القضاء الدستوري بين مسطرة التحديث وإكراهات التفعيل
الحبيب جوى
طالب باحث بسلك الدكتواره
تخصص القانون العام و العلوم السياسية
تحتل القواعد الدستورية مكانة متميزة بين القواعد القانونية في الدولة إذ لأن الدستور يعتبر القانون الأسمى، فهو قانون القوانين، ويتمتع بهذه الصفة سواء كان دستورا عرفيا أو دستور مكتوبا.
ويعبر عن علو الدستور في الدولة باسم “سمو الدستور”[1] ويقوم هذا المبدأ على عدة مبررات منها أن الدستور فلسفة القانون واتجاهاته الكبر في الدولة، كما أنه هو الذي تستمد منه السلطات العامة اختصاصاتها، من ثمة فهو يسم على كل ما عداه.[2]
فالرقابة الدستورية تشكل موضوعا هاما ضمن القضاء الدستوري، إذ تنبع هذه الرقابة من الدول الذي يفترض أن تلعبه العدالة الدستورية والكامن في القدرة على ضمان وحدة النظام القانوني، إذ تعد هي الأداة العليا التي تسمح بضمان الانسجام الداخلي لنظام الدولة
ذهب المشرع المغربي في اتجاه تبني المراقبة القضائية لدستورية القوانين والتي تعني التأكيد عن أن القوانين والأعمال الصادرة عن السلطات العامة مطابقة، للدستور، لذلك تم التنصيص في مسودة الدستور الجديدة لسنة 2011 على إنشاء محكمة دستورية لتعوض المجلس الدستوري الذي حل محل الغرفة الدستورية في تجربة الدستورية العالي وفكرة المحكمة الدستورية مستمد خاصة من الدول التي تدور في فلك الانكلوسكسونية والتي أخذت بنظام الرقابة القضائية على أعمال سلطات الدولة وعلى دستورية القوانين.
ويرى أن أهم اختصاص اسند في ظل مشروع الدستور الحالي إلى المحكمة الدستورية هو فتح المجال أمامها للمراقبة البعدية للقوانين عن طريق تمسك المتقاضين أمام قضاء الموضوع بالبث في دستورية القوانين، وهكذا وإن كانت الإجراءات وشروط ممارسة هذا الحق من طرف المتقاضين رهينة بما سيأتي به قانون تنظيمي في هذا المجال فإن المشروع كل حال منح المحكمة الدستورية اختصاص النظر في دفع متعلق بعدم دستورية رقابة قانون أثير أثناء النظر في قضية ما، وذلك إذا دفع أحد طرفي الدعوى فإن القانون الذي سيطبق في النزاع غير دستوري أي أنه يمس بأحد الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.
المطلب الأول: طبيعة جهاز الرقابة على الدستورية في النظام الدستوري المغربي.
يعد إحداث المحكمة الدستورية من التجديدات الهامة في الحياة الدستورية بالمغرب لأن التطورات التي أصبح يعرفها القضاء الدستوري وذلك لما يوفره من حماية للحقوق والحريات الفردية، وتنظيم العلاقات بين الأجهزة الدستورية، فالهدف من إنشاء مؤسسة لمراقبة دستورية القوانين هو تعزيز فكرة المشروعية ودولة الحق والقانون، (الفقرة الأولى) سنرى كيفية تشكيل المحكمة الدستورية على أن ندرج (في الفقرة الثانية) أهم الاختصاصات التي جاء بها دستور 2011 والمخول للمحكمة دستورية.
الفقرة الأول: تشكيل المحكمة الدستورية.
دخل المغرب تجربة القضاء الدستورية مع إقرار أول دستور للبلاد سنة 1962 عندما تم التنصيص على الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى وحددت الفصول 100-101-102 من دستور 1962 تشكيل هيئتها، وقد صدر قانون تنظيمي للغرفة الدستورية حدد قواعد تنظيميها وضوابط سيرها بمقتضى الظهير رقم 137-63-1 المؤرخ في 16 ماي1963. [3]
كما عرف المغرب مرحلة جديدة فيما يتعلق بالقضاء الدستوري حينما تم التنصيص على المجلس الدستوري، لهيأة مستقلة عن المجلس الأعلى إضافة إلى اختصاصات الجديدة التي أعهدت إليه مع دستور 1992.
ومع التعديلات الدستورية الأخيرة التي عرفها المغرب، إذ كان القضاء الدستوري إحدى أهم المؤسسات التي شملها التغيير، حيث أصبحنا في ظل هذا الدستور فاتح يوليوز 2011 عن محكمة الدستورية وليس على مجلس دستوري.[4]
وإذا كانت إحدى أهم الانتقادات التي وجهت فيما سبق للغرفة الدستورية وكذا المجلس الدستوري تتعلق بتعيين أعضائه، فإن دستور 2011 لم يقطع بشكل نهائي مع طبيعة التشكيل، حيث ظل الملك هو الذي يحظى بالنصيب الأكبر من تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، فمن أصل اثني عشر عضو الذي تتألف منهم المحكمة الدستورية .[5]
يعين الملك ستة أعضاء من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى كما يحظى الملك بدور تعيين رئيس المحكمة الدستورية من مجموع أعضائها بعدما كان في ظل دستور 1996 يعين من قبل الملك من بين الأعضاء الذين عينهم.
وبخصوص باقي الأعضاء فقد أصبحوا في ظل الدستور الجديد ينتخبون من قبل مجلسي البرلمان بعدما كانوا يعينون من قبل مجلسي البرلمان بعدما كانوا يعينون من قبل رئيسي المجلسين في ظل الدستور السابق حيث جاء في الفصل 130″…وينتخب النصف الأخر من قبل مجلس المستشارين من بين المترشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس، وذلك بعد التصويت بالاقتراع السري وبأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس[6].
وإذا تعد على المجلسين أو على احدهما انتخاب هؤلاء الأعضاء داخل الأجل القانوني للتحديد، تمارس المحكمة اختصاصاتها، وتصدر قراراتها وفق نصاب لا يحتسب فيه الأعضاء الذين لم يقع بعد انتخابهم.
ومن جهة أخرى فبعد ما كان تعيين أعضاء الغرفة وكذا المجلس الدستوري غير مقيد بأي شرط في الدساتير السابقة، حيث كانت كامل الحرية بالنسبة للملك ورئيسي مجلسي البرلمان في اختيار من أرادوا، فإن دستور الفاتح من يوليوز 2011 ينص في الفقرة الأخيرة من الفصل 130 على مجموعة من الشروط التي يجب أن تتحقق في أعضاء المحكمة الدستورية، وهي كما يلي: “يختار أعضاء المحكمة الدستورية من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عالي في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفق خمس عشرة سنة، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة.
ومن شأن هذا “التقييدات أن يساهم أكثر في الرفع من قيمة اجتهادات المحكمة الدستورية، وأن يساهم في الحد من الاختيارات المبنية على الولاءات الشخصية بعيدا عن الكفاءة والأهلية.
عموما فإن المحكمة الدستورية في دستور 2011 لم تتجاوز الانتقادات الموجهة لباقي المؤسسات التي أوكل إليها بمهمة القضاء الدستوري من قبل وهي[7] .
أن الجهتان المتواليتان لاختيار أعضاء الغرفة الدستورية وكذا المجلس الدستوري هما المكرستان في اختيار أعضاء المحكمة الدستورية.
أن عدد الأعضاء (12 عضو) لا يتيح المجال لاستيعاب مختلف الفعاليات سواء كانت سياسية أو قانونية أو غيرها.
الرجحان في مجال اختيار الأعضاء السلطة التنفيذية حيث يقوم الملك باختيار ستة أعضاء بالإضافة إلى رئيس الذين يعينه من بين أعضاء المحكمة الدستورية.
الفقرة الثانية: المحكمة الدستورية والاختصاصات القديمة، الجديدة.
ينص الفصل 132 من دستور 2011 “تمارس المحكمة الدستورية الاختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية وتبت بالإضافة إلى ذلك في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور، يمكن للملك وكذلك لكل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين خمس أعضاء مجلس النواب وأربعين من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين أو الاتفاقيات الدولية قبل إصدار الأمر بتنفيذها أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور[8]، فمن خلال هذا النص يتحدد اختصاصات المحكمة الدستورية.
أولا: الاختصاصات المسندة للمحكمة الدستورية بفصول الدستور.
يمكن استقاء مجموعة من الفصول التي تبين اختصاصات وهي غالبا ما تكون استشارية كالمتعلقة منها بالفصل 59 من الدستور ذي الصلة بإعلان الملك لحالة الاستثناء بظهير بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المحكمة الدستورية، والمتعلقة منها أيضا بحل مجلسي البرلمان من طرف الملك بعد استشارة المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين[9]، أو المتعلق بحل مجلس النواب، من طرف رئيس الحكومة بعد استشارة الملك، ورئيس المجلس المحكمة الدستورية.[10]
ونجد كذلك ما له صلة بمراجعة بعض مقتضيات الدستور (الفصل 174 الفقرة الثالثة) من طرف الملك بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية ويعرض مشروع المراجع على البرلمان.
كما تراقب المحكمة الدستورية صحة إجراءات هذه المراجعة وتعلن نتيجتها (الفقرة 6 من الفصل 174).
وللمحكمة الدستورية صلاحية واختصاص آخر ينص عليه الفصل 44 من الدستور (الفقرة 2) والمتعلقة منها برئاسة مجلس الوصاية من طرف رئيس المحكمة الدستورية، كما أضاف الدستور الجديد اختصاصات لم يكن مألوفا في الدساتير السابقة أو في القوانين المادية ويتعلق الأمر الاختصاص المتعلق بالنظر في كل دفوع المتعلقة بعدم الدستورية قانون (الفصل 133) وهذا النوع من الرقابة يعرف بالرقابة عن طريق الدفع أو رقابة امتناع.[11]
ثانيا: صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء
أما فيما يخص البث في الطعون الانتخابية فإنه على غرار المجلس الدستوري، فإن مشروع الدستور قد منح المحكمة الدستورية اختصاص البث في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، هذا بالإضافة إلى مقتضى جديد مرتبط بمنع ترحال البرلمانيين، بحيث أن المحكمة الدستورية، وبناء على إحالة من رئيس المجلس المعني بالعضو البرلماني، يمكن أن تجرد من صفة عضو في أحد المجلسين كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها، بحيث أن المحكمة الدستورية تصرح بشغور المقعد بناءا على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام القانون التنظيمي للمجلس المعني الذي يحدد أيضا، آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية.
ثالثا: القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان.
فبالنسبة للقوانين التنظيمية ينص عليها الدستور، لا يصدر الأمر بتنفيذها إلا بعد أن تبت المحكمة الدستورية في مطابقتها للدستور، والوثيقة الدستورية الجديدة تتميز بتضخيم اللجوء للقوانين التنظيمية المتعلقة بالمجالس والهيئات الاستشارية “ما يناهز 20 قانونا تنظيميا”.[12]
أما فيما يخص الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان تختص المحكمة الدستورية بالنظر في مطابقة الأنظمة الداخلية لمجلس النواب والقوانين قبل الشروع في تطبيقها وبهذا الصدد فإن المحكمة الدستورية تتخذ قراراتها في مواد الأنظمة الداخلية، إما بمطابقتها للدستور أو عدم مطابقتها مع تحفظ.
وبخصوص هذا النص الدستوري فإن المادة 24 من القانون التنظيمي رقم 93.29 المتعلق بالمجلس الدستوري كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 98.08 التي تنص فقرته الثانية على ما يلي: “ويحيل رئيسا مجلس النواب والمستشارين إلى المجلس الدستوري على الفور النظام الداخلي لمجلس النواب والنظام الداخلي لمجلس المستشارين وكذا التعديلات المدخلة عليهما بعد إقرارهما من قبل كل من المجلسين المذكورين” وأخذا بعين الاعتبار ما جاء في الفصل 151 من الدستور الذي ينص على أنه يحدث “مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي” كان من الأنسب بأن ترد الفقرة الأولى من الفصل 132 على النحو التالي:”تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والتعديلات المدخلة عليهم، قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور .[13]
هذا في الوقت الذي وسع فيه المشروع من صلاحيات المحكمة الدستورية بخصوص المراقبة وذلك بإضافة صلاحياتها لمراقبة الاتفاقيات الدولية إضافة إلى القوانين العادية، وقلص من شروط وعدد الأعضاء المخول لهم الإحالة على المحكمة الدستورية، وأعطى الصلاحية للمواطنين للدفع بعدم دستورية القانوني الذي سيطبق في النزاع إذا كان يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور، وسيحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من دستور 2011. [14]
رابعا: الدفع بعدم الدستورية:
استنادا إلى الفصل 133 من دستور 2011، أصبح القضاء الدستوري المغربي مختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور.
وينسخ كل مقتضى ثم التصريح بعدم دستوريته على أساس الفصل 133 من دستور 2011، ابتداء من تاريخ قرار المحكمة الدستورية .[15]
لكن شروط وإجراءات تطبيق مقتضيات هذا الفصل أحالها الدستور على قانون تنظيمي.
وبذلك أصبحت المحكمة الدستورية تمارس رقابة لاحقة على القوانين الصادرة عن المؤسسة التشريعية، إلى جانب اختصاصها الأصلي المرتبط بالرقابة القبلية لدستورية القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها، وهذا الأمر لم يكن معمولا به في الدساتير السابقة، حيث كان المجلس الدستوري يمارس رقابة قبلية فقط على القوانين الصادرة عن البرلمان.
هذا الأسلوب في الرقابة معمول به في العديد من دساتير الدول الديمقراطية، كما هو الشأن مثلا في فرنسا، التي كانت تأخذ بالرقابة القبلية لدستورية القوانين إلى حدود 23 يوليوز 2008، حيث تم إجراء تعديل دستوري، بموجبه أمكن للأفراد الطعن في عدم دستورية قانون ما في أي نزاع.
فإذا ثبت أثناء الدعوى قيد النظر أمام جهة قضائية، أن حكما تشريعيا يمس بالحقوق والحريات التي يكلفها الدستور، يمكن إخطار المجلس الدستوري بهذه الدعوى التي يفصل فيها في أجل محدد بإحالة م مجلس الدولة أو محكمة النقص.[16]
وفي ألمانيا، أعطى الدستور الألماني، للأفراد العاديين إمكانية اللجوء إلى المحكمة الدستورية الفيدرالية، بشكل مباشر في حالة انتهاك إحدى الحقوق الأساسية المنصوص عليها في بعض المقتضيات الدستورية، من قبل السلطات العامة وذلك عن طريق دعوى أصلية.[17]
واستنادا إلى بعض اجتهادات القضاء الدستوري الألماني في هذا الإطار، يمكن إدراج على سبيل المثال قضية الأستاذة. الأفغانية ذات الجنسية الألمانية، المرفوعة ضد إحدى المدارس العمومية بشان منعها من ارتداء الحجاب أثناء مزاولتها لمهنتها حيث صرحت المحكمة الدستورية الفدرالية بأن إدارة المدرسة لم تستند على أي قانون يسمح لها صراحة بمنع ارتداء الحجاب.[18]
وبذلك فقد أنصف القضاء الدستوري الألماني هذه المدرسة، بعد أن استنفادها طرق الطعن في قرار منع ارتداء الحجاب أمام القضاء الإداري المحلي والفيدرالي.[19].
المطلب الثاني: الرقابة على دستورية القوانين (دراسة نماذج)
بالرجوع إلى تاريخ الأنظمة الدستورية و السياسية في مختلف دول العالم نجد أن معظم الأجهزة التي انيطت بها مهمة الرقابة على دستورية القوانين، أجهزة القضاء الدستوري.
وبالتالي سأحاول التطرق إلى خصائص العامة للنظام الدستوري الفرنسي(الفقرة الأولى) على ا نابين مميزات النظام الدستوري الاسباني (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: المجلس الدستوري الفرنسي، تكوينه وتسييره
من خلال الفصل 56 من الدستور الفرنسي، فإن المجلس الدستوري يتكون من تسعة أعضاء معينينMEMBRE NOMMES [20] بقوة القانون.
MEMBRE DE DROIT الذين هم رؤساء سابقين للجمهورية، وتجدر الإشارة إلى أن نظام أعضاء المجلس مختلف عن نظام رئيس المجلس، والذي يختار من بين هؤلاء الأعضاء المعنيون من طرف رئيس الجمهورية سواء من بين الأعضاء المعينين أو من بين الفئة الثانية.
تشكيل المجلس الدستوري
عرفت فرنسا عدة أزمات في ظل الجمهوريات السابقة، وخصوصا الجمهورية الرابعة، نتيجة ضع السلطة التنفيذية تجاه البرلمان الذي كان يجسد السيادة الوطنية ويستأثر بالتعبير عن الإرادة العامة، الأمر الذي أدى إلى سيطرته على المجال التشريعي والسياسي، وقد أدى هذا الوضع إلى الاستعانة بالجنرال يفود لنقل فرنسا من عثرتها، هذا الأخير أسس لفكر الجمهورية الخامسة لسنة 1958 والذي أعلى كذلك من مكانة السلطة التنفيذية وقلص من منزلة البرلمان، وكذا تقوية دور الرقابة على دستورية القوانين، وإعادة الاعتبار للنصوص الدستورية التي يجب أن تحتل مكانة عالية عكس ما كان عليه الوضع في دستور الجمهورية الرابعة لسنة 1946
– في إطار الرقابة على دستورية القوانين انشأ دستور 4 أكتوبر 1985 هيئة سياسية أعطاها اسم “المجلس الدستوري” الهدف منه إعمال الرقابة على دستورية القوانين قبل إصدارها، وقد خصص الدستور في هذا السياق الباب التاسع المكون من 8 مواد “ما بين 56 إلى 63” للحديث عن المجلس الدستوري وكيفية تشكيلة واختصاصاته المتعددة.
وقد نظمت المادة 56 من الدستور أعضاء المجلس الدستوري والذين يمكن تقسيمهم إلى قسمين.
-أعضاء معينون وعددهم 9 أعضاء.
-أعضاء وجوبيون يكتسبون عضويتهم بحكم الدستور.
أولا: الأعضاء المعينون:
كيف تجرى التعيينات؟ وما هي التزامات المفروضة على هؤلاء الأعضاء؟
ثلاثة أعضا يعينون من طرف رئيس الجمهورية، وثلاثة من طرف رئيس الجمعية الوطنية وثلاثة من طرف رئيس مجلس الشيوخ فمن هو الذي يعينهم ولأجل أية مدة؟
إن قرارات التعيين التي يتخذها الرئيس هي تقديرية Discrétionnaires وهي قرارات لا تقبل التوقيع بالعطف، (المادة 19).
وإذا كان كل من رئيس الدولة ورئيس مجلس الشيوخ قد اختاروا الأعضاء بكل حرية وبصفة شخصية فإن رئيس الجمعية الوطنية إما لمكانته السياسية، أو رغبة رئيس الدولة- الشخصية الأولى في البلاد- فإنه يتشاور مع رئيس الدولة إبان اختيار العضو وهكذا مثلا عين رئيس الجمعة الوطنية في مارس 1977 الأستاذ Brouillet الصديق الشخصي لرئيس الجمهورية Pompidou.
وقد نصت المادة 57 من الدستور المراجع 2008 على أنه لا يجوز الجمع بين عضوية المجلس الدستوري وتولي الوزارة أو عضوية البرلمان .[21]
لكن التساؤل المطروح هل هذه التعيينان قابلة للطعن فيها قضائيا، بالرجوع إلى المادتين 10 و11 من الدستور المراجع، فإن المجلس الدستوري هو الذي يعلن الاستقالة الجبيرة لأي عضو من أعضائه وبمقتضى قرار ينال قوة الشيء المقضي به طبقا (..) من الدستور، فهو إذا قاضي الولاية بالنسبة لأعضائه، ومع ذلك فهناك فئتين لا يمكن تعيينهما (غير المتمتعين بالحقوق المدنية والسياسية) وبالتالي فإن العضو بالمجلس الدستوري الذي يصبح ضمن هذه الفئة يعلن عن استقالته الجبرية من طرف المجلس الدستوري، وهذا يؤدي إلى إدخال شرط السن المدني والانتخابي.
ثانيا: الأعضاء الوجوبيون
حسب (المادة 56 فقرة 02) من الدستور فإن الرؤساء السابقين للجمهورية هم أعضاء لمدى الحياة بالمجلس الدستوري، وهكذا فإنه لا ينطبق عليهم الفصل 69 و10 و11 من المرسوم المتعلق بالاستقالة لأن هذه الأخيرة تتطلب إحلال عضو محل المستقيل.
أما المادة 57 من الدستور المتعلقة بحالة التنافي مع العضوية بالمجلس الدستوري، لا تفرق ما بين عضو معين وعضو بقوة القانون، وإن إعمال هذه المادة بالنسبة للأعضاء المعينين تكون بغرض تحقيق التوازن ما بين الأعضاء، في حين إن الأعضاء بقوة القانون غير مفروض فيهم هذا التوازن فيه إذ أنهم معينون لمدى الحياة، يمكن كل هذا لا يمر دون أداء القسم الذي يطلب من الأعضاء المعينين، في حين أن القسم يجبر العضو على احترام سرية المداولات أو التصويت، وفيما يخص الالتزامات الأخرى، فإنها تبدو صعبة لأنه كيف يمكن السكوت عن مشكل أساسي يقحم مستقبل البلاد؟ ثم إن عضوا لمدى الحياة لا يمكن إقالته جبرا، فالمادة (10 ) من الأمر تسمح بتعويض المعني بالأمر، لكن العضو لمدى الحياة لا يمكنه تعويضه، فالالتزامات المفروضة على الأعضاء غير الدائمين هي متوقفة فقط على ضمير العضو الدائم، ثم إن هذا العضو هل يمكنه أن يعين كرئيس المجلس الدستوري؟.
ثالثا: المجلس الدستوري الفرنسي طبيعته ومصادر اختصاصاته.
إن اختصاصات المجلس الدستوري مشار إليها في متن الدستوري وأيضا في نصوص أخرى وقد فسر المجلس الدستوري هذه النصوص أحيانا تفسيرا واسعا، [22] وأحيانا أخرى تفسيرا ضيقا ونتيجة لقراراته ذات الحجية المطلقة على جميع السلطات العمومية والجهات الإدارية والقضائية وبالنظر إلى تطور اجتهادات بشكل مبهم فإن كل الأطروحات التي صيغت حول طبيعة هذه المؤسسة آلت إلى الاندثار، حيث ثم التوافق في فرنسا، حول الدول المهم الذي يضطلع به هذا الجهاز والذي شاع صداه في الخارج، فنال الاحترام والإكبار وهو ما يفسر استيراد قواعد تنظيمية في عدد كبير من الدول كالمملكة المغربية مثالا، الاختصاصات المحددة بمقتضى الباب السابع من الدستور الفرنسي[23] ومن الفصل 56 إلى الفصل 63، فهل هي مقتصرة على هذه الفصول، أم مستندة على فصول أخرى،[24] كالقوانين التنظيمية والعادية والمراسيم .[25]
أولا: القاعدة العامة في الاختصاص، ضرورة وجود نص صريح
قرر المجلس الدستوري أنه لا يستطيع التعرض إلا للأمور التي ورد بها نص وذلك لأن الدستور حدد صراحة اختصاصات المجلس الدستوري، وهذا يعني أن المجلس ليس له اختصاص عام لسهر على احترام القوانين للدستور خاصة، وان نفس المهمة منحها الدستور لرئيس الدولة، وهذا تطبيق على الأمور التي ينظر المجلس فيها النزاع كهيئة قضائية وكذلك على الأمور المتعلقة بأخذ رأيه كهيئة استشارية.
1- في الأمور الاستشارية
فإن المجلس الدستوري الفرنسي لم يقبل حتى الآن انه صاحب الاختصاص العام في هذا الشأن أي انه يقرر في أحكامه انه لا يشكل سلطة استشارية إلا فيما ورد بشأنه نص، صريح وطبقا للنص فإن رئيس الدولة وحده وكذلك الحكومة يمكنها طلب رأي المجلس بحالة الظروف الاستثنائية وتهديدا من سلامة الوطن كما سبقت الإشارة وحالة تنظيم الاستفتاءات وهذا التفسير الضيق لاختصاص المجلس يتوافق ونشأة المجلس الدستوري تلك، النشأة التي كانت وقبل كل شيء من أجل أن يكون المجلس قاضيا للقانون الدستوري وليس هنا قاضي إلا بنص ولا يمكنه ممارسة غلا الأعمال التي جاءت في النص.
ثانيا: في المسائل ذات الطابع القضائي
كذلك الشأن في المنازعات التي يمكن نظرها من المجلس الدستوري كهيئة قضائية فإن الأمر بالنسبة لها أن المجلس لا يكون مختصا إلا بمقتضى نص صريح في شأن ذلك، فإن ذلك لا تدخل ضمن اختصاصاته طبقا لتفسير المجلس فإنه يقضي بعدم اختصاصه، فالدستور ينص على أن المجلس يقرر في حالة النزاع بشان شرعية الانتخابات المتعلقة بأعضاء المجلس النيابي أو مجلس الشيوخ ولكن المجلس رفض أن ينظر النزاع، المتعلق بطلب رد المصاريف الانتخابية لأنه قرر أن اختصاصه ينحصر في الحالة التي يكون فيها النزاع قائما على شعرية حصول العضو على أصوات أكثر مما يستحق وكل ما عدا ذلك لا يدخل في اختصاص المجلس.
كذلك الشأن فيما يتعلق بنص الدستور على أن القوانين قبل إصدارها يمكن أن تحول إلى المجلس الدستوري من اجل يعلن عن دستوريتها، ولكن هذا لا يعني أن المجلس يمكن أن ينعقد بعد صدور قانون بعد أخذ رأي الشعب فيه أي بعد استفاء شعبي وذلك لان القانون في هذه الحالة يعتبر تعبيرا عن السيادة الشعبية في أدق صورها.
وكذلك فقد قرر المجلس عدم اختصاصه بفحص مطابقة القوانين للمعاهدة الولية، بمعنى أن المجلس إذا كان هناك طلبا أمامه بعدم شرعية قانون مخالفته لنص أو نصوص معاهدة وذلك لأن المعاهدة بنص دستوري[26]، هي أسمى من القانون فإن المجلس برفض هذا الطلب لأن الدستور نص على حقه في رقابة القوانين بالنسبة للدستور وليس القوانين بالنسبة للمعاهدة.
ثالثا: الاستثناءات على القاعدة العامة والتفسير الواسع لاختصاص المجلس
ولكن لا يعني هذا أن المجلس يلتزم حرفيا بنصوص الدستور والقوانين وبظاهر النص لتحديد سلطاته أو اختصاصاته فهناك اتجاه لتحقيق بعض المرونة خاصة في السنوات الأخيرة فالمجلس يمارس في بعض الحالات اختصاصات محددة، ليست في الدستور نفسه وإنما في القوانين الأساسية كما هو الشأن بالنسبة لمراقبة العمليات المتعلقة بالاستفتاء وعزل أعضاء البرلمان.
أو بواسطة القوانين العادية كما هو الشأن بالنسبة لنظر أحكام المحاكم الإدارية في المسائل الانتخابات والذي يعتبر فيها المجلس الدستوري كمحكمة استئناف أو حتى بقرارات كما هو الشأن بالنسبة لمراقبة الدعاية الانتخابية في الاذاعة والتلفزيون أثناء المعارك الانتخابية المتعلقة باختيار رئيس الدولة.[27]
كذلك يتجه المجلس في بعض الأحيان إلى تفسير النصوص المتعلقة باختصاصه تفسيرا وسعا بل وفي بعض الأوقات يقبل المجلس ممارسة الاختصاص والذي لا تنص عليه النصوص صراحة، ومن ذلك مثلا إعطاء رأيه في مسألة اللجوء إلى الاستفتاء بالرغم من أن اختصاصه في هذه المسألة ينحصر فقط في تنظيم عمليات الاستفتاء بعد تقريره بواسطة السلطة المختصة كذلك قبل المجلس الدعوي للانعقاد والمقدمة من مجموعة من الأعضاء في البرلمان لنظر دستورية بعض المعاهدات الدولية بالرغم من أن النص يرى أن هؤلاء لهم الحق في ذلك فيما يتعلق بدستورية القوانين فقط وليس المعاهدات.
الفقرة الثانية: رقابة المحكمة الدستورية الاسبانية على دستورية القوانين
المحكمة الدستورية الاسبانية تتمتع باختصاصات واسعة جدا، فالبعض أشار إليها الدستور الاسباني في المادة 161، والبعض الآخر اسند إليها بواسطة القوانين التنظيمية الجاري بها العمل، وهي بدون شك إحدى أهم الهيئات القضائية الدستورية في أوربا.
كما أن دراسة نموذج النظام الدستوري الاسباني مثيرة ومحفزة للاهتمام، والتأمل فيها يحمل من الإمكانيات ودلالات قادرة لأن تغني الأنظمة الدستورية الأخرى، وتطور الممارسة للارتقاء بها نحو صفوة الأنظمة المعاصرة.
أولا: الرقابة المجردة للقواعد الدستورية
1-الرقابة القبلية (السابقة)
تأسيسا على نص المادة 161 الفقرة الأولى من الدستور والقاضية بأن القانون التنظيمي يمكن أن يمنح المحكمة الدستورية اختصاصات لم يمنحها إياها الدستور فإن المادة 79 من قانون المحكمة الدستورية الاسبانية كانت أسست مراقبة قبلية لدستورية مشاريع القوانين التنظيمية باعتبار أن القوانين التنظيمية كما تناولتها المادة 21 من الدستور في “المتعلقة بتطوير الحقوق الأساسية والحريات العامة والتي توافق على أنظمة الاستقلال الذاتي والقانون الانتخابي العام بالإضافة إلى التي تم التنصيص عليها في الدستور.[28]
يختص في ممارسة هذا الحق بصفة عامة أجهزة الدولة المحددة لمواجهة بقية الأجهزة التي يمكن أن تصدر عنها قواعد ذات قوة القانون، وقد نصت المادة 162 فقرة 2 من الدستور بأن الأجهزة الشرعية التي تتدخل بالطعن بعدم الدستورية هي:
-رئيس الحكومة
-خمسون عضوا في مجلس النواب أو ما يعادلهم في مجلس الشيوخ
-الأجهزة التنفيذية المنتخبة (المسيرة) للجماعات المستقلة أو الجمعيات التشريعية لها
-المدافع عن الشعب[29] .
أما الطعن فيجب تقديمه داخل أجل ثلاثة أيام بعد المصادقة النهائية على مشروع القانون وقبل إصداره.
لكن بسبب المعارف المبدئية للمراقبة القبلية لدستورية القوانين التنظيمية فإنه تم إلغاؤه عند تعديل قانون المحكمة الدستورية بواسطة القانون التنظيمي رقم 4/1985، بتاريخ 7 يونيو 1985 حيث أصبحت رقابة القوانين التنظيمية رقابة لاحقة.
وبإلغاء المراقبة السابقة لدستور مشاريع القوانين التنظيمية، لم يبق في النظام الدستوري الاسباني سوى المراقبة السابقة لدستورية المعاهدات الدولية، وفي مراقبة نصت عليها المادة 95 من الدستور الاسباني لعام 1978: تقتضي المعاهدة الدولية التي تتضمن مواد مخالفة للدستور، مراجعة مسبقة للدستور”، والحكومة أو أحد مجلسي البرلمان الاسباني (الكورتيس العام) التقدم للمحكمة هنا لا تصدر قرار بل تصدر تصريحا، والتصريح يكون له آثار نافذة، هذه المسطرة تم استعمالها سنة 1992، فيما يتعلق بمعاهدة “ماستريحت” حيث إن الحكومة الاسبانية عرضت على المحكمة الدستورية ليس كل المقتضيات المعاهدة، بل أحد موادها، وأصدرت المحكمة بتاريخ الأول من يوليوز 1992 بعدم المطابقة، وهذا ما أدى إلى المراجعة الدستورية بتاريخ 27 غشت 1992.
2-الرقابة اللاحقة:
إذا كانت المراقبة القبلية (السابقة) لا تعلب في إسبانيا إلا دورا هامشيا فالأمر ليس كذلك بالنسبة للمراقبة المجردة اللاحقة، ذلك أنه منذ 15 يونيو 1980 تاريخ بداية عمل المحكمة الدستورية إلى غاية 31 دجنبر 1996 تم تقديم 447 طعن بعدم الدستورية[30].
هذه الطعون بعدم الدستورية يمكن أن ترفع ضد أربعة أنواع من القواعد وهي كالآتي المعاهدات الدولية –قوانين الدولة والجهات ذات الاستقلال الذاتي، الأعمال لتي لها قوة قانون الدولة والجهات ذات الاستقلال الذاتي، وهو ما يعني بالنسبة لأعمال الدولة المراسيم (مراسيم لها قوة القانون تتخذها الحكومة بإذن برلماني) –أي مراسيم القوانين (مراسيم لها قوة القانون تتخذها الحكومة بشكل مؤقت بدون إذن برلماني، في حالة الضرورة القصوى والعاجلة والتي تمت تحت طائلة البطلان تستوجب مصادقة كونغرس النواب في أجل شهر).[31]
في ممارسة الطعون بعدم الدستورية لا تنصب إلا على القوانين أو أعمال الدولة أو المجموعات ذات الاستقلال الذاتي التي لها قوة القانون.
والسلطات المخول لها ذلك في خمسة جهات: رئيس الحكومة، المرفع عن الشعب، 50 نائبا من مجلس النواب، 50 من مجلس الشيوخ وأخيرا الأجهزة التنفيذية للمجموعات المستقلة أو جمعياتها التشريعية.
وفيما يتعلق بالمجموعات ذات الاستقلالية الذاتية، في الوقت الذي يرخص لها فيه الدستور دون أي تحديد، والتقديم بطعون من أجل عدم الدستورية، فإن المادة 32 (فقرة 2) من قانون المحكمة الدستورية أدخل في هذه المادة محددتين اثنين: الطعن لا يقبل إلا إذا هم قانونا أو عملا من أعمال الدولة لها قوة قانون الدولة، ومن جهة أخرى يحب أن يصر القرار المطعون فيها المجال الخاص للمجموعات ذات الاستقلال الذاتي.
أما في الممارسة فإن هذه المجموعات هي السلطات الأكثر نشاطا في ما يتعلق بالإحالة على المحكمة الدستورية (أكثر من 40%) من الطعون صادرة عنها وهي تطعن في القوانين والأعمال التي لها قوة قانون الدولة والتي تضر باستقلالها الذاتي، وهو مفهوم يؤخذ بمعنى واسع من طرف المحكمة الدستورية.
ويأتي في المرتبة الثانية رئيس الحكومة حوالي (35%) من الطعون، ورئيس الحكومة يعالج بشكل إجمالي تقريبا القوانين والأعمال التي لها قوة القانون الصادرة عن المجموعات ذات الاستقلال الذاتي والتي تضر باختصاصات الدولة.
أما البرلمانيون فإحالاتهم تبقى ضئيلة (أقل من 20%)
وأخيرا محامي الشعب وحالاته استثنائية (حوالي 5%) وفي نسبة منتقدة لما يمكن أن يلعبه في هذا المجال.
على الرغم من كون الدستور لا يضع أي شرط في مادة أجال الطعن، فإن المادة 33 من قانون المحكمة الدستورية توجب أن يرفع الطعن بعدم الدستورية داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من نشر القانون أو المقتضى أو القرار الذي له قوة القانون المطعون فيه.[32]
ثانيا: اختصاصات المحكمة الدستورية الاسبانية /الرقابة على دستورية القوانين
للمحكمة الدستورية الاسبانية عدة اختصاصات هامة في مادة فض منازعات الاختصاصات بين الدولة وعناصرها المكونة لها والمتمتعة بالاستقلال السياسي، أي المجموعات المستقلة ذاتيا والمنازعات فيما بين هذه المجموعات نفسها، سواء كانت منازعات إيجابية أم سلبية، وهذا ما نصت عليه المادة 1/161 من الدستور الاسباني تختص المحكمة الدستورية في “تنازع الاختصاص بين الدولة والجماعات المستقلة أو فيما بين هذه الأخيرة”.[33]
1-التنازع الإيجابي
يطرح هذا النوع من التنازع حول النصوص والقرارات والأعمال الصادرة عن أجهزة الدولة أو أجهزة الجماعات المستقلة، فعندما يتقدم طرف بطعن يطلب فيه حماية نظام الاختصاصات المنصوص عليها في الدستور، وفي أنظمة الاستقلال الذاتي، وفي القوانين التنظيمية الخاصة بها، وهو حق تتقدم به الحكومة المركزية في كل حالة والأجهزة التنفيذية العليا للمجموعات المستقلة في أجل شهرين من إشهار القرار المعني أو القيام بعمل، ويجب أن يطلب صراحة فرض تعطيل النص أو القرار الصادر عن أي جهاز تقدم بالطعن.
تستدعي الحكومة الأطراف المتنازعة، وإذا مضت مدة شهر دون الحصول على تراض تطرح مسألة التنازع حول الاختصاصات أمام المحكمة في مدة شهر.
وتعطي المحكمة مدة لا تتجاوز عشرين يوما للإدلاء بالحجج، كما يمكنها أن تطلب من الأطراف مختلف البيانات والتوضيحات إذا أرادت ذلك، ويجب في هذه الحالة توقيف سريان النص أو القرار أو العمل الذي كان أصلا للتنازع حول الاختصاص.
وتصرح المحكمة في حكمها بصاحب الحق في الاختصاص ثم إلغاء النص أو القرار أو العمل الذي أدى إلى التنازع حول الاختصاص وإعلان القاعدة الملائمة بالمركز أو النشاط أو العمل أو الحق المنشئ للحماية ويصدر الحكم في مدة خمسة أيام من طلب الحكومة.[34]
2-التنازع السلبي:
هذا النوع من التنازع يقوم عندما تهمل أو ترفض سلطة إدارية للدولة أو الجماعات المستقلة أن تمارس صلاحية بطلب من شخص طبيعي أو قانوني.
وهناك أيضا نزاع اختصاص سلبي حينما تطلب الحكومة المركزية من مجموعة مستقلة ذاتيا أن تمارس اختصاصات يمنحها إياه وضعها أو قانون تنظيمي متعلق بتفويض أو نقل، وترفض المجموعة تطبيقه بحجة أنه ليس اختصاصها، فالحكومة يمكنها اللجوء إلى المحكمة الدستورية للتصريح باختصاص المجموعة المستقلة ذاتيا ولتحديد أجل لها تمارس خلاله اختصاص موضوع النزاع.[35]
3-المنازعات بين الأجهزة الدستورية المركزية
ويتعلق الأمر بمنازعات يمكن وقوعها بين أربعة أجهزة دستورية، وهي الحكومة، مجلس النواب، مجلس الشيوخ، والمجلس العام للسلطة القضائية، والحكمة التي استهدفها المشرع الدستوري من خلال إسناد هذا التحكيم القانوني إلى المحكمة الدستورية هي صيانة إحدى المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية وهو مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
فحينما يرى واحد من الأجهزة التي ذكرنا، أن جهاز آخر اتخذ قرارات في مواد تعود إليه بناء على دستور أو قانون تنظيمي، وبالتالي ينتهك مبدأ فصل السلط، فإنه يقوم بإخباره داخل أجل شهر، إذ أكد الجهاز الموجه إليه الإخبار بأنه يتصرف ضمن إخطار اختصاصه للدستوري أو التزام الصمت طيلة شهر، فإن الجهاز الذي يرى أن اختصاصاته تم تجاهلها يمكن اللجوء إلى المحكمة الدستورية.
والقرار الصادر عن المحكمة الدستورية يحدد الجهاز المختص بممارسة المهام المختلف حولها، ويصرح ببطلان القرار التي تكون مشوبة بعيب الاختصاص .
[1] – محمد مالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية مطبعة النجاح الجديدة الوطنية ص 16.
– محمد زين الدين، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الطبع الأولى، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 2011.2
نور الدين اشحشاح، الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب، دراسة مقارنة أطروحة لنيل الدكتوراه، في القانون العام، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية، 2000. 2001.
5- هو نفس عدد الأعضاء الذين كان يتألف منهم المجلس الدستوري في ظل دستور 1996.
6- الفقرة الأولى من الفصل 130 من دستور الفاتح يوليوز 2011.
7 – مصطفى قلوش، المبادئ العامة للقانون الدستوري، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، ص76.
8- الدستور المغربي الصادر بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.91 صادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011).
9- الفصل 96 من الدستور المملكة المغربية.
– الفصل 104 من الدستور المغربي سنة 2011 , [10]
11 بنيحي محمد، القرارات الكبرى للاجتهادات الدستورية، المجلس الدستوري 1994.2012، الجزء الأول المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة دلائل التسيير، عدد30، ط 1،2012,
12 محمد مدني، الدستور الجديد، تركيز السلطة وضعف الضمانات، الدستور الجديد ووهم التغيير، دفاتر وجهة نظر 24، 2014، ص 60.
عبد الرحمان علال، دستور 2011 تأملات وإشكالات، مجلة مسالك عدد مزدوج 19-20/2012، ص42. [13]
14 وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 177 من مشروع الدستور، نص على ما يلي: يستمر المجلس الدستوري القائم حاليا في ممارسة صلاحياته إلى أن يتم تنصيب المحكمة الدستورية المنصوص عليها في هذا الدستور.
الفصل 134 من الدستور المغربي لسنة 2011، مرجع سبق ذكره. [15]
الفصل 135 من الدستور المغربي لسنة 2011، مرجع سابق. [16]
لمادة 61-1 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 والمنقح في 23 يوليوز 2008. [17]
لمادة 93 الفقرة 4 من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية لسنة 1949 والمعدل بتاريخ 26 يوليوز 200218
19 Jean Philippe Derdsier, le constitutionnelle allemande et le port de voile, commentaire de l’arrêt du 24 septembre 2003, revue française de droit constitutionnel, 2004, n°58 P.U.F, paris p 440-441
20Jean George Boegltin, état et religieux en Europe, Volume2, l’harmattan, paris, 2006, p 298
François luchaire le conseil constitutionnel et la protection des droits et libertés du citiyen mélanges waline 1974, p 73.
إن الرئيس coty شارك بنشاط مكثف في أعمال المجلس إلى أن توفي في نوفمبر 1972 أما الرئيس Auroit Vincent غاب عن المجلس ورفض التعويض بدعوى أن المجلس ذو اختصاصات مقيد في مجال الرقابة على دستورية القانون وفيما يخص ديكول فلم يتلقي ولو دعوى للمشاركة في أعمال المجلس.=
=وتجدر الإشارة إلى أن: François Metterant صرح برفضه الجلوس مع أعضاء المجلس الدستوري وعدم انضمامه لمداولاته بعدما أنهى مهامه في 1995
وتجدر الإشارة في ألمانيا يتطلب في أعضاء المحكمة الدستورية التوفر على شهادة عالية وممارسة ضرورية تؤهل لمنصب القضاء، أما في ايطاليا فإن الأعضاء لا يمكنهم أن يعينوا إلا إذا كانوا أساتذة قانون، أو قضاة أو محامين حائزين على خبرة تفوق 20 عاما، وفي الولايات المتحدة الأمريكية فإن الرئيس عادة ما ينصب اختياره على محامي له خبرة طويلة في مجال القانون وبعد موافقة الهيئة الأمريكية للمحامين
ونشير إلى أن مفاضلي حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي قد طالبوا أثناء مناقشة تنظيم المجلس الدستوري بضرورة التنصيص على التكوين القانوني والمكانة العلمية عند اختيار الأعضاء، إلا أنه يلاحظ في الممارسة العملية مراعاة هذا الجانب فجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله قال في كلمته أمام أعضاء المجلس الدستوري بتاريخ 21 مارس 1994 “ننتظر منكم كمغاربة وكرجال قانون…إن تخلقوا مدرسة قانونية مغربية في القانون العام وفي القانون الدستوري على وجه الخصوص… وإن كنت لا أعرفكم فإني اسمع عنكم واعرف عنكم النزاهة والاستقامة وهذه أخلاق ضرورية للمنصب الذي انتم فيه… وابيت لا أن اعين على رأس هذا المجلس الدستوري رجلا ظل يعمل بجانبنا سنوات وسنوات، فجربناه وامتحناه مرار فالكل بعلم أن السيد عباس القيسي هو قبل كل شيء عالم من علماء القرويين…أما القضاة فكلهم ينتمون إلى أسرة القانون… (حول هذا الموضوع راجع عبد الحق عدلي:المجلس الدستوري في المغرب، دراسة في النشأة تحت إعداد الدكتور محمد معتصم، كلية الحقوق الدار البيضاء 95-96.
22 وطبقا للقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري الفرنسي فانه لا يجوز الجمع مابين العضوية بالمجلس الدستوري والعضوية بأي وظيفة ثانية أو مهمة انتخابية أو أي منصب مهما كان مقابل أجره.
23 حول هذا الموضوع انظر: Dominique Rousseau, droit du contentieux constitutionnelle, Montchrestien édition 1990, p 137.
24 – نقلا عن: =
=François Luchaire, la constitutionnelle édition économique 1980, p 23.
داخل الفريق الذي ترأسهMichel debare تكوين فريق مصغر M.Janot, Jean foyer françois luchaire من فقبلت أعماله من طرف الفريق، ثم من طرف المجلس ما بين الوزارات الذي ترأسهGénéraal dezoulle والتي أدت الفصول 51 إلى 60 من مشروع الدستور بناء على موافقة اللجنة الاستشارية الدستورية هذه الأخيرة اقترحت أن تكون العضوية متنافية مع ممارسة أي وظيفة عامة ومع نشاط مؤدى عنه مما جعل الأستاذ Paul reyrnaan بان ذلك سيكون المجلس من المتقاعدين وهو اقتراح على كل حال رفضته الحكومة، ثم أن triboule اقترح أن تكون الإحالة من طرف 4 سلطات التي تمكن من ذلك ثلث أعضاء كل مجلس برلماني وهو اقتراح رفض من طرف العديد من الفقهاء أمثال الأستاذ Paul Floret بدعوى أن ذلك سيؤدي إلى تأسيس المجلس الدستوري، إذ أنTetgen ظن أن المجلس سيتكون من متقاعدين يمارسون حكومة القضاة لكن بعد 16 سنة سيسمح البرمالنيين بالحق في اللجوء إلى المجلس الدستوري.
25 يعد المجلس الدستوري المغربي مثلا مصادر اختصاصه فضلا عن الدستور وبالإضافة إلى القانون التنظيمي المتعلق/. به أيضا نصوص قانون أخرى كالقانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4516 والقانون= التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، والقانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق الصادر في الجريدة الرسمية.
26 حسب الفصل 81 و 132 حاليا: يمارس المجلس الدستوري اختصاصاته بمقتضى فصول الدستور، أو بأحكام القوانين التنظيمية، كما نشير إلى أن مدونة الانتخابات الصادرة في 1997، قد نصت على اختصاص للمجلس الدستوري المغربي في ميدان المنازعات الانتخابية المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان (كمحكمة استئنافية).
27 راجع بهذا الخصوص عبد الرحمان القادري، لاجتهاد القضائي للمجلس الدستوري الفرنسي بداية السبعينات إلى الأن مقال منشور بالمجلة المغربية للقانون والسياسية والاقتصاد، عدد 19 السنة 1989، ص 14.
28 عبد السلام محمد الفتامي، مراقبة دستورية القوانين في المغرب والقانون المقارن رسالة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام بكلية محمد الخامس بالرباط، 2000-2001، ص 34.
29 حمد السوداني، المحكمة الدستورية الاسبانية في حماية التشريع والحقوق والحريات الأساسية ص75.
30 -ولكن دون أن يكون هو صاحب الحق، ذلك لأن وظيفته تدور حول الدفاع عن الشعب، وهي وظيفة تستلزم الاتصال اليومي بالمشرع، وهي بالتالي وظيفة تبرر تدخله بالطعن بعدم دستورية القوانين، ولكن لا يمكن له أن يطعن بشرعية النصوص إلا إذا كان لها أثر على تلك الحقوق والحريات
انظر دفاتر دستورية الاسبانية رقم 9. [31]
32 تنص المادة 2/164 على أنه “تنشر أحكام المحكمة الدستورية في النشرة الرسمية للدولة مع الأصوات الشخصية ولها قوة الشيء المقضي به ابتداء من اليوم التالي لنشرها، ولا يقدم أي طعن ضدها والتي أعلنت عدم دستورية قانون قاعدة ذات قوة القانون وكل التي لا تحدد اعتبار لموضوع حق شخصي لها النتائج أما القانون…”
33نظر دفاتر دستورية الاسبانية، مرجع سابق، رقم 9.
أحمد السوداني، المرجع السابق ص94. [34]
35 محمد المالكي، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء الثاني، النظم السياسية المعاصرة، النظام البرلماني، النظام الرئاسي الأمريكي، والنظام السياسي للملكة الاسبانية، دار وليلي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى مراكش، 1997 ص211.