الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ورهان تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد

الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ورهان تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد

The social economy and solidarity and operationalization of the new development model requirements

لبنى الحيمر   loubna lahemre

باحثة حاصلة على الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية.

جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

loulitta05@gmail.com

الملخص: عرف مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تطورا على المستوى الوطني، خاصة بعد تزايد الاهتمام به دوليا، حيث خصصت له بداية استراتيجية وطنية قبل أن تتم مراجعتها وتعويضها باستراتيجية جديدة، وبرنامج عمل جديد تماشيا مع متطلبات التنمية المستدامة. كما تزايد الاهتمام به من خلال الهندسة الحكومية التي أحدثت وزارة خاصة به. وأصبح محور دراسة لدى العديد من المؤسسات الدستورية. يتوفر هذا القطاع الواعد على مجموعة من المزايا المؤهلة لذلك تمت المراهنة عليه بشكل كبير في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد، نظرا لقدرته على حل العديد من جوانب الأزمة التي خلفها كوفيد 19 وبناء مغرب أفضل.

وحتى يبرز الاقتصاد الاجتماعي كدعامة ثالثة للتنمية يجب تحويله إلى قطاع اقتصادي قائم الذات، يسهر عليه فاعلون منظمون أكفاء، يتميزون بالدينامية ومبتكرون، قطاع يخلق فرصا للشغل مكملة للمناصب التي يخلقها قطاع السوق والقطاع العام، ويوفر خدمات خصوصا في المجالات الحيوية وذات الأولوية. الكلمات المفتاحية: الاقتصاد الاجتماعي والتضامني – النموذج التنموي الجديد – تقنين القطاع – قوانين المالية – آليات الدعم – التعاونيات – التعاضديات – المقاولات الاجتماعية – التكوين – أنشطة ذات قيمة مضافة ضعيفة – الهشاشة – الفقر – خلق فرص الشغل

Abstract : The concept of a social and solidarity economy has evolved at the national level, especially after increasing international attention. It was given the beginning of a national strategy before it was reviewed and offset by a new strategy and a new programme of action in line with the requirements of sustainable development. There has also been increasing interest in him through government engineering, which has created his own ministry. It has become the focus of study in many constitutional institutions. This promising sector has a range of qualified benefits, so it has been highly prized to download the requirements of the new development model, because of its ability to resolve many aspects of the crisis left by Covid 19 and build a better Moroccan.

In order for the social economy to emerge as a third pillar of development, it must be transformed into a self-contained economic sector, with competent, dynamic and innovative organized actors, one that creates employment opportunities complementary to the positions created by the market and public sectors and provides special services in vital and priority areas.

Keywords : Social Economy and Solidarity- New Development Model- Regulation of the sector – finance laws – the support mechanisms – cooperatives- mutual – social enterprises- formation- low value added activities – vulnerability- poverty-  job creation

تقديم

عرف مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تطورا على المستوى الوطني، خاصة بعد تزايد الاهتمام به دوليا، حيث تم تخصيص استراتيجية وطنية للاقتصاد الوطني الاجتماعي والتضامني للفترة ما بين 2010 و 2020 قبل أن تتم مراجعتها وتعويضها باستراتيجية جديدة، وبرنامج عمل للفترة ما بين 2018 و 2028 وذلك تماشيا مع متطلبات التنمية المستدامة. من ناحية أخرى، تزايد الاهتمام بهذا القطاع من خلال الهندسة الحكومية التي أحدثت وزارة خاصة به. هذا وقد ارتفعت وتيرة الاهتمام به لدى العديد من المؤسسات الدستورية خاصة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي خصص إحالته الذاتية رقم 19.2015 لموضوع “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنمو مندمج”، حيث اقترح التقرير تعريفا جامعا لهذا الاقتصاد كالتالي “يعبر الاقتصاد الاجتماعي والتضامني عن مجموع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي تنتظم في شكل بنية مهيكلة أو التجمعات لأشخاص ذاتيين أو معنويين، بهدف تحقيق المصلحة الجماعية والمجتمعية، وهي أنشطة مستقلة تخضع لتدبير مستقل تشاركي وديمقراطي، يكون الانخراط فيه حرا”[1]. فهو يعتبر الدعامة الثالثة التي يقوم عليها الاقتصاد المتوازن والمدمج إلى جانب القطاعين العام والخاص، ويشكل ملتقى لجميع الشرائح الاجتماعية والمقاولات من مختلف القطاعات والمجالات. فهو يسعى لتحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية، والتنمية العادلة التي تلبي احتياجات المجتمع. كما يساهم في مواجهة العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بتمكين الفئات الهشة، وتقديم مجموعة من الخدمات الأساسية، وضمان تكافؤ الفرص في الوصول إلى الموارد الطبيعية، والحفاظ على الموارد غير المتجددة، والابتكار في استخدام الموارد المتجددة بما يضمن الاستدامة البيئية. 

وبحكم تموقعه بين القطاعين العام والخاص، فهو يعد قطاعا مكملا لمختلف المهام والمسؤوليات المرتبطة بجميع عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذلك تمت المراهنة عليه بشكل كبير في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد، لقدرته على حل العديد من جوانب الأزمة التي خلفها كوفيد 19 وبناء مغرب أفضل.

يتوفر هذا القطاع الواعد على مجموعة من المزايا المؤهلة تتمثل أساسا في أهمية الأصول المادية والمعنوية التي يمتلكها، وكذا كتلة المساهمات المالية التي يتوفر عليها، وبما يوفره من خدمات اجتماعية. هذا إلى جانب قدرته على جلب الموارد المالية، والقيام بدوره في التنمية كداعم للقطاع العام والخاص من خلال تمويل العديد من الأنشطة المهنية والصناعية والخدماتية سواء في التعليم أو الصحة وغير ذلك. فهو  يقوم على أساس مبادرات الساكنة المحلية معتمدا على النمو الذاتي، وتعدد الأنشطة والمشروعات، وتعبئة الإمكانات المالية، وإدماج الفئات الهشة في مسلسل التنمية. فهو يعتبر أهم قطاع لتعبئة الموارد والإمكانات المحلية، بحكم أنه يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة على حدة لينهض بمشاريع وأنشطة تساهم في تحقيق الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مساهما بكل  جدارة في تحقيق التكافل الاجتماعي، وإعطاء قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، حيث يساهم هذا الاقتصاد بنسبة 2% من الناتج الداخلي ويشغل5% من السكان النشيطين أي ما يقارب نحو 600.000 شخص. فالملاحظ بالنسبة للتعاونيات النشيطة على مستوى قطاع الحليب، أنها ما فتئت تراكم إنجازات هامة، وهي تحقق رقم معاملات يقدر بأكثر من 15 مليون درهم، كما توفر فرص عمل لأكثر من 000 15 عامل، وعشرات الآلاف من مناصب الشغل المؤقتة أو غير المباشرة[2].

هذا، وقد بلغ عدد التعاونيات في سنة 2015 ما يقارب 15.000 تعاونية ليصل حاليا إلى 34.000 تعاونية أي بزيادة  120% أي تقريبا نصف التعاونيات الموجودة في العالم العربي. أما الجمعيات فتصل حاليا إلى أزيد من 200 ألف جمعية، التعاضديات 52 تعاضدية، 14 مؤسسات القروض الصغرى. هذا بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات[3] التي تم إنشاؤها سواء من طرف الدولة أو من طرف الفاعلين الخواص، وكذا المقاولات الاجتماعية التي أصبحت جاذبيتها تتزايد في هذا القطاع.

فهذه الإحصائيات تعطي انطباعا بكون هذا الاقتصاد مازال في طور النمو، ويشق مساره بامتياز مقارنة بالدول المتقدمة، حيث يحقق هذا القطاع 10% من الناتج الداخلي كمعدل على مستوى 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، ويشغل تقريبا 6.5% من الساكنة النشيطة أي ما يناهز 14.5 مليون أوربي[4].

هذا التطور يهم، في الوقت ذاته، القطاعات التقليدية مثل الفلاحة، والسكن، والصناعة التقليدية، والغابات، والصيد البحري، والنقل. كما يهم القطاعات الجديدة مثل زيت أرگان، ومحو الأمية، ومستحضرات العطور، والنباتات الطبية، والمواد الغذائية، والتدبير والمحاسباتية… الخ.

الاقتصاد الاجتماعي كدعامة أساسية للتنمية في النموذج التنموي الجديد

حتى يبرز الاقتصاد الاجتماعي كدعامة ثالثة للتنمية يجب خلق قطيعة مع منظور الاقتصاد الاجتماعي القائم على أنشطة معيشية ذات قيمة مضافة ضعيفة، وتحويله إلى قطاع اقتصادي قائم الذات، يسهر عليه فاعلون منظمون أكفاء، يتميزون بالدينامية ومبتكرون، قطاع يخلق فرصا للشغل مكملة للمناصب التي يخلقها قطاع السوق والقطاع العام، ويوفر خدمات خصوصا في ميداني الصحة والتعليم.

ولتحقيق ذلك، يقترح النموذج التنموي الجديد ثلاثة توجهات أساسية هي:

أولها: مأسسة هذا القطاع الجديد

وذلك انطلاقا من عمليات تشاورية واسعة تتم على المستوى الحكومي، بمشاركة كل من المجتمع المدني والقطاع الخاص والجماعات الترابية، بغية إصدار قانون إطار يحدد المبادئ التوجيهية لهذا الاقتصاد، وكذا المعالم المهيكلة لتنميته من قبيل: منظور مشترك للاقتصاد الاجتماعي ولدوره في النموذج التنموي الجديد،  حكامة القطاع وقيادته، أشكال الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية والفاعلين في قطاع الاقتصاد الاجتماعي،  هيكلة الفاعلين في هذا القطاع وتنظيم وضعهم القانوني،  طرق التمويل.

ثانيهاتشجيع تفويض تدبير بعض الخدمات العمومية إلى فاعلين في هذا القطاع

 اعتمادا على منهجية تجريبية، يمكن لبعض المجالات ذات الأولوية ضمن النموذج التنموي الجديد أن تستفيد من مساهمة الاقتصاد الاجتماعي ، من خلال التدبير المفوض لبعض الخدمات العمومية، خصوصا في مجال الصحة والمساعدة الاجتماعية والتعليم والطفولة والثقافة والاقتصاد الدائري والإدماج المهني.

فمن شأن اللجوء إلى هذا النمط من الإنتاج أن يصبح مصدرا مهما لخلق فرص الشغل، لكن شريطة وضع آلية للمواكبة والتمويل من أجل تسهيل بروز نسيج من الفاعلين العصريين والمنظمين. لهذا لا بد من تحديد الخدمات التي يمكن أن تكون موضوع تفويض، ثم تنفيذ بعض المشاريع النموذجية اعتمادا على التجارب الناجحة بغية تجريب مختلف الأشكال التنظيمية الممكنة، ورصد دينامية الفاعلين وتقييم آثارها بهدف الانتقال إلى مرحلة التعميم. كما يمكن للمؤسسات والمقاولات العمومية النشيطة داخل المجالات الترابية، أن تشكل قاطرات لتيسير إطلاق هذا المنظومة. ويمكنها، عندما تصير مقاولات ذات مهام للمصلحة الجماعية، أن تدرج هذا الفعل على المدى الطويل، زيادة على مسؤولياتها الاجتماعية والبيئية.

ثالثها: تنمية ريادة الأعمال المبتكرة في الميدان الاجتماعي

 فمن أجل هيكلة الفاعلين في الاقتصاد الاجتماعي، والسماح ببروز جيل جديد من الفاعلين المبتكرين في الميادين الاجتماعية، لا بد من وضع برامج للمواكبة على مستوى مختلف المجالات الترابية تخصص للأعمال في الميدان الاجتماعي لاسيما بواسطة حاضنات للمشاريع. كما يجب  تنمية مراكز للبحث التطوير والابتكار  بتعاون مع مؤسسات التعليم العالي التي تعمل على إعداد ونشر الممارسات المبتكرة الإيجابية،مع اعتماد نظام قانوني جديد ملائم للمقاولة الاجتماعية.

تقاطعات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مع قوانين المالية

إن النهوض بالقطاع الثالث سيمكن لا محالة من تعبئة موارد مالية مهمة. هذه المقاربة تم تبنيها والاستمرار فيها سواء من خلال الحكومة السابقة أو الحكومة الحالية، حيث تم إرساء العديد من المشاريع في إطار دعم الفاعلين في هذا القطاع، أو من خلال توقيع العديد من الشراكات إما وطنيا أو دوليا.

القطاع الاجتماعي من خلال  قوانين المالية للحكومة السابقة

وهكذا تم إطلاق وتنفيذ النسخة الأولى من طلبات تمويل المشاريع التنموية في إطار برنامج ” مؤازرة 1″ لفائدة الجمعيات العاملة في القطاع بمساهمة مالية قدرها مليونا درهم، خصصت لدعم 42 مشروعاً على المستوى الوطني[5]. كما تم إنجاز بحث ميداني شارك فيه حوالي 800 فاعل في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على مستوى كل جهات المملكة حول تداعيات جائحة كوفيد 19 على هذا القطاع. وفي نفس الصدد، تم تنظيم دورات تكوينية لتقوية القدرات للفاعلين في هذا القطاع بجهة العيون الساقية الحمراء. هذا إلى جانب المشاركة في كل من معرض الخريف المنظم بالمنامة بالبحرين[6]، والنسخة الثالثة من الندوة الدولية المنظمة تحت شعار “التواصل العمومي في خدمة التثمين الترابي والاقتصاد الاجتماعي والتنوع الثقافي” والتي عقدت ما بين 13 إلى 15 فبراير 2020 بمدينة ورزازات. كما تم وضع منصة الكترونية لالتقائية برامج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

وفي إطار التعاون الدولي، تم توقيع اتفاقية شراكة قيمتها مليون و 500 اورو بين الوزارة المكلفة بالقطاع الاجتماعي والوزارة المكلفة بالاقتصاد، والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)  بالمغرب بتاريخ 1 فبراير 2021. وتهدف هذه الشراكة إلى إنجاز مشروع إعادة هيكلة وتعزيز الإطار القانوني، وتنظيم الاقتصاد الاجتماعي في المغرب، ومواكبة إحداث أقطاب ترابية نموذجية للاقتصاد الاجتماعي.

كما تم إعداد مخطط العمل المتعلق بالبرنامج الثنائي للشراكة مع الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية الخاص بالتمكين الاقتصادي للمرأة، من خلال ريادة الأعمال في الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب بغلاف مالي قدره 600 الف يورو، يتم تنفيذه بأربع جهات: الدار البيضاء سطات، سوس ماسه، الشرق، وطنجة تطوان.

أضف إلى ذلك متابعة الاجراءات التي تم اطلاقها في اطار اتفاقية الشراكة بين الوزارة المكلفة بالاقتصاد الاجتماعي ووزارة الشؤون الخارجية والتجارة والتنمية الكندية المتعلقة بالتمكين الاقتصادي للمرأة، من خلال ريادة الأعمال المستدامة بجهة مراكش آسفي الحوز. هذا إلى جانب إعداد مشروع برنامج تعاقدي لتنزيل الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني في إطار التعاون التقني مع كندا.

القطاع الاجتماعي في قانون المالية 2022

حاول قانون المالية لسنة 2022 استحضار سياق تأثير الجائحة على الاقتصاد الوطني من أجل تدارس آليات التخفيف من تداعياتها، أو على الأقل ضمان انطلاقة جديدة لعمل كل القطاعات المتضررة، ومن ذلك سن إجراءات من شأنها دعم منظمات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لتستطيع الحفاظ على قدرتها على الاستمرار في ظل واقع متحول بسرعة. وفي هذا الإطار، تم تخصيص اعتماد مالي قدره 56 مليون درهم أي بزيادة 5.66% مقارنة مع قانون مالية 2021 يهم الدعم المؤسساتي والشراكة، أما إنعاش الاقتصاد الاجتماعي فخصص له غلاف مالي قدره 1.100.000 درهم.

وهكذا، وفي إطار إنعاش الاقتصاد الاجتماعي وتنمية روح التعاون، جعل قانون المالية الأولوية للنهوض بالقطاع الاجتماعي والتضامني، وذلك من خلال مواصلة تتبع منجزات الأوراش التي تم تدشينها خلال قانون مالية 2021 ، إلى جانب:

ـ انطلاق الشطر الثاني من برنامج تقوية القدرات  لفائدة 100 تعاونية ومقاولة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني في إطار البرنامج المندمج لتنمية الأقاليم الجنوبية.

ـ متابعة تنفيذ برنامج مواكبة وتتبع وتقييم المشاريع المستفيدة من الإعانات الموزعة على مختلف جهات المملكة، في إطار برنامج مؤازرة 1، وإعطاء انطلاق برنامج مؤازرة 2 بشراكة مع الشركاء المؤسساتيين.

ـ تتبع إحداث منصة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني لتثمين وتسويق المنتوجات المحلية بأزيلال بشراكة مع مجلس جهة بني ملال – خنيفرة.

ـ تمويل وتنفيذ مشاريع وبرامج تنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بكلفة 7 مليون درهم بجهة طنجة تطوان الحسيمة.

ـ تنفيذ مشروع إنعاش الاقتصاد الاجتماعي من خلال تقوية 500 تعاونية خلال السنة عبر التشخيص الاستراتيجي والتكوين لفائدة مسيري التعاونيات، مع التدريب والمواكبة الفردية وتقوية القدرات التقنية والتدبيرية للتعاونيات المحدثة والتي تحمل مشاريع ناجحة اقتصاديا ومسؤولة اجتماعيا تحت إشراف مكتب تنمية التعاون.

ـ تعزيز وتنسيق اقتصاد اجتماعي وتضامني فعال من خلال تنظيم تظاهرات تشمل كلا من المعرض الوطني والمعارض الدولية والمعارض الجهوية (  تمويل وتنظيم المعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بجهة بني ملال خنيفرة) والمحلية  والأسواق المتنقلة  (تنظيم الأسواق المتنقلة بجهات كلميم  واد نون، والشرق وسوس ماسة درعة وبني ملال خنيفرة) والمناظرة الوطنية والمناظرات الجهوية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

ـ تطوير كفاءات التعاونيات عبر التكوين (الزيادة في عدد المستفيدين من الدورات التكوينية) والمواكبة، حيث من المتوقع أن يصل معدل المواكبة إلى 85% خلال 2022.

آليات دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني

 أكد تقرير النموذج التنموي على بروز اقتصاد اجتماعي مهيكل ومبتكر، باستطاعته إنتاج خدمات جماعية، وخلق قيمة مضافة  في عموم مناطق البلاد كاقتصاد مواز للاقتصاد العمومي والخاص، باعتباره خزانا مليئا بالطاقات وغنيا بالكفاءات. لكنه للأسف يبقى قطاعا محدودا نتيجة مجموعة من العراقيل التي ينبغي تجاوزها للسير قدما نهج الدول الرائدة. لهذا لا بد من تعزيز آليات دعمه في مجموعة من النقاط الأساسية:

ـ في الجانب القانوني: يعاني الاقتصاد الاجتماعي من منظومة قانونية تحدد العناصر المتدخلة من تعاونيات وتعاضديات ومقاولات اجتماعية وأيضا جمعيات. لذا يجب وضع أرضية من أجل ترسيم الحدود لهذا القطاع، وإدراجه في الإحصائيات الرسمية وتشجيع الاستثمار فيه. هذا القانون الإطار الذي مازال حبيس رفوف الأمانة العامة للحكومة في انتظار المصادقة عليه منذ 2016، رغم العديد من النداءات لإخراجه إلى حيز الوجود أسوة ببعض الدول المجاورة كتونس ومالي.

فهذا القانون سيسمح بوضع آليات حقيقية لتطوير هذا القطاع، ولإعطائه نوع من المصداقية والتموقع في التوجه الاقتصادي للمملكة. فهو سيوفر للفاعلين راحة قانونية أكبر في بناء مختلف الصيغ القانونية لتنظيم القطاع. كما سيتيح وضع آليات للحصول على التمويل وتطوير القطاع، ليضع حدا لمجموعة من العراقيل المسطرية،  ويحقق تساوي الفرص مع القطاعين العام والخاص في الاستفادة من السياسات العمومية، بحكم أنه سيحمل حتما العديد من المقتضيات الجديدة. فهذا القطاع الواعد تمت المراهنة عليه بشكل كبير في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد، لقدرته على إدماج القطاع غير المهيكل وتنظيمه واستيعابه.

فالمغرب لا يمكنه أن  يستفيد  استفادة  كاملة من هذه الدينامية التي يعرفها الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بدون توفير تأطير موحد لهذا القطاع في النصوص الرسمية، وبدون ظهور أشكال تشريعية جديدة كفيلة بمواكبة هذه الدينامية الدولية. وبالإمكان أن يترجم هذا الإطار القانوني في صيغة مدونة أو قانون إطار يسمح بإمكانية انفتاح القطاع على المحيط الدولي، ويوفر راحة قانونية أكبر لأشكال تنظيم القطاع. وينتظر من هذا القانون كذلك أن يضع المعايير المتعلقة به، ويحدد مبادئه، وأدوات التدخل، والوسائل اللازمة لدعم تطوير هياكله، مع الحفاظ على المقاربة المدمجة. ويتجلى  أحد مبادئ هذا القانون في تعزيز التدقيق والاعتراف بمعيار المنفعة الاجتماعية المتعلقة بالانتماء إلى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والاستفادة من قانونه التنظيمي.

ـ في الجانب التنظيمي: لا بد من إحداث هيأة وطنية تمثيلية للنهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني. فإلى جانب تمثيلها للقطاع لدى السلطات العمومية والمنظمات الدولية، يتعين على هذه الهيئة أن تشكل جهازا وطنيا مستقلا يقوم بعمل أفقي يغطي مجموع المتدخلين في القطاع، الذين يمثلون أجهزة الدولة (الوزارة الوصية، هيئات المصاحبة…) وممثلي الهيئات الجهوية  للاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وسيكون مجلسها الإداري، برئاسة رئيس الحكومة، هو الهيئة التقريرية التي يتعين عليها أن  تضم  جميع هذه الأطراف، بناء على تمثيلية أغلبية الفاعلين بالقياس إلى باقي الممثلين. وستجمع  هذه الهيئة بين المؤسسات العمومية، التي تتدخل مباشرة أو بصفة غير مباشرة في مصاحبة مختلف الفاعلين من مكتب تنمية التعاون، ووكالة التنمية الاجتماعية، و“مغرب تسويق”. وسينحصر دورها في  بلورة رؤية استراتيجية تتعلق بالقطاع، وإعداد برامج خاصة بها. هذا إلى جانب وضع سياسة وطنية وتتبع تنفيذها.

ويوصي المجلس الاقتصادي  والاجتماعي والبيئي في تقريره[7] بإحداث هيئات جهوية تتشكل، في غالبيتها، من ممثلين عن الفاعلين في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وممثلي الجهة، وممثلي الجامعات ومراكز البحث.

ـ في الجانب المالي والتقني واللوجستيكي: يفتقد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لآليات التمويل التي تحد من فاعليته. فالتمويل هو العنصر الأساسي لتنزيل المشاريع. فطرق التمويل التقليدية لم تعد قادرة على تلبية حاجيات هذا القطاع، فالدولة مجبرة على إيجاد طرق تمويل بديلة. في هذا الإطار، اتخذت الدولة مجموعة من التدابير من أجل تكييف الإطار القانوني مع المعايير الدولية لإنشاء نظام مالي فعال، قادر على تعبئة المدخرات وتطويرها، وإنشاء تمويلات تعاونية.

  فبالنسبة للتمويل بنوعيه العام (يتم من طرف الدولة) والخاص (تقوم به مؤسسات متخصصه كالمكتب الشريف للفوسفاط  والقرض الفلاحي) يبقى جد محدود، بينما التمويل الأجنبي الذي يتم عبر شراكات أو عبر خدمات مباشرة عبر مندوبين،  فرغم أهميته وفاعليته لكنه بدوره يظل غير كاف. لذا ينبغي التفكير في إحداث شباك وحيد للتمويل يضم ممولين وطنيين وأجنبيين، مع تكليف أجهزة تهتم بتدبيره وتسييره.

ـ في جانب التكوين والمواكبة: ينضاف إلى إشكالية التمويل، ضعف الكفاءات البشرية من الناحية التقنية واللوجستيكية والتدبيرية. الأمر الذي يحتاج إلى دعم الدولة حتى يصبح القطاع تنافسيا، قادرا على الرفع من انتاجيته، وخلق وحدات إنتاجية جديدة توفر فرصا للشغل. فالشائع في هذا القطاع أن الإشراف موكول لمهنيين  يفتقدون للخبرة في مجال التدبير والحكامة، لذا من اللازم مواكبتهم عبر التكوين وكذا التنسيق بين مختلف النظم المكونة لهذا القطاع.

وإذا كانت مشاريع نجاعة الأداء تدرج هذا المقتضى ضمن بنودها، لكن عدد التكوينات وعدد المستفيدين تبقى دون العتبة المنشودة خصوصا أمام أهمية المشتغلين في هذا القطاع.

هذا، وقدأدرج النموذج التنموي الجديد التدبير المفوض لبعض الخدمات الاجتماعية كتوجه وآلية لتحقيق التنمية المنشودة. لكن ما تجدر الإشارة إليه أنه لا يمكن تحقيق نفس النتائج التي يحققها التدبير المفوض مع القطاع الخاص، نظرا لكون قطاع الاقتصاد الاجتماعي يهدف أساسا إلى تحقيق أهداف اجتماعية وتضامنية ومجالية، والرفع من جودة الخدمات المقدمة مع تحقيق هامش ربح محدود، عكس التدبير المفوض مع القطاع الخاص الذي يسعى إلى تحقيق أهداف اقتصادية محضة وهامش ربح مهم.  ناهيك عن الكفاءات المؤهلة تقنيا وتدبيريا التي يزخر بها.

فالتدبير المفوض مع هذا الاقتصاد الاجتماعي يحتاج في مرحلة انطلاقه إلى التأطير والمواكبة من طرف القطاعين العام والخاص بغية تمرسه في التدبير وتحقيق الحكامة.

خاتمة

إن ظهور وتطور نموذج جديد للنمو، يكون فيه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إحدى الرافعات الأساسية بالنظر إلى ما يحتوي عليه من إمكانات هامة من حيث خلق الثروات، والنهوض بفرص الشغل ذات الصلة بالقرب وبالإدماج المحلي لشرائح واسعة من المجتمع، الذين تم إقصاؤهم من طرف الدولة والسوق، من شأنه أن يساعد على تحقيق نمو مدمج.

فهذا القطاع استطاع القيام بدوره في إكمال الدورة الاقتصادية بالنسبة للفئات الاجتماعية الهشة من خلال السهر على النهوض بالمبادرة الخاصة، وتطوير الأنشطة ذات البعد الاجتماعي والتضامني، وتحقيق التمكين الاقتصادي للنساء والشباب. لذا وجب الارتقاء بإدارة النشاط الاقتصادي فيه، ومواكبة استراتيجية التدبير التي ينهجها القطاعان العام والخاص. فهو حتما يستطيع تحقيق الغاية من وجوده، وتطوير قدراته التمويلية، والمساهمة في بناء نموذج تنموي جديد يحقق نموا اقتصاديا دامجا مستداما.

وبالنظر إلى ِ طابعه “المدمج”، فإن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يسعى إلى أن يكون الوافد الجديد الكفيل، إلى جانب القطاع العمومي والقطاع الخاص، بإعطاء نفس جديد للنمو الاقتصادي، وذلك من خلال المساهمة في رفع جزء كبير من التحديات المتصلة بالإدماج. فهذا الطابع “المدمج” يعطي للنمو الوطني بعدا يتميز بتعدد القطاعات، ويعمل على إدماج جميع مكونات البلاد، من خلال توفير ولوج منصف إلى الفرص الاقتصادية. وقد برهن هذا الاقتصاد فعلا على أنه قادر على إدماج واحتواء الفئات المستبعدة في العملية الاقتصادية، وبالتالي المساهمة في تحقيق التماسك الاجتماعي، والمساهمة في الأمن الاقتصادي لجميع شرائح الساكنة وفي استقلاليتها.

ومن ثم، فإنه من شأن هذا الاقتصاد أن يشكل في المستقبل جسرا حقيقيا بين الأجيال الجديدة للتضامن وبين التقدم الحتمي للحداثة الاقتصادية في المجتمع.


[1] ـ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من أجل تنمية بشرية قوامها العدالة الاجتماعية، منشورات مركز الدراسة والبحوث في الشؤون البرلمانية بدعم من مؤسسة كونراد ايدناور.

[2] ـ تقديرات الاتحاد الوطني للتعاونيات الفلاحية للحليب.

[3] -les fondations

[4] ـ حسب المركز الدولي للبحث في الاقتصاد العام الاجتماعي والتعاوني

[5] ـ توصلت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي بما مجموعه 200 طلب للمساهمة في تمويل مشاريع تنموية. وقد أسفرت دراسة ملفات المشاريع المعروضة من طرف المؤسسات المعنية بمختلف جهات المملكة، وفقا لمقتضيات نظام طلبات المساهمة في تمويل المشاريع المعتمدة لهذه الغاية، على انتقاء 42 مشروعا تتوزع بين مشاريع مدرة للدخل بنسبة 38 في المائة ومشاريع متعلقة بإحداث منصات رقمية للتسويق بنسبة 24 في المائة ومشاريع متعلقة بالمنصات الإلكترونية للتكوين عن بعد بنسبة 19 في المائة ومشاريع تقوية قدرات الفاعلين في القطاع بنسبة 19 في المائة. وتهم 50 في المائة من المشاريع المنتقاة العالم القروي و52 في المائة من المشاريع تهدف إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية لفائدة النساء، خصوصا في العالم القروي. 

[6] ـ مشاركة 13 تعاونية منها 10 تعاونيات نسائية في معرض الخريف المنظم بالمنامة بالبحرين من 23 إلى 31 يناير 2020

[7] ـ انظر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تحت عنوان “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنمو مدمج”. التقرير منشور بموقع المجلس على الرابط التالي:

https://www.cese.ma/ar/docs/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86%D9%8A/  (visité le 02/01/2022)

إقرأ أيضاً

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية

العمل لأجل المنفعة العامة للأحداث وفقا لمسودة مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية Work …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *