إستراتيجيات الجماعات الترابية في تفعيل السياسة الحمائية للبيئة

إستراتيجيات الجماعات الترابية في تفعيل السياسة الحمائية للبيئة
Dirt groups’ strategies to activate the environmental protection policy

Hanae El-Hammoumi
Doctoral researcher – Environmental Law Research Team –
Faculty of Legal, Economic and Social Sciences – Fez –
General writer of the National Center for Human Rights
هناء الحمومي
باحثة بسلك الدكتوراه – فريق البحث قانون البيئة –
بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية- فاس-
الكاتبة العامة للمركز الوطني لحقوق الإنسان
تلخيص باللغة العربية
تعتبر مسألة حماية البيئة قضية محلية إقليمية أكثر منها قضية مركزية، وذلك نظرا لقرب الهيئات المحلية من الواقع وخصوصيات مكونات البيئة التي تتميز بها، ونظرا لأن موضوع حماية البيئة تحكمه مجموعة من القوانين العامة والخاصة، فقد أصبحت مهمة المحافظة عليها موكولة إلى مجموعة من القطاعات والهيئات سواء على المستوى المركزي أو الترابي.
لهذا عمل المغرب على وضع إستراتيجية عمل ترمي إلى حماية البيئة، وسيكون الهدف من هذه الإستراتيجية التوفيق بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستعمال الرشيد والمستديم للموارد الطبيعية.
تلخيص باللغة الإنجليزية
The issue of environmental protection is considered a local, regional issue rather than a central one, due to the proximity of local bodies to reality and the peculiarities of the components of the environment that characterize them, and given that the issue of environmental protection is governed by a set of public and private laws, the task of preserving it has become entrusted to a group of sectors and bodies, whether At the central or dirt level.
That is why Morocco has worked to develop a strategy of action aimed at protecting the environment. The aim of this strategy will be to reconcile economic and social development with the rational and sustainable use of natural resources.

تقديم
عمل المغرب على وضع إستراتيجية عمل ترمي إلى حماية البيئة، وسيكون الهدف من هذه الإستراتيجية التوفيق بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستعمال الرشيد والمستديم للموارد الطبيعية ، وضرورة التخفيف والتقليص من الملوثات والأضرار والمخاطرالتي تهدد الصحة العامة واستنزاف الموارد الطبيعية ، واتخاذ التدابير الحافزة لمعالجة المشاكل البيئية وعدم استعمال أساليب التنمية غير المستدامة . وهذا دعا إلى ظهوربعض العلماء والباحثين اللذين نددوا بهذه الإنتهاكات والممارسات الشنيعة في حق البيئة ودعوا إلى الحفاظ عليها وإعادة الدول النظر في سياساتها التنموية، وعلى الخصوص مراعاة الجانب البيئي وإدراجه ضمن أولوياتها .
يعد المغرب من الدول المهتمة بالمحيط والبيئة ومن أهم الدول التي تسعى من خلال سياسته إلى المحافظة على البيئة، ويعد أيضا من الدول الذي له اتفاقيات ومشاركات أورو متوسطية، وكذلك من الدول الفاعلة في برنامج هيئة الأمم المتحدة لحماية البيئة .
إن البيئة هي مستودع الموارد والخزان الشامل لعناصر الثروة الطبيعية المتجددة وغير المتجددة، وتتمثل في الأنظمة المائية، الهوائية، التربة، المراعي، الغابات، الكائنات الحية والأنظمة الإيكولوجية الداعمة للحياة في هذا الكوكب، وقد أمست التحديات البيئية العالمية في السنوات الأخيرة أكثر حدة بكثير مما كانت عليه، وأصبحت تتعلق بجودة الهواء، تلوث المياه، البحار، تدهورالتربة، إدارة النفايات، فقدان التنوع البيولوجي، استنفاد طبقة الأوزون والاحتباس الحراري.
تعتبر مسألة حماية البيئة قضية محلية إقليمية أكثر منها قضية مركزية، وذلك نظرا لقرب الهيئات المحلية من الواقع وخصوصيات مكونات البيئة التي تتميز بها، ونظرا لأن موضوع حماية البيئة تحكمه مجموعة من القوانين العامة والخاصة، فقد أصبحت مهمة المحافظة عليها موكولة إلى مجموعة من القطاعات والهيئات سواء على المستوى المركزي أو الترابي.
وباعتبارالجماعات تمثل اللامركزية الترابية، فإنها تعد من المؤسسات القريبة من مواقع الاختلالات البيئية، وتضطلع بدور بارز من أجل ضبط أوضاع البيئة محليا، وتلبية حاجيات المواطنين في هذا الصدد. لاسيما بعد بروز الإرادة الواضحة للوثيقة الدستورية، التي أسست إطارا قانونيا ساميا يجعل البيئة في صلب النقاشات العمومية.
إن من بين الدوافع التي أدت بنا إلى إختيار هذا الموضوع، ‫هو إبراز المعالم التي ترتكز عليها السياسة البيئية في المغرب خاصة على المستوى المحلي، وإدراكنا الكبير بأن‬ ‫الجماعات الترابية هي من الهيئات التي فعلا ينبغي أن تؤدي دور مهم في مجال حماية البيئة،‬ ومدى قدرتها على التكفل بالمشاكل البيئية المطروحة. كون موضوع البيئة لم يحظ بدراسات كثيرة على الصعيد المحلي مع العلم أن أي أساس للحفاظ على البيئة ينطلق من الجماعات باعتبارها الأقرب والأعلم بالمشاكل البيئية لإقليمها.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وكذلك أنه وبالرغم من أن هناك ترسانة قانونية خاصة بحماية البيئة متوفرة لدى الجماعات، إلا أننا نرصد تزايد التلوث الكمي والنوعي عبر مدننا، وكذا الظواهر البيئية السلبية بشكل يومي، وهو ما استدعى لمعرفة المهام الموكولة للجماعات في مجال حماية البيئة، ومدى قدرتها على التدخل لحل المشاكل البيئية وفق القوانين السارية.
نجد أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية أسست هي الأخرى لعدة مقتضيات في العديد من المواد، والمتعلقة أساسا بالحفاظ على البيئة، خاصة القانون التنظيمي للجماعات الذي عزز ووسع من الاختصاصات البيئية المنوطة بهذه الجماعات، وذلك لضمان تنفيذ برامج حماية البيئة على الصعيد اللامركزي بشكل فعال وناجع.‫‬‬‬‬‬‬‬‬
وبعد هذه التوطئة و لدراسة إستراتيجيات الجماعات الترابية في تفعيل السياسة الحمائية للبيئة في المغرب سنحاول تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاث محاور أساسية وهس كالتالي :
المحور الأول: علاقة الجماعات الترابية بتنفيذ السياسة الحمائية البيئة
المحورالثاني : دور الجماعات الترابية في مجال حماية البيئة
المحور الثالث : الجماعات الترابية مدخل استراتيجي لمستقبل بيئة مستدامة

المحور الأول : علاقة الجماعات الترابية بتنفيذ السياسة الحمائية البيئة
شكلت قضايا البيئة انشغال بال الرأي العام الدولي منذ سبعينيات القرن الماضي، كما يستشف ذلك من أدبيات الأمم المتحدة، حيث كانت أولى المبادرات عام 1972-مؤتمر ستوكهولم- الذي تمخض عنه برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، مرورا بتقرير بورنتلاند سنة 1987 ، ثم الى قمة الأرض سنة 1992 ، ثم أهداف الألفية الثالثة التي أطلقها المجتمع الدولي سنة 2000 كما شارك في مؤتمر ريو + 20 الذي انعقد سنة 2012 في ريو ديجانيرو ، وغيره من اللقاءات والمؤتمرات التي راكمت في مجال البيئة والتنمية المستدامة والحفاظ على الموارد، ومع توالي هذه المؤتمرات اتسعت دائرة الاهتمام بهذه الموضوعات، والتي تؤكد على مفهوم التنمية المستدامة كخطاب عالمي لتقييم القضايا البيئية أوبمصطلح علمي هي عملية توجيه للسياسات البيئية وذلك من خلال تحديد الهدف الذي ينبغي تحقيقه. كما اتسع مجال الاهتمام المحلي للحكومات بهذه القضايا البيئية.
وقد انخرط المغرب في هذه الدينامية العالمية للاهتمام بالبيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية وإدماج البعد البيئي في مجال السياسات العمومية منذ قمة الأرض المنعقد بريوديجانيرو سنة 1992 وما تلاها من المشاركة في المؤتمرات الدولية البيئية والمتعلقة بإعمال التنمية المستدامة أو تبني إعلاناتها على الأجندة الوطنية للمغرب من خلال الترسانة القانونية البيئية ومن ضمن ذلك النصوص التنظيمية للجماعات الترابية باعتبارها وحدات ترابية أكثر قربا واحتكاكا بالبيئة كإطار للحياة والعناصر المكونة لها كحقوق إنسانية وخدمات ومرافق عمومية يتطلب الأمر النهوض بها وحمايتها وتشكل المقاربة القائمة على إدماج الجماعات الترابية أنجع المقاربات باعتبارها منبنية على مقاربة التدبير من أسفل الى أعلى.
فيما شكلت سنة 2011 قفزة نوعية في هذا المجال، تمثلت في دسترة الحق في الماء والبيئة السليمة والتنمية المستدامة، كما سبق وأن اعتمد ميثاقا وطنيا للبيئة والتنمية المستدامة بمثابة قانون إطار ، وأقرمؤخرا إستراتيجية وطنية للبيئة والتنمية المستدامة كمقاربة مندمجة لحماية البيئة والنهوض بها .
ونظرا للتدهور الكبيروالخطير الذي أصبحت تتعرض له البيئة، عمل المغرب على إيلاء أهمية لهذا الموضوع مع توالي السنوات عبرإحداث مؤسسات وطنية وقطاعات وزارية وحكومية تعنى بالشأن البيئي والحالة البيئية للمغرب سواء في شموليتها أو بشكل قطاعي، والأمرالذي دفع‬ ‫كذلك المشرع إلى سن ترسانة قانونية تضم العديد من التشريعات التي ‪تهدف إلى توزيع مختلف الصلاحيات على‬ ‫مختلف الأجهزة و الهيئات التي من شأ‪نها أن تلعب دور في مجال المحافظة على البيئة.‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‫وعليه تعتبر الجماعات الترابية من الهيئات التي رأى المشرع بأ‪نها‬ تشكل لبنة أساسية‬ ‫في المحافظة على البيئة، و هو ما نلاحظه من خلال التشريعات العديدة التي سنها في هذا‬ ‫ا‪لمجال.‬ ‫إن إسناد مهمة المحافظة على البيئة للجماعات الترابية لا يجب أن يقف عند مجرد‬ ‫إستنباط قواعد قانونية مجردة، بل يجب أن يتعداها إلى حد توفير الجو الملائم لها حتى يمكنها‬ ‫من العمل بشكل فعال و مستمر، و ذلك من خلال توفير الإمكانيات المادية اللازمة إلى‬ ‫إفساح لها أكبر قدر من الإستقلالية في ممارستها لهذه المهمة.‬ ‫‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
و موضوع إستقلالية الجماعات المحلية و حدودها موضوع واسع لا يسعنا المقام‬ ‫لذكر تفاصيله، و موضوع إستقلالية الجماعات الترابية و حدودها موضوع واسع لا يسعنا المقام‬ ‫لذكر تفاصيله، و بالتالي فإن الإشكال الجوهري الذي ركزنا عليه في دراستنا و عملنا على‬ ‫تحليله يمكن من خلال طرح التساؤل التالي: ما هي علاقة الجماعات الترابية بتنفيذ سياسة حماية البيئة ‬‬‬.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
إن كسب الرهانات والتحديات المطروحة في مجال المحافظة على البيئة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال انخراط الجماعات الترابية في هذا الورش الكبير، وذلك بالنظر إلى اختصاصاتها المرتبطة بتدبير الشأن العام المحلي ودورها الحاسم في تحسين إطار عيش المواطنين.
علما بأن المذكرة 21 المنبثقة عن مؤتمر ريو ديجانيرو1992والتي تبنتها مختلف الدول، أكدت على ضرورة التعاطي مع المشاكل البيئية على كل المستويات الملائمة وعلى أهمية الجماعات الترابية في هذا المجال.
ويشكل تطور المضامين البيئية للقوانين المنظمة للجماعات الترابية ببلادنا وجه أخر للاهتمام المتزايد بهذا الموضوع خاصة في بعده الترابي والتي جسدت امتدادا للمقتضيات الدستورية في هذا الباب حيث نص الدستور الحالي ولأول مرة في تاريخ الدساتير على مقتضيات بيئية – كحقوق-،حيث بالإضافة إلى ما جاء في ديباجته من التزام بحقوق الانسان كماهي متعارف عليها عالميا، كما التزم في ذات الديباجة بسمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني حين التصديق عليها وفي دائرة أحكام الدستور.
نجد الفصل 31 من هذا الدستور الذي جاء فيه “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية،على تعبئة الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنيين،على قدم المساواة، من الحق في …الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة،التنمية المستدامة”.
ففي هذا الفصل يعتبر الدستور ان حق المواطن في الماء وحقه في العيش في بيئة سليمة والحق في التنمية المستدامة مكفولة دستوريا وموكول تسهيل الولوج إليها والانتفاع بها الى الجماعات الترابية الى جانب الدولة والمؤسسات العمومية . كذلك خصت هذه الوثيقة الباب الحادي عشر للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كمؤسسة استشارية دستورية لها هي الأخرى اختصاص بيئي وربط البعد البيئي بكل الميادين .
وفي إطار تعزيز نظام الجهوية واللامركزية الترابية عمل على التوسيع التدريجي لمجال اختصاصات وتدخلات الجماعات الترابية، حيث ينص القانون التنظيمي رقم 111-14 المتعلق بالجهات على اختصاصات ذاتية هامة ومباشرة في مجال البيئة والحد من التغيرات المناخية ,
ضمن المشرع مقتضيات تعنى بالبيئة باعتبارها إطار للحياة، ومن هذه المقتضيات ما نصت عليه المادة 82التي ورد فيها ” تشتمل الاختصاصات الذاتية للجهة في مجال التنمية الجهوية على الميادين التالية … (البيئة :- تهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية …” فهذه المنتزهات الموكول تهيئتها وتدبيرها للجهات هي إطار حياة لكل الكائنات الحية من تبات وحيوان وإنسان وأي مساس بها سينعكس سلبا على حاجيات ومتطلبات هذه الكائنات).
كما تجسد منظور تناول المشرع موضوع البيئة كإطار للحياة المادة 91 من القانون التنظيمي للجهات المتعلقة بإبراز الاختصاصات المشتركة حيث مما جاء فيها ” تمارس الجهات الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية :..ب) التنمية القروية : -تنمية المناطق الجبلية -تنمية مناطق الواحات…” فقد خص هذا النص بالذكر الجبال والواحات دون غيرهما من المجالات القروية الأخرى، بالنظر لكونهما يتميزان بخاصية الهشاشة مما يقتضي العناية بهما كإطار للحياة قبل أي منظور أخر اقتصادي أو ربحي مثلا.
وأضاف أن القانون التنظيمي رقم 113-14 المتعلق بالجماعات والقانون التنظيمي رقم 112-14 المتعلق بالعمالات والأقاليم نصا على اختصاصات هامة في المجال البيئي، مبرزا أن هذه القوانين التنظيمية تنص بشكل واضح على أن البعد البيئي والتنمية المستدامة تعتبر الإطار المرجعي لإعداد برامج التنمية والتصميم الجهوي لإعداد التراب.
حيث نص القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات حيث جاء في المادة 87 منه ” تمارس الجماعة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية :.. – المحافظة على البيئة – تدبير الساحل الواقع في النفوذ الترابي للجماعة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل . -تهيئة الشواطئ والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف الأنهار الموجودة داخل تراب الجماعة”، فإلى جانب ورود عبارة عامة في هذه المادة تشمل العناية بكل مكونات البيئة وهي “المحافظة على البيئة” نجد أيضا التنصيص على تدبير السواحل وتهيئة الشواطىء … وغيرها وهي مجالات هشة بيئيا وإطارات لكل الكائنات الحية.
لقد تناولت بعض من مقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية موضوع البيئة من منظور مرفق أو خدمة عمومية تلتزم هذه الجماعات بتقديمها للمواطن وتمكينه من الولوج السهل إليها عبر اتخاذ إجراءات وإحداث بنيات وتجهيزات لتوفيرها، والملاحظ ان معظمها ورد في القانون التنظيمي 113.14 وهو أمر طبيعي لكون الجماعة هي مؤسسة لتقديم خدمات القرب كاختصاص أول في سلم اختصاصاتها بحيث جاء في المادة 83 ” تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية ……. في الميادين التالية :
-توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء
-التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة
-تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها الى المطارح ومعالجتها وتثمينها….
-إحداث وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي للجماعة.
وتضمنت المادة 90 المتعلقة بالاختصاصات المنقولة أيضا منظور البيئة كخدمة عمومية حيث ورد فيها ” تحدد اعتمادا على مبدأ التفريع مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجماعة،وتشمل هذه المجالات خاصة :
-حماية وترميم الماثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية.
-إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة “
والى جانب ما سبق حول الحضور القوي للبيئة كخدمة عمومية في القانون التنظيمي 113.14 فان المادة 134 الموضحة لمهام مؤسسة التعاون بين الجماعة هي الأخرى تؤكد هذا المنظور الخدماتي في تناول موضوع البيئة.
واعتبارا لجسامة التحديات والرهانات تستوجب إعطاء الجماعات الترابية الوسائل التي سوف تمكنها من تجسيد إرادة المشرع والمتمثلة على الخصوص في احترام لا مركزية القرار ولا تمركز مصالح الدولة، وملاءمة حجم الأعباء الملقاة على عاتق الجماعات”، مؤكدا أن الوعي الجماعي بالآثار المدمرة لظاهرة الاحتباس الحراري يحتم الإسراع في تبني برامج ومشاريع عملية في هذا الصدد.

المحورالثاني: دور الجماعات الترابية في مجال حماية البيئة
إن دور الجماعات الترابية يبدو مهما لموقعها داخل المجتمع باعتبارها أقرب مؤسسة إلى كل فرد من أفراد المجتمع، ولكونها تتلمس احتياجات المواطن وتعايش مشكلاته اليومية وتؤمن له الخدمات الحياتية عن قرب.
لمعرفة طبيعة وأهمية الدور الذي تقوم به الجماعات الترابية في مجال حماية البيئة، فإنه ينبغي دراسة الاختصاصات والصلاحيات المنوطة بها، سواء بموجب القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، أو بموجب مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة.
ولقد منح المشرع المغربي للجماعات الترابية اختصاصات واسعة لتنظيم المدينة المغربية وإدارة شؤونها بطريقة تضمن حلول ناجحة للمشاكل التي يطرحها التطور السريع الذي عرفته هذه الأخيرة خاصة في المجال البيئي، وما نتج عنه من اتساع في حجم الحاجيات وتنوعها، والتي جعلت المغرب يتبنى سياسة اللامركزية، حيث أخذت السلطات حول العليا إلى تقسيم التراب الوطني إلى جماعات محلية. فبصدور ظهير 21 يونيو 1960 المتعلق الجماعات المحلية الذي يعتبر لبنة أولى للبنية الحقيقية للجماعات المحلية الحديثة بعد عهد الحماية 1916، وبعد ذلك المحاولة التي جاء بها ظهير 30شتنبر1976المتعلق بالتنظيم الجماعي الذي يشكل منعطفا هاما في تاريخ اللامركزية الإدارية، إذ وسع من اختصاصات المجالس الجماعة وأناط برؤسائها مهام جديدة .
صدر القانون 78.00، في 03 أكتوبر 2002 الذي عزز صلاحيات المجالس الجماعية في مجال حماية وتدبير البيئة، إذ باستقرائنا للميثاق الجماعي نجد أن المشرع اعتمد ضمن الاختصاصات الذاتية بالتفصيل من خلال المواد 40 ، 39، 38 ، 36 ، 35، وفي الاختصاصات المنقولة 44 للجماعة، وضمن الاختصاصات الاستشارية 43 ، نجد المادة 243 قفزة نوعية في مجال التدبير الترابي، من خلال ما دستور 2011 .
وقد تضمن الدستورمقتضيات تسمح بتعزيز دور الجماعات الترابية في النهوض بالتنمية الشاملة والاضطلاع السليم بمهامها الإدارية والتدبيرية، والارتقاء بأدائها وفق الرهانات الملقاة عليها، بما تتمتع به من اختصاصات، مكرسا بذلك التراكم المحقق في ظل هذه التجارب التي ساهمت في الارتقاء بالوضع القانوني والإجرائي لها .
بالرجوع إلى القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية يتعلق الأمر أساسا بالقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات.والقانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق بالعمالات والأقاليم. والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. نلاحظ أن المشرع المغرب خول مجموعة من الاختصاصات البيئية إلى الجماعات الترابية .
ونجد الجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة، من الحق في:
– العلاج والعناية الصحية – الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي، أو المنظم من لدن الدولة – الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة – التنمية المستدامة .
وتم تدعيم هذه الاختصاصات الجماعية بإصدار القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات الذي وسع بدوره من اختصاصات الجماعات، سواء الذاتية منها أو المشتركة أو المنقولة.
من هذا المنطلق، تصبح البيئة بعدا أساسيا، يتعين أخذه بعين الاعتبار في كل مخططات التنمية. إن هذا البعد، وخصوصا إذا أخذ بمفهومه الأكثر عموما وشمولا، وبعمق زمني كاف، هو الذي يضمن ما اتفق عليه بالتنمية المستدامة.
هذه إذن إشارة صريحة إلى ممارسة اختصاصات بيئية واضحة، وتعد بذلك المرة الأولى التي يخول فيها المشرع صراحة اختصاصات بيئية لجماعة ترابية. على هذا الأساس أصبح بإمكان الجماعة أن تقرر في كل ما يتعلق بصيانة البيئة والمحافظة عليها.
إلا أن منح اختصاصات بيئية للجماعات الترابية، لن يتم، دون طرح بعض المشاكل، ذلك أن مفارقة البيئة تكمن في أنها تتموقع مباشرة على المستوى المحلي، لكنها تتطلب قرارات لايمكن اتخاذها على هذا المستوى، لأن الأمر يتعلق بسياسة شمولية لا يمكن بلورتها إلا في ضوء الاختيارات الوطنية والجهوية الكبرى.
لكن هذا لم يمنع المشرع من منح صلاحيات واسعة للجماعة في مجال حماية البيئة، إذ بإمكانها ممارسة كل عمل من شأنه حماية وتدبير البيئة، وبالتالي التدخل في كل نشاط قد يضر بالبيئة بكل مستوياتها (الطبيعية والاصطناعية ).
حظيت الجماعات الترابية باختصاصات جديدة في تدبير المجالات البيئية خاصة في الميثاق الجماعي الحالي. ويصبو هذا التوجه إلى دعم و تقوية دورها في المحافظة و حماية البيئة وفي التدبير المعقلن للموارد الطبيعية المحلية. وإذا كان من استحقاقات وحسنات الميثاق الجماعي الحالي، إدراجه للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي من بين الوسائل التي يجب استعمالها من اجل تحقيق أهداف التنمية المحلية، فان الميادين البيئية التي تكون صلب العمل الجماعي، توجد في صميم هذا التخطيط والبرمجة.
أما فيما يتعلق بدور وصلاحيات المجالس الجماعية في ظل القوانين المتعلقة بالبيئة، فهي كثيرة، علما بأن النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة هي كثيرة ومشتتة: فهناك الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، المؤسسات المكلفة بحماية البيئة، الماء ، قانون مراقبة القنص، حماية واستصلاح البيئة ، دراسات تأثير البيئة ، مكافحة تلوث الهواء ، المقالع ، المناجم، الساحل ، المناطق المحمية، المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الأكياس من مادة البلاستيك منع الصنع والاستيراد والتصدير والتسويق والاستعمال، الوقاية الصحية لتربة الطيور الداجنة وبمراقبة إنتاج وتسويق منتوجاتها، الانتاج البيولوجي للمنتوجات الفلاحية، حماية المستنبطات النباتية، نقل البضائع الخطرة عبر الطرق، تدبيراالنفايات ، الترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية.
لذلك نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض المقتضيات التي تضمنها قانون – إطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، فالمادة 3 منه تنص على أنه: لكل مواطن أو مواطنة الحق في: العيش والنمو في بيئة سليمة وذات جودة، تمكن من المحافظة على الصحة والتفتح الثقافي والاستعمال المستدام للتراث والموارد التي يوفرها؛ الولوج إلى المعلومة البيئية الصحيحة والمناسبة؛ المشاركة في مسلسل اتخاذ القرارات التي من شأنها التأثير على البيئة.
كما تنص المادة 20 من الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة التي تحدد التزامات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة والمقاولات الخاصة وجمعيات المجتمع المدني والمواطنين على ما يلي: تسهر الجهات والجماعات الترابية الأخرى على إدماج المبادئ والأهداف المنصوص عليها في هذا القانون- الإطار ضمن آليات التخطيط وبرامج التنمية كل في مجاله الترابي. وتلتزم بضمان مشاركة ساكنتها في اتخاذ القرار المرتبط بالمحافظة على البيئة المحلية والتنمية المستدامة لمجالاتها الترابية والولوج إلى المعلومة البيئية المحلية المتعلقة بهذه الميادين. تلتزم الجهات المتجاورة وباقي الجماعات الترابية المتجاورة، قدر الإمكان، باتباع سياسات عمومية محلية مندمجة ومنسقة عند إقامة تجهيزات وبنيات تحتية تتعلق بالمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة.
كذلك نجد المادة 25 من الميثاق المشار إليه تنص على أنه: يمكن للدولة والجهات والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة تنظيم حوارات عمومية حول البيئة والتنمية المستدامة. وتنظم هذه الحوارات مع السكان والمتدخلين الاقتصاديين والاجتماعيين المعنيين على المستوى المركزي أو الترابي. تراعي الخلاصات المنبثقة عن هذه الحوارات العمومية في السياسات العمومية المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة.

بالرجوع إلى لائحة الاختصاصات المخولة إلى الجماعات الترابية، يتضح أن جلها يندرج في إطار الميادين البيئية أوالمرتبطة بها. وهوما يفسر أهمية الدور الذي يمكن للهيئات المحلية أن تقوم به من أجل التنمية المستدامة .
المحور الثالث : الجماعات الترابية مدخل استراتيجي لمستقبل بيئة مستدامة
إن المجال المحلي يلعب دورا مهما في تعبئة العموم من أجل المساهمة في التنمية المستدامة، و لتقريب العمل العمومي من المواطن، لهذا فإنه يجب على الجماعات الترابية أن تلعب الدورالأساسي والمحوري في هذا المجال.
إن جل المختصين يعتبرون أن الجماعات الترابية دعامة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة ليس فقط على المستوى المحلي بل على المستوى الشمولي، و لهذا فان تكثيف أنشطتها و تدخلاتها، يعد عملا ضروريا من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة.
فقد تم تناول موضوع البيئة كإطار للحياة ومرفق أو خدمة عمومية في النصوص التنظيمية للجماعات الترابية، فإن هذه القوانين انشغلت بالبيئة كمنظوروبعد لتحقيق التنمية الترابية المنشودة على المستويات الترابية الثلاث الجهة، العمالة أو الإقليم، الجماعة.
انسجاما مع مفهوم التنمية المستدامة الذي يرتكز على خلق التوزان بين الحاجيات الإنسانية والموارد وضمان حقوق الأجيال القادمة، وبالتالي عدم الفصل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة التي تقوم عليه التنمية .
ومن هذا المنطلق، فقد جاءت القوانين التنظيمية الثلاث متضمنة لمنظورالاستدامة وإيلاء العناية اللازمة لعنصر البيئة في إعداد السياسات والبرامج الجماعية، وقد ورد ذلك في القانون التنظيمي111.14 المتعلق بالجهات من خلال مقتضيات المادة 83 ” … يحدد برنامج التنمية الجهوية لمدة ست سنوات الأعمال التنموية المقرر برمجتها أوإنجازها بتراب الجهة…، لتحقيق تنمية مستدامة ووفق منهج تشاركي…”، وفي القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم إذ جاء في المادة 80 منه “يحدد برنامج تنمية العمالة أوالإقليم … لتحقيق تنمية مستدامة ….”، كما تضمن روح هذا المنظور القانون التنظيمي 113.14 الخاص بالجماعات الذي ورد في المادة 78 منه : ” ….يتم اعداد برنامج عمل الجماعة … بانسجام مع توجهات برنامج التنمية الجهوية” .
لذا أصبح إدماج البعد البيئي في التخطيط الجماعي للتنمية ضرورة يقتضيها البعد الاقتصادي والاجتماعي، فالمخطط الجماعي يهدف تحقيق الأهداف التالية :
– تحديد وفهم الرهانات البيئية الحاسمة وترتيبها حسب أهميتها لمستقبل المجال الترابي والوقوف على ترابطها مع المكونات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى.
– إدماج الرهانات البيئية ذات الأولوية للمحال الترابي في بناء رؤية تنموية وفي برمجة الأنشطة حسب مقاربة تشاركيه.
– إدماج الرهانات البيئية في التخطيط الجماعي مع الاستناد إلى مؤشرات التنمية المستدامة في بعدها المجالي.
غيرأنه بالرغم من المجهودات المبذولة يظهر تقييم مسلسل التخطيط الجماعي للتنمية أن البعد البيئي لا يؤخذ بعين الاعتبار بما فيه الكفاية ولا يدمج في مراحل هذا المسلسل إلا بشكل محدود، وتتمثل إحدى الأسباب الرئيسية لهذا النقص في عدم كفاية القدرات البشرية والتنظيمية على مستوى الجماعات الترابية، ولاسيما على مستوى الممارسة الفعلية الجيدة من قبل الفاعل الترابي (المعين والمنتخب) .
فالحاجة إلى الأطر العليا والأطر المتخصصة في مجالات كالتدبير الحضري والتدبير المالي والمحاسبي أو في مجال العمل الاجتماعي، الثقافي وحماية البيئة، لان الانتقاء المباشر من طرف رؤساء الجماعات لا يسمح دائما بالوصول للهدف المر جوا وهو التلاؤم بين تكوين الشخص الذي تم انتقاؤه وحاجيات الإدارة.
إن أغلب المستشارين الجماعيين ليست لهم مردوية مرضية في مجال تدبير الشأن الجماعي وذلك لعدة أسباب منها ضعف إلمامهم بتقنيات التدبير الجماعي،
وعلى المستوى المؤسساتي فإن الضرورة تقتضي تفعيل الأدوار الأساسية للمجلس الوطني للبيئة بالإضافة إلى وضع إطار قانوني ومالي ملائم على المستوى التشريعي والتنظيمي وفتح نقاش واسع هادف ومسؤول على المستوى الإعلامي من أجل التكوين والتحسيس والتوعية.
لقد أناط الميثاق الجماعي الجديد لرؤساء الجماعات إعداد مخططات جماعية تنموية، إلا أن الجماعات ذاتها تفتقر لجهاز أو هياكل مختصة في مجال التخطيط الاستراتيجي أو قادرة على مواكبة اكراهاته، والذي يفترض أن يشكل الجهاز الداعم للمجالس التداولية في مجال دراسة وإعداد المخططات وتتبع تنفيذها.
إن المشرع بالرغم من محاولته تمكين الجماعات الحضرية والقروية من مجموعة من آليات الحكامة التي جاء بها القانون 17- 08، إلا أن الممارسة أبانت عن وجود اكراهات متعددة ومتنوعة حدت من فعاليتها مما يفرض إعادة النظر في الترسانة القانونية المنظمة للشأن الجماعي بطريقة تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة في إطار المقتضيات المتقدمة للدستور الجديد وما يتوخاه من تحقيق جهوية متقدمة ستفرض بالضرورة إعادة النظر في دور الجماعات الحضرية والقروية.
كما أن التحدي يطرح أيضا على مستوى النخب المرشحة لتدبير الشأن الجماعي، فلا بد من وضع شروط ومعايير من شانها إفراز مستشارين قادرين على تدبير الجماعة باحترافية عالية لتمكينها من لعب دورها التنموي وليس الإداري فقط .
يتوقف نجاح الهيئات الترابية في أداء رسالتها في مجال النهوض بالتنمية المحلية، على حجم مواردها المالية، فكلما كبر حجم هذه الموارد وتنوعت، كلما استطاعت الوحدات المحلية من ممارسة اختصاصاتها على الوجه الأكمل، معتمدة في ذلك على امكانياتها الذاتية؛ الشيء الذي يضمن لها الاستقلال في تسيير شؤونها المحلية.
وعلى العكس من ذلك، فإن محدودية الموارد المحلية تغل يد الهيئات اللامركزية عن التصرف بكل حرية، نظرا لأنها تضطر للجوء إلى السلطات المركزية للحصول على إعانات مالية أو اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المتخصصة؛ وهذا ما من شأنه أن يؤثر على استقلالية القرار المحلي؛ فهي بقدر ما تتوفر عليه من موارد مالية ذاتية تتحكم في توظيفها واستثمارها، بقدر ما تكون طليقة وحرة في ممارسة أنشطتها واختصاصاتها وفقا لمبادرتها واختياراتها.
فلا شك أن الاستقلال المالي يحدد الاستقلال الإداري، بحيث بدون موارد مالية كافية يصبح الاستقلال المحلي مبدأ بدون معنى. هذا وإن محدودية تجربة اللامركزية بالمغرب ليست قانونية، بحكم وجود الإطار القانوني المناسب، كما يرى عبد الحق المرجاني، وإنما أسباب هذه المحدودية ترجع بالدرجة الأولى إلى عدم توفر الهيئات المحلية على الموارد المحلية الذاتية والقارة للقيام بالدور المنوط بها.
لاسيما أن تفعيل العمل البيئي يتطلب تدعيم الوسائل المالية الكفيلة بتنفيذ الاستراتيجيات، والمخططات الوطنية في مجال حماية البيئة. وعليه تظهر الحاجة إلى تطوير الإنفاق البيئي وذلك بالرفع من حجم الاعتمادات المالية المرصودة لقطاع البيئة وباقي القطاعات المعنية بتدبير البيئة والموارد الطبيعية، مع تطوير آليات التعاون الدولي باعتبارها تمويلا أساسيا للمشاريع المرتبطة بالبيئة والتنمية المستدامة على الصعيد الوطني، كما يبدو ضرورة تطوير الشراكة مع القطاع الخاص الوطني والأجنبي من أجل تمويل الاستثمارات البيئية التي تهم إحداث وإدارة محطات التصفية، إضافة إلى هذا وذاك، يجب خلق آليات فعالة للتنسيق بين مختلف الهيئات المتدخلة في المجال البيئي على صعيد الإنفاق المالي، وأن نظام الاستشارة والتنسيق بصفة عامة يعاني من الشرخ والقصور .
إن الطابع المتشعب للظاهرة البيئية، جعلها محل اقتسام بين العديد من الهيئات المحلية من بينها الجماعات المحلية، وعليه لا يمكن اعتبار أي تدخل لحماية البيئة ناجحا، إلا ، بالتنسيق الفعال بين هذه الهيئات، دون إغفال مجموعة من الأجهزة العمومية وشبه العمومية وكذلك الخاصة التي تتولى بدورها القيام بأنشطة تقنية وعلمية ذات علاقة مباشرة وغير مباشرة بحماية البيئة، الأمر الذي يؤكد الطبيعة الأفقية لموضوع البيئة، باعتباره مجال
يعرف تدخل الكثير من الفاعلين، وتتخلله العديد من الأنشطة، وبالتالي يستحيل تدبيره بشكل عمودي، ولا يمكن حصره في وزارة بذاتها، والحال أن التسليم بأفقية موضوع البيئة أفضى في السابق إلى تدبير البيئة بطريقة قطاعية، إذ أن معالجة قضايا البيئة كانت مرتبطة بما تمليه اختصاصات وتصورات وأهداف الهيئات الوزارية المختلفة، في غياب مقاربة شمولية لحماية البيئة، وهذا الوضع لا ينطبق على المغرب وحده بل عرفته معظم دول العالم التي تفطنت لضرورة إحداث الانسجام في العمل البيئي وتوحيد التدخلات البيئية التي تحد النزعة القطاعية من فعاليتها .

خاتمة
نجد أنه لابد من وضع استراتيجية بيئية تقوم على ثلاث ركائز: تشريع بيئي ملائم إدارة ذات كفاءة وفعالية تربية بيئية تتمحور حول الإنسان الذي هو صانع التنمية وفي نفس الوقت هو المستهدف من التنمية.
ومن ثم التأكيد على أهمية الأعمال التي تقوم بها الجماعات الترابية والدورالكبير المنوط بها في هذا الشأنالبيئي، إلا أن أي إخلال أو تهاون، أولامبالاة من شأنه أن يؤدي إلى أضرار بيئية لا يمكن تفاديها عند عدم التدخل في الوقت المناسب ، بل أحيانا قد يصعب التحكم فيها هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب عدم تجاهل الصعوبات التي تواجه الجماعات الترابية في أداء مهامها والتي تأتي في مقدمتها قلة الإمكانيات المادية وعدم توفر الوسائل البشرية المتخصصة التي تسهر على تسيير أعمال ونشاطات حماية البيئة حتى و إن وجدت، فغياب التكوين المتخصص يجعل من هذه الطاقات البشرية المتوفرة غير فعالة وغير متحكمة في تسييرالشؤون ذات الصلة بالمحافظة على البيئة ، كما أن الهيئات الإقليمية بوجه عام لا تتمتع بصلاحيات واسعة في تسيير شؤونها المحلية، بل إن كل السلطات الهامة تبقى بيد الجهات المركزية وهذا مايجعل السلطات المحلية عاجزة عن اتخاذ أي قرار أو خطوة في مسألة معينة، دون أن ننسى غياب الوعي البيئي لدى المجتمع مما يزيد في صعوبة مهمة الجماعات الترابية في الحفاظ على البيئة .

لائحة المراجع
الكتب
• سانتوسا أحمدماس : ” الحق في بيئة صحية، الوحدة 15، نسخة إلكترونية على موقع مكتبة حقوق الأنسان، جامعة مينيسوتا.
الأطاريح و الماجستر
• هشام أشكيح ، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ( شعبة القانون العام ) في موضوع ” الإطار التشريعي والمؤسساتي لحماية البيئة بالمغرب ” جامعة محمد الخامس أكدال، 2010 – 2009.
• رمضان عبد المجيد، “دور الجماعات المحمية في حماية البيئة” ،” مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، تخصص إدارة الجماعات المحلية و الإقليمية، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة الجزائر 2012 .
القوانين
• ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 شعبان 1423 (29 يوليوز2011)بتنفيذ نص الدستور الجريدة الرسمية 5964 مكرر الصادرة في 30 يوليوز 2011 ص 3600-مركز الدراسات وابحاث السياسة الجنائية وزارة العدل والحريات.
• ظهير شريف رقم 1.97.84 صادر في 2 ابريل 1997 بتنفيذ قانون رقم 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات ،الجريدة الرسمية عدد4470 صادر بتاريخ 3 ابريل 1997.
• ظهير شريف رقم 1.02.269 صادر في 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم العمالات والاقاليم ،الجريدة الرسمية عدد505821/11/2002.
• ظهير شريف رقم 1.02.297 صادر في 3 اكتوبر 2002 بتنفيذ قانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي.
• الظهير الشريف رقم 1.03.59 المؤرخ ب 10 ربيع الأول 1423 الموافق 12 ماي 2003 بتنفيذ قانون رقم 11.03 يتعلق بحماية واستصلاح البيئة.
• القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء المؤرخ في غشت 1995، الجريدة الرسمية عدد 4325 لـ 20 شتنبر 1995.
• قانون 2.031 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 19 يونيو 2003.
• ظهير شريف رقم 61-03، صادر في 10 ربيع الأول 1424 (12 ماي 2003) بتنفيذ القانون رقم 13.03 المتعلقة مكافحة تلوث الهواء، منشور في الجريدة الرسمبة عدد 5118 بتاريخ 19 يونيو 2013.
• القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.66 بتاريخ 21 شعبان 1436 (9 يونيو 2015).
• مرسوم رقم 2.17.369 صادر في 11 من ربيع الأول 1439 ( 30 نوفمبر 2017) بتطبيق بعض مقتصيات القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع.
• ظهير شريف رقم1.15.83 صادر في 7 يوليوز 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات.الجريدة الرسمية عدد6380 الصادرة بتاريخ 23 يوليوز 2015 .
• ظهير شريف رقم 1.15.84.صادر في 7 يوليوز 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم ،الجريدة الرسمية عدد6380 الصادرة بتاريخ 23 يوليوز 2015 .
• ظهير شريف رقم 1.15.85.صادر في 7 يوليوز 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات ،الجريدة الرسمية عدد6380 الصادرة بتاريخ 23 يوليوز 2015 .
المؤتمرات والمواثيق الدولية و الإقليمية
• مؤتمر استكهولم 1972.
• مؤتمر ريو دي جانير للبيئة والتنمية لسنة 1992.
• برنامج أجندة القرن 21 (Agenda 21) .
• الاتفاقية – الإطارية بشأن التغيرات المناخية (UNFCCC).
• اتفاقية التنوع البيولوجي.
• مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ريو +20 [2012].
المقالات
• حسنة كجي ، “الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق التطبيق ” منشورات مسالك الفكر والسياسة الاقتصاد العدد 48 – 47.
• إبراهيم كومغار، ” تدبير البيئة بين اللامركزية واللاتمركز ” ، مجلة القانون والعلوم السياسية ، عدد : 1 سنة 2008 .
• ابراهيم كومغار ” الوضعية البيئية بالمغرب ، مظاهر التردي وسبل الحماية ” ، مجلة الدراسات السياسية والاجتماعية ، عدد مزدوج . السنة2017 .

تقارير ودراسات
• تقرير شامل عن الوضع البيئي العالمي واقتراح التوصيات الملائمة كلفت الأمم المتحدة اللجنة العالمية للبيئة والتنمية (WCED) لجنة برانتلاند( Brundtland Commission) من أجل إنجازه، وخلال سنة 1987 أصدرت اللجنة المذكورة تقريرها.
• تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية المستدامة2016 : البيئة العربية والتنمية المستدامة ،تحرير نجيب صعب،عبد الكريم صادق.
• تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 2015/2014/2016.
• التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 2015.
مواقع رسمية
• “التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بحاجيات الأجيال المقبلة”. أنظر تقرير لجنة برانتلاند:
WCED, 1987. Our commun future. Oxford: Oxford University Press, p43 . .

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *