الصلح والتصالح في القانون الفلسطيني وعلاقته بالتحكيم في المسائل الجزائية
” دراسة تحليلية مقارنة “
د. حسام الدين محمود الدن د. نزار حمدي إبراهيم قشطة
أستاذ القانون الخاص المساعد أستاذ القانون العام المساعد
كلية الشريعة والقانون كلية الشريعة والقانون
الجامعة الإسلامية – غزة الجامعة الإسلامية- غزة
الملخص
لقد أصبح المجتمع المعاصر يعاني من زيادة عدد الجرائم والمنازعات المالية كماً ونوعاً، وما لبثت هذه الزيادة أن انعكست على الجهاز القضائي وزادت من العبء الملقى على كاهل المحاكم مما فاقم من أزمة العدالة الجنائية، الأمر الذي أدى إلى ظهور الوسائل البديلة لحل المنازعات في حلتها المعاصرة، ولاسيما من خلال إعطاء دور أكبر لأطراف الدعوى ممثلةً في المدعي والمدعى عليه في القضايا المدنية، والمجني عليه والنيابة العامة أو الجاني في القضايا الجزائية، لتسويتها بالطرق التصالحية نتيجة لعدم فاعلية الجهاز القضائي التقليدي في حسمها.
وتكتسب هذه الدراسة أهميتها من حيث اعتبارها فرصة للتوسع في الدراسات القانونية في مجال الأنظمة التصالحية فلسطينياً، على ضوء التطور في السياسة الجنائية الدولية المعاصرة بهذا الخصوص، وجنوحها لوسائل التسوية والتصالح أو التحكيم، بما يتوافق مع مجريات العمل الفعلي الواقعي في فلسطين.
مقدمة
لقد أدى تطور الحياة وسعة آفاقها إلى زيادة أعباء المجتمعات، وكان من أبرز ما تعانيه هذه المجتمعات هو زيادة عدد الجرائم والمنازعات المالية كماً ونوعاً. وما لبثت هذه الزيادة أن انعكست على الجهاز القضائي وزادت من العبء الملقى على كاهل المحاكم. ولاشك أن ذلك التطور والتزايد في القضايا المدنية والجزائية أفضى إلى كثير من التراكم والتعطيل، فأصبح تأجيل نظرها إلى جلسات متعددة هو السمة الغالبة على عمل المحاكم.
وترتيباً على ذلك-وتحت ضغط حاجة المجتمعات- ظهرت الوسائل البديلة لحل المنازعات، في حلتها المعاصرة، ولاسيما من خلال إعطاء دور أكبر لأطراف الدعوى ممثلةً في المدعي والمدعى عليه في القضايا المدنية، والمجني عليه والنيابة العامة أو الجاني في القضايا الجزائية، لتسويتها بالطرق التصالحية نتيجة لعدم فاعلية الجهاز القضائي التقليدي في حسمها، وكثرة المُعيقات الموضوعية والشكلية، وهذا ما شجع على سطوع نجم ما يعرف “بالوسائل البديلة لحل النزاعات” وعلى رأسها التحكيم والصلح وغيرها.
ويعاني مجتمعنا الفلسطيني من ظاهرتين هامتين أولاهما: زيادة عدد المنازعات والجرائم. وثانيهما: كثرة فسخ وبطلان أحكام التحكيم المحلية، بالرغم من كثرة اللجوء لهذا الطرق البديلة عن القضاء لحل النزاعات.
ونظراً للتحول في أسلوب المجتمعات في آلية حل النزاعات ذهب البعض([1]) إلى القول بأن المنظومة القضائية بما ترمز إليه وتسهر على تطبيقه من عدل وإنصاف، قد أصبح في حاجة لمن ينصفه.
فضلاً عما تقدم، ظهرت مشكلة ما يُعرف ببطء العدالة وتكدس القضايا، أو ما يعرف بأزمة العدالة الجنائية أو العدالة بصفة عامة. وعلى الرغم من الجهود والمحاولات المضنية المبذولة من الدولة لتخفيف العبء عن كاهل القضاة عن طريق زيادة أعدادهم، فإن هذه الزيادة لا تتناسب مع الزيادة المتضاعفة لكم القضايا التي تعرض على المحاكم كل يوم([2]). كما أن زيادة عدد القضاة كحل جزئي لمشكلة شمولية عجزت عن احتواء هذا الكم الهائل من المشكلات والخلافات([3]).
أضف إلى ذلك، أن توفير العدد اللازم من القضاة أمر فيه من الصعوبة بمكان، لكونه يتطلب أعباء مالية كبيرة لا تتمكن الدولة من توفيرها في ظل ظروفها الاقتصادية الراهنة، سيما في ظل واقعنا الفلسطيني، وما تمر به المنطقة من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وغيرها.
كما أن الأمر لا يتوقف على تذليل الصعوبات الاقتصادية وحدها، بل إن الأمر يتطلب أبعد من ذلك، فتوفير القضاة يتطلب توافر شروط معينة فيمن يُسند إليهم القيام بتلك المهمة الجليلة، سواءً من ناحية الخبرة العملية أم القانونية أم التحلي بالقيم الأخلاقية. وهذه الأمور ليست بالهيّنة([4])، فمن ولُي مهمة القضاء فقد ذُبح بغير سكين([5]).
ومن جانب آخر، فإن النظم البديلة لحل النزاعات كالتحكيم والصلح على سبيل المثال لا الحصر، أضحت تُغرقها المشاكل والعقبات التشريعية من ضعف ونقص، وعقبات عملية وإجرائية تتمثل في سوء التطبيق والممارسة لتلك الأنظمة البديلة، وقلة خبرة وتأهيل القائمين عليها، وبالتالي كثرة فسخ وإبطال أحكام التحكيم، مما أجهد القضاء – من الناحية العملية- في أمور أكبر مما كان يتحملها لو نظر هذه النزاعات ابتداء .
أولاً – أهمية البحث :
تكتسب هذه الدراسة أهميتها الخاصة لأن الوسائل البديلة لحل النزاعات وعلى رأسها التحكيم والصلح وُجدت لتلعب دوراً هاماً في النزاعات عموماً، والمسائل الجنائية خصوصاً. ومن ثم فإن الكثيرين ممن يتعاملون بها ومعها، في حاجة لمعرفة هذه البدائل شكلاً ومضموناً، ولاسيما في ظل ظهور نظم حديثة تعمل على تسوية الخصومات المدنية، والقضايا الجزائية بصورة رضائية بين أطراف الدعوى الجزائية.
فضلاً على أن موضوع الوسائل البديلة لحل النزاعات -كأصل عام- يمس حاجة رجل العدالة أو القاضي سواء المدني أم الجنائي في مسيرته العملية والتطبيقية، لأنها تعتبر من أفضل الوسائل التي تُعينه على حسم أكبر عدد من الدعاوى المعروضة عليه، أو تحول دون تكدس القضايا أمامه، وأهمها التحكيم والصلح والتصالح وغيرها من نُظم التوفيق والوساطة، وواقع المحاكم الفلسطينية يُعضد هذا الأمر ويؤكد هذه الوجهة.
كما تكتسب هذه الدراسة أهميتها من حيث اعتبارها باكورة للتوسع في الدراسات القانونية في مجال الأنظمة التصالحية فلسطينياً، على ضوء التطور في السياسة الجنائية الدولية المعاصرة بهذا الخصوص، وجنوحها لوسائل التسوية والتصالح أو التحكيم، بما يتوافق مع مجريات العمل الفعلي الواقعي في فلسطين، دون أن يواكب ذلك نضوج العمل التشريعي أو تطوره في سبيل تنظيم هذه المسألة، مما يثير اهتمام الباحثان الحريصان على التطبيق الصحيح للقانون، وتطوير المنظومة القانونية أو التشريعية في فلسطين وإصلاحها. فضلاً عن حث المشرع الفلسطيني على تبني ما هو جديد، ومعالجة كل نقص وقصور اعترى النظام القانوني الفلسطيني من قصور بهذا الشأن.
ثانياً: أهداف البحث
1- الخروج من الحلقة المفرغة المتمثلة في تحديد نطاق ما يجوز فيه التصالح أو الصلح، بناءً على المبدأ الذي ينادي بجواز الصلح فيما يجوز فيه التحكيم، في ظل ربط جواز مباشرتهما بشرط عدم مخالفة النظام العام. بيد أنه لا يوجد حتى الآن مفهوم واضح ومحدد للنظام العام على الصعيد الوطني أو الدولي. وهو أمر غير مبرر من حيث ربط نظام التحكيم- وهو نظام معلوم- بنظام غير معلوم وغير محدد نطاقاً وهو النظام العام. فلا يوجد حصر أو بيان للجرائم والنزاعات التي لا يخالف التحكيم فيها أو التصالح بشأنها للنظام العام على الصعيد الفلسطيني، خلافاً للتوجهات التشريعية الدولية المقارنة في هذا المجال.
2- الحد من الطعن على أحكام التحكيم المحلية في فلسطين، والحيلولة دون فسخها وإبطالها إما للخطأ في الإجراء أو الخطأ في التقدير من قبل المحكمين. وإما لفض نزاعات لا يجوز فيها التحكيم أصلاً لتعلقها بالنظام العام. دون إغفال لآخر المستجدات الوطنية والدولية في مجال التحكيم في المسائل الجزائية – رغم اعتبارات النظام العام- والذي يحظر قانون التحكيم الفلسطيني بدوره التحكيم بصددها، سيما نص المادة الرابعة منه، والمادة الثانية من لائحته التنفيذية([6]).
3- تدعيم الوسائل البديلة في فض المنازعات وتقييمها، ومواكبة التطورات والمرونة التشريعية المُتبعة للتوسع بنظام التصالح في الكثير من الجرائم البسيطة والمتوسطة. وبالتالي امتداد وتوسع نطاق نظام التحكيم في المسائل الجزائية إلى ما كان يحظر عليه نظره سابقاً، لاتساع نظام التصالح في بعض الجرائم حديثاً. فضلاً على موائمة الواقع الفلسطيني أو الممارسة الفعلية للتحكيم على الأرض، بالواقع التشريعي القانوني أو الإطار المنظم لهذا الطريق لفض الخصومة، ولاسيما في ضوء التوجه الدولي لتوسيع نطاق التصالح في بعض الجرائم، ومن ثم يجوز التحكيم فيما جاز فيه الصلح.
4- التخلص من مشكلة التحكيم غير القانوني المتمثل في التحكيم في الأمور المتعلقة بالنظام العام التي كثرت في مجتمعنا الفلسطيني، دون أن تجد هذه الممارسة الغطاء القانوني أو التشريعي لها، رغم فعالية هذه الوسائل البديلة في حل النزاعات في فلسطين، بل وأصبحت سمة من سمات المجتمع الفلسطيني ورافداً من روافد تحقيق الأمن والاستقرار والسلم الأهلي. ولا يتأتى ذلك إلا بمعرفة أمور هامة متمثلة في دور جميع أطراف النزاع ومؤسسات المجتمع المدني والقضاء ورجال الإصلاح والمحكمين في تسوية الخصومات الجنائية وغيرها بصورة رضائية. أي بيان نطاق ما يجوز فيه التصالح أو الصلح، حتى ينصرف بدوره إلى إجازة التحكيم بالتبعية، وخروجه من طريقه الأصيل إلى الطريق الاستثنائي لفض الخصومة، ولاسيما من خلال بيان الجرائم المشمولة بنظام التصالح، فينصرف ذلك إلى التحكيم، دون الاصطدام بمخالفة ذلك للتشريع الفلسطيني.
5- تهدف الدراسة أخيراً إلى الوصول إلى غاية شرعية ونبيلة، تتمثل في موافقة القانون الوضعي الفلسطيني للشريعة الإسلامية، التي تجيز التحكيم والصلح عموماً في جميع المسائل باستثناء الحدود والأمور المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى، ولاسيما في ظل مفارقة غريبة تتمثل في لجوء الدول الغربية المتطورة لهذا التوجه المتمثل في التوسع في الصلح والتحكيم في المسائل الجزائية – بل وبعض الدول العربية الشقيقة- بما يصب في مجرى التوافق مع الشريعة الإسلامية، وخصوصاً بعد أزمات أعيت هذه البلدان جعلتها تسن تشريعات وقوانين تتوافق مع الشريعة الإسلامية بغير قصد ديني منها وصولاً إلى حل مشاكلها. ولعل تخفيض نسبة الفائدة(الربا) إلى صفر في البلدان التي تعاني من الأزمات والركود الاقتصادي حالياً، والعودة إلى ما كانت تُقره الشريعة في جواز التصالح والتحكيم في المسائل الجزائية منذ القدم خير دليلين على ذلك .
ثالثاً : منهج البحث اعتمد الباحثان في المنهجي التحليلي المقارن لنصوص التشريعات وآراء الفقهاء،وعلى ضوء أحكام محكمة النقض المصرية وصولاً إلى أهم التوصيات والأهداف المبتغاة من الدراسة.
رابعاً : خطة البحث تعرض الباحثان لموضوع الدراسة من خلال ثلاثة مباحث، فتناول في المبحث الأول فلسفة الوسائل البديلة لحل النزاعات، ثم تعرض في المبحث الثاني للتحكيم والصلح في الشريعة الإسلامية ونطاقه، وأخيراً تناول أهم التطبيقات الحديثة للمبدأ التوسعي للصلح والتحكيم في المسائل الجزائية في مبحث ثالث.
المبحث الأول
فلسفة الوسائل البديلة لحل النزاعات
لقد أدى تطور الحياة وسعة آفاقها إلى تشعب العلاقات بين أفراد المجتمع، وهذا أدى بدوره إلى تشابك المصالح الشخصية لكل فرد تجاه الآخر، مما دعا المنظومة الاجتماعية والقانونية وتحت ضغط الحاجة إلى فض المنازعات، أن تسعى إلى إيجاد سبل ووسائل تُجيز وتحقق ذلك الغرض بطرق متعددة وبمسميات مختلفة. فوجدت أن من أفضل السبل والطرق التي يتم فيها حسم النزاع، الأسلوب الرضائي الودي لفض الخصومة في المسائل المالية وبعض المسائل الجزائية بين الخصوم، لكون ذلك الطريق الذي يحظى بموافقة وقبول ورضى جميع الأطراف .
وبناء عليه فقد سطع نجم التحكيم كوسيلة بديلة لحل المنازعات، كنتاج لعدم فاعلية الجهاز القضائي التقليدي في حسم العديد من القضايا، والرغبة الودية التصالحية في حل النزاعات.
ونظام التحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات عموماً تهدف إلى معالجة أسباب النزاع، وبذل الجهود للقضاء على مسبباته في المستقبل من خلال الأنظمة الحديثة، مثل نظام الصلح والتوفيق والتسوية أو الوساطة الجنائية وما إلى غير ذلك من الوسائل القانونية الحديثة والواعدة في هذا المجال.
ولا يخفى على أحد أن من أهداف هذه البدائل هو تخفيف العبء عن كاهل أجهزة العدالة القضائية، بل تعتبر الوسائل التصالحية وسيلة عملية وفعالة لفض النزاعات المالية بشكل عام والجزائية بشكل خاص، لما تتميز به من قلة شكلياتها ومحدودية الخصومة فيها، وغلبة الجانب التعاقدي عليها. وبذلك فهي تتشكل اليوم من جملة من الإجراءات المستحدثة المتميزة والمختلفة عن الإجراءات التقليدية. وهذا قول ليس بغريب عن مضمون التحكيم وماهيته، فالتحكيم نظام قانوني استثنائي من حيث الأصل، يقوم بمقتضاه أطرف علاقة قانونية عقدية كانت أم غير عقدية، بالاتفاق كتابةً على أن يتم الفصل في نزاع نشأ بينهما، أو قد ينشأ في المستقبل، بواسطة محكم أو أكثر أو هيئة تحكيم دائمة، وفق القانون والإجراءات التي يختارها الأطراف للوصول إلى حكمٍ ملزمٍ بينهم([7]).
المطلب الأول
السياسة العقابية في التشريعات الوطنية
لقد تبلورت سياسات سلطة الدولة في العقاب منذ بداية العصر الإسلامي، بل وبدأ التحول في إيجاد الوسائل البديلة لحل النزاعات منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يعطي للشريعة الإسلامية الغراء فضل السبق في هذا المضمار، ولعل قول عمر رضي الله عنه” ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن”([8])، خير شاهد على ذلك، من حيث سعي الشريعة الإسلامية لما يُصلح شأن المجتمع، بغض النظر عن جمود مبدأ سيادة الدول. فالشريعة الإسلامية منذ فجر ظهورها- كما أسلفنا- قد أجازت الصلح في بعض الجرائم وحرمته في بعضها، وتركت لولي الأمر التصرف في الجرائم الأخرى .
وعلى صعيدٍ آخر، نجد أن التشريعات اتجهت لهذا السبيل من واقع عملي، فقد لوحظ أن لبعض القضايا طبيعة خاصة، حيث تطول فيها الإجراءات والآجال، مما يترتب عليه أن تتكبد الدولة نفقات باهظة، وجهود مضنية تستنفد جهود الجهات القضائية المختصة إلى حد كبير، كما يتحمل أطراف الدعوى أعباء كبيرة من وقت ومصاريف ورسوم وغيرها([9]). فكان من أهم معالم التطور القانوني هو بدائل الخصومة القضائية للنظر في المنازعات بغير الإجراءات التقليدية(كالتصالح أو الصلح أو التحكيم)، بما يُمكّن رجال القضاء والعدالة –بما في ذلك المحكمين-من التغلب على مشكلة بطء الإجراءات وعرقلة سير العدالة، لكون العدالة البطيئة تعتبر صورة من صور الظلم.
ومن الجدير بالذكر، أن غالبية التشريعات قد حددت على سبيل الحصر الجرائم التي لا يجوز تحريكها إلا بناءً على شكوى من المجني عليه([10])، كالسرقة بين الأزواج وبين الأصول والفروع، حيث يخشى المشرع أن يكون أضرار الإجراءات الجنائية بهذه الصلات وبالمجتمع أكثر من الفائدة التي يمكن أن يحققها، فيترك للمجني عليه المقارنة بين الوجهتين وتقدير أيهما أجدر بالرعاية([11]).
ولما كان المشرع الجنائي-كنموذج- قد ترك للمجني عليه في الجرائم التي قيّد تحريك الدعوى فيها بقيد الشكوى، ملائمة تحريك الدعوى الجزائية من عدمه، فإنه يكون من المعقول والمنطقي أن يمنحه الحق في التنازل عن الشكوى بعد تقديمها. وهذا الأمر ليس غريباً، فالتصالح عبارة عن تصرف قانوني يُرتب أثراً في مجال الإجراءات الجنائية، وهو إنهاء الدعوى الجزائية، يتم بمحض إرادة المجني عليه أو من يقوم مقامه قانوناً، ولا يقتصر على عرض من سلطة التحقيق أو المحكمة([12]).
وفي نفس السياق، نجد أن المشرع المصري قد تساهل في الأخذ بنظام التصالح في العديد من الجرائم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، بل ووسع في نطاقه، وذلك بمقتضى القانون رقم 174 لسنة 1998م بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية بموجب المادة (18) مكرراً ([13]).
كما وسع المشرع المصري في تعديلات قانون الإجراءات الجنائية لعام 2006 من الحالات أو الجرائم التي يجوز فيها التصالح، رغبة منه في مواجهة مشكلة تفاقم الجرائم وما يتعلق بها من أزمات من خلال إعطاء أطراف الدعوى الجنائية المتهم والمجني عليه مُكنة إنهاء الخصومة الجزائية بدون حكم.
وترتيباً على ذلك يُعد هذا النص تطبيقاً للاتجاهات الحديثة في التشريعات الجنائية المعاصرة التي تعطى للمجني عليه دوراً ملحوظاً في إنهاء الدعوى الجنائية بالنسبة لبعض الجرائم([14])، وأهمها تلك الجرائم الواقعة على الأفراد والتي توصف بأنها قليلة أو متوسطة الخطورة، والتي تقع على المجني عليه بمناسبة علاقاته الاجتماعية بالمتعاملين معه، دون أن يتعارض هذا التصالح أو الصلح في تلك الأحوال مع النظام العام أو مقتضيات الحفاظ على المصلحة العامة([15]).
وبهذا الصدد قررت محكمة النقض المصرية بأنه “من المقرر أن الصلح عقد ينحسم به النزاع بين الطرفين في أمر معين وبشروط معينة ولهذا وُجب ألا يُتوسع في تأويله وأن يقتصر تفسيره على موضوع النزاع على أن ذلك لا يحول بين قاضى النزاع وبين حقه في أن يستخلص من عبارات الصلح ومن الظروف التي تم فيها نية الطرفين والنتائج المبتغاة من الصلح ويحدد نطاق النزاع الذي أراد الطرفان وضع حد له باتفاقهما عليه – شأنه في ذلك شأن باقي العقود – إذ أن ذلك من سلطته وله رقابة عليه فيه مادامت عبارات العقد والملابسات التي تم فيها تحتمل ما استخلصه منها وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من عبارات التصالح الواردة في محضر جمع الاستدلالات على لسان المجني عليه أنها لا تحمل معنى التنازل عن حقه في التعويض وكان استخلاصه سائغاً في العقل تحمله عبارات التصالح وملابساته فإن ما انتهى إليه الحكم من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية لسبق تنازل المدعى بالحقوق المدنية عن حقه يكون قد اقترن بالصواب”([16]).
وانسجاماً مع التحول التشريعي في مصر حديثاً في هذا الأمر، أصدر النائب العام المصري الكتاب الدوري رقم(10) لسنة 2006 بشأن الأحكام المستحدثة في نظام التصالح في بعض الجرائم المنصوص عليها في المادة (18 مكرر) من قانون الإجراءات الجنائية المصري الذي يكرس التوسع في هذا النظام، وكما سنرى مضمونه تفصيلاً فيما بعد.
إلا أنه رغم ما سقناه وسنسوقه من مزايا يحققها نظام التحكيم والصلح أو التصالح ، إلا أنه يجب علينا الإشارة إلى بعض المثالب التي تعتريه بهدف تلافيها. فلم يسلم التوجه الجديد من سهام النقد على أساس أن هذا النظام فيه خلط بين حق الدولة في العقاب، وحق المتضرر من الجريمة في التعويض. كما أنه يهدم سلطة النيابة العامة في تقرير ملائمة رفع الدعوى الجزائية من عدمه، فضلاً على أن التصالح قد يتم عن طريق الترغيب أو الترهيب أو الإكراه على المجني عليه.
وعلاوةً على ذلك، فإن اعتماد هذا النظام يجعل من الجرائم مجرد أفعال ضارة لا يُطلب فيها سوى التعويض. كما ويفتقر إلى مبدأ تحقيق الردع الخاص أو العام، وتحديداً في مجال الجريمة الاقتصادية، فالردع الخاص يستلزم أن يقف المتهم علناً في موقف الاتهام، وأن يصدر ضده حكم يتم تسجيله في صحيفة السوابق أو الحالة الجنائية.
أما الردع العام، فإنه لا يتحقق نظراً لانقضاء الدعوى وحل النزاع بشكل سري – في معظم الأحيان- أي يتم بعيداً عن أعين الناس وسمعهم، مما يجعل المتهم في النهاية يستهين بهذه الجرائم التي يجوز فيها التصالح([17]).
إلا أن الأمر – وبحق- ليس بهذه البساطة، فالغاية من تبني التشريعات للأنظمة البديلة لحل النزاعات، هي تبسيط وتيسير الإجراءات الجنائية، وتخفيف العبء عن كاهل القضاء، وفض النزاع على نحو تهدأ به النفوس وتستقر المعاملات ويتحقق السلم الأهلي.
كما أن تعارض نظام التحكيم في المسائل الجزائية مع الردع بنوعيه هو في حقيقته تعارض شكلي غير موضوعي، لأن نظام الصلح لا يُطبق بصفة عامة إلا على الجرائم البسيطة قليلة الأهمية التي لا تسبب ضرراً جسيماً فادحاً بالمجني عليه أو بالمجتمع، ومن ثم بات النفع من هذا التقنين أعظم من ضرره.
المطلب الثاني
موقف التشريعات الأجنبية من المنهج التوسعي في التصالح والتحكيم في المسائل الجزائية
لقد ذهبت بعض التشريعات الغربية الحديثة بعيداً في هذا الأمر، ومنها قانون تحقيق الجنايات البلجيكي، والذي اعتمد بدوره الوساطة الجنائية في المخالفات والجنح والجنايات المعاقب عليها بالأشغال الشاقة لمدة لا تزيد على عشرين سنة([18])، فيما إذا رأت النيابة العامة أن طبيعة الجناية في الحالة الواقعية المعروضة يجب أن يعاقب عليها بعقوبة الحبس لمدة سنتين أو أكثر بعد تطبيق الظروف المخففة. وبالتالي يُطبق التصالح أو الوساطة الجنائية على مثل هذه الجناية في مثل هذه الحالة([19]).
وقد عُرفت في بعض المقاطعات البلجيكية بعض نظم الوساطة الجنائية، وهي أنواع متعددة ومختلفة من وسائل التصالح والوساطة، وهي حقيقةً على جانب من الأهمية([20])، علماً بأن القانون البلجيكي قد أعطى للنيابة العامة حصرياً سلطة تقدير ملائمة اللجوء إلى إجراء الوساطة الجنائية([21]).
وقد تبنى المشرع البلجيكي نظام المصالحة الجنائية، وأشترط لتطبيقها إثبات الجرمية وعدم إثارة الدعوى العمومية، وعدم طلب التحقيق أو رفع دعوى أمام القضاء، كما يشترط في الجريمة موضوع المصالحة أن تكون عقوبتها الغرامة أو السجن لمدة لا تتعدى خمس سنوات أو الاثنين معاً[22].
ونادى بعض الفقه العربي([23]) صراحةً بتبني هذا النظام الرضائي البديل، وخاصة في علاج القضايا العائلية أو محيط الجيران. ولا مراء في أن نظام الوساطة صالح للتطبيق في المجتمع العربي، عن طريق تبني نظام قانون يسمح بإحالة بعض القضايا ذات الطابع العائلي أو في محيط الجيران أو الأسرة إلى لجان إصلاح، بشرط رضا كافة أطراف الدعوى الجزائية، وفي جرائم خاصة وجنح محددة ذات الطابع المذكور، وخلال مدة محددة، بحيث يترتب عليها إنهاء الدعوى الجزائية حين تنفيذ بنود الوساطة، سواء باعتذار الجاني وإنهاء الاضطراب الجنائي الذي أحدثته الجريمة، أو بالتعويض المادي للمجني عليه([24]).
كما استحدث المشرّع الفرنسي بدوره بدائل تصالحية للدعاوى الجزائية كمبدأ جديد ومستحدث تمثل بالقانون رقم (99-515) الصادر في 23 حزيران سنة 1999م بشأن تدعيم فعالية الإجراءات الجزائية، ثم عدله بالقانون رقم (399-2006) الصادر في 4 نيسان سنة 2006م. علماً بأنه يُشترط في الجريمة التي تجوز فيها إجراء التسوية الجزائية أن تكون مما نصت عليه المادتين (41/2) و(41/3) من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي. وهي الجرائم الموصوفة بالجنحة التي يعاقب عليها– كعقوبة أصلية – بالغرامة أو بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وكذلك الجرائم الموصوفة بالمخالفة. واستثنيت تلك الجرائم التي تقع بواسطة الصحف وجرائم القتل الخطأ والجرائم السياسية([25]).
وقد شهد القانون الفرنسي هذا التطور الذي يقوم على الاتفاق بين إرادة النيابة العامة وإرادة المتهم لتحقيق العدالة الجنائية حتى أطلق البعض([26]) على هذا الاتفاق بأنه ينطوي على خصخصة للإجراءات الجزائية، وبذا يكون هذا الفكر اقترب من الفلسفة القانونية المتمثلة في خصخصة القضاء، ولا سيما من خلال نظام التحكيم الذي هو قضاء خاص، بل قضاء أصيل في المسائل التجارية الدولية ([27]).
وعودٌ على بدء، فقد تأسس هذا التطور والتحول الذي طرأ على السلطة التي تتمتع بها النيابة العامة، واعتبارات الملائمة في مباشرة الدعوى الجنائية من عدمها، وفى هذا الإطار عرف القانون الفرنسي عدة نظم مختلفة في سبيل الوصول إلى هذه الغاية([28]).
المطلب الثالث
تطور السياسة الجنائية الوطنية عبر إنشاء بدائل الدعوى العمومية
الفرع الأول-الوسائل التي نظمها قانون الإجراءات الجزائية المصري :
أولاً – ترك الدعوى الجنائية :
نصت المادة (260/ 2) إجراءات المعدلة بالقانون رقم (174) لسنة 1998([29]) على أنه “يترتب على ترك الدعوى المدنية أو اعتبار المدعى بالحق المدني تاركاً لها بعد أن أقامها بالإدعاء المباشر, الحكم بترك الدعوى الجنائية ما لم تطلب النيابة العامة نظرها”. وهو يوافق ما سار عليه قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي في المادة (425) منه . ولا يعد ترك الدعوى الجنائية انقضاء لها, فما زال حق النيابة العامة في إقامتها ومتوافراً حتى تنقضي المدة بالتقادم، حتى ولو لم تطلب النيابة العامة نظرها منذ ترك المدعى المدني دعواه في الدعوى المباشرة، لأن ترك الدعوى لا يفيد انقضائها طالما بقى الحق في إقامتها.
ثانياً :التصالح :
أجاز قانون الإجراءات الجنائية المصري ابتداءً بموجب نص المادة (18) مكرر منه “التصالح في مواد المخالفات، وكذلك في مواد الجنح التي يعاقب القانون عليها بالغرامة فقط- وهذا موقف المشرع الفلسطيني حتى الآن- وفى هذه الحالة يكون عرض التصالح بواسطة مأمور الضبط القضائي المختص على المتهم أو وكيله, ويكون عرض التصالح في الجنح من النيابة العامة.
وقد حددت هذه المادة قيمة التصالح بربع الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو قيمة الحد الأدنى المقرر لها أيهما أكثر، مع وجوب أن يتم التنفيذ خلال خمسة عشر يوماً من اليوم التالي لعرض التصالح. فإذا انقضت هذه المدة دون تنفيذ التصالح لا يسقط حقه في التصالح إذا دفع مبلغاً يعادل الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة، أو قيمة الحد الأدنى المقرر لهما أيهما أكثر. كما يسري ذات الحكم القانوني عند التوافق على التصالح حتى بعد إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة. ويترتب على دفع مبلغ التصالح انقضاء الدعوى الجزائية ولو كانت مرفوعة بطريق الإدعاء المباشر, ولا يكون له تأثير على الدعوى المدنية.
إلا أن الأمر ما لبث وأن تغير و توسع، ولا سيما في ظل التعديلات التي جرت على قانون الإجراءات الجنائية لعام 2006م في هذا الشأن، حيث أصبح يجوز الصلح في العديد من الجرائم التي تعتبر من الجنح البسيطة أو المتوسطة، أو التي يعاقب عليها بالغرامات والحبس، بل وبعض حالات تصل إلى جريمة القتل الخطأ وغيرها من الجرائم، وكما سنرى في البند الثالث-لاحقاً- والمتعلق بالصلح.
ثالثاً :الصلح :
من خلال الاطلاع على القوانين الوطنية نجد أنها لم تحدد مفهوم الصلح بشكل جامع مانع، ، ولكننا نجد أن القضاء الفرنسي قام بتعريف الصلح بأنه” نزول الهيئة عن حقوقها مقابل الفعل الذي قام عليه الصلح، ويحدث أثرة بقوة القانون”، كما قامت محكمة النقض المصرية بتعريف الصلح الجنائي بأنه ” نزول من الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح”[30].
ويعرفه بعض الفقه بأنه” نزول الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل مبلغ التصالح الذي حدده المشرع”[31].
نستنتج من خلال التعريفات السابقة أن الصلح عبارة عن تصرف قانوني يرتب أثر في مجال الإجراءات الجنائية، ولا يترك للأفراد تحديده.
في نفس السياق نجد أن المشرع المصري قد عدل القانون رقم 145 لسنة 2006 ووسع من نطاق الصلح في المادة (18/أ) المعدلة والتي أجازت للمجني عليه أو كيله الخاص ولورثته أو وكيلهم الخاص أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة حسب الأحوال عما إذا كانت تحدد له جلسة أن يثبت صلحه مع المتهم، وذلك في الجنح والمخالفات المنصوص عليها في قانون العقوبات المصري([32]).
ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الإدعاء المباشر، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة، وهو ما أكدته أحكام محكمة النقض المصرية([33]).
ومن جانب آخر، فإن مدلول مصطلح الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون بشأن أثر الصلح في انقضاء الدعوى الجنائية- سواء في القانون القديم أم المعدل- يفتح الباب لدخول جرائم جديدة لنظامي الصلح والتحكيم، وعلى رأسها الحالة التي نصت عليها المادة (534) من قانون التجارة المصري ([34]), والتي تنص على أنه “يترتب على الصلح في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة والمتعلقة بإصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف, انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الإدعاء المباشر”، وقد سايره المشرع الفلسطيني في هذا الأمر في ظل صدور قانون التجارة الفلسطيني الجديد كما سنرى.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نصت على وقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح في أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتاً. بيد أننا نجد هنا أن الصلح الذي يتم بعد أن يصبح الحكم باتاً يصيب الحق في تنفيذ العقوبة، دون أن يصيب الحق في الدعوى الجزائية التي تمت مباشرته حتى قُفل باب الدعوى بلا رجعة بصدور الحكم المتصالح عليه.
ومن الجدير بالذكر، أن مصطلح ” الصلح الجنائي ” كان ينصرف إلى الصلح بين المجني عليه والمتهم إلى طائفة معينة من الجرائم، حددتها المادة 18 مكرراً (أ) من قانون الإجراءات الجنائية المصري قبل تعديلها بالمادة الأولى من القانون رقم 145 لسنة 2006، حيث كانت في مجملها من الجنح التي يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة التي يزيد حدها الأقصى على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين حتى صدور التعديل([35]).
ويرى الباحثان بأنه يجدر بالمشرع الفلسطيني تحديد بعض الجرائم التي يجوز فيها التصالح أو الصلح ومن ثم التحكيم، أسوةً بالقانون المصري والفرنسي اللذيّن كانا أكثر وضوحاً وتنظيماً في هذه المسألة.
ومن ناحيةً أخرى، تختلف آلية معالجة المشرع المصري في تحديد الجرائم محل الصلح بين المجني عليه والمتهم، عن تلك التي ينتهجها المشرع الفرنسي في تحديد الجرائم محل الصلح أو الوساطة الجنائية التي بموجبها ستُصبح محلاً للتحكيم. فبينما نجد أن الأول عمد إلى وضع قائمة بالجرائم التي يُطبق بشأنها الصلح مع إمكانية إضافة غيرها.إذ بالثاني يرغب عن سلوك هذا المنهج تاركاً لرئيس النيابة أمر تحديد هذه الجرائم في حدود ما تتمتع به من سلطة تقديرية.
فالمشرع المصري يسمح للمجني عليه بالتصالح مع المتهم في جرائم محددة, مما يعني أن الجرائم الواردة في القانون المصري قد وردت على سبيل الحصر. ومع ذلك, فإنه يجوز التوسع في التفسير, باستخدام القياس، استناداً إلى حظر الأخير-القياس- في مواد التجريم والعقاب وجوازه فيما عدا ذلك. مع ما قد يحمله هذا التوجه من خطورة لكون التصالح في ذاته محض استثناء على القاعدة العامة في اختصاص النيابة العامة بتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية.
ولما كان ذلك فقد وجب الحذر في تطبيق النص المشار إليه، بحيث لا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه, لأنه ” لا صلح بغير نص” حسب فلسفة التشريع المصري، كما أن المشرع قد أردف الجرائم محل الصلح بعبارة ” وفى الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون. ومن ثم يكون جائزاً إضافة جرائم جديدة بقوانين خاصة تالية في صدورها لتاريخ العمل بالقانون رقم 174 لسنة 1998, كما تأكد ذلك بصدور قانون التجارة المصري الجديد رقم 17 لسنة 1999 الذي ينص على انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح أو الصلح بين المجني عليه والمتهم في الجرائم الوارد في المادة (534) منه([36])، وكذلك بصدور تعديلات قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 145 لسنة 2006، الذي أضاف سلسلة جديدة من الجرائم التصالحية.
واستيضاحاً للتعديلات المذكورة وتحديداً لمفهومها، فقد سار الكتاب الدوري الصادر عن النيابة العامة المصرية-المشار إليه- مكملاً ومنسجماً مع قانون الإجراءات الجزائية المصري، حيث أنه استقى نظامه التوسعي الجديد للصلح من نصوص وروح تعديلات قانون رقم 145 لسنة 2006م- سالف الذكر- ولاسيما التعديل المتعلق بالمادة(18/أ) المعدلة بالمادة الأولى من هذا القانون. وقد حدد الكتاب الدوري الصادر عن النائب العام حصرياً الجرائم التي أضحى يجوز فيها التصالح والصلح والتحكيم([37]).
الفرع الثاني
التحكيم و التصالح في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001
في الواقع لقد استقر قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني على حاله في هذه الجزئية منذ صدوره، رغم تقدم الواقع العملي والممارسة الفعلية لنظامي التحكيم والتصالح على أرض الواقع. فقد اقتصر تنظيم القانون المذكور لما يجوز فيه التصالح والتحكيم في ثلاثة مواد قانونية فقط هي (16،17،18)[38].
وعلى ذلك فقد اقتصر نص المادة (16) منه على جواز التصالح في مواد المخالفات والجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط، وبالتالي فالمبدأ العام أن ما يجوز فيه التصالح يجوز فيه التحكيم – كما أسلفنا- فيكون التحكيم في المسائل الجزائية مقصوراً على مواد الجنح والمخالفات المعاقب عليها مالياً بالغرامة فقط.
وفضلاً على ذلك فقد أوجب قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني على مأمور الضبط القضائي المختص عند تحرير المحضر أن يعرض التصالح على المتهم أو وكيله في المخالفات ويثبت ذلك في محضره، ويكون عرض التصالح في الجنح من النيابة العامة[39].
وقد فرض القانون المذكور على المتهم الذي يقبل التصالح أن يدفع خلال خمسة عشر يوماً من اليوم التالي لقبول التصالح، مبلغاً يعادل ربع الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو قيمة الحد الأدنى المقرر لها -إن وجد- أيهما أقل، وذلك بموجب المادة (17) منه.
كما قرر صراحةً انقضاء الدعوى الجزائية بدفع مبلغ التصالح، ولا يكون لذلك تأثير على الدعوى المدنية، وفقاً لنص المادة(18) منه. مما يعتبره الباحثان-وبحق- جمود وقصور وجب على المشرع الفلسطيني تداركه أسوة بالتعديلات التشريعية المقارنة، وعلى رأسها قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي والمصري، الذي لم يوقف نطاق التصالح عند حد الجرائم التي يكون معاقباً عليها بالغرامات المالية فقط، بل تعدى ذلك إلى إجازة التصالح بنص صريح في القانون،
ومن ثم، كل ما جاز فيه التصالح والصلح يجوز فيه التحكيم. وواقع ما تعج به هيئات ومحاكم التحكيم الفلسطينية من نظر نزاعات غير مالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وتوسع، دون تغير الواقع القانوني الفلسطيني في هذا الأمر رغم الدور الهام الذي تلعبه هيئات التحكيم ولجان الإصلاح في مجتمعنا الفلسطيني من تحقيق الأمن والسلم الأهلي والمجتمعي، رغم خروجها عن قواعد الاختصاص الأصيل للقضاء الوطني في كثير من القضايا إلى حد كبير.
وفي نفس السياق، يجب ألا يسوقنا هذا الأمر إلى إغفال ملاحظة دقيقة وبالغة الأهمية في هذا المضمار لابد من توضيحها بعد هذه المعالجة أو المقارنة، وهي أن التحكيم لا يكون بصدد إثبات مسئولية الجاني أو إدانته أو تبرئته، ولاسيما في الأنظمة التي تماهت مع التصالح والتوسع في نظام التحكيم في المسائل الجنائية، لأن هذا الاختصاص وبحق يُعتبر من النظام العام ولا يمكن تجاوزه برأي الباحثان.
بينما يزول اللُبس في هذه المسألة عندما تتبين لنا وظيفة التصالح أو الصلح الذي بُني على جوازه جواز التحكيم. فلا يمكن أن يقوم التصالح بين شخص غير مُقر بجريمته أو بخطئه. وهذا أمر بديهي فهل يتصالح شخص على أمر أو فعل يشكل جرماً قد يثبت أنه بريء منه، أو لم يفعله؟ دون أن يقر بفعلته؟! لا شك أن مثل هذا الأمر غير منطقي وغير متصور. وبالتالي لابد أن يكون التصالح على أمر قد وقع من الجاني فعلاً وأقر به واتجهت إرادة الخصوم إلى التصالح بدل من العقوبة، مقابل تعويض مادي أو معنوي- كما سيأتي في التطبيق على جريمة إصدار شيك بدون رصيد لاحقاً- ومن هنا تأتي ثمار التحكيم في المسائل الجزائية التي يجوز فيها التصالح أُكلها، وتكتمل الحلقة الناقصة في هذه المسألة.
المبحث الثاني
التحكيم والصلح في الشريعة الإسلامية ونطاقه
المطلب الأول: موقف الشريعة الإسلامية من نظام الصلح و التحكيم :
تعتبر الشريعة الإسلامية السباقة في إقرار نظام الصلح ، قبل 1400 سنة، وجعلته من الأسباب الموجبة لحفظ الدعاوى ، ولقد وردت آيات قرآنية عديدة تدل على إجازة الصلح منها قوله تعالى، “الصلح خير” [40]، وقوله تعالى : “اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم” [41]، وقد أجازته السنة النبوية الشريفة في الحديث الشريف (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) [42]، وبالتالي يمكن القول أن الصلح يعد أحد المعالم الأساسية للنظام الإسلامي الجنائي وتحت وطأة أزمة العدالة الجنائية، التي تعاني منها الدول اتجهت السياسة الجنائية الحديثة إلى نظام الصلح الجنائي، بعد أن فشل العقاب التقليدي في مكافحة الظاهرة الإجرامية[43].
وفي الحقيقة، عُرف التحكيم في المسائل الجزائية والمالية قبل ظهور القضاء، لأن هذا الأخير يستمد سلطاته من الدولة ، لذا كان من المنطقي ظهور التحكيم في النظام القبلي أو العشائري. فقد كانت الجريمة رد فعل اجتماعي إزاء الجريمة، حيث كان جلب الحق المسلوب أو التعويض عنه، يتم بالنفس- نظام العدالة الخاص- ممن وقع عليه الاعتداء .وفي بدايات العهد الإسلامي كان يُسند أمر إنزال العقوبة إلى رب الأسرة، ثم رب القبيلة، وكانت القبائل حريصة على أداء العدالة، وعلى نزاهة المحكم الذي يحكم في كافة المنازعات وفي إحقاق الحق. وقد اعتمد العرب في تحكيمهم على اتباع العرف وسنن من قبلهم والاحتكام لذوى الرأي والخبرة والفطنة، وكان الحكم لازم التنفيذ.
كذلك عرف العرب بعد الإسلام التحكيم في الدماء، وقد شيد الإسلام نظام قضاء كامل حمل الكثير من مظاهر التحكيم السابق لظهوره. ومازالت حتى يومنا هذا تعقد الجلسات التحكيمية في القبائل العربية دون اللجوء للقضاء لحسم المنازعات كافة، ومنها المنازعات الجزائية. كما أن التحكيم في المسائل الجزائية منتشر اليوم في العشائر والعائلات العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً، وهو ملزم مادياً وأدبيا للمجني عليه دون حاجه إلى وضع الصيغة التنفيذية من القضاء على الحكم في بعض الأحيان.
وغنيً عن البيان، أن الشريعة الإسلامية بدورها عرّفت الجريمة بأنها ” فعل ما حرم الله أو امتناع أمر به معاقب عليه بعقوبة عينها الشارع الإلهي أو ترك تحديدها لتقدير ولي الأمر”. وتتعدد الجرائم والعقوبات التي يمكن أن تكون محلاً للصلح بين المجني عليه والمتهم، ويحيلها فقهاء الشريعة الإسلامية, عند دراسة نطاق تطبيق الصلح, إلى القواعد المقررة للعفو عن العقوبة من المجني عليه أو وليه.
ومع ذلك، فثمة اختلاف جوهري بين العفو والصلح يتمثل في كون الأول محض عمل صادر عن الإرادة المنفردة بغير مقابل, بينما تكون للثاني صفته التعاقدية التبادلية، ويكون فيها المقابل ركناً أصيلاً. وتجيز التشريعات الجنائية المعاصرة بدورها الصلح في بعض جرائم الأشخاص والأموال، حيث تهدف تلك التشريعات من تلك الإجازة إلى محاولة تخطي أزمات أعيت منظومة العدالة، والتي نجمت عن ظاهرة التضخم العقابي نتاجاً للثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي عمت القرية الكونية، وقد بدا مصطلح الصلح بمثابة المنقذ في سماء التشريعات الجنائية المعاصرة([44]).
إلا أن الأمر المطروح في هذا المقام، هو مدى إلزامية وتنفيذ حكم التحكيم الصادر قانوناً، وهي إشكالية تقلل من نجاعة التحكيم – وبحق- في واقعنا الفلسطيني من حيث الحجية أولاً، وهذا لا تتسع هذه الدراسة لمناقشته. ومن حيث نطاق الاختصاص أو مدى إلزامية الأحكام التي تصدر في فلسطين بصدد المسائل الجزائية ثانياً. الأمر الذي يسوقنا إلى الكيفية التي يمكن من خلالها أن نُحد أو نقلل من إجراءات التناحر والتنازع والتقاضي، على ضوء وجود الآلاف من القضايا التي تعُج بها ساحات المحاكم كل يوم، والتي يمكن اختصارها إلى حد بعيد بمبادرات اجتماعية عرفية وإنسانية، تُرسي العدل والحق دون اللجوء إلى أحكام قضائية تُخلّف الأحقاد أو الضغائن بين المتخاصمين، وبما يجنبهم مشاعر الجفاء والضغينة والفرقة والجروح التي لا تضمدها الأحكام القضائية مهما طالت الأيام.
ومن خلال استقراء الأنظمة التشريعية المقارنة والواقع الاجتماعي الفلسطيني، يرى الباحثان ويؤيدا جواز التحكيم في المسائل الجزائية، مع وضع بعض المعايير التي توازن بين حق المجتمع الذي تمثله النيابة العامة، وبين إرادة الجاني والمجني عليه من جانب، والمحافظة على عنصر الردع والأمن وتحقيق السلم الأهلي، ومصلحة المجتمع الفلسطيني من جانب آخر.
المطلب الثاني : الرأي المعارض لما تبنته الشريعة الإسلامية بشأن جواز التحكيم في المسائل الجزائية
رغم ما سيق من إيجابيات بشأن التحكيم في المسائل الجنائية في الشريعة والقانون نجد بعض المبررات التي ساقها البعض([45]) لرفض التحكيم في المسائل الجزائية وأهمها :
1- أن المسائل الجزائية تتعلق بالنظام العام.
2- أن القواعد القانونية الجزائية في شقيها الموضوعي والإجرائي قواعد آمره لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وذلك لارتباطها بالحد الأدنى من ضوابط السلوك الإنساني، ولضمان السلامة الاجتماعية المحمية من قبل الدولة من خلال سن تلك القواعد القانونية وفرض عقوبات على مخالفتها.
3- أن عدم تطبيق الجزاء المشروع لمخالفة القاعدة القانونية الجزائية يهدر أحد أهم أهدافها التي تتحقق بتطبيقها ألا وهو الردع العام والردع الخاص، فمن المعلوم أن تلك الأهداف هي التي تحافظ على العدالة الجنائية التي تمحي الضرر الذي أحدثه انتهاك القاعدة الجزائية للمجتمع والمجني عليه أو المضرور من الجريمة.
4- كما أن التحكيم عمل إرادي يتعلق بمعاملات خاصة بين أطراف المعاملة، فيكون دور حماية تلك المعاملات بتطبيق القوانين المنظمة لها، إذا ما لجأ أحد الأطراف للقضاء للمطالبة باسترداد حقه أو ثبوته أو التعويض ضرر لحقه أثر تلك المعاملات، وعليه يكون التعامل اختيارياً ويكون اللجوء إلى التحكيم إرادياً من الطرفين. وهذا على خلاف القواعد الجزائية، فإذا ما ارتأى أطراف المعاملات المدنية والتجارية فض ما بينهما من منازعات نشأت أو ستنشأ بطريق ودي سواء بالتوفيق أو بالصلح أو الوساطة أو اللجوء إلى التحكيم لإصدار حكم ملزم لكليهما، فتعتبر إرادتهما قد اتجهت إلى ذلك، وارتضيا الحكم مسبقاً بلجوئهما إلى ذلك الطريق كبديل عن القضاء، بدافع الحصول على مميزات التحكيم والمتمثلة بإبقاء العلاقة الودية قائمة، ووصولاً إلى سرعة الفصل في المنازعة من قبل قضاة متخصصون في المسألة محل النزاع دون الحاجة إلى اللجوء إلى الخبرة.
بينما القاعدة القانونية الجزائية إذا ما تم المساس بها فلا يقتصر الأمر على مجرد مخالفة تلك القاعدة، فقد لا يتم الإبلاغ عنها من قبل المجني عليه ويرتضي كليهما الصلح السابق عن العلم العام بالجرم أو المساس بالقاعدة الجزائية.
وهو ما استقرت عليه التشريعات الجزائية والعقابية وتشريعات التحكيم بشأن الصلح وذلك بنصها على أنه “لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام([46]) وإذا كانت النيابة العامة هي المخول إليها القصاص من منتهك القاعدة القانونية ممثلة عن الجاني والمجتمع، فلا يحق لها عقد اتفاق تحكيم أو توفيق أو وساطة فيما بينهما لمخالفة قانون الإجراءات الجزائية. فالنيابة العامة وإن كانت ممثله للمجتمع فهي جزء من مرفق العدالة، والذي هو جزء من مظاهر سلطة الدولة الحقيقية في فرض النظام والأمن والسكينة على المجتمع، والقول خلاف ذلك أو بتدخل آخرين قد يُفشي الظلم والفساد في المجتمع.
وإذ نصت بعض التشريعات الإجرائية الجزائية والعقابية على جواز الصلح بها، فيكون المشرع هنا اعتبر أن حق الدولة والمجتمع والمجني عليه مضمون في هذه الحالة.
بيد أن المجني عليه إذا ارتضى الصلح فيجوز له ذلك، فاعتبر المشرع أن مصلحة المجني عليه قد تكون متحققة في الصلح أو التصالح، بصورة أفضل من تحققها في عقاب الجاني من حيث الروابط الاجتماعية ودرء الضرر بصورة فعالة وسريعة.
فضلاً عن عدم تأثر المجتمع والعدالة العامة بتلك المصالحة، والذي لا يعدو أن يكون محلاً لجريمة أشبه بالشخصية مع المجني عليه. وبعبارة أخرى تتحقق إيجابيات من اللجوء إلى التصالح أكبر من تحققها بالردع العام والخاص عند مخالفة قاعدة قانونية جزائية. وبالتالي يمكننا القول، بأنه على الرغم من أن للنيابة العامة حق القصاص من الجاني مفوضة من المجتمع، فإن المشرع قد منعها من تحريك بعض الجرائم بإذن أو شكوى أو طلب المجني عليه أو المضرور.
كما أن النيابة العامة لا تملك خياراً في رفض التصالح أو الصلح الذي سنه المشرع لبعض الجرائم، ومن ثم أوكل التصرف في الدعوى الجزائية إلى إرادة المجني عليه أو المضرور من الجريمة دون إرادة المجتمع، ومن ثم جاز الاتفاق على مخالفة القاعدة العقابية الخاصة بإهدار القاعدة القانونية السلوكية التي تشكل النموذج الإجرامي، وباتت لا تتعلق بالنظام العام.
كما أن حق النيابة العامة في الدعوى الجزائية مشروط بالإبلاغ عن السلوك المخالف أو الجريمة إذا لم يتم اكتشافها، وهو أمر عائد لإرادة الجاني، فقد يلجأ إلى الطرق البديلة بإرادته دون تدخل النيابة العامة، وتنتهي على أرض الواقع الجريمة بالتحكيم والتراضي بين الطرفين على ذلك([47]).
أضف إلى ما تقدم، أن المشرع ذاته الذي يرفض التحكيم في المسائل الجزائية هو الذي أجاز التصالح والصلح في المسائل الجزائية، وهو الذي سمح بالتحكيم في الجرائم الاقتصادية كالتهرب الجمركي والضريبي([48])، وإصدار شيكات بدون رصيد وغيرها، وهي في طبيعتها جرائم جزائية. وترتيباٌ على ذلك لا يجوز التمسك بقاعدة تتعلق بالنظام العام، ثم يستثنى عليها جملة من الاستثناءات باتت تهدد الأصل. فالنظام العام كلٌ لا يتجزأ.
وكان جدير بالمشرع الفلسطيني إجازة التحكيم في الجرائم الشخصية التي لا يُضار منها المجتمع بصورة مباشرة والتي يجوز فيها الصلح والتصالح، والنص صراحةً على ذلك، وعدم اقتصارها على الجرائم البسيطة أو بمعنى أدق (الجنح والمخالفات) المعاقب عليها بالغرامة فقط.
ولعل أهم النتائج والتوصيات الصادرة عن ندوة التحكيم المقامة في جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية، بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 5/ مايو/ أيار 2013م تُعبر في فحواها على تطوّر الشريعة الإسلامية وسموها عن القوانين والوضعية رغم حداثة هذه القوانين، بما لها في ذلك من فضل السبق أولاً، وإمعاناً في صحة التوجه المعاصر للتحكيم في بعض المسائل الجزائية ثانياً. ونقتصر على ذكر أهم هذه النتائج والتوصيات المتعلقة مباشرةً بموضوع هذه الدراسة، وهي على النحو الآتي:
1- التحكيم من وسائل فض المنازعات، ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.
2- وجود العديد من المطالبات بين الفقهاء القانونين للسماح للمحكمين أن يحكموا في الجنايات، وقد سبقت الشريعة الإسلامية هذه الأنظمة وسمحت أن يُحكّم في المسائل الجزائية.
3-الأصل في التحكيم أن يكون اتفاقاً رضائياً، وهو مجموعة حريات وليس تحكيماً بالإذعان.
4- الرقابة القضائية على التحكيم أوسع من الرقابة القضائية على الصلح.
5- لا يتم الصلح إلا إذا قبله أطراف النزاع، بينما التحكيم لا يشترط ذلك.
6- من الاختصاصات الخارجة عن التحكيم : أ-جميع المسائل المخالفة للشريعة الإســلاميـــــــة ، ب- أن لا يخالف التحكيم النظام العام، ج- المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية ، د-المنازعات الإدارية والدستورية، ه- ما خرج عن اتفاق التحكيم .
المبحث الثالث
أحد التطبيقات المعاصرة للمذهب التوسعي للصلح والتحكيم في المسائل الجزائية
المطلب الأول : جريمة إصدار شيك بدون رصيد:
تُعد جريمة إصدار شيك بدون رصيد على رأس الأولوية في دراستنا لما لها من الأهمية والانتشار على الصعيد المدني والتجاري والجزائي، فهي تتعلق بثلاثة فروع مختلفة من فروع القانون، وبالتالي فهي تُعتبر من أوضح الأمثلة – برأي الباحثان- وأشهرها لبيان وتوضيح فلسفة المنهج التوسعي للصلح والتصالح والتحكيم في بعض الجرائم. فعلى الصعيد التشريعي المصري لاسيما بعد صدور قانون التجارة المصري رقم 17 لسنة 1999 الذي أجاز التصالح في جريمة إصدار الشيك بدو رصيد، وهو الأمر الذي لم يكن موجوداً قبل صدور هذا القانون، فقد نصت المادة (534/4) منه على أنه ” للمجني عليه ولوكيله الخاص في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة حسب الأحوال وفي أية حالة كانت عليها الدعوى إثبات صلحه مع المتهم، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر وتأمر النيابة العامة وقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتا “. ويبدو جلياً من هذا النص أن المشرع المصري في قانون التجارة لسنة 1999 قد أجاز التصالح في الشيك أمام المحكمة، بل وفي أي مرحلة كانت عليها الدعوى.
والأثر الذي يؤديه هذا التصالح هو وقف تنفيذ العقوبة حتى ولو أصبح الحكم بها باتا، والواقع أن حق النيابة العامة بصفتها الأمينة على الدعوى لم يبقى على حاله كما هو الشأن في كافة الجرائم، حيث أننا أصبحنا بموجب نص القانون عند الحديث عن الحق في التصالح أمام حق خاص بالمستفيد يستطيع أن يتنازل عنه وتنقضي به الدعوى ، وبالتالي نكون قد اقتربنا إلى حد كبير من الدعوى المدنية. ومن ثم يكون من حق المدعي في الدعوى الجزائية أو للمستفيد أن يتصالح بشأن قيمة الشيك([49]). وهذا ما أيده قضاء محكمة النقض المصرية([50]).
وهنا كان من الواجب ابتداءً التطرق لفكرة النظام العام وما طرأ عليها من تطور، فلم تعد تلك الفكرة كما كانت من قبل، تقضي بأن كل قاعدة آمرة تعد من النظام العام ولا يجوز مخالفتها. فبات يُنظر للنظام العام على أنه يشمل الأسس الجوهرية للمجتمع, مثل كون اللغة العربية هي اللغة الرسمية وأن نظام الدولة هو النظام الجمهوري وغير ذلك من أسس المجتمع الرئيسة([51]).
أما غيرها فيجب النظر إلى مدى تعلق القاعدة بالنظام العام من عدمه من منظور الحق الذي تحميه، فإذا كان هذا الحق يجوز التنازل عنه أو التصالح أي حقاً شخصياً فنكون في حل من مخالفة النظام العام. ولما كانت المسائل المتعلقة بالمنفعة العامة لا تتصل كلها بالنظام العام، فإن ما لا يتصل منها بالنظام العام يجوز التحكيم بصدده. لذلك فلا يجوز التحكيم في الدعوى المتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العامة لاتصالها بالنظام العام. كما لا يجوز التحكيم لذات السبب فيما يتعلق بأعمال السيادة أو في المنازعات المتعلقة بملكية الأموال العامة إذا آلت للدولة بطريق مشروع.
وغني عن البيان أن بعض المنازعات التي لا تُقبل أمام القضاء تكون لسبب متصل بالنظام العام، وهو يشمل القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد، سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تتصل بالمجتمع، باعتباره مجتمعاً منظماً تعلو مصلحته على مصلحة الأفراد([52]).
وفي سياق متصل، فإن المفهوم المتدحرج للنظام العام- رغم الصعوبات في وضع تعريف ثابت له- بدأ يتبلور حديثاً من خلال التوجهات التحررية في مجال التحكيم في الدول المتقدمة، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، والتي سمحت بالتحكيم في مجالات عديدة، وتم صدور أحكام تحكيم عملياً والإقرار بصحتها في العديد من المجالات التي لم يكن يجوز فيها التحكيم قبل وقت قريب(([53]. وعلى رأس هذه المسائل الأمور المتعلقة بالتحكيم في العقود الإدارية وغيرها([54]).
فضلاً على إجازة التحكيم في العديد المسائل الجزائية التي أُجيز فيها الصلح أو التصالح، وهذا يُبين مرونة فكرة النظام العام وتغيرها، ليس فقط من دولة إلى دولة، بل من زمن إلى زمن، داخل حدود الدولة الواحدة. ومن ثم أصبحت القاعدة رغم أنها من ضمن قواعد القانون الجزائي إلا أنها غير متعلقة بالنظام العام تأسيساً على ذلك، وبالتالي يجب النظر إلى مسألة التحكيم في المسائل الجنائية بنظرة مختلفة. فإذا كان الحق الذي تحميه القاعدة الجزائية حق خاص ويجوز التصالح بشأنه من قبل صاحبه، فإن هذا الحق يجوز أن يكون محلاً للتحكيم. وتلك القاعدة يمكن تطبيقها على كل جريمة يجوز التصالح فيها، لأن هذا التصالح حولها إلى حق خاص محض، و من ثم لا يوجد فيه أي صفة للحق العام.
ولا شك أن هذا القول ينطبق تماماً على جريمة الشيك بدون رصيد، فطالما أن المشرع قد أجاز التصالح بشأنها أمام المحكمة، وفي أي حالة كانت عليها الدعوى، وقضى بأن التصالح يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجزائية، فإن هذا من شأنه جعل هذه الدعوى حقاً خالصاً للمجني عليه وهو المستفيد هنا في الجريمة محل البحث، الأمر الذي يُمكّنُنا من اعتبار أن الاتفاق على التحكيم بشأن المنازعات الناشئة عن الشيك أيضاً يغلق طريق القضاء الجزائي، ومن ثم لا يجوز للمجني عليه أي المستفيد من الشيك أن يقيم جنحة شيك بدون رصيد سواء بالادعاء المباشر أم عن طريق النيابة العامة.
وعلاوة على ذلك، فإن غلق الطريق الجزائي بموجب اتفاق التحكيم لا يرتبط بمصير الدعوى المنظورة أمام هيئة التحكيم، أي أنه لو قُضى في هذه الدعوى بأحقية المستفيد من الشيك فلا يجوز له بموجب هذا الحكم أن يلجأ إلى الطريق الجزائي، حيث أنه منذ أن وافق على طرح كافة منازعات الشيك على هيئة التحكيم، فيعتبر أنه قد تنازل وبرضاه عن اللجوء إلى القضاء سواء المدني أم الجزائي.
وترتيباً على ذلك كان لابد من ذكر مسألة عملية هامة تتمثل في ذكر الشيكات بأرقامها وقِيَمها ضمن العقد المتضمن شرط التحكيم. لأن ذكر هذه الشيكات في العقد يُخضع الخصومة إلى التحكيم دون القضاء، وعليه فستتحقق مصلحة مباشرة للساحب في أن يُضمن العقد تلك الشيكات، لأنه يتلافى بذلك أن ترفع ضده جنحة شيك بدون رصيد من قبل المستفيد. وفي المقابل فإن ورود ذكر الشيكات في العقد يعد ذا أثر سلبي على المستفيد لأنه سيفقد وسيلة حمائية من وسائل حماية الشيك وهي الحماية الجزائية، ولذلك فإن الحذر والحيطة مفروض ومطلوب في مثل هذه الحالة سواء من قبل المستفيد أم من قبل الساحب ([55]).
ولقد واكب المشرع الفلسطيني-حديثاً- نظيره المصري فيما يتعلق بجريمة إصدار شيك بدون رصيد، لاسيما بعد صدور قانون التجارة الفلسطيني الجديد رقم 2 لسنة 2014، الذي أجاز الصلح بين طرفي النزاع، والذي يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية، حيث جاء في الفقرة الرابعة من نص المادة (566) على أن ” للمجني عليه ولوكيله الخاص في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال وفي أية حالة كانت عليها الدعوى إثبات صلحه مع المتهم، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صدور الحكم[56].
المطلب الثاني
الأحكام المتعلقة بإجازة التصالح في جريمة إصدار الشيك بدون رصيد أو إدراج شرط تحكيم
من المسلم به أن الالتزام الوارد في الشيك يعتبر التزام مجرد عن سببه، والشيك ورقة مستقلة عن علاقة الأساس التي صدرت بمناسبتها، ولكن إذا ما وضعت تلك الشيكات ضمن العقد بقيمها وأرقامها واتفق في هذا العقد على أن هذه الشيكات ومنازعاتها تخضع للتحكيم، فهل من شأن ذلك أن يفقد الشيك لمبدأ استقلاله عن علاقة الأساس؟ أي أن ورود شرط التحكيم في هذا العقد وتضمين العقد لتلك الشيكات يعني اتفاق الأطراف على الربط ما بين علاقة الأساس وهي العقد وبين الشيك ؟ وبتعبير أخر هل هذا الاتفاق من قبل الأطراف على وضع الشيكات في العقد والاتفاق بشأنها على التحكيم يعني التفاهم على جعل الالتزام الوارد في الشيك مسبباً وليس مجردا عن سببه؟، بحيث يُعد عقد الأساس في هذه الحالة هو سبب الالتزام بدفع قيمة الشيك, أم أن مبدأ الاستقلال هذا متعلق بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفته على ضوء التطور الذي لحق بفكرة النظام العام في الآونة الأخيرة؟.
إن مبدأ تجرد الالتزام الوارد في الشيك عن سببه ومبدأ استقلال الشيك عن علاقة الأساس، إنما هي مبادئ تقررت لصالح المستفيد من الشيك حتى يكون الشيك أداة وفاء, ومن ثم فإذا تنازل المستفيد عن هذا الحق الخالص له ووافق على إدراج تلك الشيكات في العقد وضُمّن هذا العقد شرط تحكيم، فإنه بذلك يكون قد تنازل عن حق منحه له القانون, وهذا الحق لا يتعلق بالنظام العام ويجوز الاتفاق على مخالفته([57]).
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بخصوص حجية حكم التحكيم ونطاق هذه الحجية في أحد أحكامها بقولها : ” وحيث أن الموضوع في الدعويين إنما يتعلق بمحل واحد هو الشيك المتنازع عليه فالحكم الصادر من المحكمة الجنائية ينصب على تحرير هذا الشك بغير رصيد، وحكم هيئة التحكيم يقضي برد ذات الشيك إلى مصدره، ومن ثم فقد تعامد الحكمان على محل واحد وتناقضا مما يتعذر معه تنفيذهما معا. وحيث أن البين من الأوراق أن رحى النزاع قد احتدمت بين الطرفين حول أحقية المدعي عليه الثالث في الاحتفاظ بالشيك رقم 678144 المشار إليه واتخاذ إجراءات صرفة عند حلول أجل استحقاقه مما حدا بالمدعي إلى إقامة طلب التحكيم لبراءة ذمته من مقابل الوفاء به، فواجهه المدعي عليه الثالث بالادعاء المباشر موضوع الجنحة رقم 8484 لسنة 1994 قصر النيل طالباً عقابه جنائياً فضلاً عن إلزامه بالتعويض المؤقت. ولما كان ذلك وكان الفصل في طلب براءة الذمة من الدين استصحابا للأصل فيها ولو كان هذا الدين يمثل مقابل الوفاء في ورقة تجارة ورد سند الدين إلى محرره هو من اختصاص هيئة التحكيم التي ارتضاها الطرفين للفصل فيما يثور بينهما من منازعات، فإن جهة القضاء العادي إذ عادت وهي بصدد الفصل في الادعاء المباشر إلى بحث انشغال ذمة المدعي بمقابل وفاء الشيك رقم 678144 محل الدين ذاته, بعد صدور قضاء نهائي من الجهة المختصة برد ذلك الشيك إلى صاحبه وصيرورة يد المستفيد عليه يدا عارضة بما لا يبيح له التقدم لصرف قيمته في ميعاد استحقاقه، تكون قد سلبت اختصاصاً محجوزا لهيئة التحكيم برضاء طرفي مشارطته وفي حدود القانون, ومن ثم فإن قضاء هيئة التحكيم – دون الحكم الصادر من جهة القضاء العادي – يكون هو الأحق بالتنفيذ. فلهذه الأسباب: حكمت المحكمة بالاعتداد بالقضاء الصادر من هيئة التحكيم المشكلة بالاتحاد العام للغرف التجارية وغرفتي القاهرة والإسكندرية في طلب التحكيم رقم 4 لسنة 1994“([58]).
وصفوة وختام القول، فإن جريمة إصدار شيك بدون رصيد رغم أهميتها ووضوحها في التعبير عن فكرة النظام العام وما حل به من تغيير ومرونة من جانب، وعن مستجدات ما يجوز فيه الصلح والتصالح والتحكيم من جانب آخر، إلا أنها لا تعدو أن تكون إلا إحدى التطبيقات التي آثر الباحثان سوقها كمثال واضح للنقلة التشريعية التي تمثل التوجهات الحديثة للتوسع في التحكيم والتصالح في المسائل الجزائية. فهي تُعتبر جريمة ونموذج على سبيل المثال لا الحصر –كما ذكرنا- تضاف إلى قائمة طويلة لما أصبح يجوز فيه التصالح والتحكيم على الصعيدين المالي والجزائي، بما يُعبر- وبحق- عن توجهات الأنظمة القانونية والتشريعية المقارنة “التوسعية” لإجازة الصلح والتحكيم في المسائل الجزائية، على حساب النظام العام واعتباراته، نظراً لما استقرئته تلك النظم المذكورة من عوامل النفع والاستقرار الاجتماعي لهذا النوع من التحكيم، والحد من النزاعات واللدديه في الخصومة، والحد من التكلف الإجرائي في التقاضي من خلال نظامي المصالحة والتحكيم في المسائل الجزائية . وهو ما يوافق منهج الشريعة الإسلامية الغراء بما لها من فضل السبق، والمتمثل في إجازة التحكيم في المسائل الجزائية وفق حدود وضوابط معينة منذ فجر ظهورها.
الخاتمة
توصل الباحثان من خلال هذه الدراسة وبالتحليل والمقارنة إلى النتائج والتوصيات التالية:
أولاً : النتائج
1- لقد اتضح من خلال دراسة التشريعات المقارنة العربية والأوروبية مدى إدراجها لكافة الوسائل البديلة لحل النزاعات في المسائل الجزائية والمالية، وعلى رأسها نظامي المصالحة والتحكيم، لتخفيف الضغط والكم الهائل من القضايا الذي تواجهه المحاكم يومياً وتفصل فيه، فكان الصلح والتحكيم من أهم البدائل التي اتخذتها الدول المتقدمة في إطار سياساتها القانونية المعاصرة، وخاصة أن ركيزتها في ذلك رضا أطراف الخصومة على وسيلة إنهائها، وبذا يتحقق بفعل الإنهاء الرضائي للدعوى الجزائية بعدما أن كانت ملكاً للدولة لا يجوز التنازل عنها أو التفاوض بخصوصها، ومن المحرمات التي لا يجوز الاقتراب منها، وأضحى التصالح والتحكيم في المسائل الجزائية من الحاجات والمُيسّرات لا من المحظورات.
2- كما أن لهذه النظم البديلة لحل النزاعات دورها في تبسيط وتيسير إجراءات التقاضي، وهذا ما يؤكده هذا التوسع الذي يتبعه المشرعون في الأخذ بهذه النظم في عدة مجالات من خلال النص على جواز الصلح والتصالح في طائفة جديدة من المخالفات والجنح، ومن ثم خضوعها للتحكيم، تخفيفاً عن المحاكم واحتراماً لإرادة الخصوم، وتلبية لحاجة المجتمع للاستقرار والأمن والسلم الأهلي من خلال إعادة توطيد العلاقات الاجتماعية التي تُعتبر غايتها، ودون إغفال مبدأ جبر الضرر والمعاناة التي سببتها الجريمة، بحيث يُعمد إلى حل النزاعات بطريقة ودية لا تقوم على الخصومة، مع الاحتفاظ بخيار اللجوء إلى الإجراءات القضائية التقليدية في حال فشل الصلح أو التحكيم.
3- ذهبت أغلبية التشريعات المقارنة إلى الإقرار بالصلح الجنائي وما شاكله من الأنظمة التصالحية كالتحكيم واعتباره سبباً اختيارياً في انقضاء الدعوى الجزائية في المخالفات والجنح البسيطة والمتوسطة، وفي بعض الجرائم الاقتصادية، بل ويمكن التصالح بشأنها بعد صدور الحكم النهائي. وهو ما أقرته غالبية قوانين الإجراءات الجنائية الحديثة، ولعل جرائم التهرب الضريبي والجمركي وجنحة إصدار شيك بدون رصيد وغيرها خير مثال على ذلك.
4- إن اللجوء إلى بدائل حل النزاعات المدنية والجزائية كالتحكيم والمصالحة أصبح أمراً لابد منه، ولاسيما في ظل الانتقال الإصلاحي الذي يشهده العالم وخصوصاً في المجال القضائي والتشريعي، وحتى تساير تشريعاتنا الجزائية والمدنية وعلى رأسها تشريعات التحكيم التشريعات الحديثة، وتنسجم مع روح الشريعة ونصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في مجال التصالح والتسوية الجنائية، ووسائل العقاب الحديثة، وطرق حل النزاعات البديلة، ولاسيما في ظل رواج نظام التحكيم كحاجة اجتماعية وقانونية وتجارية،وسطوع نجمه على الصعيدين الوطني والدولي على حد سواءً.
ثانياً: التوصيات
1- يجب على المشرع الفلسطيني اعتماد الأساليب الحديثة في تسوية الدعاوى الجزائية كمبدأ عام، والاسترشاد بما توصل إليه قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي والمصري كنظام التصالح والوساطة الجنائية ونظام التسوية، بما يستتبعه ذلك بالضرورة من توسيع نطاق ما يجوز فيه التحكيم في ظل تواتر العمل بنظام التحكيم في مجتمعنا الفلسطيني على الصعيد الجزائي والمالي. علماً بأن هذا الأمر يواكب مناشدة المؤتمر العاشر لهيئة الأمم المتحدة المنعقد في فيينا عام 2000م، والذي أهاب بالدول لإيجاد طرق وآليات فاعلة للعدالة التصالحية خارج الإطار التقليدي للقضاء الجزائي للمساهمة في حل النزاعات والتخفيف على كاهل المحاكم بأنواعها، بما يتطلبه ذلك من إصدار قوانين وأنظمة تنظم هذه البدائل باعتبارها وسائل هامة لتسوية المنازعات في الوقت الحاضر، مع ضرورة وضع ضوابط لها بما يكفل تحقيق الأهداف المبتغاة منها.
2- ضرورة النص صراحةً، وتحديد ما يجوز فيه المصالحة والتحكيم، إما حصراً بموجب تشريع – الأسلوب المصري- وإما بتحديد آلية من خلالها يمكن التمييز بين الحد الفاصل بين النظام العام، وبين ما يجوز الاتفاق على التحكيم بصدده أو التصالح عليه “الأسلوب الفرنسي “.
3- يوصي الباحثان بضرورة تعديل نص المادة(16) من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم (3) لسنة 2001 والذي لا يجيز التحكيم سوى في الجرائم والمخالفات المعاقب عليها بالغرامة فقط، وتوسيع نطاق ما يجوز فيه المصالحة والتحكيم، على نحو يواكب التعديلات التشريعية المقارنة لهذه المسألة، ومراعاة حاجة المجتمع الفلسطيني لهذا النظام، من خلال تنظيم هذه المسألة تشريعياً، على اعتبار أن التشريعات والقوانين هي حاجة إنسانية واجتماعية.
4- نؤكد على ضرورة التوفيق، وإزالة التعارض بين الشريعة الإسلامية الغراء وبين القوانين الوضعية وعلى رأسها قانون الإجراءات الجزائية وقانون التحكيم وغيرهما، ولاسيما على ضوء التوجه التشريعي الدولي الحديث لتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية بشكل غير مباشر في قوانينها الوضعية في مجاليّ المصالحة والتحكيم وغيرها، والتماهي مع مبدأ جواز التحكيم والتصالح في المسائل الجزائية.
5- إبراز وتأكيد على ضرورة تثقيف وتدريب المحكمين في جميع المجالات، وتأهيل الكادر القادر على الفصل في أمور الناس وفق الشريعة والقانون معاً، وفي جميع المجالات وعلى مستوى الطموح، تحقيقاً للعدالة، وللتفاني في حل المنازعات، والحد من الطعون على أحكام التحكيم المحلية وفسخها.
6-ضرورة الحد من إمكانية الطعن على أحكام التحكيم وتعدد وسائله، وضبط هذه المسألة تشريعياً، والحيلولة دون ذهاب أحكام التحكيم هباءً دون تنفيذ بعد فترة إجراءات وخصومة طويلة، وصدور أحكام تحكيم منهية للنزاع، لكثرة الضوابط الإجرائية الموجبة لتصديقها وتنفيذها من جانب، وكثرة والطعون الممكنة عليها من جانب آخر.
قائمة المراجع
أولاً : الكتب والرسائل العلمية
1-د.أبو زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1981 ، ص 33.
2-د. أحمد الصاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، معدلاً بالقانون رقم 23 لسنة1992، قانون رقم 81 لسنة 1996، ق. رقم 18 لسنة 1999، بدون دار نشر، القاهرة، 2004.
3-د. أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية، ماهيته والنظم المرتبطة به، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه منشورة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة ، 2005 .
4- أشرف رمضان عبد الحميد، الوساطة الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004.
5-د. حسام الدين محمود الدن، طرق الطعن في حكم التحكيم، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة، 2013.
6-د. حمدي رجب عطية، بدائل الدعوى الجنائية، مجلة المحاماة، مصر، عدد(5،6)، سنة 1991.
7-السيد عبد الجليل الفيداني، بدائل الدعوى العمومية وبدائل العقوبة السالبة للحرية، ط1، 2004 .
8-د. شريف كامل، الحق في سرعة الإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006 .
9-د. عاشور مبروك، نحو محاولة للتوفيق بين الخصوم،دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002.
10-د. عبد الله عيسى الرمح ، حكم التحكيم ، دراسة في القانون الكويتي والقانون المصري ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2009 .
11-العلامة/ محمد بن أبي بكر الزرعي(ابن قيم الجوزية)، إعلام الموقعين عن رب العالمين ، دار الكتب العلمية، سنة النشر1411هـ/1991م ، ط1، ج1 .
12-سعادي عارف صوافطة، الصلح في الجرائم الاقتصادية، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، 2010.
13-د.عمر سالم،نحو تيسير الإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997.
14-د. مأمون محمد سلامة، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، الجزء الأول، سنة 2001 .
15-د. محمد السيد عرفة، التحكيم والصلح وتطبيقاتهما في المجال الجنائي، ط1، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض،2006 .
16-د. محمد حكيم حسين حكيم، النظرية العامة للصلح وتطبيقاتها في المواد الجنائية، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه منشورة، دار الكتب القانونية، القاهرة، 2005.
17-د. محمود محمود مصطفى، الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن، ج1، الأحكام العامة والإجراءات الجنائية، ط2، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، القاهرة، 1979 .
18-د. مدحت عبد الحليم رمضان، الإجراءات الموجزة لإنهاء الدعوى الجنائية في ضوء التعديلات قانون الإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000.
19-د.يس يوسف، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، ط2، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1996.
ثانياً : الأبحاث والمقالات
1- المستشار/ إبراهيم خليل، التحكيم في الشيك، بحث منشور على موقع المنتدى القانوني للجميع، الرابط: http://www.law4-all.net/vb/showthread.php
2- مقال لوزير العدل المغربي بصدد ندوة بعنوان الوسائل البديلة لحل المنازعات بالمغرب، والمنشورة على الموقع: http://www.justice.gov.ma/ar/Actualites/Actualite.aspx?actualite
3- أ. ماهر انطون، التحكيم في الأحوال الجنائية، بحث منشور على موقع الأكاديمية الدولية للتحكيم، بتاريخ 15/11/2013.
4- السيد عبد الهادي، الصلح الجنائي في القانون الجنائي المصري والشريعة الإسلامية، كلية الحقوق- جامعة المنصورة، مصر، موقع http://www.f-law.net/law/threads بتاريخ 15/11/2013م.
5- د. رضا السيد عبد الحميد، التحكيم في الشيك في ضوء أحكام قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 ، بحث منشور في مجلة المحاماة العدد الثاني ، بتاريخ 29/5/2004م.
ثالثاً : القوانين والقرارات
- قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000.
- قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001.
- قانون الإجراءات الجنائية المصري المعدل رقم 174 لسنة 1998 وتعديلاته حتى 2006.
- قانون التجارة المصري رقم(17) لسنة 1999.
- قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني رقم (2) لسنة 2001.
- قانون التجارة الفلسطيني رقم (2) لسنة 2004.
- قرار رقم (39) لسنة 2004م بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون التحكيم الفلسطيني.
- مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها الفتوى والتشريع الكويتية، في الفترة من يناير1990 حتى ديسمبر 2002 ، الجزء الأول ، يناير 2005.
- أحكام محكمة النقض المصرية بشقيها المدني والجنائي، أحكام المحكمة الدستورية العليا.
رابعاً: المراجع الأجنبية
1- Istophe mincke, vers un nouveau typte d útilisation du ministrére public, Léxemple de la.
2-Médiation pénale et de la procédure accélerée, R.D.P.C. 1998.
3-ID. Bosly et Christin De valkeneer, La célérité dans La procédure pénale en droit Belge, R.I.D.P. 1995.
4-Alain De Nauw, Les modes alternatifs de réglement de conflits en droit pénal Belge, médiation pénale et de la procédure accélerée, R.D.P.C. 1998.
5- Alain, l’order public et le droit applicable au ford du litige international, Rev. arb. 1986.
6-Gaston Stefani, Georges Levasseur et Bernard Bouloc, Procédure pénale, 16 : éd, Dalloz, Paris, 1996.
([1]) د.عمر سالم ، نحو تيسير الإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية،القاهرة،1997، ص29.
([2]) د.عاشور مبروك، نحو محاولة للتوفيق بين الخصوم، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002، ص4.
([3]) ومن الجدير بالذكر أن بعض الدول المتقدمة كفرنسا تتراوح المدة من وقت وقوع الجريمة إلى صدور الحكم البات بشأنها بين سنتين وثلاث سنوات… حيث أصبحت ست عشر شهراً ونصف في سنة 1999. بينما بلغ عدد القضايا الجنائية التي عرضت أمام المحاكمة المصرية خلال عام 2002 ما يقارب 12 مليون قضية، وهذا هو حال كافة الدول. أنظر د. شريف سيد كامل، الحق في سرعة الإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006، بند 2، ص 11 وما بعدها.
([4]) د.أحمد الصاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، معدلاً بالقانون رقم 23 لسنة 1992 والقانون رقم 81 لسنة 1996 والقانون رقم 18 لسنة 1999، بدون دار نشر، القاهرة، 2004، ص85.
([5]) حديث شريف، رواه أحمد وأهل السنن.
([6]) المادة الرابعة من قانون التحكيم الفلسطيني رقم (3) لسنة 2000 والتي تنص على أنه ” لا تخضع لأحكام هذا القانون المسائل الآتية : 1- المسائل المتعلقة بالنظام العام في فلسطين. 2- المسائل التي لا يجوز فيها الصلح قانوناً. 3- المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية” . كما تنص المادة(2) من اللائحة التنفيذية لقانون التحكيم الفلسطيني رقم (3) لسنة 2000 الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (39) لسنة 2004 بتاريخ12/4/2004 على أنه ” لا يجوز التحكيم في المسائل التي تتعلق بالنظام العام والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح قانونا كالعقوبات والمنازعات المتعلقة بالجنسية، وكل ما هو متعلق بالأحوال الشخصية كالطلاق والنسب والإرث والنفقة، علي أنه يجوز أن يكون موضوعا للتحكيم تقديرا لنفقة واجبة أو تقديرا لمهر أو أية دعوى مالية أخرى ناشئة عن قضايا الأحوال الشخصية “.
([7]) د. حسام الدين محمود الدن، طرق الطعن في حكم التحكيم، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة، 2013، ص 23.
([8])العلامة/ محمد بن أبي بكر الزرعي(ابن قيم الجوزية)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الكتب العلمية، سنة النشر1411هـ/1991م ، ط1، ج1، ص 84.
([9]) د.حمدي رجب عطية، بدائل الدعوى الجنائية، مجلة المحاماة، مصر،عدد(5،6)، سنة 1991، ص 103.
([10]) انظر نص المادة (4) من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني، والمادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية المصري والمادة(3/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي والمادة(18) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي والمادة(10) من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي والمادة(11) من نظام الإجراءات الجزائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمادة (109) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي والمادة(9) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني والمادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية القطري والمادة(4) من قانون المسطرة الجنائية المغربي.
([11]) د. يس عمر يوسف، شرح قانون الإجراءات الجنائية، س1991، ط2، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1996، ص100.
([12]) د. محمد السيد عرفة، التحكيم والصلح وتطبيقاتهما في المجال الجنائي، ط1، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2006، ص246.
([13]) د. مأمون محمد سلامة، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، الجزء الأول، سنة 2001، ص 322.
([15]) د. شريف سيد كامل، مرجع سابق، ص 117 و ما بعدها.
([16]) محكمة النقض المصرية، نقض جنائي ، الطعن رقم 29348 لسنة 59 ق ، جلسة 2/5/1996م.
([17]) د. محمود محمود مصطفى، الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن، ج1، الأحكام العامة والإجراءات الجنائية، ط2، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، القاهرة، 1979، ص220.
(1) Henri D. Bosly et Christin De valkeneer, La célérité dans La procédure pénale en droit Belge, R.I.D.P. 1995, p. 440.
(2) Alain De Nauw, Les modes alternatifs de réglement de conflits en droit pénal Belge médiation pénale et de la procédure accélerée, R.D.P.C. 1998, p. 653.
([20]) وأهمها ما يعرف بوساطة التعويض: وهي نوع من الوساطة يضطلع به مدير الشرطة في الجرائم غير الخطيرة عن طريق انتقاء ملفات يحولها إلى الوسيط الذي يسعى لإجراء الوساطة الهادفة إما إلى تعويض جزئي أو كلي للضرر، مراعياً في ذلك بعض المعايير المحددة من طرف النيابة العامة. وعلى جميع الأحوال فالنائب العام هو الذي يملك الحق لإقرار المتابعة من عدمها.
ووساطة الحي: وهي التي يعهد بها إلى وسطاء ينتمون إلى نفس الحي الذي وقعت فيه الجريمة من طرف النائب العام الذي يعود له الأمر في أجراء المتابعة من عدمه. وهي تكون في الجرائم غير الخطيرة كتخريب الآثار والسرقات الصغرى وعلى وجه الخصوص نزاعات الجوار.
ووساطة الإصلاح: وهي التي يقوم بها النائب العام حيث يقترح وساطة بين المتهم والمجني عليه، وهي تكون في القضايا المعروضة أمام محاكم الجنح، وتكون بعد الاستدعاء للمثول أمام المحكمة أو بعد وضع الملف في التحقيق، وهي تمكن من إصلاح الأضرار بالإضافة إلى أنها تسمح للقاضي بإصدار قرار مراعياً في ذلك الحل المسبق.راجع: السيد عبد الجليل الفيداني، بدائل الدعوى العمومية وبدائل العقوبة السالبة للحرية، ط1، 2004، ص75-77.
(1) Christophe mincke, vers un nouveau typte d útilisation du ministrére public, Léxemple de la médiation pénale et de la procédure accélerée, R.D.P.C. 1998, p. 653.
[22]– voir:arret de la cour europeenne du 27 fevrier 1980.(affaire dever) serie a. volume.35.
([23]) د. أشرف رمضان عبد الحميد، الوساطة الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص 154؛ د. مدحت عبد الحليم رمضان، الإجراءات الموجزة لإنهاء الدعوى الجنائية في ضوء التعديلات قانون الإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص 165.
([24]) كلمة ملقاة من وزير العدل المغربي بصدد ندوة بعنوان (الوسائل البديلة لحل المنازعات بالمغرب)، والمنشورة على الرابط الإلكتروني: http://www.justice.gov.ma/ar/Actualites/Actualite.aspx?actualite.
(4) Gaston Stefani, Georges Levasseur et Bernard Bouloc, Procédure pénale, 16 éd, Dalloz, Paris, 1996, p. 529.
([26]) د. أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية، ماهيته والنظم المرتبطة به، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه منشورة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة ،2005، ص10.
([27]) د.أبو زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1981 ، ص 33.
([28]) أولاً – التوفيق للإصلاح : الذي يجيز للنيابة العامة قبل اتخاذها قراراتها بشأن الدعوى الجنائية أن تقوم مباشرة أو من خلال ندب أحد مأموري الضبط القضائي، اتخاذ عدة إجراءات للصلح بين مرتكب الجريمة والمجني عليه، ويترتب على هذا التوفيق للإصلاح وقف تقادم الدعوى الجنائية .
ثانياً – نظام التصالح العقابي : ووفقاً لهذا النظام يجوز للنيابة العامة طالما لم تقم بتحريك الدعوى الجنائية، أن تقترح التصالح العقابي مع متهم بالغ يُقر بارتكاب إحدى أو بعض الجنح المنصوص عليها في قائمة معينة في بعض مواد قانون العقوبات، مما يعاقب عليه القانون بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات. وكذلك الحال بالنسبة لإحدى أو بعض المخالفات المرتبطة بها التي يقرر لها القانون عقوبة أو تدابير منصوص عليها في المادة (41-2) إجراءات فرنسي .
ثالثاً- نظام الإقرار بالتهمة قبل المثول أمام القضاء : وقد أخذ بهذا النظام المشرع الفرنسي في خضم تعديل قانون الإجراءات الجنائية في المواد (495/7 إلى 495/16). ومقتضي هذا النظام أنه في الجنح المعاقب عليها بصفة أصلية بعقوبة الغرامة أو بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، يجوز للنيابة العامة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب صاحب الشأن أو محاميه، طلب إجراء الحضور أمام المحكمة بناء على الإقرار السابق بالمسئولية عن الجريمة وإقراره بالوقائع المنسوبة إليه. ويمكن لممثل النيابة العامة أن يقترح على الشخص المُعترف تنفيذ أحد أو بعض العقوبات الأصلية أو التكميلية في حدود ما نصت عليه المادة (132/24) من قانون العقوبات الفرنسي. فإذا قبل الشخص في حضور محاميه العقوبة المقترحة يحال إلى رئيس المحكمة الابتدائية أو إلى القاضي المفوض منه لكي يتخذ قراره بشأن اقتراح ممثل النيابة العامة بقرار مسبب علني.
([29]) قانون الإجراءات الجنائية المصري المعدل رقم 174 لسنة 1998 .
[30]– أشار إلية د. سليمان العجاجي، أحكام التصالح الجنائي، ورقة عمل مقدمة لندوة التحكيم الجنائي في جامعة نايف للعلوم الأمنية، 2013، ص: 4.
[31]– د. عمرو عيسى الفقي، الوجيز في الصلح والتصالح، دار الكتب القانونية، 2002، ص: 12.
([32]) ويمكن إجمال هذه المواد فيما يلي : (238 ف/1/2) و(241 ف/1/2) و(ف/1/2/3) و(ف/1/2) و(265و321مكررا) و(323 ،323 مكررا) و(323 مكررا “أولا”) و(324 مكررا و(336،340،341،342،354،358،360) و(361 ف/1/2) و(369،370،371،373 ) و(377 البند 9)و(378 البنود(9،7،6) و(379البند4) من ق. العقوبات،وفى الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون.
([33]) وقد جاء في حيثيات هذا الحكم بأنه ” لما كان القانون رقم 174 لسنة 1998 بتعديل بعض أحكام قانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات والمستبدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 قد صدر بعد الحكم بإدانة الطاعن ونص في مادته الثانية على إضافة مادة جديدة برقم 18 مكرر (أ) إلى قانون الإجراءات الجنائية أجازت للمجني عليه ولوكيله الخاص في الجنحة التي أُدين بها الطاعن أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم ونصت في فقرتها الثانية على أنه “يترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة”. لما كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة (5) من قانون العقوبات تنص على أنه “إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائيا قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره” وإذ كان الثابت من محضر جلسة المعارضة الابتدائية ومن مدونات الحكم الصادر فيها بجلسة 24 من مايو سنة 1997 أن الطاعن تصالح مع المجني عليه، فإن القانون الجديد يكون الأصلح للمتهم وقد صدر بعد وقوع الفعل وقبل الفصل فيه بحكم بات، ولمحكمة النقض أن تنقض الحكم المطعون فيه لمصلحة المتهم عملاً بما هو مخول بمقتضي المادة (35) من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، فإنه يتعين القضاء بنقض الحكم المطعون فيه وإلغاء الحكم المستأنف وبانقضاء الدعوى الجنائية بالصلح”. محكمة النقض المصرية، نقض جنائي، الطعن رقم 29010 لسنــة 67 ق ، جلسة 21 / 03 / 2007.
([34]) قانون التجارة المصري رقم(17) لسنة 1999، المنشور في الجريدة الرسمية العد(19مكرر) بتاريخ 17/5/1999م.
([35]) وتنقسم هذه الجرائم إلى طائفتين تتعلق أولاهما بجرائم الأشخاص، وتتصل الأخرى بجرائم الأموال، وتشمل الطائفة الأولى :1 - جرائم الضرب أو الجرح الذي ينشأ عنه المرض أو العجز عن الأشغال الشخصية لمدة تزيد على عشرين يوماً (م241/ 1عقوبات) .2- جرائم الضرب والجرح المشار إليها أن ارتكبت مع سبق الإصرار أو الترصد (242/3) أو استعمال أية أسلحة أو عصيّ أو آلات أو أدوات أخرى (242/3).3 -جرائم الجرح والاعتداء غير العمدي (م244/1 ).4-جريمة إعطاء المواد الضارة غير القاتلة التي ينشأ عنها مرض أو عجز وقتي عن العمل(م265).
أما الطائفة الثانية فتشمل : 1- عدم رد الشيء أو الحيوان الفاقد لصاحبه (م321مكرر) .2- اختلاس الأشياء المحجوز عليها قضائياً أو إدارياً (م323).3-اختلاس الأشياء المنقولة ممن رهنها ضمان لدين عليه أو على آخر (323مكرر4- الاستيلاء بغير حق وبدون نية التملك على سيارة مملوكة للغير (م323مكرر/ أولاً ).
5- تناول أطعمة أو شراب في محل معد لذلك، ولو كان مقيم فيه أو شغل غرفة أو أكثر في فندق أو نحوه , أو استئجار سيارة معدة للإيجار مع علم الجاني بأنه يستحيل عليه دفع الثمن أو الأجرة أو الامتناع بغير مبرر عن دفع ما استحق من ذلك أو الفرار دون الوفاء (م324مكرر).6- خيانة الأمانة ( م341).7- اختلاس الحارس للأشياء المحجوز عليها قضائياً أو إدارياً (م342) 8- كسر أو تخريب الآلات الزراعية أو زرائب المواشي وعشش الخفراء (م354) .9- إتلاف كل أو بعض محيط متخذ من أشجار أو يابسة أو غير ذلك أو نقل أو إزالة حد, أو علامات مجهولة حداً لأملاك أو جهات مستغلة (358/ 1) وإذا ارتكب شيء من ذلك بقصد اغتصاب أرض(358/2).10 – الحريق الناشئ عن عدم تنظيف أو ترميم الأفران أو المداخن أو المحلات الأخرى التي توقد فيها النار أو من النار الموقدة في بيوت أو مبان أو غابات أو كروم أو غيطان أو بساتين بالقرب من كيمان تبن أو حشيش يابس, وكذا الحريق الناشئ عن إشعال صورايخ في جهة من جهات البلدة أو بسبب إهمال آخر (360/1) والحريق الناشئ من تدخين أو نار موقدة, في محطات لخدمة وتموين السيارات أو محطات الغاز الطبيعي أو مركز لبيع أسطوانات البوتاجاز أو مستودعات للمنتجات البترولية أو مخازن مشتعلة على مواد الوقود أو أي مواد قابلة للاشتعال (م360/2).
11- تخريب أو إتلاف مواد ثابتة أو منقولة عمداً لا يمتلكها الجاني غير صالحة للاستعمال أو تعطيلها بأية طريقة (م361/1) وكذلك إذا ترتب على الفعل ضرر مالي قيمته خمسون جنيهاً أو أكثر (م361/2).
12- انتهاك حرمة ملك الغير بقصد منع حيازته أو بقصد ارتكاب جريمة فيه أو كان قد دخله بوجه قانوني وبقي فيه بقصد ارتكاب شيء مما ذكر (م369).13– في الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون. ويلاحظ على هذه الجرائم بصفة عامة أنها تنطوي على مساس بمصالح مختلفة شخصية أو مالية , ومع ذلك يجمع بينهما قاسم مشترك هو انتهاكها بصفة أساسية لإرادة المجني عليه.
([36]) السيد عبد الهادي، الصلح الجنائي في القانون الجنائي المصري والشريعة الإسلامية، كلية الحقوق- جامعة المنصورة، مصر، موقع http://www.f-law.net/law/threads بتاريخ15/11/2013م.
([37]) النيابة العامة/ مكتب النائب العام المساعد / كتاب دوري رقم (12) لسنة 2006 بشأن نظام الصلح في بعض الجرائم / أولاً : الجنح
1-القتل الخطأ ( المادة 238 ” الفقرتان الأولى والثانية “)
2-النصب ( المادة 336
3-خيانة الأمانة في ورقة ممضاة على بياض (المادة 340)
4-انتهاء حرمة ملك الغير ( المواد370،371،373 )
ثانياً : المخالفات
1-المشاجرة أو الإيذاء الخفيف ( المادة 377 البند ” 9 “)
2-إتلاف منقول بإهمال ( المادة 378 البند “6”)
3-التسبب في موت البهائم والدواب بإهمال ( المادة 378 البند ” 7 “)
4-السب غير العلني ( المادة 378 البند ” 9″)
5- الدخول والمرور في الأراضي المزروعة (المادة 378 الند “4”)
6- سريان الصلح على جريمة الإصابة الخطأ المنصوص عليها في المادة (244) من قانون العقوبات بظروفها المشددة للعقوبة والمنصوص عليها في الفقرة الثانية منها. علماً بأن هذه الجرائم تعتبر إضافة لما كان يجوز فيه الصلح والتحكيم قبل تعديل القانون والتي تمت الإشارة إليها سابقاً.
[38]– الجدير بالذكر أن الصلح المنصوص عليه في القانون المصري يختلف عن التصالح المنصوص عليه في القانون الفلسطيني، حيث أن الصلح يعقد بين المتهم والمجني عليه، كما يتقدم المجني عليه أو وكيله الخاص بالصلح إلى النيابة العامة أو المحكمة على حسب الأحوال طالباُ إثبات حكمه مع المتهم، وتقوم النيابة العامة أو المحكمة بفحص الصلح من حيث شروطه، ومتى توفرت تقوم بأعمال أثاره القانونية.
[39]– الجدير بالذكر أن المجلس التشريعي الفلسطيني يناقش مشروع قانون معدل لقانون الإجراءات الجزائية رقم (3) للعام 2001، وبموجب هذا التعديل المقترح يتمكن المحكوم عليه بحكم بات بإحدى الجرائم التي تقع على النفس أو سلامة البدن من الأثر المخفف للعقوبة الذي يترتب على وقوع الصلح، في الحالة التي يقع فيها الصلح بعد صدور الحكم البات.
[40]– سورة النساء: الآية 128.
[41]– سورة الأنفال: الآية الأولى.
[42]– أبو داود سلمان بن الأشعث، سنن أبي داود، دار أحياء السنة النبوية، ج 3، ص: 304.
[43]– سعادي عارف محمد صوافطة ، الصلح في الجرائم الاقتصادية، رسالة ماجستير، جامعة النجاح، 2010، ص: 6.
([44])أ. ماهر انطون، التحكيم في الأحوال الجنائية، بحث منشور على موقع الأكاديمية الدولية للتحكيم، بتاريخ 15/11/2013.
([45]) المرجع والمكان السابقان.
([46]) نص المادة الرابعة من قانون التحكيم الفلسطيني رقم (3) لسنة 2000والمادة (11) من قانون التحكيم المصري.
([47]) ماهر أنطون، المرجع والمكان السابقان.
([48]) حيث نص المشرع الفلسطيني على جواز الصلح في قانون ضريبة الدخل رقم(17) لسنة 2004، في الفقرة الثالثة من المادة (40)، كما قرر المشرع في قانون الجمارك الأردني المطبق في الأراضي الفلسطينية، رقم(1) للعام 1962، في المادة (164) انقضاء الدعوى العمومية بالصلح. للمزيد راجع سعادي عارف صوافطة، الصلح في الجرائم الاقتصادية، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين، 2010، ص 13 وما بعدها.
([49]) د. رضا السيد عبد الحميد، التحكيم في الشيك في ضوء أحكام قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 ، بحث منشور في مجلة المحاماة العدد الثاني ، بتاريخ 29/5/2004م.
([50]) فقد ورد في أحد أحكامها بأنه ” لما كانت الدعوى الجنائية قد أقيمت قبل المطعون ضده بطريق الادعاء المباشر بتهمة إعطاء شيك بدون رصيد المعاقب عليها بالمادتين (336، 337) من قانون العقوبات، وقضى عليه بالعقوبة آنفة البيان بجلسة 5/6/1999 وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة وهو أصلح للمتهم من مادتي قانون العقوبات المشار إليهما لما نص عليه بالمادة (534/4) منه من أنه يترتب على الصلح بين المجني عليه والمتهم انقضاء الدعوى الجنائية وأن نص هذه المادة واجب التطبيق من تاريخ صدوره في17/5/1999، وكان البين من الإطلاع على محضر الجلسة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه ومدوناته أن وكيل المدعي بالحقوق المدنية- المجني عليه- بموجب توكيل يبيح له الصلح والإقرار، أقر بتخالص الأخير مع الطاعن عن قيمة الشيك موضوع الدعوى وتنازله عن دعواه المدنية. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذا صدر بعد صدور القانون الأصلح للمتهم دون أن يعمل أثره يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ومن ثم فإنه يتعين نقضه وتصحيحه بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح إعمالا لنص(35م) من قانون إجراءات الطعن أمام محكمة النقض. محكمة النقض المصرية، نقض جنائي، الطعن رقم 37435 – لسنــة 69 ق ، جلسة 13 / 11 /2006.
([51]) وقد ورد في أحد أحكام محكمة النقض المصرية بأن ” النظام العام يشمل القواعد التي ترقى إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد أو التي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي أو المعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد “. نقض مدني مصري، الطعن رقم 132 لسنة 73 ق ” أحوال شخصية ” ، جلسة 7/3/2005.
([52]) د. عبد الله عيسى الرمح ، حكم التحكيم ، دراسة في القانون الكويتي والقانون المصري ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2009 ، ص 455.
(3) Y. Derains, l’order public et le droit applicable au ford du litige international, Rev. arb. 1986, p.375.
([54]) وعلى الرغم من ذلك نجد أن بعض الأنظمة القانونية مثل النظام القانوني الكويتي لا زال يتحفظ على مبدأ جواز التحكيم في العقود الإدارية ، راجع الفتوى رقم 2/150/95-1800 في 29 يوليو 1995 ، والفتوى 2/151/95-1179 في أول أكتوبر 1995، منشور في مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها الفتوى والتشريع الكويتية ، في الفترة من يناير 1990 حتى ديسمبر 2002 ، ج. الأول ، يناير 2005 ، ص 399 وما بعدها.
([55]) د. رضا السيد عبد الحميد، المرجع والمكان السابقان.
([56])- منشور في العـدد الواحد والتسعون في جريدة (الــوقــائــع الفـلســطـينـية)، حزيران (يونيو) 2014م، ص: 23 وما بعدها.
([57]) المستشار/إبراهيم خليل، التحكيم في الشيك، بحث منشور موقع المنتدى القانوني للجميع ، الرابط : http://www.law4-all.net/vb/showthread.php بتاريخ 27/11/2013.
([58]) حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية ، الصادر في القضية رقم 8 لسنة 22 ق ” تنازع ” ، بتاريخ 4/8/2001.