الحوز في التبرعات

الحوز في التبرعات

ياسين جريفي

– باحث في القانون الخاص كلية

الحقوق أكدال الرباط

خريج دار الحديث الحسنية

ملخص

اقتضت حكمة الله في الأرض تداول الأموال و المنافع بين بني البشر، و الذين هم مستخلفين فيه، بوسائل شتى، ومن هذه الوسائل ما هو بمقابل، و منها ما هو غير ذلك، فهو على سبيل التبرع.

   غير انه و كسائر العقود ، يلزم لقيامها ، وصحتها ،مراعاة شروط نص عليها الفقهاء في متونهم. فعلى الرغم من أن الأصل في العقود في الفقه الإسلامي  رضائيتها، غير أن بعض التصرفات إما بطبيعتها كالرهن مثلا من جهة، او لتعلق حق الغير بها كما هو الحال في موضوعنا هذا من جهة أخرى، قد اقترنت صحتها بتوفر شروط أخرى.

يبدو انه بالنظر لخصوصيات نظام التحفيظ العقاري ، فانه لا بد للقول بصحة الحوز بالنظر إليه من حوز قانوني وهو المتمثل في التقييد في السجلات التي تمسك بخصوص هذا النظام، و قبل صدور مدونة الحقوق العينية فقد مر الاجتهاد القضائي المغربي بمراحل مختلفة بخصوص هذه النقطة ، توصل معها أخيرا إلى القول بضرورة الحوز القانوني الذي لا يغني عنه الحوز المادي، توجه تبنته مدونة الحقوق العينية المذكورة.

وللوقوف على هذه الإشكالية، يحسن بنا تناول مفهوم الحوز كما بحث في الفقه الإسلامي” المبحث الأول” ثم نتطرق للحوز و فق منظومة التحفيظ العقاري”.

Abstract:

Thus, the discussion of legal possession is resolved, and its availability dispenses with material possession, regarding real estate fees and memorization demands.

In conclusion, we arrive at it, which is that as long as the hawz is the doctrine, a complete condition is not a condition of validity, then any Another means that leads to the same purpose and serves the same reason, which is not to circumvent the rights of God by circumventing the right of inheritance, it is to a large extent applicable, and since the donation contracts in the memorization system, like the rest of the transactions received on a preserved property, do not produce any effect even between the contracting parties, Except when registering, the donation contracts received on the preserved drug had to be subject to this formality.
Mere material possession will not suffice in it, and this formality - as previously decided by the Court of Cassation - will suffice and dispense with any material possession.
This statement does not contain anything that contradicts the rules of jurisprudence and the fatwas of the Companions. Its goal is the same that the Muslim jurists sought from the requirement of material possession, which is to achieve the interests of people, which is one of the purposes of Islamic law.

تقديم

    اقتضت حكمة الله في الأرض تداول الأموال و المنافع بين بني البشر، و الذين هم مستخلفين فيه، بوسائل شتى، ومن هذه الوسائل ما هو بمقابل، و منها ما هو غير ذلك، فهو على سبيل التبرع.

   غير انه و كسائر العقود ، يلزم لقيامها ، وصحتها ،مراعاة شروط نص عليها الفقهاء في متونهم. فعلى الرغم من أن الأصل في العقود في الفقه الإسلامي  رضائيتها[1]، غير أن بعض التصرفات إما بطبيعتها كالرهن مثلا من جهة، او لتعلق حق الغير بها كما هو الحال في موضوعنا هذا من جهة أخرى، قد اقترنت صحتها بتوفر شروط أخرى.

   وهكذا فالتبرعات تلزم بالقبول عندنا في المذهب وتصح بالحوز[2] شريطة أن يتم ذلك قبل حدوث مانع من موت أو إحاطة دين بالمال…..

وباشتراط الحوز هذا صارت هذه العقود أشبه بالعقود العينية التي لا تتم إلا بالقبض كالرهن ، على ان الفقهاء ميزوا على المستوى الاصطلاحي بين النوعين، إذ نعتوا الرهن بالقبض و في العطايا و التبرعات بالحوز ، وذلك لان القبض في الأول ركن فيه أما الثاني فهو شرط نفاذ لا يلزم أن يكون فوريا عند الإشهاد، بل يمكن أن يقع في أي وقت بعد العقد شريطة أن يتم قبل حدوث المانع. و الحوز هذا، يعني  في التعريف الاصطلاحي -ودون الدخول في تفاصيل التعاريف- هو وضع اليد على الشيء أو الحق بطريقة شرعية إما اصالة أو نيابة. فهو شرعي حيث يتميز عن وضع آخر غير شرعي كما هو الشأن بالنسبة للسرقة أو الغصب. وتدل عبارة وضع اليد عن ذلك الوضع الحسي المعبر عن خروج الشيء أو الحق من يد إلى يد أو انه انتقل من حرز إلى حرز وأخيرا فهو إما أن يكون بالأصالة ، حيث يحوز المرء لنفسه، وإما بالنيابة، وذلك حين حيازة

المرء عن منوبه، كالوكيل عن موكله، أو الأب عن ولده القاصر.

بعد كل ما ذكر قد يتساءل المرء عن الحكمة من وراء اشتراط الحوز؟

 الأصل في هذه الحكمة، ما ورد في كتاب الموطأ[3]حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير عائشة رضي الله عنها  قالت: ان ابا بكر كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال: و الله يا بنية ما من الناس احد أحب إلى غنى من بعدي منك و لا اعز على فقرا بعدي منك و اني كنت نحلتك جاد عشريين وسقا فلو كنت جددتيه و احتزتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث، وانما هما اخواك واختاك، فاقتسموه على كتاب الله ، قالت عائشة:فقلت يا ابت، والله لو كان كذا و كذا لتركته، انما هي اسماء فمن الاخرى؟ فقال ابو بكر ذو بطن بنت خارجة، ارها جارية-.

وكذا ما ورد عن عمر بن الخطاب: – ما بال رجال ينحلون أبنائهم نحلة لم يمسكوها، فان مات احدهم قال: مالي بيدي لم اعطه احدا، وان مات هو قال هو لابني، قد كنت أعطيته إياه، من نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها حتى يكون ان مات لورثته، فهي باطل.[4]

    فالظاهر مما ذكر، أن إخراج المال بدون مقابل فيه ضرر محتمل بالغير  الذي قد قد تنشا له حقوق على هذا المال، ولهذا قيد المشرع التبرعات بضرورة إخراجها من حوزة المتبرع، قبل حصول المانع[5] نفيا للتهمة.وهكذا وضع الفقهاء أحكاما تنظم الحوز ، ورتبوا جزاءات عن تخلفه.

    ولكن بدخول المستعمر، ونقله تجربة نظام التحفيظ العقاري في بلدان عدة كما هو الحال في المغرب، وقعت هناك تعارض بين ما هو معهود فقها من جهة، وما جاء به هذا النظام من جهة ثانية.

    ذلك أن انتقال الملكية في نظام التحفيظ العقاري، تكفي فيه عملية التقييد لدى المحافظة العقارية، و

لا يتطلب الأمر أي إجراء إضافي آخر، كالحيازة المادية للشيء موضوع البيع و الشراء، وهكذا طرحت إشكالية مفادها هل يغني الحوز القانوني عن الحوز المادي؟ وتتفرع التساؤلات الناتجة عن التعارض بين ميكانيزمات نظام التحفيظ العقاري، و الفقه الإسلامي، من قبيل هل يغني الحوز المادي عن التقييد في الرسم العقاري؟

يبدو انه بالنظر لخصوصيات نظام التحفيظ العقاري ، فانه لا بد للقول بصحة الحوز بالنظر إليه من حوز قانوني وهو المتمثل في التقييد في السجلات التي تمسك بخصوص هذا النظام، و قبل صدور مدونة الحقوق العينية فقد مر الاجتهاد القضائي المغربي بمراحل مختلفة بخصوص هذه النقطة ، توصل معها أخيرا إلى القول بضرورة الحوز القانوني الذي لا يغني عنه الحوز المادي، توجه تبنته مدونة الحقوق العينية المذكورة.

وللوقوف على هذه الإشكالية، يحسن بنا تناول مفهوم الحوز كما بحث في الفقه الإسلامي” المبحث الأول” ثم نتطرق للحوز و فق منظومة التحفيظ العقاري”.

المبحث الأول: مفهوم الحوز في الفقه الإسلامي:

في هذا المبحث نتطرق إلى شروط  الحوز الصحيح” المطلب الأول” ثم إلى أنواعه ” المطلب الثاني”.

