الأساس القانوني لحالة الطوارئ فى بعض الدساتير والصكوك الدولية

الأساس القانوني لحالة الطوارئ فى بعض الدساتير والصكوك الدولية

الأستاذ الدكتور

السيد مصطفى أحمد أبو الخير

أستاذ القانون الدولى العام

كلية القانون جامعة عمر المختار ليبيا

مقدمة

     نتناول فى هذا البحث الأساس القانوني لحالة الطوارئ بين التشريعات الوطنية والصكوك الدولية، ونلقى نظرة سريعة على الأسس الواردة فى بعض الدساتير لبعض الدول، لأننا لن نتمكن من متابعة كافة دساتير دول العالم لأن حالة الطوارئ منصوص عليها فيها، ثانيا لأن البحث ملتزم فيه بعدد معين لإيضاح فكرة البحث، أما فى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التى نصت على حالة الطوارئ تكاد تكون أو هى لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. مع تواتر الدساتير والاتفاقيات الدولية وخاصة مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان بالنص على حالة الطوارئ وتنظيمها، والتى تكاد تكون متشابهة فى المفهوم والمضمون، إلا أن النص عليها فى الدساتير وإعلانات ومواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان، أثر على مفهوم ومضمون حالة الطوارئ وكيفية مواجهتها، لأن صياغة الدساتير تنص على المبادئ العامة الحاكمة لما ورد فيها من موضوعات ولا تحمل أى تفصيلات، وكذلك الصكوك الدولية، لأن التفاصيل تختص بها عادة القوانين/ التشريعات الوطنية التى تفصل الأمر تفصيلا وتنص على وسائل وآليات المواجهة، وتعزف الدول عن إصدار هذه القوانين.

     لذلك نصت دساتير الدول والصكوك الدولية على ضرورة وضع حالة الطوارئ مفهوم ومضمونا وإجراءات تحت رقابة قضائية يختص بها القضاء الوطنى، وأيضا رقابة سياسية يختص بها البرلمان حتى لا تستغل السلطات التنفيذية حالة الطوارئ فى انتهاكات حقوق الإنسان الأصلية والتبعية، ومع ذلك هناك الكثير من ديكتاتوريات، وخاصة دول العالم الثالث تستغل حالة الطوارئ فى تثبيت حكم الطغاة الذين يصلون للحكم بطرق غير شرعية مثل الإنقلابات وخاصة العسكرية، ورغم كثرة النصوص على تنظيم حالة الطوارئ، إلا أن أستغلال حالة الطوارئ فى إصباغ شرعية على مغتصبى السلطة أصبحت سمة مميزة للعديد من دول العالم الثالث، قد يتكون البحث من:

المبحث الأول: مفهوم ومضمون حالة الطوارئ.

المبحث الثانى: الأساس القانونى لحالة الطوارئ فى بعض الدساتير.

المبحث الثالث: الأساس القانونى لحالة الطوارئ فى الصكوك الدولية.

المبحث الأول

مفهوم ومضمون حالة الطوارئ

     حالة الطوارئ هى (الحالة الأستثنائية التى يتطلب حلها إصدار تشريعات خاصة ويتم من خلالها منح السلطة التنفيذية صلاحيات إضافية يتعذر حلها وفق القوانين التقاليدية السائدة فى الدولة) وتكون الدولة أمام حالة الطوارئ حال وجود خطر داهم أو ظرف غير عادى يتعرض له الوطن يهدد أمنه وسلامته، بسبب غزو أو عدوان خارجى أو عصيان مسلح أو حرب أهلية أو أضطرابات داخلية أو نكبات عامة. وقد بدأت تلك الحالة فى الظهور فى القرن التاسع عشر مع ولادة الدولة القومية بمفهومها الحديث، وأنتشرت بعد الحرب العالمية الأولى، وتم تقنينها فى دساتير الدول([1]).

     قد تكون حالة الطوارئ بفعل الإنسان مثل الحروب والتمرد المسلح والانقلابات، وقد تكون بفعل الطبيعة كالفيضانات والبراكين والزلازل والأوبئة، الشيء الذي يهدد النظام العام، ويمثل خطرا على أمن الدولة وسلامتها، وغالبا ما  تعجز التشريعات القائمة والموضوعة في الأساس للظروف العادية أن تجد الحلول المناسبة لتجاوز المصاعب والناتجة عن حالة الطوارئ التى تشكل تعارضا مع اعتبارين هما: المحافظة على كيان الدولة وسلامتها من جهة، ووجوب احترام قواعد القانون من جهة أخرى, مما يستدعي إيجاد الحلول التشريعية المناسبة الكفيلة بتحقيق هذين الاعتبارين.

     ولموجهة ذلك تنص أغلب الدساتير على نصوص دستورية تنظم الظروف الاستثنائية، ومنحت هذه الدساتير رئيس الدولة صلاحيات كبيرة وغير محدودة في ظلها, حيث يصبح المنفذ والمشرع أي أنه يجمع السلطات الثلاث بين يديه، وفي هذه الحالة قد يتعرض الأفراد لخطر جسيم عندما يتعلق الأمر بحقوقهم وحرياتهم، كما تتعرض الأسس التي تقوم عليها دولة القانون والمتمثلة في مبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ الشرعية  للانتهاك، وهذا كله فيه تجاوز لاختصاصات رئيس الدولة الأصلية، وفيه تأثير على مبدأ الشرعية([2]) 

     وتتميز حالة الطوارئ بالطبيعة العالمية فلا فرق بين دولة متقدمة ودولة نامية، إذا ما حدثت، كما أن وسائل مواجهة حالة الطوارئ تتشابة إلى حد كبير أيضا وسائل وكيفية المواجهة([3]) حيث تتخذ فى سبيل ذلك تدابير أستثنائية، تتسم بالسرعة والشدة فى إتخاذ الإجراءات وتنفيذ الأحكام، كما تتميز بأنها تعطل إلى حد كبير الحقوق الحريات العامة للأفراد ووتقلل من الضمانات التشريعية والقضائية التى تطبق فى الظروف العادية([4]) لذلك يجمع الفقه والقضاء على ضرورة منح السلطة التنفيذية سلطات أوسع والتفلت من النصوص العادية، وترجيع أمن الدولة وسلامتها وحماية وجودها تحقيقا للمصلحة العامة على حساب حقوق وحريات الأفراد([5]). ويطلق على حالة الطوارئ عدة مسميات منها الظروف الأستثنائية أو الظروف غير العادية أو الأحكام العرفية والسلامة الوطنية أو مرسوم صيانة الأمن العام والسلامة الدولة.

     وتنص الدساتير على جملة من القيود والضوابط التي تحد من السلطات الواسعة لرئيس الدولة في الظروف الاستثنائية، ولا بد من وجود رقابة كفيلة باحترام حقوق الأفراد وحرياتهم، ومبدأ الشرعية، الذي يتقلص في هذه الظروف، ولضمان حريات الأفراد وحقوقهم فإن ثمة ثلاثة أنواع من الرقابة، تتم مباشرتها، حين يعلن رئيس الجمهورية الظروف الاستثنائية، وهي الرقابة الدستورية تمارسها المحكمة الدستورية، وهي في هذه الحالة رقابة دستورية قضائية، ويراقب القضاء القرارات الصادرة بوجود حالة الطوارئ والإجراءات التى تمت خلال فترة الطوارئ، وقد يشرف البرلمان على الرقابة باعتباره ممثل الشعب وكذلك باعتباره يملك مؤهلات الفاعلية لممارسة الرقابة السياسية على سلطات الأزمات الخاصة الواسعة والخطيرة. والرقابة البرلمانية تكون في الأغلب غير مباشرة، لاستخدام طرق وآليات تمكنه من التأثير والضغط على الحكومة أو من خلال النص على وجوب اجتماعه خلال الظروف الاستثنائية.

      في حين تمثل الرقابة القضائية الضمان الحقيقي لحقوق الأفراد وحرياتهم لأنها الفيصل بين مقتضيات الضرورة ومقتضيات المشروعية أي أن السلطة التقديرية للقاضي تحتاط لما تدعي السلطة أنه مصلحة عامة وما يدعي الأفراد من مشروعية بهدف حماية حقوقهم وحرياتهم من التعدي والانتهاك غير المبرر، فهي سلطة  تقديرية في إطار من الموازنة بين اعتبارات المحافظة على حقوق الأفراد وحرياتهم وبين سلامة الدولة ودرء الأخطار التي تتهددها، إذ أن إقرار الرقابة الفعالة يمنع رئيس الجمهورية من التعسف والاستبداد، (فالسلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة)([6]). ويراقب القضاء الأعمال التى قامت بها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الطوارئ لكن بأسلوب مختلف عن الظروف الأستثنائية، وتقوم حالة الطوارئ على ركنين ([7]) الركن الموضوعى: وجود فعل أو مجموعة أفعال تشكل خطرا يهدد مصلحة جوهرية يحميها القانون ولا يكون لصاحب تلك المصلحة الجوهرية مساهمة فيها، وتهدد تلك الأفعال الأمن العام أو سلامة الوطن ويمكن أن تصل بأن تهدد وجود وأستمرار الدولة ذاتها. والركن الثانى: الركن الشخصى: ويتمثل رد الفعل على الأفعال السابقة وكيفية التعامل معها. ولم يتفق فقهاء القانون عل تعريف محدد لحالة الطوارئ لأختلاف التشريعات المحلية فى عملية تنظيم هذه الحالة قانونياً وأختلافهم فى أساليب تطبيقها، نورد أولا التعريف اللغوى ثم التعريف الأصطلاحى لحالة الطوارئ.

    أولا: التعريف اللغوى: يتكون المصطلح من كلمتين كلمة حالة وهى تعنى لغويا حالة من الحول وحال الشيئ صفته،([8]) ومعنى كلمة طارئة فى اللغة تآتى من الأصل طرأ، والطارئ هو الغريب، ومؤنث الطارئ الطارئة بمعنى الداهية التى لا يعرف من أين أتت وتجمع على طوارئ([9]).

ثانيا: التعريف الأصطلاحى: لم يتفق فقهاء القانون على تعريف محدد لحالة الطوارئ، ولكنهم أتفقوا على الهدف من فرض حالة الطوارئ، والمتمثل فى حماية وجود الدولة وأستمرارها، ونذكر بعض التعريفات المتفق عليها فى الفقه المقارن لحالة الطوارئ([10]).

تعريف الفقهاء لحالة الطوارئ عرفها الفقه الفرنسى: بأنها (ظروف أو أحداث غير عادية متوقع حدوثها ومحددة فى قانون الأحكام العرفية أو قانون حالة الأستدعاء، يؤدى حدوثها إلى عجز السلطات الممنوحة للهيئة القائمة على الضبط الإدارى بموجب اللوائح والتشريعات القائمة عن مواجهة تلك الظروف أو الأحداث الشاذة لذلك يمنح هذا القانون تلك السلطات تدابير أستثنائية لمواجهة هذه الظروف ويخضع فى ذلك لرقابة القضاء)([11]).عرفها الفقه الإنجليزى: بأنها: (تلك الحالة التى يمكن خلالها مجاوزة المبادئ الدستورية الأعتيادية لمواجهة الظروف الأستثنائية)([12]). وعرفها الفقه الأمريكى: بأنها (حالة أعدت لمواجهة ظروف غير مستقرة وغير متكررة لا يمكن مواجهتها بالسلطات التى تمنحها التشريعات العادية)([13]). وعرفها الفقه العربى: بأنها ( تلك الحالة التى تخول السلطة التنفيذية سلطات واسعة لا تتمتع بها فى الظروف العادية، وذلك لمواجهة ظروف استثنائية تتمثل بوجود خطر جسيم يهدد النظام العام وسير الحياة العامة وألا يكون فى وسع السلطات العامة مواجهة هذا الظرف الشاذ بتطبيق القوانين العادية مما تضطر معه إلى اللجوء لإجراءات أستثنائية)([14]).   

     ترتيبا على ما سبق، يمكننا القول بأن حالة الطوارئ تتمثل فى حادث أو حوادث غير عادية تمر على الدولة تهدد وجودها وأستمرارها، لا تصلح التشريعات العادية فى مواجهتها، أما إذا كانت التشريعات العادية كفيلة بمواجهة تلك الأحداث فإعلان حالة الطوارئ يكون غير صحيح قانونا. 

المبحث الثانى

الأساس القانونى لحالة الطوارئ فى بعض الدساتير

نصت كافة الدساتير الموجودة فى العالم على حالة الطوارئ، فالدستور الفرنسى لعام 1958م والمعدل لعام 2008م بالتعديل الدستورى رقم(724) فى 23 يوليو/ تموز 2008م نص على حالة الطوارئ فى المادة (16) منه  التى نصت على أن (1 – إذا تعرضت مؤسسات الجمهورية أو أستقلال الدولة أو وحدة أراضيها أو تنفيذها لالتزاماتها الدولية لخطر داهم وجسيم، وفى حال توقف السلطة الدستورية العامة عن حسن سير عملها المنتظم يتخذ رئيس الجمهورية التدابير التى تقضيها هذه الظروف بعد أستشارته الرسمية رئيس الوزراء ورئيسى مجلس النواب والمجلس الدستورى. 2 – ويوجه خطابا للأمة ويعلمها حول هذه الإجراءات. 3 – سوف تحدد التدابير بحيث تزود السلطات العامة الدستورية بأسرع وقت ممكن بوسائل للقيام بواجباتها ويستشار المجلس الدستورى فيما يتعلق بمثل هذه التدابير.4- يعقد البرلمان جلسته بموجب سلطته. 5 – لا يجوز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة هذه الصلاحيات الطارئة. 6 – لا يجوز لرئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو ستين نائبا أو ستين شيخا، بعد ثلاثين يوما من ممارسة السلطات الأستثنائية، اللجوء إلى المجلس الدستورى بهدف بحث إذا ما كانت الشروط المنصوص عليها فى الفقرة الأولى مازالت مستوفية، ويعلن المجلس فى أقرب وقت عن رأيه، وللمجلس بقوة القانون أن يشرع فى بحث هذه الشروط ويعرب عن رأيه خلال ستين يوما من ممارسة السلطات الأستثنائية وفى أى وقت بعد هذه المدة.).

     وقد نص الدستور المصرى الصادر عام 2012م على حالة الطوارئ فى المادة (148) منه فنصت على (يعلن رئيس الجمهورية بعد أخذ رأى الحكومة حالة الطوارئ، على النحو الذى ينظمه القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية. وإذا حدث الإعلان فى غير دور الأنعقاد وجبت دعوة المجلس للإنعقاد فورا للعرض عليه، وفى حالة حل المجلس يعرض الأمر على مجلس الشورى وذلك كله بمراعاة المدة المنصوص عليها فى الفقرة السابقة ويجب موافقة أغلبية عدد أعضاء كل من المجلسين على إعلان حالة الطوارئ ويكون إلانهاء لمدة محددة لا تتجاوز ستة اشهر، لا تمد إلا بمدة أخرى مماثلة بعد موافقة الشعب فى استفتاء عام، ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ).

      فقد نصت المادة(39) من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية لعام 1991 المعدل سنوات 2006- 2012- 2017 المقابلة للمادة (25) من دستور 1961م نصت على (يتخذ رئيس الجمهورية بعد الاستشارة الرسمية للوزير الأول ولرئيس الجمعية الوطنية وللمجلس الدستوري، التدابير التي تقتضيها الظروف حينما يهدد خطر وشيك الوقوع مؤسسات الجمهورية والأمن والاستقلال الوطنيين وحوزة البلاد، وكذلك حينما يتعرقل السير المنتظم للسلطات العمومية الدستورية، ويطلع الأمة على الحالة عن طريق خطاب. تنبع هذه الإجراءات من الرغبة في ضمان استعادة السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية في أقرب الآجال، وينتهي العمل بها حسب نفس الصيغ حال ما تزول الظروف المسببة لها. تجتمع الجمعية الوطنية وجوبا. لا تحل الجمعية الوطنية خلال ممارسة السلطة الاستثنائية.)

      ونص الفصل(80) من الدستور التونسي لسنة 2014 المقابل للفصل(46) من دستور 1959 على ما يلي: (لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستغلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة ، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس نواب مجلس الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير ببيان إلى الشعب. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس الشعب، كما لا يجب تقديم لائحة لوم ضد الحكومة. وبعد مضي 30 يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 ثلاثين من أعضائه البت في استمرارية الحالة الاستثنائية من عدمه ، وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه 15 خمسة عشر يوما .وينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها، ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب).

     ولم تختلف الجزائر في النص على حالة الاستثناء في كل دساتيرها حيث نصت المادة(93) من دستور 1996 (المقابلة للمادة 59 من دستور 1963 ، والمادة 120 من دستور 1976 ، والمادة 87 من دستور 1989) على ما يلي: (يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استغلالها أو سلامة ترابها.ولا يتخذ مثل هذا الإجراء إلا بعد استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة والمجلس الدستوري، والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن ومجلس الوزراء. تخول الحالة الاستثنائية رئيس الجمهورية أن يتخذ الإجراءات الاستثنائية التي تستوجبها المحافظة على استغلال الأمة والمؤسسات الدستورية في الجمهورية. ويجتمع البرلمان وجوبا. تنتهي الحالة الاستثنائية، حسب الأشكال والإجراءات السالفة الذكر التي أوجبت إعلانها.).

     ولم يختلف الأمر في المغرب حيث نصت على حالة الاستثناء حاضرا في جميع دساتيرها والتي كان آخرها دستور 2011 الذي نص في الفصل(59) المقابل للفصل(35)  من الدساتير المغربية الأخرى على ما يلي : (إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية أمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المحكمة الدستورية وتوجيه خطاب إلى الأمة, ويخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية ويقتضيها الرجوع في أقرب الآجال إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية, لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية, تبقى الحريات والحقوق المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة. ترفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها.).

     وفي لبنان نظم المرسوم الاشتراعي رقم (٥٢) الصادر بتاريخ ٥ آب ١٩٦٧ ، الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، عند تعرض الدولة للكوارث وحالة الحرب الخارجية او الثورة المسلحة أو أعمال واضطرابات تهدد النظام والأمن العام. إذ يترتب على ذلك : انتقال صلاحيات الشرطة الى السلطات العسكرية التي ستمنح صلاحية فورية للمحافظة على الامن ، وتصبح صلاحياتها متجاوزة لقواعد الشرعية القانونية العادية، مثل تفتيش المنازل والمساكن ليلا ونهارا ، وابعاد الاشخاص المشبوهين من بعض المناطق ، وفرض تسليم الاسلحة وذخائرها للسلطات المختصة، ومنع الاجتماعات المخلة بالأمن، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لفرض الرقابة على الصحف والمطبوعات والمنشورات المختلفة والبث الاذاعي والتلفازي وتمنح حالة الطوارئ للسلطة العسكرية العليا الحق في احالة الجرائم الواقعة على أمن الدولة وعلى الدستور وعلى الامن والسلامة العامة امام المحكمة العسكرية، وان وقعت هذه الجرائم خارج الاقاليم المعلنة فيها حالة الطوارئ او المنطقة العسكرية وجرائم اجتياز الحدود بقصد الاعمال العدوانية او المخلة بالأمن.).

        وقد نصت المادة (91) من الدستور الكندى على حالة الطوارئ، والمادة (16) من الدستور السويسرى، وفى الأردن نظم قانون الدفاع الجديد رقم (13) لسنة 1992م حالة الطوارئ بالأردن، وقد منحت المادة (69) من القانون الاساسى الأردنى الملك صلاحية إعلان حالة الطوارئ، والمادة (125) بإعلان الأحكام العرفية، ونظمت المادة (94) من الدستور كيفية إعلان حالة الطوارئ، والدستور السورى لعام 1973م فى المواد 25- 49 منه نظم حالة الطوارئ، وأيضا الدستور العراقى لعام 1970م فى المادة (62/ز) نظم حالة الطوارئ. 

     يلاحظ على النصوص سالفة الذكر من بعض الدساتير إتفاقها على مفهوم ومضمون حالة الطوارئ وكذلك الأتفاق على وسائل المواجهة والإجراءات الواجب أتباعها فى إعلان حالة الطوارئ وكيفية المواجهة هناك من توسع وهناك من حرص من الدساتير على تعطيل سير القوانين العادية فى أضيق حدود حرصا على حقوق الأفراد وحرياتهم العامة من الأنتهاك، وحتى لا يأخذها الحكام وسيلة لفرض سيطرتهم على الدولة والأستمرار فى الحكم رغم رفض الشعب له.

المبحث الثالث

الأساس القانونى لحالة الطوارئ فى الصكوك الدولية

     نصت مواثيق وإتفاقيات وإعلانات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية على حالة الطوارئ([15])، حيث نظمت المادة الرابعة من الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م بالمحلقة بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان لعام 1948م حالة الطوارئ فنصت على (1 – يجوز للدول الأطراف فى الاتفاقية الحالية، فى أوقات الطوارئ العامة التى تهدد حياة الأمة والتى يعلن عن وجودها بصفة رسمية، أن تتخذ من الإجراءات ما يحلها من التزاماتها طبقا للاتفاقية الحالية إلى المدى الذى تقضية بدقة متطلبات الوضع، على أن لا تتنافى هذه الإجراءات مع ألتزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولى ودون أن تتضمن تمييزا على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل الاجتماعى فقط .

2 – ليس فى هذا النص ما يجيز التحلل من الألتزامات المنصوص عليها فى المواد (6 و 7 و 8(فقرة 1 و 2) و 11 و 15 و 16 و 18.).

3 – على كل دولة طرف فى الاتفاقية الحالية أن تستعمل حقها فى التحلل من التزاماتها أن تبلغ الدول الأخرى الأطراف فى الاتفاقية الحالية فورا، عن طريق، الأمين العام للأمم المتحدة، بالنصوص التى أحلت نفسها منها والأسباب التى دفعتها إلى ذلك. وعليها كذلك، وبالطريقة ذاتها، أن تبلغ نفس الدول بتاريخ إنهائها ذلك التحلل.). 

     كما نظمت المادة السابعة من الميثاق العربى لحقوق الإنسان الذى أعد فى إطار جامعة الدول العربية عام 1945م حالة الطوارئ فنصت على أن( أ – لا يجوز فرض قيود على الحقوق والحريات المكفولة بموجب هذا الميثاق سوى ما ينص عليه القانون ويعتبر ضروريا لحماية الأمن والاقتصاد الوطنيين أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق وحريات الآخرين.

ب – يجوز للدول الأطراف فى أوقات الطوارئ العامة التى تهدد حياة الأمة أن تتخذ من الإجراءات ما يحلها من التزامها طبقا لهذا الميثاق إلى المدى الضرورى الذى تقتضية بدقة متطلبات الوضع.

ج – ولا يجوز بأى حال أن تمس تلك القيود أو أن يشمل هذا التحلل الحقوق والضمانات الخاصة بحظر التعذيب والإهانة والعودة إلى الوطن واللجوء السياسيى والمحاكمة وعدم جواز تكرار المحاكمة من ذات الفعل وشرعية الجرائم والعقوبات.).

     وقد تكررت تلك المادة بذات الألفاظ فى المادة الرابعة من الميثاق العربى لحقوق الإنسان الذى اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم (5427) المؤرخ فى 15 سبتمبر عام 1977م([16]).

     كما نظمت المادة (15) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان/اتفاقية حماية حقوق الإنسان فى نطاق مجلس أوروبا روما فى الرابع من نوفمبر عام 1950م، والمعدلة بالبروتوكول رقم 3 الذى بدأ العمل به فى 21 سبتمبر 1970م. والبروتوكول رقم 5 الذى بدأ العمل به فى 20سبتمبر 1971م، وقد نصت على أن( 1 – فى وقت الحرب أو الطوارئ العامة الأخرى التى تهدد حياة الأمة، يجوز لأى طرف سام متعاقد أن يتخذ تدابير تخالف ألتزاماته الأخرى فى أضيق حدود تحتمها مقتضيات الحال، وبشرط ألا تتعارض هذه التدابير مع ألتزاماته الأخرى فى إطار القانون الدولى.

2 – الفقرة السابقة لا تجيز مخالفة المادة الثانية إلا فيما يتعلق بالوفيات الناتجة عن أعمال حربية مشروعة، كما لا تجيز مخالفة المواد الثالثة والرابعة (فقرة أ) والسابعة.

3 – على كل طرف سام متعاقد يستخدم حق المخالفة سالف الذكر أن يخطر السكرتير العام لمجلس أوروبا بمعلومات كاملة عن التدابير التى أتخذها والأسباب التى دعت إليها، كما يخطر السكرتير العام لمجلس أوروبا أيضا عند وقف هذه التدابير وأستئناف التنفيذ الكامل لأحكام المعاهدة.).

     هذا وقد نظمت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان سان خوسيه فى 2/11/1969م التى أعدت فى إطار منظمة الدول الأمريكية حالة الطوارئ فى المادة (27) منها فنصت على أن([17]):

( 1- يمكن للدولة الطرف، في أوقات الحرب أو الخطر العام أو سواهما من الحالات الطارئة التي تهدد استقلال الدولة أو أمنها، أن تتخذ إجراءات تحد من التزاماتها بموجب الاتفاقية الحالية، ولكن فقط بالقدر وخلال المدة اللذين تقتضيهما ضرورات الوضع الطارئ، شريطة ألا تتعارض تلك الإجراءات مع التزاماتها الأخرى بمقتضى القانون الدولي وألا تنطوي على تمييز بسبب العرق، أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي.

  • إن الفقرة السابقة لا تجيز تعليق أي من المواد التالية: المادة 3 (الحق في الشخصية القانونية) المادة 4 (الحق في الحياة) المادة 5 (تحريم التعذيب) المادة 6 (تحريم الرق والعبودية)، المادة 9 (تحريم القوانين الرجعية)، المادة 12 (حرية الضمير والدين) المادة 18 (الحق في اسم)، المادة 19 (حقوق الطفل) المادة 20 (حق الجنسية)، المادة 17 (حقوق الأسرة) والمادة 23 (حق المشاركة في الحكم)، كما لا تجيز تعليق الضمانات القضائية اللازمة لحماية تلك الحقوق.
  • على كل دولة طرف تستفيد من حق التعليق أن تعلم فوراً سائر الدول الأطراف بواسطة الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية بالأحكام التي علقت تطبيقها، وأسباب ذلك التعليق، والتاريخ المحدد لانتهائه.).

يلاحظ مما سبق من نصوص دولية، أنها نصت على حالة الطوارئ مع شبه إتفاق تام على المفهوم والمضمون وكذا الإجراءات الواجب إتباعها، ويلاحظ وضع تلك النصوص حدود لمضمون حالة الطوارئ، مع أستثناء بعض الحقوق مثل الحق فى الحياة ومنع التعذيب والحق فى الحياة وغيرهما من الأنتهاك أثناء حالة الطوارئ وذلك بخلاف نصوص الدساتير سالفة الذكر.

الخاتمة

     فى صفحات قليلة العدد تم أستعراض نصوص بعض الدساتير العربية والغربية التى نصت على حالة الطوارئ ونظمت كيفية إعلانها ووضع ضوابط لها، كما تم أستعراض نصوص فى الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان تبين الآتى:

1 – إجماع تلك النصوص سالفة الذكر على النص على حالة الطوارئ مع وضع ضوابط لكيفية الإعلان والمواجهة.

2 – بعض الدساتير تركت للقوانين الوطنية تنظيم العمل فى حالة الطوارئ.

3 –  عزوف كثير من الدول عن وضع القوانين التى تنظم دواليب العمل أثناء حالة الطوارئ.

4 – فى الواقع العملى تتخذ بعض الحكومات وخاصة فى دول العالم الثالث حالة الطوارئ لفرض سيطرتها على الحكم فى الدولة بزعم وجود حالة طوارئ.

5 – تستخدم بعض الحكومات حالة الطوارئ فى إصباغ شرعية على نظم حكم غير شرعية جاءت للحكم بإنقلابات عسكرية.

6 – الرقابة على إعلان حالة الطوارئ ووسائل مواجهتها فى أغلب الأحيان رقابة صورية ضعيفة شرفية فقط لإصباغ شرعية على إجراءات تشكل جرائم وأنتهاكات لأبسط حقوق الإنسان.

7 – يجب وضع رقابة حقيقية وزيادة ضمانات عدم إستغلال إعلان حالة الطوارئ عن طريق فرض رقابة حقيقية سياسية وشعبية وقضائية.


[1] – الدكتور/ عباس عبد الأمير إبراهيم العامرى، إعلان حالة الطوارئ وأثره على قانون الإنسان، منشورات الحلبى الحقيقية، الطبعة الأولى، 2016م، بيروت لبنان، ص: 21.

[2]  – الدكتورة/ فاطمة موساوي ، الرقابة على السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية في الأنظمة القانونية: الجزائرية والفرنسية والمصرية ، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في القانون العام ، جامعة الجزائر 1 ، كلية الحقوق ، قسم القانون العام ، السنة الجامعية 2016-2017. ص : 1-2-3-4.

[3]  – الدكتور/إيهاب طارق عبد العظیم، علاقة الفرد بالسلطة في ظل الظروف الاستثنائیة، (دراسة تحلیلیة مقارنة بین النظامین الفرنسي والمصري)، مؤسسة الطوبجي للتجارة والطباعة والنشر، القاھرة، 2005 ، ص:.47

[4]  – الدكتور/ محمد حسن دخیل، الحریات العامة في ظل الظروف الاستثنائیة، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي. الحقوقیة، لبنان، 2009 ، ص 45

[5]  – الدكتور/ غضبان مبروك والدكتور/ غربى نجاح، قراءة تحليلية للنصوص القانونية المنظمة لحالتى الحصار والطوارئ ومدى تأثيرهما على الحقوق والحريات فى الجزائر، مجلة الفكر العدد العاشر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، ص: 12.

[6]  – الدكتور: عمار عباس: مقومات النظام السياسي المنشود ومبرراته، المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية ، كلية الحقوق ، جامعة مولود معمري بتيزي وزو، العدد الأول 2012،ص 12.

[7]  – أحمد على حمزة، أثر الظروف الأستثنائية على حقوق الإنسان، رسالة ماجستير، جامعة بابل، 2006م، ص: 120.

[8]  – مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، ص:  209.

[9]  – ابن منظور، لسان العرب مصر1/ 114.

[10]  – محمود محمد مسلم أبو موسى، حالة الطوارئ كأستثناء على مبدا المشروعية فى التشريع الفلسطينى دراسة مقارنة مع النظم القانونية والشريعة الإسلامية، رسالة ماجستير، كلية الشريعة والقانون، الجامعة الإسلامية بغزة، 2018م، ص: 62 -63.

[11]  – الدكتور/ محمد الوكيل، حالة الطوارئ وسلطات الضبط الإدارى، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، عام 2003م، ص: 134.

[12]  – الدكتور/ حقى إسماعيل بريوتى، الرقابة على أعمال السطة القائمة على حالة الطوارئ دراسة مقارنة فى النظام العراقى والمصرى والأنجلو أمريكى، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، عام 1981م، ص: 16.

[13]  – المرجع السابق، ص: 19.

[14]  – الدكتور/ زكريا محمد عبد الحميد محفوظ، حالة الطوارئ فى القانون المقارن، منشأة المعارف، الأسكندرية، عام 1966م، ص:  159.

[15]  – الدكتور/ الشافعى محمد بشير، الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004م، ص:19 وما بعدها.

[16]  – الدكتور/ السيد أبو الخير، نصوص المواثيق والإعلانات والاتفاقيات لحقوق الإنسان، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، الماظة القاهرة، عام 2005م، ص: 167.

[17] – الدكتور/ محمود شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، المجلد الثاني، دار الشروق، القاهرة، 2003م.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *