_________________________
الخطأ الجراحي و مدى التزام الجراح بدقة العمل الجراحي
_________________________
الأستاذ : كريم الشيخ بلال
أستاذ مساعد– أ– بكلية الحقوق و العلوم السياسية
جامعة الجيلالي اليابس
سيدي بلعباس
المقدمة:
إن موضوع المسؤولية المدنية للجراح يعد من أكثر المواضيع التي أثيرت منذ عهد بعيد و مازال الجدل و النقاش و الاجتهاد في مجال الفقه و التطبيقات القضائية و حتى الحقل الطبي، و من المعروف أن التشريعات الحديثة لم تتعرض للمسؤولية المدنية للجراح بنصوص خاصة بل ترك حكمها للقواعد العامة في المسؤولية المدنية ،كما أن الجراحة بشتى أنواعها شهدت تطورات كبيرة و تقدم ملحوظ و لازالت تأتي بما هو جديد بل مبهر في كافة فروعها و تخصصاتها ، و ما أصبح يميزها في نظرة العامة هو تلك الإيجابية و الفعالية التي جعلتها تجاوز مهمتها الاصلية التي هي الوقاية و العلاج من الأمراض و العلل ليشمل جمال بل الحراحة التجميلية فصار الجمال و الرشاقة و بهاءها سلعة تباع و تشترى، كما أن الجراحة أضحت من الحالات التي تستوقف النظر و تدعو الى البحث و التأمل فيها، إضافة الى ذلك أن جراح هو القائم بأعمال الجراحة و التخذير و هندسة الأطقم و وضعها و تثبيتها ، كما ان شعور الرأي العام ازداد فيما يخص وجود ضعف في الحس الإنساني لدى بعض الجراحين في الوقت نفسه نمو سرطاني في الحس التجاري لديهم و مثلما لا يلتقي الايمان مع الكفر ،الجراحة لا تلتقي مع التجارة و عند اللقاء تسود لدى الجراحين نزعة تنمية الثروة المالية بشتى الطرق بدلا من الاستجابة لأوجاع و آلام المرضى.
إن الحديث عن قيام المسؤولية المدنية للطبيب الجراح يقتضي بيان الطبيعة القانونية لها ،خاصة و أن هذه المسألة تعد من بين أهم النقاط الحساسة التي حدثت فيها تطورات مختلفة متعددة الجوانب ، كما يستلزم تحديد أسس المسؤولية المدنية سواء التقليدية والتي لو تخلف أحدها لما أمكن القول بمساءلة الطبيب الجراح مدنيا ، أو الحديثة و التي وجدت لتكريس الحماية القانونية للمريض و تسهيل حصوله على التعويض ، إلى جانب ذلك فإن الأمر يقتضي تحديد نطاق هذه المسؤولية و كقانونين تثار لدينا إشكالية كون الجراحة تجمع بين الشفاء و تحقيق الرغبة فهل تطبق عليها نفس القواعد المطبقة على باقي الاعمال الجراحية أم لا ؟ و ما هي طبيعة التزام الطبيب الجراح ؟ و هل ملزم بدقة العمل الجراحي ؟.
المبحث الأول : طبيعة التزام الطبيب الجراح
إن التطورات التي تعرفها الجراحة في الآونة الأخيرة أدت إلى تردد القضاء بين التشدد في القضايا المعروضة أمامه في هذا الشأن لان هذا الاختصاص في حد ذاته يجمع بين مختلف التخصصات من جهة و في كون الاختصاص في حد ذاته يجمع بين العلاج و الوقاية و التقويم والجراحة ،كانت ترميمية أم علاجية [1].
كما تبرز أهمية دراسة طبيعة الالتزام في تحديد على من يقع عبء الإثبات ، و قد قسم الفقه الالتزامات إلى نوعين : الالتزام بوسيلة والالتزام بتحقيق نتيجة ، ففي النوع الأول يقتصر التزام المدين (الجراح) على بذل عناية لازمة في حدود ما التزم به ، و لا تتحقق مسؤوليته في هذه الحالة إلا إذا أقام الدائن (المريض) الدليل على مخالفة المبدأ الذي أقرته الجهات القضائية المختلفة ،والمتمثل في بذل جهود صادقة ، يقظة ،تتفق مع الأصول العلمية و الظروف التي يوجد فيها المريض ، و انه خالف أحكام المادة 45 من م.أ.ط بأن يقيم الدليل على أن الجراح لم يقدم علاجا يتسم بالإخلاص و التفاني و مطابقة معطيات العلم الحديث ، و انه لم يقم باستشارة أهل الفن .[2]
أما الالتزام بتحقيق نتيجة فهو التزام يتعهد المدين بمقتضاه بتحقيق نتيجة أو غاية محددة ، وإن لم تتحدد هذه النتيجة يكون المدين مسؤولا أمام الدائن ،لأنه لم يقم بتنفيذ التزامه ، فالشخص مطالب و مدين بتحقيق نتيجة معينة ، بحيث يفترض خطأه و من ثم مسؤوليته لمجرد أن الغاية المنتظرة والتي هي محل التزامه لم تتحقق.[3]
و كما سبق و أن ذكرنا الاعتراف بوجود العقد الطبي بين الطبيب و المريض بناءا على قـــــــــــــــــرار (MERCIER) السالف الذكـــــــر ،و إن الالــــــــــــتـــــــــــــزام في العـــــــــــــقـــــد الـــــطـــــــبي لـــــيـــــــس بشفاء المريض و إنما بعلاجه و الاهتمام به ،فيجب على الطبيب أن يبذل الجهود التي يبذلها نفس الطبيب في مستواه طبقا للأصول العلمية . لكن هل ينطبق على التزام الجراح ؟
المطلب الأول: التزام الجراح بتحقيق نتيجة
إن الفرق بين التزام الجراح الذي ينفذ العمل الجراحي على شخص مريض نائم شبه ميت يمنحه استقلالا تاما لتحقيق و تنفيذ عمله الجراحي[4] ،و الجراح الذي يقوم بتنفيذ الأعمال الجراحية على شخص مريض فائق مثلا في جراحة الاعصاب بحيث تستلزم هته الجراحة ان لا يتم تخذير المريض ضف إلى ذلك عنصر القلق و الارتباك لدى المريض فيمكن لردود أفعاله من أن تقوي و تزيد من جسامة الضرر في حال تحققه ،فالجراح ملزم بتحقيق نتيجة فيما يخص وضع أسنان اصطناعية أو أجهزة تعويضية لأنه من المفترض انه يقوم بتجريبها و تدقيقها قبل وضعها و تثبيتها النهائي على فم المريض ، و قد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر في 23 نوفمبر 2004 [5] بأنه يقع على الطبيب الجراح التزام بتحقيق نتيجة لما يقوم بوضع طاقم أسنان ، و تعود وقائع القضية في قيام جراح أسنان بوضع جسر أسنان متحرك لأحد المرضى ، إلا أن الجهاز لم يلاءم المريض ، و كان هذا القرار تأكيدا لقرار سابق صدر في 22 نوفمبر 1994 [6] ،حيث أكدت السلطة القضائية العليا أن الطبيب الجراح ملزم بالنظر للعقد الذي يربطه بالمريضة ،بتقديم طاقم أسنان ملائم يحقق الخدمة والرغبة المشروعة المنتظرة ، فهو ملزم بتحقيق نتيجة و قد أهمل الطبيب الجراح التزامه ،وكذلك يسري هذا الالتزام على استخدام الآلات الحادة و القاطعة الخطرة و الأجهزة الدورانية التي ينجم عن سوء استعمالها ضررا للزبون .
إلا أن القضاء بعد ذلك تشدد من حيث الالتزامات المفروضة على الجراحين بصفة عامة ، وعلى جراحي الأسنان بصفة خاصة ، فأصدرت محكمة نانسي في قرار لها بتاريخ 14 سبتمبر 2006 أن الطبيب الجراح يقع عليه التزام متمثل في دقة العمل الجراحي مسببا [7]
ثم أصدرت بعد ذلك محكمة النقض الفرنسية في 17 جانفي 2008 قرار جاء من خلاله تأييد الالتزام المتعلق بضرورة دقة العمل الجراحي للأسنان[8] و تتلخص مجريات القضية في قيام أحد جراحي الأسنان باقتلاع ضرس لأحد المرضى مما أدى إنسحال أسنانه وتعرضه لإصابة بسرطان على مستوى اللثة Un cancer de Voie Aéro-digestive Supérieures (VADS)[9]
فقامت المريضة برفع دعوى على مستوى محكمة بورج [10] Bourges) ( للمطالبة بالتعويض ،فجاء القرار لصالح الطبيب الجراح على أساس أن العمل الجراحي كان مطابقا لأصول فن الأسنان ، وانه لم يرتكب أي خطأ ، فقام دفاع المريضة بالاستئناف ،و قبل ذلك بعدة أيام توفيت المريضة .
المطلب الثاني : الإبقاء على الالتزام ببذل عناية (مشددة)
إن التزام الجراح لا زال التزاما ببذل عناية، فالجراحة بالنظر إلى المخاطر الاحتمالية القائمة في كافة الأعمال الطبية، كون الجراحة تكون على أنسجة وخلايا حية ؛لا يمكن التنبؤ بردود أفعالها [11](Les lésions osseuses et gingivales).
كما ان الجراحة بالمفهوم الشامل و العام اختصاص طبي و ليس علما من العلوم الدقيقة ،كما أن هناك عدة عوامل تتداخل لتحديد نتيجة العلاج أو التدخل الجراحي ،لا يمكن السيطرة عليها ففن الجراحة ، فن جامع بين العلاج و الجراحة ،تركيب الأسنان و الحفاظ عليها ،الوقاية وصناعة الأطقم ، فعدم دقة هذا الفن تجعل طبيعة المرض المسبب للموت لا تظهر، يضاف إلى ذلك خطورة المواد الناقلة للالتهابات و العدوى يمكنها إحداث مضاعفات غير مرغوب فيها كاستعمال الرصاص أو المر كير أو الأملغم .
رغم التشدد في مسؤولية الطبيب الجراح , فإن التزامه فيما يتعلق بتقديم العلاج لا زال التزاما ببذل عناية ،إذ يتكون العقد بين الطبيب الجراح و الزبون ،يلتزم الأول بمقتضاه ببذل عناية و اهتمام اللذين تقتضيهما الظروف القائمة التي تتفق مع الأصول العلمية الثابتة ،فهذا الالتزام يظل قائما ولو كان تبعيا و تكميليا للأطقم.[12]
حتى فيما يخص وصف الأدوية ،وقد برر القضاء الفرنسي ذلك أما لغياب الضمان المتعلق بنجاح العمل الجراحي ،أو بوجود حادث غير متوقع متعلق بالعلاج ،إلا انه شدد في التزام الطبيب الجراح في هذا المجال إلى درجة جعله قريبا من الالتزام بتحقيق نتيجة و ذلك باستخدام مصطلح بذل عناية مشدد[13] ،و تعني هذه العبارة أن التزام الطبيب الجراح ليس بتحقيق نتيجة ،و إنما لا بد أن يضع كفاءاته ومؤهلاته العلمية في خدمة زبونه من أجل تحقق عمليات الجراحة و ضمان العناية قبل أثناء و بعد الجراحة ( العتاد المستعمل لابد أن يكون معقما و مطهرا وأن يستعين بالمساعدين المؤهلين….) ، لأنه ليس مجبرا لإجراء العمل الجراحي على وجه الاستعجال ،فيتعين عليه أن يتنازل ويرفض اقتلاع الأسنان في الليل على سبيل المثال لتفادي النزيف الدموي الحاد المؤدي إلى تعريض حياة المريض للخطر.
المبحث الثاني :ركن الخطأ في المسؤولية المدنية و الاستثناءات الواردة عنه.
سوف نقوم بدراسته بدءا من الخطأ عبر مراحل التدخل الجراحي ،قبل التدخل الجراحي ،وأثناء و بعد التدخل الجراحي ،ولكن التطور العلمي و التكنولوجيا كما سبق وان تطرقنا له تمخض عنه ميلاد نوع جديد من المسؤولية الموضوعية القائمة على أساس الضرر و هذه المسؤولية اعتنقها المشرع الفرنسي والمتمثلة في المسؤولية عن إصابات العدوى المتنقلة في الأوساط الطبية ،ومسؤولية المنتج عن المنتجات الطبية الخطرة ،وتطبيقات مبدأ الاحتياط بالنسبة لاستعمال المواد البديلة للأسنان من مواد بلاستيكية أو مواد كيميائية ، أو عمليات نقل الدم و استعمال الكواشف البيولوجية .
المطلب الأول : المسؤولية على أساس الخطأ
إن الخطأ الجراحي له خصوصية في محتواه ،هذه الخصوصية مشتركة في كل من الخطأ المدني و الجزائي لهذا السبب يدخل في عرض مبدأ وحدة الخطأ المدني و الجزائي ، كما أن التزام الطبيب الجراح يمثل أشكالا مختلفة و متنوعة فهدفه موسعا بالنسبة لطبيب الأسنان العادي ،بالإضافة إلى أن تخصص الطبيب الجراح يضمن تدخلاته في محتوى الخطأ ،و كذلك في محتوى التزاماته ،خاصة في حالة الضرورة و الاستعجال أو في مواجهة الخطر.
كما أن هدف التزامات الطبيب الجراح متسع بالنظر إلى اختصاصه فله عدة أبعاد ،سواء في الوقت(une extension dans le temps) )[14]؛ فالعلاج الذي يقدمه لا يشمل فقط على إجراء العملية بل يتعداها لمرحلة ما قبل العمل الجراحي ،و أثناءها الى غاية تحقيقه و تماثل المريض للشفاء. و تبدأ المرحلة الأولى و هي مرحلة التصرفات السابقة على الجراحة (LA PHASE PREOPERATOIRE) بمجرد دخول المريض للعيادة ، ففي هذه المرحلة يقوم الطبيب الجراح بمعرفة الحالة الفيزيولوجية و الباثولوجية ،و الاطلاع على الملف الطبي للمريض ، و البحث عن مسببات المرض لتجنب مخاطر العمل الجراحي بقدر الإمكان ،و مراعاة الاحتياطات كالفحص البيولوجي الشامل و مدى ما يمكن أن يترتب من نتائج ايجابية على التدخل الجراحي[15] ، فلا يقتصر الفحص على موضع الفم أو الأسنان أو العضو الذي سيكون محلا للعملية الجراحية بل يمتد إلى الحالة العامة بإعداد تقرير كامل عن صحة المريض بإخضاعه للتحاليل و الأشعة و الفحوصات المختلفة من قياس متعدد للضغط و درجة الحرارة ،فالفحص لابد من أن يكون شاملا كاملا في الحدود التي تسمح بها الأصول العلمية و حسب المبادئ المستقرة في فن الجراحة ،و بالطبع في حدود اختصاص الطبيب الجراح أو مستواه و ما يمكن أن يتوقعه جراح أسنان يقظ في نفس المستوى ،و يكون عليه الاستعانة في حالة عدم تمكنه من التيقن من حالة المريض بمن هم أكثر تخصصا منه لأنه كما سبق و أن ذكرنا فإن التخصص لا يعني الكفاءة خاصة في مجال الطب.
أما المرحلة الثانية و هي مرحلة تنفيذ العمل الجراحي (la phase opératoire ) ، فبعد وضع المريض تحت تأثير المخذر الموضعي(anesthésie local ) حتى لا يشعر بالألم ، فينبغي لالطبيب الجراح مراعاة مراقبة الكمية خاصة بالنسبة لمرضى القلب أو السكري باعتبار أن هذا النوع من المرضى لا يمكنهم التحمل ،و مما لا شك فيه أن طبيعة التدخل الجراحي تقتضي قدرا ضروريا من المخاطر، فمسؤولية الطبيب الجراح تمتد إلى سلوك ينطوي على إهمال و عدم احتراز و قلة تبصر أثناء الجراحة ،كما انه يستعين بفريق من المساعدين أثناء مباشرته لعمله،فيعد مسؤولا عنهم كمتبوعين له ، حيث أن جراح
الأسنان هو المنظم و المنسق للعملية الجراحية في مجموعها وتسند له مهمة القيادة العامة للعمل الجراحي وفقا لمقتضياته ، ويجب أن يكون التعاون الصادق حيث يتخذ الطبيب الجراح القرارات الأساسية و التي يجب أن يتوافق معها المريض[16] .
و لا يقف عمل و التزام الطبيب الجراح عند هذه المرحلة بل يتعداها ،فهو ملزم بتقديم العناية بعيد العمل الجراحي و هو ما يسمى بالمرحلة اللاحقة للجراحة (le post opératoire) ،لذا فإن الطبيب الجراح ملزم باتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة عقب العمل الجراحي ،فهو ملزم بمتابعة حالة المريض و مدى الاستجابة الوظيفية للأنسجة و الخلايا و الأعضاء ، إلى غاية استفاقتها ، و يتأكد بصفة خاصة عندما يخشى احتمال وقوع الخطر يصعب على غير المتخصص تداركه ، و أن يعطي للمريض التوجيهات اللازمة في حالة حدوث أي تطور أو أية متغيرات لفزيولوجيته.
إن المسؤولية المدنية سواء كانت عقدية أم تقصيرية قوامها الأركان الثلاثة ألا وهي الخطأ و الضرر و العلاقة السببية ، إلا أن المشرع الفرنسي أقامها على أساسين : أولهما التأكيد على المسؤولية على الخطأ الواجب الإثبات ، و الثاني المسؤولية الموضوعية الناجمة عن عيب في جهاز أو منتج،و حالة الأضرار الناجمة عن الالتهابات التي يصاب بها المريض أثناء زيارته للعيادة أو المشفى (les infections nosocomiales)
كما أن إرادة المشرع الفرنسي أكدت بتعبيرها في قانون الصحة مبدأ المسؤولية القائمة على أساس الخطأ بالنسبة للممارسين الطبيين ،و المؤسسات الاستشفائية دون استثناء ،و هذا التأكيد وضع لأسباب مختلفة ؛ أولا لكبح الفقه و القضاء ، اللذين قاما بتسهيل الدعاوى للمتضررين ،ومن جهة أخرى لتفادي الصعوبات المتعلقة بعبء إثبات الخطأ ،زيادة على ذلك بإبعاد وجوب الخطأ المعمم للالتزام بالسلامة للأعمال الطبية .[17]
كما أن تأكيد المبدأ جاء ليوازي القانون الخاص بتعويض ضحايا الحوادث الطبية، فقد نصت المادة ـ1142ــــــ1 من ق.ص .ف على المسؤولية القائمة على أساس الخطأ بالنسبة للمؤسسات أو الممارسين الطبيين ، التي تقدم أعمال فردية للوقاية ،التشخيص أو العلاج .[18]
و الملاحظ أن المشرع الفرنسي لم يشأ أن تنفلت زمام المسؤولية لكي لا تنجر الأعمال الطبية ضمن مبدأ عدم العقاب ، واجتناب الانحراف عن الإباحة.كما انه اتجه نحو توحيد الخطأ مهما كان سواء مدنيا أم إداريا أم جزائيا[19], ومهما كانت المسؤولية تقصيرية أم عقدية ، ولكن من الناحية النظرية لأنه في الواقع فلكل جهة قضائية كفاءتها و اختصاصها لمعرفة نوعية الضرر من حيث الجهة المنشئة له ،قطاعا خاصا كان أم عاما . أما المشرع الجزائري فلم يتناول الخطأ عكس المشرع الفرنسي ،وذلك لوضع ميكانيزمات وتمكين المضرورين من الحصول على الحماية وتجنب الإرهاصات الخاصة بصعوبة إثبات الخطأ.
المطلب الثاني : الاستثناءات الواردة عن المسؤولية على أساس الخطأ
إن التطور التكنولوجي وتقدم التقنيات و انعكاسه على المجال الطبي ,سواء في أسلوب العلاج أو البحث العلمي في مادة الصحة ،والمستجدات والأجهزة المعقدة و المعدات و الإمكانيات الحديثة وكثرة الحوادث الطبية ،كل هذا أدى إلى التأثير على قواعد المسؤولية،إضافة إلى انعدام انتساب الخطأ لمحترفي الصحة ؛وفقا لما ويراه الفقه المعاصر ، فإنه من غير المنصف والعادل بقاء المضرور بلا تعويض جراء ما يصيبه من ضرر دون إسناد الخطأ لأي جراح أسنان ، وحتى في غياب الخطأ ،فعلى أي أساس يمكن تقدير التعويض، هذا ما أبدعه القضاء الفرنسي حديثا فيما يخص التعويض عن الحوادث الطبية وكذلك بالنسبة لإصابات العدوى المتنقلة في الأوساط الطبية ،ويسري الأمر أيضا لاستعمال المنتجات الطبية لأن اغلب المواد المستعملة من طرف جراحي الأسنان جلها مواد صناعية مصنعة كيميائيا تخضع للتفاعلات مما يستوجب التشدد وتطبيق مبدأ الاحتياط و مبدأ الحيطة [20] .
أولاــــ إصابات العدوى المتنقلة في الوسط الطبي: تتمثل العدوى في اخماج و إنتنانات و التهابات وأمراض بكتيرية ،إكلينيكية ميكروبيولوجية غير محددة و مشتركة مع العلاج [21] وهي ناتجة عن فئتين : الأولى أن تكون أصلية ( exogène) متولدة عن الوسط الخارجي للمريض و تتنقل داخل الوسط الطبي أي مكروبات ينقلها الممارسين الطبيين أو المستخدمين أو جراحو الأسنان ،أو المعالجين في المستشفيات والعيادات ،وحتى الأدوات المستعملة مثلا كالكرسي الآلي أو أجهزة الامتصاص أو الأجهزة الميكانيكية ، و الثانية ناجمة عن المريض نفسه (endogène)،بتطور مرضه وتأثير العلاج على المكروبات و التفاعلات الكيميائية. و بإطلاعنا على قاموس المصطلحات الطبية [22]،في مفهوم إصابات العدوى فالمصطلح مركب من كلمتين في اللاتينية : nosocomuim وتعني المستشفى ،وفي نفس المصطلح الإغريقي nos و komuim وتعني الأمراض ومعالجتها ،فالعدوى أو الأمراض المتنقلة هي تلك المتواجدة في الوسط الطبي دون فاعل sans auteur [23].
أما من ناحية التدخل التشريعي و القانوني فان أصل مفهوم إصابات العدوى ظهر وفق المرسوم رقم 88- 657 المؤرخ في 6 ماي 1988 ،وقد عرفها المشرع الفرنسي على أنها العدوى الناشئة بمناسبة العلاج ، أثناء مكوث و إقامة المريض لإحدى المؤسسات الطبية أو العيادات ،أو المتنقلة عن طريق استعمال الأدوات و الأجهزة و المعدات الطبية الملوثة والتي تظهر بعد 48 ساعة من زيارة المريض لمؤسسات الصحة ، ثم تلاها القضاء الفرنسي ( محكمة النقض الفرنسية) بفرض عبء الإثبات على عاتق المريض وذلك بإقامة الدليل على أن المؤسسات الصحية أو محترفي الصحة لم يقوموا بأعمال التطهير و التعقيم و النظافة بمناسبة وجوده في غرفة العمليات في حال إصابته بالاخماج و التعفنات .[24]
ثم تغير اتجاه القضاء الفرنسي بعد ذلك بفرض التزام بالسلامة يقع على عاتق محترفي الصحة، يمكن التحرر من هذا الالتزام بإثبات السبب الأجنبي. [25]
وعلى عكس المشرع الفرنسي فان المشرع الجزائري حرص على الوقاية من إصابات العدوى المتنقلة في الوسط الطبي فقد نص المقرر رقم 64 الصادر عن وزارة الصحة بتاريخ 17 نوفمبر 1998 على إنشاء لجنة لمكافحة الاخماج و الالتهابات ، ثم تلتها التعليمة رقم 64 الصادرة كذلك عن وزارة الصحة المؤرخة في 20 أكتوبر 2001 المتعلقة بوقاية و مكافحة الالتهابات و العدوى المتنقلة والناشئة عن الممارسات الطبية و اتفاقية النظافة الاستشفائية الخاصة بأمراض الايدز و فيروس التهاب الكبد الوبائي ،فتضمنت هته التعليمة تدابير النظافة للمرضى و التلقيح ضد التهاب الكبد الفيروسي ،وكذا التدابير الوقائية المتعلقة بالعلاج وسلسلات التعقيم والتطهير الحرارية البخارية للأجهزة ونظافة محــــــــــــــيط المرضـــــــــى و المحــــلات ،كما فرضت إلزامية الحصول على فرن التعقيم لكل جراح أسنان ( autoclave a vapeur) فقد حرص المشرع الجزائري في قانون 01-19 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 المتعلق بتسيير و مراقبة النفايات الطبية ،على ضرورة اتخاذ كافة التدابير الوقائية لان النفايات تعتبر الملاذ لتنقل و تفشي الاخماج و الالتهابات ، ثم تم إصدار التعليمة الوزارية رقم 19 المؤرخة في نوفمبر 2002 المتعلقة بالوقاية من التهاب الكبد الفيروسي في عيادات الجراحة ،كما أن التعليمة نظمت أيضا الحوادث الطبية المتعلقة بانفجار الدم.
إن كل هته النصوص التنظيمية لم تقم بإعطاء تعريف للالتهابات و الاخماج المتنقلة في الأوساط الطبية،بل تناولت فقط السبل الوقائية وتسيير الأخطار الناجمة عن استعمال الدم و مشتقاته ،و الكواشف البيولوجية ،والحفاظ على النظافة وطرق التعقيم وتطهير المحلات و العيادات، فكان على المشرع الجزائري أن يضع تعريفا لها ،و وضع تحديد للتكييف القانوني و الشرعي ،وبعد ذلك إدراج سبل الوقاية. ومما سبق ذكره فان العيادات تبقى وحدها السبب الفعال لأخطار الانتقال المرتفعة( RISQUE DE TRANSMITION ELEVEE) كالعيادات الجراحة ومراكز نقل الدم والتحاليل و الأشعة ،لأنها تستعمل مواد طبية قابلة للرسكلة و إعادة التصنيع ، في حين أن المشرع الفرنسي أقام المسؤولية الناجمة عن اخماج العدوى و الالتهابات على أساس المسؤولية بدون خطأ ،خاضعة للتعويض من طرف الصندوق الوطني للتضامن L’ONIAM فقد نصت المادة 1124 ف1 من قانون الصحة العمومية الفرنسي على اعتبار أن المؤسسات الصحية أو العيادات مسؤولين في حال إصابة المرضى بالعدوى ، ولا تنتفي مسؤولياتهم إلا بإثبات السبب الأجنبي[26] في حين أنه يستوجب على المريض إثبات رابطة السببية[27] بين ظهور العدوى و العمل الجراحي و كذا طابع العدوى الذي أصابته.[28]
ثانياــــ الحوادث الطبية أو مخاطر العلاج: مخاطر العلاج تتمثل في حدث ناتج عن الصدفة ،فقد عرفها فيني و جوردان – G .VINEY ET P.JOURDAIN- في التعويض عن الحوادث الطبية على أنه الضرر الذي ليس له علاقة مع القائم بالعمل الطبي ،الناجم عن العلاج و المستقل عن أي خطأ[29]، أما سارقو – P .Sargos – [30] فقد اعتبر مخاطر العلاج أنها المعاينة لعدم القوة للتدخل الطبي في مواجهة الخطر الذي لا يمكن التحكم فيه ،في وقت و حال المعطيات الطبية العلمية المستقرة أثناء تقديم العلاج[31]، وهذا الحادث ينشأ عنه ضرر بدون خطأ من جانب القائم بالعمل الطبي ،و المحقق خارج الخطأ و يمكن سيطرته .
أما الفقيه قوس – M.GUESSE- في تعليقه على قرار صادر عن محكمة باريس في تاريخ 15 جانفي 1999 عرف الحوادث الطبية على أنها ضرر تربطه بالعمل الطبي علاقة سببية ،ولكنها متحققة و مستقلة عن أي خطأ ، وأضاف في هذا التعليق أنها لا تتعلق بالحالة السابقة للمريض ، وتشمل المفهوم العام للعلاج .
ومن شروط معرفة الحوادث الطبية تحقق العناصر التالية :
- أن يكون فعل العلاج يتطلب ضرورة التشخيص ،أو الوقاية ،لان فعل العلاج الغير ضروري يعتبر في حد ذاته موازن و مطابق للخطأ ،فلابد أن يكون مشروعا ، أن يدخل الفعل في إطار رضا المريض .
- أن لا تكون هنالك مضاعفات أثناء العمل الجراحي ، لأنها إذا وقعت أثناء العمل الجراحي تعتبر في حد ذاتها خطأ يستوجب المساءلة،و غياب الخطأ الطبي أو الإهمال في جانب الطبيب الجراح.
و رغم أن المشرع الجزائري لا زال متمسكا بفكرة أن الخطأ الثابت هو أساس المسؤولية المدنية لالطبيب الجراح ،إلا أن المشرع الفرنسي نظم نظام التعويض عن الحوادث الطبية حماية للمضرورين و تيسيرا لعبء الإثبات عن كاهلهم ومساعدتهم للحصول على تعويض ، و تذليل العقبات ، ففي حال تطبيق القواعد العامة بحذافيرها فهناك بعض الأحوال التي لا يمكن فيها للمضرور أن يحصل على التعويض من الجهات التي حددها المشرع لعدم توافر الشروط أو لعدم وجود دليل يثبت ذلك،و كذلك ففي الحالات التي يكون التعويض غير ملاءم أو مناسب للأضرار التي لحقت بالمريض[32].
كما انه من غير المعقول ترك المتضرر دون تعويض، لأن التقدم العلمي صاحبه ازدياد المخاطر نتيجة استعمال التقنيات المتطورة في الجراحة.
إن تعويض ضحايا الحوادث الطبية هو حديث العهد في فرنسا ،فلقد جاء به قانون 4مارس 2002 حيث وضع نظاما خاصا للتعويض عن تلك الحوادث ويكون بدون خطأ و هذا حتى لا يبقى المريض ضحية الحوادث الطبية، و كان الهدف الحقيقي من هذا القانون هو عزوف أعضاء السلك الطبي باختلاف اختصاصاتهم عن القيام بالأعمال الطبية و الجراحات لأنها أصبحت تحد من الإبداع نظرا لتقويضهم بتشديد المسؤولية ، بالتالي النزاعات و حتى يحصل المرضى عن التعويضات من طرف الذمم المالية الخاصة لمحترفي الصحة لأن تغطية مبالغ التأمين أصبحت تثقل كاهل شركات التأمين ، و من أجل كل هذا تدخل المشرع الفرنسي للموازنة بين كل أطراف المعادلة الفاعلين في قطاع الصحة من شركات تأمين و محترفين و مرضى ضحايا العمل الطبي وحماية كل طرف في هته المعادلة على أساس التعويض بدون خطأ في إطار التضامن الاجتماعي و عليه فإننا نرى أنه يتعين على المشرع الجزائري مسايرة التطورات القانونية و ذلك بإرساء نظام موضوعي لتعويض ضحايا الحوادث الطبية الغير الخطئية عن طريق التأمين باسم التضامن الاجتماعي ، لأن المقصود من هذا النظام هو القضاء على المخاطر أو على الأقل التقليل منها.
ثالثا ــــ مبدأ الاحتياط و تطبيقاته في المسؤولية الطبية : إن التطورات التقنية و امتداد المعرفة و تطبيقاتها في مجال الجراحات بصفة عامة و استعمال الإعلام الآلي و الروبوهات l’utilisation de robotiques dans la chirurgie ، زاد في زيادة الخطر و استخدام المواد ذات الأصل الحيواني[33] بحيث أصبح هو الشائع خاصة في الجراحة سواء في المستشفيات أو في العيادات الخاصة و غالبا ما تستخدم هذه المواد كمرقيء للعظام ، كما أن هذه المواد أثبتت فعاليتها و مع ذلك أصبحت تحوم الشكوك في صحة هذه المواد ذات الأصل الحيواني في جسم الإنسان ،و ابتداء من القرن العشرين ،دخلت البشرية فيما يسمى بحضارة الخطر[34]، فإذا كانت المجتمعات المعاصرة بلا شك معرضة لأخطار أكثر مما كانت عليه في السابق فهذا راجع لتطور مفهوم الخطر الناجم عن استعمال تلك المواد ذات الأصل الحيواني ،و بالتالي أضحى الخطر في تزايد مستمر ، كما أصبح مظهرا موجودا في كل مظاهر الحياة و خاصة في مجال الصحة، ما يميز هذه الأخطار عن غيرها التحاقها بالصحة فكان لا بد من مجابهة هذه الأخطار و صعودها القوي ، و أصبح لازما على محترفي الصحة إتباع الموازنة بين العمل العلاجي باستخدام المواد السابقة الذكر ، و العمل الوقائي المتمثل في التدخل في حال حدوث ضرر مفاجئ و الذي كان من المحتمل حدوثه في حال عدم اتخاذ أي إجراء لتفاديه؛ فكان لابد أن تكون الحيطة قاعدة لكل الأفعال ، و من هذا المنطلق وجدت مكانتها في نهاية السلسلة من التدابير العامة و الهادفة إلى مقاومة خطر الأضرار المحتملة ، و المقصود بالحيطة اتخاذ التدابير لاستدراك أو تجنب الضرر و الحد من أثاره ، و مبدأ الاحتياط هو تصرف أخلاقي يهدف أصلا إلى احترام صحة الإنسان و حمايتها أما من الناحية القانونية فأصل هذا المبدأ كان ابتداء من انعقاد مؤتمر ريو ديجانيرو ، وإعلانه حول البيئة و الأرض و التنمية، وهذا المبدأ لا يحتج بالافتقار إلى اليقين العلمي كسبب لتأجيل اتخاذ التدابير الاحتياطية لحماية الصحة، و لم تعد المسألة باستدراك الأخطار التي يمكن تقديرها و إحصاءها إنما بإمكانية احتمالها و توقعها ، فالتواجد المستمر للأخطار يفسرها و يجعلها مرتبطة بالتطور العلمي و التقني ،كما أن الجراحة و الأعمال الطبية بصفة عامة لم تعد ضربا من ضروب الحظ، باعتبار أن الحظ أصبح يجاري الألم، و كل عمل جراحي يحمل في طياته جزء من الخطر يؤدي إلى عدم تماثل المريض للشفاء أو طرح مضاعفات غير مرغوب فيها ،في جل العمليات الجراحية بالتالي خطر الأضرار وارد لا محالة ؛بالرغم من انعدام الخطأ في جهة القائم بالفعل،فلابد على هذا الأخير من معرفة كيفية تسيير المخاطر الجراحية و اتخاذ الإحتياطات، و التدابير المتخذة لاستدراك أو على الأقل تجنب الضرر و الحد من آثاره المحتملة فأصبح الاحتياط تصرف أخلاقي يهدف إلى حماية الصحة، ثم تطور مبدأ الاحتياط ليصبح تعبيرا شعبيا (expression populaire) [35] و لم يعد مقتصرا على حماية البيئة بل أصبح يشمل ميادين مختلفة كالمواد الغذائية و حماية المستهلك[36] و حماية الصحة النباتية و الحيوانية ، وقد تم تعريف مبدأ الاحتياط على انه ” واجب القطاع العام أو الخاص صانع القرار على أن يخضع لنفسه لإجراء ما أو لرفضه وفقا للمخاطر المحتملة ،و في هذا المعنى فإنه لا يكفي للوفاء بالتزاماته لقيادة النظر في المخاطر المعروفة، و بذلك لا بد عليه أن يثبت في الحالة الراهنة للعلوم و التكنولوجيات عدم وجود أي خطر،فهذا الواجب يتميز بالحذر عن واجب الحماية و الرعاية الذي يميز و يبرر التزام الوسائل”[37]، و المبدأ ينطوي على التزام اليقظة في سلوك الممارسين محترفي الصحة على وجه السرعة لتنفيذ الوسائل الممكنة تحت تصرفه لمنع إنتاج المخاطر المعروفة، وبالتالي فالمبدأ أداة لإدارة المخاطر سواء كانت معروفة أو افتراضية بالإضافة الى أن واجب التوقع هو الذي يجب أن يواجه المخاطر و الأخطار[38] ، كما أن المبدأ لا يشمل الجانب المتعلق بإعاقة البحث العلمي بل يقوم على مبدأ الموازنة بين المخاطر و المنافع و بالتالي لا يمكن تقدير الخطر الصفر كمعيار لصلاحية العمل الجراحي[39] ،و لكن هل هذا المبدأ الوقائي هو قاعدة قانونية ؟
هذا المبدأ ليس له سيادة القانون نفسه كما انه يقف و الرعاية الصحية في المقام الأول على المبدأ الأخلاقي و السياسي المنصوص عليه في النصوص القانونية للقانون الدولي من خلال الإعلان الوزاري الأوروبي المشترك بشأن حماية بحر الشمال منذ 1987 ، ثم تطور المبدأ ليشمل اتفاقية ماستريخت لحماية المناخ سنة 1992 ، إلا أن تم إدراج المبدأ في القوانين الداخلية فنذكر على سبيل المثال قانون بارنييه la loi Barnier لتعزيز حماية البيئة، و المضمون القانوني للمبدأ في هذا القانون أعطى ترجمة دقيقة له في مختلف المجالات خاصة الجانب الصحي ، و بذلك أصبح محترف الصحة ملزم شخصيا .
و تتمثل تطبيقات مبدأ الاحتياط في الجراحة باتخاذ التدابير و الاحتياطات اللازمة فيما يتعلق باستعمال المواد ذات الأصل الحيواني مثلا استخدام المنتجات الطبية كالأسنان المستخرجة من عظام الأبقار(Le Bio-Oss) ، أو أمعاء الأبقار المضغوطة L’Hémarcol®) )[40] و هذه المواد تستعمل بشكل كثير في الجراحة لتردد استعمالها لأنها المواد الأكثر مبيعا في العالم عامة و في أوروبا خاصة في قطاع نشاط الجراحة.
أما في الجزائر فإننا لم نجد أي إدراج لمبدأ الاحتياط في القانون عدا قانون حماية المستهلك 09-03 و لكن اكتفى المشرع بالإشارة إليه و ترك تعريفه للقضاء و الفقه .
الخاتمة:
هدفنا من خلال البحث دراسة المسؤولية المدنية هذا الموضوع الحساس من الناحية القانونية، ليس لإدانة الطبيب الجراح أو عرقلة مهامه ،أو الحكم على المرضى الذين يقومون بمثل هذه العمليات فكل واحد حر في قراراته ، ومع ذلك فإنه من الضروري تحسيس الناس بالجراحة و الحفاظ عليها و العمل الوقائي لأجل حماية الصحة، ولعل تشديد القضاء لمسؤولية جراحي الأسنان هو المحفز لهذه الفئة للتحكم فيها و مسايرة التطورات و المستجدات الحاصلة في هذا المجال. و إذا كانت الجراحة ليست معروفة لدى غالبية العوام من الناس و إن كانت مثل هذه العمليات لا تثير أي خصومات كبيرة على القضاء، فلا مانع من إلزام جراحي الأسنان لمعرفة حقوقهم و واجباتهم اضافة الى ضمان التكوين المستمر سواء بالنسبة لجراحي الأسنان أو بالنسبة للقضاة كما نأمل أن يقوم المشرع الجزائري بمسايرة التطورات الحاصلة في مجال تقنين أخلاقيات جراحو الأسنان و فصلها عن مهنة الطب بالنظر إلى الاختلافات الجوهرية سواء في الأعمال أو في الأخطاء و حتى في المنازعات و لابد من وضع نظام تأمين عن طريق صناديق التأمين التعاوني و مشاركة الضمان الاجتماعي في تغطية نفقات الجراحة أو التركيبات الاصطناعية بالنظر إلى تكلفتها مما ساهم بانتشار ثقافة الاتجار و حتى إلى القول بأن هذه الأعمال هي من قبيل النصب و الاحتيال المشروع.
قائمة المراجع:
أولا: باللغة العربية
1 _ بودالي محمد، حماية المستهلك في القانون المقارن، دار الكتاب الحديث، 2006
2 _ مأمون عبد الكريم، رضا المريض عن الأعمال الطبية ، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية،2006
3_ رايس محمد، المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري، دار هومة
4_ طلال عجاج قاضي,المسؤولية المدنية للطبيب ، دراسة مقارنة ، دار المؤسسة الحديثة للكتاب ،لبنان 2004 . 5_ محمد حسين منصور،المسؤولية الطبية، دار الفكر الجامعي ،الإسكندرية،2006.
6_ شريف الطباخ، جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2003
7_ رمضان جمال كامل ،مسؤولية الأطباء و الجراحين المدنية ،الطبعة الأولى ،المركز القومي للإصدارات القومية ، الإسكندرية ،2005
8_ فيلالي علي ,رضا المريض بالعمل الطبي . م.ج.ع.ق .إ.س ,الجزء 36 ,رقم 3 ,جامعة الجزائر 1998
9_ صويلح بوجمعة ،المسؤولية المدنية الطبية :المجلة القضائية ع 1 ،2001
ثانيا : باللغة الفرنسية
1-Alain Bery/Laurent Delprat , droits et obligations des chirurgiens dentistes ,EDITIONS DU PUITS FLEURI ,2006 ,France
2- Anne Laude/ Didier Tabuteau, Droit de la santé, EDITIONS PUF , 2009 ,France
3- ANNICK DOSNER-DOLIVET;LA RESPONSABILITE DU MEDECIN, EDITIONS ECONOMICA; France ,2006
4- ANNICK DOSNER-DOLIVET, contribution a la restauration de la faute, Édition LGDJ, France 1985.
5- Patrick Missika/ Bachir Rahal: Droit et chirurgie dentaire, édition cour dentaire professionnel (CPD) 2006
6 – M .Penneau /A.Gaudin/J-P Arnaud : l’exactitude de geste chirurgicale : évolution de la jurisprudence ; journal du chirurgien dentiste, 2008, 145,N°15,Elsevier Masson
7 -P.Sargos : l’exigence de précision de geste chirurgicale en matière d’intervention médicale ou de chirurgie dentaire, Med et Droit 2008
8- cass 2eme cha’ civ ’25 juillet 2008 ،n 04-30210 voir l’obligation de précision du geste chirurgie dentaire ،citéé par pr: Catherine NGUYEN ،REVUE LA LETTRE DU COLLEGE ODONTOLOGIE ET DROIT ، MAI 2008
9 – Philippe Pirnay l’alea thérapeutique en chirurgie ’EDITIONS L’HARMATTAN France’2008
10- GARNIER ET DELAMARE, DICTIONNAIRE DES THERMES DE MEDECINE, Maloine ,27 eme édition ,2002
[1]-voir Alain bery/ laurent delprat ، droits et obligations des chirurgiens dentistes ,EDITIONS DU PUITS FLEURI ,2006 ,France. ، p227
– صويلح بوجمعة ،المسؤولية المدنية الطبية :المجلة القضائية ع 1 ،2001 ،ص74 . [2]
– فيلالي علي ،الالتزامات النظرية العامة للعقد ،موفر للنشر’الجزائر 2008 ، ص 27[3]
[5]– cass civ du 23 novembre 2004 .voir – Philippe Pirnay ، l’alea thérapeutique et chirurgie ’EDITIONS L’HARMATTAN ’2008 ،France ، p 215
[6]– cass civ ،1 ، du 22 novembre 1994 n 92-16’423 ، voir Alain bery/Laurent Delprat ،opcit ،p219
[7]– Philippe Pirnay ، l’aléa thérapeutique ….opcit ، p 215 Le chirurgien dentiste est tenu d’une obligation de précision du geste de chirurgie dentaire même si l’extraction était justifié et conforme aux données acquises des sciences
[8] – M .Penneau /A.Gaudin/J-P Arnaud : l’exactitude de geste chirurgicale : évolution de la jurisprudence ; journal du chirurgien dentiste, 2008, 145,N°15,Elsevier Masson
[9] -P.Sargos : l’exigence de précision de geste chirurgicale en matière d’intervention médicale ou de chirurgie dentaire, Med et Droit 2008 ;43 :pp 10-16
[10]– cass 2eme cha’ civ ’25 juillet 2008 ،n 04-30210 voir l’obligation de précision du geste chirurgie dentaire ،citéé par pr: Catherine NGUYEN ،REVUE LA LETTRE DU COLLEGE ODONTOLOGIE ET DROIT ، MAI 2008
[11]-Alain bery /Laurent Delprat ’op.cit. ;p227
[12] -accessoires à la prothèses . Voir: Patrick Missika/ Bachir Rahal: Droit et chirurgie dentaire, op.cit. p 62
[13]- Une obligation de moyen renforcée ; Voir: Patrick Missika/ Bachir Rahal: Droit et chirurgie dentaire, op.cit. p 48.
[14] -selon le Doyen Savatier :la santé du patient est une ,non seulement dans l’extension du temps ,mais dans l’espace ,quand les soins se spécialisent ,car le Corp du patient forme un tout ,dans lequel toutes les réactions sont liées et tout les organes solidaires , Annick Dorsner Dolivet op.cit. p235
وأصل هذه المقولة هي عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال :” مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى” .رواه مسلم
[15] -Annick Dorsner Dolivet ,ibid,p235
[16] ــ البروفيسور بودالي محمد : المسؤولية الجزائية للجراح و طبيب التخذير و الإنعاش، مجلة العلوم القانونية و الادارية ،ع7،2010 ،ص34.
27- Anne Laude/ Didier Tabuteau, opcit ,p 453.
28 -article 1142-1 du C.S.P.F << …. leur responsabilité est encourue en raison d’un default d’un produit ,les professionnels de santé ….ainsi que tout établissement ,service ou organisme dans lesquels sont réalisés des actes individuels de prévention ,de diagnostic ,ou de soin ,ne sont responsables des dommageables d’actes de prévention ou diagnostic ,ou de soin qu’en cas de faute>>
29 -Annick Dorsner Dolivet ,op.cit,p29
الأستاذ بودالي محمد ،المرجع السابق ص 427-[20]
[21]-Philippe Pinay ,l’alea thérapeutique en chirurgie ,éditions l’harmattan ,paris 2008 ,p229
[22]-GARNIER ET DELAMARE ,DICTIONNAIRE DES THERMES DE MEDECINE ,Maloine ,27 eme édition ,2002 ,p579
[23]- Alain bery /Laurent Delprat ’opcit ;p331
[24] -Cass ,Civ 21 mars 1996 ,l’affaire bonicci ,voir Alain bery /Laurent Delprat ’opcit ;p333
[25] -Cass Civ 1 ,13 février 2001, pourvoi 01-14356 cité par Alain bery /Laurent Delprat , opcit.p334 (Les professionnels sont tenu vis-à-vis à ses patients en matière d’infection nosocomial d’une obligation de sécurité résultat dont t’ils ne peuvent se libérer qu’en rapportant la preuve d’une cause étrangère ,et se qu’ils exercent au sein d’une clinique ou même dans un cabinet privé)
[26]– Alain bery /Laurent Delprat, op.cit. ,p332
[27] – Cass Civ 1er du 27 mars 2001 cité par Alain bery /Laurent Delprat, ibid. P333
[28] -Annick Dorsner Dolivet ,opcit,p29(Les établissements ,services et organismes surmonsionnés sont responsable des dommages résultants d’infections nosocomiales sauf s’ils rapportes la preuve d’une cause étrangère) .
[29] -Philippe Pinay , op.cit ,p 24
[30] -Sargos :l’aléa thérapeutique devant le judiciaire ,citée par Amélie Riffault : ‘’ LE CHIRURGIEN DENTISTE FACE A L’ALEA THERAPEUTIQUE ;OPCIT P44.
[31] – Alain bery /Laurent Delprat ’opcit ;p331
ــ ثروت عبد الحميد : التعويض عن الحوادث الطبية ،دار الجامعة الجديدة ،2007 ص147 .[32]
[33] -l’affaire du sang contaminé et aussi l’affaire de la vache folle citée par Anne Laude/ Didier Tabuteau, op.cit. ,p 577.
[34] -Philippe pirnay, op.cit.p67.
[35] – Philippe pirnay, op.cit.p67.
ـ بودالي محمد، حماية المستهلك في القانون المقارن، دار الكتاب الحديث، 2006[36]
[37]ـ تعريف مجلس الدولة الفرنسي لمبدأ الاحتياط سنة 1997 نقلا عن Philippe pirnay, op.cit.p66.
[38] – ROBERT REGARD : LE PRINCIPE DE PRECAUTION EN CHIRURGIE DENTAIRE ,BULL de l’ académie national des chirurgien dentiste ,num 48,2005
[39] -la notion de risque zéro ne peut être retenue comme critère de validité d’un acte chirurgicale ; notion citéé Philippe pirnay, op.cit.p66 ; Voir aussi: Patrick Missika/ Bachir Rahal: Droit et chirurgie dentaire’ op.cit.’ p 48.
[40] – Le Bio-Oss :matériaux de comblement d’origine bovin ;et L’Hemarcol :éponge hémostatique par compression d’origine porcine.