إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية أمام القضاء الإستعجالي.
المالكي محمد،
باحث في سلك الدكتوراه
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية )
المقدمة :
تشكل الضرائب والرسوم أهم مورد مالي لميزانية الدولة وأداة لتنفيذ سياستها، ولهذا أصبح استعمال الضرائب كوسيلة اقتصادية في أيادي السلطات العمومية بمثابة مفتاح عمومي لمواجهة الضغط الخارجي أو الداخلي وحل المشاكل أيا كان نوعها، حيث تلجا الدولة إلى توظيف مداخيل الديون العمومية في خدمة سياسية اقتصادية ومالية ظرفية.
ولقد أناط المشرع المغربي أمر فرض الضريبة إلى الإدارة، وعهد إلى الخزينة العامة أمر تحصيلها، ومنحها من الآليات القانونية والموارد المالية مايساعدها على القيام بالدور المنوط بها بكل يسر وفعالية[1].
وفي مقابل الضمانات والامتيازات التي خولها المشرع للخزينة، فقد كفل للملزمين-المدينين-مجموعة من الحقوق والضمانات الموازية من بينها وسائل إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية، وذلك لخلق نوع من التوازن النسبي بين الطرفين إلا أن الواقع العملي أبان عن قصور بعض الآليات القانونية في حماية المدينين من تعسف الإدارة الجبائية، أو من تحمل وزر الأخطاء التي ترتكبها هذه الإدارة في حقهم[2].
وأمام هذا القصور والفراغ التشريعي، ابتكر القضاء الإداري مجموعة من الآليات والحلول القانونية، ليستجيب من خلالها لتطلعات المدينين بالديون العمومية، ولعل أهمها يتمثل في مسطرة إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية التي اعتبرها بعض الفقهاء ” مسطرة قضائية تتيح للقاضي بان يوقف إجراء تحصيل ادين العمومي، في انتظار صدور حكم في جوهر النزاع، ويكون لهذا الحكم قوته الإلزامية، وكافة أثاره القانونية “، والتي تعتبر ضمانة استثنائية سنها المشرع للحد من الآثار السلبية التي يمكن أن تلحق المدين الممتنع عن الأداء بسبب وجود مانع قانوني أو واقعي.
ويتمثل جوهر هذا النظام في حيلولة القضاء دون تحصيل بعض الديون العمومية التي تحوم حول قانونيتها، لكن دون أن يؤدي الحكم إلى تأكيد أو نفي وجود الدين المنازع فيه، وإنما إلى إيقاف إجراءات تحصيلها إلى غاية البت في قانونيتها موضوعا.
فماهو مفهوم هذا النظام؟ وما هي الآثار المترتبة عليه ؟ .
فماهو مفهوم هذا النظام؟ وما هي الآثار المترتبة عليه ؟ .
هذا ما سنحاول الإجابة علية من خلال التصميم التالي :
الفرع الأول : مفهوم نظام إيقاف تنفيذ الديون العمومية
الفقرة الأولى : تعريف نظام إيقاف تنفيذ الديون العمومية
الفقرة الثانية : خصائص نظام إيقاف تنفيذ الديون العمومية
الفرع الثاني : الآثار المترتبة عن الأمر بإيقاف تنفيذ الديون العمومية
الفقرة الأولى : آثار الأمر بإيقاف تنفيذ الديون العمومية بالنسبة للطرف المحكوم له
الفقرة الثانية : آثار الأمر بإيقاف تنفيذ الديون العمومية في مواجهة الجهة المكلفة بالتحصيل
الفرع الأول : مفهوم نظام إيقاف تنفيذ الديون العمومية.
يعتبر إيقاف تنفيذ الدين الضريبي ضمانة استثنائية، سنها المشرع بهدف الحد من الآثار السلبية التي يمكن أن تلحق المدين الممتنع عن الأداء بسبب وجود مانع قانوني أو واقعي يثيره في منازعته أمام القضاء العادي، ونظرا لأهمية هذا النظام ولكونه ضمانة مهمة سنها المشرع الضريبي للملزم سنعمل على تعريفه في “الفقرة الأولى” ثم إبراز خصائصه في “الفقرة الثانية”.
الفقرة الأولى : تعريف نظام إيقاف تنفيذ الديون العمومية.
يقصد بإيقاف تنفيذ إجراءات استخلاص دين ضريبي الحكم الذي بموجبه يرى القاضي الاستجابة بناء على طلب الملزم وبعد توفر شروط معينة أن يوقف مؤقتا إجراءات تحصيل الضريبة إلى حين البت بحكم نهائي في موضوع المنازعة[3]. فإيقاف تنفيذ تحصيل الضريبة تعتبر إذن، إمكانية بل وامتياز للمدين الملزم بالضريبة، تدخل في إطار السلطة التقديرية للقضاء[4]. أي أنها مسطرة قضائية، على عكس مسطرة وقف الأداء التي تعتبر مسطرة إدارية[5].
و الفقه الفرنسي يرى أن وقف التنفيذ أقر قضائيا[6] لخلق توازن بين امتيازات الإدارة المكلفة بتحصيل الديون العمومية من جهة، وضمانات الملزمين من جهة أخرى، وبالتالي، الحد من شطط وتعسف الإدارة. كما أقر أيضا لملئ الفراغ وتجاوز العيوب التي تشوب النظام القانوني لوقف الأداء[7].
لذلك وفي إطار استخلاص الدين العمومي، وفي مقدمتها الديون الضريبية حيث تتمتع الخزينة بامتياز التنفيذ المباشر علي أموال المدين أو الغير الحائز، وحينما يداهم الملزم بمسطرة التحصيل الجبري المتمثلة في الإنذار القانوني أو الحجز أو البيع أو الإكراه البدني، يلجأ إلي القضاء للمطالبة بإيقاف التنفيذ بناءا على إعفاءه من الخضوع للضريبة أو لخرق مسطرة فرض تلك الضريبة أو لبطلان إجراءات تحصيلها أو سقوط حق القابض في استخلاص الدين العمومي للتقادم.
وفي فقرتنا هاته سنحاول الإحاطة بالأساس القانوني لإيقاف تنفيذ الديون العمومية من خلال الاجتهاد القضائي الإداري “أولا”، ثم تمييزه عن بعض المساطر الأخرى “ثانيا”، وأخيرا تبيان شروطه “ثالثا”
أولا : الأساس القانوني لإيقاف تنفيذ الديون العمومية من خلال الاجتهاد القضائي الإداري.
قبل التطرق إلى موقف الاجتهاد القضائي الإداري من الأساس القانوني لإيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية ،سنقوم باستعراض موقف الفقه منه .
1- موقف الفقه من الأساس القانوني لإيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية :
اختلفت أراء الفقهاء حول نظام إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية بين مؤيد ومعارض.
- بالنسبة لموقف الفقه المؤيد لنظام إيقاف تحصيل الديون العمومية، فيتجسد من خلال موقفه من مختلف الجوانب بين الإدارة الجبائية والقضاء الإداري.
– فمن خلال مقتضيات المادة 124 من مدونة التحصيل و التي تنص في فقرتها الأولى على ” لا يحق لأي سلطة عمومية أو إدارية إن توقف أو تؤجل تحصيل الضرائب والرسوم والديون الأخرى، أو أن تعرقل سيره العادي تحت طائلة إثارة مسؤوليتها الشخصية المالية وفق الشروط المحددة في الظهير الشريف المؤرخ في 2 ابريل 1955 بشأن مسؤولية المحاسبين العموميين “، تتمسك الإدارة الجبائية في إنكارها لاختصاص القضاء في منح إيقاف تحصيل دين عمومي بالدفع الخاص بالمنع منصوص عليه في المادة المذكورة ، حيث ترى بأن القضاء هو إحدى هذه الجهات المشمولة بالمنع في المادة السالفة الذكر مما يجعله مخاطبا لأحكامها وبالتالي ممنوعا من إيقاف تحصيل الديون العمومية .
وردا على ما ذهبت إليه الإدارة الجبائية من كون القضاء مشمولا بالمنع المنصوص عليه في المادة 124 فقد اعتبر بعض الباحثين[8] بأن المادة 124 لا تخاطب السلطة القضائية لأن المادة 124 التي تحدد الجهات التي شملها المنع من إيقاف أو تأجيل الوفاء بالدين العمومي سواء بالطريقة الجبرية أو الحبية لم تشر إلى السلطة القضائية وهو ما يزكي الموقف الذي يؤكد أن مقتضيات هذه المادة لا تسري على القضاء أو بمعنى آخر أن القاضي بوسعه أن يؤجل أو يوقف أداء استخلاص الدين الضريبي بدون التقيد بما ورد في المدونة من شروط [9].
– ومن خلال مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 117 من مدونة التحصيل والتي تنص على مايلي ” بصرف النظر عن أي مطالبة أو دعوى ينبغي على المدينين أن يؤذوا ما بذمتهم من ضرائب ورسوم أخرى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون “، فمن خلال تفسير الإدارة الجبائية لهذه الفقرة اعتبرت بأن أداء الضريبة شرطا لقبول دعوى إيقاف تحصيل الديون العمومية .
وقد اعترض الفقه هذا الادعاء من خلال تفسير مقتضيات المادة المذكورة تفسيرا لا يجعل من أداء الضريبة شرطا للإقامة دعوى إيقاف التحصيل.
وفسر بعض الفقهاء[10] مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 15 من ظهير 21 غشت 1935 التي كانت سارية المفعول قبل دخول مدونة التحصيل حيز التنفيذ والتي تقابلها المادة 117 المذكورة في ما يلي:
” نعتقد…انه إذا كان الفصل 11 يحتم على القباض عدم تأجيل استخلاص الضرائب وما في حكمها فان هذا المقتضى يخصهم بالدرجة الأولى بمعنى أن النص يتوجه إليهم ماداموا مكلفين بالاستخلاص وبالتالي فان ذلك لا يشكل قاعدة ملزمة بالنسبة للمحكمة بمعنى أن الملزم بالضريبة حينما يقدم المنازعة أمام المحكمة فهي تنظر في مدى جدية هذه المنازعة من عدمها ولا تنظر في واقعة الأداء هل تم أو لم يتم مادام هذا الأداء لا يعتبر شكلية من شكليات إقامة الدعوى كلما هناك هو أن الموظف المكلف بالاستخلاص لا يلتفت إلى ما قام به الملزم من منازعة بل يتابع عملية الاستخلاص بكيفية معتادة وكأن هذه المنازعة لم تقدم أصلا مادام ليس لها أي اثر واقف “.
ومن تم فمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 117 لا تقرر جعل أداء الضريبة محل النزاع شرطا لقبول إيقاف التحصيل وإنما تخاطب المحاسبين المكلفين بالتحصيل لمتابعة التحصيل بالرغم من كل مطالبة أو طعن قضائي أو إداري وهو أمر بديهي في إطار المنازعات الإدارية والمنازعات الجبائية.
ب- موقف الفقه المعارض لاعتماد نظام إيقاف تحصيل الديون العمومية:
لقد تم تأسيس إيقاف تحصيل الديون العمومية في مرحلة معينة على المادة 24 من القانون 41.90 والتي نظم المشرع من خلالها مسطرة إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية وهو ما دفع بعض الفقه إلى تجديد تأكيده على أن إيقاف التحصيل يرتبط ارتباطا وثيقا بمنازعات تجاوز السلطة في الوقت الذي تنتمي فيه المنازعات الجبائية إلى القضاء الشامل مما يفسر رغبة المشرع باستبعاد تطبيق مسطرة إيقاف تحصيل الديون العمومية في الميدان الجبائي[11]، ولا زال هناك من يشكك في وجود أي سند قانوني واضح يجيز للقضاء الإستعجالي إيقاف تحصيل الديون العمومية خارج القواعد الخاصة.
و ذلك بناءا على أساسين:
الأول : يتمثل في أن وجود مسطرة خاصة لتأجيل أداء الدين الضريبي العمومي يحول دون البحث في القواعد العامة عن مسطرة أخرى وإذا كانت القاعدة هي الأداء داخل الأجل القانوني بغض النظر عن أية إشكالية أو دعوى فان الاستثناء على هذه القاعدة (إذا كان هناك استثناء) يجب أن يكون بنص تشريعي صريح وواضح، و الاستثناء الوحيد على القاعدة المذكورة هو إمكانية إيقاف الدين العمومي بناء على المادة 117 .
الثاني : يتجسد فيما تنص عليه المادة 124 والتي تمنع أية سلطة عمومية أو إدارية أن توقف أو تؤجل تحصيل الضرائب والرسوم والديون الأخرى، و أو أن تعرقل سيره العادي وقد اعتبر أصحاب هذا الرأي[12]، بأن القضاء مشمول بهذا المنع باعتباره سلطة ثالثة إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية كما اعتبروا الأوامر القضائية الموجهة للإدارة الضريبية بوقف تحصيل الضريبة قد تحمل أمرا موجها من سلطة قضائية إلى سلطة تنفيذية مما يشكل عرقلة لعمل الإدارة بمفهوم المادة 25 من قانون المسطرة المدنية، أما بعض الباحثين فينكرون على إيقاف تحصيل الديون العمومية طابعه الوقتي والاستعجالي ويعتبرون مسألة إيقاف تحصيل الدين العمومي مسألة موضوع وليس مسألة إجراء وقتي منطلقين في ذلك من شرط عدم المساس بجوهر الحق والذي يعتبر قوام ومناط اختصاص القضاء الإستعجالي ومعتبرين بأن النظر في طلب وقف تحصيل دين عمومي من شأنه أن يمس بأصل الحق مما يجعل الاعتماد على المادة 19 من القانون 41.90 غير كافي للقول باختصاص قاضي المستعجلات للبث في طلب إيقاف تحصيل دين عمومي.
2: موقف القضاء الإداري من نظام إيقاف تحصيل الديون العمومية:
بنى القضاء الإداري اجتهاده لتأسيس إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية على مجموعة من المبررات القانونية والتي نستشفها من خلال تحليل مختلف الأوامر والأحكام القضائية الخاصة بها.
حيث نجد أن القضاء الإستعجالي الإداري قد بنى موقفه على مبررين، هما الطابع الوقتي والاستعجالي لطلب إيقاف تحصيل الدين العمومي، و مبدأ حسن سير العدالة.
بالنسبة الطابع الوقتي والاستعجالي، فحسب بعض الفقهاء:
يقصد بالطلب الوقتي ” الطلب الذي يرمي إلى حماية حق يخشى عليه من فوات الوقت، أو الذي يقصد منه إبعاد خطر محقق الوقوع، أو المحافظة على حالة فعلية مشروعة أو صيانة مركز قانوني قائم “.ويندرج طلب إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية ضمن الأوضاع الواقعية التي لم تعرف تنظيم تشريعي، لكنه طلب يقبل بطبيعته إدراجه ضمن الطلبات الوقتية والاستعجالية التي تخضع للقواعد العامة للاستعجال، ولعل ما دفع بالقضاء الإستعجالي الإداري للإقرار هذا النظام هو اكتسائه طابعا وقتيا واستعجاليا مما يجعله يندرج ضمن الطلبات الاستعجالية الوقتية التي تعتبر من صميم اختصاصه.
والإجراء الوقتي “هو الذي يتميز بعدم تقييده لقاضي الأمور المستعجلة أو قاضي الموضوع، وبإمكانية العدول عنه دون حدوث ضرر يصعب تلافيه…”.
أما الإجراء الإستعجالي ” فهو الذي يكون مقرونا بعنصر الاستعجال، ويخضع لمسطرة خاصة غير المنصوص عليها في الحالات العادية، وهي المنصوص عليها من طرف المشرع المغربي في الفصول من 149 إلى 154 من ق.م.م “.
ومن تم فإيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية[13] هو إجراء وقتي لكونه لا يقيد قاضي الاستعجالات، إذ يمكنه العدول عنه دون حدوث ضرر يصعب تلافيه، لأنه لا يمس جوهر الموضوع ولا يغير المراكز القانونية للأطراف، كما أنه لا يقيد قاضي المستعجلات، فهو لا يقيد قاضي الموضوع أيضا. وبناءا على ذلك لم يبقى أي مبرر للقول بان مسالة إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية هي مسالة موضوعية أكثر مما هي وقتية أو استعجالية، وهو ما يؤكده القضاء الإستعجالي الإداري، بحيث جاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء ما يلي: ” طلب الإيقاف المؤقت لإجراءات تحصيل الضرائب، طلب وقتي لكونه محدد في الزمن تستدعيه الضرورة الملحة لحل مؤقت يحافظ على مصالح الخصوم ويجنب إخطار مواصلة إجراءات التنفيذ التي قد تنشأ عنها أضرار يصعب تداركها مستقبلا…”[14].
و من تم فتدخل القاضي الإستعجالي الإداري لإيقاف إجراءات التحصيل يجد تبريره في درء الخطر الذي قد تشكله إجراءات تحصيلها في مواجهة المدينين.
أما بالنسبة لمنح طلب إيقاف إجراءات تحصيل دين عمومي من باب حسن سير العدالة فنستشفه من حيثيات بعض الأوامر الصادرة عن المحاكم الادارية ومنها الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط[15] والذي جاء فيه ” وحيث انه أمام هذه المعطيات، ومن باب حسن سير العدالة الأمر بإيقاف إجراءات تنفيذ الضريبة موضوع النزاع مؤقتا وذلك إلى حين البت في دعوى الموضوع المعروضة على هذه المحكمة… “.
وكذلك الأمر الاستعجالي والصادر عن نفس رئيس المحكمة حيث جاء فيه[16]:
” من باب حسن العدالة الأمر بإيقاف إجراءات الحجز التنفيذي المنصب على المنقولات إلى غاية البت في دعوى الموضوع، تفاديا لتعذر ارجاع الحالة إلى ما كانت عليه في حالة صدور حكم في هذه الدعوى يقضي ببطلان تلك الإجراءات “.
من خلال هذين الأمرين الاستعجالين نجدهما يستندان إلى مبدأ حسن سير العدالة كمبرر للإيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية، وهي حالة نادرا ما تقع، بحيث أن قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بالرباط استند لهذا المبدأ لكي يكتسي إيقاف التحصيل طابعا قانونيا وحقوقيا.
وعموما يبقى استناد القضاء على مبدأ حسن سير العدالة كمبرر للإيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية توجها محمودا يتجلى من خلاله، الطابع الحمائي للقاضي الإداري للحقوق والحريات، وطابع الضمان لمصالح الأفراد في سياق تحقيق ذلك التوازن المفقود بين طرفي علاقة غير متكافئة، من خلال مراعاة مصالح المدينين وصون الأموال العمومية وحمايتها[17]. وهذا على اعتبار أن دور القاضي لا يقتصر على تطبيق القانون وإنما يصنعه صنعا محاولا إيجاد التوازن بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة.
ثانيا : تمييز مسطرة إيقاف تنفيذ الديون العمومية عن بعض المساطر الأخرى.
سنميز إيقاف إجراءات تنفيذ الديون عن باقي المفاهيم المجاورة والتي تتجلى أساسا في مسطرة إيقاف الأداء، ومسطرة إيقاف تنفيذ الأحكام القضائية ثم إلغاء تحصيل الدين العمومي.
1 -تمييز إيقاف إجراءات تنفيذ الديون الضريبية عن مسطرة إيقاف الأداء.
يقصد بإيقاف أداء الدين العمومي “الحق المخول بمقتضى القانون لكل شخص مطالب بهذا الدين، في ان يلجأ إلى المحاسب المكلف بالتحصيل من اجل ان يوقف مطالبته بدين عمومي أو متابعته بإجراء من إجراءات المتابعة لذلك إلى حين البث في شكايته المتعلقة بموضوع الدين أو صدور حكم في الدعوة المرفوعة أمام الجهة القضائية المختصة.
و قد نظم المشرع المغربي هذه المسطرة من خلال المادتين117 و 118 من القانون 1975 واللتين حلتين محل المادة 15 من ظهير 21 غشت 1935 الذي كان سار المفعول قبل صدور مدونة تحصيل الديون العمومية التي كانت تثير حسب بعض الباحثين إشكال عدم التمييز بين إيقاف الأداء و إيقاف التنفيذ[18].
تختلف مسطرة إيقاف الأداء عن مسطرة إيقاف التنفيذ من حيث الجهة المختصة، فقد حدد المشرع في المادة 117 الجهة المختصة بالبث في طلب إيقاف الأداء و المتمثلة في المحاسب المكلف بالتحصيل و بالتالي فهي مسطرة إدارية يملك فيها المحاسب سلطة تقديرية واسعة ، إما بالنسبة لمسطرة إيقاف التنفيذ فهي مسطرة قضائية ، يختص القضاء الإستعجالي الإداري بالنظر فيها .
كما تختلف المسطرتان من حيث شروط كل منهما، فالشرط الأساسي لقبول طرف إيقاف الأداء يتجلى في ضرورة تقديم ضمانات كافية، بينما لا يتطلب القضاء الإستعجالي للاستجابة لطلبات إيقاف التنفيذ ضرورة تقديم ضمانات إلا في حالات استثنائية ،حيث متى توافر عنصر الاستعجال و الجدية في الطلب كان الطلب مقبولا[19].
تختلف مسطرة إيقاف الأداء عن مسطرة إيقاف التنفيذ من حيت الآثار ذلك انه عندما يقبل المحاسب المكلف بالتحصيل طلب إيقاف الأداء فلا يمكنه التراجع عن قراره إلا في حالة نقص الضمانات المقدمة، بينما يجوز للقاضي التراجع عن الأمر بإيقاف التنفيذ متى طرأت ظروف تزيل من الإيقاف صفة الاستعجال مثلا.
يسري مفعول طلب إيقاف الأداء إذا توافرت شروطه منذ تقديمه إلى المحاسب المكلف بالتحصيل و لا يتوقف على إذن من هذا الأخير، بخلاف إيقاف التنفيذ الذي لا ينتج أثار إلا بعد الأمر به من طرف رئيس المحكمة الإدارية[20].
2- تمييز مسطرة إيقاف تنفيذ الديون الضريبية عن مسطرة إيقاف تنفيذ الأحكام القضائية .
تختلف المسطرتين عن بعضهما من حيث الموضوع، ذلك أن مسطرة إيقاف تنفيذ الأحكام القضائية تنصب على الأحكام والقرارات القضائية، في حين أن مسطرة إيقاف تنفيذ الديون الضريبية تنصب على الديون العمومية .
كما تختلفان من حيت الجهة المختصة بالبت في كل منهما، وقد حدد المشرع الجهة المختصة بالبت بطلبات إيقاف التنفيذ الأحكام القضائية منة خلال الفصل 147 ق م م والمتمثلة في غرفة المشورة .
أما بالنسبة للنظر في طلبات إيقاف تنفيذ الديون الضريبية فهو من اختصاص رؤساء المحاكم الإدارية بصفتهم قضاة للأمور المستعجلة بمقتضى المادة 19 من قانون إحداث المحاكم الإدارية ،والفصل 149 من ق م م الذي تحيل عليه المادة 7 من قانون إحداث المحاكم الإدارية.
3: تمييز الإيقاف عن إلغاء تحصيل الدين العمومي :
نصت المادة 126 من مدونة تحصيل الديون العمومية على الحالات التي يتم فيها اقتراح إلغاء الديون العمومية والتي تتمثل فيما يلي:
– عدم إفضاء طرق التنفيذ على أموال المدين إلى تحصيل الديون العمومية وفي هذه الحالة يكون اقتراح الإلغاء من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل.
– عدم إفضاء تلك الطرق إلى التنفيذ على شخصه، فعدم تحصيل تلك الديون العمومية الناتج عن جميع طرق التنفيذ المستعملة في هذا الصدد سواء على الشخص المدين أو على أمواله وبذلك يتم اقتراح إلغاء الديون التي تعذر تحصيلها.
ومن هنا يمكن القول أن إلغاء تحصيل الدين العمومي يختلف عن إيقاف تحصيله من حيث الوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك ففي الحالة الأولى كما سبق الإشارة إليه يتم الإلغاء باقتراح من المحاسب المكلف أما في الحالة الثانية فتكون بمبادرة من الخاضع للضريبة.
كما تتجلى أوجه الاختلاف من حيث الشروط، حيث يتم إلغاء الديون العمومية ان كان الملزم غير متوفر على الإمكانيات المالية للأداء أما في إطار إيقاف تحصيل الديون العمومية فان الخاضع في حين صدور أمر بالتحصيل الجبري ضده يلجأ إلى القضاء للمطالبة بإيقاف إجراءات التحصيل بناءا على إعفائه من الخضوع إلى الضريبة أو خرق في المسطرة المتبعة لبطلان إجراءات التحصيل.
ثالثا : شروط إيقاف تنفيذ الديون العمومية
تقتضي مسطرة وقف التنفيذ توافر شروط شكلية وأخرى موضوعية.
1- بالنسبة للشروط الشكلية لإيقاف تحصيل الديون العمومية فتتمثل في:
أ- وجود منازعة بين المدين بالدين العمومي والجهة المكلفة بتأسيس هذا الدين أو الجهة المكلفة بتحصيله، حيث استقر القضاء الإداري على قبول طلب إيقاف تحصيل الدين العمومي، رغم أن المنازعة الجبائية لازالت في مرحلة المطالبة التمهيدية أمام الإدارة الجبائية، أو في مرحلة المطالبة اللجانية.[21] و كمثال على قبول القضاء الإداري لطلب الإيقاف سواء كان النزاع معروضا أمام الإدارة أو أمام القضاء، ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية بالرباط والتي جاء في إحدى الأوامر[22] الصادرة عن رئيسها ما نصه: ” وحيث لئن جرى العمل القضائي بهذه المحكمة على قبول المطالبة بإيقاف تنفيذ الدين العمومي… كإجراء وقتي لغاية استيفاء المسطرة الإدارية للطعن الإداري أو لغاية البث النهائي في النزاع القضائي المعروض على محكمة الموضوع…”.
ويمنح إيقاف تحصيل الضريبة بالرغم من عدم قيام الملزم بأي طعن إداري أو قضائي، حيث جاء في الأمر الإستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بمراكش[23] ما يلي: ” وحيث إن الطالب ينازع أصلا في سبب الدين الذي تم بموجبه إيقاع الحجز على أمواله، منازعا في صفته أصلا كمدين للجهة الحاجزة، مما قدرنا معه الاستجابة لطلب إيقاف هذه الإجراءات بغض النظر عن أداء أية ضمانة مع إلزامه بعرض جوهر النزاع على المحكمة المختصة داخل أجل 15 يوما من تاريخ صدور هذا الحكم تحت طائلة إيقاف مفعوله تلقائيا إن لم يكن قد رفع دعواه فعلا”.
ب- إضافة إلى استمرارية قابلية الدين العمومي لتحصيل، فإذا تم تحصيل الدين العمومي، سواء من خلال أدائه الطوعي من طرف المدين، أو من خلال إسقاطه من طرف الجهة التي أصدرته، أو تم من خلال مباشرة طرق التحصيل الجبري التي أسفرت عن استيفائه، أو كان المدين قد حصل على إيقاف أدائه، فلا مجال لطلب إيقاف تنفيذه أمام القضاء الإستعجالي الإداري.
وبالرغم من أن صدور حكم قضائي نهائي يقضي بإلغاء الدين العمومي يجعل هذا الدين غير قابل للتنفيذ، إلا أن هناك بعض الحالات التي يحصل فيها المدين على حكم قضائي نهائي يقضي بإلغاء الدين العمومي في مواجهته، و بالرغم من ذلك يواجه بإجراءات التحصيل من طرف الجهة المكلفة به.
وقد تمت ملاحظة مثل هذه الحالة من خلال الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بأكادير، إذ بالرغم من أن النزاع بين الملزم والإدارة الجبائية حول الفرض التلقائي للضريبة على الأرباح العقارية قد أسفر عن إصدار حكم بإلغائها وإخلاء ذمته في مواجهتها، إلا أنه ظل مواجها بإجراءات التحصيل الجبري للضريبة التي تم إلغائها، مما اضطره إلى تقديم طلب استعجالي إلى رئيس المحكمة المذكورة لاستصدار أمر بإيقاف إجراءات التحصيل الجارية في مواجهته. و فيما يلي بعض ما جاء في حيثيات الأمر المذكور[24]: ” وحيث إنه أمام إلغاء الضريبة موضوع إجراءات التحصيل الجبري الجارية في مواجهة المدعي فإن جدية المنازعة ثابتة ويتعين من أجل ذلك ودون حاجة إلى تكوين ضمانة الحكم بإيقاف إجراءات التحصيل الجبري الجارية في مواجهة المدعي…”.
ث- ثم شرط مباشرة إجراءات التحصيل في مواجهة طالب الإيقاف. ومعناه أن تباشر الإدارة المكلفة بالتحصيل إجراءات التحصيل ضد المدين، أما إذا قدم الطلب قبل مباشرة الإجراءات فيكون سابقا لأوانه ويكون مآله الرفض، وهذا ما عبر عنه حكم الاستعجالي الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء ” و حيث إنه وبعد الاطلاع على ظاهر وثائق الملف، تبين لنا كون الخزينة العامة للمملكة لم تسلك أي إجراء من إجراءات التحصيل في مواجهة الطالب، و ذلك بعد قبولها الضمانة الرهنية المقدمة من طرفه، و أن الرسالة المستدل بها من طرفه لا تعدو أن تكون مجرد إخبار وتذكير بالمديونية… وحيث تبعا لذلك يكون الطلب الحالي غير مؤسس قانونا فيتعين رفضه…” [25]
2- و بالنسبة للشروط الموضوعية:
استلزم القضاء الإداري لقبول طلب إيقاف تحصيل إجراءات تحصيل الديون العمومية ، ضرورة توافر شرطين أساسيين هما، شرط الجدية وعنصر الاستعجال
أ- شرط المنازعة الجدية: ويقصد بالمنازعة الجدية في أصل الدين المطالب به أن الوسائل المعتمدة في دعوى الموضوع أو على الأقل إحداها تكون كافية لإلغاء الدين برمته أو على الأقل إلغاء الجزء المطالب بوقف تنفيذه، ويدخل تحديد هذا الشرط في إطار السلطة التقديرية للقاضي. وقد عرفت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) المقصود بالمنازعة الجدية كونها منازعة الملزم في صفته كخاضع للضريبة أو في قانونية تأسيس وفرض تلك الضريبة، حيث جاء في قرار الغرفة الإدارية[26] وهي ترد على الوسيلة المتعلقة بجدية النزاع المستمدة من إجراء خبرة في موضوع النزاع: ” لكن حيث إن الاجتهاد القضائي الذي كرسته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قد استقر على أن جدية المنازعة تتمثل إما في منازعة الملزم في وضعيته كخاضع للضريبة أو في قانونية تأسيس أو فرض تلك الضريبة وأنه بالرجوع إلى ظاهر أوراق الملف يتبين أن المستأنفة تستكثر تقديرات الإدارة الجبائية المطالب بها ولا تنازع بصورة جدية في صفتها كملزمة بالضريبة أو في مسطرة فرضها وكان ما أثير بدون أساس”.
وقد أكد هذا المنحى أمر رئيس المحكمة الإدارية بفاس حيث قضى بإيقاف تنفيذ الضريبة على القيمة المضافة بعد أن بدا له من ظاهر أوراق الملف أن حق إدارة الضرائب في تأسيسها مطال بالسقوط للتقادم الرباعي المنصوص عليه بالفصل 54 من القانون 30-85 المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة، معتبرا ذلك من قبيل المنازعة الجدية التي تبرر الاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ، جاء فيه ما يلي: ” تقبل المطالبة بإيقاف تنفيذ الدين العمومي كإجراء وقتي لغاية استنفاذ المسطرة الإدارية للطعن الإداري أو البت في جوهر النزاع قضاء في إطار القواعد العامة للاستعجال ومن غير اشتراط الضمانة الكفيلة بتأمين الدين الضريبي كما هو منصوص عليها بالفصلين 117 و 118 من القانون 15-97 حالة توافر ظاهر الطلب على جدية السبب…” [27] ، وقد بين الأمر القضائي المذكور المقصود بجدية السبب بقوله: ” يقصد بجدية السبب المنازعة الجدية في مبدأ الإخضاع الضريبي أو في مسطرة فرض الضريبة الآيلة بحسب الظاهر إلى ترجيح إلغاء تلك الضريبة”.
وتتلخص بعض وسائل المنازعة الجدية المثارة بسبب طلبات إيقاف التنفيذ والتي تبثها المحاكم الإدارية فيما يلي:
– توقف الملزم عن مزاولة النشاط المفروضة عليه من الضريبة.
– توفر الملزم على شروط الإعفاء الكلي أو الجزئي من الضريبة.
– إثارة التقادم الضريبي سواء ما تعلق منه بالوعاء أو التحصيل.
– صدور حكم ابتدائي قضى بإلغاء الضريبة لم يصبح نهائيا بسبب استئنافه من طرف إدارة الضرائب.
– مطالبة الملزم بأداء ضرائب لا زال النزاع في شأنها معروضا على اللجان الضريبية.
ب- عنصر الاستعجال: ويقصد به الحالة التي يرى فيها القاضي الإداري ضرورة الإيقاف، وأن مباشرة إجراءات تحصيل الضريبة في مواجهة الملزم/المدين من شأنها أن تسبب له أو لمقاولته في أضرار وخيمة قد يصعب تدارك نتائجها في المستقبل. اعتبارا لكونه “الخطر الداهم الذي يتهدد حق من الحقوق يتعذر تداركه لو ترك اتخاذ الإجراءات المؤقتة فيه للقضاء الموضوعي بالإجراءات العادية، وأنه يحدد بظروف كل دعوى وملابساتها وظروف الحق المراد حمايته”[28] .
وشرط الاستعجال المبرر لتدخل القاضي الاستعجالي يستشف من ظروف وملابسات كل قضية على حدة ، فهو غير رهين بإرادة الأطراف[29].
وفي إطار البحث في هذا الشرط يمكن التأكيد على أن القاضي يوجد في وضعية صعبة بالنظر إلى جسامة الموقف وصعوبة التوفيق بين موقف الملزم الذي يرى في مباشرة إجراءات التحصيل في حقه حصول أضرار جسيمة في حقه يصعب تداركها مستقبلا، وبين وضعية الخزينة العامة التي تسعى إلى تحصيل الديون الضريبية لمواجهة الإنفاق العام.
وقد اشترط الاجتهاد القضائي هذا التوجه من خلال عدة أوامر قضائية بحيث جاء في أمر لرئيس إدارية الرباط حيث تقبل المطالبة بإيقاف تنفيذ الدين العمومي في إطار القواعد العامة للإستعجال حيادا على ضوابط وإجراءات إيقاف الأداء والتنفيذ المنصوص عليهما في النصوص 117و118 من قانون 15.97 متى توافرت جدية السبب بمفهوم المنازعة في صفة الملزم الخاضع للدين الضريبي أو مسطرة فرضه او تحصيله الآيلة بحسب الظاهر إلى إلغاء الدين”[30].
وفي نفس السياق جاء قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش ، حيث جاء في حيثياته “حيث لما كان الثابت أن طلب إيقاف إجراءات التحصيل طلب وقتي لكونه محدد في الزمن وتستدعيه الضرورة الملحة كحل مؤقت يحافظ على مصالح الخصوم ويجنب أخطار مواصلة إجراءات التنفيذ التي قد تنشأ عنها أضرارا يصعب تداركها مستقبلا فإن الاستجابة إليه تبقى رهينة بقيام حالة الاستعجال وتوافر عنصر الجدية في الطلب، فإن الثابت من ظاهر الوثائق أن المستأنف عليها مواجهة بإجراءات التحصيل عن طريق الإشعار للغير الحائز الذي يعتبر إجراءا تنفيذيا يترتب عليه الأداء الفوري للمبالغ المحجوزة فإن الاستعجال يكون قائما”[31].
و مهمة تقييم مدى توفر العنصر الاستعجال في طلب إيقاف الدين العمومي من عدمه تبقى مهمة موكولة إلى قاض المستعجلات،الذي يتعين عليه أن يبين العناصر التي شفعت له في الإقرار بقيام وضعية استعجال وخطر داهم يبرر تدخله، واستنباط التعليل الملائم يقتضي من القاضي فحص ظاهر المستندات بحث عرضيا يتلمس به ما يحتمل المستعجلات محكوم بالاطلاع على مقال دعوى الموضع وحججها ليستخلص منها مدى توفر الطلب على عنصري الاستعجال والجدية.
وأنه بالرغم من كل هذا يبقى تأجيل أو إيقاف التنفيذ مستحقا وعادلا في بعض الحالات بالنسبة للأشخاص والمقاولات متى ثبت أنهم مطالبين بديون ضريبية تفتقد إلى السند القانوني أو مر عليها أمد التقادم القانوني أو تحوم شكوك حول مشروعيتها، لكن في مقابل ذلك يجب أن لا يكون هذا التأجيل منحة مجانية ومكافأة للذين يسعون على عرقلة تحصيل ديون الخزينة العامة المخصصة للإنفاق العام في سبيل تحقيق المصلحة العامة للمواطنين وإشباع حاجيات الأفراد والجماعات في الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، هي غايات لا شك في أن جميع مكونات الإدارة العامة تسعى إلى تحقيقها بما يخدم الصالح العام.
من خلال ما سبق يمكن القول أن شرط الاستعجال هو شرط قائم بذاته ومستقل عن شرط المنازعة والقضاء دأب على اعتبار أن طلبات تأجيل التنفيذ هي طلبات استعجالية بطبيعتها[32]. في حين أن الاجتهاد القضائي الفرنسي على مستوى مجلس الدولة يتجه إلى مناقشة حالة بحالة أثناء إجراءات التحصيل الجبري، وبالتالي لا يمنح إيقاف التنفيذ إلا إذا أثبت الملزم أن أداء الضريبة قد يسبب له أضرار يصعب تداركها وذلك من خلال التحقيق في طبيعة الضرر ومداه.
إذا كان القضاء قد دأب على الاستجابة لطلبات وقف التنفيذ بتوافر عنصري الاستعجال والجدية فإن المشرع قد أضاف إلى المادة 242 من المدونة العامة للضرائب الفقرة الرابعة والتي تنص على مايلي: بالرغم من جميع الأحكام المخالفة لا يمكن إيقاف تنفيذ تحصيل الضرائب والواجبات والرسوم المستحقة إثر مراقبة ضريبية إلا بعد وضع الضمانات الكافية كما هو منصوص عليه في المادة 118 من القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية السالف الذكر. وهكذا بعد إضافة هذه الفقرة إلى المادة 242 من المدونة العامة للضرائب أصبح لمنح إيقاف التنفيذ شرط أساسي وبصريح النص وهو المتمثل في وضع ضمانات كافية كما هو منصوص عليها في المادة 118 من مدونة تحصيل الديون العمومية وفي هذا الإطار جاء الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالبيضاء يقضي “حيث إن مؤدى الطلب هو الأمر بإيقاف الأمرين بالتحصيل الصادرين بتاريخ 30/9/2010 وبتاريخ 24/09/2011 والمباشرة إجراءاتهما في مواجهة الطالب وذلك لغاية البت في دعوى الموضوع الرامية إلى إلغائهما .
وحيث إن الثابت من ظاهر الوثائق كون الطالب ينازع موضوعا في تقديرات الإدارة الجبائية بمناسبة تحديدها للضريبة على الدخل المستحقة عن الأرباح العقارية وعن تفويت أصل تجاري ، أي أنه يستكثر هذه التقديرات ولا ينازع في صفته كملزم أو في عدم مشروعية الفرض أو التحصيل ، ومن ثمة فإنه يكون ملزما بإيداع الضمانات الكافية كمقابل لإيقاف التنفيذ تحت طائلة رفض طلبه ، وذلك إعمالا للمادة 242 من المدونة العامة للضرائب .
وحيث إن عدم تقيد الطالب بالمقتضى القانوني المذكور يجعل طلبه غير مؤسس قانونا، فيتعين الحكم برفضه”[33].
و الملاحظ أن المشرع من خلال وضع هذا الشرط قد حاول أن يقيد من السلطة التقديرية للقاضي في منح أمر إيقاف تنفيذ الضريبة لمن طلبه، فبعدما كانت الاستجابة لطلب وقف التنفيذ تعتمد على مدى توفر شرطي الجدية والاستعجال أصبح القاضي ملزما بإضافة شرط ثالث وهو وضع ضمانات كافية من طرف طالب التنفيذ. وكان هدف المشرع عندما جاء بهذا التعديل التقليص من حجم الأوامر القضائية لوقف التنفيذ وهذا ما شكل مساسا كبيرا بحقوق الملزمين.
لكن بالرجوع إلى العمل القضائي نجد أن المحاكم لازلت تعتمد على شرطي الجدية والاستعجال فقط للاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ، كما هو الحال في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش ” إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية إلى حين البت في دعوى الموضوع يبرره قيام حالة الاستعجال وجدية المنازعة في الموضوع.
– تكوين ضمانة مالية لتأمين أداء الدين الضريبي لا يكون لازما متى ثبتت جدية المنازعة في صفة الملزم أو قانونية فرض أو تحصيل الدين أو في مسطرة مراجعته أو تقادم تأسيسه أو تحصيله[34]“.
وبخلاف القاعدة السابقة أن توفر الضمانات لتأمين أداء الدين العمومي دون تحقق شرطي الاستعجال والجدية لا يحقق الاستجابة لطلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل حيث إن شرط تقديم ضمانة لتأمين تحصيل الدين المنازع فيه إنما يرتبط أصلا بتوافر وتحقق شرطي الاستعجال والجدية بمفهومهما المحدد سابقا وهذا ما ورد عن الغرفة الاستعجالية لمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش” الاستجابة لطلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل رهينة بتوفر عنصري الاستعجال وجدية الطلب.
– تقديم ضمانة لتأمين تحصيل الدين المنازع فيه في حالة عدم تحقق شرطي الاستعجال والجدية …لا “[35] .
ومن هنا يمكن القول أن العمل القضائي سار على تأكيد نهج الحماية الذي يوفره القضاء الاستعجالي للمدين من خلال اقتصاره في العديد من القرارات على توفر عنصري الاستعجال والجدية للاستجابة لطلب إيقاف إجراءات التحصيل.
إن القضاء الإداري المغربي بصفة عامة والاستعجالي بصفة خاصة استطاع أن يؤسس لنفسه مدرسة قضائية متميزة في قضايا إيقاف تحصيل الديون العمومية وذلك عبر مسار تدريجي عمل فيها على دمج كل من عنصري الاستعجال والجدية في قالب منفرد، حيث تميز بالمرونة مع القضايا المعروضة على القاضي الاستعجالي وهذا ما يتجلى من خلال مختلف قرارات محاكم الإدارية .
الفقرة الثانية : خصائص نظام إيقاف تنفيذ الديون العمومية.
وقف التنفيذ هو الحكم الذي بموجبه يقرر القاضي بطلب من الملزم وبشروط معينة أن يوقف مؤقتا إجراءات تحصيل ضريبة معينة إلى حين البت بحكم نهائي في منازعة الملزم في موضوع الدين. انطلاقا من هنا يمكن أن نستشف الخصائص التي يتميز بها نظام وقف الأداء، والمتمثلة في كونه مسطرة قضائية، وفي كونه استثناء من القاعدة، كما أنه إجراء حمائي للمدينين.
أولا : إيقاف تنفيذ الديون العمومية هو مسطرة قضائية.
سميت مسطرة إيقاف تنفيذ الديون الضريبية بالمسطرة قضائية لتمييزها عن المساطر الإدارية المشابهة لها والتي تجد تطبيقها أمام الإدارة. وهي مسطرة استعجالية تمتاز بباسطة إجراءاتها ومرونتها، وقلة تكلفتها المالية من خلال قلة الرسوم القضائية المؤداة في الطلبات الاستعجالية، وتمتاز كذلك بقصر الآجال وسرعة البت التي تميز القضاء الاستعجالي في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت.
إن طلبات إيقاف تنفيذ الدين العمومي المرفوعة في إطار القواعد العامة للاستعجال لا تتقيد لا بمسطرة الطعن الإداري لدى مصلحة الوعاء الضريبي ولا بتكوين الضمانة الكفيلة بسداد الدين العمومي. وإن عدم التزام الطالب بمسطرة الطعن الإداري المذكور، وتكوين الضمانة الكفيلة لسداد الدين العمومي، ما هو إلا نتيجة حتمية لما استقر عليه القضاء الإداري من عدم تقيد الملزم لمسطرة الطعن الإداري في تحصيل الضريبة بمناسبة النزاع القضائي الموضوعي كما تتطلبه القوانين والأنظمة الجاري بها العمل في حالة القول بإعفائه من تلك الضريبة أو خرق مسطرة فرضها ، وباعتبار أن القضاء الإستعجالي جزء من قضاء الموضوع ويستمد اختصاصه منه ومن تم لا يعقل أن يكون الملزم غير مقيد بسلوك مسطرة الطعن الإداري بمناسبة النزاع القضائي موضوعا ، وملزم بمسطرة الطعن الإداري أمام القضاء الإستعجالي والحال أنه فرع من قضاء الموضوع وهذا ما ذهب إليه القضاء الإداري سواء على مستوى المحاكم الإدارية أو على مستوى الغرفة الإدارية بمحكمة النقض إذ يربط بين مبدأ الإخضاع للضريبة ومسطرة فرضها ومسطرة الطعن الإداري في حالة الإخلال بالإجراءات المقررة لفرض تلك الضريبة أو في حالة عدم خضوع الملزم لها ويحق له اللجوء مباشرة إلى النزاع القضائي دون إلزامه بمسطرة الطعن الإداري، وقد ترجمت هذا المعطى العديد من قرارات المحاكم الإدارية بالمملكة من بينها قرار استئنافية مراكش الذي جاء فيه “….. حالة الاستعجال تعفي صاحب الشأن من سلوك مسطرة التظلم الإداري وتقديم ضمانة…”[36].
ثانيا : إيقاف تنفيذ الديون العمومية هو استثناء عن القاعدة .
الأصل أن الضرائب والرسوم المدرجة في الجداول، تصبح مستحقة وواجبة الأداء عند الشهر الثاني الموالي لشهر الشروع في استخلاصها، دون اعتبار أو التفات للمطالبات التي تقدم أمام الإدارة، أو القضاء، وذلك حسب ما نصت عليه المادة 117 من مدونة التحصيل “بصرف النظر عن أية مطالبة أو دعوى، ينبغي على المدينين أن يؤدوا ما بذمتهم من ضرائب ورسوم أخرى، طبقا للشروط المحددة في هذا القانون”. ولتكريس هذا المبدأ ومواجهة أي تقصير قد يحدث في تحصيل الديون الضريبية، منع المشرع على أية سلطة عمومية أو إدارية أن توقف أو تؤجل تحصيل الضرائب والرسوم، والديون الأخرى، أو عرقلة سيره العادي وذلك تحت إثارة مسؤوليتها الشخصية والمالية حسب ما نصت عليه المادة 124 من مدونة التحصيل.
إلا أن هذا المبدأ العام تقابله استثناءات سنها المشرع ولعل أبرزها إيقاف تنفيذ الديون العمومية، غير أنه استثناء قيده المشرع الجبائي بمقتضيات وظروف خاصة، تلزم القضاء الحكم به مراعاة لظروف الملزم، وتمكينه من الاستفادة من المدة التي تم وقف التنفيذ فيها حتى يتمكن من تدبير أموره والحصول على المبالغ اللازمة للأداء أو لمتابعة الإجراءات حتى يحصل على سند بالإلغاء.
ثالثا: إيقاف تنفيذ الديون العمومية هو إجراء حمائي للمدينين
من المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها القوانين الضريبية، وقوانين التحصيل هو أن أي فرض ضريبي يعقبه مباشرة استخلاص هذه الضريبة، ولا يمكن إيقاف هذا التنفيذ إلا إذا قدم الملزم سببا كافيا لذلك معززا بضمانة حقيقية، إلا أن المحاكم الإدارية تسارع في قبول طلبات إيقاف تنفيذ الاستخلاص الضريبي كلما كانت المنازعة الضريبية تستند على أسباب جدية، فقاضي الحقوق المستعجلة بصفته ضامنا للحق كيفما كانت الأطراف المتخاصمة يستند أثناء نظره في الدعوى إلى المنطق العصري الذي يحكم العلاقات بين الإدارة والمواطن، والذي مفاده ألا يضار هذا الأخير في ذاته أو ماله بدون موجب حق[37] .
حيث يترتب على الإذن بوقف التنفيذ إيقاف إجراءات المتابعة إلى حين صدور حكم في الدعوى المرفوعة في الموضوع، مما يشكل امتيازا للمتقاضي الذي يكون مداهما بالتنفيذ خصوصا مع ما يوفره القضاء الاستعجالي من سرعة في البت وتقصير لمواعيد الإجراءات. كما أن إيقاف تنفيذ الديون الضريبية هو إجراء حمائي للدائنين فقد ينازع المدين مثلا في وجود الدين أو في استحقاقه أو يدعي سقوطه بالتقادم، إلا انه و مع ذلك يكون مهددا بإجراءات التحصيل الجبري في مواجهته و التي قد تطال أمواله أو حتى شخصه في بعض الأحيان بالنسبة للشخص الطبيعي المدين. و عندما يرتبط الأمر بشركة قد يجعلها أداء الدين العمومي رغم منازعتها في موضوعه، في ضائقة مالية، يمكن أن تؤدي بها إلى الحكم بتسويتها أو تصفيتها قضائيا.
و من هنا تظهر أهمية نظام إيقاف تنفيذ الديون الضريبية و دوره في حماية الأشخاص سواء كانوا طبيعيين أو معنويين، و ذلك في الحالة التي ينازعون فيها في الديون العمومية بشكل جدي [38] .
ويعتبر الحكم الصادر عن المحكمة الادارية بالرباط[39] ، ترجمة لمبدأ الحماية الذي تبناه القضاء الاستعجالي المغربي في نظام إيقاف إجراءات التحصيل حيث جاء فيه:
“استقر عمل قاضي المستعجلات بهذه المحكمة على قبول المطالبة بإيقاف إجراءات تنفيذ الدين العمومي كإجراء وقتي إلى غاية البت إداريا أو قضائيا في جوهر النزاع في إطار القواعد العامة للاستعجال، متى توافرت في الطلب حالة الاستعجال بمفهوم الضرر الذي يصعب تدارك نتائجه بعد التنفيذ ، وجدية السبب المستمد من المنازعة في مسطرة فرض أو تحصيل الدين الضريبي الآيلة موضوعا إلى إلغاء وعاء الدين العمومي أو مسطرة تحصيله بحسب الأحوال.
إن قبول إدارة الضرائب للكفالة البنكية المقدمة كضمانة من طرف المدعية يجعل طلب إيقاف إجراءات تحصيل هذا الدين الضريبي له ما يبرره من الناحية القانونية وحليفا بالاستجابة إليه، مادامت حقوق الأطراف محفوظة بما فيه الكفاية، بالنظر لتحقق التوازن في حماية المال العام من جهة وحماية حقوق الملزم من جهة أخرى في ظل مبدأ العدالة الضريبية ، سيما في ظل اقتران الإجراء بحالة الاستعجال المستمدة من صعوبة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه فيما لو تم التنفيذ”.
الفرع الثاني : الآثار المترتبة عن الأمر الصادر بوقف إجراءات التحصيل
يترتب عن صدور الأمر بالإيقاف المؤقت للدين العمومي عدة آثار سواء بالنسبة للمحكوم له، أو بالنسبة للجهة المكلفة بالتحصيل.
الفقرة الأولى:آثار الأمر بإيقاف الدين العمومي بالنسبة للطرف المحكوم له.
يمكن أن نحدد هذه الآثار المتعلقة بوقف التنفيذ بالنسبة للمحكوم له في استفادته من التنفيذ المعجل بقوة القانون وكدالك وقف إجراءات التحصيل في مواجهته.
أولا: استفادة من التنفيذ المعجل بقوة القانون :
عرف الفقه التنفيذ المعجل بقوة القانون بأنه استثناء من القواعد العامة في تنفيذ الأحكام وهو تنفيذ للحكم بالرغم من أنه قابل للطعن فيه بالمعارضة أو بالاستئناف وبالرغم من الطعن فيه فعلا بهذين الطريقين ولهذا لا يجوز في غير الحالات التي نص عليها القانون. و يقرره القانون في حالات معينة ويمنح بموجبه للحكم أو الأمر القضائي قوة تنفيذية دون تدخل من القاضي إذ لا حاجة للتصريح به من طرف هذا الأخير على عكس حالات التنفيذ المعجل القضائي.[40]
فالتنفيذ المعجل بقوة القانون إذن هي حالات يستمد فيها الحكم قوته التنفيذية من القانون مباشرة دون حاجة لان يطلبه الخصم أو أن يحكم به القاضي و ليس للقاضي أي سلطة تقديرية، وإذا توافرت إحدى الحالات يجب أن يقضي بشمول الحكم بالنفاذ المعجل فإذا رفض القاضي فيكون خطأ و يمكن الطعن في الحكم بسبب خطأ في وصفه يمنع تنفيذ الحكم، بخلاف التنفيذ المعجل القضائي[41].
إن الأوامر الصادرة عن القضاء المستعجل مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 153 من ق م م حيث جاء فيها : “تكون الأوامر الاستعجالية مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون” و يعني شمول الأمر الاستعجالي بالتنفيذ المعجل أن تنفيذه يتم رغم قابليته للطعن فيه بالاستئناف بل رغم الطعن فيه فعلا بالاستئناف، فإذا كان الاستئناف باعتباره طريقا من طرق الطعن العادية يوقف تنفيذ الأحكام ، فإن هذه القاعدة لا تسري على الأوامر الاستعجالية التي يتم تنفيذها بمجرد صدور الأمر رغم كل استئناف.
و الحكمة من ذلك أن الانتظار حتى يصبح الأمر الاستعجالي انتهائيا من شأنه أن يفوت الغرض من صدروه خاصة أنه لم يصدر إلا بخصوص حالة استعجالية، ثم إن هذا الأمر قليل الخطورة، لأنه لا يفصل في موضوع النزاع إذ أنه إجراء وفتي لا يمس أصل الحق.
و الأوامر الاستعجالية تعتبر من أهم الأحكام التي تتمتع بخاصية التنفيذ المعجل بقوة القانون، حيث يمكن للمستفيد منها تسلم النسخة التنفيذية لمباشرة التنفيذ بمجرد سلوك مسطرة التبليغ، وفي حالة الاستعجال القصوى يتم التنفيذ على الأصل حيث تسلم النسخة التنفيذية بمجرد النطق بالأمر.
ويتم التنفيذ من خلال تقديم طلب فتح ملف تنفيذي وأداء الرسوم القضائية الواجبة واختيار العون القضائي لتكليفه بالتنفيذ والذي يقوم بإجراءات التنفيذ العادية من إنذار للمنفذ عليه وتحرير لمحضر التنفيذ أو محضر الامتناع عن التنفيذ، لكن و حسب البعض فإنه قلما يفتح ملف التنفيذ في هذا الإطار، وغالبا ما يكتفي المدين بالدفع أمام القابض بحصوله على أمر بإيقاف التحصيل.
و إذا كان الأمر الاستعجالي مشمولا بالتنفيذ المعجل بقوة القانون، كما سبق القول، فإن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا الصدد هو ما إذا كان من الممكن وقف تنفيذه من طرف محكمة الاستئناف التي يستأنف لديها الأمر المذكور.
إنه بالرجوع إلى الفقرة الثالثة من المادة 147 من ق م م نجد أنها تنص على ما يلي : “…..غير أنه يمكن تقديم طلبات إيقاف التنفيذ المعجل بمقال مستقل عن الدعوى الأصلية أمام المحكمة التي تنظر في التعرض و الاستئناف”. فإذا كانت صيغة العبارة الواردة بها هاته الفقرة لا تستثني حالة من حالات النفاذ المعجل إلى أن المشرع تدارك ذلك و استثنى من قاعدة “وقف التنفيذ المعجل” ذلك التنفيذ المعجل الذي يتم قوة القانون حيث لا يخضع لأحكام الفقرة الثالثة من المادة 147 مسطرة. كل هذا طبقا لما نصت عليه الفقرة الثامنة من المادة 147 ق م م التي جاء فيها : ” لا تطبق مقتضات الفقرات الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة و السابعة من هذا الفصل إذا كان التنفيذ المعجل بقوة القانون”
ثانيا: إيقاف إجراءات التحصيل في مواجهة طالب الإيقاف.
يعتبر إيقاف إجراءات التحصيل أهم اثر يتولد عن الأمر بإيقاف تنفيذ الدين العمومي، والدي تبتدئ أثاره من تاريخ الأمر به، وليس من تاريخ طلب بشأنه على خلاف إيقاف الأداء الذي يسري مفعوله من تاريخ تقديم الطلب للإدارة الجبائية.
ويمتد مفعول إيقاف تنفيذ الدين العمومي من تاريخ النطق بالأمر به إلى غاية صدور قرار بات في الموضوع عن الجهة الإدارية إذا كان النزاع معروضا أمامها أو بعد صدور حكم قضائي إداري في الموضوع. وإذا ترتب عن المنازعة في الموضوع إلغاء الدين المتنازع حوله فان الإيقاف يصبح مؤبدا، و يمتد مفعوله في الزمان أما إذا تم تأكيد الدين على مستوى الموضوع فان مفعول الإيقاف يزول ويتم استئناف إجراءات التحصيل من طرف الجهة المعنية .
إلا أنه وإذا كان الحصول على أمر استعجالي بإيقاف التنفيذ يخول لطالب الإيقاف الاستفادة من المدة التي تم وقف التنفيذ فيها حتى يتمكن من تدبير أموره والحصول على المبالغ اللازمة للأداء أو لمتابعة الإجراءات حتى يحصل على سند بالإلغاء، فإن الغرامات المترتبة عن التأخير تبقى قائمة خلافا لما هو معمول به في التشريع الفرنسي الذي يرتب أثرا موقفا للمطالبة القضائية بما في ذلك إيقاف الغرامات[42].
ونرى هنا أن المشرع يجب أن يحدو حدو نظيره الفرنسي لتعزيز الضمانات المخولة للملزم على مستوى الآثار المترتبة على طلبات وقف التنفيذ ليشمل وقف التنفيذ إجراءات المتابعة من جهة، والغرامات المترتبة عن التأخير من جهة أخرى.
وفيما يخص المرحلة الاسئنافية فان طلب إيقاف التنفيذ يجب أن يكون متوفرا على عنصر الاستعجال، باعتباره قوام الدعوى الاستعجالية و الذي يجب أن يكون متوفرا في جميع مراحل الدعوى، حيث انه بزوال صفة الاستعجال عن الطلب حال استئنافه من طرف الجهة المعنية يزول معه مفعول إيقاف التنفيذ ، و يمكن بالتالي كما انه لا يمكن للمستفيد من إيقاف إجراءات التحصيل أن يحتج بالتقادم المسقط بعد زوال مفعول الإيقاف لأنه خلال سريان إيقاف التنفيذ يتم قطع التقادم المسقط للمطالبة بالدين العمومي .
ثالثا: إتمام إجراءات تقديم الضمانات عند اللزوم.
لقد أكد المشرع المغربي من خلال المادة 242 الفقرة الخامسة من المدونة العامة للضرائب لسنة 2010، أنه: ” بالرغم من جميع الأحكام المخالفة، لا يمكن إيقاف تنفيذ تحصيل الضرائب و الواجبات المستحقة إثر مراقبة ضريبية إلا بعد وضع الضمانات الكافية كما هو منصوص عليها في المادة 118 من القانون 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية السالف الذكر. ”
و إذا كان الاستثناء هو إمكانية إيقاف التنفيذ خلافا للقاعدة أعلاه فقد قيده المشرع الجبائي بعدة شروط منها رفع مطالبة حول المنازعة في الأساس الضريبي داخل الآجال القانونية وفق الشروط و الإجراءات المحددة بمسطرة الطعن الإداري في تأسيس تلك الضرائب و ممارسة الطعن الإداري طبقا للفصلين 120 و121 من القانون 15.97 إذا كانت المنازعة تنصب حول مسطرة تحصيل تلك الديون العمومية مع تكوين الضمانة الكافية بتأمين استخلاص الدين العمومي و قد نظمت هذا الاستثناء الفقرة الثانية من نفس المادة التي تنص على أنه يمكن للمدين الذي ينازع كلا أو بعضا في المبالغ المطالب بها أن يوقف أداء الجزء المنازع فيه شريطة أن يكون قد رفع مطالبته داخل الآجال المنصوص عليها في القوانين و الأنظمة الجاري بها العمل وأن يكون قد كون ضمانات من شأنها أن تِؤمن تحصيل الدين المنازع فيه و قد عرف الفصل 118 من نفس القانون تلك الضمانات في السندات العمومية و غيرها من القيم المنقولة و الكفالة البنكية و الديون على الخزينة و سندات التخزين و رهن الأصل التجاري أو تخصيص عقار للرهن الرسمي و أية ضمانات أخرى تقبل من طرف المحاسب. و يستشف من خلال مقتضيات المادة 242 الفقرة الخامسة من المدونة العامة للضرائب لسنة 2010 السالفة الذكر أن المشرع المغربي اشترط وضع الضمانات اللازمة حتى يتسنى للمدين اللجوء إلى القضاء لإيقاف تنفيذ تحصيل الضرائب و الواجبات المستحقة اثر مراقبة ضريبية و هذا ما أكدته أحكام قاضي المستعجلات المغربي من خلال التطبيق الحرفي لهذه المادة و ذلك برهن الضمانة اللازمة بالمراقبة الضريبية فمتى تبين أن الضرائب و الواجبات المستحقة قد حددت اثر مراقبة ضريبية كان شرط الضمانة واجبا و يسقط هذا الشرط إذا لم تحدد المستحقات الضريبية اثر مراقبة ضريبية.
و من الملاحظ أن إلزامية وضع الضمانات القانونية الكافية يتنافى و طابع الاستعجال الذي يهدف إلى تجنيب الملزم الضريبي كل ما من شأنه أن يتسبب له أو لمقاولته في أضرار وخيمة قد يصعب تدارك نتائجها في المستقبل.
إن المشرع المغربي قيد وقف تنفيذ تحصيل الديون العمومية، إضافة إلى شرطي الجدية و الاستعجال، بتقديم الضمانة كشرط ثالث[43]. و صحيح أن إيقاف التنفيذ قد يعرض حقوق الخزينة والدولة إلى الخطر المتمثل في تعطيل تنفيذ برامجها التنموية، إلا أن شرط الضمانة يتنافى و يضرب عرض الحائط مبدأ المساواة ،فالضمانة تضعف المركز القانوني للمدين الذي هو في الأساس الطرف الأضعف في المنازعة ، الأمر الذي يهدد مصلحة الملزمين حسني النية و يتنافى مع مبدأ العدالة و يلقي على عاتق القضاء الإداري ، الذي عمل جاهدا على حماية الملزم [44]، مهمة و مسؤولية إيجاد صيغة قانونية تحفظ و تصون حقوق الملزمين حسني النية و لو بشكل مؤقت من الضياع في انتظار الحسم فيها من طرف قضاء الموضوع .
الفقرة الثانية : آثار الأمر بإيقاف تنفيذ الديون العمومية في مواجهة الجهة المكلفة بالتحصيل.
كما ينتج إيقاف تنفيذ الديون العمومية آثارا بالنسبة للمحكوم عليه فإنه ينتج آثارا في مواجهة الجهة المكلفة بالتحصيل، وتتجلى هده الآثار في إمكانية قيام الجهة المكلفة بالتحصيل ببعض الإجراءات التحفظية لتامين استخلاص الدين العمومي، وكذلك في إمكانية الطعن في الأمر القاضي بإيقاف التنفيذ.
أولا: إمكانية القيام بالإجراءات التحفظية لاستخلاص الدين العمومي:
للقابض كامل الصلاحيات لاتخاذ جميع الإجراءات التحفظية التي لا تتعارض مع الآثار المترتبة عن صدور الأمر بإيقاف التنفيذ من حجز ورهن وتقييد احتياطي .إلا انه بالرغم من أهمية هده الإجراءات بالنسبة للجهة المكلفة بالتحصيل فإنها قد تتعارض مع ما يترتب عن الأمر بالإيقاف من أثار قانونية، فإجراء رهن رسمي على عقارات المدين قد يضر بمصالحه. كما أن رهن أصله التجاري وإشهاره بسجله التجاري قد يؤثر على السير العادي لمقاولته وعلاقته مع الأشخاص المتعاملين معه ولذالك فان الضمانة الكافية و الحقيقية التي من شانها أن تحفظ حقوق الخزينة تتمثل حسب رأي البعض في تشدد القضاء الاستعجالي في توفر شروط إيقاف التنفيذ ولاسيما شرط الجدية و الاستعجال و دالك لسد الباب في وجه المدينين سيئي النية و الدين لا يرمون سوى إلى المماطلة و التسويق في أداء الديون العمومية .
ثانيا: إمكانية الطعن في الأمر بإيقاف التنفيذ
نظرا لكون الأمر بإيقاف التنفيذ هو أمر استعجالي فهو يكون قابلا للاستئناف كطريق من طرق الطعن العادية دون التعرض حسب الفصل 153 من ق م م والمحال عليه بموجب المادة 7 من قانون 90.41 والدي جاء في فقرته الثالثة “….لا يطعن في هذه الأوامر بالتعرض”.
أما فيما يتعلق بطرق الطعن الغير العادية فانه يكون خاضعا للطعن بالنقض نظرا لاختلاف الآراء فيما يتعلق بباقي الطرق الأخرى من تعرض الغير الخارج عن الخصومة والطعن بإعادة النظر.
I- الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر بإيقاف التنفيذ.
باعتبار الأوامر الصادرة بإيقاف التنفيذ أوامر استعجاليه فهي تخضع للأحكام العامة للقضاء الاستعجالي سواء تلك الواردة في قانون م م أو الواردة في قانون إحداث محاكم الاستئناف الإدارية[45] بحيث أنها تخضع بدورها للطعن بالاستئناف باعتباره طريقا عاديا للطعن .
وفيما يخص اجل ممارسة هدا الطعن فقد حدده المشرع في 15 يوما ابتداء من تاريخ التبليغ وهو اجل يتماشى مع خصوصية القضاء الاستعجالي بالمقارنة مع الأجل المخصص لاستئناف الأحكام الأخرى وهو 30 يوما .
وفيما يخص الجهة المختصة بالنظر في الطعون بالاستئناف في أوامر إيقاف تنفيذ تحصيل الدين العمومي فهي محكمة الاستئناف الإدارية حيث يفصل استئناف تلك الأوامر بصفة استعجاليه.
كما تجب الإشارة أن الطعن بالاستئناف في الأوامر الصادرة بإيقاف تنفيذ الدين العمومي لا يؤدي إلى إيقاف هذه الأوامر لأنها تكون مشمولة بالنفاد المعجل بقوة القانون.
II- الطعن بالنقض في الأمر الصادر بإيقاف التنفيذ
لقد ذهبت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) في إحدى قراراتها أن “كل حكم أو قرار انتهائي غير قابل للطعن بالتعرض أو الاستئناف يكون قابلا للطعن بالنقض ولا فرق في دلك بين الأحكام الصادرة في موضوع الحق أو بمجرد اتخاذ إجراء وقتي”[46].
و يمكن القول من خلال هذا القرار أن الأوامر والأحكام الانتهائية الصادرة بإيقاف تحصيل الديون العمومية قابلة للطعن بالنقض أمام محكمة النقض، و تعتبر أحكاما انتهائية قابلة للطعن بالنقض ، الأوامر الصادرة عن الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف الإدارية بمناسبة نظرهم في طلبات إيقاف تحصيل الديون العمومية بحكم اختصاصهم بذلك عندما يكون النزاع معروضا أمام أنظار محاكمهم، وتعتبر هذه الأوامر أحكاما انتهائية لكونها لا تقبل التعرض بصريح نص الفصل 153 من ق.م.م، كما أنها لا تقبل الاستئناف مما يجعلها قابلة للطعن بالنقض.
أما فيما يتعلق بالأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية بمناسبة نظرها في استئناف الأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم الإدارية، فتكون قابلة للطعن بالنقض إذا لم تكن غيابية قابلة للتعرض، أو بمعنى أخر تكون هذه الأحكام قابلة للطعن بالنقض إذا كانت حضورية أو بمثابة حضورية لأنها لا تقبل التعرض كما لا تقبل الاستئناف، أما إذا صدرت غيابيا فهي تقبل التعرض ولا تقبل بالتالي الطعن فيها بالنقض.
وإذا كان من حق محكمة الاستئناف الإدارية التي تنظر في استئناف الأوامر الصادرة بإيقاف تحصيل الديون العمومية، أو في التعرض ضد الأحكام الاستئنافية الصادرة عنها في مادة إيقاف التنفيذ، أن تقوم بطرح النزاع ونشره أمامها من جديد مناقشة بذلك ما قرره الحكم المطعون فيه لتصحيح ما شابه من عيوب، سواء تعلقت هذه العيوب بوقائع النزاع أو اتصلت بتطبيق حكم القانون على تلك الوقائع، فليس لمحكمة النقض أن تخوض فيما خاضت فيه محاكم الموضوع بحسب الأصل ويبقى لها الحق في النظر فيما يشوب الحكم المطعون فيه أمامها من خطأ في تطبيق القانون أو الوقائع.
إن إيقاف تنفيذ تحصيل الضريبة يعتبر إذن، إمكانية بل وامتياز للمدين/ الملزم بالضريبة، يدخل في إطار السلطة التقديرية للقضاء ويرى الفقه الفرنسي أن وقف التنفيذ أقر قضائيا[47] لخلق توازن بين امتيازات الإدارة المكلفة بتحصيل الديون العمومية من جهة، وضمانات الملزمين من جهة أخرى، وبالتالي، الحد من شطط وتعسف الإدارة. كما أقر أيضا لملء الفراغ وتجاوز العيوب التي تشوب النظام القانوني لوقف الأداء[48].
و العمل القضائي الإداري يعرف تضخما في الأحكام الصادرة في مادة إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية، والتي من خلالها يستطيع أن يضع نصوصا قانونية تنظم مسطرة إيقاف تحصيل الديون العمومية تنظيما محكما، لكون القضاء يسهر على حماية حقوق الأفراد وحرياتهم وهو الذي يضمن احترام الشرعية القانونية من طرف الإدارة، ويمكن تأسيس إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية من خلال طابعه الحقوقي، فهو يتصل اتصالا وثيقا بحقوق الأفراد تجاه الدولة، لان مركز هذه الأخيرة في إطار المنازعات الجبائية يجعل ميزان القوى مختلا، مما يستدعي تدخل القضاء الإداري لإعادة التوازن بين الطرفين، وهو ما تم تفعيله من خلال تأسيس نظام إيقاف تحصيل الديون العمومية والتي بموجبها اعترف المشرع المغربي بقانونيتها بشكل ضمني في المادة 242 من المدونة العامة للضرائب وهي أول مرة يتدخل فيها المشرع لتنظيم جانب من جوانب هذه المسطرة.
خاتمة :
وفي الأخير نشير إلى أنه بالإضافة إلى طلبات وقف التنفيذ المؤسسة على مقتضيات المادة 19 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، نجد نوعا من الطلبات يتأسس على نفس المقتضى القانوني يعرف (بطلبات المهلة الاسترحامية) و هي طلبات تأجيل التنفيذ لمدة معقولة يقدرها القاضي بحسب كل حالة قصد إتاحة الفرصة للمدين من أجل الوفاء بدينه في ظروف طبيعية.
وموقف القضاء المغربي من طلبات المهلة الاسترحامية، نستشفه من الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بفاس والذي ذهب إلى[49]،”وحيث لما كان مناط المهلة الاسترحامية الإقرار بالمديونية والتعبير عن الاستعداد للأداء داخل آجال مقبولة بعد الاستدلال بالأعذار المادية والقانونية المانعة من التنفيذ أو لما كان الطالب يؤكد منازعته حول الدين العمومي أعلاه في جزئه المعروض على أنظار الغرفة الإدارية بمناسبة الطعن فيه بالاستئناف والجزء الآخر الجارية حوله المسطرة الإدارية مع إدارة الضرائب تبقى مطالبته حول تمتيعه بالمهلة الاسترحامية للأداء غير مؤسسة…”.إن هذا الأمر الاستعجالي يقر رفض طلبات المهلة الاسترحامية على أساس أن المدين وإن كان يثير بعض الصعوبات المادية والقانونية المانعة من التنفيذ فإنه في الوقت ذاته يقر بمديونيته ويعبر عن استعداده الكامل للأداء.[50]
[1] – يونس معاطا، “المنازعات في تحصيل الديون الضريبية بالمغرب”، السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية، العدد الأول، طوب بريس الرباط، الطبعة الاولى 2012، ص 3.
– حسن العفوي، “المنازعة الضريبية أمام القضاء بين التأسيس والتحصيل”، مجلة المعيار، عدد 36، دجنبر 2006، ص 85.[2]
[3] -محمد شكيري، التشريع الضريبي في الشرح والتعليق الطبعة الثانية 1997 ص 103.
[4] – عبد الرحمان أبليلا ورحيم الطور:” تحصيل الضرائب والديون العمومية” مرجع سابق ص. 77
[5] – ” طلبات إيقاف تنفيذ مسطرة استخلاص الديون العمومية على ضوء مدونة تحصيل الديون العمومية” مقال للأستاذ محمد النجاري ، رئيس المحكمة الإدارية بالرباط سابقا، منشور بالمجلة م.ل.م.ت عدد 44/45 ماي – غشت 2002 ص. 42 وما بعها.
[6]– les Grands Arrêts de la jurisprudence fiscale op. cit. p. 730
[7] – غير أن وقف تنفيذ الديون الضريبية بصفة خاصة من طرف القضاء الفرنسي مر بعدة مراحل بحيث إن هذا المبدأ لم يدخل الممارسة إلا مؤخرا بموجب قرار صادر عن مجلس الدولة الفرنسي في 17 ديسمبر 1976 هذا القرار الذي شكل نقطة الانطلاقة للترخيص للقضاء الفرنسي بوقف تنفيذ الديون الضريبية، ويرجع السبب في تأخير اعتماد هذه الرخصة من طرف القضاء في المادة الضريبية إلى النقاش الذي كان مسيطرا قبل صدور هذا القرار،حيث اعتبر أن وجود مسطرة استثنائية لوقف الأداء يغني عن مسطرة وقف التنفيذ.
عبد الحميد الحنودي ، تحصيل الديون العمومية في التشريع والقضاء المغربي ص 207 وما يليها.
[8]– عبد الرحمن ابليلا ورحيم الطور، تحصيل الديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة قانون رقم 97/15 ص 94.
[9] – النص الأصلي الملغى أي المادة 11 من ظهير 21 غشت 1935 كان يحصر المنع في الموظفين الإداريين ثم عملت المادة 124 على توسيعه ليشمل كل سلطة عمومية ولو أراد المشرع توسيع مجال المنع ليشمل القضاء لنص على ذلك صراحة اعتبارا من أنه يعلم أو من المفترض فيه أن موقف القضاء دأب على تأكيد أن المادة 11 الملغاة لا تعنيه ولا تسري في حقه بل أنها تخاطب الموظفين فقط.
[10] – مصطفى التراب، “المختصر العملي في القضاء والقانون مقالات قانونية بحوث متخصصة-المنازعة الضريبية بين القضاء الشامل وقضاء الإلغاء-“، مطبعة الأمنية الرباط ،الطبعة الاولى 2008، ص 279..
[11] – محمد مرزاق وعبد الرحمن ابليلا، “المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية و التطبيق”، طبعة 1998، ص 308 و ما بعدها.
[12] – عبد الحميد الحنودي، مرجع سابق، ص 226.
[13]– سعيد العمري، “ايقاف تنفيذ الديون العمومية أمام القضاء الإداري”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، نوقشت في جامعة القاضي عياض مراكش، السنة الجامعية 2010\2011، ص 68 وما بعدها.
– أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم 512، ملف عدد 369\2009، بتاريخ 01\12\2009،. [14]
[15]– أمر عدد 216، بتاريخ 20\12\2000، إخوان كارلوس مولا ضد الخازن الإقليمي بالعرائش، أورده أحمد بوعشيق، “الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الادارية”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية (سلسلة دلائل التسيير)، ج 3،ط 1، س 2004، ص 74-75.
[16] – أمر صادر عن المحكمة الادارية بالرباط بتاريخ 28\5\99، أشارت إليه فاطمة حنين: “طرق التحصيل والمنازعة فيها على ضوء مدونة تحصيل الديون العمومية”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص، نوقشت بكلية الحقوق الدار البيضاء، السنة الجامعية 1999\2000، ص 63.
[17]– سعيد العمري،ايقاف تنفيد الديون العمومية أمام القضاء الإداري،رسالة لنيل ماستر في القانون الخاص جامعة القاضي عياد،كلية الحقوق مراكش،2010/2011.
[18] – وقد تناولناه بالدرس والتحليل في القسم الأول من هذه الأطروحة ( المبحث الثاني من الفصل الثاني).
[19] – حيث جاء في قرار الغرفة الإدارية للمحكمة النقض وهو يفرق بين مسطرة إيقاف الأداء التي تقدم أمام القابض المالي بعد استيفاء شروطها المنصوص عليها في الفصلين 117ـ118 من القانون 15/97 ومسطرة إيقاف التنفيذ التي تقدم أمام القضاء الاستعجالي وفي إطار القواعد العامة للاستعجال ويجيب عن وسيلة الاستئناف المقدمة من طرف الخزينة العامة المتعلقة بعدم قبول الطلب لعدم تقديم الضمانة الكفيلة بتأمين استخلاص الدين العمومي المتطلبة بموجب الفصل 117من القانون 15/97 والتي تعتبر مقتضيات آمرة ما يلي “لكن حيث إنه بالرجوع إلى نص المادة 117 من مدونة التحصيل المحتج به، يتبين أن الطلب الذي يستلزم تقديم الكفالة وهو طلب وقف الأداء المتعلق بجزء من الضريبة المنازع فيه وتقدم أساسا إلى المحاسب المكلف بالتحصيل كما يستخلص من النص المذكور في حين الطلب المعروض يتعلق بإيقاف إجراءات التنفيذ بشأن ضريبة المنازع فيها كليا بناء على أن طلب إيقاف التنفيذ ينازع في صفته كملزم ولا يتعلق الطلب بمجرد إيقاف الأداء ولا محل في هاته الحالة لتمسك بأن طلب إيقاف التنفيذ يخضع لمقتضيات المادة 117 المحتج به مما يجعل ما أثير بدون أساس “.
وكان الأمر في هاته النازلة يتعلق بمنازعة في صفة الطالب كملزم بالضريبة على الأراضي الحضرية غير المبنية وقد تبين في ظاهر أوراق الملف أن الأرض المعنية بتلك الضريبة غير موصولة بشبكة الماء والكهرباء المتطلبة قانونا لإخضاعه بتلك الضريبة .
[20] – سعيد العمري مرجع سابق ص 35
[21] – محمد بيصة ” المنازعة في قانونية قرارات الإدارة المكلفة بربط الضريبة بين دعوى الإلغاء وطعون القضاء الشامل “، أطروحة لنيل الدكتوراه، نوقشت بكلية الحقوق الدار البيضاء، السنة الجامعية 2003\2004، ص 429.
[22] – أمر استعجالي رقم 25، بتاريخ :29/1/2007، ملف رقم : 07/8 س، أورده سعيد العمري، مرجع سابق، ص 81.
[23] – أمر استعجالي عدد: 21، صادر بتاريخ 2001/9/25، أورده أحمد بوعشيق، مرجع سابق، 76.
[24] – أمر رقم : 2010/97، بتاريخ : 22/6/2010، ملف رقم: 85-2010 س، أورده سعيد العمري، مرجع سابق، ص 84 .
[25] – أمر رقم: 422، بتاريخ : 2009/ 10/13، ملف عدد: 319/1/2009 نفس المرجع، ص 85.
[26] – قرار الغرفة الإدارية عدد10، بتاريخ : 3/1/2002 ملف إداري عدد 2001/1/4/1528، أورده محمد قصري ، “المنازعات الجبائية التعلقة بربط وتحصيل الضريبة امام القضاء المغربي،”مرجع سابق ص 212.
[27] – أمر رئيس المحكمة الإدارية بفاس عدد 04/1106 بتاريخ 19/05/2004 في الملف الإستعجالي عدد 04/17 قضية عبد الرحمان مكنيف ضد الخزينة، أورده محمد قصري، مرجع سابق، ص 210 .
[28] – الناصوري وعكاز القضاء المستعجل الطبعة الخامسة سنة 1996 ص 141
[29] – حكم صادر عن المحكمة الادارية بالبيضاء ملف عـدد : 113/1/2010 بـتـاريخ 08/04/2001 غير منشور
[30] – أمر لرئيس إدارية الرباط رقم 51 بتاريخ 5 فبراير 2007 ملف رقم 16/7.
[31] – قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد 55 صادر بتاريخ 13-02-2008 في ملف عدد 20/02/2007.
[32] – قرار رقم 167 الصادر بتاريخ 11/7/199.3
[33] – حكم صادر عن المحكمة الادارية بالدار البيضاء ملف عـدد : 986/10/1 حـكـم رقم 140 بـتـاريخ : 10/01/2011 غير منشور.
[34] – قرار عدد 115 ملف رقم 3/2/09 س تاريخ 5/03/ 2009. قرار غير منشور.
[35] – قرار عدد 47 صادر بتاريخ 6/2/ 2008.
[36] – عدد550 بتاريخ ملف عدد 56/02/08 بتاريخ 03/12/2008 غير منشور
[37] – عبد الغني خالد “المسطرة فب القانون الضريبي المغربي” مطبعة دار النشر المغربية، عين سبع، الدار البيضاء 2002م. ص 379.
[38] – سعيد العمري مرجع سابق ص 24
[39] – حكم صادر عن المحكمة الادارية بالرباط في ملف، رقم 321/1/201أمـر رقم ، 399، بتاريــخ 2/5/2013.
[40] – إدريس العلوي العبدلاوي ، “القانون القضائي الخاص –الجزء الثاني- الدعوى والأحكام” الطبعة الأولى 1986، ص 253.
[41] – إضافة إلى التنفيد المعجل بقوة القانون هناك التنفيذ المعجل القضائي :حيث يستمد الحكم قوته التنفيذيه من امر القاضي اى يخضع للسلطة التقديرية للقاضي ، فينص القانون على انه اذا توافرت احدى حالات التنفيذ المعجل القضائي فان الامر جوازى للمحكمة لها ان تأمر به أو ترفضه و إذا امرت به عليها ان تعين الاسباب التى بنت عليها امرها بالتنفيذ و الا كان حكمها فيما يتعلق بالتنفيذ باطل .
[42] -محمد النجاري، طلبات إيقاف تنفيذ مسطرة استخلاص الديون العمومية على ضوء مدونة التحصيل الجديدة، مجلة المعيار عدد 28، ص 20.
[43] – الفقرة الخامسة من المادة 242 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[44] – بخصوص سلوك مسطرة التظلم الإداري المنصوص عليها في المادة 120 من مدونة التحصيل قبل اللجوء إلى القضاء الإستعجالي فإن المحكمة الإدارية بمراكش ذهبت إلى القول بأن التقيد بشكليات المادة 120 من مدونة التحصيل غير واجب كلما قدر قاضي الأمور المستعجلة أن الطالب ينازع جديا في صفته كملزم وهو ما تم تأييده من قبل المجلس الأعلى. قرار رقم 574 صادر عن الغرفة الادارية بتاريخ 30/05/2002 في الملف عدد 502/04/01/2002 )
[45] انضر المادة 5 من قانون احداث المحاكم الاستاناف الادارية
[46] – قرار ع 1794، الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 1984 أورده عبد الكريم الطالب، “الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية”، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش الطبعة الخامسة، ابريل 2009، ص 134.
[47] – les Grands Arrêts de la jurisprudence fiscale op. cit. p. 730
[48] – غير أن وقف تنفيذ الديون الضريبية بصفة خاصة من طرف القضاء الفرنسي مر بعدة مراحل بحيث إن هذا المبدأ لم يدخل الممارسة إلا مؤخرا بموجب قرار صادر عن مجلس الدولة الفرنسي في 17 ديسمبر 1976 هذا القرار الذي شكل نقطة الانطلاقة للترخيص للقضاء الفرنسي بوقف تنفيذ الديون الضريبية، ويرجع السبب في تأخير اعتماد هذه الرخصة من طرف القضاء في المادة الضريبية إلى النقاش الذي كان مسيطرا قبل صدور هذا القرار،حيث اعتبر أن وجود مسطرة استثنائية لوقف الأداء يغني عن مسطرة وقف التنفيذ.
[49] -أمر استعجالي عدد 1080/2004 ملف استعجالي عدد 26س/2004 صادر بتاريخ 15/4/2004 منشور بمجلة المعيار عدد 33 ص 264.
[50] – محمد النجاري:”تساؤلات حول اختصاص المحاكم الإدارية في مسطرة منازعات تحصيل الضرائب” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 37 ص 20.