مؤسسة وسيط المملكة وقضايا الاعتداء المادي على الملكية العقارية

مؤسسة وسيط المملكة وقضايا الاعتداء المادي على الملكية العقارية

غزلان بوعبدلي

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

إطار بوزارة العدل

تقديم :

إن وقوع الإدارة في الخطأ شيء متوقع، غير أن تماديها فيه وعدم التعجيل بالإقلاع عنه شيء غير مقبول، وهو ما يجعل عملها يتصف بالشطط في استعمال السلطة ويشكل خروجا عن مبدأ المشروعية.

لذلك نجد أن المشرع المغربي عمل على وضع مجموعات من الضوابط والمقتضيات القانونية التي من اللازم على الإدارة أن تتقيد بها في ممارسة أنشطتها وفي حال مخالفتها أوجد مجموعة من الجهات المخول لها حماية حقوق الأفراد في مواجهة الإدارة فإلى جانب القضاء الإداري نص المشرع المغربي على مجموعة من الهيآت التي تضطلع بأدوار بارزة في هذا المجال ومن ضمنها مؤسسة وسيط المملكة.

وقد جاء دستور فاتح يوليوز [1]2011 مصنفا لمؤسسة وسيط المملكة ضمن هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، حيث عرفها الفصل 162 بأنها “مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية”.

وبالإضافة إلى ما جاء في سياق الفصل السالف الذكر نصت المادة الأولى من الظهير الشريف رقم [2]1.11.25 المحدث بموجبه مؤسسة وسيط المملكة على ما يلي “…والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية، والسهر على تنمية تواصل فعال بين الأشخاص، ذاتيين أو اعتباريين، مغاربة أو أجانب، فرادى أو جماعات، وبين الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية وباقي المنشآت والهيآت الأخرى الخاضعة للمراقبة المالية للدولة ، والتي يشار إليها في هذا الظهير الشريف باسم الإدارة “.

وفي مستهل هذا الظهير نجد أنه عمل على بيان الأسباب الموجبة لإحداث هذه المؤسسة، ومن بينها أن إحلالها محل ديوان المظالم هو بهدف تحديث هذا الأخير، من خلال ترسيخ عمله كمؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة تحمل اسم “الوسيط”، وتوطيدا لما حققه من مكتسبات وتأهيلا له للنهوض بمهام موسعة وهيكلة جديدة، لمواكبة الإصلاح المؤسسي العميق وللانسجام مع المعايير الدولية.

وتتحدد اختصاصات الوسيط وفقا للظهير المحدث للمؤسسة في ثلاث مجالات أساسية :

  • النظر في تصرفات الإدارة المخالفة للقانون أو المنافية لمبادئ العدل والإنصاف
  • تلقي الشكايات والتظلمات ومعالجتها وإجراء الأبحاث والتحريات في شأنها
  • الوساطة والتوفيق بين الإدارة والمرتفقين

وبالفعل فالمؤسسة تتولى مهمة الدفاع عن الحقوق والإسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، ومن القضايا التي تتصدى لها المؤسسة قضايا الاعتداء المادي على الملكية العقارية .

ويعتبر حق الملكية العقارية من أوسع الحقوق العينية نطاقا وأقواها من حيث السلطات الممنوحة للمالك،  فهذا الحق ينطبق على ملكية العقار والمنقول، حيث يخول صاحبه مجموعة من السلطات تمكنه من الحصول على جميع منافع الشيء باستعماله واستغلاله والتصرف فيه على وجه دائم في حدود

القانون[3].  أما الاعتداء المادي[4] فقد عرفه الاجتهاد القضائي المغربي[5] بأنه عمل غير مرتبط بأي نص

تشريعي أو تنظيمي وليست له أية صلة بالقرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية.

وعلى ضوء هذه المسلمات، وفي سياق ما دأبت عليه المؤسسة، وهي تعالج ما يطرح من إشكاليات ذات الصلة بقضايا الاعتداء المادي ، سواء ما يصلها من شكايات أو ما تضع عليه يدها من اختلالات واصلت عملها في نطاق ما حدده الظهير الشريف المحدث لها من صلاحيات، حاولت أن تعالجها بشكل يتوافق مع ما حفل به دستور فاتح يوليوز 2011 وخاصة في الفصل 35[6] منه الذي يكرس حق الملكية العقارية كحق دستوري .

ويكتسي دراسة هذا الموضوع أهمية خاصة وذلك بتسليط الضوء على الدور البالغ الأهمية الذي تحتله مؤسسة وسيط المملكة في معالجة قضايا الاعتداء المادي على الملكية العقارية وما جادت به من خلال أعمالها وتوصياتها إلى جانب القضاء الإداري.

وفي هذا السياق يمكننا بسط الإشكال التالي :

إلى أي حد ساهمت مؤسسة وسيط المملكة في معالجة قضايا الاعتداء المادي؟

هذا الإشكال تتفرع عنه الأسئلة التالية :

كيف تعاملت مؤسسة وسيط المملكة مع قضايا الاعتداء المادي بالمقارنة مع القضاء الإداري؟

أين تتجلى محدودية مؤسسة وسيط المملكة في هذا المجال وآفاقه ؟

وعليه فإن معالجة الموضوع تستدعي التعرض إلى نقطتين أساسيتين :

المبحث الأول : تجليات تدخل مؤسسة وسيط المملكة في قضايا الاعتداء المادي بالمقارنة مع القضاء الإداري

المبحث الثاني :حصيلة وآفاق عمل المؤسسة في قضايا الاعتداء المادي على ضوء تقرير سنة 2018

المبحث الأول : تجليات تدخل مؤسسة وسيط المملكة في قضايا الاعتداء المادي بالمقارنة مع القضاء الإداري

غني عن البيان، أن الحرص على صيانة الحقوق ورفع المظالم وجبر الضرر عن المواطنين في علاقاتهم مع دواليب الإدارة، إحدى أهم المرتكزات التي جاء بها دستور فاتح يوليوز 2011 .

ومما لاشك فيه أن اجتهاد كل من القضاء الإداري ومؤسسة الوسيط تتقاطع وتتكامل فيما بينها حتى أصبحنا نجد أن اجتهاد المؤسسة تحيل على المبادئ التي كرسها القضاء الإداري فيما بدأ هذا الأخير أيضا يحيل في أحكامه وقراراته على قرارات وتوصيات الوسيط ، غير أن تدخل مؤسسة الوسيط في معالجتها لقضايا الاعتداء المادي تتميز بمجموعة من الخصوصيات عن القضاء الإداري نجملها فيما يلي :

  • التوسع في مفهوم الإدارة ليشمل بالإضافة إلى الإدارات العمومية المركزية أو الترابية، الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والهيآت المعهود إليها بصلاحيات السلطة العمومية والمنشآت والهيآت الخاضعة للمراقبة المالية للدولة، ومن تم فاستيلاء هذه الهيآت على أملاك الأفراد دون وجه حق يشكل اعتداء ماديا تتولى مؤسسة الوسيط البت في الشكايات المرتبطة بها وحتى ولو كان صادرا عن شخص من أشخاص القانون الخاص عندما يتولى تدبير مرافق عمومية.

أما بالنسبة للقضاء الإداري، فلم تتوحد اجتهاداته بخصوص الاعتداءات التي تصدر عن بعض الشركات التي تقوم بتدبير مرافق عامة سواء في نظام الامتياز أو التدبير المفوض أو غير المفوض أو تلك الناتجة عن تحويل بعض المؤسسات والمرافق العامة إلى شركات خاصة على أملاك وعقارات الأفراد ومدى اعتبار ذلك اعتداءا ماديا.

  • التميز في المسطرة ذلك أن المسطرة المتبعة أمام مؤسسة الوسيط تتميز عن تلك المتبعة أمام القضاء الاداري لتشمل مستوى تقديم الشكايات ومستوى البت فيها.
  • غير أن الوسيط لا يتمتع بسلطة مباشرة على الإدارة فهو يكتفي بالقيام بأعمال محدودة كالاقتراح والتوصية، وطلب المعلومات والبحث عن الوثائق وتوجيه خلاصات أبحاثه.
  • ومن جهة أخرى لا يمكن للوسيط إلا أن يحرر تقريرا خاصا يرفع إلى رئيس الحكومة بعد إبلاغ الوزير المسؤول أو رئيس الإدارة المعنية قصد اتخاذ الجزاءات اللازمة والتدابير الضرورية ضد كل سلوك من قبل الإدارة من شأنه أن يحول دون قيام الوسيط بمهامه كالعرقلة للأبحاث والتحريات والتهاون عن قصد في الجواب عن مضمون الشكاية أو الملاحظات أو التوصيات والمقترحات المتعلقة بها وكل تهاون عن قصد في تقديم الدعم اللازم للقيام بالأبحاث أو التحريات[7].
  • إن إحداث وسيط المملكة لا يشكل إجابة للمشكل الذي يطرحه عدم فعالية الرقابة القضائية بفعل التطور الاقتصادي والاجتماعي، ولذلك فالظهير يستبعد من اختصاص الوسيط والوسطاء الجهويين التظلمات الرامية إلى مراجعة حكم قضائي نهائي والشكايات المتعلقة بالقضايا التي أوكل البت فيها للقضاء  ليتخذ فيها ما يلزم من إجراءات أو مقررات طبقا للقانون.

فالوسيط لا يتولى أساسا، كمهمة سائدة، الحرص على احترام الشرعية من قبل الإدارة فهذا الاختصاص الجوهري يمارسه حصريا القاضي الإداري أما الوسيط فمهمته الدفاع عن الأفراد ضد الأعمال الجائرة والظالمة لمختلف السلط الإدارية والاجتماعية المنظمة حيث يمكن لإجراءات قانونية تتوخى تحقيق مصلحة عامة غير مدركة بطريقة جيدة أن تترتب عنها وضعيات غير عادلة وغير منصفة.

ويتعين أن نعي أن وسيط المملكة ليس بقاض، والمشكل هو أن نطلب منه ما لا يمكن للقاضي أن يفعله أو أشياء لا يقوم بها القاضي لغياب جدواها.

وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى عدة فرضيات : يمكن للمواطن إذا استحب ذلك أن يطرح قضية عامة من خلال حالته الخاصة ويكون الهدف من ذلك ليس المطالبة بحق فردي بل الحصول على إجراء وقائي يحد في المستقبل من حرية الإدارة، كما أن بعض الخروقات الإدارية لا تعكسها قرارات إدارية تكون قابلة للطعن أمام القاضي ولا ينجم عنها أضرار قابلة للتعويض وفي هذا الصدد، فتعويض الأضرار المعنوية يشكل ميدانا من ميادين تدخل وسيط المملكة.

إن مهمة وسيط المملكة تتمثل في حث الإدارة، في قضايا دقيقة، على إعادة النظر في موقفها وفي القواعد القانونية التي تطبقها والممارسات والقرارات التي يستحسن أن يتم تغييرها أو تجويدها، فهذا العمل الذي لا يمكن للقاضي أن يقوم به يسمح بحل الصعوبات التي لا تتحكم فيها الرقابة القضائية رغم أنها تخل بالإنصاف وتتعارض مع العمل السليم[8].

إن التوجه القضائي لحماية المواطن لا يسمح دائما للمرتفق بالحصول على حقوقه، والقول بالاختصاص الحصري للمحاكم في حماية الحريات العامة يتجاهل أهمية التقنيات الرقابية الأخرى، ولذلك فالجدوى من إحداث الوسيط تتمثل في تحقيق التكامل لتقوية فعالية الرقابة القضائية، ففيما يتعلق بالاختصاص يمكن اعتبار وسيط المملكة كحليف للقاضي الإداري، ما يسمح بتحقيق تكامل جوهري في حماية المواطن.

لكن الوسيط ينافس القاضي في ميدان المسطرة، فتلقي الشكايات والتظلمات لا يطرح نفس المشاكل والصعوبات التي تطرح أمام القاضي، فعلاوة على عمومية المصطلحات المستعملة في المادة التاسعة من الظهير سالف الذكر تتسم بالمرونة مقارنة مع صرامتها أمام القاضي، وإذا أضفنا السرعة في التدخل والمجانية فمن المؤكد أن المرتفق سيفضل الوسيط بدلا من القاضي، وما يؤكد كذلك أن المواطن لم يلجأ إلى مؤسسة الوسيط في قضايا تنعدم فيها إمكانية الطعن .فتدخلات الوسيط ترتبط أساسا بمنازعات أو شكايات يمكن للقاضي الإداري أن ينظر فيها كعدم تسوية وضعيا إدارية ومالية ( كالاعتداء المادي)[9].

هذا إلى جانب أن تدخل مؤسسة الوسيط في قضايا الاعتداء المادي[10] لم تعترضه الإشكاليات التي

واجهت القضاء الإداري في الموضوع فبعد التخبط في اشكالية الاختصاص بمنازعات الاعتداء المادي، وعلى إثر حسم الأمر لصالح المحاكم الإدارية، برز مشكل التسوية القانونية للعقارات موضوع الاعتداء المادي وإشكالية نقل الملكية على إثر التعويض عن الاعتداء المادي، أما المؤسسة فبقيت في منأى عن هذه الإشكاليات وتولت النظر في شكايات وتظلمات الملاك من تصرفات الاعتداء المادي وزاوجت بين المهمة الرقابية والوساطة المؤسساتية التي تفضي إلى إيجاد حلول لأوضاع قائمة ، حلول منصفة ومتوازية تكفل من جهة رفع الضرر عن المتضرر من جهة وتسوية وضعية الإدارة تجاه العقار.

مع الإشارة أن الحلول المتوافق بشأنها والتي يتم التوصل إليها نتيجة مساعي الوساطة والتوفيق التي قام بها الوسيط تدون في محضر رسمي توقع عليه الأطراف، مما تكسبها قوة رسمية التي تشترطها المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية في التصرفات الناقلة للملكية.

وطلبات التسوية مادام لا يمكن أن يكون مصدرها الإدارة أو المرتفق يمكن أن تستغله الإدارة لتسوية وضعية مجموعة من الإدارات المشيدة في اطار الاعتداء المادي، ومن هذا المنطلق يمكن للمؤسسة في معالجتها لقضايا الاعتداء المادي أن تجد حلا لإشكالية نقل الملكية على إثر التعويض عن الاعتداء المادي التي لا زالت مثار اختلاف وانقسام على مستوى الاجتهاد القضائي بل إن الحل الذي بدأت تترسخ معالمه على مستوى إحداث أقسام الغرفة الادارية بمحكمة النقض يشكل حلا شاذا لا يستقيم مع فلسفة وجود هذه النظرية من أصلها، واعتماده سيكرس الاعتداء المادي ويشجع الإدارات على تبنيه.

فمؤسسة الوسيط بمقاربتها الرقابية والاقتراحية في الموضوع تسعى إلى اجتثاث الاعتداء المادي من ممارسات الإدارة ودفع الإدارة إلى الالتزام بالقانون أما اجتهاد الغرفة الإدارية بمحكمة النقض فعلى النقيض يؤسس لمرحلة المصالحة والتعايش مع الاعتداء المادي باعتباره أمرا عاديا.

المبحث الثاني : حصيلة وآفاق عمل المؤسسة في قضايا الاعتداء المادي على ضوء تقرير سنة 2018

إذا كان لتجويد العمل الإداري مسار ومدارج، فإن وظيفة مؤسسة وسيط المملكة هي الارتقاء به وهذا الأمر مشروط بتعبئة تشاركية يكون المجال فيها مفتوحا لكل معني ومهتم، للإسهام بما لديه من لبنات يمكن إضافتها لصرح التغيير.

ومن هذا المنطلق يمارس وسيط المملكة نوعا جديدا من الرقابة إلى جانب المؤسسات المتواجدة، حيث يتعلق الأمر برقابة تقويمية، ذلك أنه ينظر في شكايات وتظلمات المرتفقين الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا أي قرار أو عمل صادر عن الإدارات العمومية يتنافى مع سيادة القانون والإنصاف، وهذا من شأنه توجيه الإدارة في الاتجاه الصحيح ودفعها للالتزام بتلك الضوابط.

فبالرجوع إلى التقرير المنجز من قبل مؤسسة وسيط المملكة لسنة 2018 نجد أن الشكايات ذات الطبيعة العقارية تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد الشكايات والتظلمات المرفوعة إلى مؤسسة الوسيط ، حيث ارتفعت سنة 2018   بنسبة 17%   بالمقارنة مع السنة الفارطة إذ انتقلت من 407  شكاية في سنة 2017 إلى 476 شكاية هذه السنة وهذا العدد ما يمثل نسبته 17% من الشكايات[11] .

ومن أهم ما اشتمل عليه هذا العدد من القضايا طلبات التعويض عن الاعتداء المادي ونزع الملكية ومثلت نسبة 4.3  % ويرجع القاسم المشترك بين القضايا المرتبطة بنزع الملكية والاعتداء المادي إلى عدم تخصيص الاعتمادات الضرورية لأداء التعويضات المستحقة وقد يكون مرد ذلك إلى انعدام الموارد أو عدم كفايتها .

إن اهم ما ميز عمل المؤسسة هو العمل على المزاوجة بين الرقابة التقويمية والوساطة التوفيقية، مما مكنها من تجاوز الإشكاليات الناتجة عن ارتباط تسوية وضعيات الاعتداء المادي بعدد من القطاعات الإدارية، حيث مكنت جلسات البحث التي يتم فيها استدعاء جميع الأطراف المختلفة من إيجاد حلول منصفة للطرفين (الإدارة المعتدية والمالك المعتدى على ملكه)، بما يجعل منها مصدرا لتعديل القواعد والمساطر التي يتضرر منها المرتفقون أو تتسبب في حالات الاعتداء المادي.

ومن جهة أخرى، فاقتراح التدابير الكفيلة بتحسين فعالية الإدارة من شأنه أن يجعل مؤسسة وسيط المملكة قوة اقتراحية حقيقة، ومصدرا لتعديل القواعد والمساطر وهو ماجاء في إحدى قرار محكمة النقض[12] ” إن طابع الإلزامية لا يكون إلا للقانون والاحكام القضائية الصادرة في إطاره.

الوسيط مجرد قوة اقتراحية

رئيس الحكومة غير ملزم باتخاذ إجراءات جزائية ضد الإدارة في حالة امتناعها عن تنفيذ توصيات الوسيط

الفصلان 30 و 31 من القانون المؤسس لمؤسسة الوسيط لا يتضمنان ما يفيد إلزام رئيس الحكومة باتخاذ إجراءات جزائية ضد الإدارة التي تمتنع عن تنفيذ توصيات هذه المؤسسة “.

غير أنه وبالرغم من ما حققته مؤسسة وسيط المملكة المغربية من مكاسب إلا أنه يلاحظ أن حماية حق الملكية العقارية من تعسف وشطط الإدارة لم يبلغ بعد المأمول ، فمن خلال القراءة المتأنية لتقرير هذه المؤسسة برسم سنة 2018 يستشف أنه وبالرغم من التوصيات والمناشير والدوريات التي صدرت بشأن قضايا الاعتداء المادي ونزع الملكية إلا أنه  لم تتمكن الإدارة من القضاء كليا على إحداها .

فالمؤسسة تعتبر أن إعداد التقرير لحظة تحمل فيما ينبغي إيصاله إلى من يجب بخصوص ما تلقته من تظلمات، وما خلصت إليه من توصيات ومقترحات.

إن نجاح تجربة الوساطة يقتضي الإيمان بمزاياها ولا سيما من طرف الإدارة ، ويستلزم الانخراط في نهج تشاركي من أجل خدمة المرتفقين، وتمكينهم مما هم محقون فيه، في أجواء إدارة مواطنة، المصلحة العامة رائدها، وسيادة القانون مبدأها.

إلا أنه وبالرجوع إلى أغلب التقارير التي تعدها سنويا هذه المؤسسة نجد أنه هنالك مجموعة من العراقيل التي تكبل عملها ومن أبرزها :

  • عدم الرد على الشكايات
  • التأخر في موافاة الإدارة بالأجوبة والمعطيات والمستندات
  • التأخير في تنفيذ الأعمال والتوصيات
    •  عدم تنفيذ الأحكام[13]
    •  ربط التنفيذ بالحصول مسبقا على النسخ التنفيذية
  • عدم تمكن الإدارات من تجاوز وحدة الإدارة بمفهومها الواسع وتضامن القطاعات الحكومية في المسؤولية .

وإذا كانت المؤسسة لا تتحمل أية مسؤولية عن تفاقم هذه الظاهرة، فإنها بالمقابل مطالبة بمضاعفة الجهود للقضاء على هذه الممارسات المنافية، وفي هذا الإطار يمكن الإدلاء ببعض المقترحات التي يمكن تقسيمها إلى مقترحات آنية لمعالجة حالات الاعتداء المادي ومقترحات للحيلولة دون اللجوء إليه في الممارسات الإدارية:

  • تفعيل بعض المقتضيات والآليات التي ينص عليها الإطار القانوني الحالي للمؤسسة.
    • كما أن مؤسسة وسيط المملكة مطالبة بالترافع من أجل تجويد علمها في اتجاه    تدعيم سلطاتها وآلياتها من أجل إجبار الإدارة على التقيد بتوصيات الوسيط.
    • تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة الإدارة.
    • تدعيم الوساطة الاتفاقية لمعالجة الأوضاع الناتجة عن الاعتداء المادي وفي هذا الإطار نشيد بما جاء في التقرير الأخير من تسجيل المؤسسة عزوف الإدارة عن اللجوء إلى هذه الآلية رغم أنها يمكن أن تكون سبيلا لتجاوز عدد من الإشكاليات الناتجة عن الاعتداء المادي .

وللوصول إلى قطعية مع ما قد تلجأ إليه بعض الإدارات من خلال وضع يدها على عقارات الخواص خارج إطار الشرعية يجب على السلطة الإدارية ألا تكرر وضع اليد على العقار وقبل الشروع في استغلاله، أن تسلك المساطر القانونية، وذلك بانتهاج إجراءات نزع الملكية ، ثم التماس الإذن بالحيازة الوقتية بعد إيداع المبلغ المقترح من طرف لجنة تحدد قيمة العقار المؤهل لذلك.

ففي غياب سلوك هذه المسطرة، فان الإدارة أصبحت في وضع ما يصطلح عليه بالاعتداء المادي، الذي يحملها المسؤولية عن هذا العمل ويلزمها بتعويض مالكة العقار عن كافة الأضرار التي لحقت بها[14] .

خاتمـــــة :

ختاما يمكننا القول أن المشرع المغربي بإحداثه لمؤسسة وسيط المملكة ساهم لا محال في تعزيز وحماية حقوق المرتفقين وتكريسها وخاصة حق الملكية العقارية موضوع دراستنا، في أسرع الأوقات وبأبسط الاجراءات إلى جانب مؤسسة القضاء الإداري.

غير أن دور مؤسسة وسيط المملكة لازال يعتريه العديد من القصور ومن العثرات التي تكبل عمله وتحول دون رقابة فعالة وناجعة على حماية حق الملكية العقارية في مواجهة الإدارة المعتدية ، لذلك فإننا نأمل مستقبلا في التنزيل الحقيقي للقانون الجديد الذي من المرتقب إصداره خلال هذه السنة المتعلق بمؤسسة وسيط المملكة والذي نرجو أن يكون في مستوى التطلعات التي تؤمن الوفاء برسالة الوساطة المؤسساتية، وكذا مواصلة التعاون مع المؤسسات الدستورية العاملة في مجال الدفاع عن الحقوق والحرص على الحكامة الجيدة في خطى تروم التكامل والتوفيق والملائمة في المشاريع، مع وضع إمكانيات وطاقات البعض رهن إشارة البعض الآخر .

هذا إلى جانب تعزيز التعاون الدولي بين مؤسسة وسيط المملكة ونظيراتها الأجنبية وتوسيع التعامل، ولا سيما في الفضاء الإفريقي، والبحث عن توافقات يمكن أن يستفيد منها مغاربة الخارج.


[1] ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 ) 29 يوليوز 2011 ( بتنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية عدد 5964  مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 ) 30 يوليوز 2011  (، ص: 3600 .

[2] ظهير شريف رقم 1.11.25 صادر في 12 من ربيع الآخر 1432 ) 17 مارس 2011 ( بإحداث مؤسسة الوسيط، الجريدة الرسمية عدد 5926 بتاريخ 12 ربيع الآخر 1432 ) 17 مارس 2011 (  ص: 802.

[3]  وهو ما نص عليه المشرع في المادة 14 من مدونة الحقوق العينية بقولها : ” يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه لا يقيده في ذلك إلا القانون “.

[4] غزلان بوعبدلي، حماية القضاء الاستعجالي الإداري للملكية العقارية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات العمومية ، جامعة محمد الخامس بالرباط –كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا-، السنة الجامعية 2015/2016، ص: 7.

[5] قرار المجلس الأعلى ) محكمة النقض ( عدد 74 بتاريخ 12/03/1992.

  • جاء في حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم 168/6/2010 بتاريخ 24/11/2010 ” الاعتداء المادي هو كل عمل يستعصي إدخاله ضمن ممارسات السلطات العامة يتمثل في نشاط مادي تنفيذي عديم الصلة بأي نص قانوني تشريعي أو تنظيمي … نعم “.

[6] ينص الفصل 35 من الدستور على ما يلي : ” يضمن القانون حق الملكية .

ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون … “.

[7] محمد يعقوبي ،وسيط المملكة، مدافع عن الحقوق والحريات أم عن مصالح المرتفقين، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، العدد 122-123، ماي-غشت 2015، ص:13.

[8]  R. Lindon. L’Ombudsman a la  mode française ,JCP, 1974,P :2634.

[9] حول المزيد من التدقيق بخصوص الاعتداء المادي:

E.H Serhane «  Le contentieux administratif de pleine juridiction en droit public marocain ; Thèse-Bordeaux 1 ; 1989 ; P : 359-364 .

E.H Serhane ; Les développements récents du droit de propriété dans le contentieux administratif marocain ; REMALD ; N° 20-21 ; P : 87-143.                         

[10] عبد الكريم بولال، الاعتداء المادي للإدارة على الملكية العقارية بين نظرية الفقه وتطبيقات القضاء الإداري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ظهر المهرازفاس، السنة الجامعية 20132014 ،ص: 4.

[11] تقرير مؤسسة وسيط المملكة برسم سنة 2017، يونيو 2018.

[12] قرار محكمة النقض عدد 1296 المؤرخ في 23 نونبر 2017 في الملف الإداري عدد 469/4/3/2017.

[13] جاء في حكم المحكمة الإدارية بأكادير قسم الإلغاء حكم رقم 09/2004  بتاريخ 22/01/2004 في الملف رقم 74/2003 ع “الأحكام القضائية هي عنوان الحقيقة ويتعين تنفيذها على حالتها ما لم يكن هناك سبب قانوني يبرر عدم تنفيذها … نعم “.

[14] حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم 1866/2005 ت بتاريخ 24/09/2007 ” لئن للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية حق اللجوء إلى نزع ملكية العقارات لأجل المنفعة العامة، فإنها تبقى ملزمة بسلوك الإجراءات والمساطر المنصوص عليها في القانون.

الاعتداء المادي هو ارتكاب الإدارة لعدم مشروعية جسيم وظاهر أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حق الملكية أو مساسا بحرية من الحريات العامة، ويكون في حد ذاته منعدم الاتصال بتطبيق أي نص قانوني أو تنظيمي أو حتى بإحدى السلطات المخولة للإدارة.

ثبوت وقوع اعتداء مادي من طرف الإدارة … تعويض الطرف المتضرر … نعم “.

مهنة التوثيق العصري

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *