أحدث التدوينات

مصادر تحريك عملية الوساطة

مصادر تحريك عملية الوساطة

خديجة طيوبي

طالبة  باحثة في سلك الدكتوراة

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

المحمدية

عرفت الدولة الحديثة في عصرنا الحاضر عدة متغيرات يشهدها العالم أجمع، مما جعلها أمام مجموعة من التحديات في جميع مستويات ومجالات الحياة الإنسانية، وقد شكلت العدالة أحد أهم أوجه هذه التحديات. حيث أصبحت الحاجة ملحة لضرورة إقامة عدالة عادلة وسريعة تنشر الأمن وتحفظ حقوق ومصالح الأفراد والجماعات.

وهكذا أصبح لزاما على جهاز العدالة مسايرة التطورات العامة ومجاراة التحولات المتتالية التي يعرفها عالم التكنولوجيا، وذلك عن طريق التنصل من وظائفه التقليدية، والانتقال إلى مستويات تواكب زمن العوامة وتكرس الديمقراطية وتحافظ على حقوق الإنسان.

إلا أن هذا الانتقال وما صاحبه من تحول علمي وتطور تكنولوجي وسهولة تنقل الأشخاص والأموال وتنامي الجريمة عبر الوطنية وما ترتب على ذلك من نزاعات ذات طابع داخلي ودولي، أدى إلى تقييد دور القضاء وتعاظم مسؤولياته فظهرت بذلك معوقاته ومشاكله ونقط ضعفه وضعفت مؤشرات نجاحه وتناقضت معدلات الثقة فيه.

وأمام هذا الواقع كان لزاما التفكير في وسائل بديلة بهدف الخروج مما يعاني منه القضاء من معضلات والابتعاد عن بطء المساطر وتعقيدها وعدم فعاليتها وتراكم القضايا وتعدد درجات التقاضي ومشاكل تنفيذ الأحكام والمقررات القضائية مما ينعكس على صورة العدالة.

وبهذا شكلت العدالة التصالحية الجواب والحل لتحقيق الغايات المنشودة، فبرزت بذلك الوسائل البديلة لحل النزاعات كآلية فعالة وناجعة للرقي بمستوى العدالة.

وتعتبر الوساطة واحدة من هذه الوسائل حيث استطاعت أن تفرض وجودها وتكتسح عدة مجالات وميادين جديدة، مما جعلها بالنظر إلى نزعتها الاجتماعية قادرة على تصريف العدالة.

وباعتبار عملية الوساطة تبدو كسلسلة متناسقة الحلقات، ولعل أهم وأبرز حلقة فيها هي الحلقة الأولى أو بالأخرى تحريك هذه العملية كي تشتغل وتفرز باقي المراحل .

وآليات تحريك عملية الوساطة تختلف وتتعدد بحسب اختلاف العوامل الداعية إلى إعمال الوساطة. وهي تكتسي أهميتها أولا من خلال أسهامها المتميز في تفعيل اللجوء إلى الوساطة، وثانيا في تأثيرها الكبير في مدى نجاح عملية الوساطة والقدرة على الوصول إلى تسوية للنزاع.

وبناء على هذا تشير إلى أن مصادر تحريك عملية الوساطة متعددة ومتنوعة وتشكل مبادرة أحد أطراف النزاع أو اتفاقهما أبرزها، ونص القانون وأوامر القضاء أهمها، وبحكم أن الوساطة ممارسة ومهارة اجتماعية رائدة فان هناك آليات أخرى تنسجم إما مع بساطة النزاع أو خصوصيته ومجاله.

وهكذا فإننا سنتناول في هذا الباب معالجة مختلف مصادر تحريك عملية الوساطة وذلك عن طريق معالجة مختلف مصادر تحريك عملية الوساطة (فقرة أولى( ثم بعد ذلك سنعالج تحريك عملية الوساطة في قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي (الفقرة الثانية( وذلك على الشكل التالي :

الفقرة أولى : المصادر العامة لتحريك عملية الوساطة :

سنتطرق في هذه الفقرة إلى مختلف مصادر تحريك عملية الوساطة.

أولا : تحريك عملية الوساطة بناء على اتفاق أطراف النزاع :

تعتبر هذه الصورة الأكثر شيوعا وممارسة، فغالبا ما يتم تحريك عملية الوساطة عبر اتفاق أطراف النزاع قصد تسوية نزاعهم عبر الوساطة، حيث إن هذا الاتفاق يأتي كنتيجة إما لدعوة مباشرة لأحد الأطراف إلى الطرف الآخر قصد اللجوء إلى الوساطة، وغالبا ما تكون هذه الصورة بعدم قيام النزاع، ويمكن أن يتم الاتفاق قبل وقوع النزاع وذلك عبر تضمين الاتفاق في عقد للوساطة.

هذا ويعرف اتفاق الوساطة بأنه : ” عقد بين طرفي النزاع يحيل بمقتضاه إلى الوساطة كل أو بعض النزاعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية، ويكون في إحدى صورتين : إما شرط وساطة بالعقد الأصلي قبل النزاع وإما مشارطة وساطة باتفاق لاحق عن العقد الأصلي بعد قيام النزاع، بمعنى أنه تعبير عن إرادتين تراضيتا على اختيار الوساطة كوسيلة بديلة لتسوية منازعات ثارت أو قد تثور بينهما[1].  

ثانيا : تحريك عملية الوساطة بناء على نص القانون :

نظرا إلى الاهتمام المتزايد الذي أصبحت تحظى به الوساطة في جل التشريعات الحديثة ورغبة منها في تشجيع اللجوء إلى هذه الوسيلة لتسوية النزاعات بين أفراد مواطنيها، فقد أصبحت تولى أهمية

كبيرة لتنظيم عملية الوساطة بموجب القانون بل والأكثر من ذلك تقضي وبموجب القانون على إجبارية اللجوء إلى الوساطة قبل عرض النزاع على القضاء أو تكليف القضاء نفسه بمهمةإحالة النزاع المعروض أمامه على الوساطة قبل النظر فيه.

وهكذا أصبح نص القانون فاعلا رئيسيا في تحريك عملية الوساطة فكلما كان هناك نص قانوني يقضي بإجبارية إحالة النزاع على الوساطة[2]، فإنه والحالة هاته يعتبر محركا لمختلف مراحل عملية الوساطة.

وتجدر الإشارة إلى أن أما المشرع المغربي نظم كل ما يتعلق بعملية الوساطة بمقتضى القانون رقم 95.17 [3]المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية وقبله القانون رقم 05.08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، وجعل من اتفاق الوساطة السبيل الوحيد لإعمال الوساطة في القانون المغربي، وذلك على خلاف العديد من التشريعات المقارنة التي عملت خصوصا على منح القضاء إمكانية تحريك عملية الوساطة وذلك لاعتبارات متعددة كان أهمها تفعيل ونشر الوساطة في المجتمع[4].

ثالثا : تحريك عملية الوساطة بناء على أوامر القضاء :

يلعب القضاء أدوار مختلفة ومتميزة في جميع مراحل عملية الوساطة، بل إن القضاء كان له الفضل في تفعيل ونشر الوساطة في الدول السباقة للعمل بهذه الوسيلة، وتستحضر هنا على الخصوص التجربتين الأمريكية والفرنسية، وفي هذا الإطار فان تدخلات القضاء في كثير من الأحيان يكون لها دور حاسم في تحريك عملية الوساطة وإعطاء الانطلاق لمختلف مراحلها، حيث يعتبر تدخل القضاء والحالة هاته محركا فعليا لعملية الوساطة، وهكذا فان تحريك عملية الوساطة من طرف القاضي يكتسي إما طابعا إجباريا عند الأمر بإعمال الوساطة قبل النظر في النزاع، وإما طابعا اقتراحيا، وذلك عندما يقترح القاضي قبل النظر في النزاع أو بمناسبة النظر فيه على الأطراف لضرورة اللجوء إلى الوساطة قصد تسوية النزاع بشكل ودي[5].

رابعا : مصادر أخرى لتحريك عملية الوساطة  :

أ – تحريك عملية الوساطة بناء على مبادرة مباشرة من الوسيط :

يكتسي تدخل الوسيط في هذه الحالة طابعا فضوليا، ذلك أنه يكون هو المبادر والمحرك لعملية الوساطة عن طريق عرضه لخدماته على أطراف النزاع من أجل القيام بعملية الوساطة بغرض تسوية النزاع القائم بينهما.

فإذا كان الأصل في تحريك عملية الوساطة هو اتصال أحد أطراف النزاع أو كليهما، بالوسيط من أجل التدخل لحل النزاع فان الصورة تنقلب هنا ويصبح الوسيط هو الفاعل الأول في العملية. وعموما فإن هذه الحالة تبدو قليلة لكنها عمليا موجودة، فقد يحدث أن يصل إلى علم الوسيط نزاع ما إما عبر اطلاعه على حيثيات النزاعات عبر وسيلة إعلامية سمعية أو مرئية أو عبر انترنيت أو عبر مصادره الخاصة، فيبادر هو إلى الاتصال بالأطراف عارضا خدماته للقيام بعملية الوساطة وبالتالي تحريك هذه العملية.

ب : تحريك عملية الوساطة بمبادرة طرف ثالث من خارج النزاع :

في أحيان كثيرة لا تنحصر آثار النزاع على الأطراف المعنية به فقط بل قد تنتقل بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أطراف أخرى لا علاقة لها بالنزاع، وذلك بحكم الروابط التي تجمعنا بأحد طرفي النزاع أو كليهما.

وللإشارة فإن تدخل الطرف الثالث وفي أحوال كثيرة لا يقتصر دوره على المساهمة في تحريك عملية الوساطة بل يساهم أيضا في باقي المراحل بهدف الوصول إلى تسوية، ويختلف دوره حسب درجة تثيره في أطراف النزاع.

ج : تحريك عملية الوساطة بناء على تدخل جهة إدارية أو اقتصادية :

أمام توسع وانتشار اللجوء إلى الوساطة لتسوية النزاعات في العديد من المجالات، فقد أصبحت بعض المؤسسات الإدارية أو الاقتصادية سواء التابعة منها للدولة أو الخاصة إلى وضع أنظمة خاصة بها لتسوية النزاعات الناشئة بينها وبين زبنائها أو عمالها أو تلك التي تنشأ بينها وبين مؤسسات أخرى أو تلك التي تنشأ فيما بين عمالها داخل مكان مزاولة العمل، حيث أصبحت الوساطة تحظى بأهمية متميزة داخل هذه الأنظمة الخاصة باعتبارها وسيلة ناجعة لتسوية النزاعات، وهكذا فقد أصبح لهذه المؤسسات دور متميز في تحريك عملية الوساطة وطرق تدخلات الوسيط[6].

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى التجارب التي بدأت تشهدها بعض المؤسسات في المغرب، وخاصة المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي، ومن أبرزها تجربة الاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي أصبح يتوفر على مركز للتوفيق، هذا الأخير الذي يتوفر بدوره على مجلس للصلح والوساطة بين المقاولات المنضوية تحت لواء الاتحاد، ونفس التوجه ذهبت فيه المؤسسات البنكية بالمغرب حيث عملت على تأسيس نظام خاص بها تحت اسم الوساطة البنكية وذلك لحل النزاعات الناشئة بين المؤسسات البنكية وزبنائها[7]

الفقرة الثانية : تحريك عملية الوساطة في قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي :

عزز المشرع المغربي الساحة التشريعية للوساطة الاتفاقية بقانون جديدة رقم 95.17 صدر بعد القانون رقم 05.08، وذلك بتاريخ 24 ماي 2022[8].

حيث اعتبره المشرع المغربي الآلية الواحدة لتحريك عملية الوساطة، إذ جعل من اتفاق الوساطة السبيل الوحيد لإعمال الوساطة في القانون المغربي، وذلك على خلاف العديد من التشريعات المقارنة التي عملت خصوصا على منح القضاء إمكانية تحريك عملية الوساطة وذلك لاعتبارات متعددة كان أهمها تفعيل ونشر الوساطة في المجتمع.

وعموما يمكن اعتبار اقتصار المشرع على اتفاق الوساطة المالية وحيدة للتحريك عملية الوساطة خطوة من أجل وضع نظام متكامل للوساطة.

وهكذا فإننا سنتعرض في هذه الفقرة إلى تعريف اتفاق الوساطة (أولا) ثم إلى الشروط الواجبة لاتفاق الوساطة (ثانيا)، وأخيرا إلى الآثار المترتبة عن قيام اتفاق الوساطة صحيحا (ثالثا (

أولا : تعريف اتفاق الوساطة وتحديد شكله :

أفرد المشرع المغربي لعملية الوساطة النصوص من 86 إلى 100 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية رقم 95.17.

إذ لم يكتفي المشرع بوضع تعريف لاتفاق الوساطة في قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية وإنما تعداه إلى تحديد الشكل الذي يمكن أن يأتي عليه الاتفاق، وعليه فإننا سنتطرف لتعريف اتفاق الوساطة ثم إلى شكل اتفاق الوساطة.

د –  تعريف اتفاق الوساطة :

عرف المشرع المغربي بمقتضى المادة 87 من قانون 95.17 اتفاق الوساطة بأنه ” اتفاق الوساطة هو العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط، يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد …. “

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن المشرع المغربي كان ولا زال بمقتضى القانون الجديد حريصا على إبراز الطابع الاتفاقي والاختياري للوساطة من أول فصل تعرض فيه للوساطة الاتفاقية حين نص على جوازية اتفاق أطراف النزاع على تعيين وسيط بغاية تسوية النزاع.

والملاحظ من هذا التعريف أن المشرع المغربي جعل من اتفاق الوساطة وسيلة غايتها تحقيق الصلح وبالتالي فإنه لم يخرج بالوساطة الاتفاقية من الإطار العام لعقد الصلح.

ب – شكل اتفاق الوساطة :

بالاطلاع على مقتضيات المادة 88 من القانون 95.17[9] نجد أنها حددت شكل الاتفاق الوساطة في نوعين اثنين، فهو إما عقد وساطة أو شرط وساطة :

  • عقد الوساطة  :

يمكن تعريف عقد الوساطة بأنه هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف النزاع ناشيء بعرض هذا النزاع على وسيط، وقد أجاز المشرع الأطراف النزاع بإمكانية إبرام عقد الوساطة حتى ولو كانت الدعوى مرفوعة أمام المحكمة .

  • شرط الوساطة  :

يمكن تعريفه أيضا بأنه هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على الوساطة النزاعات التي قد تنشأ عن هذا العقد.

وهكذا فان شرط الوساطة يتخذ طابعا توقعيا حيث أجاز المشرع الأطراف العقد تضمينه شرط الوساطة قصد تسوية النزاعات التي قد تنشب بينهم في المستقبل أثناء سريان تنفيذ العقد.

ثانيا : شروط إبرام اتفاق الوساطة :

جعل المشرع المغربي من إرادة الأطراف وحرية اختيارهم اللجوء إلى الوساطة لتسوية النزاعات التي تنشأ بينهم كما جعل من اتفاق الوساطة الآلية الوحيدة لتحريك عملية الوساطة ) وحتى يكتسي هذا الاتفاق الفعالية اللازمة فقد استوجب المشرع مجموعة من الشروط منها ما هو شكلي ومنها ما هو موضوعي بحيث نص على ذلك في المادة 89 من القانون رقم 95.17 التي يمكن تفصيلها كما يلي :

  • الشروط الشكلية لاتفاق الوساطة :

لقد استلزم المشرع المغربي مجموعة من الشروط حتى يقوم عقد الوساطة، صحيحا، وهي تتراوح عموما بين ضرورة أن يكون اتفاق الوساطة مكتوبا وأن تتم عملية الوساطة داخل الأجل المحدد وأن يتم التقيد بأحكام السر المهني.

  • شرط الكتابة  :

جعل المشرع الكتابة شرطا واجبها عند إبرام اتفاق الوساطة سواء كن في شكل عقد وساطة أو شرط وساطة، حيث نص في المادة 89 على أنه : ” يجب أن يبرم اتفاق الوساطة كتابة بعقد رسمي أو عرفى أو بمحضر يحرر إما أمام المحكمة وإما أمام الوسيط المختار، أو بأي وسيلة أخرى يتفق عليها الأطراف “

ولم يتوقف المشرع المغربي عند هذا الحد بل توسع كثيرا في مفهوم الكتابة وذلك عندما نص على أنه يعتبر اتفاق الوساطة مبرم كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال، المكتوبة أو بموجب رسائل إلكترونية أو عن طريق تبادل المذكرات.

وتأسيسا على ما تقدم يتضح أن المشرع المغربي وبتأكيده على وجوب كتابة اتفاق الوساطة، يكون قد سد الباب عن أي مجال لإبرام اتفاق الوساطة بشكل شفوي، باعتبار أن العقد هو التعبير الصريح عن الإرادة الحرة بغية الوصول إلى اتفاق[10].

  • تحديد مدة عملية الوساطة  :

تعتبر خاصية السرعة من أهم الخصائص التي تميز عملية الوساطة ومختلف الوسائل البديلة لتسوية النزاعات عن الأجهزة الرسمية، حيث أن الأخيرة غالبا ما تواجه انتقادات حادة على هذا المستوى وذلك من قبيل البطء والتماطل في البت في القضايا المعروضة أمامها في أزمنة غير مناسبة[11]

وقد نص المشرع المغربي عند تنظيمه للوساطة الاتفاقية في المادة 94 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية رقم 95.14 على أنه : ” يحدد الأطراف مدة مهمة الوسيط في أول الأمر دون أن تتجاوز أجل ثلاثة أشهر من التاريخ الذي قبل فيه الوسيط مهمته، غير أن للأطراف تمديد الأجل المذكور باتفاق يبرم وفق نفس الشروط المعتمدة لإبرام اتفاق الوساطة، ولا يجوز في جميع الأحوال أن تتعدى مدد التمديد مجتمعة ثلاثة أشهر إضافية “

يتضح من خلال المادة أعلاه أنه بإمكان أطراف النزاع الاتفاق على مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لتسوية نزاعهم، ويمكنهم أيضا الاتفاق على مدة أخرى للوساطة في حالة تجاوز مدة الثلاثة أشهر الأولى، وذلك بناء على اتفاق جديد بينهم دون أن تتجاوز ثلاثة أشهر.

  • الالتزام بالسرية  :

يعتبر الالتزام بالسرية من القواعد المركزية في عملية الوساطة وأحد أهم عناصر فعاليتها ودورها المتميز في تسوية النزاعات، فهي بهذه الخاصية تتماشى مع حاجة العديد من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين إلى تسوية نزاعاتهم في كل سرية.

وقد جاء نص المشرع المغربي على وجوب التزام الوسيط المكلف بتسوية النزاع بكتمان السر المهني تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، كما منع المشرع على أطراف النزاع استعمال مختلف المعلومات والتصاريح التي راجت أثناء عملية الوساطة إلا باتفاق بينهم[12].

  • الشروط الموضوعية لاتفاق الوساطة :

لقد حدد المشرع سواء من خلال القانون القديم رقم 05.08 أو بمقتضى القانون الجديد رقم 95.17 مجموعة من العناصر التي يجب أن يتضمنها اتفاق الوساطة سواء تعلق الأمر بعقد الوساطة أو شرط الوساطة (1)، ثم عمل على استثناء بعض المجالات من إعمال الوساطة (2(.

  •  العناصر الواجب تضمينها في اتفاق الوساطة :

 بالعودة إلى القانون رقم 95.17 نجد أن العناصر الواجب تضمينها في اتفاق الوساطة تختلف بين عقد الوساطة وشرط الوساطة.

إذ يتعين أن يتضمن عقد الوساطة ما يلي  :

  • تحديد موضوع النزاع. ( المادة 90 من قانون التحكيم والوساطة الاجتماعية(
  • تعيين الوسيط أو التنصيص على طريقة تعيينه. (97 من قانون التحكيم والوساطة الاجتماعية)

يتبين من خلال المادتين المشار إليهما أعلاه أن المشرع ألزم الأطراف في عقد الوساطة بضرورة تحديد موضوع النزاع، كما بين أيضا الشروط الواجب توفرها في الوسيط.

  • المجالات المستثناة من الوساطة :

تجوز الوساطة فيما يجوز فيه الصلح فقط حيث نص المشرع المغربي في المادة 87 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية على أنه : ” … يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الاهلية الكاملة سواء كانوا ذاتيين او اعتباريين، أن يبرموا اتفاق وساطة في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها، مع التقيد بمقتضيات الفصل 62 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12) أغسطس (1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود، والمسائل المستثناة من نطاق تطبيق الصلح. ولا يجوز إبرامه إلا مع مراعاة التحفظات أو الشروط أو الحدود المقرر لصلحه الصلح بموجب الفصول من1099  إلى 1104 من نفس الظهير الشريف المذكور“.

وبناء على هذا النص فإنه يمنع اللجوء إلى الوساطة لتسوية النزاعات المتعلقة بمسائل الحالة الشخصية والنظام العام والحقوق الشخصية الخارجة عن التعامل، هذا بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون سبب اتفاق الوساطة مشروعا وغير مخالف للنظام العام والأخلاق الحميدة ونصوص القانون.

ثالثا : أثار اتفاق الوساطة :

سواء كان اتفاق الوساطة عقدا أو شرطا فإنه يرتب أثارين مهمين :

  • أثر إيجابي : بما أن اتفاق الوساطة عقد ملزم لجانبين فإن كلاهما يصبح ملزم بعرض النزاع على الوساطة والاستمرار فيها حتى تنتهي، ومن هنا يصبح اتفاق الوساطة محركا إجباريا لعملية الوساطة.
  • –          أثر سلبي : ويتمثل في منع الأطراف من عرض النزاع على القضاء إلى حين استنفاد مسطرة الوساطة أو ثبوت بطلانها.

وختاما يمكن القول أن انتشار الوساطة في المجتمعات أضحى من أوجه الحداثة القانونية لها، وتعبير صريح عن مدى تحضر الإنسان ورقي مستوى الوعي البشري، والتوجه بالعدالة نحو أسس جديدة تنتقل بها من الإجبار إلى التصالح، ومن الشدة إلى الليونة، ومن البطء إلى السرعة، ومن التعقيد إلى المرونة، وذلك بناء على مقاربة تشاركية تروم تحقيق عدالة تصالحية وتوافقية عبر الحوار البناء والمفاوضة الهادفة.


[1]  – خيري عبد الفتاح السيد البتانوني : الوساطة كوسيلة بديلة لفض النزاعات المدنية والتجارية، دار النهضة العربية طبعة 2012 القاهرة مصر ص 147.

[2]  – محمد بن الماحي : نظام الوساطة وحماية المستهلك المغربي، مجلة المحاكم المغربية العدد 110 شتنبر، أكتوبر 2007.

[3]  – قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية رقم 95.17 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.22.34 بتاريخ 23 شوال 1443 ( 24 ماي 2022 (

[4]  – عبد المجيد غميجة : نظام الوساطة الاتفاقية بالمغرب، المجلة المغربية للوساطة والتحكيم العدد 4 سنة 2009 ص 73.

[5]  – G. Pluyette : la médiation judicaire en matiére civile Gaze pal, 2 octobre 1994 dctrine p 1094.

[6]  – أنظر بهذا الخصوص :

– عبد الباسط عبد المحسن : دور الوساطة في تسوية منازعات العمل الجماعية، دار النهضة العربية القاهرة مصر طبعة 200 ص 104-105.

– كريستوفرومور : عملية الوساطة استراتيجيات عملية لحل النزاعات، ترجمة فؤاد سروجي، الأهلية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2007 عمان، الأردن ص 134.

[7]  – راجع في هذا الباب بن سالم أوديجة : الوساطة كوسيلة لفض المنازعات.

[8]  – القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.22.34 بتاريخ 23 شوال  ـ  24 ماي 2022.

[9]  – المادة 88 من قانون 95.17 تنص على أنه ” يمكن إبراه اتفاق الوساطة : بعد نشوء النزاع، ويسمى “عقد وساطة” قبل نشوء النزاع بالتنصيص عليه في العقد الأصلي أو في عقد يحيل على هذا العقد، ويسمى “شرط الوساطة” …”

[10]  – إيمان ازناي : الحلول البديلة لفض المنازاعات في المادة التجارية، الوساطة الاتفاقية نموذجا” مرجع سابق الصفحة 41.

[11]  – على إدريس حسني وعبد الحميد كميرو : الوساطة في حل النزاعات في ضوء القانون رقم 08.05. بحث نهاية تدريب الملحقين القضائيين الفوج 34، المعهد العالي للقضاء، وزارة العدل، سنة 2007، 2009.

[12]  – أنظروا من فظلم المادة 95 و96 من قانون التحكيم والوساطة الاجتماعية لسنة 2022 رقم 95.17.

إقرأ أيضاً

تأثير السجناء المرضى النفسيين على المؤسسات السجنية

تأثير السجناء المرضى النفسيين على المؤسسات السجنية The impact of mentally ill prisoners on prison …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *