الرعاية الصحية للسجين بين الاتفاقيات الدولية والقانون المغربي
الباحث علاء الدين تكتري
استاذ محاضر الدروس التطبيقية
كلية الحقوق طنجة
المقدمة:
منذ سنة 1948، تاريخ تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي اهتمت بحقوق الإنسان بصفة عامة، مرورا بسنة 1966 التي ثم اعتماد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللذان نصان على أن السجناء لهم حقوق، حتى عند حرمانهم من حريتهم أثناء الاحتجاز.
حيث ينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالتحديد على أنه ينبغي معاملة السجناء المحرومين من حريتهم بإنسانية واحترام الكرامة الكامنة للشخصية الإنسانية.[1]
وفي عام 1955 ، وضعت الأمم المتحدة في قواعدها الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء معايير تتضمن مبادئ توفير الرعاية الصحية أثناء السجن، وأقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة 94 قاعدة من القواعد الواردة في القواعد النموذجية الدنيا لحماية السجناء التي تحدد المتطلبات الدنيا للسجناء، وقد امتد في عام 1977 تطبيقها ليشمل السجناء المحتجزين دون أن توجه إليهم أية تهم، أي في أماكن أخرى غير السجون.
كما عززت صكوك إضافية على مر السنين هذه القواعد الدنيا النموذجية لحماية المحبوسين، فاعتمدت الأمم المتحدة في 1984 اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما اعتمدت الأمم المتحدة في عام 1985 القواعد الدنيا النموذجية لإقامة العدل للقصر التي تدعى ” قواعد بكين ” ، لحماية المجرمين من صغار السن، وفي سنة 1988 و 1990، اعتمدت الأمم المتحدة مجموعة المبادئ الخاصة بحماية كل السجناء الخاضعين لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والمبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، على التوالي، وعلى المستوى الإقليمي، أقر المجلس الأوربي القواعد الأوربية للسجون في 1987
وفي المملكة المغربية، فقد حظيت مسألة احترام حقوق السجين و الحفاظ على كرامته باهتمام جلالة المغفور له الحسن الثاني الذي جاء في خطابه أمام قمة مجلس الأمن “و نحن نؤمن أن حقوق الإنسان تعني أولا و أخيرا الحفاظ على كرامة الإنسان وما يترتب على هذا المبدأ النبيل من صيانة الحقوق الفردية و الجماعية “كما جاء في خطاب آخر له و”معلوم أن للمواطنين حقوقا حتى من أدينوا في المحاكم يجب أن يتمتعوا بصلة الرحم لذويهم و أن يتمكنوا من الدواء و زيارة الطبيب إذا اقتضى الحال بل و يجب على النظام القضائي و على الدولة احاطتهم بكل ما من شانه أن يمكنهم من الكرامة “.[2]
و نفس النهج سار عليه جلالة الملك محمد السادس الذي جاء في خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية “و أن ما نوليه من رعاية شاملة للبعد الاجتماعي في مجال العدالة لا يستكمل إلا بما نوفره من الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية”.
وهو ما يدل على التحول العميق الذي طال السياسة العقابية التي لم تعد أداة للبحث عن وسائل للاستئصال المجرم و إنما وسيلة للحفاظ على كرامة السجين والمساهمة في إعادة تأهيله و إدماجه من خلال تمتيعه بمجموعة من الحقوق اقرها المشرع في القانون المنظم للسجون و هي حقوق لم يكن يتمتع بها المحكوم عليه من قبل و هي متعددة.
المحور الأول: الرعاية الصحية للسجين في المواثيق الدولية
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق الصحة الجسمانية و العقلية و الجسدية للمسجونين فالمادة (25) نصت على ” لكل شخص الحق في مستوى معيشي كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته … بالإضافة إلى ذلك، ينص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن السجناء لهم حق في أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، وتنظم القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء توفير الرعاية الصحية لهم.
وقد تم استعراض تلك القواعد، إلى جانب جميع الصكوك الأخرى التي تنظم حقوق ولوائح معاملة السجناء، بتوسع والتعليق عليها في نص شامل أصدرته الهيئة الدولية للإصلاح الجزائي.
وأصدرت لجنة منع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللإنسانية أو المهينة معايير للخدمات الصحية في السجون (نشرت في تقريرها السنوي لعام 1992).
وفي سنة 1998 أعلنت لجنة وزراء مجلس أوربا توصيات جديدة تتصل بالرعاية الصحية في السجون، بالإضافة إلى ذلك، فالقواعد الصحية الدنيا لمعاملة السجناء تسهر على أن تنظم الخدمات الطبية ” على نحو وثيق الصلة بإدارة الصحة العامة على المستوى المحلى أو الوطني .. على هذا فأنه يجب السماح بدخول الخدمات الطبية في المجتمع المحلي إلى السجن واستفادة المسجونين منها أو علاجهم بواسطة الخدمات الصحية الخارجية في حدود المعقول، وتتطلب القاعدة (22) توفير الاحتياجات الطبية الضرورية كشرط مسبق للخدمة الطبية والرعاية الصحية الفعالة ، وتضم ثلاث فقرات تلزم الفقرة الأولى أن يكون في السجن طبيب مؤهل واحد على الأقل يكون له بعض الإلمام بالطب النفسي ووجود فرع للطب النفسي إذا احتاج الأمر لتشخيص حالات الاضطراب العقلي وعلاجها عند الضرورة .
وأتاحت الفقرة الثانية العلاج في مؤسسات متخصصة أو مستشفيات مدنية خارج السجن لعلاج السجناء الذين يتطلبون عناية متخصصة مع ضرورة ان تتوافر في السجن خدمات العلاج التي تقدمها المستشفيات ، وتوافر المعدات والأدوات اللازمة ، وكذلك وجود جهاز من الموظفين المؤهلين،بينما تؤكد الفقرة الثالثة منها ضرورة توافر الاستعانة بخدمات طبيب أسنان مؤهل .
وعلى علاقة بذلك تقرر القاعدة (90) ضرورة وجود صلة دائمة مع الخدمات الطبية خارج السجن والمتوفرة بالدولة بدون تمييز على أساس وضعهم القانوني وبالنسبة للمحبوسين احتياطيا نصت القاعدة (91) على السماح للمحبوس احتياطيا بأن يزوره ويعالجه طبيبه أو طبيب أسنانه الخاص إذا كان لطلبه مبرر معقول وكان قادرا على دفع النفقات المقتضاه. لقد نصت المادة (76) من إتفاقية جنيف الرابعة على أن يخضع الأسرى والمعتقلون لنظام غذائي وصحي يكفل المحافظة على صحتهم، ويناظر على الأقل النظام المتبع في سجون البلد المحتل، وتقدم لهم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية؛ وتلقي طرد إغاثة مرة واحدة شهرياً على الأقل.
فيما أكدت المادة (85) من الإتفاقية ذاتها على ضرورة أن تتخذ الدولة الحاجزة جميع التدابير اللازمة والممكنة لضمان إيواء الأشخاص المحميين، منذ بدء إعتقالهم في مبانٍ تتوفر فيها الشروط الصحية وضمانات السلامة، ويجب أن تكون المباني محمية تماماً من الرطوبة، وكافية التدفئة والإضاءة، وأن تكون أماكن النوم كافية الاتساع والتهوية.
كما تفرض القاعدة (25) على الطبيب مراقبة الصحة العامة والعقلية للمرضى وعليه أن يعامل يوميا جميع السجناء المرضى ، وجميع أولئك الذين يشكون من اعتلال وأي سجين استرعى انتباهه إليه . وعليه تقديم تقرير إلى مدير السجن كلما بدأ له أن الصحة الجسدية أو العقلية لسجين ما قد تتضرر أو ستضرر من جراء استمرار سجنه، وعلى الطبيب واجبات أخرى تؤكد عليها القاعدة 26 وتتصل بمعاينة الجوانب الصحية لمعيشة السجناء ، ولذا عليه القيام بالآتي :
1- تقديم النصح لمدير السجن بشأن كمية الغذاء ونوعيته وإعداده
2- مدى أتباع القواعد الصحية والنظافة في السجن لدى السجناء
3- حالة المرافق الصحية والتدفئة والإضاءة والتهوية
4- القواعد المتصلة بالتربية المدنية والرياضية في حالة عدم تخصص منظمي هذه الأنشطة والتقيد بها . وتلقي هذه القاعدة واجبا على مدير السجن في الأخذ في الاعتبار التقارير والنصائح المقدمة له من الطبيب وتنفيذها إذا وافق ، وترك الأمر إلى سلطة أعلى إذا اختلف مع هذه التوصيات و كانت خارج نطاق اختصاصاته .
كما أكدت قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء على متطلبات الرعاية الصحية لبعض فئات المسجونين ومنهم المرأة ، مدمني المخدرات ، المرضى والمضطربين عقليا، فتؤكد القاعدة 23 على توافر المنشآت الخاصة الضرورية لتوفير الرعاية والعلاج في سجون النساء قبل الولادة وبعدها وكلما كان ذلك ممكنا اتخاذ ترتيبات بجعل الأطفال يولدون في مستشفى مدني وإذا ولد الطفل في السجن ، لا ينبغي ذكر ذلك في شهادة ميلاده .
ويبدو حرص هذه القاعدة على مستقبل الطفل المولود حتى لا يقابل بعد كبره نظرة غير سوية تجعل من الصعوبة بمكان تأقلم هذا الطفل مستقبلا مع المجتمع لوصمه منذ البداية بميلاده البائس داخل ما يسمى بالسجن .
كما توجب اتخاذ التدابير اللازمة لتوفير دار حضانة مجهزة بموظفين مؤهلين إذا كان من المسموح به بقاء الأطفال الرضع إلى جانب أمهاتهم في السجن .
كما عالجت القاعدتان 82 ، 83 من هذه القواعد رعاية المرضى والمضطربين عقليا ؛ حيث ترفض احتجاز المسجون مختل العقل في السجن وتوجب نقله إلى مستشفى للأمراض العقلية ؛ كما تدعو إلى وضع المصابون بأمراض أو ظواهر شذوذ عقلية تحت الرقابة والعلاج في مصحات متخصصة تحت إدارة طبية . من جانب آخر توجب هذه القواعد وضع هؤلاء طول بقائهم في السجن تحت إشراف طبي خاص ، وعلى الإدارة الطبية أو النفسية كفالة العلاج النفسي لجميع السجناء ، كما تعالج القاعدة 83 تقديم تدابير لمواصلة العلاج النفسي للسجين بعد إطلاق سراحه وتقديم مساعدة اجتماعية نفسية عند الضرورة . وتأتي القاعدتان السابقتان لعلاج المحكوم عليهم بمدد طويلة والذين يعانون بسبب ذلك باضطرابات عقلية ونفسية بسبب السجن وبسبب قطع العلاقات بينهم وبين عائلاتهم ، وتظهر المشاكل العقلية أيضا وربما تصبح مزمنة في السجون الكبيرة التي تكتظ بالمسجونين . والتي تقل فيها الأنشطة ، حيث يظل المسجونون فترات طويلة في زنزاناتهم في ساعات النهار وفي غياب تصنيف للمسجونين ومن الأسباب الأخرى لتصاعد هذه الأمراض العقلية : محدودية عدد أفراد طاقم السجن المطلوبة للسيطرة على السجين ، فقدان الاتصالات الشخصية الكافية بين طاقم السجن والمسجونين والتي يمكن أن تؤدي إلى معرفة من يحتاج إلى المساعدة المتخصصة .. فضلا عن الاختلافات الثقافية بين السجناء التي قد تعرض مصاعب خاصة لدى المسجونين الأجانب والمنتمين لأقليات .وهذه الأسباب تؤكد ضرورة إعطاء عناية خاصة بالمسجونين المصابين باضطراب عقلي أو نفسي .
المحور الثاني : الرعاية الصحية للسجين في القانون المغربي
لقد عرف المغرب الطريق إلى تنظيم إدارة السجون في عهد الحماية بظهير1915 ، تم تلاه ظهير1930 ، ثم ظهير 1956 ، وظهير1957 ، وظهير1961[3] . وهذه الظهائر بالمناسبة هي كانت منظمة لمصالح وزارة العدل على اعتبار أن إدارة السجون كانت تابعة لوزارة العدل، والمرسوم الوزاري لسنة 1974 الخاص بإحداث النظام الأساسي لموظفي إدارة السجون والمرسوم الوزاري لسنة 1976 المعدل للمرسوم الوزاري لسنة 1961 ، إلى أن جاء قانون 98/23 سنة 1999 ، فهذا القانون جاء لبلورة المفهوم الحقيقي الذي تريد الدولة إعطاءه للعقوبة السالبة للحرية بحيث أن السجن فضاء لقضاء العقوبة وفق منظور معين و ليس فضاء يسير حسب أهواء الناس ، فلابد أن يكون هناك انسجام بين مفهوم المشرع للعقوبة ، و بين و واقع تنفيذها ، إذ لابد أن يكون نوع من الترابط و أن يكون هناك امتداد يحقق فيه القائمون على تنفيذ العقوبة مقاصد السلطة القضائية ، و السلطة التشريعية ، حتى تكون هناك استمرارية في نفس التفكير و نفس النهج ، ثم جاء دستور2011 الذي سمي بدستور الحقوق و الحريات ، و في هذا الصدد نص الدستور الجديد على استقلال السلطة القضائية عن باقي السلط الأخرى ، و أوكل مهمة ضمانها ، مع التأكيد على منع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء و عدم السماح للقاضي بتلقي أي أوامر، أو تعليمات ، أو الخضوع لأي ضغط بشان مهمته القضائية .
ففي أعقاب ما يسمى بالربيع العربي، رغم تحفظنا على هذه التسمية، فقد قامت المملكة المغربية بمراجعة دستورها وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق ، و القانون ، و الكرامة ، والمساواة ، و تكافؤ الفرص ، و العدالة الاجتماعية ، و حاول الدستور الجديد أن يحافظ على المكتسبات السابقة في مجال حقوق الإنسان ، و نص على مبدأ سمو الدستور و لكنه في نفس الوقت وضع الاتفاقيات الدولية في مرتبة اقل من الدستور و أعلى من التشريعات الوطنية، وهو ما ورد في ديباجة الدستور”وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية فان المملكة المغربية العضو العامل النشيط في هذه المنظمات ، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ ، و حقوق ، وواجبات ، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا . كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام ، و الأمن في العالم ، و حماية منظومتي حقوق الإنسان ، و القانون الدولي الإنساني ، و النهوض بهما . و الإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق و عدم قابليتها للتجزيء ، و حظر و مكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس ، أو اللون ، أو المعتقد ، أو الثقافة ، أو الانتماء الاجتماعي ، أو الجهوي ، أو اللغة ، أو الإعاقة ، أو أي وضع شخصي مهما كان . و جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب و في نطاق أحكام الدستور و قوانين المملكة و هويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ، و العمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة ” . لقد نص الدستور على مجمل الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان [4] ، و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. وبالتالي عمل على التأطير و التأسيس لخطة العمل في مقاربة مسألة حقوق الإنسان في السياسات العمومية بما فيها حقوق السجناء . و مثالا على ذلك الفصل 22 [5] الذي اقر الحق في السلامة الجسدية ، و حظر التعذيب ، والمعاملة القاسية أو اللاانسانية أو الحاطة من الكرامة، أما الفصل 23[6] فأقر حق قرينة البراءة ، و مشروعية الاعتقال ، و تجريم الاعتقال التعسفي ، و الحق في التزام الصمت أثناء الاستنطاق و البحث ، و الحق في المساعدة القضائية ، و على الحق في الحصول على معاملة إنسانية أثناء فترة الاعتقال، كما جرم الدستور جرائم الإبادة الجماعية ، و الجرائم ضد الإنسانية ، و كافة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفي إطار سياسة العقلة البرلمانية [7] ، و علاقة بموضوع حقوق السجناء[8] نجد أن من اختصاص القانون التشريع في تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها ، و نظام السجون ، و المسطرة المدنية و الجنائية ، و التنظيم القضائي ، و إحداث محاكم جديدة ، العفو العام .
صدر القانون المتعلق بتنظيم السجون98- 23[9] . و شكل طفرة نوعية في مجال حقوق الإنسان بالمغرب حيث حاول أن يوازن بين المتطلبات الأمنية ، و بين متطلبات إصلاح السجناء ، و تأهيلهم اجتماعيا ، و تربويا ، و مهنيا . كما تضمن مقتضيات تلاءم التشريعات و المواثيق الدولية ذات الصلة ، إن على مستوى التصنيف ، و الرعاية الصحية ، و تهيئ سبل إدماج السجناء ، و المراسلات و التواصل ، أو على مستوى توفير الضمانات اللازمة لاضطلاع المؤسسات السجنية بالدور الأمني المنوط بها . كما اشتمل هذا القانون على جملة من الحقوق و الضمانات تنسجم في اتجاهها العام مع القواعد المعيارية الدولية ذات الصلة بمعاملة السجناء .
لقد وضع القانون المغربي الجديد الخاص بالسجون عدة قواعد هامة تختص بالعناية بالمعتقل والخدمات الصحية له . وقد اكد في المادة (113) قاعدة عامة توجب إلى ( أن يتم الاعتقال في ظروف ملائمة للصحة والسلامة فيما يتعلق بتهيئة البنايات وصيانتها أو سير المصالح الاقتصادية أو تنظيم العمل ، وكذلك بتطبيق قواعد النظافة الشخصية وممارسة تمارين الرياضة البدنية مع تغذية متوازنة) . وكذلك أوجب على ضرورة توافق محلات الاعتقال ولا سيما المخصصة للإقامة لمتطلبات الصحة والنظافة ” م 114 ” مع أخذ المناخ بعين الاعتبار ، وخاصة ما يتعلق بالحيز الهوائي والمساحة المخصصة لكل معتقل والتدفئة والإنارة والتهوية وتطابق هذه المادة القاعدتان ” 1 ، 14 ” من قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء.
كما اعتمدت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج منذ إحداثها سنة 2008 استراتيجية تهدف إلى دعم الرعاية الصحية في المؤسسات السجنية من خلال تبني إجراءات حظيت بالأولوية وخصصت لها ميزانية مهمة.
حيث قامت المندوبية العامة بتأهيل الوحدات الطبية المتواجدة ببعض المؤسسات السجنية وإحداث أخرى بالمؤسسات الجديدة تتلاءم والمعايير المعمول بها.
لقد أوكل المشرع المغربي في القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية مهمة توفير الرعاية الصحية لمجموعة من المؤسسات وهي : مصحة السجن ، المصلحة الصحية التابعة لإدارة السجون .
أولا – مصحة السجن : نصت المادة 125 من قانون رقم 23.98 على ضرورة توفر كل مؤسسة سجنية على مصحة داخلية مجهزة بآلات وأدوات طبية تبعا لأهمية المؤسسة السجنية واختصاصها ( بالنظر إلى ما إذا كانت المؤسسة السجنية تنتمي إلى صنف السجون المركزية أو المحلية أو الفلاحية من جهة أو مراكز الإصلاح والتهذيب من جهة أخرى ) ، على أن لا تقل تجهيزاتها عن تلك المتوفرة لدى مستوصفات القطاع العام، حتى تتمكن من القيام بالمهام المنوطة بها وهي تقديم العلاجات والإسعافات المناسبة لمرضى السجن ، ووضع نظام خاص بالمعاقين والمصابين بأمراض مزمنة وعزل السجناء المصابين بأمراض معدية.
على أن تهيأ بداخلها محلات خاصة بإجراء الفحوصات الطبية وعيادات للاستشارات الطبية [10]،و أخرى مخصصة للصيدليات.
ورغم أن قانون السجون ينص على ضرورة تجهيز المصحة بجميع الأجهزة اللازمة للتوفير رعاية صحية ملائمة ، إلا أن الاحصائيات الصادرة عن مديرية تثبت خلاف ذلك ، حيث ان عدد الأسرة الموجودة بالمصحات لا تتلاءم و الطاقة الإيوائية للسجون[11].
ثانيا -المصلحة الصحية التابعة لإدارة السجون : نصت المادة 124 من قانون السجون على هذه المصلحة وعلى دورها المتمثل في تفتيش المؤسسات السجنية، حيث تشرف على تنفيذ أوامر إدارة السجون فيما يتعلق بالتطبيب والاستشفاء وتقوم كذلك بمراقبة مدى توصل المرضى بالأدوية حسب الحاجيات الضرورية كما تراقب كيفية توزيع هذه الأدوية ، وتتدخل بالتوجيه والتفتيش بعد تلقي شكايات المعتقلين المرضى أو أسرهم و كلما دعت الضرورة لذلك لزجر المخالفات التي قد تقع داخل السجن.
فقد اوجب القانون 98-23 في الباب الثامن على ضرورة توفير طبيب واحد على الأقل و على مساعدين طبيين في كل مؤسسة سجنية , كما يمكن الاستعانة باطباء متخصصين باقتراح من طبيب المؤسسة السجنية و ذلك من اجل فحص و علاج النزلاء . و تخضع المؤسسة السجنية لمراقبة الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم , و للتفتيش من طرف المصلحة الطبية التابعة للمندوبية العامة للسجون و إعادة الإدماج وفقا للمادة 124 من قانون السجون . و من الوسائل الصحية الواجب توفيرها تجهيز كل مؤسسة بمصحة يتم تجهيزها بتجهيزات لا تقل عن تلك الموجودة في مستوصفات القطاع العام , و يتعين أن تشمل كل مصحة على محلات للفحوص الطبية , و محلات بمثابة صيدليات , و على العموم هذه المصحات يجب أن تكون قادرة على تقديم الإسعافات و العلاج للمرضى , و تخصيص مكان للمعاقين و المصابين بأمراض مزمنة , و عزل المصابين بالأمراض المعدية كما تنص المادة 125 من قانون السجون . و هو ما يتماشى بما نصت عليه القواعد الدنيا لمعاملة السجناء من القاعدة 22 إلى 26.
إن العناية بالسجين تقتضي توفير الظروف اللازمة للإقامة بالسجن و احترام الكرامة الإنسانية و شروط النظافة و الصحة و السلامة البدنية و النفسية للسجين و هي حقوق اقرها الفصلان 113 و 114 من القانون المتعلق بتسيير المؤسسات السجنية حيث يجب أن يتم الاعتقال في ظروف ملائمة للصحة و السلامة سواء تعلق الأمر بتهيئة البنايات و صيانتها ا و يسر المصالح الاقتصادية و كذا بتطبيق قواعد النظافة الشخصية كما يستلزم أن تستجيب محلات الاعتقال لمتطلبات الصحة و النظافة مع اخذ المناخ بعين الاعتبار و خاصة ما يتعلق بالحيز الهوائي و المساحة الدنيا المخصصة لكل معتقل و التدفئة و الإنارة و التهوية.
وهي حقوق اقرتها القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعتمدة من قبل مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد في جنيف عام 1955.
وعليه، فقد شكل القانون رقم 98.23 المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية و المرسوم التطبيقي له عدد 4848 تحولا نوعيا في المنظومة القانونية المنظمة للمجال السجني في المغرب حيث اقر للسجين الحق في التظلم عن طريق شكايات شفوية أو كتابية تقدم إلى مدير المؤسسة السجنية أو مدير إدارة السجون و السلطات القضائية بالإضافة إلى لجنة المراقبة الاقليمة التي حددت مقتضيات المادتين 220 و 221 ق .م.ج تركيبتها و اختصاصاتها فهي تتكون على مستوى كل ولاية أو عمالة أو إقليم من الوالي أو العامل أو أي شخص مفوض من طرفه بصفته رئيسا و يساعده في ذلك رئيس المحكمة الابتدائية ووكيل الملك بها و قاضي تطبيق العقوبات و ممثل السلطة العمومية المكلف بالصحة ورئيس مجلس الجهة و رئيس مجلس الجماعة اللتين توجد بهما المؤسسة و ممثلوا قطاعات التربية الوطنية و الشؤون الاجتماعية و الشبيبة و الرياضة و التكوين المهني و تضم اللجنة علاوة على ذلك أعضاء متطوعين يتم تعيينهم من طرف وزير العدل من بين الجمعيات أو الشخصيات المعروفة باهتماها بالسجناء و تضطلع هذه اللجنة بالسهر على توفير وسائل الصحة و الأمن و الوقاية من الأمراض كما يدخل في نطاق مراقبتها كذلك نظام تغذية المعتقلين و ظروف حياتهم العادية كما يمكن للمعتقلين تقديم طلب الاستماع إليهم من طرف السلطات الإدارية أو القضائية بمناسبة الزيارات أو التفتيش.
الخاتمة:
إن الترسانة المعيارية القانونية الوطنية التي تعنى بحقوق السجناء متعددة منها الدستورية و التشريعية و التنظيمية و هذا من الايجابيات التي تحسب لها كما أن العمل المؤسساتي يساهم بدوره في تعزيز حقوق هذه الفئة الاجتماعية سوء على مستوى المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية.
لكن من جهة أخرى، فالتحدي الذي واجهه المشرع المغربي في إقراره لحقوق السجناء هو مدى مراعاته للقواعد الدنيا في معاملة السجناء لكن المشرع المغربي بصراحة قد فشل كما يظهر من خلال ما اقره في المجال الصحي فان قانون السجون المغربي لم يكن وفيا للمعايير النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
ومن خلال ما سبق يتضح أن هناك نواقص قانونية و إدارية و حتى بشرية، لذى وجب تبسيط الإجراءات الإدارية لما فيه مصلحة المعتقلة على أهبة الوضع او للأطفال المصاحبين لأمهاتهم مع عدم السماح للمعتقلة بتربية طفلها لأكتر من عامين على عكس المادة 139 من القانون أعلاه مع عدم حرمانه من العطف العائلي وفق مسطرة خاصة تماشيا مع اتفاقية حقوق الطفل 1989، وتوفير محلات للتنشئة الاجتماعية من خلال ربط شراكات مع جمعيات خيرية او غيره في مختلف التخصصات وخاصة الطب النفسي، وتأهيل المصلحة الاجتماعية سواء تقنيا او اداريا و بشريا مع ضمان الحق في الصحة احترام الحياة العائلية تماشيا توصيات المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي.
[1] – محمد عبد الله خليل،أيمن عقيل,عمرو عبد الحكيم:”الاليات الدولية والوطنية للدفاع عن حقوق السجناء وأسرهم”،دليل تدريبي مشروع الوحدات القانونية،مؤسسة ماعت للسلام والتنمية و حقوق الإنسان للنشر.ص:43.
[2] – خطاب صاحب الجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني يوم 8ماي 1990 بمناسبة انشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان
[3]– ذ. رياضي عبد الغاني : تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية الطبعة الأولى 2009 طبع و نشر مكتبة دار السلام الرباط.
[4]– ذ. عدنني إكرام : مسيرة حقوق الإنسان بين النشأة و التطور حالة المغرب مجلة مسالك في الفكر و السياسة و الاقتصاد العدد 2014/-28+72 تحت عنوان الدستور الجديد و أفاق حقوق الإنسان مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء.
[5]– الفصل 22 من دستور المملكة المغربية : لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في طرف و من قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة و لا يجوز لأحد أن يعامل الغير تحت أي ذريعة معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة او حاطة من الكرامة .
– الفصل 23 من دستور المملكة المغربية : لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات و طبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون .
– الاعتقال التعسفي أو السري أو الاختفاء القسري من اخطر الجرائم و تعرض مقترفيها لأقسى العقوبات.
– يجب إخبار كل شخص ثم اعتقاله على الفور و بكيفية يفهمها بدواعي اعتقاله و بحقوقه و من بينها حقه في التزام الصمت و يحق له الاستفادة في اقرب وقت ممكن من مساعدة قانونية و من إمكانية الاتصال بأقربائه طبقا للقانون.
– قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان.
– يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية و بظروف اعتقال إنسانية و يمكنه أن يستفيد من برامج للتكوين و إعادة الإدماج.
– يحظر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف.
[6] – يعاقب القانون على جريمة الإبادة و غيرها من الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب و كافة الانتهاكات الجسيمة و الممنهجة لحقوق الإنسان.LE PARLEMENTARIME RATIONALISE NOTION DEFENIE PAR BORIS MIRKINE GUETZEVITCH COMME «UN ENSEMBLE DE MECANISME CONSTITUTIONELLE DESTINE A ASSURER LA STABILITE DE L EXCUCUTIF
[7] – د. رشيد المدور : إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور دراسة دستورية تحليلية المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية العدد2016/111– الفصل 71 من دستور المملكة المغربية : يختص القانون بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور بالتشريع في الميادين التالية :
– العفو العام .
– تحديد الجرائم و العقوبات الجارية عليها.
– التنظيم القضائي و إحداث أصناف جديدة من المحاكم.
[8] – المسطرة المدنية و الجنائية.[9] – قانون 98/23 الصادر بالظهيرالشريف رقم 200-99-1 بتاريخ 13 من جمادى الأولى 1420 الموافق ل 25 غشت 1998 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4726 بتاريخ 5 جمادى الثانية 1420 الموافق ل 16 شتنبر 1998 .
[10] لمادة 90 من مرسوم 25 غشت 1999
[11] إحصائيات صادرة عن مديرية السجون و إعادة الادماج لسنة 2006