الحق في الحياة بين الشريعة الإسلامية والتشريعات الدولية

الحق في الحياة بين الشريعة الإسلامية والتشريعات الدولية

The right to life between Islamic law and international legislation

سعد عبد الله مرعي القحطاني

باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

ملخص:

إن حق الحياة مبدأ جوهري ضمن هرمية مبادئ حقوق الانسان، لأنه يمثل شرطا للتمتع وممارسة باقي الحقوق الأخرى، وحق الحياة هو الحق الأول للإنسان وبه تبدأ سائر الحقوق وعند وجوده تطبق بقية الحقوق وعند انتهائه تنعدم الحقوق، وهذا الحق ليس مجرد فكرة بل هو مكفول في العديد من الدينات وعلى رأسها الشريعة الإسلامية، كما أنه مكفول في أغلبية القوانين والدساتير والمعاهدات والاتفاقات الدولية. ألا أنه وعلى الرغم من التصريح بكونه من الحقوق المطلقة والمهمة، إلا أن ذلك لم يمنع من قبول بعض القيود أو الاستثناءات المناقضة والنافية له، عندما تم السماح بعقوبة الإعدام.

الكلمات المفاتيح: الحق في الحياة_الشريعة الاسلامية_التشريعات الدولية.

Abstract :

The right to life is a fundamental principle within the hierarchy of principles of human rights, because it is a condition for enjoying and exercising other rights, and the right to life is the first right of man and with which all rights begin and when it is present, the rest of the rights are applied and when it is over, rights are not only an idea, but are guaranteed in many religions, notably Islamic law, and are guaranteed in the majority of laws, constitutions, treaties and international agreements. However, despite being declared an absolute and important right, this did not prevent the acceptance of certain contrary and contrary restrictions or exceptions when the death penalty was allowed.

Key words : The right to life_ Islamic law_ International legislation.

مقدمة:

يعد الحق في الحياة من أهم الحقوق اللصيقة والملازمة للإنسان، بحيث يعد هذا الحق من أهم الحقوق وأجلها وأقدسها في جميع الشرائع والحضارات والأعراف والقوانين والدساتير. ذلك أن حق الإنسان في الحياة هو حق طبيعي يقره العقل ولا يحتاج إقراره إلى أرادة المشرعين.

إن الحق في الحياة هو الحق الأول للإنسان، وبه تبدأ سائر الحقوق، وعند وجوده تطبق بقية الحقوق وعند انتهائه تنعدم كل الحقوق الأخرى[1]، والحق في الحياة واسع لا يقتصر على حفظ النفس وحمايتها من التلف، بل يتجاوز هذا المعنى ليشمل كل مقومات الحياة، وتكريم الإنسان بما يليق به لذا فإن الحق في الحياة يتكون من ركنين: الأول: عصمة تحمي الإنسان من القتل، الثاني: ضمانات تمتع الإنسان بالحياة[2].

وقد عرف هذا الحق انتهاكات كبيرة عبر تاريخ البشرية فكانت بعض الشرائع تجيز قتل الرقيق، ويتولى رئيس العائلة أو القبيلة أو الملك أو السلطان حق الحياة والموت على الأفراد، كما مارست بعض الامم قتل النفس البشرية بوصفها عادة وتقليداً اجتماعيا، مثل قتل الاطفال وبقر بطون النساء لإخراج ما في بطونهم، وهي من الأمور التي كانت آنذاك شائعة في عرف المجتمعات القديمة. ذلك أن حق الإنسان في الحياة ليس مجرد فكرة بل لهذا الحق آثار رتبتها الشريعة الإسلامية والقوانين والدساتير والمعاهدات والاتفاقات الدولية وتتجلى أهم هذه الآثار بحفظ النفس الإنسانية التي هي ضرورة شرعية تعارفت عليها الأديان والشرائع السماوية.  ومن هذا المنطلق سنحاول استحضار قيمة وحضور هذا الحق في كل من الشريعة الاسلامية والمواثيق الدولية، وذلك من خلال تقسيم هذه الدراسة الى محوريين أساسيين وهما:

المحور الأول: حق الحياة في الشريعة الإسلامية.

المحور الثاني: حق الحياة في المواثيق الدولية.

المحور الأول: حق الحياة في الشريعة الإسلامية

إن الشريعة الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي أقرت حقوق الإنسان، وقدمت منهاجا شاملا ودقيقا لضمان حق الإنسان بالحياة التي هي منحة الخالق العظيم للبشر، فبالتالي تعتبر مقدسة ولا يجوز العدوان عليها أو المساس بها. والحياة منحة الله تعالى وليس للإنسان فضل في إيجادها، وكل تعد عليها يعتبر جريمة في نظر الإسلام، لقوله عز وجل (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)[3]، وهذه الآية الكريمة تجرم من يعتدي على النفس وتعظم قداستها الى درجة عالية.

ولردع من تسول له نفسه الاعتداء على حياة الآخرين، فقد قررت الشريعة الإسلامية القصاص[4] في القتل لقوله عز وجل (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[5]، وهذه الآية الكريمة بذلك تتحدث عن النفس على أطلاقها دون أن يفرق الإسلام في  ذلك بين أن يكون القتيل ذكراً أو أنثى أو مسلماً أو ذمياً أو حتى لو كان دينه ليس سماوياً[6].كما أكدت الشريعة أن عقوبة القصاص في القتل العمد عقوبات دنيوية وأخروية بقوله عز وجل (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[7].

وقد حرمت الشريعة الاسلامية جميع أشكال المس بالحق في الحياة من إجهاض أو قتل أو انتحار:

أولا- الإجهاض:

لقد عني الإسلام بحياة الإنسان وحمايتها منذ بداية تكوينه جنينا في رحم أمه ولم ير نور الحياة بعد بتحريم إسقاطه[8] وهذا ما يتعارف عليه بالإجهاض الذي معناه التخلص من الجنين قبل المدة الطبيعية للولادة، وقد اختلف العلماء في حكم قتل  الجنين قبل نفخ الروح فيه فرأى فريق منهم أنه حرام لأن فيه قدرة على الحياة واكتمال النمو، ورأى فريق أخر أنه جائز زاعماً أنه لا حياة فيه ولا حرمة[9].

حرّمت الشريعة الإسلامية الإجهاض[10] تحريما مطلقا ولم تفرق بين إن تتم العملية برضا إلام أو بدون رضاها، وسواء أجهضت نفسها أم مكنت غيرها من ذلك، المرأة الحامل في نظر الإسلام مؤتمنة على الجنين في بطنها فلا يجوز لها التفريط فيما اؤتمنت عليه، وإنما الواجب الديني والأخلاقي يوجب عليها المحافظة عليه إلى الزمن الذي حددته مشيئة الله سبحانه وتعالى لانفصاله عنها بالولادة وتصبح له حياة مستقلة أنعم الله عليها بالحياة لها حرمتها وكرامتها الإنسانية[11].

ثانيا- قتل النفس:

 حرّم الإسلام القتل وعاقب عليه وجعل الاعتداء عليه وإزهاق روحه بمثابة العدوان على الله سبحانه وتعالى خالق الإنسان ومانحه الحياة بأنفاسه الربانية وعده تحديا سافرا لإرادة الله ومشيئته[12]. إن القرآن الكريم عد إزهاق روح الإنسان اعتداء على الإنسانية كلها، وعد حفظها من الهلاك نعمة على الإنسانية كلها. وتوعد الله سبحانه وتعالى من يزهق روح إنسان بأشد أنواع العقوبات في الآخرة إلى جانب الخلود في النار، ومن آيات تحريم قتل النفس قوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ  وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ  إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)[13].

ولابد إن نشير إلى إن جرائم القتل مثلما تحدث بفعل ايجابي بإزهاق روح إنسان سواء بآلة قاتلة أو باليد تتحقق أيضا بفعل سلبي بطريق الامتناع عن فعل لإنقاذ حياة المجني عليه وهذا ما يسمى (بجرائم الامتناع)،أو أن الجاني ينهي حياة المجني عليه إشفاقا عليه وهذا ما يســمى (القتل بدافع الشفقة):

  • جرائم الامتناع: مثلما ترتكب جريمة القتل بإزهاق روح إنسان فإنها ترتكب أيضا بالترك أو الامتناع عن إتيان فعل من شأنه إنقاذ حياة هذا الإنسان في حالة كونه مشرفا على الهلاك لأي سبب كان.لذا فأن الشريعة الإسلامية انطلاقا من حرصها الشديد على حماية حق الإنسان بالحياة, اعتبرت الترك أو الامتناع يصلح لأن يكون سببا للجريمة, فإذا ما وقعت على هذا الوجه أستحق فاعلها العقوبة،مثلا امتناع إلام عن أرضاع طفلها بقصد قتله،مثل مسافر منع فضل مائه عن آخر فتسبب بهلاكه عطشا . والممتنع عن تقديم يد العون لإنسان مشرف على الهلاك يحاسب عن جريمة امتناعه, حيث يجب عليه شرعا وعرفا أن لا يمتنع عن ذلك هذا ما وخلص أليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
  • القتل بدافع الشفقة: هذا النوع من القتل استئثار بالاهتمام الدولي في السنين الأخيرة من قبل رجال القضاء والقانون، وهو ارتكاب الجاني جريمته بدافع الشفقة على المجني عليه، كان يكون مريضا يعاني من الآلام شديدة وأكد الأطباء نتيجة التحاليل والمعاينة السريرية بأن هذا المريض لا يرجى شفاؤه مما يدفع الطبيب أو الممرض إلى إعطائه كمية كبيرة من العلاج أو غير ذلك مثل رفع أجهزة التنفس وكل ما من شانه إن يؤدي إلى هلاكه إشفاقا عليه، وقد يكون هذا الأمر بموافقة المريض أو ذويه. ويطلق على هذا الموت الكثير من الأسماء الموت الرحيم،الموت الهادئ،الموت الطيب .فقهاء الشريعة الإسلامية الأوائل لم يقولوا بإباحة القتل مهما كان الدافع لعدم اعتدادهم برضا المجني عليه في جرائم القتل مطلقا. أما فقهاء الشريعة الإسلامية المحدثون فأنهم صرحوا أن القتل بدافع الشفقة يعد قتلا عمدا وان كان القاتل طبيبا قصد إن يخلص القتيل من الآلام مرضه الذي لا يرجى شفاؤه.

ثالثا- الانتحار:

إن عملية الانتحار[14] مرفوضة من الناحية العقلية والمنطقية وتعتبر من أشنع أنواع القتل، ذلك لان الأصل في الإنسان نزوعه الفطري لحفظ نفسه وحمايتها والانتحار بهذا يتنافى مع الفطرة الإنسانية السليمة في حب البقاء. وقد حرّم الإسلام على الإنسان إن يعتدي على حياته ويقتل نفسه كما حرّم عليه إن يقتل غيره من الناس ويزهق روحه مهما كانت الأسباب والدوافع لقوله تعالى (لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[15]، ونهى الرسول عليه السلام أن قتل النفس في أحاديث كثيرة ومن يفعل ذلك مصيره النار يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام (الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا في النَّارِ، والذي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا في النَّارِ)[16].

المحور الثاني: حق الحياة في المواثيق الدولية

يشكل حق الحياة ركناً أساساً من أركان القانون الدولي الإنساني، وان لكل إنسان الحق في العيش وعلى الآخرين احترام حياته وعدم تعريضها للمخاطر، وفقا لهذا المبدأ لا يحق لإنسان قتل غيره اعتباطاً ودون مبرر، أو عدم استفراغ  الوسع في الحفاظ على حياته[17].

إن حق الشخص في الحياة لصيق به، غير مقبول إهداره في زمن السلم لا من قبل الشخص نفسه كالانتحار، ولا من قبل أي فرد، كما أن هذا الحق ثابت للجنين أيضا فلا يحق إسقاطه. ويستثنى من ذلك الاشخاص الذين صدر في حقهم عقوبة الإعدام من طرف المحاكم المختصة، طبقا لقانون البلد الذي لم يلغ هذه العقوبة، كما أن هذه العقوبة يستثنى منها كذلك الاشخاص الذين لم يبلغ  سن الثامنة  عشر والمرأة الحامل[18]

وقد جاءت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات لكي تكرس الحق في الحياة لعل من أبرزها:

  • العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 6)
  • ميثاق حقوق الإنسان والشعوب (المادة 4)
  • الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهه (المادة 5)
  • البروتوكول المتعلق بحقوق المرأة في أفريقيا الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 4)
  • الميثاق العربي لحقوق الإنسان (المادة 5، 6)
  • الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (المادة 2)
  • الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته (المادة 1)
  • الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة 4)
  • اتفاقية البلدان الأمريكية لمنع العنف ضد المرأة والمعاقبة عليه والقضاء عليه “اتفاقية بيليم دو بارا” (المادة 4)

كما كرسـت الشرعة الدولية الحق في الحياة في وثائق أممية عديدة هي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (أولا)، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ثانيا) والبرتوكول الاختياري الثاني الملحق به.

أولا- الإعلان العالمي لحقوق الانسان والحق في الحياة:

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو بيان حقوق الإنسان المقبول على أوسع نطاق في العالم. والرسالة الأساسية لذلك الإعلان هي أن لكل إنسان قيمة متأصلة، وقد اعتمدته الأمم المتحدة بالإجماع في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948. ويحدد الإعلان الحقوق الأساسية لكل شخص في العالم بغضِّ النظر عن عنصره أو لونه أو جنسه أو دينه أو رأيه السياسي، أو أي رأي آخر، أو أصله الوطني أو الاجتماعي، أو ثروته أو مولده، أو أي وضع آخر. وينص الإعلان على أن تتعهد الحكومات بتأييد حقوق معينة، ليس فقط بالنسبة لمواطنيها، بل أيضاً بالنسبة لأشخاص في بلدان أخرى. وبعبارة أخرى،فإن الحدود الوطنية لا تمثِّل عائقاً أمام مساعدة الآخرين على التمتع بحقوقهم. ومنذ العام 1948، أصبح الإعلان العالمي هو المعيار الدولي لحقوق الإنسان. وفي العام 1993، عُقد مؤتمر عالمي ضم 171 دولة تمثل 99% من سكان العالم، وأكد المؤتمر إلتزامه من جديد بإحقاق حقوق الإنسان.[19]

وقد نصت في هذا الصدد المادة الأولى من هذا الإعلان على أن جميع الناس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، كما نصت المادة الثالثة منه على “لكل فرد حق في الحياة والحرية وفيي الأمان على شخصه”، أما المادة الخامسة من الإعلان فققد نصت على أن  “لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطَّة بالكرامة”.[20]

وعلى الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو الذي أوحى بالجزء الأكبر من القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه لا يمثل في حد ذاته وثيقة لها قوة القانون. غير أن لهذا الإعلان بصفته إعلان مبادئ عامة، قوة كبيرة في أوساط الرأي العام العالمي. وقد تُرجمت مبادئ الإعلان إلى مبادئ لها قوة قانونية في صيغة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد التزمت الحكومات التي صادقت على هذين العهدين بأن تسنَّ في بلدانها قوانين لحماية تلك الحقوق. غير أن ما يزيد على نصف بلدان العالم لم تصادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ثانيا- حق الحياة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:

اعتمد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام طبقا للقرار 2200 بتاريخ 16 دجنبر 1966. وقد دخل حيز النفاذ على المستوى الدولي بتاريخ 23 مارس 1976 طبقا لمقتضيات المادة 49[21] من هذا العهد[22].

وقد أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أهمية حق الحياة في أنه حق طبيعي للإنسان، لا يجوز نزعه منه بشكل تعسفي إلا بمقتضيات الضرورة (عقوبة الإعدام)، وذلك كنتيجة لارتكاب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد أو جريمة الخيانة الكبرى للوطن فترة الحرب على أن تطبق شروط المحاكمة النزيهة والعادلة في حق المتهم. ولا تطبق هذه العقوبة على المرأة الحامل أو الفرد الذي يقل عمره عن 18 سنة، كذلك لا يجوز نزع الحق في الحياة من الفرد فترة المظاهرات ضد الدولة أو بصورة المحاكمة الصورية[23].

والحق في الحياة مدرج بالمادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وحسبما جاء فيها فإن حق الحياة ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا. ويقتضي حماية هذا الحق إلغاء عقوبة الإعدام، ولذلك فالدول التي لم تلغ هذه العقوبة ملزمة طبقا لما هو مقرر في الفقرة الثانية من المادة 6، بأن لا تحكم بها إلا في الجرائم الأشد خطورة، ولا يجوز تطبيقها إلا بمقتضى حكم صادر عن محكمة مختصة[24]

وحرصت الاتفاقية على ضرورة حماية الإنسان وحرياته العامة بداية بسلامة جسده وحرية الجسد، فمنعت الاسترقاق والأعمال الفردية المنصوص عليها في المادة 8[25]، وحضرت إخضاع أي فرد للتعذيب أو العقوبة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة، كما حضرت المادة 7[26] إخضاع أي شخص دون رضاه الحر للتجارب الطبية أو العلمية[27].  

كما أكدت الفقرة 2 من المادة [28]4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز التذرع بالظروف الاستثنائية، مثل عدم الاستقرار الداخلي أو أية حالة طوارئ عامة أخرى، لتبرير أي انتقاص من حق الفرد في الحياة وأمنه الشخصي. والاعتراف العام بالحق في الحياة لكل شخص، المنصوص عليه في الصكوك الدولية المذكورة آنفاً، يشكل الأساس القانوني لعمل المقرر الخاص. وتتضمن مختلف المعاهدات والقرارات والاتفاقيات والإعلانات الأخرى التي اعتمدتها الهيئات المختصة التابعة للأمم المتحدة أحكاماً تتعلق بأنواع محددة من انتهاكات الحق في الحياة[29].

وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  تتعهد الدول المنظمة إليه أن تكفل لمواطنيها وتضمن لهم حقق الحياة والحرية والأمان الشخصي والحق في محاكمة عادلة، ومنع التوقيف والاعتقالات الكيفية،  وقد اكتسب هذا العهد قوة قانونية ودخل حيز التنفيذ في 23 آدار 1967[30].

أما في فترة النزاعات المسلحة فإن نزع حق الحياة من المقاتلين تتطلبه الضرورة العسكرية، وأن لا يشمل هذا الأمر من لا يحمل سلاح أو المستسلمين أو أسرى الحرب والجرحى والمرضى وغير المقاتلين (المدنيين)[31].


[1]  رجاء مراد الشاوي، حقوق الإنسان في الفكر العربي اٌلإسلامي والفكر العالمي دراسة مقارنة، دار اليازوري العلمية، الطبعة الأولى، سنة 2014، ص 162.

[2]  نجم عبود مهدي السامرائي، مبادئ حقوق الانسان، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 2018، ص 105-106.

[3]  سورة المائدة، الآية 32.

[4]  القصاص في الشريعة الإسلامية هو اقوي ضمان لحق الحياة، ولا ينال منها بتاتا، ذلك أن القصاص حد القتل، وما شرعت الحدود في الإسلام إلا لحماية حقوق الإنسان وحرياته، فهي العقوبات المحددة المنصوص عليها من الله – سبحانه وتعالى – والتي يعتبر تنفيذها عبادة، إذا تأملنا فيها – إلا لحماية هذه الحقوق،  فحد القصاص شرع لحماية حق الحياة، حد الحرابة لحماية حق الأمن الاجتماعي، وحد السرقة لحماية حق التملك، وحد الزنا لحماية حق النسل وبناء الحياة الاجتماعية، وحد القذف لحماية حق الفكر والإرادة   وحماية العقل مما يغتاله من الخمر والمخدرات.

[5]  سورة البقرة، الآية 179.

[6]  طارق عبد المجيد الصرفندي وفرج محمد أبو شمالة، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، دار الخليج، الأردن، الطبعة الأولى، سنة 2016، ص 52-53.

[7]  سورة النساء، الآية 93.                

[8]  قال تعال: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا }  سورة الإسراء، الاية31 .

[9]  محمد حسن أبو يحيى، حقوق الانسان في الإسلام، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، الاردن، الطبعة الأولى، سنة 2011 ص 42

[10]  وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بغرة عبد أو أمة )

[11]  طارق عبد المجيد الصرفندي وفرج محمد أبو شمالة، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، مرجع سابق، ص 53.

[12]  أبو الأعلى المودودي، الإسلام فيي مواجهة التحديات المعاصرة، ترجمة أحمد الحامدى، الطبعة الرابعة، سنة 1980، ص 237.

[13]  سورة الإسراء الاية 33.

[14]  وروى البخاري ومســـلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وســـلم قال: ( من تردى من جبل فَقَتَلَ نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سُماً فقتل نفسه، فسُمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) .

[15]  سورة النساء، الاية 29.

[16]  صحيح البخاري، ص 1365.

[17]  محمد رضا باقر زادة، أسس القانون الدولي الإنساني في الاسلام، ضمن مؤلف جماعي بعنوان، الاسلام والقانون الدولي الإنساني: دراسات مقارنة، مركز الحضارة لتنمية الفكلا الاسلامي،  بيروت، الطبعة الثالثة، سنة 2017، ص113

[18]  أبو عبد الملك سعود بن خلف النويميس، القانون الدولي العام، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض،الطبعة الأولى، سنة 2014، ص489

[19]  منصور الرفاعي، الاسلام وموقفه من العنف والتطرف والارهاب، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة 1987، ص 13.

[20]  نجم عبود مهدي السامرائي، مبادئ حقوق الانسان، مرجع سابق،ص 106-107

[21]  تنص المادة 49 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على:

1. يبدأ نفاذ هذا العهد بعد ثلاث أشهر من تاريخ إيداع صك الانضمام أو التصديق الخامس والثلاثين لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

2. أما الدول التي تصدق هذا العهد أو تنضم إليه بعد أن يكون قد تم إيداع صك التصديق أو الانضمام الخامس والثلاثين فيبدأ نفاذ هذا العهد إزاء كل منها بعد ثلاث أشهر من تاريخ إيداعها صك تصديقها أو صك انضمامها.

[22]  عبد العزيز لعروسي، التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان: ملاءمات قانونية ودستورية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الأولى، سنة 2014، ص 163.

[23]  راجع المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.

[24]  عبد القادر الأعرج، السياسة التشريعية والقضائية وإشكالية حماية حقوق الإنسان بالمغرب، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، سنة 2011-2012، ص 127-128.

[25]  تنص المادة 8 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 على:

  1. لا يجوز استرقاق أحد، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما.
  2. لا يجوز إخضاع أحد للعبودية…

[26]  تنص المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 على ” لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر.

[27]  نجم عبود مهدي السامرائي، مبادئ حقوق الانسان، مرجع سابق، ص 107.

[28]  تنص الفقرة 2 من المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على:

  • لا يجيز هذا النص أي مخالفة لأحكام المواد 6 و 7 و 8 (الفقرتين 1 و 2) و 11 و 15 و 16 و 18…

[29]  انظر E/CN.4/1993/46

[30]  عبد القادر محمد فهمي، النظريات الجزئية والكلية في العلاقات الدولية، دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، سنة 2010، ص 164.

[31]  بلال علي النسور ورضوان محمود المجالي، الوجيز في القانون الدولي الإنساني، ما بين الإعتبارات القانونية والسياسية جوانب نظرية وتطبيقية، الأكاديميون للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، سنة 2012، ص 60

إقرأ أيضاً

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية Work …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *