دورالنيابةالعامةفيحمايةالعقار

                دور النيابة العامة في حماية العقار

عزيز بنعيش

باحث بسلك الدكتوراه

تكوين البحث الدراسات القانونية الفقهية والاقتصادية

المقارنة وحدة التشريع، مناهجه وقضاياه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – سلا-

تقديم

نظرا لخطورة الاعتداء على العقار، ولأن الواقع العملي يشهد تزايد متتابعا في منازعات الاعتداء على عقارات الغير ، والذي يبلغ درجة الجريمة في بعض الأحيان، قد تؤدي إلى الإخلال بالنظام العام وزعزعة الأمن وعدم الاستقرار في المجتمع.

 فقد حاول المشرع تكريس حماية قانونية للعقار من مختلف النواحي ومن بينها الناحية الجزرية، التي تمر أولا عبر مؤسسة النيابة العامة بوصفها النائبة عن المجتمع في الحفاظ على أمنه وسلامته.

إن مؤسسة النيابة العامة ليست دائما تقوم بالردع وتحريك الدعوى العمومية طبقا للمادتين 03و36 من ق م ج. بل إنها تقوم أيضا بتسوية الأوضاع القائمة و اتخاذ أي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إلى الأشخاص الذين كانت لديهم بمقتضى حكم قضائي حائز لقوة الأمر المقضي به، تم انتزعت منهم بفعل اعتداء جرمي بعد تنفيذ الحكم، طبقا لمقتضيات المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية بالنسبة لوكيل الملك، والمادة 49 من نفس القانون بالنسبة للوكيل العام الملك .

يطرح موضوع دور النيابة العامة في حماية العقار العديد من التساؤلات ومن أهمها:

ما هو نطاق تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة العقارية؟ وما هي إجراءات وقواعد تلك الحماية ؟ ماهي المستجدات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة الجنائية في إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه؟

للإجابة على هذه الأسئلة ومناقشتها سنقسم هذا الموضوع إلى مبحثين سنتطرق في أولهما إلى شروط تدخل النيابة العامة في الحماية الوقتية للحيازة العقارية وصلاحياتها (المبحث الأول)،ونخصص ثانيهما لعرض عمل النيابة العامة على الجهات القضائية الخاصة (المبحث الثاني) وفيما يلي بيان ذلك وتفصيله.

المبحث الأول: شروط تدخل النيابة العامة في الحماية الوقتية للحيازة العقارية وصلاحياتها

من بين أهم الآليات التشريعية المخولة للنيابة العامة في نطاق الحماية الجنائية للحيازة، ما نص عليه المشرع في المادتين  40  و 49 من قانون المسطرة الجنائية، و يتعلق الأمر باتخاذ إجراء تحفظي تراه النيابة العامة ملائما لحماية الحيازة وبإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، على أن تكون ممارسة هذه  الصلاحيات خاضعة لرقابة قضائية فيما بعد، وتقتضي منا مناقشة هذا الموضوع تقسيمه إلى مطلبين، نخصص أولهما لشروط تدخل النيابة العامة لحماية للحيازة العقارية على أن نتطرق في المطلب الثاني لمحدودية دور النيابة العامة بخصوص إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.

المطلب الأول: شروط تدخل النيابة العامة لحماية للحيازة العقارية

أعطى المشرع المغربي من خلال قانون المسطرة الجنائية إلى النيابة العامة جواز التدخل بغرض حماية الحيازة العقارية من الاعتداء، وذلك باتخاذها ما تراه مناسبا من إجراءات تحفظية، يكون الغرض منها المحافظة على الحيازة العقارية لصاحبها، وذلك باتخاذ إجراء إرجاع الحال إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء.

إن هذا الدور الذي أعطاه المشرع للنيابة العامة لحماية الحيازة يجد أساسه من خلال المادتين 49 و40 من قانون المسطرة الجنائية، حيث تنص الفقرة 08 من المادة 40 على أنه…” يجوز  له2 إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة، و إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو التي سترفع إليها خلال ثلاثة أيام”…

كما نصت المادة  49في الفقرة 11 على أنه: يجوز له3 إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو التي سترفع إليها خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه”.

يتبين من خلال المادتين أعلاه أن تدخل النيابة العامة في مجال الاعتداء على الحيازة يستلزم شرطين:

1-أن يتحقق انتزاع حيازة الغير لعقار، وذلك بقيام الجاني بنشاط مادي خارجي يجسده من الناحية الواقعية في الاستيلاء الفعلي على العقار بشكل يؤدي إلى فرض سيطرة مادية عليه، الأمر الذي ينتج عنه حرمان الحائز الشرعي من حيازته، كما يتحقق الانتزاع أيضا ولو لم يشغل الجاني ما نزعه من غيره بحرمانه منه كمنعه من استغلاله4.

2-ضرورة وجود حكم منفذ سواء كان صادرا عن القضاء المدني أو الجنحي أو الاستعجالي.

لا يكفي لتدخل النيابة العامة في منازعات الحيازة، أن يتحقق اعتداء على الحيازة الغير بمفهوم الفصل 570 من القانون الجنائي، وإنما يتعين أن يتحقق هذا الاعتداء بعد تنفيذ حكم سواء كان هذا الحكم قد صدر في إطار دعوى جنائية، أو دعوى مدنية أو قضاء استعجالي وتم تنفيذه كدعوى استرداد الحيازة مثلا.

 يعتبر  هذ الشرط تقيدا لسلطة النيابة العامة في حماية الحيازة، مع العلم أن أغلب الاعتداءات على العقار تكون قبل اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم يقضي بأحقيته في الحيازة.

كما أن الأمر الذي يتوجب على النيابة العامة اتخاذه هو أمر تحفظي، تعمل بموجبه على حماية الحيازة بإرجاع الحال إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء، ذلك أن أمر النيابة العامة يكون في مجال محدد لا يخرج عليه ولا يتعداه وهو إرجاع الحال إلى ما كان عليه.5

 غير أن ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن مسألة اتخاذ الإجراء  التحفظي، هو مسألة جوازية تقدرها النيابة العامة، ذلك أن المادتين أجازتا بصريح العبارة هذه المسألة لصالحها، فكما لها أن تتخذ الإجراء التحفظي لها أن لا تتخذه5.

وعليه؛ فإن تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة العقارية هو أمر يمكن أن يتخذ قبل تحريكها للدعوى العمومية، وهذا الأمر التحفظي وإن كان يعمل على حماية الحيازة العقارية مؤقتا إلا أن للنيابة العامة أن تسلك طريق الدعوى العمومية بمتابعة الجاني أمام المحكمة، وهو الأمر الذي سيسفر على صدور حكم قضائي بالإدانة أو بالبراءة.

المطلب الثاني : محدودية دور النيابة العامة بخصوص إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه

من خلال مقتضيات الفصلين 40 و49 من ق م ج بخصوص إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، يلاحظ أن دور النيابة العامة فيها تبقى محدودة وغير فعالة لعدت أسباب، فبالإضافة إلى عدم سلوك هذه المسطرة من طرف أصحاب الحقوق ودفاعهم، فإن هناك إكراهات أخرى عملية تحول دون حماية العقار جنائيا، ودون تفعيل مقتضيات المواد أعلاه على عدت مستويات منها:

بخصوص المسطرة الواجب اتباعها لإصدار النيابة العامة أمرها في منازعات الحيازة

لم يحدد المشرع في المادتين 40 و49 من ق.م.ج المسطرة الواجب اتباعها لإصدار النيابة العامة أمرها في منازعات الحيازة، وفي إطار هذا القصور فإنه يمكن للنيابة العامة أن تستدعي أطراف النزاع للمثول أمامها  لتوضيح ما قد يكون غامضا من ملابسات القضية، كما يجوز لها القيام بإجراء تحقيق إما بصفة شخصية أو عن طريق انتداب أحد ضباط الشرطة القضائية للقيام بهذه المهمة.

غير أنه كان يستحسن أن يحذو المشرع المغربي حذو نظيره المصري الذي ألزم النيابة العامة بمقتضى الفصل 44 مكرر من قانون المرافعات المصري، على ضرورة سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة، وذلك بإتاحة الفرصة لكل منهم لأعداد وتقديم مستنداته وإن اقتضى الحال إجراء المعاينة اللازمة للعقار محل النزاع.6

على مستوى منطوق الأحكام:

 هناك بعض الأحكام تقضي بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، دون الإشارة في وقائع الحكم إلى حدود العقار واسمه بكيفية مضبوطة، وفي هذا الإطار يتحمل القاضي الجنحي مسؤوليته، على اعتبار أن الإجراءات السابقة للحكم كالرجوع إلى محضر الضابطة القضائية الذي قد يبدو خاليا من التصميم أو (الكروكي) أو من محضر معاينة الأرض، وفرز الحدود بكيفية مضبوطة.

على مستوى النيابة العامة:

فالنيابة العامة تتحمل مسؤوليتها فيما يخص مراقبة محاضر الضابطة القضائية من الناحية الشكلية، والسؤال هل الضابطة القضائية ملزمة بوضع تصميم للأرض موضوع النزاع؟،أم أن على القاضي أن يقوم بإجراء من إجراءات التحقيق كإجراء بحث أو إجراء تحقيق؟.
فالقاضي لا يمكن له أن يحكم بالإدانة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إلا إذا تأكد من الحدود بواسطة جميع وسائل الإثبات ومن أهمها الشهود؟ وإلا كيف يمكن أن نتحدث عن تجويد العمل القضائي؟.

لكن الإشكال هو أن مأمور إجراءات التنفيذ يتعذر عليه تنفيذ الحكم القاضي بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لعدم وضوح حدود الأرض بكيفية مضبوطة، الأمر الذي ينتج عنه رفع صعوبات في التنفيذ، وتقديم طلبات تفسير منطوق الأحكام ،وبالتالي تعطيل إرجاع الحقوق إلى أصحابها وحماية العقار من الناحية الجنائية.

أما محكمة النقض فقد حسمت الجدل الذي كان قائما حول الدعوى المدنية التابعة، حيث قضت بأن: (الحكم بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة، يعتبر تعويضا مدنيا عينيا حكم به لفائدة المتضرر من جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير وتبعا لذلك فإنه يخضع للفقرة الأخيرة من الفصل 532 من ق م م التي نصت على أنه( لا يوقف الطعن بالنقض أمام محكمة النقض أو أجله، تنفيذ التعويضات المدنية التي يحكم بها على المحكوم عليه)7.

على مستوى تحديد طبيعة الإجراء التحفظي

لم يحدد المشرع المغربي بشكل واضح طبيعة أمر النيابة العامة باتخاذ إجراء تحفظي بحماية الحيازة ولو على سبيل المثال، ذلك أن الاجراءات التحفظية كما هو معلوم يدخل ضمنها وضع الأختام والحجز التحفظي والحراسة القضائية….لذلك كان على المشرع الاقتصار على تخويل النيابة العامة حق اتخاذ ما تراه مناسبا من الاجراءات والتدابير لحماية الحيازة من غير  وصف الاجراء المذكور بكونه تحفظيا.

وعلى سبيل المقارنة تجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات المصري هو الآخر بدوره كرس حماية وقتية للحيازة العقارية، تمارس هذه الحماية الوقتية من قبل النيابة العامة قبل رفعها وتحريكها للدعوى العمومية، هذه الحماية تجد أساسها ضمن المادة 44 مكرر8 من قانون المرافعات التي تقضي بما يلي:يجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة مدنية كانت أو جنائية، أن تصدر فيها قرارا وقتيا مسببا واجب التنفيذ فورا، بعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراءات التحقيقات اللازمة….، وللإشارة فقط فإن الاختلاف بين نص المادة 44 مكرر من قانون المرافعات المصري المضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992، والمادة 373 مكرر من قانون العقوبات المصري، هو أن المادة 44 مكرر أضافت ضرورة تدخل النيابة العامة حتى في المنازعات المدنية المتعلقة بالحيازة عكس المادة 373 مكرر.

وعلى غرار نص المادة 44 مكرر من قانون المرافعات المصري فإن الحماية المؤقتة للنيابة العامة تمر بمرحلتين حتى تتجسد هذه الحماية، حيث يكون في المرحلة الأولى دور النيابة في إصدار أمر باتخاذ إجراء تحفظي، وذلك في حال وجود ما يكفي من الأدلة حتى يمكن القول بوجود  اعتداء، أما المرحلة الثانية فتتمثل في عرض أمر النيابة “الأمر التحفظي على قاضي الأمور المستعجلة.

 وللإشارة فإن  هذا الإجراء  التحفظي الذي تأمر به النيابة العامة لحماية الحيازة العقارية هو إجراء قبلي عن الدعوى العمومية، له صفة الالزام والوجوب، ذلك أن المشرع لم يترك للنيابة حرية التقدير في القيام به أو عدم اتخاذه، وهو ما تستنتج من نص المادة 44 مكرر من قانون  المرافعات المصري9 وهذا خلافا لما ورد في المادة 373 مكرر من قانون العقوبات المصري التي كانت تعطي السلطة التقديرية للنيابة العامة في اتخاذ الإجراءات  التحفظي، ذلك لأن المشرع اعتبره أمرا جوازيا فقط، حتى وإن كانت جريمة التعدي على الحيازة العقارية قائمة.

وخلاصة القول بخصوص الحماية المؤقتة للحيازة العقارية في كل من التشريعين المصري والمغربي، هو أن كلا التشريعين أعطى الحق بذلك للنيابة العامة قبل ممارستها للدعوى العمومية، لكن على اختلاف في مدى الإلزامية:

-المشرع المغربي جعل اتخاذ الإجراء التحفظي بالنسبة  للنيابة العامة جوازيا وليس أمرا إلزاميا

وهذا واضح من الصيغة التي وردت في المادتين 40 و 49 من قانون المسطرة الجنائية المعبر عنها بعبارة “يجوز لوكيل الملك… إلخ، ويجوز للوكيل العام للملك.

-المشرع المصري أوجب على النيابة العامة اتخاذ الإجراءات التحفظي إذا عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة.  

-غير منظمة في التشريع المغربي بمسطرة خاصة، وهذا خلافا لتشريعات أخرى كالتشريع المصري الذي نظم مسطرتها بأحكام مفصلة، انطلاقا من الجهة الآمرة بها وكيفية صدورها وطريقة تنفيذها والطعن فيها.

– خاضعة لرقابة قضائية لاحقة، ذلك أن المشرع أوجب على النيابة العامة إحالة الأمر الذي تصدره بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على المحكمة أو على هيئة التحقيق التي ستنظر في القضية داخل أجل ثلاثة أيام، وعلى هيئة الإحالة أن تؤيده أو تعدله أو تلغيه وتلك هي الرقابة القضائية التي أضفاها المشرع على أوامر النيابة العامة الصادرة في إطار المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية كما أن المشرع المصري أوجب على النيابة العامة عند اتخاذ الإجراء التحفظي أن تعرضه على المحكمة المختصة10 للنظر فيه؛ إما بالتأييد أو الإلغاء.

المبحث الثاني: عرض عمل النيابة العامة على الجهات القضائية الخاصة

إذا كانت النيابة العامة لا تملك صلاحيات الفصل بين الخصوم في منازعات الحيازة وإنما تستهدف الحفاظ على الحالات الواقعية، بما تراه مناسبا لذلك، فإنه يترتب على ذلك عرض عملها على الجهات القضائية المختصة (مطلب أول) وكذا صلاحيات الجهات القضائية على أمر النيابة العامة بإرجاع الحيازة (مطلب ثاني)

المطلب الأول: إحالة الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على المحكمة

أوجب المشرع على النيابة العامة إحالة الأمر الذي تصدره بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على المحكمة حسب مقتضيات المادتين 40 و49 من ق.م.ج.

منح المشرع من خلال المادتين أعلاه صلاحيات الرقابة على عمل النيابة العامة في مجال الحيازة العقارية لكل من هيئة المحكمة (قضاة الموضوع) ولقضاة التحقيق، وهو بذلك يضع هيئتان قضائيتان في نفس المرتبة إلا أنه يمكن إبداء الملاحظات الآتية:

-إن إسناد الاختصاص لقاضي التحقيق في مراقبة عمل النيابة العامة غير منطقي على اعتبار أن هذا الأخير في ظل قانون المسطرة الجنائية يخضع لهيمنة النيابة العامة، ولا يتمتع باستقلالية تامة تجاهها، حيث لا يتخذ أي إجراء إلا بعد أخذ رأي النيابة العامة، ولهذه الأخيرة أن تستأنف جميع أوامره  أمام الغرفة الجنحية طبقا للمادتين 222 و 196 م ق.م.ج.11

ومن جهة أخرى، إذا كانت المادة   40 في فقرتها 8 قد حددت اختصاص وكيل الملك بالأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو الأمر بإجراء تحفظي لحماية الحيازة، فإن الفقرة 10 من المادة 49 يكتنفها الغموض واللبس، ذلك أنها لم توضح متى يكون الوكيل العام للملك مختصا بإرجاعه الحالة إلى ما كانت عليه، أو الأمر بإجراء تحفظي لحماية الحيازة المسلوبة، مما يفيد أنه يملك صلاحية القيام بذلك في كل الأحوال التي يضع فيها يده على القضية ولو ظهر له أنه غير مختص، وإنما يرجع الاختصاص لوكيل الملك.

وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن عرض أمر صادر عن هيئة قضائية أعلى الوكيل العام للملك على هيئة قضائية أدنى (قضاة الموضوع ، قضاة التحقيق) بالمحكمة الابتدائية، لذلك كان لابد من إزالة هذا الغموض والإشارة إلى أن الوكيل العام للملك لا يختص بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو الأمر بأي إجراء تحفظي إلا أذا كان ذلك يدخل في نطاق اختصاص المحكمة التابع لها.

عدم تحديد المادتين 40 و49 طريقة عرض عمل النيابة على الجهات القضائية المختصة

إلا إنه يمكن تصور طريقتين لإحالة أمر النيابة العامة على هيئة المحكمة أو قضاء التحقيق:

-إحالة الأمر أو الإجراء التحفظي مع القضية في نفس الوقت، وتبرز هذه الصورة  أكثر في الحالة التي تتدخل النيابة العامة في المنازعات الحيازة في وقت لم تكن في القضية معروضة على أنظار المحكمة أو قضاة التحقيق.

-إحالة الأمر أو الإجراء بشكل مستقل وذلك في حالة تدخل النيابة العامة في وقت تكون فيه القضية رائجة أمام المحكمة أو قضاة التحقيق.

وعموما أوجب المشرع على النيابة العامة إحالة الأمر الذي تصدره بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على المحكمة داخل أجل ثلاثة أيام، لتأييده أو تعديله أو تلغيه.

المطلب الثاني: صلاحيات الجهات القضائية على أمر النيابة العامة بإرجاع الحيازة

تتمثل صلاحيات الجهات القضائية المختصة في مراقبة أمر النيابة العامة بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، أو الإجراء التحفظي الصادر عنها داخل أجله القانونية( 3 أيام)، في  التحقق من توفر شروط تدخل النيابة العامة في انتزاع الحيازة العقار وحصول هذا الانتزاع بعد تنفيذ حكم.

وفي هذا الإطار يمكن لقاضي الموضوع أو قضاء التحقيق أن يقدر مدى ملائمة الإجراء المتخذ من طرف النيابة العامة لحماية الحيازة، فيأمر إما بتأييده أو تعديله أو إلغائه، وتتخذ هذه الحالة الأخيرة  في الحالة التي يكون فيها النزاع لا يرقى إلى مرتبة الجريمة التي يعاقب عليها القانون الجنائي.

البت في الأمر بارتجاع الحيازة من طرف محكمة الموضوع

يلاحظ أن المشرع المغربي لم ينظم المسطرة الواجب اتباعها أمام المحكمة للبت في أمر النيابة العامة بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، هذا خلاف ما ورد في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت صراحة على مسطرة واضحة ومحددة يجب سلوكها، انطلاقا من مصادقة وكيل الملك على محضر الصلح بين الطرفين، وانتهاءه بإحالته على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه بالتصديق عليه، بحضور ممثل النيابة العامة والطرفين معا أو دفاعهما والبت فيه بغرفة المشورة بأمر قضائي لا يقبل الطعن.

– فهل تبت فيه بقرار مستقل أم لها أن تضمه إلى جوهر القضية، في هذا الإطار يجب التميز بين حالتين حسب جهة الإحالة:

-إذا كانت جهة الإحالة هي قضاء التحقيق فإن هذا الأخير يبت في الإجراء المعروض عليه من قبل النيابة العامة بشكل مستقل لأنه لا يفصل في الموضوع.

-أما إذا كانت جهة الإحالة، هي قضاء الموضوع فلها أن ترجئ البت فيه إلى حين صدور حكم فاصل في الموضوع أو البت فيه بشكل مستقل، وذلك بمقتضى حكم تمهيدي.


        من خلال ما سبق يتضح أنه إذا كان المشرع المغربي قد أقر حماية مدنية وجنائية للعقار، عبر مجموعة من المتدخلين منها مؤسسة النيابة العامة، فإنه بالرغم من ذلك تبقى هذه الحماية حماية قاصرة، الأمر الذي يستوجب على المشرع إعادة النظر في دور النيابة العامة في حماية العقار ،لإعطاء العقار قوة وحماية تجعله في منأى عن كل استيلاء أو سطو بواسطة التدليس أو النصب أو التزوير، وقد صدرت في هذا الشأن مجموعة من القوانين ومنها القانون رقم 32/18 القاضي بتغيير وتتميم بعض مواد القانون المسطرة الجنائية، بمنح السلطات القضائية المختصة صلاحية اتحاذ تدابير عقل العقار موضوع البحث الجنائي أو الدعوى العمومية الجارية، كإجراء تحفظي إلى حين البت في القضية بموجب حكم حائز لقوة الشيء المقضي به.


2  يقصد بلفظ “يجوز له” هو وكيل الملك باعتباره ممثلا للنيابة العامة طبقا للمادة 39 من قانون المسطرة الجنائية، انظر أيضا: نجيب شوقي، (دور مؤسسة وكيل الملك في جرائم الاعتداء على الحيازة، مجلة الحقوق المغربية، الرباط، المغرب، 2010، العدد 02ص 19 وما يليها.

3  لفظ “يجوز له” قصد بها الشرع المغربي الوكيل العام للملك ذلك أنّ هذا الأخير هو من يمثل   النيابة العامة وفقا للمادة 39 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص: ” يمثل وكيل الملك شخصيا أو بواسطة نوابه النيابة العامة…”، وللإشارة فإنّ المادة 40 تتحدث عن وكيل الملك على مستوى المحاكم، أمّا المادة 49 فتتحدث عن وكيل الملك على مستوى المجالس القضائية.

 4يحيى لحسن، الحيازة وحمايتها في الميدانين المدني والزجري، المعيار عدد 30 يونيو 2003، ص 15

 5 أحمد سمحاني، مجال تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة العقارية في ضوء قانون  المسطرة الجنائية، مجلة القصر، الدار البيضاء، المغرب، 2005 ، عدد 11 ، ص .140.

 

 6  عبد الرحمان أبو الحسن، الحماية القانونية لحيازة العقار في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، مسلك قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول،  كلية الحقوق، وجدة، السنة الجامعية 2010/2011، ص 127.

   7قرار عدد 600-8 صادر بتاريخ 20/12/2016 في الملف رقم 4888-1-8-2016

8  جاءت هذه المادة لسد الفراغ الذي شاب المادة 373 مكرر من قانون العقوبات المصري   حيث تمّ إلغاء نص هذه المادة بموجب القانون 23 سنة 1992 الذي أضاف المادة 44 مكرر للقانون المرافعات، حيث كانت المادة 373 مكرر تقصر الحماية على تدخل النيابة في المنازعات الجنائية فقط من دون المدنية التي أضافتها المادة 44 مكرر.

9  مصطفى مجدي هرجة، الجديد في الحيازة وفقا لأحدث التعديلات، دار محمود، للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2006 ، (دون ذكر رقم الطبعة)، ص 21.

10 المحكمة المختصة في القانون المغربي تتمثل في المحكمة أو هيئة التحقيق، بينما في  القانون المصري يقصد بها قاضي الأمور المستعجلة.

11 طيب محمد عمر: إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في مشروع قانون المسطرة المدنية، مجلة البحوث، العدد الأول، السنة الأولى مارس 2002، ص61.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *