التقاضي الإلكتروني

التقاضي الإلكتروني

Electronic Litigation

محمد بن خلفان بن سالم المعمري

Mohammed bun Khalfan bun salim AL-Mamari

باحث بسلك الدكتورة – جامعة محمد الخامس- السويسي              Almamari010@gmail.com

  أثر التطور التقني في مجال الاتصال عموماً على شتى مناحي الحياة في مختلف المجتمعات البشرية، فلا يخلو مجتمع يعيش في هذا العالم من تدخل القيم المستحدثة والمرتبطة بالتكنولوجيا والاتصالات، بصورة حتمت عليه ضرورة مسايرة هذا الركب.

  وما أصرار دول العالم على الوصول بإداراتها ومؤسساتها إلى ما بات يعرف بالحكومات الإلكترونية، إلا أحد هذه الشواهد الدالة على تأثير هذه القيم على مسار الحياة فيها، فأصبحت هذه الرغبة من أكثر الادلة على تقدمها في مختلف المجالات.

  ولما كان التقاضي هو وسيلة استعادة الحقوق التي قد تتعرض للاعتداء عليها من قبل الغير، فأن ظهور المحاكم الإلكترونية يعد تعبير صريحاً عن رغبة المؤسسات العدلية في مسايرة هذا التطور التكنولوجي، خصوصاً أن المتعاقدين في هذه المرحلة الزمنية اصبحوا يلجؤون إلى التعاقد الإلكتروني بصورة أوسع نطاقاً.

The technical development in the field of communication in general has affected various aspects of life in different societies. As there is no society in this world that is not interfered with the new values associated with technology and communications, in a way that made it necessary to go along with it.

Since litigation is a means of restoring the rights that might be taken by others, the emergence of electronic courts is an explicit expression of the desire of justice institutions to go along with this technology development, especially as contractors at this time are now using electronic contracting on a larger scale.

التقاضي الإلكتروني

  أثر التطور التقني في مجال الاتصال عموماً على شتى مناحي الحياة في مختلف المجتمعات البشرية، فلا يخلو مجتمع يعيش في هذا العالم من تدخل القيم المستحدثة والمرتبطة بالتكنولوجيا والاتصالات، بصورة حتمت عليه ضرورة مسايرة هذا الركب.

  وما أصرار دول العالم على الوصول بإداراتها ومؤسساتها إلى ما بات يعرف بالحكومات الإلكترونية، إلا أحد هذه الشواهد الدالة على تأثير هذه القيم على مسار الحياة فيها، فأصبحت هذه الرغبة من أكثر الادلة على تقدمها في مختلف المجالات.

  ولما كان التقاضي هو وسيلة استعادة الحقوق التي قد تتعرض للاعتداء عليها من قبل الغير، فأن ظهور المحاكم الإلكترونية يعد تعبير صريحاً عن رغبة المؤسسات العدلية في مسايرة هذا التطور التكنولوجي، خصوصاً أن المتعاقدين في هذه المرحلة الزمنية اصبحوا يلجؤون إلى التعاقد الإلكتروني بصورة أوسع نطاقاً.

  والخصومة عموماً في مجملها هي نتاج للتطور المجتمعي ومدى تأثره بالتقنيات المعاصرة، فكان القانون هو الوسيلة المثلى التي يمكن أن تحكم هذه العلاقات الناشئة، بصورة يظهر من خلالها ارتباطه الوثيق بمستجدات التطور التقني والتكنولوجي، ولذلك كان لزماً على هذا القانون أن يستجيب لهذا التطور باعتباره أحد أهم وسائله[1].

  والتقاضي باعتباره وسيلة لاستعادة الحقوق المغتصبة، لابد أن يتعاطى مع هذا التطور التقني، بصورة تجعل له القدرة على مواكبة ركب هذا التقدم، من هنا كانت الحاجة ملحة للبحث عن وسيلة للتقاضي تضمن سهولة وصول المتقاضين إلى حقوقهم باقل مجهود وكلفة مالية، فكانت فكرة المحاكم الإلكترونية هي أحد أهم أشكال هذا التطور في المجال القضائي.

أهمية البحث

  أن البحث في مجال التقاضي الإلكترونية له من الأهمية العملية التي تستوجب بذل المزيد من الجهد في محاولة سبر أغوار هذا النظام وبيان ماهيته ومزاياه والكيفية التي يستطيع معها المتقاضين الولوج إلى مؤسساته.

  ويستمد البحث أهميته من خلال أهمية التقاضي الإلكترونية كوسيلة لحل الخلافات بكافة إشكالاها عن طريق اللجوء إلى المؤسسات القضائية الرسمية، بصورة تقلل على المتقاضين النفقات والجهد والوقت، وهو كذلك يعكس التقدم الذي وصلت إليه مؤسسات الدولة القضائية في مجال التحول إلى الحكومة الإلكترونية.

أهداف البحث

  يهدف هذا البحث إلى إبراز مجموعة من العناصر ذات الصلة بالعمل القضائي الإلكتروني، فهو يهدف من ناحية إلى بيان مفهوم التقاضي الإلكترونية وتأصيله القانوني لتحديد مشروعيته من عدمه، كما يهدف إلى بيان الإجراءات الواجب السير فيها لتحريك الدعوى أمام المحاكم الإلكترونية المتخصصة.

منهج البحث

  لا شك أن البحث في مجال المحاكم الإلكترونية يتطلب الاعتماد على المنهج الوصفي، وذلك من خلال البحث في الدراسات والمؤلفات والرسائل الجامعية والابحاث ذات الصلة بالموضوع، كما سوف نعتمد فيه على المنهج التحليل من خلال تحليل النصوص القانونية المرتبطة بهذا الموضوع، الذي يعد من المواضيع الحديثة على الفكر القانوني العربي.

خطة البحث

  يعد التقاضي الإلكتروني أحد المواضيع بالغة الأهمية على المستويين الوطني والدولي، لذلك فأن دراستنا لهذا الموضوع تتطلب منا تقسيمه إلى مبحثين نتناول في المبحث الأول ماهية التقاضي الإلكتروني ونظامه القانوني، فيما نتطرق في المبحث الثاني إلى إجراءات رفع الدعوى الإلكترونية.

المبحث الأول

ماهية التقاضي الإلكتروني ونظامه القانوني

  أن انتقال العمل القضائي من صيغته التقليدية بما تتضمنه من إجراءات ووسائل، إلى النظام الإلكتروني يعد وبحق خطوة جبارة في سبيل الانتقال بالعمل القضائي الوطني إلى مصاف الدول المتقدمة، التي أصبحت تعتمد في تسير شؤونها على الوسائل والأنظمة الإلكترونية، تحقيقاً لما بات يعرف بالحكومات الإلكترونية.

  نتناول في هذا المبحث بيان مفهوم التقاضي الإلكتروني ( المطلب الأول)، بعدها نتطرق لبيان النظام القانوني لهذه النوع من المحاكم ( المطلب الثاني).

المطلب الأول

مفهوم التقاضي الإلكتروني

  تعد المحاكم الإلكترونية احد مخرجات الحكومات الإلكترونية، فأغلب دول العالم تسابق الزمن للانتقال بجميع خدماتها المقدمة للجمهور، من صورته التقليدية التي تعتمد على الوجود المادي للأشياء، إلى اتخاذ التقنية والتطور الذي يشهده العالم في هذا المجال، منهجاً وطريقاً لتقديم هذه الخدمات بصورة تتسم بالبساطة والسهولة والقبول من مختلف الأطراف المرتبطة بهذه الخدمة المقدمة لتلبية احتياجاتهم.

  يمكن تعريف هذه المحاكم الإلكترونية بانها حيز تقني معلوماتي ثنائي الوجود، يسمح ببرمجة الدعوى بصورة الإلكترونية، من خلال الربط بين شبكة المعلومات الدولية والمحكمة، بصورة تتيح الظهور المكاني الإلكتروني لهذه الوحدة القضائية، ويباشر من خلال هذا المكون مجموعة من القضاة وأعوانهم مهمة النظر في مختلف الدعوى والفصل فيها معتمدين في ذلك على أليات تقنية فائقة التطور، لتدوين الإجراءات القضائية وحفظ وتداول ملف الدعوى ومحرراتها بصيغ إلكترونية[2].

  إذا فالمحاكم الإلكترونية وفقاً لذلك هي في حقيقتها عبارة عن مواقع إلكترونية على شبكة الانترنت الدولية، تهدف إلى نظراً الدعوى المختلفة بصورة إلكترونية مبتعدتاً بذلك عن الوسائل التقليدية المرتبطة بالمحاكم التقليدية.

  ولطالما كان مفهوم المحكمة الإلكترونية يرتبط بالوسائط الإلكترونية التي يعتمد عليها لإظهار هذه المحكمة لحيز الوجود، فيمكننا تعريف التقاضي الإلكتروني بأنه مجموعة الإجراءات القضائية الإلكترونية، بما تشمله من مرافعات ومداولات حتى صدور الحكم، تتم بصورة الإلكترونية بشكل تام، عبر وسائط إلكترونية باستخدام شبكة المعلومات الدولية، كما عرفه البعض بأنه عملية نقل مستندات التقاضي الكترونياً إلى المحكمة عبر البريد الإلكتروني حيث تم فحص هذه المستندات بواسطة الموظف المختص وإصدار قرار بشأنها بالقبول أو الرفض، وإرسال اشعار إلى المتقاضي يفيده علماً بما تم بشأن هذه المستندات[3].

  ورغم حداثة مصطلح القضاء الإلكتروني، غير أنه يعد أسلوباً راقياً ومتحضراً تتبعه أغلب الدول المتقدمة التي اعتمدت على التقدم العلمي في المجال الإلكتروني لتسريع وتيرة العمل الإداري والإجرائي في مؤسساتها القضائية، بهدف تسهيل هذه الإجراءات والبعد عن القيود التقليدية المرهقة لأطراف الدعوى وعلى المرفق القضائي ذاته، والتي تتسبب في كثر من الاحوال إلى إحجام الكثير من الأفراد عن المطالبة بحقوقهم المغتصبة.

  وعلى ذلك يمكن القول أن هذه التقنية جعلت من الوصول إلى المرفق القضائي المختص بكل سهوله ويسر، فمن حيث المكان أصبحت إمكانية قيد الدعوى بما تتضمنه من ملحقات ممكن أن يتم من أي مكان، وعلى خلاف الإجراءات التقليدية التي تستوجب القيام بالعمل خلال أوقات محددة، فأن هذه الإجراءات يمكن أن تتم عن طريق الانترنت في أي وقت من اليوم وحتى في أيام العطلات الرسمية[4].

  نخلص مما سبق إلى أن نظام التقاضي الإلكتروني بمفهومه الواسع، يعد آلية حديثة تنسجم مع مقتضيات العصر الحديث، وما ارتبط به من تطور في مضامين وسائل الاتصال الحديثة و تقنيات إلكترونية متقدمة في مجال التواصل، والتي جعلت من العالم دون حدود أو قيود، ليصبح نظر المنازعات العقدية ( خصوصاً تلك المرتبطة بالعقود الإلكترونية) بوسائل تتسم بالكثير من المرونة والسهولة والوضوح، وعلى الرغم من أن التقاضي الإلكتروني يقترب من التحكيم الإلكتروني، إلا أنه في واقع الأمر يقع بينهما الكثير من الفوارق تتعلق بطبيعتهما وكذلك إجراءات إقامة كل منهما، حيث لا يتسع المجال هنا لتفصيلها.

المطلب الثاني

النظام القانوني للتقاضي الإلكتروني

  يعبر البحث عن النظام القانوني للتقاضي الإلكتروني، عن توصيف تلك القواعد التي فتحت المجال للسير في سبيل تشريعها وتغليفها بالصبغة القانونية التي يترتب عليها الإقرار والاعتراف لها بالشرعية القانونية كوسيلة لفض المنازعات عن طريق المؤسسات القضائية في الدولة.

  يمكن القول بداية أن تأسيس المحكمة الإلكترونية تتطلب توافر مجموعة من العناصر الاساسية، التي تمكن من تطبيق إجراءات التقاضي الإلكتروني على الواقع باعتباره نظاماً قضائياً يتصف بالصبغة القانونية السليمة، يتمثل أهم هذه العناصر الاساسية في:

أولاً: الإطار التشريعي

 يهتم هذا التشريع بتحديد مفاهيم هذا النوع من التقاضي والإجراءات القانونية التي يتوجب إتباعها والآليات القانونية الخاصة بتطبيقها، كما يجب أن يتضمن هذا التشريع تلك الجوانب الخاصة بصدور الأحكام وكيفية تنفيذها على أرض الواقع، بصورة توجب على مختلف الأطراف احترامها تحقيقاً للأثر القانوني المترتب على صدورها[5].

ثانياً: الموارد البشرية (القضاة و أعوانهم):

لا شك أن التقاضي الإلكتروني لا يختلف عن التقاضي التقليدي إلا من حيث الوسيلة التي يتم من خلالها إجرائه، لذلك فأن وجود هذا النوع من التقاضي لا يعني بالضرورة غياب العنصر البشرية، لذلك كان وجود القاضي الذي ينظر في النزاع ذاته أمر لا يمكن الالتفاف عليه، ويشترط فيه أن يكون، متخصصاً في تطبيق القانون علاوة على قدرته على التعامل مع الأجهزة الإلكترونية كالحواسيب وبرمجياتها، فهو من يطلع على هذه النوع من الدعوى ويتولى دراستها تمهيداً لإصدار الحكم المناسب[6].

  والمورد البشري هنا لا يقتصر على القضاة فقط، بل أن الأمر يتطلب توافر مجموعة أخرى ممن هم يتولون معاونة الهيئة القضائية، علاوة على توليهم بعض الأعمال الإدارية الأخرى المرتبطة بالعمل الإداري في هذا النوع من المحاكم، والذين يشترط فيهم توافر الخبرة الازمة للتعامل مع أجهزة الحواسيب والشبكات الدولية والمحلية الخاصة بنقل البيانات وحفظها.

ثالثاً: أجهزة الحاسوب وملحقاتها

  وهي تلك الأجهزة التي تساعد موظفي المحكمة و القضاة من الاطلاع وإدارة ملفات الدعوى بصورة مباشرة، وتتنوع هذه الأجهزة بتنوع الأدوار التي يقوم بها الموظف من خلالها، ويمكن التمييز في هذا الجانب بين الأجهزة ذاتها وتلك البرامج الإلكترونية التي يتم من خلالها إدارة الملفات[7].

رابعاً: الموقع الإلكتروني

  لا شك أن الولوج إلى القضاء بصورة إلكترونية يتطلب ابتداء إنشاء موقع إلكتروني خاص بهذه المؤسسة القضائية، فمن خلال هذا الموقع يتم ممارسة النشاط القضائي الإلكتروني، وغالباً ما يتم تقسيم الموقع الإلكتروني بقصد تنظيمه وتسهيل الاطلاع عليه إلى مجموعة من الأقسام بحسب الحاجة لذلك.

خامساً: الشبكات

  تعتمد فكرة التقاضي الإلكتروني على نقل الملفات والمعلومات من صيغتها التقليدية المرتكزة على الأوراق، إلى ملفات إلكترونية تعتمد على وجود وسائط إلكترونية محددة، غير أن نقل هذه الملفات يتطلب وجود شبكات إلكترونية تتكفل بعملية النقل هذه، فتقديم الدعوى عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة يتطلب الولوج إلى شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت) ليتم عبرها نقل ها الملف من الحاسوب الخاص بالمدعى رافع الدعوى إلى الحاسوب الخاص بالمحكمة، علاوة على ذلك فأن تبادل المعلومات بين موظفي المحكمة من قضاة وأعوانهم يستوجب كذلك وجود شبكات داخلية خاصة بهم لنقل هذه المعلومات أو البيانات، كما تتضمن هذه الشبكات مجموعة من البيانات والمعلومات الخاصة بعمل المؤسسة القضائية[8].

المبحث الثاني

إجراءات رفع الدعوى الإلكترونية

  لما كان الهدف من إقامة الدعوى هو مطالبة المدعي من المدعى عليه بحقوق معينة، فأن هذه المطالبة يجب أن تصاغ وتوضع في قالب قانوني حددته التشريعات الإجرائية، بحيث يتضمن هذا القالب مجموعة محددة من البيانات والتي لا يمكن رفع الدعوى دون توافرها، وإذا كان هذا الأمر ينطبق على حالة التقاضي بصورته التقليدية، فأن الأمر ذاته يجب توافره في الدعوى الإلكترونية.

   ونرى أن نظر الدعوى أمام المحاكم الإلكترونية ليس على أطلاقه، فهناك من الدعوى التي لا تصلح أن يتم نظرها أمام هذا النوع من المحاكم لأسباب عدة، كما هو الشأن بالنسبة للدعوى العمومية الجنائية، فهذا النوع من الدعوى تتطلب العديد من الإجراءات التي لا تتوفر الوسائل التقنية للتعامل معها بصورة إلكترونية بشكل كامل في الوقت الراهن.

  ومن الناحية العملية، نجد أن دور المحاكم الإلكترونية يرتكز على النظر في الدعوى التجارية بصورة أساسية، والحقيقة أن الحاجة إلى تسريع إجراءات التقاضي في هذا النوع من الدعوى كان سبباً رئيساً لاعتمادها كأول الدعوى التي يمكن نظرها عن طريق التقاضي أو المحاكم الإلكترونية، مع إمكانية نظر الدعوى المدنية بصورة عامة.

  والحقيقة أن وجود هذه الآلية لرفع الدعوى، لا تعني بحال من الاحوال التغاضي عن حقوق أطرافها أو تجاهلها، لذلك فأن تفعيل دور المحاكم الإلكترونية يفترض به مسايرة الحقوق المكفولة لأطرافها، ويظهر ذلك من خلال تحديد طرق رفعها وأثباتها، ومدى توافر الضمانات الخاصة بهذه الأطراف، علاوة على النظر في مدى كفاية نصوص القوانين الإجرائية ( كقانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني، وأصول المحاكمات المدنية الأردني….الخ) واستيعابها لمفهوم التقاضي الإلكتروني، وكل ما يتصل بالمحاكم الإلكترونية وتطبيقاتها العملية.

  وعلى ذلك نتناول في هذا المبحث قيد الدعوى الإلكترونية في المطلب الأول، على أن نتطرق إلى واقع التقاضي الإلكتروني في سلطنة عمان في المطلب الثاني.

المطلب الأول

قيد الدعوى الإلكترونية

  من المقرر قانون أن قيد الدعوى الإلكترونية يتطلب مجموعة من الإجراءات والشروط التي يتوجب توافرها ابتداء، لصحة الدعوى وإمكانية البناء عليها، وتعد كتابة صحيفة الدعوى أهم هذه الشروط، غير أن هذه الكتابة غير محددة بشكل معين، لذلك يمكن القول بأن تحرير هذه الصحيفة على شكل مستند إلكتروني متضمننا كافة البيانات المطلوبة لرفع الدعوى أمام المحاكم الإلكترونية، يعد كفيلاً لصحة هذه المحرر الذي يمكن تحريره لاحقاً في صورة محرر رقمي يمكن معالجته إلكترونياً، وبذلك[9].

  ولتسهيل موضوع الكتابة تعتمد المحاكم الإلكترونية على بعض البرامج الإلكترونية الداعمة، والتي تمكن الأطراف من التصحيح الفوري للأخطاء التي قد تقع منهم أثناء كتابة هذه الصحيفة، وبذلك تقل هذه الأخطاء أو النواقص الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تقليل الوقت والجهد الخاص بمراجعة صحيفة الدعوى، كما يحقق الحصول على معلومات أكثر دقة ومصداقية، خصوصاً تلك البيانات الخاصة بالطرف الأخر في الدعوى.

  ومن الناحية العملية، تحرر هذه المستندات الإلكترونية وفقاً للصورة السالفة وترسل على الموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة المعنية عبر شبكة الانترنت، على أن يتم استلامه لاحقاً من قبل المحكمة ومراجعته من قبل موظفين مختصين يتولون قيدها وإرسال ما يفيد قبول الدعوى أو رفضها إلى رافعها مع بيان أسباب الرفض عبر بريده الإلكتروني.

  تتطلب عملية قيد الدعوى الإلكترونية ضرورة سداد رسوم الدعوى، هذه العملية تتم كذلك عن بعد، فيتم سداد هذه الرسوم عن طريق وسائل الدفع الإلكترونية المتعددة، والتي تتطور من وقت إلى أخر لضمان سهولة إجراء هذه العملية بكل سلاسة وبما يضمن حماية رافع الدعوى من ضياع أمواله، على أن يتلقى أشعاراً يفيد سداد هذه الرسوم من خلال ذات الموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة الإلكترونية.

  بعد اتمام هذه العملية تقوم المحكمة الإلكترونية بتبليغ أو إعلان الطرف الأخر بمضمون الدعوى الإلكترونية، ويتم بعدها تحديد موعداً لجلسة المحكمة بعد انقضاء فترة زمنية محددة يتمكن خلالها من اعداد دفاعه، لتقديمه عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة، وبذلك يتحقق العلم لدى طرفي الدعوى الإلكترونية بمضمون النزاع.

  في موعد الجلسة لنظر الدعوى تجري المرافعة كذلك بصورة إلكترونية عن بعد، فيتم تبادل المعلومات بما تتضمنه من أدلة وشهود وكل ما يفيد الأطراف في أثبات صحة ادعائهم من خلال الوسائط أو الدعامات الإلكترونية المخصصة لموقع المحكمة الإلكترونية، كما اتاح التطور التقني والتكنولوجي للأطراف الظهور بصورة مباشرة خلال الجلسة بتقنية الصوت والصورة، وهو أمراً لا شك أنه يخدم الدعوى والأطراف، كما يسهل على القاضي الإلكتروني مهمة عمله من خلال إمكانية اختصار الوقت والجهد[10].

   وكما هو الحال في القضاء العادي، فأنه وبعد نهاية المرافعة والمداولات ودراسة القضية، يصدر القاضي حكمه الفاصل في الدعوى محل النزاع في شكل وثيقة إلكترونية، يمكن لأطراف الدعوى أو النزاع الحصول عليه من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة التي أصدرته، وبذلك ينتهي النزاع محل الدعوى، وينال الحكم الصادر حجية الأمر المقضي فيه بعد فوات المدد القانونية المحددة للطعون.  

  وتجدر الإشارة إلى أن علنية الجلسات الواجب توفرها في الدعوى التقليدية تتوفر كذلك في الدعوى الإلكترونية رغم عدم الحضور الجسدي للأطراف، يتحقق ذلك من خلال قدرت أطراف النزاع ومحاميه أو وكلائهم ومن له مصلحة في ذلك من الاطلاع على السجلات والوثائق الخاصة بالدعوى الإلكترونية من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة الإلكترونية، والذي يمكن الدخول إليه من خلال جهاز الحاسوب الشخصي[11].

الطلب الثاني

واقع التقاضي الإلكتروني في سلطنة عمان

  مما تقدم تبين لنا الأهمية العملية للتقاضي الإلكتروني، والذي يظهر من خلال ما يوفره من مزايا للمتقاضين وكذا المؤسسة القضائية، وبالتالي فأن السعي إلى تطبيقه في مختلف مؤسسات القضاء أصبح في وقتنا الحاضر أمر في غاية الأهمية، فسهولة إجراءات التقاضي الإلكتروني وسرعة إنجازها يسر على المتقاضين أمر المطالبة بحقوقهم والوصول إليها، خصوصاً في تلك الأحوال المرتبطة بالعقود التي تبرم بين أطراف من دول مختلفة.

  لقد شاءت الأقدار وأثناء كتابة هذا البحث أن تتعرض البشرية جمعا إلى وباء عالمي، أصبح يعرف بجائحة كوفيد19 أو كورونا، وهو وباء عالمي ظهر في الصين لينتشر بعدها في جميع دول العالم، مخلفاً أصابات بالملايين، وعشرات الألف من الوفيات، كما تسبب في تعطل الاقتصاد العالمي وأغلب مناحي الحياة، بصورة ظهرت معها الحاجة إلى التقنية من أهم ضروريات الحياة في هذا الوقت.

  وفي إطار القضاء وبسبب هذه الجائحة، شمل هذا التوقف أغلب مؤسسات القضاء في الدولة أسوة بباقي مؤسسات الدولة وعلى المستوى العالمي، الأمر الذي تعطلت معه العديد من المصالح، بصورة حتمت على هذه المؤسسات ضرورة التسريع من عملية تطوير البنية التحتية للتقاضي الإلكترونـــي، بما يقدمه من حلـول تقنية لتقريب جميع المتقاضين وربطهم مع المؤسسة القضائية.

  غير أن جهود المؤسسات القضائية في مجال تطوير العدالة الإلكترونية ليست وليدة هذه المرحلة، فقد بدأت أول هذه الخطوات منذ فترة ليست بالبسيطة، فقد وضع برنامج خاص بإدارة القضايا إلكترونيا في العام 2016م، بموجب قرار صادر من رئيس المحكمة العليا، وهو برنامج نوعي يهدف إلى بيان الإجراءات المتبعة في المحاكم وإدارتها منــــذ لحظـــة قيدها مرورًا بإعلان الأطراف بمواعيـــد الجلسات وصدور الأحكام وتنفــــيذها، مع ما يتضمنه البرنامج من خصوصية وسرية تامة، الأمر الذي يستشرف معه التحول الرقمي بصورة كاملة لإجراءات المحاكمة والعمل على الانتقال إلى المحاكم الإلكترونية، بحيث تتم المحاكمة بصورة كاملة عن بعد، وهو أمر تقتضيه خطة التحول إلى عالم الحكومة الإلكترونية.

وتطبيقاً لهذا التحول  فقد أقرت هذه المؤسسات نظام قيد الدعوى إلكترونياً، والذي يضمن تقديم الدعوى وصحيفتها من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالمؤسسة القضائية المختصة، وبالتالي يتم إعلان الأطراف وسداد رسوم الدعوى بصورة إلكترونية، الأمر الذي يسر إلى حد كبير من إجراءات التقاضي خصوصاً في الدعوى المدنية والتجارية، من خلال تقليص المدة الزمنية والمجهودات.

  لقد أظهرت إحصاءات المجلس الأعلى للقضاء تسجيل أكثر من 2000 دعوى إلكترونيا عبر بوابة المحامين، وذلك منذ انطلاقها في الثاني من أبريل وحتى منتصف يونيو من العام 2019م، حيث أطلقَ مجلس الشؤون الإدارية للقضاء هذه البوابة لكافة مكاتب وشركات المحاماة في السلطنة، دعما لسياسات المجلس في التحول الإلكتروني الذي يشهده القضاء العماني، وتيسيرا على أطراف الدعوى[12].

  اما في مرحلة هذا الوباء وتعطل المصالح وشبه توقف العمل في المؤسسات الرسمية، فقد بدأت بعض المؤسسات القضائية استخدام الشاشات الإلكترونية لمقابلة بعض أطراف الدعوى خصوصاً في ملفات التنفيذ الجبري، وفي أوامر تمديد الحبس، وكل ذلك في سبيل التيسير على هذه المؤسسات في إداء مهمها دون تعطيل مصالح أطراف الدعوى، وما قد يترتب على هذا التوقف من اضرار اقتصادية أو اجتماعية.

  غير أن الانتقال إلى مستوى طموحات الحكومات الالكترونية، يستوجب بذل المزيد من الجهد وعدم التوقف عند حدود ما تم تحقيقه، فهناك العديد من الخطوات التي يجب تحقيقها حتى يمكن لنا القول بوجود نظام قضائي إلكتروني، قوامه الاعتماد التام على ما توفره تقنية الاتصالات من مزايا وإمكانات لتسهيل حياة البشرية، وبالتالي مضاهاة العديد من دول العالم المتقدم في هذا المجال، وهو أمراً ممكن التحقيق مع وجود الإرادة الصلبة لدى الدولة وأجهزتها المتخصصة والمشرفة على مثل هذه المشاريع.

الخاتمة

  حاولنا في البحث تسليط الضوء على جانب مهم ومظهر من مظاهر سيادة الدولة، الإ وهو النظام القضائي، ولما كان التطوير سمت الحياة عموماً كان الحديث عن الانتقال بالقضاء العماني من صورته التقليدية إلى التقاضي الإلكتروني من أهم هذه المرتكزات.

  في هذه الدراسة تناولنا مفهوم التقاضي الإلكتروني وبيان أهم مميزات نظام التقاضي الإلكتروني وما يحققه من مزايا وإيجابيات، وبالتالي بيان ملامح الدعوى الإلكترونية من خلال تطبيق معايير محددة يستوجب توافرها لقبول الدعوى وما هي معوقات قيام مثل هذا النظام.

  وقد بيان الخطوات العملية التي اتخذتها سلطنة عمان في سبيل تطوير مرفق القضاء والانتقال به من قضاء تقليدي يقوم على الورق والحضور المادي في قاعة واحدة تجمع أطراف الدعوى، إلى نظام قضائي إلكتروني قوامه ما افرزته التقنية الحديثة من وسائط إلكترونية تحقق التواصل بين أطراف الخصومة والمؤسسة القضائية، بحيث يمكن أن تقوم هذه المحاكمة عن بعد وبذأت الوقت تحقق شروط صحة الجلسة، وصولا إلى الهدف الحقيقي من التقاضي هو الفصل في النزاعات وضمان استقرار المراكز القانونية لأطرافها.

المراجع

  1. نادية جمال أبو طالب- المحاكم الإلكترونية- إجراءاتها ومدى قانونية تطبيقها في الأردن- الطبعة الأولى – الآن ناشرون وموزعون- عمان- 2018.
  2. عصمت عبدالمجيد بكر- دور التقنية العلمية في تطور العقد- دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى- بيروت – 2015.
  3. صفاء أوتاني – المحكمة الإلكترونية ( المفهوم والتطبيق)- بحث منشور على مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية- المجلد 28- العدد الأول- 2012.
  4. خالد ممدوح إبراهيم- الدعوى الإلكترونية وإجراءاتها امام المحاكم- دار الفكر الجامعي- الطبعة الأولى- 2010.
  5. عمر لطيف كريم العبيدي- التقاضي الإلكتروني وآلية التطبيق- بحث منشور على مجلة جامعة تكريت للحقوق- السنة1 المجلد 1 العدد3 الجزء 1 – مارس 2017.
  6. د عصماني ليلى- نظام التقاضي الإلكتروني آليه لإنجاح  الخطط التنموية –  بحث منشور على مجلة المفكر- العدد 13- جامعة محمد خيضر بسكرة- كلية الحقوق والعلوم السياسية- الجزائر.
  7. القاضي حاتم جعفر- دور التقاضي الإلكتروني في رسم وتطوير العدالة- قراءة في الواقع الحالي والنتائج المترتبة- ورقة عمل مقدمة في مؤتمر المناخ القضائي لدعم الاستثمار- محكمة الاسكندرية الاقتصادية- الاسكندرية- فبراير 2015.
  8. جريدة الرؤية العمانية – العدد الصادر بتارخ17يونيو 2019م- على الرابط الإلكتروني  https://alroya.om/p/240807.

[1] – نادية جمال أبو طالب- المحاكم الإلكترونية- إجراءاتها ومدى قانونية تطبيقها في الأردن- الطبعة الأولى – الآن ناشرون وموزعون- عمان- 2018- ص 7.

[2] – صفاء أوتاني – المحكمة الإلكترونية ( المفهوم والتطبيق)- بحث منشور على مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية- المجلد 28- العدد الأول- 2012- ص170.

[3] – خالد ممدوح إبراهيم- الدعوى الإلكترونية وإجراءاتها امام المحاكم- دار الفكر الجامعي- الطبعة الأولى- 2010-ص57.

[4] – عمر لطيف كريم العبيدي- التقاضي الإلكتروني وآلية التطبيق- بحث منشور على مجلة جامعة تكريت للحقوق- السنة1 المجلد 1 العدد3 الجزء 1 – مارس 2017- ص 517.

[5] – عمر لطيف كريم العبيدي- التقاضي الإلكتروني وآلية التطبيق- المرجع السابق- ص 530.

[6] – القاضي حاتم جعفر- دور التقاضي الإلكتروني في رسم وتطوير العدالة- قراءة في الواقع الحالي والنتائج المترتبة- ورقة عمل مقدمة في مؤتمر المناخ القضائي لدعم الاستثمار- محكمة الاسكندرية الاقتصادية- الاسكندرية- فبراير 2015- ص4.

[7] – د عصماني ليلى- نظام التقاضي الإلكتروني آليه لإنجاح  الخطط التنموية –  بحث منشور على مجلة المفكر- العدد 13- جامعة محمد خيضر بسكرة- كلية الحقوق والعلوم السياسية- الجزائر- ص219.

[8] – د. صفاء أوتاني- المحكمة الإلكترونية( المفهوم والتطبيق)- المرجع السابق – ص176.

[9] – عمر لطيف كريم العبيدي- التقاضي الإلكتروني وآلية التطبيق- المرجع السابق- ص 520.

[10] – عصمت عبدالمجيد بكر- دور التقنية العلمية في تطور العقد- دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى- بيروت – 2015– ص 516.

[11] – عصمت عبدالمجيد بكر- دور التقنية العلمية في تطور العقد- المرجع السابق – ص 517.

[12] – جريدة الرؤية العمانية – العدد الصادر بتارخ17يونيو 2019م- على الرابط الإلكتروني  https://alroya.om/p/240807- تمت الزيارة بتايخ  14 يونيو 2020م الساعة 10 ليل.

إقرأ أيضاً

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية Work …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *