre criminelle de la cour de cassation du 8 décembre 1989 Bull crim n° 452, cité par François Voeffray, op.cit p : 28.