المطلب الأول: شروط الحيازة الصحيحة[6]:

حتى يتم القبول بالحوز، يجب أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط:

على رأسها معاينته، وحصوله قبل المانع، ثم الجد في طلب الحيازة و ننهي هذا المطلب بالإشارة إلى خصوصيات الحوز في بعض الأشياء و في بعض الحالات.

*أولا: المعاينة:  و المعاينة هذه، وجب حصولها قبل الموت والفلس، والمرض المخوف، و الجنون والسفه، و لا يؤخذ بالقبول او العقد ما دام ليس هناك حوز، وعندما نقول الحوز فلا يعني هذا انتفاع المعطي له بعطيته فمسالة الانتفاع هذه ليست شرطا لصحة الحوز.

و المعاينة ، إذا كانت شرطا لقيام الحوز صحيحا، فهي بدورها يشترط فيها خضوعها لقواعد معينة ، ذلك أن المعاينة المبنية على إقرار المعطي و المعطى له، لا مجال للاعتداد بها، فليس للشخص أن يصطنع حجة تسري على الغير، وهكذا فالمعاينة التي يؤخذ بها هي التي قامت بإشهاد العدلان أو الموثق شخصيا، إشهادا مبنيا على الرؤية و الاطلاع في مكان وجود العطية، وبذلك لو قال الموثق مثلا” وحازه حوزا تاما” ولم يضف على هذه العبارة كلمة عيانا أو معاينة، ما كانت كافية لإثبات حصول الحوز، وهكذا وجب على العدلين أو الموثق، التنصيص في صيغة الإشهاد على معاينة الحوز

واذا قلنا ان الإشهاد المبني على اقرار المعطي و المعطى له لا وجه للاعتداد به ، فبمفهوم المخالفة ، فان المعاينة الصحيحة هي التي تثبت بالغير، فما المقصود بهؤلاء الغير في هذا المقام؟ ان المقصود بذلك هم العدول و الموثقون وكذا اللفيف، وكذلك عن طريق الشهادة امام القاضي المعروض عليه النزاع و يجوز

اللجوء الى القرائن مع اليمين.

1- العدول و الموثقون: ” الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع و الاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها حصوله في محضره و ذلك الى ان يطعن فيها بالزور...” هذه كانت مقتضيات الفصل 419 من ق ل ع ، و التي تدل على ان هذه الفئة من المهن هم اولى الناس بالاشهاد، واشهادهم هذا حجة قاطعة على الاطراف و الغير معا.

2- اللفيف[7]: يجوز تدعيم العقد العرفي المبرم بين المعطي و المعطى له بشهادة اللفيف، ذلك ان الحوز من مسائل الواقع، فالعقد يظل مجرد اقرار بين الطرفين، فاذا جيء بلفيف  صحت العطية.

3- الشهادة: منازعة الورثة مثلا في ثبوت معاينة الحوز، يمكن تفاديها عبر طلب استماع للشهود  مقدم من طرف المعطى له أمام القاضي المعروض عليه النزاع.

4- القرائن مع اليمين: في العقود العرفية دائما و التي لم يتمكن من تدعيمها عبر ما سبق من وسائل، جاز اللجوء إلى القرائن، والتي يتمتع القاضي في مواجهتها بسلطة تقديرية واسعة، فله أن يقبلها أو يردها إذا لم تكن مقنعة، غير أن قبول القرائن القوية و الخالية من اللبس قد لا يقبل إلا إذا تعززت بيمين ، إذا رأى القاضي موجبا لذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 87 من ق المسطرة المدنية  .

* ثانيا: حصول الحوز قبل المانع: المقصود بالمانع الموت أو إحاطة الدين أو مرض الموت أو السفه، وكل هذه الأمور تدخل في حكم الموت ، وعند الشك في الأسبقية بين الدين و التبرع قدم الأول على الثاني، لان الأول واجب و الواجب مقدم على المندوب. إذن فلا عطية إذا لم يتم حوزها قبل هذه الموانع ، ولو أن العطية كانت قد انعقدت قبل هذا المانع و لم يتم حوزها إلى أن حدث المانع أخذت حكم عدم النفاذ، ولا تعتبر حتى في حكم الوصية، فهي انعقدت قبل المرض مثلا ولو أراد المعطي الإبقاء عليها لأبرم لها عقدا

جديدا.

* ثالثا: الجد في طلب الحيازة: قد يتراجع المعطي بعد التزامه بالعطية لسبب من الأسباب ، ومعلوم أنه لا رجوع في الهبة إلا فيما بين الأب أو الأم في حدود ، و أولادهما، ومن جهة المعطى له، فالأمر لا يخرج عن احد الفرضين، فإما ان يتخلى عن طلب الحيازة، وإما أن يستمر في المطالبة بها الى وفاة المعطي. ففي الحالة الأولى سقطت العطية بوفاة المعطي، أما الفرضية الثانية فان الهبة لا تسقط و لا تبطل. و يحق لنا هنا أن نتساءل بشأن الحكم في حالة وفاة المعطي وقد حكم بإتمام الهبة ، أو ان اجراءات الدعوى ما تزال جارية أمام المحكمة؟

اعتبر الجد في الفقه المالكي و الحرص على طلب العطية بمثابة حوز لها، وحتى في الحالة التي لم ترفع فيها الدعوى أساسا ، فان الجد في الطلب اذا ثبت ، صحت العطية لكن كيف يتم إثبات الجد في الطلب من طرف المعطي؟ نعتقد ان ذلك يتم في إطار الفصول المنظمة لمطل المدين، و الآمر يتعلق بالفصول من 254 الى 267 من ق ل ع و حتى بالشهود. و المعطي المتماطل يجبر على التنفيذ و على التعويض إذا كان الهلاك أو العيب الذي لحق العطية قد نتج عن خطا المعطي او احد تابعيه او ورثته، بل انه يسال عن تبعات القوة القاهرة من وقت ثبوت المطل، قياسا على المدين المتماطل.

*رابعا: خصوصيات الحوز في بعض الأشياء: وكمثال على ذلك ، نأخذ الحوز في دار للسكن، فلأهمية هذا الأخير احتاط الفقهاء كثيرا في العطايا المتعلقة به، وهكذا اشترطوا لصحته شرطين أساسيين:

1- يتعلق الأول منهما بمعاينة الإخلاء من جميع الشواغل ، فإذا افرغ البعض، وبقي ساكنا في باقي أجزاء الدار فيفرق بين أمرين، فإما أن تكون العطية للمحجور أو للراشد، ففي الأول إذا بقي ساكنا في اليسير فلا إشكال ، سواء أبقي الجزء الباقي فارغا، أم عقد عليه كراء لفائدة المحجور، وفي النصف تبطل العطية في حدوده و في الأكثر يبطل الجميع. أما في التعامل مع الراشد فالعطية صحيحة في حدود ما افرغ.

2- ويتمثل الشرط الثاني في عدم عودة المعطي إلى الدار موضوع العطية مدة سنة، ابتداء من تاريخ الإفراغ، حيث أن عودته هذه وبقائه إلى حين حدوث المانع، تبطل معها العطية. على ان عودته قبل السنة، ومغادرته لها قبل المانع، لا تؤثر على صحة العطية ، وكذلك فيما لو عاد لتفقد صيانتها، كما لو وهب أب لابنه الصغير وحاز عنه.

  كذلك لا تأثير على صحة الهبة، فيما لو عاد الواهب تحت وطأة المرض أو الخوف أو الفقر. يقول الشيخ خليل” أو رجع مختفيا أو ضيفا فمات”. أما رجوعه بعد السنة، فالقول الراجح ان العطية تبقى صحيحة، لان هذه المدة هي التي يقع بها الإشهار.

ودائما في معرض خصوصيات هذا النوع من التبرع ، نقول إن شرط السنة هذا، إنما هو خاص فقط بدور السكن، أما إن كان الأب مثلا لا يسكنها، عقد الإشهاد وكانت حيازته على بنيه بالإشهاد و الإعلان نافدة جائزة.

     ومن الخصوصيات كذلك ما يتعلق بالأم، فهذه الأخيرة إن وهبت دار سكناها لأولادها يتم التمييز بين الكبار و الصغار، فبخصوص الكبار تلزم معاينة الإفراغ وتتقيد بشرط عدم العودة  قبل السنة، أما فيما يخص الصغار فتصح الهبة مثلا دون إفراغ، حيث يعتبر بقاؤها في دار بصفتها حاضنة لا واهبة، وإذا بلغوا سن الرشد، دون ان يعتريهم عارض من عوارض الأهلية ، جدد لهم حوز الأم قبل حدوث مانع و إلا فلا شيء لهم.

    وقد يتساءل المرء، عن الحالة التي يثور فيها الشك حول تاريخ الرجوع، هل هو قبل مضي العام أو بعده، فهناك من قال بأخذه على انه قبل العام تغليبا لإرادة الواهب ، وهناك من اخذ بالقول على انه بعده، وفي رأينا الشخصي وتماشيا مع الفصل 473 من ق ل ع الذي يقضي بأنه عند الشك يفسر الالتزام لمصلحة المدين، فالواهب أو المعطي عموما هو الملتزم في هذه الحالة، لهذا وجب القول عند الشك بأنه قبل العام.

*خامسا: خصوصيات الحوز في بعض الحالات: سبق أن أوردنا أن من ضمن شروط صحة الحوز أن تتم المعاينة،إلا أنه  في حالات معينة،يكتفى بالإشهاد بلا معاينة ،ومن الأمثلة على ذلك الاضطرابات  و الفتن و التي يتعذر معها الانتقال إلى عين المكان لمعاينة الحوز. و الحيازة في هذا الظرف تصح بالشكل المشار إليه وتبقى على هذه حتى بعد زوال حالة الضرورة، فلا اشتراط لمعاينة الحوز من جديد، فالعبرة بزمن وقوعها حالة الضرورة.

وفي سياق إبراز شروط الحوز الصحيح وتمييزه عن الصور الباطلة ، ترد في معرض الحديث عن هذه الأخيرة، مسالة صورية الحوز فما المقصود بالحوز الصوري؟ وهل تصح به العطية؟

من صور الحوز الصوري هذا إثبات المتعاقدين له بالرسم وهو ليس بثابت في الواقع، أو الكذب على العدلين أو الموثق، و الدفع بهم إلى أن يشهدوا على معاينة الحوز ، و الحال انه ليس من حوز في ارض الواقع، حتى إذا وصلا إلى مرادهما رجع المعطي للانتفاع بماله وأخرجه عن ورثته بعد مماته. وهكذا فالحوز الصوري أو التحايل على الحوز، لا مجال للاعتداد به إلا إذا استدرك حقيقة قبل حدوث المانع.

ولكن كيف يتم إثبات صورية الحوز؟ رغم انه يجوز ذلك بمختلف وسائل الإثبات( الفصل 419 ق ل ع) ولكن في واقع الأمر يصعب ذلك، وهكذا اجتهد فقهائنا في هذه النقطة واعتبروا رجوع الحوز إلى المعطي عن قرب من العطية قرينة على التحايل و الصورية ،و القرب هذا موكول للسلطة التقديرية للقضاء.

وإذا كان هذا هو جوهر الحوز من حيث معناه فما هي أنواعه؟

المطلب الثاني: أنواع الحوز:

سنقتصر في هذا المطلب على تناول أنواع الحوز من حيث الأشخاص، على أن نعرض لأنواعه من حيث الأموال، و التي هي العقارات عند التطرق للمبحث الثاني. و الحوز باعتبار شخص الحائز هو إما حائز بالأصالة “أولا” وإما حائز بالنيابة “ثانيا”.

*أولا: الحوز بالأصالة:  إن الحوز بالأصالة هو الإطار العادي للحوز، ويمارسه المعطى له شريطة أن يكون كامل الأهلية . و أجاز المشرع استثناء للقاصر و ناقص الأهلية، أن يقبل الهبات عند الاقتضاء، دون حاجة للحائز.

*ثانيا: الحوز بالنيابة: و الحوز بالنيابة فيه العديد من التفصيلات ، فالشخص كما يحوز لنفسه يستطيع

أن يحوز لغيره بالنيابة، هذه الأخيرة  إما تكون اتفاقية أو قانونية. فالأولى قوامها التراضي، وتخضع لأحكام الوكالة كما هو منصوص عليها في ق ل ع. وأما  الحيازة القانونية فهي التي يتولاها الحاجر من محجوره، وذلك إما ولاية أو وصاية أو تقديما ، في ضوء أحكام النيابة الشرعية كما هي منظمة في مدونة الأسرة، وتجب الإشارة هنا إلى أن معاينة الحوز إذا كانت تجري في مواجهة المعطى له في الحوز اصالة، فأنها في الحوز بالنيابة تجري في مواجهة النائب.

ومن الحالات الشائكة في هذا الإطار، كون الحاجر هو الواهب نفسه، فيطرح التساؤل حول بقاء الحوز بيده أم انه ينتقل إلى الغير ؟ وماذا بخصوص وقوع المانع؟ ثم هل من إجراءات إضافية عند كمال أهلية المعطى له؟

بالنسبة للتساؤل الأول نميز في الشيء المعطى هل هو شيء قيمي ام انه مثلي، فإذا كان في حكم الأول فالحوز فيها للحاجر، كيفما كان أبا ، أما، وصيا، أو مقدما، فمادامت  متميزة فلا خشية من اختلاطها بأموال الحاجر وفي ذلك ورد في تحفة ابن عاصم:

وللأب القبض لما قد وهبا              ولده الصغير شرعا وجبا

إلا الذي يهب مــن نقديــــه             فشرطه الخروج من يديه

والكل مع مراعاة الحالات الاستثنائية، كما إذا كانت العطية دارا للسكنى، فعلى الواهب كما سبقت الإشارة إلى ذلك – أن يخرج أهله منها، ويفرغها من شواغله، وألا يرجع إليها مدة سنة ولا شيء عليه إن أكراها للغير لصالح المحجور أو لنفسه .  ولا شيء عليه ان سكن في القليل منها، أما إن شغل النصف ، فتبطل الصدقة فيه وتصح في الباقي، وأما سكناه للكثير منها فتحول العطية بأكملها إلى البطلان.

وإذا كانت العطية من الأشياء المثلية ، فالحوز فيها لا يتم إلا بوضعها بيد أمين، وبالتالي لا يصح فيها أن تحاز من طرف الحاجر ، كيفما كانت صفته، و العلة في ذلك انه يسهل اختلاطها باموال الحاجر. وفي هذا المعنى ورد في الموطأ في باب ما يحوز من النحل” قال مالك الأمر عندنا فيمن أعطى عطية لا يريد ثوابها، فأشهد عليها، فإنها ثابتة للذي أعطيها، إلا أن يموت المعطي قبل أن يقبضها الذي أعطيها.قال و إن أراد المعطي إمساكها بعد أن أشهد عليها، فليس ذلك له، إذا قام عليه بها صاحبها أخذها”[8]

ودائما فيما  يخص الأشياء المثلية، فحدوث مانع و الحال أن المعطي كان لم يخرج العطية إلى أمين بطلت العطية.

وبالنسبة بالنسبة للأشياء القيمية وهي التي يتصور فيها بقاءها في يد الحاجر، فان كمال أهلية المحجور تستتبع تجديد الحوز، وإلا بطلت العطية باستثناء حالة جدية المعطى له في طلب حيازتها، آو حدوث عذر عاد على ما تقدم.

وأخيرا نشير إلى أن الحاجر يستطيع أن يشتري ما وهب لمحجوره إذا ثبتت مصلحة المحجور في ذلك، على أن حيازة الثمن يفرق فيها بين الاشياء القيمة و الاشياء المثلية المعطاة.

ففي الأولى يقوم الحاجر بالاحتفاظ بالثمن لمحجوره، وبالتالي ليس من المفروض تجديد الحوز في الثمن للمحجور عند كمال أهليته، وكذا ليس هناك داعي لوضع الثمن عند أمين فالعطية قد انقضت بالبيع. وأما فيما يخص الحالة الثانية، فيسلم إلى الأمين، فهو الحائز فيما يهبه الحاجر على المحجور من أشياء مثلية.

ما سبق تناوله في هذا المبحث كان متماشيا مع حقبة زمنية معينة، لم يعرف نظاما شبيها بما يصطلح عليه بالتحفيظ العقاري فكان الحوز المادي واجب التوفر للعلل التي سبق بيانها مع ضرورة معاينة الإشهاد، على انه وبدخول نظام التحفيظ العقاري بآلياته المعروفة، حدث هناك تعارض مع ما سطره الفقهاء المسلمون، ليس على مستوى الجوهر، أي العلة، ولكن فقط على مستوى  المساطر الموصلة لنفس الهدف.

المبحث الثاني: هل يغني الحوز القانوني عن الحوز المادي؟

لقد انقسم القضاء المغربي في موضوع الحيازة المادية و القانونية إلى قائل بان الحيازة المادية كافية لصحة الهبة ” مطلب أول” و أخر انتصر لقوة الحيازة القانونية وكفايتها على الحيازة المادية”‘مطلب ثاني” وانتهى هذا التيار بتأييده من قبل محكمة النقض بقرار لها بست غرف وهو الاتجاه الذي تبنته مدونة الحقوق العينية ” مطلب ثالث“.

المطلب الأول: الحيازة المادية تكفي لصحة الحيازة

اذا كانت الحيازة المادية تكفي في العقار غير المحفظ، فان الأمر يختلف مع العقار المحفظ. ومع ذلك وجدنا قرارات لا تعير أهمية للتقييد في السجل العقاري مكتفية بالحيازة المادية وفي هذا المعنى جاء القرار عدد 579 بتاريخ 13/2/2002 ليقرر ان عدم تسجيل عقد التحبيس بالرسم العقاري لا يمكن أن يؤثر على صحة موضوعه أو يحد من أثره في نقل الحق للأحباس خاصة وان الحيازة المادية للملك المحبس قد تمت فعلا وكانت بصفة علنية كافية وثابتة باعتراف الورثة أنفسهم وان استغلالها كان قبل وفاة الطرف المحبس وبعده .”وفي نفس الإطار اشترطت استنافية الرباط في قرار لها بتاريخ 30/3/1993 حكم عدد 387 ضرورة توافر الحيازة المادية قيل الحيازة القانونية فيما يخص العقارات المحفظة “إن الدفع بتسجيل العقدين العرفيين المطالب بإبطالهما على الصك العقاري و بالتالي اكتسابهما الحجية المثبتة للحيازة القانونية المطلوبة لئن كان يوحي للموهوب لها بمثل توافر هذه القرينة لصالحها الا ان التسجيل وتلك  الحيازة غير منتجين لا في نظر الفقه ولا في تحليلات القانون لكون ما يسجل بالصكوك العقارية لا يكتسب الحجية المطلقة بل يمكن إلغاؤه اتفاقا أو قضاء كما تنص على ذلك الفصول 66 و 67 من ظهير 12/8/1913 بشرط ثبوت الحيازة المادية أولا على النحو المفصل أنفا قبل التسجيل و الحيازة القانونية الشكلية إذا كان الأمر متعلق بعقار محفظ“.

في رأينا الشخصي فان ما ذهب إليه القضاء يتعارض وقانون التحفيظ العقاري، ذلك انه وكما هو معلوم، فظهير التحفيظ العقاري واضح في نصوصه على أن العقود و الاتفاقات الرامية إلى إجراء أي معاملة على العقار المحفظ ليس لها وجود ما لم تضمن في السجلات العقارية وبذلك ففي رأينا الشخصي دائما نقول  بعدم كفاية الحيازة المادية فيما يخص العقارات المحفظة، بل يجب أن تضاف إليها الحيازة القانونية وليس في ذلك أي تعارض مع ما سطره فقهائنا المسلمون في هذا الباب اذ العلة واحدة و الهدف واحد، اختلفت فقط طريقة تحقيقه، و التي نرى في السجل العقاري وسيلة أكثر فاعلية و أكثر نجاعة.

وإذا كان الأمر كذلك، فما هو يا ترى العمل بخصوص من حاز حيازة قانونية دون الحيازة المادية؟

المطلب الثاني: الحيازة القانونية تغني الحيازة المادية

من القرارات القضائية من ذهبت إلى عدم كفاية الحيازة القانونية، واشترطت لصحة الحوز أن تضاف إليه الحيازة المادية كما هو الشأن بالنسبة للقرار المشار إليه آنفا، فمثل هذا الاتجاه يرى ان عدم بسط المعطى له يده على العقار بسطا فعليا و أن عدم ورود شرط المعاينة التي تتطلب الحيازة الفعلية بقدح في صحة هذا الحوز عموما ، وياتي القرار عدد 4204 بتاريخ 29/11/2001 ليسير في هذا الاتجاه” عقود الهبة موضوع القرار التي لم يقع تسجيلها بالرسوم العقارية قبل حصول المانع وهو موت الواهب لا يعتد بها ما دام الطاعنين لم يحوزا العقارات الموهوبة لها حيازة فعلية بوضع اليد او المغارسة قيد حياة الواهب ان محكمة الاستئناف لما سارت في هذا الاتجاه كانت على صواب“.

وكانت محكمة النقض قد ساتر على خلافه في قرار سابق بتاريخ 25/12/1991، في القرار عدد 3304 حيث قرر ان الحيازة المادية لا تغني عن الحياز القانونية، فهل تغني  الحيازة القانونية عن الحيازة المادية؟؟

ذهب اتجاه قضائي الى القول بهذه الفكرة وفي هذا الاطار صدر قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 8/3/1995 ليقرر ان تسجيل الصدقة بالرسم العقاري وما ينتجه من الحيازة القانونية تغني عن الحيازة الفعلية لان الأولى أقوى “

وبعد تردد طويل ساد القضاء بخصوص هذه النقطة ، أي مدى كفاية الحيازة القانونية عن تطلب حيازة مادية جاء قرار محكمة النقض بجميع غرفه عدد 555 بتاريخ 8/12/2003 في الملف الشرعي عدد 596/2/2/1995 ليقرر ما يلي:”لما كانت غاية الفقه في اشتراط الحيازة في عقود التبرعات هي خروج العين المتصدق بها من يد المتصدق الى يد المتصدق عليه فان تسجيل الصدقة في الرسم العقاري يحقق الغاية المذكورة ويوثقها بشكل اضمن لحقوقه المتصدق عليه لذا يعتبر تسجيل الصدقة في الصك العقاري في حد ذاته حيازة قانونية وبشكل قانوني لا جدال فيه يغني عن اشهاد العدلين بمعاينة الحيازة، واخلاء العين موضوع الصدقة واثباتها بوسائل اخرى.

المطلب الثالث: انسجام مقتضيات مدونة الحقوق العينية مع مقتضيات السجل العقاري.

حسمت مدونة الحقوق العينية النقاش السابق، و ذلك باشتراطها،في المادة 274 تحت طائلة البطلان، أن إبرام عقد الهبة يجب أن يحررفي محرر رسمي، و أن التقييد بالسجلات العقارية  يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلائه من طرف الواهب إذا كان محفظا أو في طور التحفيظ. فإذا كان غير محفظ فإن إدراج مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه.

وحسنا فعل المشرع المغربي عندما نص على نفس الحكم، أي أن إغناء الحيازة القانونية عن الحيازة الفعلية، يشمل أيضا العقارات في طور التحفيظ،حيث ستسجل الهبة طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري بمطلب التحفيظ .

خاتمة

وبذلك حسم النقاش لصاح الحيازة القانونية وان توفرها يغني عن الحيازة المادية، بشأن الرسوم العقارية، ومطالب التحفيظ.

وخلاصة نصل إليها وهي انه مادام الحوز هو المذهب شرط تمام لا شرط صحة، فان أي وسيلة أخرى تؤدي إلى نفس الغرض وتخدم نفس العلة وهي عدم التحايل على حقوق الله بالتحايل على حق الإرث تكون قابلة إلى حد كبير للتطبيق،  ولما كانت عقود التبرع في نظام التحفيظ شأنها شأن باقي المعاملات الواردة على عقار محفظ، لا تنتج أي اثر ولو بين المتعاقدين، إلا عند التسجيل،  كان لا بد من خضوع عقود التبرع الواردة على عقار محفظ لهذه الشكلية.

ولن تكفي فيها مجرد حيازة مادية وهذه الشكلية –كما قررت محكمة النقض سابقا- تكفي وتغني عن أي حيازة مادية.

وهذا القول ليس فيه ما يناقض قواعد الفقه، وفتاوى الصحابة، فهدفه هو نفسه الذي  ابتغاه الفقهاء المسلمون من اشتراطهم الحيازة المادية ألا وهو تحقيق مصلحة الناس وهي من مقاصد الشريعة الإسلامية.


[1] – العلامة القاصي أبي بكر محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي إحكام الأحكام على تحفة الحكام دار الكتب العلمية بيروت لبنان ص 213 و ما بعدها.

[2] – ابن جزي: القوانين الفقهية ،دار الفكر،ص 316.

[3]– كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس رصيالله عنه، رواية يحيى بن يحيى الليثي، منشورات المجلس العلميالأعلى، القسم الثاني ص 164 و ما بعدها.

[4] – موطأ الإمام مالك، مرجع سابق ص 165.

[5] – الإمام القاصي ابو الوليد القرطبي الأندلسي الشهير بابن رشد الحفيد: بداية المجتهد و نهاية المقتصد، المكتبة العصرية، بيروت،طبعة 2004،ص313 و ما بعدها.

[6] –  بداية المجتهد و نهاية المقتصد، مرجع سابق ص313 و ما بعدها.

[7] – عمر بن عبد الكريم الجيدي:العرف و العمل في المذهب المالكي و مفهومهما لدى علماء المغرب، طبعة 1984.ص 495 و ما بعدها.

[8] – موطأ الإمام مالك، مرجع سابق، ص 165.

إقرأ أيضاً

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية Work …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *