الصحراء المغربية بين التسوية الأممية والمبادرة المغربية
د.محمد بوكطب
باحث في العلوم القانونية والإدارية
والسياسية بجامعة محمد الأول بوجدة
مقدمة :
الصحراء الغربية تطلق تاريخيا على المنطقة الصحراوية التي تقع في الغرب الجنوبي للمملكة المغربية، وفي غرب القارة الإفريقية بين 25o و26o درجة من خط العرض شمالا. والمساحة الكلية للصحراء المغربية تصل إلى266000 كلم2، وتنقسم الصحراء المغربية إلى منطقتين: الساقية الحمراء التي تبلغ مساحتها 82.000 كلم2، ووادي الذهب التي تبلغ مساحتها 184.000 كلم 2 [1] .
للصحراء المغربية أهمية استراتيجية جعلتها مطمعا ليس فقط من الاستعمار الأجنبي، بل أيضا من قبل الدول المجاورة لها. وفي هذا الصدد، يقول الراحل الحسن الثاني: ” إن الموقع الجغرافي لبلدنا هو الذي يفسر لنا بادئ ذي بدئ الأطماع الكثيرة التي حاقت بنا، فنحن في مفترق الطرق بحريا وقاريا، وعلى ملتقى الشعوب والحضارات، وهذا ما يوضح الأسباب التي جعلت كثيرا من القوى الأجنبية في القرن التاسع عشر إلى اعتبار بلدنا بمثابة مدى استراتيجي وتكتيكي له أهمية أولى في الميادين السياسية والاقتصادية والحربية “[2] .
وعلاوة على ذلك، فلم تكن للمنطقة أهمية اقتصادية تذكر، إلى أن اكتشفت فيها مواد أولية ذات أهمية اقتصادية مثل الفوسفات، ومن ثم، بدأت النظرة للصحراء تتغير بمجرد اعتبارها صندوق رمال إلى الأمل في اعتبارها صندوق للمواد الخام.
فقضية الصحراء تعود إلى زمن الاحتلال الإسباني للأقاليم الجنوبية المغربية، إذ أنها تحولت بعد جلاء آخر جندي إسباني عن المنطقة لتصبح مشكلة عدوان يتعرض له المغرب من طرف دولة مجاورة، ما فتئت تعلن تلك الدول أنه لا مطامع لها في الصحراء. هذا التطور يخفى ملابسات وخلفيات ظلت تستهدف تكريس المؤامرة الانفصالية، وهي إن كانت قد اتخذت طابع الخلاف الذي وصل إلى أقصى حد الاستفزاز التي كانت تهدد باندلاع صدام مباشر بين البلدين المتجاورين.
وتعتبر قضية الصحراء من أطول وأعقد المشاكل التي اعترضت المغرب في سبيل استكمال وحدته الترابية. إذ عولجت في عدة محافل دولية أهمها منظمة الأمم المتحدة، التي عملت على تنظيم الاستفتاء وذلك قصد إيجاد منفذ يوصل مجلس الأمن إلى حل نهائي متفاوض حوله، لكن الاستفتاء الذي راهنت عليه سيصطدم بعائق تحديد هوية الأشخاص المؤهلين للتصويت، ومع وجود محاولات دولية لحل المشكل، فإن النزاع يظل مطبوعا بالتأزم نظرا لتشبت كل طرف بموقفه وعدم الاستعداد لتقديم تنازل للآخر.
ورغم الجهود المضاعفة التي يبذلها المغرب لحل هذا المشكل من خلال المبادرة التي دشنها المغرب في عهده الجديد، إلا أن أعداء الوحدة الترابية تقف عقبة في الطريق.
يمكننا أن نتسأل كيف بدأت المشكلة؟ وما هي دوافع الجزائر وراء تأسيس ما يسمى الجمهورية العربية الديمقراطية؟ وكيف عملت الأمم المتحدة على معالجة المشكلة ؟ وما هو مضمون المبادرة المغربية؟
وعليه ومن أجل إحاطة جوانب الموضوع ، سنقسمه إلي مبحثين :
الفصل الأول: خلفيات الصراع حول الصحراء المغربية.
الفصل الثاني: الأمم المتحدة و المبادرة المغربية.
الفصل الأول: خلفيات الصراع حول الصحراء المغربية
تعد مشكلة الصحراء المغربية من أعقد المشكلات التي عرفتها منطقة شمال إفريقيا. لسبب أساسي هو أن النزاع قد تجاوز كل التصنيفات واكتسى عند كل مرحلة طابعا معينا، فهو في جوهره، كان نزاعا بين المغرب وإسبانيا من أجل استكمال الوحدة الترابية لبلد شهد أعنف مظاهر التجزئة و أخطرها إبان المد الاستعماري، لاعتبارات واضحة تعود لموقعه الاستراتيجي ولدوره التاريخي ( المبحث الأول)، وامتد هذا النزاع إلى طابع سياسي عبر مظاهر الخلاف المغربي الجزائري التي ما تزال مضاعفاتها قائمة الى حد الآن ( المبحث الثاني ) .
المبحث الأول: الخلفية التاريخية
يمتد الصراع حول الصحراء المغربية منذ أن دخلها الاستعمار الإسباني، وظل فيها تسعة عقود (المطلب الأول)، ثم تركها ورائه مخلف نزاعا بين دول المنطقة وخلق كيان استعماري فيها ( المطلب الثاني) .
المطلب الأول: الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية
كان من العوامل التي ساهمت في انطلاق الاستعمار الأوربي هو نهاية الوجود الإسلامي بالأندلس. فلأول مرة في التاريخ وصل مع نهاية القرن الخامس عشر مغامرون وتجار إلي السواحل الصحراوية، وكانوا آنذاك اسبانيين وبرتغاليين، وقد يبدو لأول وهلة، أن التفكير في النزول بسواحل المغرب الجنوبية كان بمحض الصدف بالنسبة للدولتين أو لإحداهما على الأقل، ولكن عند الرجوع إلى الوثائق الإسبانية نجد أن ذلك كان خاضعا لتصميم مسبق وتنسيقا متفق عليه[3]. حيث فكرت الامبريالية الإسبانية في إنشاء مركز بالأرض المغربية الموالية لجزر الخالدات حتى تتمكن من استغلال خيرات البحار المغربية، لأن أساس تغذية الشعب الإسباني كان ولا زال هو السمك، ومن أجل ذلك أنشأت إسبانيا برجا بمصب وادي شبيكة أطلقت عليه اسم santé Cruz de mar péquena كان ذلك في سنة 1476[4].
لذلك، كانت الصحراء المغربية في مطلع القرن السابع عشر ساحة للتنافس، حيث دخل طرفان آخران إلى حلبة السباق هما الفرنسيون والانجليز بحكم موقعها الاستراتيجي، – منطقة اتصال حيوية بين إفريقيا وأروبا، ونظرا للدور الذي كانت تلعبه في التجارة مع السودان، لكونها الممرات والمسالك الوحيدة التي كانت تمر خلالها هذه التجارة، لذلك زادت أهميتها الاقتصادية -، بحيث اضطر البرتغاليون إلى التخلي تاركين مكانهم لإسبانيا، و قد شددت إسبانيا في محاولة السيطرة على الساحل المغربي من جنوب أكادير حتى رأس الأبيض مستعملة في ذلك جميع الوسائل[5].
وفي عام 1883م، تأسست بإسبانيا شركة استعمارية أطلقت على نفسها ( الشركة الإفريقية للمستعمرات)، وأول طلب تقدمت به إلى الحكومة المغربية هو تخصيص حيز من السواحل الصحراوية لضمان ملاحة البواخر المشتغلة بصيد السمك، في هذا الجانب من المحيط الأطلسي وفي التقرير الذي قدمته الشركة في 30 مارس عام 1884، عينت فيها جغرافيا المكان المطلوب وهو شبه جزيرة في ناحية وادي الذهب، وحسب الأوصاف التي نجدها في التقرير قد يكون المكان هو منطقة ” الداخلة” التي أطلق عليها الإسبانيين آنذاك اسم “فيلاسيسينروس” [6].
وبتاريخ 15 أكتوبر 1884، وصلت بواخر الجيوش الإسبانية إلى وادي الذهب والرأس الأبيض والكويرة لتصل إلى الداخلة في 3 نوفمبر من النفس السنة، وقد قبلت تلك الهجمات الاستعمارية بمقاومة شديدة من طرف القبائل وساكنة المنطقة التي أطلقت عليها فيما بعد تسمية الصحراء الإسبانية والصحراء الغربية، وهي تسمية غير سليمة تحمل في طياتها البعد الاستعماري[7].
وفي 26 ديسمبر 1884 نهجت الحكومة الإسبانية أسلوبا جديدا لإضفاء الشرعية على سياستها تجاه المنطقة، وإحكام قبضتها على الصحراء، حيث أعلنت رسميا عن فرض حمايتها على الشاطئ الغربي الإفريقي بين خطي عرض20o و 27o، وقد رفضت الحكومة المغربية الاعتراف بهذه الحماية[8]. وابتدأ من 1884 إلى 1900 في عهد السلطان المولى عبد العزيز، تفاقمت المشاكل الداخلية وتصاعد الخطر الأجنبي على السيادة المغربية، وفي هذا الإطار، بادرت القوتان الاستعماريتان المعنيتان بالمغرب (إسبانيا وفرنسا) إلى إبرام عدة اتفاقيات سرية وعلنية، جانب منها يخص الأراضي الصحراوية المغربية، وأهمها أربع معاهدات في التواريخ التالية، 27 يونيو 1900، 11 نوفمبر 1902، 3 أكتوبر 1904، 27 نوفمبر 1912.
بعدها مباشرة انطلقت زوارق الاسبانية صوب شواطئ الداخلة لوضع تصاميم لقواعدها العسكرية، وفي سنة 1914م، تم الانتهاء من وضع تلك التصاميم في إطارها الاستراتيجي حيث مكنت المستعمرين من مراقبة الشواطئ الصحراوية المغربية، وكذا تحركات القبائل، ومحاولة إغرائها بالمساعدات، ومعاملة سكانها بلطف، ومطالبتهم بالتجارة المتبادلة . ورغم ما عرفته المنطقة آنذاك من ظروف صعبة وما صاحبها من جفاف ومناخ ومجاعة، فإن أهالي الصحراء رفضوا أي تعامل مع الإسبانيين، حيث صرحوا لهم أن ذلك خارج عن اختصاصهم، ويمكن الرجوع بشأنه إلى من ينوب عن السلطان بظهير .
كل تلك المحاولات كانت تمهيدا للاستقرار بالمنطقة إلى أن أسقطوا طرفاية في أيديهم يوم 29 يونيو 1916، والكويرة 30 نوفمبر 1920، والسمارة 15 يوليوز 1934، والعيون سنة 1936، ولم يتمكنوا من بسط احتلالهم على كل المناطق الصحراوية إلا في سنة 1939 م[9]. ولم تقوى إسبانيا في المنطقة إلا في سنة 1960، حيث انصرفت بكليتها إلى الصحراء المغربية المحتلة على إثر دراسات الخبراء التي انتهت باكتشاف الفوسفاط، الذي كان ظهوره واستغلاله بداية مرحلة التحدي العنيف لإرادة الشعب المغربي في التحرير، والوحدة، ورفاهية، وازدهار إسبانيا، ومع ذلك التمركز الاقتصادي والعسكري للإمبريالية في الصحراء المغربية، شرعت إسبانيا سياسة ” أسبنة المنطقة”، حيث شجعت هجرة الإسبانيين للمنطقة وأعطتهم حق “الجنسية الصحراوية”[10] .
وفي 1973، انتقلت إسبانيا إلى الحديث عن إمكانية قيام كيان منفصل في الصحراء، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، فأعلنت أن شعب الصحراء قد عبر عن رأيه من خلال الجماعة الصحراوية بالانضمام لإسبانيا [11]. والشيء الغريب هو أن الاستعمار الإسباني عندما كان يحلم ببقائه في الصحراء المغربية لم يكن يقول بوجود ” شعب صحراوي” في الأرض المغربية، والتي كان يحتلها وكان يعتبرها ” إقليما اسبانيا “، كما أن إقدامه على إنشاء ما يسمى ” بالبوليساريو”، لم يظهر في الأفق إلا عندما شعر ذلك الاستعمار بالخطر الذي كانت تكونه عليه المطالب المغربية[12] ، إلا أنه وبعد إدلاء محكمة العدل برأيها الاستشاري في أكتوبر 1975، أعلن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله عن تنظيم مسيرة شعبية سلمية لتحرير الصحراء بمشاركة 350 ألف من المتطوعين، وتعود الصحراء إلى المغرب بعد التصريح الصادر عن إسبانيا والمغرب وموريطانيا بتاريخ 14 نوفمبر 1975[13].
المطلب الثاني: بداية المشكلة
بعد استكمال المغرب لوحدته الترابية ، وتنفيذ كل الإجراءات المتعلقة بتسليم الإدارة من إسبانيا، وبينما اعتبر المغرب أن ملف الصحراء قد طوي إلى الأبد، كانت البدايات الأكثر عنفا لقضية الصحراء تنسج خارج الأقاليم الصحراوية [14]، وبالضبط داخل الأراضي الجزائرية.
ومن المعلوم أن الجزائر كان قد سبق لها أن أعلنت أكثر من مرة لا أطماع لها في أرض الصحراء، بل أن الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين أعلن أمام مؤتمر القمة العربي السابع المنعقد بالرباط سنة 1974، أنه ليس لبلده أي مطالب ترابية على استرجاع الصحراء، وأنه على استعداد لمساعدة المغرب على استرجاع أراضيه.
إلا أنه بعد فترة وجيزة من ذلك المؤتمر، غير رئيس الجزائري موقفه أمام استغراب الجميع اتجاه القضية، وبدأ يدعوا إلى إقامة كيان صحراوي مستقل بذاته، وقد كان ذلك الموقف هو البداية.
وإلى جانب اعتراض الجزائر على توقيع اتفاقية مدريد حيث اعتبرت استرجاع المغرب لصحرائه مسا بالتوازن في المنطقة على حد تعبير بومدين يومها، ولم يكتف النظام الجزائري بذلك الأسلوب في معاكسة الحق المغربي، بل أنه دخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع المغرب في الوقت الذي كانت فيه إسبانيا تغادر الصحراء، كانت الجيوش الجزائرية تتجه للتمركز في بعض المناطق، وكانت القوافل على مستوى آخر تنقل بعض السكان الصحراء إلى معسكرات تندوف في أوائل 1976 [15].
ولكن، ما خططت له الجزائر يشيب له الولدان، وذلك لأقدامها على تأسيس ما يسمى” بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” سنة 1976، بفندق جورج 5 بالجزائر، متحدية الشرعية الدولية بكل وقاحة، غير عابئة بالتناقض المفضوح الذي تتوغل فيه، لأنها من جهة تبني سياستها على القول بأنها ترفع لواء الأخلاق ولا خصومة لها مع المغرب، وأنها فقط تدافع عن مبدأ حق تقرير المصير، وأن الشعب الصحراوي إذا شارك في الاستفتاء وقرر الاندماج مع المغرب فهي ستقبل اختياره، ومن جهة أخرى تستبق الأحداث وتقفز على الاستفتاء وتعمل على إنشاء جمهورية وهمية دون انتظار نتائج الاستفتاء[16]. ومع الأيام تبين لكل ذي رأي، أن قضية الصحراء هي قضية مفتعلة تحركها الجزائر على الخصوص لحاجة في نفسها[17]، وهذه حقيقة لا يجادل فيها أحد، وهي أن الجزائر تضلل الرأي العام الدولي وتزعم أنها تساعد ما يدعى بالبوليساريو، وهي خدعة وأكذوبة لا أساس لها من الصحة إطلاقا، فالجزائر تلعب لعبة الاستعمار في المنطقة، وهي الطامعة في صحرائنا[18]، وكان هذا عرض موجز لسرد بداية المشكلة، وسنبين دوافع وراء تأسيس الجمهورية الوهمية من طرف الجزائر.
المبحث الثاني: العلاقات المغربية الجزائرية
شهدت العلاقات المغربية الجزائرية فترات التعاون والهدوء النسبي، إلا أن السمة الغالبة منذ استقلال الجزائر عام 1962م هي التوتر والصراع، الأمر الذي أفضى في كثير من الأحيان إلى مواجهة مسلحة عنيفة خاصة بعد استقلال الجزائر.
والمثير للانتباه، هو أن الصلات التاريخية بين البلدين قوية إلى حد التلاحم، وأن ما يجمع البلدين أكثر مما يفرقها، غير أن المتتبع لفصول هذه العلاقة يتملكه العجب بالنظر إلى حجم الهوة والصراع الناتج عن المشاكل العالقة بين النخب الحاكمة بين البلدين. وسنتطرق من خلال هذا المبحث إلى دراسة محددات الخلاف حول الصحراء المغربية (المطلب الأول)، ودوافع التصعيد والتوتر بين البلدين ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول:محددات الخلاف حول الصحراء المغربية
بعد استقلال الشعوب المغاربية، برز الخلاف التقليدي المتوارث عندها في صورة نزاعات سياسية ومذهبية ونظامية وترابية، تمثلت في الإيديولوجية والمذهبية المعتنقة من لدن الحكام الجدد، ونوع النظام المطبق، والحوزة الترابية للبلاد.
فبمجرد حصول الجزائر على استقلالها من فرنسا وتنصيب أول رئيس لها وهو أحمد بن بلة ذو الأصل المغربي، فإن حكومة هذا البلد الشقيق للمغرب، تنكرت لجميع الأخلاقيات الدولية والروابط الإسلامية والعربية التي تربطها بأشقائها في المغرب، فانتقدت ايديولوجيته، ونظام حكمه، وأسلوب تعامله مع الدول الصديقة، بل الأدهى من ذلك، أنها بادرت إلى شن حرب عليه في (حاسي البيضاء) (وحاسي تبخوت) و ( فجيج ) [19].
إذن، يتوقف الوضع العام للعلاقات المغربية الجزائرية على عدة عوامل تاريخية، وجغرافية، وأيديولوجية ودولية. ولقد تشكلت خلال الأربعة عقود الماضية دون إغفال رواسب الماضي، ويتضح ذلك من خلال الآتي:
1 – من الواضح وجود اختلاف في التطور التاريخي للبلدين، فالمغرب ذو رصيد تاريخي هام من الاستقلال السياسي والتنوع الثقافي، وذلك لأنه مصدر السلطات، والإمبراطوريات، ونقطة تجمع للتاريخ الإسلامي العربي في شمال القارة الإفريقية، بينما الجزائر بوصفها وحدة سياسية تسعى إلى إيجاد هوية قومية بدونها تنتهي الثورة الجزائرية [20] ؛
2- يوجد تمايز واضح لكلا النظامين السياسيين للدولتين، نظام ملكي ليبرالي في المغرب، وآخر جمهوري شمولي في الجزائر. ولقد أدى هذا التمايز إلى تنامي المخاوف المغربية من محاولات الهيمنة الجزائرية، وقد اتضح ذلك من خلال المشاحنات الإعلامية والأيديولوجية، وخاصة بعد سنة 1963، فقد رأى المغرب أن طبيعة النظام الملكي هي التي تقلق الجزائر، بينما رأت الجزائر أن طبيعة نظامها الاشتراكي هي التي تقلق المغرب[21] ؛
3- يعتبر الخلاف الحدودي بين المغرب والجزائر من أبرز العراقيل التي أعاقت التقارب السياسي بين البلدين، فقد سعى كلاهما إلى المس بالحدود الموروثة عن عهد الاستعمار، معبرين عن رفضهم للوضع الترابي القائم ، حيث الجزائر تدافع عن حدودها كما تركها الاستعمار الفرنسي، بينما المغرب يطالب بحدوده كما كانت قبل الاستعمار، والتي تمثل معاهدة ” لالة مغنية” في 18 مارس 1845 إطارا مرجعيا لها، وهي المعاهدة التي وقعها المغرب وفرنسا بعد هزيمته في معركة اسلي في 14 غشت 1844، بسبب دعم المغرب لثورة الأمير عبد القادر الجزائري. ورغم تحديد تلك المعاهدة للحدود بين الجزائر والمغرب، إلا أن وضع منطقة الصحراء الشرقية في الجنوب (أي منطقة تندوف) في وضعية غامضة، وقد تلت تلك الاتفاقيات عدة اتفاقيات أخرى في سنة 1901 و 1902 ، كانت ترتبط بدرجة التوغل الاستعماري لفرنسا في المغرب، وسعيها لتثبيت وجودها في الجزائر، مما كان يفضي للانتفاض التدريجي من التراب المغربي، ومنذ استقلال المغرب ومشكلة الحدود مع الجزائر مطروحة، إلا أنها أجلت حتى لا تعتبر طعنة للثورة الجزائرية، إلى أن حصلت الجزائر على استقلالها في يوليوز 1962، وقد نجم عن ذلك الخلاف الحدودي مواجهات عسكرية بين البلدين عرفت بحرب الرمال في أكتوبر 1963.
وقد تم احتواء النزاع بعد تدخلات عربية وافريقية، كما عالج لقاء مصغر في القمة العربية بالقاهرة عام 1964 بعض أسباب النزاع، إلا أن المشكل المتعلق بالصحراء الشرقية بقي عالق خصوصا بعد اكتشاف الحديد بها، وتجدد المطالب المغربية بضرورة تسوية المشكلة، ولم يخلو التوتر من صدمات عسكرية في 1967، أدت لسعي المغرب لطرح النزاع على الأمم المتحدة [22] ؛
4- ترتكز سياسات القوى الدولية تجاه المنطقة المغاربية على التحكم في العلاقات المغربية الجزائرية، والموازية بين طرفي هذه العلاقات، سواء أثناء الحرب الباردة أو ما بعدها، بحسب الأولوية المحددة من طرف القوى الأجنبية، والتي ترى في المنطقة خزانا نفطيا ( الجزائر)، وموقعها استراتيجيا ( المغرب)، فضلا عن كونها سوق للسلاح بامتياز، وهي اعتبارات عززها الماضي الاستعماري لفرنسا التي كانت تعتبر المنطقة مجال نفوذ تقليدي لها، ورغم انهيار الاتحاد السوفياتي، فإن رياح الحرب الباردة لم تغادر المنطقة حيث حافظت الجزائر على علاقتها العسكرية الاستراتيجية مع روسيا. واستمرت هذه الأخيرة في تبني الأطروحة الجزائرية بخصوص نزاع الصحراء داخل مجلس الأمن، وفي المقابل نجد الولايات المتحدة الأمريكية أكثر مراعاة للمطالب المغربية بخصوص النزاع، رغم بروز نزعة توظيفية لهذا الأمر من أجل فتح البوابة العسكرية الجزائرية، حيث أصبحت قضية الصحراء أداة لتعميق تبعية دول المنطقة، كما أن المنطقة المغاربية هي منطقة حيوية للأمن الاستراتيجي لأوروبا ولحوض المتوسط.
وساهم الصراع الدولي في مرحلة الحرب الباردة في توظيف الصراع حول الصحراء المغربية لتحقيق عدة أهداف، منها التحكم في الممرات المائية، وتشكيل الأحلاف العسكرية، إلا أن أهم هدف خدمته القضية هو أنها أصبحت أداة إبعاد العالم الإسلامي والعربي عن شرقه، وكما أفضت تطورات الصراع في المنطقة إلى ارتفاع الحاجة إلى الدعم الأجنبي عسكريا واقتصاديا لهذا النظام أو ذاك، وهو ما جعل القضية عنصر استنزاف للمقدرات الذاتية من جهة، وعنصر تعميق التبعية من جهة أخرى[23].
المطلب الثاني: دوافع التصعيد والتوتر بين الجزائر والمغرب
ظلت العلاقات المغربية الجزائرية متسمة بالتوتر والتصعيد منذ استقلالها. وتعتبر الصحراء المغربية ساحة للصراع الإقليمي، والعصب الحساس للخلاف بين البلدين، يعتبرها المغرب جزء تاريخيا منه، أما الجزائر فقد جعلت من استقلالها المحور الناظم للسياستها الخارجية وتحالفاتها، ويمكننا أن نتسأل ما هي الأهداف المتوخاة من إنشاء الدولة الوهمية وأين تكمن مصلحة الجزائر في ذلك؟
يتحدد إقامة دويلة قزمية في الصحراء بأهداف استراتيجية واقتصادية بعيدة المدى[24]. وهو ما جعل الجزائر في إنشاء الدولة الوهمية البوليساريو، ترمي وتهدف إلى إضعاف وتقزيم المغرب كدولة مجاورة، ومنعه من الامتداد نحو إفريقيا نظرا للإشعاع الذي يتمتع به على المستوى القاري والدولي، فقد رأت الجزائر في المغرب الطامح نحو الهيمنة، عدوا مستقبليا يهدد استقرارها وتفوقها الاستراتيجي، وينافس في لعب الدور الاستراتيجي الأهم على المستوى الإقليمي، ودخوله في أدوار طلائعية خاصة بقضايا مصيرية كقضية السلام العربية الإسرائيلية [25] على المستوى الدولي.
وهكذا، ظل النظام الجزائري يطمح في الريادة والهيمنة وإضعاف الجيران، وللعب دور إقليمي أكبر والحيلولة دون أن يتفرد المغرب بلعب مثل هذا الدور، وظل هاجسا قويا في السياسة الخارجية، ولم تكن الصحراء سوى ذريعة لتبرير هذا الهدف، بدليل أن الجزائر نفسها هي التي اقترحت على المبعوث الأممي السابق الخاص بنزاع الصحراء المغربية جيمس بيكر خطة لتقسيم الصحراء، الأمر الذي كشف الأطماع التوسعية للجزائر ونزوعاتها للهيمنة في المنطقة، مما جعل العاهل المغربي محمد السادس يشن في خطاب له بمدينة العيون عاصمة الصحراء في مارس 2002 حملة على الجزائر، واتهامها بالرغبة في الهيمنة والتوسع، وأكد أن” لا نتنازل عن أي شبر من صحرائنا”.
ويبدوا أن العامل الاقتصادي أيضا يلعب دورا في السياسة الجزائرية، ولقد سبق للرئيس الجزائري الراحل بومدين أن شبه في تصريح لجريدة “لومند” الفرنسية النزاع حول الصحراء بالصراع الفرنسي الألماني على منطقة الراين، مفسرا التفوق الألماني الاقتصادي بالسيطرة على مناجم الراين الغنية بالمعادن، وكان هاجس امتدادات المغرب على طول الشواطئ الأطلسية يخنق الجزائر ولا يمنحها إمكانات لبناء ومد قنوات لتصدير الغاز عبر منطقة الصحراء لما يقع في اتجاه المحيط الأطلسي[26].
فالجزائر لا تطالب بالصحراء المغربية ولكنها ستستفيد من المصادر الاقتصادية إذا ما تأسست دولة الوهمية البوليساريو، في الواقع أن منطقة الصحراء منطقة غنية بالفوسفاط والحديد ومن الوارد أن تحتوي البترول، ومن شأن هذه المواد الأولية أن تشكل تكاملا مع غنى الجزائر وإمكانيتها لبناء أسس صلبة لصناعة الجزائر وتقوية مركزها الاقتصادي، والتجاري كأقوى دولة افريقية [27]. كما سيكون لها انفتاح على وجهة المحيط الأطلسي، ثم التحكم في الساحل ومراقبته، وبالتالي تتمكن من استغلال وتسويق الحديد المستكشف المتواجد بمنطقة “غار جبيلات”، والذي لم يستغل إلى اليوم لتكلفة نقله الباهظة باتجاه الشمال، حيث سبق التفكير في نقله عبر مشروع إقامة سكة حديدية لكن تم التخلي عنه لأجل ذلك.
إلى جانب ذلك، أن حكام الجزائر يريدون انشغال المغرب بقضية صحرائه الغربية كي لا يطالب بصحرائه الشرقية التي احتلتها فرنسا، وأصبحت في ملك الجزائر بعد خروج المستعمر الفرنسي، وهكذا أرادوا أن يتخذوا من الصحراء الغربية ورقة ضغط على المغرب حتى يسلم لهم حقوقه التاريخية في الصحراء الشرقية والجنوبية، فطالبوا ترسيم الحدود الموروثة عن الاستعمار [28].
وهناك عوامل أخرى مختلفة تحكم حالة التوتر القائمة حاليا بين المغرب والجزائر تتمثل في مايلي:
شعور الجزائر بنوع من التحرر من الرئاسة الدورية لاتحاد المغاربي، وهي رئاسة التي كانت قد دفعتها في السابق تحت ضغط بقية العواصم المغاربية إلي تقديم تنازلات بهدف توفير المناخ المناسب لانطلاق البناء المغاربي.
وهناك، اعتقاد جزائري بأن المغرب يسعى إلى استغلال برامج الشراكة السياسية والأمنية والاقتصادية مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الجزائر لوقف دعمها لجبهة البوليساريو [29] .
وزاد من تصعيد التوتر بين البلدين أيضا اعتراف دولة جنوب إفريقيا، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الجزائر بالكيان الصحراوي المزعوم في سبتمبر 2004، وهو ما اعتبرته الرباط تصعيدا جديدا يضرب كافة جهود التقارب مع الجزائر. إضافة إلى ما سبق، الرسالة التي وجهتها الجزائر في أكتوبر 2004 للأمين العام للأمم المتحدة التي وصفت فيه المغرب بكونه بلد يحتل الصحراء، ولا يحق أن يكون وصيا على الصحراويين في تقرير مصيرهم[30].
لكن الخلاف بين البلدين اتخذ منحى أكثر خطورة عقب تخلى الوسيط الدولي السابق في نزاع الصحراء جيمس بيكر عن مهمته منذ صيف يونيو 2004. ودخول مشكلة الصحراء مرحلة مصيرية في ظل تزايد الجهود السياسية والإعلامية للإطراف المعنية من أجل حشد تأييد دولي لمواقفها من طريقة حل نزاع الصحراء، وفي حين، دعمت الجزائر على ما يبدوا جهودا دولية لدعم الاعتراف بـ ” الجمهورية الصحراوية”، حيث رد المغرب بعنف ونقل القضية إلى الأمم المتحدة من خلال تقديم مذكرة رسمية تتهم الجزائر بالتورط المباشرة في النزاع الصحراوي، وهي تهمة دأبت الجزائر على نفيها[31].
الفصل الثاني: الأمم المتحدة والمبادرة المغربية الأخيرة
في إطار تشبث المغرب بمبادئ الشرعية الدولية، وحرصه الكامل على الخيار السلمي في حل جميع المعضلات التي تعترض طريقه، ارتأى رفع قضية الصحراء إلى هيئة الأمم المتحدة التي عملت ما في وسعها على إنهاء النزاع المفتعل في المنطقة( المبحث الأول)، إلا أن هذه الأخيرة عجزت على إيجاد تسوية نهائية لمشكلة الصحراء بسبب الخلافات الحادة بين الطرفين على الحلول الأممية المقترحة، ولهذا أقدم المغرب على اقتراح الحكم الذاتي (المبحث الثاني)، تلبية منه لنداء مجلس الأمن إلى موصلة التعاون مع الأمم المتحدة لوضع حد للمأزق الراهن.
المبحث الأول : التدبير الأممي لقضية الصحراء
بعد فشل منظمة الوحدة الإفريقية في إيجاد حل لقضية الصحراء، أقدم المغرب على نقل هذه الأخيرة إلى الأمم المتحدة، التي عملت على تنظيم الاستفتاء (المطلب الأول)، لكن الاستفتاء سيصطدم بعائق أساسي ألا وهو تحديد الهوية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تنظيم الاستفتاء
لم تستطع منظمة الوحدة الإفريقية حل نزاع الصحراء، بل العكس من ذلك زادت في تعميق المشكل، حيث انحازات مجموعة من الدول الإفريقية الأعضاء في المنظمة إلى جبهة البوليساريو، و واعترفت بالجمهورية الصحراوية التي أنشأت في فبراير 1976، مما جعل المغرب ينسحب من المنظمة الإفريقية. وفي غياب أي دور فعال لهذه الأخيرة ولجامعة الدول العربية من أجل حل هذا النزاع، بقي دور هيئة الأمم المتحدة التي ستشتغل بهذا المشكل عن طريق أمينها العام بيرز دي كويلار، بعد أن أثير موضوع الاستفتاء كحل قانوني [32].
بادر الأمين العام للأمم المتحدة وساطته في مارس 1986 بمشاركة ممثل عن المنظمة الوحدة الإفريقية، وبعد سلسلة من الاتصالات بين الأطراف المعنية، فقد قام المغرب والبوليساريو بقبول مقترحات الأمين العام في غشت 1988[33]، بعد ذلك عين الأمين العام مبعوثه الخاص في الصحراء بمقتضى التوصية رقم 621 (1988)، وفي 1990، اعتمد مجلس الأمن تقرير الأمين العام والذي تضمن النص الكامل لمقترحات التسوية وإطار الأمين العام لتنفيذها، وصادق مجلس الأمن في 27 يونيو 1990 على قرار 690 القاضي بخلق ‘المينورسو ‘( بعثة الأمم المتحدة من أجل استفتاء في الصحراء الغربية).
وفي تقرير للأمين العام بتاريخ 18 يونيو 1991 تم الإعلان عن مخطط التسوية إذ تناول البعثة المنظمة للاستفتاء، أو الفترة الانتقالية، وعدد المدنيين والعسكريين، والوجود العسكري المغربي، وإبعاد قوات كل طرف عند وقف إطلاق النار في مواقع متفق عليها، ثم تنظيم الاستفتاء ومراقبته بما في ذلك لجنة تحقيق الهوية، وتسجيل الناخبين واللجنة التي ستقوم بإجراء الاستفتاء، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وغيرها من التفاصيل التي ستتطور عند الممارسة، لتشكل النسيج القانوني والتنظيمي لعملية الاستفتاء[34].
في خطوات عملية، بادر الأمين العام بيرز دي كويلار إلى إعلان عن المساهمات المالية لتنفيذ العملية بجنيف، كما أعلن أن المفوضية السامية للاجئين سيكون لها دور أساسي كمنظمة في إطار بعثة الأمم المتحدة، كما أضاف أن البرنامج الزمني الواجب احترامه عند المصادقة عليه من طرف مجلس الأمن والجمعية العامة، سيؤدي إلى الشروع في مسلسل العودة بمجرد انتهاء أشغال لجنة تحديد الهوية، الذي يتطلب ستة أسابيع لاستكمال التدابير التحضيرية المنوطة بالمفوضية السامية، كإجراء أساسي سيسمح بتنظيم استفتاء قانوني شامل[35]. إلا أن الممثل الخاص للأمين العام المكلف بالمهمة لقي عدة عوائق من جراء الشروط الافتراضية للاستفتاء.
بيد أن ذلك الاستفتاء الذي راهنت الأمم المتحدة على تنظيمه بشكل مباشر لحل هذه المشكلة سيصطدم بعائق أساسي يتمثل في تحديد هوية الأشخاص المؤهلين للمشاركة في هذه الاستشارة، حيث أن هذه التقنية أصبحت كوسيلة لإقصاء بعض الصحراويين من الاستفتاء[36]. لهذا، حرص الأمين العام بطرس غالي (الذي خلف بيرز دي كويلار) وأعوانه على إيجاد قواسم مشتركة تبعا لتقرير أمام مجلس الأمن، حول هوية المشاركين في الاستفتاء باقتراح حل وسط يأخذ في الاعتبار عدة معايير للسير إلى الأمام بالعملية منها:
أولا: الأشخاص الواردة أسمائهم في إحصاء 1974 ؛
ثانيا: الأشخاص الذين كانوا يقيمون في الإقليم كأفراد قبيلة صحراوية وقت إحصاء 1974 إلى أنهم لم يتم إحصائهم؛
ثالثا: أفراد العائلة المقربة من هاتين المجموعتين الأوليتين ( الأب والأم والأبناء )؛
رابعا: الأشخاص من أب صحراوي مزداد بالإقليم؛
خامسا: الأشخاص أفراد القبائل الصحراوية المنتمين إلى الإقليم الذي أقاموا به ست سنوات متصلة أو12 سنة منقطعة قبل فاتح دجنبر 1974[37].
بالرغم من تحديد المعايير، فقد واجهت عملية تحديد الهوية عدة صعوبات تتعلق بكيفية تطبيق هذه المعايير، وكذلك التعامل مع تحديد هوية بعض القبائل[38].
لكن عرفت سنة 1996 جحود تام لمخطط الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء المغربية، غير أن نهاية سنة 1996، ستعرف حدثين هامين باعتبارهما عنصرين جديدين من شأنهما إعادة تحريك المخطط الأممي، يتعلق الأول بتأكيد جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في خطاب الذكرى الواحدة والعشرين للمسيرة الخضراء 6 – 11 – 96، لحصول لقاء بين وفدين جبهة البوليساريو ووفد المغربي يقوده ولي العهد الأمير سيدي محمد، ويشارك فيه وزير الداخلية السيد إدريس البصري رحمه الله، وقد اعتبر هذا الأمر، ” بارقة أمل” جديدة في أفق تسوية مشكل الصحراء، واستند إليه الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في تمديد تواجد بعثة الأمم المتحدة في الصحراء إلى غاية نهاية فبراير 1997. ويتعلق الحدث الثاني بانتخاب أمين عام جديد هو السيد كوفي عنان.
لذلك، فبمجرد انتخابه كأمين عام، بادر إلى اختيار مبعوث جديد يختلف كثير عن سابقيه لكونه ينتمي إلى الولايات المتحدة، إنه جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، مباشرة بعد تعيينه في هذه المهمة، فقد بادر المبعوث الأممي إلى استدعاء الأطراف لجولات من المفاوضات تمت في لشبونة ولندن، والتي مهدت لما عرف باتفاق هيوستن ما بين 14 و 16 شنبر 1997. فقد أسفرت المحادثات التقنية المتعلقة بتنفيذ مخطط التسوية عن اتفاق الطرفين على مدونة للسلوك خلال حملة الاستفتاء، وإعلان بشأن سلطة الأمم المتحدة خلال الفترة الانتقالية، إضافة إلى ذلك وافق الطرفان على مجموعة من التدابير العملية لاستئناف عملية تحديد الهوية [39].
وعلى أساس ذلك، استأنفت سنة 1998 أعمال تحديد الهوية لتتوقف في نهاية نفس السنة، بسبب العراقيل التي وضعها خصوم المغرب فيما يتعلق بتحديد هوية الصحراويين الذين تنطبق عليهم معايير تحديد الهوية التي نصت عليها الأمم المتحدة[40].
هكذا إذن، فإن الأمم المتحدة، ومنذ إشرافها على عملية إجراء الاستفتاء في إقليم الصحراء، وهي تضطر إلى إعادة تمديد مهمتها في المنطقة عدة مرات، وأمام هذا المأزق الأممي الذي يكلف الأمم المتحدة خسائر مادية ومعنوية تتمثل في تكاليف البعثة الأممية المينورسو وفي فشل المتواصل، بدا واضحا للجميع أن تطبيق مسطرة الاستفتاء في الصحراء يواجه صعوبات يستعصى تجاوزها بسهولة، وخصوصا في خصوصية النزاع وكل ما حققته الأمم المتحدة يتجلى في وقف إطلاق النار، والبحث عن الصيغة الملائمة لتنفيذ خطة السلام.
المطلب الثاني: أزمة تحديد الهوية
أصبح تحديد الهوية للصحراويين الذين يحق لهم الاشتراك في استفتاء تقرير المصير في الصحراء المغربية، وهو الموضوع الرئيسي للخلافات بين طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليساريو، وهو موضوع قديم، تضمنه تقرير بيريز دي كويلار، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الذي حظي حين وضع عام 1991 بموافقة الجميع، لكنه أصبح بعد ذلك مثارا للخلاف .
وكان أساس الخلاف في موضوع تحديد الهوية، هو الإحصاء السكاني. فالأمم المتحدة اعتمدت آخر إحصاء إسباني للسكان في الصحراء المغربية عام 1974، وهو الإحصاء الذي يحدد عدد السكان المنطقة بـ 74 ألف مواطن صحراوي. لكن المغرب رفض الرقم الوارد فيه لأن الإحصاء الاسباني أهمل السكان الصحراويين، الذين اضطروا لمغادرة الأقاليم الصحراوية، وقدم المغرب قوائم بأسمائهم تصل إلى نحو 120 ألف، وذلك بعد الهجمة الاستعمارية للجيوش الاسبانية والفرنسية عام 1957، والذين غادروا كذلك بعد القمع الذي قامت به السلطات الاسبانية بعد أحداث 1970، وخلال الفترات التي تلت عامي 1958 – 1970، فإن عددا من الأفراد والعائلات الصحراوية قد اضطرت لمغادرة الصحراء واستقرت في مدن وقرى شمال المغرب ومن حق هؤلاء المشاركة في الاستفتاء المزمع إجراؤه في الصحراء المغربية [41]. إضافة إلى اختلاف الطرفين حول اشتراك بعض المجموعات القبلية الصحراوية التي يقدر عدد أعضائها بـ 65 ألف شخص حيث اعترضت جبهة البوليساريو بشدة على فكرة لتحديد هوية التجمعات التي تعتبرها تجمعات ممثلة في الإحصاء الاسباني، إلا أن المغرب تشبث بحق مشاركة جميع الصحراويين في عملية التصويت [42].
وعلاوة على ذلك، ظهر مأزق آخر يتعلق بالطعون بالنسبة للأشخاص الذي تم رفض تسجيلهم، والذي كان كبيرا بالنسبة للائحة التي قدمها المغرب [43]، خصوصا وأن الطعون المقدمة على اللوائح المؤقتة للناخبين بلغت في مرحلة أولى 79125 طعنا، منها 74640، قدمت من داخل المغرب ، وهو رقم يقارب عدد الأفراد المعلن قبولهم في القائمة المؤقتة أي 84757، واعتبر الأمين العام أن غالبية الطعون لا تتوفر على وثائق مدعمة باستثناء التوفر على شاهدا وشاهدين، وهو ما يوحى بأن الاتجاه العام للأمم المتحدة يسير في اتجاه رفض جل الطعون، بالنسبة للمغرب خط أحمر يصعب تقديم تنازلات فيه، فالقبول بهذه النتيجة سيؤدي إلى توازن الهيئة الناخبة بين الطرفين [44]، ويضف لها طعون اللوائح الثانية خاصة بثلاث مجموعات قبيلة كانت موضع خلاف بين الطرفين حول مدى أحقيتها في المشاركة بالاستفتاء، ويقدر عددها بـ 51220، لم توافق لجنة تحديد الهوية إلا على 2130 منهم، حيث أن مجموع الطعون بلغ 135 ألف طعنا.
وبسبب الاعتراضات غير المنطقية لشيوخ جبهة البوليساريو على تسجيل عشرات الآلاف من أبناء الأقاليم الصحراوية المسترجعة بمن فيهم أقاربهم الأساسيون، وبسبب رفض تسجيل أغلبية أفراد التجمعات القبيلة الأخيرة، اتضح أن الذين راهنوا على التخلص بسرعة من عشرات الآلاف من الصحراويين سيضطرون للانتظار سنوات من أجل البت في الطعون الكثيرة الناشئة عن الاعتراضات الكثيرة على التسجيل في قوائم التصويت .
إلى جانب ذلك، برزت قضية إعادة اللاجئين الصحراويين من مخيمات تندوف إلى مسقط رأسهم للمشاركة في الاستفتاء، واتضح للجميع أن جبهة البوليساريو سترفض هذا الأمر رفضا باتا، لأن السماح بإعادة أولائك يعني تجريد الجبهة المذكورة من أهم مبررات وجودها [45] ، وهذا ما ترفضه الجبهة باعتباره شيئا مخالفا للخطة الاستفتائية كما وضعت أول يوم هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن هناك تخوف لدى الجبهة من أن تؤدي العودة إلى خلط الأوراق داخل المنطقة نظرا لارتكابها عدة أخطأ تجاه عموم اللاجئين، وهو ما يعني أن اللاجئين في حين عودتهم سيشكلون آلة دعائية ضخمة مزدوجة الدور، أحيانا تخدم الأطروحة المغربية، وأحيانا الأطروحة الانفصالية [46].
المبحث الثاني: المبادرة المغربية لإعطاء حكم ذاتي
قدمت الرباط حكما ذاتيا ثانيا كحل لإنهاء نزاع الصحراء المغربية، بعد رفض مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه جيمس بيكر سنة 2003، ولقي ترحيبا من لدن المنتظم الدولي ( مطلب الأول )، دعا مجلس الأمن الأطراف المتنازعة بقرار 1754 إلى مفاوضات مباشرة ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول: المبادرة المغربية وموقف المجتمع الدولي منها
وضعت المبادرة المغربية الأساس الذي يمكن أن ينهي النزاع ، حيث تقدم نفسها انطلاق من العنوان على أنها مبادرة من أجل التفاوض حول الحكم الذاتي لجهة الصحراء، وبهذا الشكل يظهر من البداية أن الإستراتيجية المغربية تنخرط في رؤية منفتحة وغير متشنجة بتركيزها على الطابع التفاوضي للمبادرة، عكس مقترح البوليساريو الذي يحمل عنوانا يفترض التوافق لكنه يفرض حلا واحدا لا يشكل موضوعا للتفاوض، إذ لا مناص من تقرير المصير[47] .
وهكذا، التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي ونهائي لهذا الملف، تلبيه منه لنداء مجلس الأمن سنة 2004 الذي ما فتئ يدعوا الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة لوضع حد للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم في إيجاد حل سياسي، كما تبدل المبادرة الملكية جهودها لوضع حد للمعاناة، وتساعد على تحقيق المصالحة حيث تضمن لكافة الصحراويين سواء الموجودين أو في الخارج، مكانتهم اللائقة وتحدد دورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة، ومؤسساتها بعيدا عن أي تمييز وبشكل ديمقراطي، وتدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية إضافة على توفير الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات سواء الاقتصادية والاجتماعية، وحتى الثقافية شرط أن تحتفظ الدولة المغربية باختصاصاتها في ميادين السيادة لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية، والاختصاصات الدستورية للملك باعتباره أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية والحريات الفردية والجماعية، وأن تحترم مقومات السيادة التي تتجلى في العلم والنشيد الوطني، والعملة، وتنص المبادرة على أن تباشر الدولة مسؤولياتها في مجال العلاقات الخارجية بتشاور مع الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة، كما يحق لهذه الأخيرة بأن تأذن للحكومة بإقامة علاقات مع جهة أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات[48].
إلى جانب ذلك، ستتخذ الحكومة المغربية كافة الإجراءات اللازمة من أجل إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن إدماجا تاما في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم، وسلامتهم، وحماية ممتلكاتهم.
ولهذه الغاية، تصدر المملكة بالخصوص عفوا شاملا يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال، أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي، يساهم مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف في تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة، وكذا في أي مسعى يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه بما في ذلك العمليات الانتخابية[49].
وهكذا، فإن مبادرة الحكم الذاتي بهذا الشكل تقطع نهائيا من مرحلة مريرة من تاريخ الصراع، وهي المرحلة التي استفاد منها، مؤيدو الانفصال من المناخ الدولي الذي تميز بالثنائية القطبية والاستقطابات المضادة، ومناخ إقليمي كانت سمته الغالبة رغبة الجار الجزائري في الاستئثار بالمنطقة، وبسط الهيمنة عليها في التفاف واضح على طموحات الشعب المغاربي الكبير[50].
لقي المقترح المغربي ترحيبا من لدن المنتظم الدولي، في حين، أكدت جل المواقف بما فيها موقف الأمم المتحدة عن جدية المقترح وواقعيته، وكذالك قابليته للتطبيق في إطار الشرعية الدولية، مما عجل في إصدار القرار رقم 1754، الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 30 أبريل 2007، الذي ينص على دعم المبادرة المغربية بإقامة حكم ذاتي في الصحراء، واعتبار هذا القرار فرصة لإنهاء الأزمة المفتعلة التي دامت أزيد من ثلاثة عقود، كما صدر قرار آخر بأغلبية الأصوات عن اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة يدعوا فيه تبني قرار مجلس الأمن.
أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوربي، فقد صرحت العديد من الفعاليات الأوربية عن ارتياحها للمبادرة لمنح حكم ذاتي للصحراء، حيث وقع 121 نائبا بمجلس العموم البريطاني ملتمسا لدعم المبادرة المغربية[51]، وأكد النواب البريطانيون في هذا الملتمس بأنهم تلقوا “بارتياح المبادرة المغربية لمنح حكم ذاتي موسع للصحراء تمنح الفرصة لتلبية مطالب جميع الصحراويين من الاضطلاع بدور هام في هيئات ومؤسسات الجهة، مع الاعتراف بالسيادة والوحدة الترابية للمغرب، في حين أكد وزير الشؤون الخارجية الألماني” فرانك والتر ستا نمير” في 17 أكتوبر 2006 “أن مشروع الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب سيفتح الطريق أمام التوصل إلى حل قضية الصحراء…”[52] .
وكان لفرنسا موقف واضح، فقد أكد الرئيس الفرنسي ساركوزي لبوتفليقة أثناء محادثته بالجزائر، أن باريس لم تغير موقفها المؤيد للحكم الذاتي، وتؤيد باريس المقترح المغربي بإقامة حكم ذاتي في الصحراء، واعتبرت “المبادرة المغربية بناءة وتستحق الدعم”.
أما إسبانيا بات موقفها أكثر تحديدا، حيث أكد الحزب الشعبي الإسباني أن تقرير المصير بخصوص قضية الصحراء لا يعني بالضرورة الاستقلال.
في السياق ذاته، وصفت واشنطن المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي للصحراء المغربية، بأنها تتمتع بالجدية والمصداقية، وأكدت تأييدها ودعمها لمشروع المغرب منح الصحراء المغربية حكما ذاتيا، إذ أعلنت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة “جاكي ساندروز” أن بلادها تدعم المشروع المغربي لمنح الصحراء المغربية حكما ذاتيا موسعا، وأشادت مجددا بخطة المغرب قائلة: “نعتقد أن السبيل المباشر والواقعي للتقدم إلى الأمم المتحدة فيما يخص الصحراء المغربية هو حكم ذاتي حقيقي، ونثني على الجهود الجدية والموثوقة التي يبذلها المغرب لدفع العملية نحو الحل”.
وأثار أيضا اهتمام مجلس الشيوخ الأمريكي التي قدم 180 عضوا دعما لا بأس فيه لهذا المقترح، الذي اعتبره “جديا” وذات مصداقية، وواقعيا، وقابلا للتحقق ويفتح طريقا واعدا لحل هذا النزاع الذي طال أكثر من اللازم[53].
ومن جهة، أعربت العديد من العواصم العربية والإفريقية ودول أمريكا اللاتينية عن تأييدها للمقترح المغربي، وذلك بعد المباحثات الدبلوماسية التي قام بها الوفد المغربي لشرح وتقديم الخطوط العريضة لنص المقترح الذي قوبل باستحسان ووصف بالخطة الجيدة والمرنة لحل نهائي لهذا النزاع الذي طال واستطال.
المطلب الثاني: مفاوضــات مانهــاست
كانت دعوة مجلس الأمن في القرار 1754 الصادر في 30 أبريل 2007، الطرفين إلى البدء بمفاوضات مباشرة وغير مشروطة للوصول إلى حل سياسي نهائي مقبول من الطرفين.
وهكذا، أكدت الأمم المتحدة في 4 يونيو 2007 أن المفاوضات حول الصحراء المغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو ستبدأ برعايتها في 18 يونيو على مدى يومين بمنتجع مانهاست بضواحي نيويورك، تحت إشراف الوسيط الأممي “بيتر فان فالسوم”، ويحضرها أيضا ممثلون عن الجزائر وموريتانيا بصفتهما ملاحظين، إضافة إلى مشاركة ما يعرف بأصدقاء الصحراء المغربية (فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، اسبانيا) وتأتي مفاوضات مانهاست بعد مرور عشر سنوات على محادثات هيوستن.
وبدأت الجولة الأولى من المفاوضات في 18 يونيو بين الطرفين، وقد حضر المغرب بوفد يرأسه شكيب بن موسى وزير الداخلية، وأما عن جبهة البوليساريو بوفد يقوده محفوظ علي بيبا، ووصفت هذه المفاوضات بالحاسمة، نظرا لتمسك كل طرف بمواقفه السابقة، إذ تشبث المغرب بخطة الحكم الذاتي، في حين جددت البوليساريو تمسكها بخيار إجراء الاستفتاء حول خيار الاستقلال الكامل، أو الاندماج مع المغرب، أو التمتع بحكم ذاتي، كما أقرت الأمم المتحدة بصعوبة المفاوضات، إذ أقرت المتحدثة باسم المنظمة الدولية “ميشال مونتاس” بأن الجولة الأولى تشكل بداية عملية طويلة لن تكون سهلة، والمفاوضات صعبة للغاية، وبالتالي فإن مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء “بيتر فان فالسوم” المشرف بشكل مباشر على المفاوضات، صعبة للغاية”، وكانت الحكومة المغربية أكدت على لسان الناطق الرسمي في حكومة إدريس جطو المنتهية باسمها “محمد نبيل بن عبد الله” أن مبادرة المغرب بمنح الصحراء المغربية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية تشكل القاعدة الأكثر ملائمة لحل سياسي ونهائي للنزاع، لأن مضامينها تستند إلى قرارات الأمم المتحدة، وتأخذ بعين الاعتبار سيادة المغرب ووحدته الترابية، والخصوصيات الاجتماعية و الثقافية للمنطقة.
ويتضح إصرار المغرب على عدم التفريط في الصحراء من خلال تأكيد العاهل المغربي في خطاب ألقاه في مدينة طنجة في 30 يوليو 2007 بمناسبة الذكرى الثامنة لتوليه العرش، “أن المغرب على استعداد دائم للتفاوض على الحكم الذاتي فقط، الحكم الذاتي المتوافق حوله لن يكون إلا في إطار سيادة المملكة المغربية الكاملة والدائمة، غير القابلة للتصرف والتي لا مساومة فيها، ووحدتها الوطنية المتلاحمة، التي لا تفريط فيها وحوزتها الترابية غير القابلة للتجزئة”.
وكان بن موسى رئيس الوفد المغربي قد صرح إبان المفاوضات بأن هذه المحادثات تشكل لحظة تاريخية، مؤكدا أن المغرب يمد يدا أخوية إلى البوليساريو والجزائر من أجل تسوية نهائية للنزاع، وأكدت الرباط أنها تتوجه إلى الاجتماع بتفاؤل كبير، وإرادة قوية لطي هذه الصفحة نهائيا[54].
أما من جانب البوليساريو فقد صرح “محمد خداد” أحد المفاوضين عنها في أول أيام الجولة الأولى للمفاوضات من أن” البوليساريو لن تقدم أي تنازل بشأن مبدأ تقرير المصير أثناء المفاوضات، مشددا على أنه إذا ما أصر المغرب على أن يكون مشروعه (الحكم الذاتي) هو منطلق المفاوضات، فإنه سيحكم عليها بالفشل”.
وهكذا مرت الجولة الأولى من المفاوضات بسلام بعد أن نجح الطرفان رغم الاختلافات التي ميزت وجهات نظر كل طرف بخصوص طريقة سير هذا الملف الشائك، إلى تحديد موعد جديد للقاء من أجل استئناف المفاوضات خلال شهر غشت.
وكانت الجولة الثانية التي استأنفت في 10 غشت 2007، لم تحرز أي تقدم يذكر عن نظيرتها الأولى، فقد عبر أعضاء الوفد المغربي في الجولة الثانية عن تفاؤلهم وثقتهم في المسلسل الجاري، وعن أسفهم للموقف الجامد للطرف الآخر، وعن الآمال في أن تتمكن الجولة المقبلة من تطوير موقف البوليساريو، وأشاروا إلى أن المناقشات التي جرت على مدى يومين من المباحثات انصبت على نقاط أساسية تندرج في صلب مبادرة الحكم الذاتي. وقال شكيب بن موسى رئيس الوفد المغربي “إننا نعتبر أن الجولة الأولى من المفاوضات كانت جولة ربط الاتصال، والجولة الثانية لتبادل وجهات النظر حول آليات تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1754 وحول الموضوعات المتعلقة بالحكم الذاتي”. وأضاف أن المغرب أعطى موافقته المبدئية على المشاركة في جولة ثالثة من المفاوضات.
أما وفد البوليساريو فقد وصف الجولة الثانية من المفاوضات بالمفيدة، ورغم التوتر الذي سادها بسبب غياب المرونة من الجانب المغربي الذي ظل متشبثا بنهجه السياسي.
قد سبق انعقاد الجولة الثالثة من المفاوضات المؤتمر الثاني عشر للبوليساريو من 14 – 20 دجنبر 2007، الذي لم يأتي بجديد سوى التلويح باستئناف الحرب في حال تعثر المفاوضات، وموازاة مع هذا الحدث، عقد المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (الكوركاس)، دورته العادية كرد فعل على مؤتمر البوليساريو، وقد واكب هذا الحدثين مؤتمر “كجيجمات” المنعقد بمنطقة لحفيرة شمال موريطانيا التي تبعد عن تفاريتي بحوالي 16 كلم.
حل هذه التطورات جاءت قبل انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات التي لم تكن أحسن حالا من سابقاتها في ظل تمسك طرفي النزاع بمواقفها المعروفة، فالمغرب أكد أن مبادرة الحكم الذاتي تعتبر الحل ممكن تطبيقه، وفي الوقت الذي تتمسك فيه البوليساريو بمبدأ تقرير المصير كحق غير قابل للتصرف.
وفي ظل تباعد المواقف، لم تسفر الجولة الثالثة عن أي جديد باستثناء على عقد جولة رابعة من المفاوضات[55].
تم عقدت الجولة الرابعة في 17و18 مارس 2008، وبانتهاء الجولة الرابعة تكون قد مرت تسعة أشهر عن الجولة الأولى ولم يسجل فيها أي تقدم أو تقارب أو حتى اختراق لحواجز كثيرة منها النفسي والتاريخي والسياسي، وسبب ذلك تباعد وجهات النظر بين الطرفين، وإصرار كل فريق على رأيه واتساع شقة الخلاف مما جعل البعض يعتبر هذه الفرصة الأخيرة التي ستحدد مستقبل المحادثات سواء سلبا أو إيجابا، فالمغرب أكد أنه يتوجه إلي مانهاست ويده ممدودة للطرف الآخر في إطار مقترح الحكم الذاتي الذي يشكل أرضية واقعية للتوصل إلى تسوية نهائية لقضية الصحراء، وأن المحادثات “لا يمكن إلا أن تكون في إطار مقترح الحكم الذاتي ولا شيء غيره”، بينما جبهة البوليساريو تؤكد أن “السبيل الوحيد لإنهاء الصراع في الصحراء الغربية يمر عبر تنظيم استفتاء حر ديمقراطي لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره”.
وما يزيد الوضع تأزما إصرار كل طرف على إلصاق تهمة الفشل للغير، فجبهة البوليساريو تلقي باللائمة على المغرب بسبب انغلاقه في حل الحكم الذاتي وعدم انفتاحه على حلول أخرى، ولذلك أشار أحمد البوخاري في تصريح له بعد انتهاء الجولة الرابعة من المفاوضات، أن جبهة البوليساريو قد قبلت بجمع تدابير الثقة التي اقترحها المبعوث الأممي لكن المغرب رفضها “موقفا لم يسجل أي تطور جوهري في التوصل إلى حل نهائي وعادل للقضية الصحراوية بسبب التعنت التقليدي للمغرب”.
والمغرب من جهته ألقى باللائمة على البوليساريو ومن ورائها الجزائر، موضحا أنه أظهر نية صادقة واستعداد لإجراء حوار جاد لكنه قوبل “بمواقف متصلبة وبالية من الأطراف الأخرى التي لم تظهر أي استعداد ايجابي لتسوية مسألة الصحراء”.
وعقب اختتام الجولة الرابعة أوضح الوسيط الأممي “فالسوم” في بيان “أن الأطراف جددت تأكيد التزامها بمواصلة المفاوضات، وأن المفاوضات ركزت على تنفيذ قرارات مجلس الأمن بالإضافة إلى تعزيز الثقة، وموافقة الطرفين على تنظيم الزيارات العائلية عن طريق البر، إلى جانب برنامج الزيارات التي تقام حاليا عبر الجو.
خاتمة
إن قضية الصحراء المغربية تندرج بالنسبة للشعب المغربي في إطار استكمال وحدته الترابية، والحفاظ على وحدته الوطنية، كما أن الاقتراح الشجاع والمسؤول الذي تقدم به المغرب المتعلق بالحكم الذاتي، وضع الأساس الذي يمكن أن ينهي النزاع، الذي دام أربعة عقود، والذي استنزف كثير من الموارد وحال دون أي تقارب جاد بين البلدين الجارين كان سببا في تعثر اتحاد المغرب العربي، لأن جوهر القضية كامن في المصالح الاقتصادية و الجيوسياسية .
وخلاصة للقول، أنه يجب أن تحكم أطراف النزاع منطق العقل ويتفرغوا لبناء مجتمعاتهم، وأن يأخذوا العبرة مما يجري في دول شقيقة سمحت للدول الخارجية أن تتدخل لحسم مشاكلها، أو مع جيرانها و كان نتيجة ذلك تدمير لوحدة واستقلال هذه الدول واستنزاف ثروتها، إذ يجب على الأطراف المعنية بالنزاع أن يتحرروا من ثقل الماضي والحسابات الضيقة ويعملوا على تحقيق مصلحة المنطقة وشعوبها .
[1] – أحمد أبو العز بوريالة: الصحراء المغربية من خلال تاريخ الدبلوماسية الحسنية، مكتبة الطالب، حي القدس وجدة، الطبعة الأولى، 2002 ، ص: 9 .
[2] – ملك المغرب الحسن الثاني، التحدي، المطبعة الملكية، 1983، ص: 9.
[3] – محمد الغربي: الساقية الحمراء وادي الذهب، الجزء الأول، مطابع دار الكتاب الدار البيضاء، ص: 280 .
[4] – محمد ابن عزوز حكيم: السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، الجزء الأول، مؤسسة الطباعة والنشر الدار البيضاء، 1981، ص: 11 – 12 .
[5] – حمداتي شبيهنا ماء العينين: ” قبائل الصحراء المغربية : أصولها – جهادها- ثقافتها”، المطبعة الملكية الرباط 1998، ص: 182 .
[6] – محمد الغربي، الساقية الحمراء وادي الذهب، الجزء الأول، المرجع السابق، ص: 284 .
[7] – البشير ادخيل: المسؤولية المغربية لإسبانيا، الأيام ، عدد 70 ، 23 / 29 يناير 2003 ، ص: 12.
[8] – محمد الغربي، الساقية الحمراء وادي الذهب، الجزء الأول ، المرجع السابق، ص: 284 – 285 .
[9] – مبارك العمري: ظل المغرب يقاوم لاسترجاع مناطقه دون إغفال الجانب الدبلوماسي والسياسي، الاتحاد الاشتراكي، العدد 6141 ، مارس 2001، ص: 12 .
[10] – محمد لمريني: مغرب الصحراء : الميلاد الجديد، مطبعة الأفق، الطبعة الأولى، الرباط، يناير 1992، ص: 50 .
[11] – باهي محمد أحمد – محمد الأشهب: الساقية الحمراء وادي الذهب: المغرب- الجزائر، الاستفتاء، مطبعة الأنباء، ص 50.
[12] – محمد ابن عزوز حكيم: السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، مرجع سابق، ص: 11.
[13] – عبد الهادي التازي: دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية، مطبعة المعاريف الجديدة، الرباط، الطبعة الثانية، 1999، ص: 14.
[14] – باهي محمد أحمد، الساقية الحمراء وادي الذهب: المغرب- الجزائر، الاستفتاء، مرجع سابق، ص: 33.
[15] باهي محمد أحمد، الساقية الحمراء وادي الذهب: المغرب- الجزائر، الاستفتاء، مرجع سابق، ص: 34 – 35 .
[16] – خالد الناصري: قضية الصحراء بين حقائقها المبدئية وتعقيداتها الظرفية، مجلة نوافذ العدد 10 – 11 ، يناير 2001 ، ص: 29 – 93 .
[17] – أحمد عصمان: الصحراء والسيادة المغربية، مجلة نوافذ، العدد 10-11، ص: 61 – 62 .
[18] – عبد القادر الادريس: ودخل الحسن الثاني العيون، مطبعة الرسالة، الرباط، ص: 373.
[19] – محمد أبو العز: الصحراء الغربية : من خلال التاريخ والدبلوماسية الحسنية، المرجع السابق، ص:.50 .
[20] – علي الشامي: عقدة التجزئة في المغرب العربي، دار الكلمة ، بيروت ، 1980 ، ص: 214 .
[21] – علي الشامي، المرجع السابق، ص. 216 .
[22] – علي الشامي، المرجع السابق، ص: 222 – 223 .
[23] – علي الشامي، المرجع السابق، ص : 334 – 335 .
[24] – محمد لمريني: مغرب الصحراء، الميلاد الجديد، مطبعة الأفق الطبعة الأولى الرباط، يناير 1992، المرجع السابق، ص: 82.
[25] – خالد شيات: الصحراء المغربية : مسارات الحل الشامل ، دار النشر الجسور، الطبعة الأولى، وجدة، 2007 ، ص: 98 . 99 .
[26] – محمد لمريني، المرجع السابق، ص: 111.
[27] – محمد لمريني، المرجع السابق، ص: 82.
[28] – محمد أبو العز بوريالة، المرجع السابق، ص: 59.
[29] – عادل مساوي: الدبلوماسية المغربية الحصاد و الرهنات الجديدة، وجهة نظر، 2004/2005، ص:121.
[30] – عادل مساوي، الدبلوماسية المغربية الحصاد و الرهانات الجديدة، نفس المرجع ، ص. 120.
[31] – أحمد دياب: المغرب و الجزائر تداعيات الخلاف حول الصحراء، السياسة الدولية، العدد 159، يناير 2005 ، ص: 114.
[32] – المختار مطيع: المشاكل السياسية الكبرى والمعاصرة، مطبعة صوت فاس، 91 – 1992، ص: 108 . 109 .
[33] – لحسان بوقنطار، السياسة الخارجية المغربية : الفاعلون والتفاعلات، الطبعة 2002، ص: 65.
[34] – بلقاسم كرمني: السيادة المغربية من خلال التسوية في القانون الدولي، مطبعة فضالة المحمدية، الطبعة الأولى، 1998، ص: 175 – 176 .
[35] – بلقاسم كرمني، المرجع السابق، ص: 176 – 177 .
[36] – لحسان بوقنطار، المرجع السابق، ص: 66 .
[37]– خالد شيات، المرجع السابق، ص: 66 – 67 .
[38]– لحسان بوقنطار، المرجع السابق، ص: 66 .
[39]– لحسان بوقنطار، المرجع السابق، ص: 69 – 70 .
[40] – العربي مفضال، استرجاع الأقاليم الصحراوية وضرورة تجاوز الأسئلة العتيقة، نوافذ، المرجع السابق، ص: 159 .
[41] – أحمد مهابة، مشكل الصحراء المغربية وبداية النهاية، السياسة الدولية، العدد 106، ص: 110.
[42] – لحسان بوقنطار ، المرجع السابق ، ص: 70 .
[43] – مصطفى الخلفي، الصحراء الغربية بين الاستفتاء و الحكم الذاتي، www.islamonline.net ، بتاريخ 2008-02-29
[44] – محمد أبو العز بوريالة ، المرجع السابق، ص: 152.
48- العربي مفضال ، مجلة نوافذ ، نفس المرجع، ص: 160
[46] – مصطفى الخلفي، الصحراء الغربية، بين الاستفتاء والحكم الذاتي، www.islamonline.net ، بتاريخ 2008-02-29
[47] -أحمد زحاف: الصحراء المغربية بين الانفتاح السياسي وتشنج الأخر، مجلة العصر، العدد 336، 27 أبريل 2007، ص: 6.
[48] – جريدة المشعل ، العدد 115 ، 19 – 20 أبريل 2007 ، ص: 12.
[49] – أحمد بن شمسي ، مخطط الحكم الذاتي ، مجلة نيشان، العدد 97 ، 16 – 20 أبريل ، ص: 31 .
[50] – أحمد زحاف، مجلة العصر، المرجع السابق، ص: 6 .
[51] – الجريدة المغربية، العدد 7009، 29 مارس 2008، ص: 7.
[52] – محمد براص: موقع الدبلوماسية المغربية ، وجهة نظر ، 2008 – 2007 ، ص: 94 .
[53] – موقع الوزارة الخارجية الأمريكية، واشنطن، 7 يونيو 2007، www.isinfo.state .gov
[54] – صلاح عواد، مفاوضات الصحراء : المغرب يمد يدا أخوية، جريدة الشرق الأوسط، العدد 10430، 19 يونيو 2007 ، ص: 12 .
[55] – خليهن بوحريكة: مفاوضات مانهاست والآمال المتعثرة، جريدة المساء، العدد 419، الخميس 24 – 01 – 2008.