الجهة كجماعة ترابية لتحقيق التنمية

الجهة كجماعة ترابية لتحقيق التنمية

أبوبكر الناصري الشرقاوي

          دكتور في الحقوق

 كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

-المحمدية-

من الواضح أن المشرع المغربي قد استفاد من التجارب السابقة خصوصا بعد صدور القانون التنظيمي الجديد 111.14 المنظم للجهة الذي دشن لمرحلة جديدة من خلال تجاوزه للاختلالات التي كانت تعتري التجربة الجهوية السابقة، فالرهان على الجهة اليوم هو رهان على التنمية الشاملة، لما ستتيحه الجهة من تحقيق التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي لكافة المناطق، ولأجل هذه الغاية فقد حدد القانون الجديد صلاحيات جد واسعة ومهمة في عدة مجالات٬ كما نظم النظام المالي للجهة (المطلب الأول).

ولعل أولى ملامح وضع لبنات مشروع الجهوية المتقدمة هو اعتماد المغرب لتقسيم ترابي جديد سنة 2015 قلص بموجبه عدد الجهات من 16 إلى 12جهة (المطلب التاني).

لقد ثمن العديد من المتتبعين والمختصين ما تضمنه القانون التنظيمي الجديد للجهات، بالنظر لأهمية المقتضيات التي جاء بها، غير أنهم انتقدوا ذات المشروع لما اعتبروه من سلبيات شابت بعض مقتضياته، حتى ذهب البعض لاعتبارها إخفاقات وتراجعات عن الوثيقة الدستورية. (المطلب التالت).

المطلب الأول: الإمكانيات القانونية والمالية للجهة في ظل قانون 111.14

تعرف المادة الثالثة من القانون رقم 114.14 الجهة، بأنها جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، وتشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة باعتباره تنظيماً لا مركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة[1].

إن أهمية الجهة كإطار ملائم لتحقيق التنمية  الاقتصادية والاجتماعية والسياسية دفع المشرع المغربي من خلال القانون الجديد إلى توسيع اختصاصات المجالس الجهوية (فقرة 1) ومنحها إمكانيات مالية حتى تضطلع بأدوارها التنموية (فقرة2)

الفقرة الأولى: الإمكانيات القانونية للجهة

يمكن القول على أن الجهة أصبحت تتوفر على الإطار القانوني اللازم لتحقيق التنمية المندمجة[2]، فقد خص المشرع الجهة باختصاصات جديدة وتقريرية، مما يفتح أمامها آفاقاً عريضة للتدخل في كل مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وهي إما اختصاصات ذاتية (أولا)، واختصاصات مشتركة مع الدولة (تانيا) ثم اختصاصات منقولة(تالتا)

أولا: الاختصاصات الذاتية للجهة

تشتمل الاختصاصات الذاتية على الاختصاصات الموكولة للجهة في مجال معين بما يمكنها من القيام، في حدود مواردها، وداخل دائرتها الترابية، بالأعمال الخاصة بهذا المجال، ولا سيما التخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة.

وهي تشتمل على المجالات التالية:

أ)– التنمية الاقتصادية:

–         دعم المقاولات ؛

–          توطين وتنظيم مناطق للأنشطة الاقتصادية بالجهة؛

–         تهيئة الطرق والمسالك السياحية في العالم القروي؛

–         إنعاش أسواق الجملة الجهوية؛

–         إحداث مناطق للأنشطة التقليدية والحرفية؛

–         جذب الاستثمار ؛

–          إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية. 

ب)- التكوين المنهي والتكوين المستمر والشغل:

–         إحداث مراكز جهوية للتكوين وكذا مراكز جهوية للتشغيل وتطوير الكفاءات من أجل الإدماج في سوق الشغل ؛

–         الإشراف على التكوين المستمر لفائدة أعضاء المجالس وموظفي الجماعات الترابية.

ج) -التنمية القروية:

–         إنعاش الأنشطة غير الفلاحية بالوسط القروي ؛

–         بناء وتحسين وصيانة الطرق غير المصنفة.

د) -النقل :

–         إعداد تصميم النقل داخل الدائرة الترابية للجهة ؛

–          تنظيم خدمات النقل الطرقي غير الحضري للأشخاص بين الجماعات الترابية داخل الجهة. 

ه)- الثقافة:

–         الإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها ؛

–         تنظيم المهرجانات الثقافية و الترفيهية.

و)- البيئة :

–         تهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية ؛

–         وضع استراتيجية جهوية لاقتصاد الطاقة والماء ؛

–         إنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة.

ز)- التعاون الدولي.

        يمكن للجهة إبرام اتفاقيات مع فاعلين من خارج المملكة في إطار التعاون الدولي وكذا الحصول على تمويلات في نفس الإطار بعد موافقة السلطات العمومية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

 لا يمكن إبرام أي اتفاقية بين جهة أو مجموعة جهات أو مجموعة الجماعات الترابية ودولة أجنبية[3].

تانيا: الاختصاصات المشتركة مع الدولة

     وهي اختصاصات لم يكن منصوص عليها في القانون السابق وتمارس الجهة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة حسب القانون الجديد في المجالات التالية:

أ)- التنمية الاقتصادية :

–         تحسين جاذبية المجالات الترابية وتقوية التنافسية ؛

–         التنمية المستدامة ؛

–          الشغل ؛

–          البحث العلمي التطبيقي. 

ب)- التنمية القروية:

–         تأهيل العالم القروي ؛

–         تنمية المناطق الجبلية ؛

–         تنمية مناطق الواحات ؛

–         إحداث أقطاب فلاحية ؛

–          تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء وفك العزلة. 

ج)- التنمية الاجتماعية:

–         التأهيل الاجتماعي ؛

–          المساعدة الاجتماعية ؛

–         إعادة الاعتبار للمدن والأنسجة العتيقة ؛

–         إنعاش السكن الاجتماعي ؛

–         إنعاش الرياضة والترفيه. 

د)- البيئة:

–         الحماية من الفيضانات ؛

–         الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي ومكافحة التلوث والتصحر ؛

–         المحافظة على المناطق المحمية ؛

–         المحافظة على المنظومة البيئية الغابوية ؛

–         المحافظة على الموارد المائية. 

ه)- الثقافة:

–         الاعتناء بتراث الجهة والثقافة المحلية ؛

–          صيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية ؛

–         إحداث وتدبير المؤسسات الثقافية. 

و)- السياحة:

–         إنعاش السياحة.

 وقد نصت المادة 92[4] من القانون الجديد على أن الاختصاصات المشتركة بين الجهة والدولة تمارس بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة.

تالثا: الاختصاصات المنقولة

تشمل الاختصاصات المنقولة الاختصاصات التي تنقل من الدولة إلى الجهة بما يسمح بتوسيع الاختصاصات الذاتية بشكل تدريجي. وتحدد مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة إلى الجهة، اعتمادا على مبدأ التفريع ، وتشمل هذه المجالات بصفة خاصة[5] :

–         التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي ؛

–          الصناعة ؛

–          الصحة ؛

–          التجارة ؛

–          التعليم ؛

–          الثقافة ؛

–          الرياضة ؛

         –         الطاقة والماء والبيئة.

     يتضح إدن أن الجهة  أصبحت  تتوفر على اختصاصات مهمة مقارنة مع التجربة السابقة إلا أن منح الاختصاصات يبقى بدون جدوى إدا لم يرافقه توفير الموارد والإمكانات  المالية  الكفيلة بتمكين الجهة من القيام بالدور المنوط بها في المجال التنموي .

الفقرة التانية: الإمكانيات المالية للجهة

عمل القانون التنظيمي للجهات على تطوير ماليتها بما يمكنها من تحقيق مشاريعها وفق قواعد التدبير العصري، حيت تتوفر الجهة لممارسة اختصاصاتها على موارد مالية ذاتية وموارد مالية ترصدها لها الدولة وحصيلة الاقتراضات.

فحسب المادة 186 من القانون المنظم للجهات، يتعين على الدولة أن تقوم بموجب قوانين المالية، برصد موارد قارة وكافية للجهات من أجل تمكينها من ممارسة الاختصاصات الذاتية المخولة لها بموجب أحكام القانون التنظيمي. وتتوفر الجهات لممارسة اختصاصاتها على موارد مالية ذاتية وموارد مالية ترصدها لها الدولة وكذا ما تحصله من اقتراضات لتنفيذ برامجها.   
وترصد الدولة للجهات، بموجب قوانين المالية، بصفة تدريجية، نسبا محددة في 5 % من حصيلة الضريبة على الشركات، و5 % من حصيلة الضريبة على الدخل، و%20 من حصيلة الرسم على عقود التأمين، تضاف إليها اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة في أفق بلوغ سقف 10 ملايير درهم سنة  2021[6].        
ويمكن، أيضا للجهات، أن تستفيد من تسبيقات تقدمها الدولة في شكل تسهيلات مالية في انتظار استخلاص المداخيل الواجب تحصيلها برسم الموارد الضريبية وبرسم حصتها من ضرائب الدولة.

و تشتمل الموارد الذاتية للجهة على:

–         حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب الدولة المخصصة للجهة بمقتضى قوانين المالية، ولاسيما فيما يتعلق بالضريبة على الشركات و بالضريبة على الدخل، والرسم على عقود التأمين، طبقا لأحكام المادة 188 أعلاه؛

–         المخصصات المالية من الميزانية العامة للدولة المشار إليها في المادة 188 أعلاه؛

–         حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهة في تحصيلها طبقا للتشريع الجاري به العمل؛

–         حصيلة الأتاوى المحدثة طبقا للتشريع الجاري به العمل؛

–         حصيلة الأجور عن الخدمات المقدمة، طبقا لمقتضيات المادة 98 من هذا القانون التنظيمي؛

–          حصيلة الغرامات طبقا للتشريع الجاري به العمل؛

–         حصيلة الاستغلالات والأتاوى وحصص الأرباح، وكذلك الموارد وحصيلة المساهمات المالية المتأتية من المؤسسات والمقاولات التابعة للجهة أو المساهمة فيها ؛

–         الإمدادات الممنوحة من قبل الدولة أو الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام؛

–         حصيلة الاقتراضات المرخص بها ؛

–         دخول الأملاك والمساهمات ؛

–         حصيلة بيع المنقولات والعقارات ؛

–          أموال المساعدات والهبات و الوصايا؛

         –         مداخيل مختلفة والموارد الأخرى المقررة في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل[7].

                 كما يمكن للجهات الحصول على تسبيقات مالية تقدمها الدولة في شكل تسهيلات في انتظار استخلاص المداخيل الواجب تحصيلها برسم الموارد الضريبية وبرسم حصتها من ضرائب الدولة[8].

يتضح مما سبق على أن قانون111-14 مكن الجهات من موارد مالية كافية على اعتبار أن توفير هذه الموارد تبقى مسألة أساسية تصب في أن تكون أكثر استقلالية بمعزل عن الدولة، وأن تظطلع بشكل أفضل بالأدوار التنموية الموكولة لها.

المطلب التاني: التقطيع الترابي للجهات

     يشكل التقسيم الترابي للجهات الإطار الأمثل لتفعيل سياسة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إذ تعد الجهة بمساحاتها الجغرافية وإمكانياتها البشرية والمالية والتنظيمية آلية تمكن من إعطاء انطلاقة صحيحة ومستدامة لمسلسل هذا النوع من التنمية، والذي يمكن أن يؤثر إيجابيا على محيطها الداخلي المباشر، وكذلك على المحيط الخارجي والذي يمكن أن يتعدى حدود التراب الوطني.

    ونظرا لأهمية التقسيم الجهوي (الفقرة الأولى)٬ فقد تبنى المغرب تقسيما ترابيا جديدا سنة2015 قلص بموجبه عدد الجهات من 16 إلى 12جهة (الفقرة التانية).

الفقرة الأولى أهمية التقطيع الجهوي

يعتبر التقسيم الترابي مسألة هامة لها ارتباط وثيق بالمجال وتنظيمه، كما يعتبر وسيلة من وسائل التحكم الإداري والسياسي في المجال حيث يهدف أساسا إلى تمكين بسط السلطة العمومية على كل التراب الوطني من خلال تواجد ممثلين للسلطة في مختلف عناصر التراب. كما يلعب دورا أساسيا في خلق علاقات بين المجتمع والمجالس ومن ثم فمن الضروري تحقيق توازنات سوسيواقتصادية وتوازنات مجالية، وأيضا إيجاد تنظيمات إدارية داخل المجتمع على شكل وحدات أو هيئات ترابية، يعترف لها بسلطة القيام بمهام وإختصاصات معينة في إطار حدود قانونية يرسمها المشرع في نطاق توزيع الإختصاصات على مختلف المؤسسات الإدارية [9].

وضمن التقسيمات الترابية للمملكة نجد التقسيم الجهوي الذي سبق وأن تطرقنا في فقرة سابقة- إلى مجمل الإختلالات التي يعاني منها فمغرب الجهات الستة عشر لم يحقق ما كان منتظرا منه، بالرغم من أن هذا التقسيم الجهوي حاول ما أمكن خلق توازن واضح  بين جميع الجهات التي أحدثها وذلك بناء على معطيات ومعايير متعددة…، إلا أن إعتماد معايير ومقاييس محددة للتقسيم أمر جد صعب خصوصا في بلد يتميز بتنوع تضاريسه ومؤهلاته الطبيعية والثقافية والإقتصادية، إلا أن هذه الصعوبات تضمحل أمام الضرورة الملحة التي تؤكد على أن الجهة هي الإطار الأنسب والأكثر ملاءمة لكل عمل تنموي، خصوصا أمام عجز الدولة عن القيام وحدها بالدور التنموي بشكل شامل وعادل ودون خلل[10] .

فالتقطيع هو الإطار الجغرافي للسياسة الجهوية، وحتى يمكن إقامة تقطيع يضمن بلورة هذه السياسة ويكفل شروط نجاحها، فمن الضروري أن يعتمد على أسس موضوعية، وأن يأخذ بعين الإعتبار مختلف المعطيات المحلية ويدمج متطلبات التنمية الوطنية، فالتقطيع هو أساس البناء الجهوي، فعلى كيفية وضعه يتوقف مستقبل التنظيم الجهوي  برمته، فليس هناك تقطيع مثالي خالي من العيوب والإنتقادات، ومن الصعب بلورة بديل يستجيب لكل الرغبات والطموحات، فلا بد من الإقرار بحد أدنى من ” التعسف” عند وضع الخريطة الجهوية لأن الأمر يتعلق بمجال جغرافي وبشري واقتصادي يصعب في الكثير من الأحيان الفصل بين مكوناته رغم الخصوصيات التاريخية والطبيعية [11].

إن إشكالية التقسيم لازالت مطروحة في البلدان المتقدمة بحدة أقل، مما دفع ISRAD(1975) إلى الفصل بين الحدود الإدارية وبين الحدود الفعلية للقضايا التنموية المطروحة قائلا : في بعض الحالات نترك الأحداث ترسم جهات أخرى عندما لا تتلاءم النطاقات الموجودة من المشكل المطروح [12].

ومن هنا علينا أن نستنجد بالجغرافية الفرنسية Beaujeu –Garnier التي جعلت الجهة أداة للحركة بمعنى أنها مجال خاضع لقرارات التخطيط [13] أي أن الجهة قرار إداري سياسي يجعلها هدفا بدل أن تكون إطارا[14] .

    وهناك من يتحدث عن ضرورة إستحضار المعيار الثقافي في تحديد الجهات وتوزيع مجالاتها، ذلك لكون التقسيم الجهوي ركز على المعيار التنموي الإقتصادي والمعيار الديمقراطي التمثيلي إلى جانب المعيار الجغرافي والسكاني، ولم يحاول الإستفادة من تجاربه السابقة التي كان إهمال الثقافي فيها أحد عناصر فشلها وأحد أسباب تعميق الفوارق الجهوية وداخل الجهة الواحدة، لذلك تصبح العلاقة بين مكونات الجهة غالبا مصطنعة يصعب إندماجها وأحيانا يستحيل، لهذا فقد اعتمدت التجارب الجهوية الناجحة على المعيار الثقافي إلى جانب المعايير الأخرى في ربط الأقاليم المتجاورة  كما في إسبانيا [15].

ونعتقد أن جهوية 1997 كانت تحكمها الظرفية إذ أنها كانت جهوية سياسية بالأساس وأن الملك الحسن الثاني صرح بعد التقطيع بأنها مؤقتة يمكن مراجعتها لأنها ظرفية حيث صرح أيضا فيها المغفور له بأن المغرب مقبل على سكتة قلبية لاقدر الله، وأنه يتأهب لمرحلة الإنتقال السلمي للسلطة وعليه يجب ضبظ وإحكام الأمن والإستقرار، فكان التقطيع سياسيا معتمدا للتوازنات بتوزيع  مجالات الأمن والإستقرار، أما اليوم وقد صار عمر هذه الجهوية أزيد من 12 سنة، فيظهر أن نتائجها الإقتصادية غير مقنعة وتأثيراتها الإجتماعية غير مرضية وأهدافها الساسية قد تغيرت لهذا لم تعد ملائمة للمستجدات الجهوية والوطنية والدولية مما يظهر حاليا أن المغرب في حاجة لتقطيع جديد[16].

وهذا بالضبط ما أكد عليه صاحب الجلالة محمد السادس في إطار مشروع الجهوية الموسعة والمتقدمة، أي ضرورة مراجعة التقسيم ومما جاء في الخطاب الملكي “كما أن نجاح الجهوية رهين بإعتماد تقسيم ناجح يتوخى إقامة مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا “.

                   فقد عرف المغرب مؤخرا عدة تطورات على رأسها مقترح الحكم الذاتي بخصوص الأقاليم الجنوبية في إطار نظام جهوي متقدم، وبالتالي لم تعد الجهة جهة  وطنية بل عليها أن تصبح جهة جهوية مغاربية ودولية كذلك، كما أننا اليوم في زمن الرشادة والحكامة وغيرهما من المفاهيم الجديدة على مستوى تدبير الإقتصاد والمجتمع وزمن الركائز اللوجيستيكية وأقطاب الإمتياز والنقل المتداخل الأنماط وغيرها من أشكال تدبير المجال الجديدة التي طرحتها العولمة الجيدة تفرض تعاملات جديدة تتمحور حول مبدأ ” تدخلات محلية بمنظور عولمي تعتمد فكر وإستراتيجية دينامية مثرية بالمكونات المحلية والجهوية المندمجة، كلها مجموعة تطورات تفرض ضرورة إعادة هيكلة التراب الوطني داخليا عبر جهاته وما يتوافق والنظام الجديد[17] .

لقد أظهرت تجارب الدول التي سبقتنا في ميدان اللامركزية والجهوية وخاصة الأوروبية والتي أصبحت فيها الجهات تتمتع بسلطات كبيرة بما فيها إقامة علاقة شراكة وتعاون مع الدول أنه كلما كانت الجهات كبيرة وقوية كلما كانت حظوظهما في التطور والتقدم مهمة كما في ألمانيا التي تعتبر العملاق الأوروبي، لهذا نجد فرنسا تفكر بجد في تقليص عدد الجهات إلى 8 أو 10 نظرا لما يفرضه البناء الأوروبي  من إعادة النظام في الهيكلة الترابية وخلق جهات ذات  حجم أوربي[18]. فالجهات الصغيرة والضعيفة لا يمكن لها أن تحقق التضامن والتكامل بينها، كما لا يمكن أن تواجه التحديات الإقتصادية التي تطرحها اليوم عولمة الإقتصاد وأيضا البناءات الإقتصادية الجهوية، فالجهات القوية والديناميكية هي وحدها التي ستضمن وسائل تنميتها وقادرة على مواجهة كل أشكال التنافس الجديد التي يفرزها تطور العالم في الوقت الحاضر[19]. من هذا المنطلق نجد أن المغرب قد تبنى تقسيما ترابيا جديدا سنة2015   قلص بموجبه عدد الجهات من 16 إلى 12جهة.

الفقرة التانية: التقطيع الجهوي الجديد

    لقد تبنى المغرب تقسيما ترابيا جديدا قلص من عدد جهات المملكة لتنتقل من 16 إلى 12 جهة، وذلك وفق المرسوم رقم 2.15.40 الصادر بتاريخ 20 فبراير 2015 والذي حدد عدد الجهات وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها. كما أعاد توزيع العمالات والأقاليم بناءا على معايير تقنية توفق بين الأهداف المتوخاة من الجهوية المتقدمة وحقائق هيكلة التراب الوطني.

 ووفق التقسيم الجديد[20] فإن عدد العمالات والأقاليم بكل جهة، يتراوح ما بين إقليمين، كما هو الحال بجهة الداخلة وادي الذهب، وتسعة أقاليم، كما هو الحال بالنسبة لجهتي فاس مكناس والدار البيضاء سطات. بينما يتراوح العدد الإجمالي لسكان كل جهة ما بين 152 ألف نسمة وأكثر من 6 ملايين نسمة. 
        واحتفظت الأقاليم الجنوبية للمملكة على ثلاث جهات[21]، كما كانت في السابق، مع إعادة تسميتها، وهي جهة الداخلة وادي الذهب، وتضم إقليمي أوسرد وواد الذهب، وهي الجهة الوحيدة التي بقيت كما كانت في السابق ولم يطلها أي تغيير سوى في التسمية، ثم جهة العيون الساقية الحمراء وتضم العيون وبوجدور، وأضيف لها إقليم طرفاية المحدث أخيرا، وإقليم السمارة التابع في التقسيم لجهة كلميم السمارة، ثم جهة كلميم واد نون، وتضم أقاليم كلميم وطانطان وآسا الزاك، وإقليم سيدي إفني الحديث. 
        وعلى مستوى التوزيع السكاني فإن الأقاليم الصحراوية الثلاثة تضم أقل نسبة من عدد السكان بالمغرب حيث لا يتجاوز عدد إجمالي جهة الداخلة وادي الذهب 152 ألف نسمة، وهي أدنى نسبة، بينما يصل إجمالي عدد السكان بجهة العيون الساقية الحمراء 364 ألف نسمة، وبجهة كلميم واد نون يصل إجمالي السكان 428 ألف و857 نسمة.
وألحق إقليم طاطا بجهة سوس ماسة، بعد ما كان سابقا بجهة كلميم السمارة، وحل محل ورزازات التي ألحقت بدورها بجهة درعة تافيلالت. 
        وأصبحت الجهة الأولى (سوس ماسة) تضم كلا من عمالتي أكادير إداوتنان وإنزكان أيت ملول، وأقاليم اشتوكة أيت باها وتيزنيت وتارودانت وطاطا، فيما أصبحت الجهة الثانية تضم كلا من ورزازات والراشيدية وفكيك وتنغير وزاكورة. [22] 
وحسب التوزيع السكاني بالجهتين فإن جهة سوس ماسة تضم إجمالي سكان يتجاوز مليونين و475 ألف نسمة، بينما يتجاوز عدد سكان جهة تافيلالت درعة مليون و392 ألف نسمة.
      كما أدمجت الجهة الشرقية وجزء من جهة تازة تاونات الحسيمة سابقا في جهة واحدة وفق التقسيم الترابي الجديد، أصبحت تسمى جهة الشرق والريف، مع إعادة توزيع العمالات والأقاليم بهذه الجهة، بعد أن ألحق بها إقليم الحسيمة. وتضم هذه الجهة 8 عمالات وأقاليم تضم أزيد من مليوني و434 ألف نسمة. 
     وأدمجت جهات فاس بولمان ومكناس تافيلالت والجزء الثاني من جهة تازة تاونات الحسيمة سابقا في جهة واحدة تحمل اسم جهة فاس مكناس، وتضم 9 عمالات وأقاليم، هي عمالتي فاس ومكناس، وأقاليم إفران والحاجب ومولاي يعقوب وصفرو وتازة وتاونات، بإجمالي سكان يصل إلى 4 ملايين و22 ألف نسمة. 
     وقد تم جمع جهتي الرباط سلا زمور زعير والغرب الشراردة بني احسن سابقا، في جهة واحدة هي جهة الرباط – سلا – القنيطرة، تمتد من حدود جهة طنجة إلى الرباط، وتضم 7 عملات وأقاليم بإجمالي سكان يتجاوز 4 ملايين و272 ألف نسمة.  
      وأضحت جهة طنجة تطوان، بحكم التقسيم الجديد تضم 7 عمالات وأقاليم بعد أن أضيف إليها إقليم وزان حديث النشأة. وتضم هذه الجهة إجمالي سكان يقدر بحوالي 2 مليون و830 ألف نسمة. أما جهة الدار البيضاء سطات، أكبر الجهات من حيث عدد السكان بأزيد من 6 ملايين نسمة، فقد أصبحت تضم بالإضافة إلى الدار البيضاء الكبرى، كل من سطات وسيدي بنور والجديدة وبنسليمان وبرشيد ومديونة والنواصر.
       وألغيت جهة بني ملال تادلة أزيلال، وحلت محلها جهة بني ملال خنيفرة، والتي تضم كلا من أقاليم يني ملال وأزيلال والفقيه بنصالح وخريبكة، بالإضافة إلى خنيفرة، التي كانت تابعة لجهة مكناس تافيلالت، وإقليم ميدلت حديث العهد الذي كان يحسب في نفس الجهة[23]. ويبلغ تعداد سكان هذه الجهة أكثر من 2 مليون و611 ألف نسمة. 
وأضحت جهة مراكش تانسيفت الحوز تحمل اسم مراكش آسفي، حيث ألحق بها كل من إقليمي آسفي واليوسفية، بالإضافة إلى العمالات والأقاليم التي كانت مكونة لها. وتضم هذه الجهة إجمالي سكان يصل إلى 4 ملايين و108 آلاف نسمة. 
     وحسب التقسيم الجهوي الجديد، فإن ثلاث جهات فقط هي التي لا تتوفر على منفذ بحري، ويتعلق الأمر بكل من جهة درعة تافيلالت، التي تعتبر ثاني أكبر الجهات مساحة، بعد جهة العيون الساقية الحمراء، ثم جهة بني ملال خنيفرة، وجهة فاس مكناس. 
      أما جهة العيون الساقية الحمراء فتتصدر قائمة الجهات من حيث المساحة بحوالي 140 ألف كلم مربع، تمثل 19.70 في المائة من مجموع التراب الوطني، تليها جهة درعة تافيلالت بزهاء 132 ألف كلم مربع، تمثل 18.60 في المائة، ثم جهة الداخلة وادي الذهب بأقل من 131 ألف كلم مربع وتمثل 18.41 في المائة. بينما تشكل جهة طنجة تطوان أصغر الجهات مساحة بحوالي 13 ألف و712 كلم مربع تمثل 1.93 في المائة، ثم جهة الرباط سلا القنيطرة بحوالي 18 ألف كلم مربع تمثل 2.56 في المائة، فجهة الدار البيضاء سطات بمساحة تصل إلى 19 ألف و944 كلم مربع تمثل 2.74 في المائة.

ويبين الجدول التالي قائمة الجهات وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها:

تسمية الجهةمركز الجهةالعمالات والأقاليم المكونة للجهة
الرباط – سلا – القنيطرةالرباطالرباط، سلا، الصخيرات-تمارة،القنيطرة، الخميسات، سيدي قاسم، سيدي سليمان
الدار البيضاء – سطاتالدار البيضاءالدار البيضاء، المحمدية، الجديدة، النواصر، مديونة، بنسليمان، برشيد، سطات، سيدي بنور
بني ملال – خنيفرةبني ملالبني ملال، أزيلال، الفقيه بن صالح، خنيفرة، خريبكة
مراكش – اسفيمراكشمراكش، شيشاوة، الحوز، قلعة السراغنة، الصويرة، الرحامنة، اسفي، اليوسفية
كلميم – واد نونكلميمكلميم، اسا-الزاك، طانطان، سيدي افني
طنجة – تطوان – الحسيمةطنجة-اصيلةطنجة-اصيلة، المضيق-الفنيدق، تطوان، الفحص-انجرة، العرائش، الحسيمة، شفشاون، وزان
الشرقوجدة-انكادوجدة-انكاد، الناضور، الدريوش، جرادة، بركان، تاوريرت، جرسيف، فجيج
فاس – مكناسفاسفاس، مكناس، الحاجب، افران، مولاي يعقوب، صفرو، بولمان، تاونات، تازة
درعة – تافيلالتالرشيديةالرشيدية، ورزازات، ميدلت، تنغير، زاكورة
سوس – ماسةاكادير اداوتاناناكادير اداوتانان، انزكان ايت ملول، اشتوكة ايت باها، تارودانت، تيزنيت، طاطا
العيون – الساقية الحمراءالعيونالعيون، بوجدور، طرفاية، السمارة
الداخلة – وادي الذهبوادي الذهبوادي الذهب، اوسرد

المصدر: المرسوم رقم 2.15.40 الصادر بتاريخ 20 فبراير 2015

كما تبين الخريطة التالية الجهات الجديدة وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها:

المصدر: المرسوم رقم 2.15.40 الصادر بتاريخ 20 فبراير 2015

المطلب الثالث : ملاحظات أولية حول القانون التنظيمي الصادر في 7 يناير 2015

بالرغم من كون المغرب قد بذل، منذ انخراطه المباشر في سياسة “الجهوية”، جهودا كبيرة لدعم هذه السياسة، ولا سيما على المستوى التشريعي والمسطري، منذ 1971 إلى 1976، إلى التقسيم الجهوي لسنة 1996، فإن تلك الجهود لم تفض إلى كل النتائج الإيجابية التي كانت منتظرة منها.

ولعل من أهم أسباب ذلك كون هذه التجربة لم تكن في مجتمعنا مندرجة في إطار رؤية شمولية متكاملة للتخطيط والبرمجة والتنظيم المجتمعي. وكما أسلفنا، فإن “الجهوية” كآلية تدبيرية وعقلانية حديثة قد انخرطت في إطار المجتمعات المتقدمة ضمن فلسفة تنموية واجتماعية واقتصادية وسياسة محددة، واضحة الأهداف والمقاصد، وقائمة على قيم ومعايير منسجمة مع مطالب وخصوصيات السياق السوسيوثقافي الذي تنتمي إليه.          

ورغم المستجدات الإيجابية التي جاء بها القانون التنظيمي الجديد حول الجهة 111/14، والتي حاول من خلالها تجاوز اختلالات التجربة الجهوية السابقة، فإنه لا يخلو من اختلالات لاسيما على مستوى الاختصاصات ( فقرة أولى)، وعلى مستوى الرقابة ( فقرة تانية):

الفقرة الأولى : على مستوى الاختصاصات

حسب  الفصل 136[24] من الدستور، الذي  ينص على أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبدأ التدبير الحر، بمعنى أن تمارس الجماعات الترابية اختصاصاتها في إطار النصوص القانونية، ليبقى للدولة حق المراقبة البعدية.  فهي تمنح نوعا من الحرية للجهة في ممارسة اختصاصاتها وتمتعها بحرية التصرف في الموارد المتاحة لها قانوناً، مع الحفاض على حق مساءلتها عن النتائج المنجزة.

وهو ما يفهم منه إلغاء الوصاية الممارسة على أعمالها، وكل أشكال الرقابة المتعلقة باختياراتها، على اعتبار انحصار أدوار ممثلي السلطة المركزية في علاقتهم بالجماعات الترابية وعلى رأسها المجالس الجهوية، في مساعدة رؤساء هذه الأخيرة على ممارسة صلاحياتهم.

    من جانب آخر، تنص المادة 4 من القانون التنظيمي الجديد[25] على أن تدبير الجهة لشؤونها يرتكز على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جهة، في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القسم الثاني من هذا القانون، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه[26]

                وبقراءة بسيطة لهذه الاختصاصات، نجدها غير واضحة ويسودها غموض كبيرمما يكون معه مصدرا لتشتت الجهود وهدر الموارد، وقد استعمل المشرع عدة عبارات غامضة مثل دعم المقاولات، إنعاش السياحة، جذب الاستثمار، إنعاش التشغيل، إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية، التكوين المهني، الإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها، ويزداد الأمر غموضا عند مقارنة المهام الجهوية الذاتية باختصاصات الجهة في إنعاش التشغيل والاستثمارات والمهام المسندة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات والمراكز الجهوية للاستثمار، و كيف يمكن فهم دور الجهة في مجال التكوين المهني عند الحديث عن المكتب الوطني للتكوين المهني[27].

                إن عدم وضوح اختصاصات كل جماعة ترابية، سينتج عنه تداخل وتضارب الاختصاصات بين كل المتدخلين في مجال ترابي معين “جماعة-إقليم/عمالة-جهة”.

                 لقد  ذهبت بعض التحليلات إلى أن القانون التنظيمي لا يتضمن في عدد من مقتضياته إعمالا فعليا لمبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور، بيد أن عددا من مقتضيات المشروع تحمل توسيعا لمجال المراقبة الإدارية المنصوص عليها في الفصل 145 من الدستور على حساب مبدأ التدبير الحر[28] كما أنّ المشروع لم يتخلَّ عن الحذر والتدرج في التعامل مع مشروع الجهوية. كما يرى البعض الآخر بأن مفهوم التدبير الحر تم إفراغه من مضمونه كما يتضح من غياب الدقة في تحديد الصلاحيات، إضافة إلى أن المشروع  يقوم على اعتبار المنتخبين في درجة أدنى من بقية الفاعلين[29]

الفقرة الثانية : على مستوى الرقابة

كرس القانون التنظيمي الجديد سلطة الوالي على سلطة رئيس المجلس الجهوي مع تشديد الرقابة المالية، وهو مايعتبر تراجعا  بالنظر لما جاء به دستور2011 خاصة في ممارسة الرقابة الإدارية من طرف الولاة والعمال ، حيت ينص الفصل 145 منه على أنه: ”….يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية”.

 أولا : الرقابة الإدارية
   في هذا الإطار، يقدم القانون التنظيمي الجديد  في سياقات مختلفة، نسقا من العلاقة بين مؤسسة رئيس الجهة وسلطة الوصاية، يختلّ فيها التوازن بشكل يمكن اعتباره مائلا لصالح الأخيرة. وهذا ما يظهر حسب هذا الاتجاه بشكل خاص، من خلال معاينة التفاوت في صلاحيات رئيس المجلس الجهوي ووالي الجهة لصالح هذا الأخير في المجالات المتعلقة باتخاذ القرار الجهوي.

لقد أبقى القانون التنظيمي على ممارسة الرقابة الإدارية من طرف سلطة الوصاية تحت المراقبة القضائية، وذلك على غرار القانون رقم 96-47 الصادر في 1997 مع بعض التعديلات الطفيفة، فتطبيقا لمقتضيات الفصل 145 من الدستور، يمارس والي الجهة مهام المراقبة الإدارية على الجوانب المرتبطة بشرعية قرارات ومقررات الجهة، ويتم البث في النزاعات المتعلقة بالمراقبة الإدارية من طرف المحكمة الإدارية المختصة.

                هكذا أبق المشرع مسألة إحالة القرارات المشكوك في شرعيتها بيد “الوالي” وحرمان رئيس المجلس الجهوي من ذلك، في حين كان يجب حصر تدخل الوالي في حالة الشك في شرعية مسألة ما في إحالة المسألة على المحكمة الإدارية مع إعطاء رئيس مجلس الجهة نفس السلطة حتى يكون هناك توازن بين السلطتين. وهو ما يتضح في المجالات التالية:

-*اعتراض الوالي على قرارات المجلس المتعلقة بموضوع خارج عن نطاق اختصاصاته أو المتخذة خرقاً للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل :

حيت يقوم الوالي بالاعتراض على المقررات والقرارات المتعلقة بموضوع خارج عن نطاق اختصاصات مجلس الجهة أو المتخذة خرقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ويبلغ تعرضه معللا إلى رئيس مجلس الجهة المعنية داخل أجل لا يتعدى 3 أيام من أيام العمل، ابتداء من تاريخ التوصل.

                ويلزم تعرض والي الجهة المجلس المعني، إجراء دراسة جديدة للمقرر المتخذ، في حالة رفض المجلس المعني إجراء دراسة جديدة أو في حالة الإبقاء على المقرر المتنازع فيه، يحيل والي الجهة الأمر على المحكمة الإدارية المختصة، ولا يترتب عن اللجوء إلى القضاء توقيف التنفيذ إلا بقرار تصدره المحكمة الإدارية المختصة بناء على طلب من والي الجهة في إطار القضاء الاستعجالي. وفي هذه الحالة، وجب على المحكمة الإدارية المختصة البث في طلب وقف التنفيذ داخل أجل 48 ساعة، يبتدئ من تاريخ توصلها بهذا الطلب.

في المقابل، نجد حرمان رئيس المجلس الجهوي المنتخب من الطعن في تعرض الولي وإحالة الأمر إلى القضاء.

*تحكم الوالي في جدول أعمال المجلس :

فسلطة الوصاية لا تزال هي المتحكم الفعلي في جدول أعمال المجلس وهو ما يتجلى من خلال ما يلي :

  • إدراج الولي كل مسالة  يريدها بجداول أعمال المجلس.

السلطة المطلقة للوالي في الاعتراض على كل مسألة أدرجت بجدول الأعمال.

*تدخل وتحكم السلطة المركزية في تعيين المسؤولين الجهويين وتوقيف المجلس الجهوي :

                إن قرارات التعيين المتعلقة بالمناصب العليا تخضع لتأشيرة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وهو ما يوضح احتكار وتحكم وزارة الداخلية في تعيين المسؤولين الجهويين وهو الحال بالنسبة للمدير العام للمصالح ومدير شؤون الرئاسة والمجلس ومدير الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع، كما أن القانون لم يوضح الأمر في حالة رفض وزير الداخلية التأشير على قرارات التعيين التي يتخذها الرئيس.

                بل أكثر من ذلك، فإن القانون الجديد وحسب المادة 44 نص على حق وزارة الداخلية في وجوب تطبيق إجراءات تأديبية خاصة من عزل وتوقيف أو حل في حق المجلس الجهوي ورئيسه في حالة تداول المجلس في نقطة كانت موضوع تعرض من طرف الوالي، وإذا كان العزل والحل يتم تحت مراقبة القضاء، فإن التوقيف من اختصاص السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية دون تدخل من القضاء.

ثانيا : تشديد الرقابة على مالية الجهة

                لقد شددت مقتضيات القانون التنظيمي[30] الوصاية على القرارات المالية التي يتخذها المجلس الجهوي، إذ لا تكون المقررات المتعلقة بالميزانية والمقررات ذات الوقع المالي على النفقات والمداخيل، ولاسيما الاقتراضات والضمانات وفرض الرسوم المأذون بها، وتفويت الأملاك الجماعية وتخصيصها، قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من طرف الوالي، داخل أجل 20 يوما من تاريخ توصله بالمقرر، حيث نجد في هذا الصدد تشابها بين المادة 41 من قانون رقم 96-47 والمادة 115 من االقانون التنظيمي  111.14 والتي تحدد المقررات التي لا تكون قابلة للتنفيذ، إلا بعد التأشير عليها من طرف والي الجهة وهي كلها قرارات تتعلق بالجانب المالي.

                وإذا كان قانون 96-47 في مادته 41 نص على أنه يجوز للمجلس الجهوي في حالة الرفض أن يرفع الأمر إلى المحكمة الإدارية داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغ الرفض، فإن المادة 204 من القانون التنظيمي[31] نصت على أنه: 

” إذا رفضت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية التأشير على الميزانية لأي سبب من الأسباب المشار إليها في المادة 202 أعلاه، قامت بتبليغ رئيس المجلس بأسباب رفض التأشير داخل أجل لا يتعدى خمسة عشرة (15) يوما ابتداء من تاريخ توصلها بالميزانية.

يقوم رئيس المجلس في هذه الحالة بتعديل الميزانية وعرضها على المجلس للتصويت عليها داخل أجل عشرة (10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل بأسباب رفض التأشير، ويتعين عليه عرضها من جديد للتأشير عليها قبل 20 من دجنبر .

و في هذه الحالة، تؤشر السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية على الميزانية في تاريخ أقصاه 30 دجنبر.

 إذا لم يأخذ رئيس المجلس أسباب رفض الـتأشير بعين الاعتبار، تطبق مقتضيات المادة 208 أدناه”.

                هكذا يتضح أن المشرع شدد أكثر من الرقابة المالية على الجهة مقارنة مع القانون السابق، حيث لم يعد بإمكان المجلس الجهوي إحالة الأمر على المحكمة الإدارية بل إن الوالي لم يأخذ المجلس الجهوي بملاحظاته يمكن أن يتجاوزه ويضع ميزانية للتسيير على أساس آخر ميزانية مصادق عليها.

                ومقابل تشديد الوصاية المالية، قلص المشرع آجال المصادقة كما أوكل مسألة المصادقة هاته للوالي بدل وزير الداخلية.

                من خلال ما سبق، نلاحظ أن القانون التنظيمي حول الجهة، جاء ليعطي الجهة دور أكبر مما كان عليه في السابق، لكن هذا الدور يبقى محدودا ومتحكما فيه، فرغم الاختصاصات الواسعة والتقريرية والتعديلات الطفيفة التي جاء بها القانون الجديد ، فإنه لا يزال يعطي الوالي سلطة تفوق سلطة رئيس المجلس الجهوي، وخلاصة الأمر يمكن القول أننا لازلنا في مرحلة الجهوية الناشئة بعدما كنا أمام جهوية ناقصة مع قانون 96-47 الصادر في 1997 ولازلنا لم نصل إلى مرحلة الجهوية المتقدمة التي تتطلب التأسيس لتوازن حقيقي بين سلطات الجهة والدولة.


[1] المادة الثالثة من القانون التنظيمي رقم 111.14 الصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015. ظهير شريف رقم 1.15.83 صادر في 20 رمضان 1436 الموافق لـ7 يوليوز 2015.

[2] _ نصت المادة 80 من قانون 111.14على أنه: ” تناط بالجهة داخل دائرتها الترابية مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها، ولا سيما فيما يتعلق بما يلي:

–    تحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الاقتصادية ؛

–    تحقيق الاستعمال الأمثل للموارد الطبيعية وتثمينها والحفاظ عليها ؛

–  اعتماد التدابير والإجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها والعمل على تيسير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل ؛

–  الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة ؛

–  العمل على تحسين القدرات التدبيرية للموارد البشرية وتكوينها.

 تقوم الجهة بهذه المهام، مع مراعاة السياسات والاستراتيجيات العامة والقطاعية للدولة في هذه المجالات. ولهذه الغاية، تمارس الجهة اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة، واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة…”

[3] _ قانون111-14 مرجع سابق

[4] _ قانون111-14 مرجع سابق

[5] _ قانون111-14 مرجع سابق

[6] _المادة 188 من القانون 111/14. مرجع سابق

[7] _ المادة 189 من القانون 111/14. مرجع سابق

_ المادة 190 من القانون 111/14. مرجع سابق [8]

[9] – محمد يحيا: ” المجال والتقسيم بالمغرب” مجلة العلوم الإجتماعية افنسانية ( البحث العلمي ) – ملف العدد( المجال:التجليات والإستعمالات ) عدد 43-44 السنة الثلاثون – ص 111

[10] – عبد القادر الإدريسي وأحمد وعطي : ” التقسيم الجهوي الجديد ( الجهة بالمغرب) – المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 16-1998 ص 30-31

[11] – محمدعامر : إشكالية التقطيع الترابي في البناء الجهوي – الحوليات المغربية للإقتصاد ( مجلة فصلية ) العدد -20 صيف 1997 ص7.

[12] W.ISRAD: introduction to régional science prentice- hall 1975 p : 13 .

    عن الوزاد أحمد إبراهيم :” أسس التنمية الجهوية وتقييم التجربة الجهوية بالمغرب ” المجال الجغرافي والمجتمع المغربي مجلة نصف سنوية العدد 3/1998) ص 9 .

[13] Beaujeu- Garnier : la Géographie , méthodes et perspectives, Masson , Paris 1979 p : 111

   عن الوزاد أحمد إبراهيم – نفس المرجع السابق ص 8

[14] – الوزاد أحمد إبراهيم ” أسس التنمية الجهوية وتقييم التجربة الجهوية بالمغرب ” مرجع سابق ص 8

[15] – محمد أقضاض : ثقافة الجهوية والجهة ” فضاءات مغربية- مجلة فكرية وإبداعية عدد 4 سنة 1997 ص 15 .

[16] – المصطفى نشوي : ” الجهة والجهوية بالمغرب ” المجال الجغرافي والمجتمع المغربي ” خاص بالسياسات تدبير المجال والمجتمع بالمغرب / مجلة نصف سنوية العدد 10-2006ص 33

[17] – المصطفى نشوي : نفس المرجع السابق ص34

[18] – محمد عامر : ” إشكالية التقطيع الترابي في البناء الجهوي ” م سابق 13

[19] – محمد عامر : نفس المرجع ص 13

[20] _ المرسوم رقم 2.15.40 الصادر بتاريخ 20 فبراير 2015. الجريدة الرسمية عدد 6340 بتاريخ 5 مارس 2015.

[21] _ المرسوم رقم 2.15.40 مرجع سابق.

[22] _ المرسوم رقم 2.15.40 مرجع سابق

[23] ا_ لمرسوم رقم 2.15.40 مرجع سابق

_ [24] دستور 2011 ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 الموافق لـ 29 يونيو 2011.

_[25] القانون التنظيمي رقم 111.14 الصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015.

_ [26] عبد المجيد احسون: “اختصاصات الجهة حسب مشروع القانون التنظيمي للجهات”٬ مقال منشور بجريدة الرأي المغربية، بتاريخ 22يناير2015 

_[27] نفس المرجع أعلاه.

_[28] علي قاسمي التمسماني : “البناء الدستوري الجديد لتوزيع الاختصاص بين الدولة والجهات”، مقال منشور بالموقع الإلكتروني للعلوم القانونية، بتاريخ 5 غشت 2012، ص 14.

_[29]سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العادلة والتنمية وعبد اللطيف أعمو عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، مداخلة في ندوة حول الجهوية المتقدمة نظمتها شبيبة العدالة والتنمية في 9 من نونبر 2014، لمزيد من التوسع أنظر:
– “
العثماني وأعمو، “مسودة مشروع الجهوية الموسعة أفرغت التدبير الحر من مضمونه”، مقال منشور في جريدة المساء بتاريخ 11 نونبر 2014.

_[30] القانون التنظيمي رقم 111.14 الصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015.

القانون التنظيمي رقم 111.14 الصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015._[31]

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *