جريمة الإجهاض الناجمة عن الوصفة الطبية (دراسة مقارنة).

جريمة الإجهاض الناجمة عن الوصفة الطبية (دراسة مقارنة).

إعداد: أ. سلخ محمد لمين- SELKH Mohammed lamine

أستاذ مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية لدى جامعة الشهيد حمة لخضر – الوادي (الجزائر)

طالب سنة ثالثة دكتوراه علوم تخصص قانون وصحة بكلية الحقوق والعلوم السياسية لدى جامعة الجيلالي اليابس – سيدي بلعباس (الجزائر)

مقدمة: تحظـى دراســة المسـؤولية الجزائيــة للأطبـاء بأهميــة قصـوى فــي السياسـة الجنائيــة المعاصـرة، إذ يقع على عاتق كل طبيب واجب احترام حق الإنسان في الحياة وفي سلامة جسده عند ممارسته للعمل الطبي، وأن يكون الهدف من هذا الأخير هو العلاج، لــذلك كانــت مســؤولية الأطبــاء مشــددة إذا أدى تدخلهم إلــى ســوء حالــة المــريض أو نشــأ عــن التــدخل الطبــي حدوث وفاة أو ترك عاهة مستديمة أو إسقاط جنين قبل الأوان، لهذا جرمت التشـريعات الجزائيـة المقارنـة إجهـاض المـرأة الحامـل بشـكل عـام، ولم تتساهل في العقوبـة إذا قـام بهذه الجريمة طبيب بدون ضرورة طبية، وعلـة ذلك بالنسـبة لهـذه الفئـة تكمـن فـي ســهولة ارتكــابهم للجريمــة بســبب مــا يحــوزوه مــن خبــرة فنيــة وعلميــة وقــدرتهم علــى إخفــاء معالمهــا، ممــا يشــجع الحوامل إلى الالتجاء إليهم، ناهيـك عـن الرغبـة فـي تـوفير الحمايـة الجنائيـة لحـق الجنـين فـي الحيـاة وكـذلك حـق المجتمع في البقاء والاستمرار.

ونظرا لحساسية الموضوع وتشعباته لاسيما في الوقت الراهن، أين أرخت العولمة بآثارها على المجتمع الجزائري والعربي عموما، بحيث نتج عنها تزعزع القيم الأخلاقية والدينية، إذ لا يكاد يمر وقت إلا ونسمع عن إيقاف شبكات إجرامية متخصصة في الإجهاض، لهذا ارتأينا دراسة هذه الظاهرة التي يفصل بين تجريمها وإباحتها خيط رفيع لا سيما عند وقوعها من طرف طبيب، فقد جرم المشرع الجزائري على غرار التشريعات المقارنة قيام الطبيب بالإجهاض بدون مبرر طبي وعاقب عليه في المادة: 304 و306 من قانون العقوبات الجزائري،[1] ومن بين الطرق التي يمكن للطبيب أن يتبعها لإجهاض حامل وصف أدوية لذلك،[2] ويشترط لقيام هذه الجريمة في مواجهة الطبيب مجموعة من الشروط تتمثل في: – أن يكون الفاعل مرتكب الجريمة طبيبا أو جراحا أو جراح أسنان؛ – إخراج الجنين من بطن أمه أو محاولة ذلك؛ – أن يتم إخراج الجنين قبل موعده الطبيعي سواء أكان ميتا أو حيا؛ – تعمد الجاني فصل الجنين عن رحم أمه؛ – أن يكون إخراج الجنين دون ضرورة طبية تبيح ذلك.

يعتبر الإجهاض جريمة شكلية لأن بها حدث مجرد لا يمكن نعته بالضرر لعدم وقوعه على من يعتبر كائنا حيا (الجنين)، كما أنها جريمة عمدية فلا يسأل عن جريمة الإجهاض إذا وقع بناء على خطأ، ولا يعد مرتكبا لجريمة الإجهاض حسب المادة: 308 من قانون العقوبات الجزائري،[3] إذا كانت تستوجب ذلك ضرورة إنقاذ حياة الأم من خطر، متى أجراه طبيب أو جراح في غير خفاء، وبعد إبلاغ السلطة الإدارية، إلا أننا نجد المشرع التونسي سمح بإبطال الحمل خلال ثلاثة الأشهر الأولى منه من طرف طبيب مرخص له بمزاولة المهنة ويتم الأمر في مؤسسات استشفائية وصحية أو في مصحة مرخص فيها، ويعد مباحا قانونا رغم أن المبدأ هو المنع والاستثناء الإباحة متى كان ذلك خلال مدة 3 أشهر الأولى من الحمل، حيث يمكن إبطال الحمل للأم متى أرادت ذلك خلال أجل ثلاثة أشهر الأولى، وهذا الترخيص غير خاضع لأي ضرورة وإنما أشترط القيام به في مصحات ومستشفيات مرخص لها خشية على حياة الأم لا غير.[4]

كما أن المادة: 306 من قانون العقوبات الجزائري، تعاقب على الإرشاد على طرق الإجهاض، أو من يسهلون أو يقومون به ومنهم الأطباء،[5] وبذلك ساوى المشرع الجزائري على غرار المشرع المغربي والمصري بين من يقوم بالإجهاض أو بالإرشاد على طرقه أو وسائله، حيث يعتبر هذا الأخير فاعل أصلي، بينما سكت المشرع التونسي عن ذلك، وبذلك يكون المشرع الجزائري قد وسع من نطاق العقاب على الإجهاض،[6] حيث يمكن أن نتصور حدوث ذلك عن طريق وصفات الأطباء.

لجريمة الإجهاض عدة صور إلا أن ما يهمنا في هذا الموضوع صورة واحدة، وهي إجهاض الغير ذي الصفة الخاصة للحامل –الطبيب من خلال وصفاته تحديدا-،[7] حيث نلاحظ أن المشرع لا يعتد برضا المرأة ويعزى ذلك إلى كون الجريمة تهدد المصلحة الاجتماعية، وإلى كون الضحية الحقيقية لهذا الفعل هو الجنين الذي يحرم من الوجود، غير أن هذا الاعتبار الأخير لم يحل دون قبول المشرع بحالة الضرورة المستمدة من ضرورة إنقاذ حياة الأم.[8]

علـــى الـــرغم مـــن إن المســـؤولية الجزائيـــة للطبيــب عــن إجهــاض الحوامــل تقــوم بالأصــل علـــى أساس العمد، غير إن قيـام الطبيـب بعملـه قـد يـؤدي في بعض الأحيان إلى عكس الغاية التـي يتوخاهـا مـالم يلتـزم بالأصـول الفنيـة التـي تفرضـها عليـه ممارسـة مهنـة الطــب ولـم يتخــذ القــدر الضـروري مــن الحيطــة والحـــذر، فيـــؤدي الأمـــر إلـــى إســـقاط الجنـــين. مما يدفعنا إلــــى التســــاؤل: متى يعتبر الطبيب مرتكبا لجريمة الإجهاض بمناسبة تحرير وصفة طبية؟.

لقـــــد وقـــــع اختيارنـــــا للبحـــــث فـــــي هــــــذا الموضــوع لأهميتــه فــي المجتمــع بصــورة عامــة وفــي المجــــــال الطبــــــي والقــــــانوني بصــــــورة خاصــــــة، وبغيــــة الإحاطــــة بهــــذا الموضــــوع وللإجابة على التساؤل السابق، نحاول التطرق في هذه الدراسة إلى أركان جريمة الإجهاض الناجمة عن الوصفة الطبية، ثم إلى المسؤولية الجزائية المترتبة على إجهاض الطبيب للحامل بواسطة الوصفة الطبية معتمدين المنهج التحليلي المقارن بين النظم القانونية المقاربة للنظام الجزائري.

أولا: أركان جريمة الإجهاض الناجمة عن الوصفة الطبية.

من أجل أن تقوم المسؤولية الجزائية للطبيب عن إجهاض حامل لا بد من توافر ثلاثة أركان هي: ركن خاص أو كما يصطلح عليه عند البعض بالركن المفترض والذي يشمل صورتين تتمثل الأولى بـ (الحمل المستكن في الرحم) أما الصورة الثانية فهي صفة الجاني، وركنان عامان وهما الركن المادي بعناصره الثلاثة والركن المعنوي والذي يتخذ في هذه الجريمة صورة القصد الجنائي بالإضافة إلى الركن الشرعي المشار إليه أنفا، لذا سوف نبحث كل ركن فيما يلي:

  • أ‌- الركن المفترض: لجريمة الإجهاض التي تتم من طرف الطبيب صورتين للركن المفترض فيها، حيث أن الجانب الخاص في جريمة الإجهاض، هو بالإضافة إلى المحل الذي يرد عليه السلوك الإجرامي، وجود صفة خاصة للفاعل الأصلي وهذا ما يسمى بالجانب المفترض، وهو عبارة عن مركز قانوني أو واقعي يسبق وجود قيام الجريمة، ولابد من هذا الوجود (وجود الحمل) وتوفر صفة خاصة للجاني (طبيب) قبل الخوض في مدى توافر أركان الجريمة الأخرى.
  1. وجود الحمل: إن الجانب الخاص في جريمة الإجهاض، هو المحل الذي يرد عليه السلوك حيث تفترض جريمة الإجهاض أن تكون المرأة التي يطولها الاعتداء الإجرامي حاملا في أي أوقات الحمل إلى أن تتم الولادة أو مفترض حملها،[9] والإجهاض يكون في الفترة التي تمت خلالها حياة الجنين في رحم أمه منذ تلقيح البويضة إلى الولادة، ولا يشترط أن يقع فعل الإجهاض في فترة معينة خلال المدة التي يعتبر فيها الحمل جنينا قبل أن تتم ولادته بشكل طبيعي،[10] وإذا تخلف العنصر المفترض انتفت الجريمة من الناحية القانونية، ذلك أن حياة الجنين هو الموضوع الذي يرد عليه الاعتداء فلا يقع الإجهاض إلا على امرأة حبلى في أوقات حملها.[11]

لذا فإن جريمة الإجهاض لابد لقيامها أن تقع على امرأة حامل، أي أن هناك جنين حقيقي يسكن في بطن تلك الأم وليس حمل وهمي، وبانعدام الحمل فلا مجال لجريمة الإجهاض وبالتالي استحالة قيام هذه الجريمة، وهو صورة من صور الجرائم المستحيلة وإذا انعدم الحمل فإن جريمة الإجهاض، لا تقوم حتى في صورة الشروع لأن محل الجريمة هو الحمل فإذا انعدم المحل انعدمت الجريمة لأن المشرع لا يعاقب على وسائل منع الحمل قبل حدوثه.[12]

  1. صفة الجاني: جريمة إجهاض الغير لحامل قد تتضمن صورة اخرى للركن المفترض وهو صفة الجاني، أي أن يكون الغير طبيب ممارس يصف للحامل دواء يؤدي إلى إجهاضها متعمدا ذلك سواء برضاها وعلمها أم لا، وتتوفر صفة الجاني في الطبيب مهما كان تخصصه كما لا تشترط درجة معينة من الخبرة والدراية حيث أن المشرع عاقب حتى فئة طلبة الطب، ولا عبرة بأن يكون موظفا لدى الدولة أو يمارس بشكل حر وتنتفي صفة الجاني إذا منع نهائيا من ممارسة المهنة.[13] وقد نصت على هذه الصفة المادة: 306 من قانون العقوبات الجزائري، التي يقابلها الفصل رقم: 451 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، كما نصت عليها المادة: 263 من قانون العقوبات المصري والملاحظ هنا أن المشرع المصري اعتبر صفة الجاني ظرف مشدد بحيث يصبح للجريمة وصف جناية عوض وصف جنحة، عكس المشرعين الجزائري والمغربي الذين قررا نفس العقوبة المقررة في جريمة الإجهاض البسيطة مع إضافة عقوبات تكميلية جوازية، ويرى البعض أنه كان يتعين على المشرع اعتبار صفة الجاني ظرف مشدد نظرا لخطورة هذا الفعل إذا اقترفه أهل الطب، خاصة أنه يفترض فيهم الحرص على صحة الناس أكثر من غيرهم،[14] بينما لم يأخذ المشرع التونسي مسألة صفة الجاني بعين الاعتبار، والحقيقة انه مادام لن تغير صفة الجاني من العقوبة المقررة فلا أهمية كبرى للتركيز عليها، إلا من باب أن صفة الجاني تعطيه قدرة أكبر على ارتكاب الجريمة باعتبار الخبرة الفنية والوسائل والامكانيات المتوفرة بيسر مثل تحرير وصفة طبية لتسهيل الحصول على مواد الإجهاض وبدون أي شك في مشروعية هذا العمل من طرف الغير كالصيدلي مثلا، فضلا أن الدافع في هذه الجريمة بالنسبة للطبيب هو الكسب والربح السريع، ولو أن مسألة الدافع لا تأثير لها في اقرار العقوبة.
  • ب‌- الركن المادي: إن الركن المادي في هذه الجريمة يقوم على ثلاثة عناصر هي السلوك الإجرامي والنتيجة والعلاقة السببية التي تربط بينهما.[15]
  1. السلوك الإجرامي: هو عبارة عن النشاط الذي يقوم به الجاني، يختلف هذا السلوك من جريمة لأخرى ويقوم دائما على عنصري الإرادة، وحركة عضوية للقيام بهذا السلوك ،تحقيقا لإرادة الجاني، في هذه الجريمة يعتبر السلوك الإجرامي كل نشاط يقوم به الطبيب من شأنه أن ينهي حالة الحمل قبل موعد الولادة ويخرج الجنين قبل الأوان، من خلال تحرير وصفة طبية تحتوي على أدوية من شأنها أن تؤدي إلى إجهاض الحامل متعمدا هذا السلوك وقاصدا حصول النتيجة، فالفعل يتحقق بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى موت الجنين في رحم أمه أو إلى خروجه من الرحم قبل موعد الولادة،[16] وعدد المشرع الجزائري عدة وسائل مفترضة لإجهاض الحمل ليس على سبيل الحصر والدليل على ذلك قوله أو بأية وسيلة أخرى، وكلمة وسيلة واسعة لها دلالات كثيرة ومتنوعة بحيث تشمل في معناها كل ما يمكن استخدامه لارتكاب الجريمة،[17] ولم يخرج القانون على القاعدة العامة التي تقضي بعدم الاعتداد بالوسيلة المستعملة في الجريمة، وما يهمنا هنا في الوسائل المستعملة للإجهاض هو الوصفة الطبية، باعتبارها وسيلة محتملة لإجهاض الحمل، فإذا احتوت هذه الوصفة ما من شأنه أن يجهض المرأة من أدوية أو خلافها مع توفر القصد الجنائي، تعتبر الوصفة هنا وسيلة مستعملة في الجريمة، مع إقامة الدليل على أن الوسيلة المستعملة (الوصفة) كانت سببا في الإسقاط.[18]

جريمة الإجهاض من الجرائم التي يريد فيها الجاني، التخلص من الحمل قبل موعد ولادته الطبيعي فهي من الجرائم الايجابية، حيث يقوم الجاني بفعل تحرير وصفة طبية تحتوي على مواد من شأنها أن تفضي إلى موت الجنين، أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته، إلا أنه يمكن تصور وقوع النشاط الإجرامي عن طريق الامتناع المتعمد عن القيام بعمل مفروض قانونا أو بالتزام تعاقدي من شأنه لو وقع أن يحول دون حدوث النتيجة المحظورة قانونا.[19]

  1. النتيجة: النتيجة الإجرامية هي الأثر المترتب على السلوك الإجرامي للجاني، وبالنسبة لجريمة الإجهاض تتمثل هذه النتيجة الإجرامية في خروج الجنين من الرحم وقطع الصلة التي تربطه بجسم أمه،[20] حيث لم يورد في القانون تعريف للإجهاض، ويمكن تعريفه[21] بأنه “تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، ويهدف إلى إخراج الحمل مبكرا من الرحم”،[22] وتكون الجريمة تامة إذا تحققت النتيجة وحصل الإسقاط، ولا يهم إن حدث الفعل في بداية أو في نهاية الحمل، المهم هو تحقق النتيجة الإجرامية بموت الجنين في الرحم أو إخراجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي للولادة، أي أن النتيجة تتخذ إحدى الصورتين، الأولى يموت فيها الجنين وهو في رحم أمه أو بقي فيه مدة من الزمن حتى يتم إخراجه بعد ذلك، أو لم يخرج أصلا لموت الأم،[23] والثانية يخرج فيها الجنين من رحم أمه ولو كان قابلا للحياة فإن الإجهاض يعد متحققا،[24] ففي الصورة الأولى يكون الاعتداء واقعا على حق الجنين في الحياة،[25] أما الصورة الثانية يكون الاعتداء واقعا على حق الجنين في النمو الطبيعي في رحم أمه،[26] ويقوم الشروع[27] إذا لم تتحقق النتيجة المرغوبة،[28] أي إذا لم يحصل الإسقاط حيث يعاقب القانون على الشروع،[29] لأن المشرع يعاقب على الجريمة المستحيلة عندما يتعلق الأمر بإجهاض المرأة من قبل الغير، ويتضح ذلك من نص المادة: 304 من قانون العقوبات، بنصها أنه سواء أكانت المرأة حاملا أو مفترضا حملها،[30] فمادام يعاقب على الجريمة المستحيلة فمن باب أولى أن يعاقب على الشروع وهو ما تنص عليه المادة: 311 فقرة 2 من نفس القانون.
  2. العلاقة السببية: باعتبار علاقة السببية هي رباط يربط بين قطبين، أحدهما السلوك الإجرامي الذي يمثل دور السبب، والآخر النتيجة الإجرامية التي تمثل دور الأثر المترتب على هذا السبب، يشترط أن تقوم علاقة سببية بين فعل الطبيب المجهض وموت الجنين أو خروجه من الرحم قبل موعد الولادة،[31] فيجب أن يكون بين النشاط الاجرامي والنتيجة الإجرامية علاقة سببية، بحيث يؤدي النشاط الإجرامي إلى النتيجة، ويكون الفعل الصادر عن الجاني، هو السبب المباشر في اسقاط المجني عليها، فلو انتفت هذه العلاقة فلا جريمة لعدم اكتمال ركنها المادي لتخلف عنصر أساسي من عناصره.

تتجسد العلاقة السببية في هذه الجريمة بقيام الطبيب بوصف دواء للأم الحامل عمدا قصد إجهاضها ولو بطلب منها من أجل المساعدة على التخلص من الجنين، سواء كان بمقابل أو مجانا، أو بعدم اتباع قواعد وأصول مهنة الطب مما يؤدي إلى إنزال الجنين، أو أن يترك الطبيب المعالج المريضة دون علاج فيسقط الجنين بسبب سوء الحالة الصحية للأم الحامل وفي هذه الأمثلة وسواها تقوم العلاقة السببية بين فعل الطبيب أو امتناعه وإسقاط الجنين،[32] وفي حالة انتفاء العلاقة السببية بين فعل الطبيب والنتيجة المتمثلة في خروج الجنين وإنهاء الحمل فلا يسأل الطبيب عن جريمة الإجهاض.

الفصل في توافر علاقة السببية بين نشاط المتهم في عملية الإجهاض والنتيجة الإجرامية من شأن قاضي الموضوع، يسترشد في إثباتها برأي الخبراء الطبيين.[33]

  • ج‌-الركن المعنوي: إذا كان الركن المادي لجريمة الإجهاض، هو الوجه الخارجي المحسوس للسلوك المكون لها كما وصفه نص التجريم، فإن ركنها المعنوي هو الوجه الباطني النفساني للسلوك، والنص هو الذي يحدد ذلك الوجه، فجريمة الإجهاض جريمة عمدية يجب أن يتوافر لقيامها القصد الجنائي العام حتى تقوم المسؤولية الجزائية بحق الطبيب،[34] حيث يشترط لقيام الجريمة أن يحصل الإجهاض أو يشرع فيه عمدا،[35] وذلك عن طريق توافر العلم لحظة إتيان الفعل بحمل المرأة[36] أو افتراض حملها حتى ولو لم يكن هذا الحمل حقيقيا وهو علم مفترض لدى الطبيب المحرر للوصفة الطبية نظرا إلى أنه من قواعد العمل الطبي قبل وصف العلاج الكشف على المريض، وبذلك يفترض علم الطبيب بحمل المرأة بعد الكشف عنها، لا سيما في الأشهر الأخيرة من الحمل حيث يكون ظاهرا للعيان، أما الفترة الأولى منه فيصعب اكتشافه ما لم يقم الطبيب بإجراء تحاليل وأشعة على الحامل، وكذا العلم بأن الوسيلة التي يعول عليها –الوصفة الطبية- صالحة لإحداث الإجهاض،[37] وانصراف إرادة الطبيب إلى إتيان فعل الإجهاض وإلى تحقيق النتيجة وهي قتل الجنين في رحم أمه أو إخراجه من الرحم قبل حلول موعد الولادة.[38]

لذلك لابد من توافر القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، حتى تتحقق جريمة الإجهاض في القانون الجزائري والمقارن، تطبيقا لذلك يتطلب القصد الجنائي في جريمة الإجهاض علم الطبيب (الجاني) بوجود الحمل، فإذا كان يجهل أن المرأة التي وصف لها الدواء كانت حاملا، فلا يسأل عن جريمة الإجهاض، فالعلم المطلوب لوجود الحمل هو العلم الذي يتوافر وقت حصول الفعل، الذي سبب الإجهاض، فإذا لم يتوافر هذا العلم إلا بعد حدوث الفعل المسبب للإجهاض، فلا يعد القصد متوافر فيجب على الجاني أن يتوقع-وقت فعله- حدوث النتيجة الإجرامية، كأثر للفعل، وتطبيقا لذلك لا يتوافر القصد الجنائي لدى الطبيب إذا وصف للحامل مادة لتستعملها كمرهم جلدي، ولم يكن يتوقع أنها سوف تتناولها عن طريق الفم، وترتب على ذلك إجهاضها،[39] فإذا اعتقد الطبيب الذي يصف عقارا لامرأة حامل، أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى الإجهاض، وقبل هذه النتيجة توافر بشأنه عناصر الركن المعنوي، أما إذا اعتقد أن الأساليب التي اتخذها، هي من أجل إنقاذ حياة الحامل، وكان الخطأ الذي وقع فيه متعلقا بالوقائع، فإن القصد الجنائي لا يكون متوافرا لديه.[40]

كما يجب أن يتعاصر القصد الجنائي مع الركن المادي للجريمة، فإذا وصف الطبيب للمرأة الحامل دواء معين دون أن يعلم أنها حامل، وكان من شأن هذا الدواء أن يؤدي إلى إجهاضها، ثم علم بعد ذلك بحملها، فإن كان في إمكانه أن يمنعها من تناول هذا الدواء، وبالتالي يمنع تحقق الإجهاض، ولم يمنعها قاصدا من ذلك إجهاضها، توافر القصد الجنائي لديه، أما إذا كان بوسعه منع تحقق النتيجة، ولكنه أهمل في ذلك ولم تتجه نيته إلى تحقيق الإجهاض، توافر في حقه الخطأ غير العمدي، وهو غير كاف للعقاب على جريمة الإجهاض، لأنها لا تقع إلا عمدا،[41] فمجرد توقع النتيجة المحظورة لا يكفي للقول بانصراف ارادة إليها، ويرى بعض الفقهاء أنه لا محل للاستناد إلى نظرية القصد الاحتمالي[42] التي يلزم نص صريح للأخذ بها، كمن يصف للحامل دواء يتوقع أن يحدث الإجهاض كأثر لتناوله فيقبل ذلك الإمكان ويمضي في وصفه ويحدث الإجهاض،[43] ولا عبرة لنوع الباعث في وجود القصد إلا في حالة الضرورة التي تقتضي المحافظة على صحة الأم إذا كان في الحمل ما يهدد صحتها بخطر جسيم وكان الإجهاض الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر ولم يكن للجاني (الطبيب) دخل في حلول الخطر.

لكن مثلما يقع الإجهاض عمدا فإنه قد يحدث عن طريق الخطأ، فلا يعد مرتكب لجريمة الإجهاض الطبيب الذي تسبب بخطئه في الإجهاض، مثل إجهاض امرأة حامل عن طريق وصف أدوية علاجية تؤثر على الحمل دون أن يعلم بأنها حامل أو دون أن يتعمد إجهاضها، في هذه الحالة يسأل عن جريمة الجرح الخطأ، وقد يرتكب قتلا خطأ إذا نتيجة وفاة المرأة نتيجة لفعله.[44]

هذا الاتجاه التشريعي محل انتقاد لأنه يؤدي إلى إضعاف الحماية الجنائية للجنين على عكس الشريعة الإسلامية السمحاء التي تقيم المسؤولية الجزائية عن الإجهاض غير العمدي (الإجهاض الخطأ).[45]

ثانيا: المسؤولية الجزائية المترتبة على إجهاض الطبيب للحامل بواسطة الوصفة الطبية.

لقد خصص المشرع الجزائري على غرار التشريعات المقارنة نصوص قانونية رادعة توجب العقاب على كل من يرتكب جريمة الإجهاض بمن فيهم الطبيب الواصف لأدوية وعقاقير تؤدي إلى الإجهاض عمدا، إلا أنه وإن كان الإجهاض يعد جريمة، إلا أن هناك استثناء يرد على ذلك، أين يعد فيه الإجهاض مباحا ولا عقاب عليه، فما هي العقوبات التي يقرها القانون في مواجهة الطبيب بمناسبة وصفه أدوية تؤدي إلى الإجهاض متعمدا حصول ذلك، وما هي الحالات التي يعفى فيها من المسؤولية رغم وصفه دواء يؤدي إلى إجهاض الحامل؟.

  • عقوبة جريمة الإجهاض: عاقب المشرع الجزائري على الإجهاض سواء كانت الجريمة تامة أو كانت مجرد شروع، وسواء كان ذلك بموافقة الحامل، أو كانت غير راضية أو غير عالمة بذلك، ولقد بين المشرع مختلف العقوبات التي ميز بينها حسب صورة الإجهاض وصفة الجاني في ارتكابه من خلال المواد: من 304 إلى 313 قانون عقوبات جزائري،[46] وتتمثل العقوبات الأساسية في الحبس والغرامة والمنع من الإقامة والمنع من ممارسة المهنة، هذا وفي الحالات التي تقترن جريمة الإجهاض بظروف مشددة مثل وفاة الحامل أو الاعتياد أضفى المشرع على الجريمة وصف جناية.

ما يهنا في هذا المقام هو عقوبة الغير ذي الصفة الذي يجهض حاملا مثل حالة الطبيب الذي يصف مواد من شأنها أن تحدث الإجهاض قاصدا حصول ذلك، حيث نصت عليها المادة: 306 قانون عقوبات جزائري،[47] والتي أحالتنا على العقوبة المقررة في المادة: 304 من نفس القانون، وهي جنحة تتمثل في الحبس من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة تتراوح بين 20.001 إلى 100.000 د ج،[48] وذو الصفة في هذه المادة مذكورون على سبيل الحصر لأن وظائفهم وصفاتهم تمكنهم من معرفة وسائل الإجهاض وكذا إخفاء أثرها، سواء قاموا بعملية الإجهاض بأنفسهم أم سهلوا ارتكابها أو اقتصر دورهم على دلالة الحامل على ما من شأنه إحداث الإجهاض.

تصبح هذه الجريمة جناية في حال أدى الإجهاض إلى موت الحامل، عندها تطبق على الجاني (الطبيب) العقوبة المنصوص عليها في المادة: 305 من نفس القانون، وهي السجن من 10 سنوات إلى 20 سنة،[49] سواء أكانت الوفاة ناجمة عن الإجهاض أو الوسائل المستعملة لتحقيق الإجهاض (أدوية موصوفة)، أي توافر العلاقة السببية بين الإجهاض ووسائله من جهة وبين وفاة الحامل من جهة أخرى.

تتمثل الظروف المشددة للعقوبة في جريمة الإجهاض في حالة الاعتياد،[50] حسب المادة: 305 من قانون العقوبات الجزائري، حيث تضاعف العقوبة في الحالة العادية لتصبح الحبس من سنتين إلى 10 سنوات والغرامة من 40.000 إلى 200.000 دج،[51] وإذا أفضى الإجهاض إلى وفاة الحامل مع توفر ظرف التشديد وهو الاعتياد ترتفع عقوبة السجن المؤقت المقررة في المادة: 304/2 من نفس القانون،[52] إلى حدها الأقصى ورغم أن المشرع لم يوضح من خلال نص المادة المقصود بالحد الأقصى إلا أن استعماله مصطلح السجن المؤقت يفيد بأن الحد الأقصى هو السجن عشرين سنة وليس السجن المؤبد،[53] وما يلاحظ هو أن المشرع الجزائري والمغربي لم يجعل من صفة الجاني ظرفا مشددا للعقوبة، على عكس بعض التشريعات المقارنة مثل المشرع المصري من خلال المادة: 263 من قانون العقوبات حيث اعتبر أن صفة الجاني تغيير وصف الجريمة من جنحة إلى جناية، بينما لم يعتبر المشرع التونسي من خلال الفصل: 214 من المجلة الجزائية أن لصفة الجاني أي تأثير في تغيير وصف الجريمة أو العقوبة المقررة لها، ولم يحدد أي ظرف مشدد في هذه الجريمة.

إذا قام شخص من ذوي الصفة الخاصة (طبيب) بتسهيل عملية إجهاض المرأة لنفسها فإنه يعتبر فاعلا معها ليس في نفس الجريمة، إذ يعد فاعلا أصليا وتطبق عليه عقوبة إجهاض الغير ذي الصفة الخاصة لحامل المنصوص عليها في المادة: 306 من قانون العقوبات جزائري،[54] كما عاقب المشرع على الشروع في ارتكاب جنحة الإجهاض بنص المادة: 311/2 من قانون العقوبات جزائري،[55] فالمشرع يعاقب على الشروع في جميع صور الإجهاض، وهي العقوبة المقررة للفعل التام، كما يعاقب الشريك بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي.

أما إذا أخطأ الطبيب في وصف علاج أدى إلى إجهاض الأم وسبب لها ضررا دون قصد إجهاضها فإنه لا يسأل عن جريمة الإجهاض وإنما عن جريمة الجرح الخطأ طبقا لنص المادة: 289 من قانون العقوبات جزائري، وإذا نتج عن خطأ الطبيب وفاة الحامل فإنه يسأل عن القتل الخطأ طبقا للمادة: 288 من قانون العقوبات جزائري.

أما بالنسبة إلى العقوبات التكميلية ومنها المنع من الإقامة المنصوص عليها في المواد: 304 و306 و307 من قانون العقوبات جزائري،[56] والحرمان من ممارسة المهنة وقد نصت عليها المادة: 306 و311 من نفس القانون،[57] ويحكم بها على كل مرتكب لجريمة الإجهاض من ذوي الصفة الخاصة المنصوص عليهم في نفس المادة، ومن بينهم الأطباء وهي عقوبات تكميلية وضعها المشرع حتى لا يستمر من حكم عليه في جريمة الإجهاض ويعود إليها بعد الإفراج عنه،[58] وإذا خالف المحكوم عليه حكم القاضي بالمنع من الممارسة فإنه يقع تحت طائلة المادة: 307 من نفس القانون،[59] وهي الحبس من 6 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 20.001 إلى 100.000 دج.[60]

  • حالات الإباحة: الأصل أن الإجهاض جريمة معاقب عليها قانونا إلا أنه وإن كان هذا هو المبدأ، فإنه قد يرد عليه استثناء أين يكون فيه فعل الإجهاض مباحا، بل يعتبر فعلا ضروريا، ويكون ذلك في حال واحدة ألا وهي حالة إجهاض الضرورة،[61] إذا قام الطبيب أو الجراح بالإجهاض دون غيرهما لإنقاذ حياة الأم من الخطر وضمن الشروط المقررة قانونا فلا تقوم مسؤوليته الجنائية، لأن الفعل يصبح مسموحا به،[62] وهو ما نصت عليه المادة: 308 من قانون العقوبات الجزائري،[63] وتنص مدونة أخلاقيات مهنة الطب في الجزائر من خلال المادة: 33 على: “لا يجوز للطبيب أن يجري عملية لقطع الحمل إلا حسب الشروط المنصوص عليها في القانون”،[64] كما تنص المادة: 72 من القانون المتعلق بحماية الصحة وترقيتها على ما يلي: “يعد الإجهاض لغرض علاجي عندما يكون ضروريا لإنقاذ حياة الأم من الخطر أو للحفاظ على توازها الفيزيولوجي والعقلي المهدد بالخطر”.[65]

كما تعرض المشرع المغربي في الفصل 453 من القانون الجنائي للحالات التي يبيح فيها الإجهاض، وذلك بقوله:”…لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر….”، وقد تعرض المشرع المغربي للحالات التي يمكن أن يتم فيها الإجهاض، دون أن يتعرض القائم به للمتابعة متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج، ولا يطلب هذا الإذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم، وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع من إعطاء موافقته أو عاقه من ذلك عائق فأنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج.[66]

في القانون التونسي فإن هذه المسألة تطورت عبر الزمن[67] إلى غاية تعديل قانون العقوبات لسنة 1973، حيث عدل الفصل 214 الذي يجرم الإجهاض الساري المفعول، إذ اتصف هذا التعديل بالمزيد من التحرر بإقصاء شرط عدد الأطفال، وأصبح الإجهاض مباحا في حالتين: الأول تتمثل في إمكانية إبطال الحمل للأم متى أرادت ذلك خلال أجل ثلاثة أشهر الأولى وهذا الترخيص غير خاضع لأي ضرورة وإنما أشترط القيام به في مصحات أو مستشفيات مرخص لها خشية على حياة الأم، ففي هذه الحالة لو قام طبيب بوصف أدوية للأم تؤدي إلى الإجهاض بطلب منها في المرحلة الأولى من الحمل والتي حددها القانون بــ: 03 أشهر، لا يعد مرتكب لجريمة الإجهاض في نظر القانون التونسي.[68]

أما الحالة الثانية: في الإجهاض لأسباب صحية يعود القرار فيها للجهاز الطبي دون غيره ذلك أن الفقرة الأخيرة من الفصل 214 قد بينت صراحة أن إبطال الحمل لأسباب صحية يجب إجراؤه بعد الاستظهار لدى الطبيب الذي سيتولى ذلك بتقرير من الطبيب الذي يباشر المعالجة، وعليه أن يثبت أنه في مواصلة الحمل سيتسبب في انهيار صحة الأم أو توازنها العصبي أو من المتوقع أن يصاب الوليد بمرض أو آفة خطيرة، وبالتالي فقد حدد المشرع التونسي ضوابط أساسية بدونها لا يجوز إسقاط الحمل بعد مضي ثلاثة أشهر من بداية تكونه إلا لأسباب تتعلق بصحة الأم البدنية والعصبية[69] أو بصحة الوليد، فالمشرع التونسي وهو يكرس إمكانية الإجهاض المباح لم يقتصر على صحة الأم بل كذلك أباحه لأسباب تتعلق بصحة الجنين إذا ثبت أنه سيولد مشوها وهو ما سوف يؤدي به إلى العيش بتعاسة ومعاناة وهو ما أكدته أحكام الفصل 214 من أنه يرخص في إبطال الحمل متى” كان يتوقع أن يصاب الوليد بمرض أو آفة خطيرة “، وقد أنتقد البعض من أنصار حقوق الإنسان هذا النص وذلك بقولهم ألا يجدر بنا علاج هذا الطفل على أن نحرمه من الحياة لاسيما في تطور للعلوم الصحية والتي أضحى بإمكانها معالجة الجنين وهو لا يزال في رحم أمه، وأكدوا على أنه كان على المشرع أن يقيد هذه الإمكانية ويحصرها في حالة أن تشوه الطفل أو مرضه لا شفاء منه ويؤدي بالضرورة إلى وفاته، كما رأوا أن السماح بإسقاط الحمل لعدم ولادة أطفال مشوهين هو في الحقيقة إقرار مقنع لموت الرحيم وهو ما أكده البعض من أن هذا التبرير لإسقاط الحمل يفتح الباب على مصراعيه لتقبل قتل الرحيم للمسنين والمعاقين وهو تبرير تشريعي لأنانية فاضحة في أسوء معانيها وذلك بتقبل إنهاء حياة شخص لينعم غيره بالراحة،[70] وقد ترك المشرع التونسي سلطة تقديرية للطبيب المعالج والذي يتوجب عليه تقديم شهادة ترخص إسقاط الحمل مع احترام أخلاقيات مهنته.

خاتمة: إن إجهاض الطبيب لمرأة حامل بواسطة وصفة طبية تحتوي على مواد صيدلانية تؤدي إلى إنهاء الحمل قبل الأوان قد يعتبر جريمة عمدية إذا تسبب في ذلك نشاط الجاني (الطبيب من خلال وصفاته) وقصد من خلاله وقوع النتيجة، ففي هذه الحالة يعد الطبيب مرتكب لجريمة الإجهاض المنصوص والمعاقب عليها من خلال المادة: 304 و306 من قانون العقوبات الجزائري، أما إذا تسبب نشاط الجاني في وقوع الإجهاض لكن دون قصد حدوث النتيجة كأن يصف الطبيب لمرأة حامل دواء يتسبب في إجهاضها لكن دون علمه بحملها أو دون قصد إجهاضها لكن تسبب في ذلك من خلال عدم انتباهه أو عدم بدله العناية المطلوبة في هذا المجال، فلا يسأل هنا عن جريمة الإجهاض وإنما عن جريمة الإيذاء أو القتل الخطأ حسب النتيجة، وهي الجريمة المنصوص والمعاقب عليها من خلال المادة: 288 و289 من قانون العقوبات الجزائري.

كما قد يكون سلوك الطبيب مباحا ومشروعا من الناحية القانونية حتى ولو تسبب في إجهاض حامل متى دعت إلى ذلك ضرورة طبية علاجية بقصد الحفاظ على صحة وحياة الأم وتوازنها الفيزيولوجي والنفسي والعقلي إذا كان من شأن الحمل أن يهدد بشكل خطير حياة الحامل وهو ما يعرف بالإجهاض العلاجي، ففي هذه الحالة لا يسأل الطبيب جزائيا عن سلوكه لكن بشرط إتباع الإجراءات القانونية والتنظيمية النصوص عليها في هذا المجال وأن يكون الإجهاض لضرورة طبية بحثة، وقد حاول المشرع الجزائري من خلال مشروع قانون الصحة الجديد فتح المجال في هذه المسألة وتوسيع حالات الإباحة ليشمل بالإضافة إلى ضرورة المحافظة على صحة الأم مراعاة حالة الجنين وصحته وسلامته الجسدية والعقلية، بحيث سمح باتخاذ الإجراءات الطبية الضرورية المناسبة والتي يمكن أن تصل إلى حد الإيقاف العلاجي للحمل إذا كان هناك احتمال قوي لإصابة المولود الجديد بإعاقة خطيرة وذلك عن طريق التشخيص ما قبل الولادة للمضغة أو الجنين الذي يكشف إصابته بمرض أو تشوه خطير لا يسمح له بالنمو العادي، وهو ما نصت عليه المواد 80 و81 و82 من مشروع قانون الصحة الجديد، وقد أثارة هذه المسألة جدل فقهي سبق الإشارة إليه.

لا يفوتنا في هذا المجال أن نقدم بعض الاقتراحات التي يمكن أن تفيد في تطوير النصوص العقابية وتسد بعض الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الجاني والتي من بينها:

  • أن تكون لصفة الجاني –الطبيب- في جريمة الإجهاض أثر مشدد للعقوبة نظرا للدور الذي يمكن أن يلعبه الطبيب في هذه الجريمة.
  • نقترح تغيير مصطلح المرأة في مواد قانون العقوبات المتعلقة بالإجهاض بمصطلح الأنثى لأنه ادق وأشمل.
  • نقترح وضع نص خاص لتجريم كل من تسبب خطأ في إجهاض أنثى أو وفاتها بسبب الإجهاض الخطأ باعتبار هذا الجرم بالذات له طابعه الخاص الذي يبرره كما أقرت بذلك الشريعة الاسلامية السمحاء.

[1] يقابلها الفصل رقم: 449 و451 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، الجريدة الرسمية المغربية عدد 2640 مكرر بتاريخ 5 جوان 1963، ويقابله أيضا الفصل 214 من المجلة الجزائية التونسية، الصادرة في الرائد الرسمي عدد 79 بتاريخ: 01 أكتوبر 1913، المعاد تنظيمها بموجب القانون عدد 46 لسنة 2005، المؤرخ في 06/06/2005، وكذا المادة: 261 و263 من قانون العقوبات المصري، الصادر بموجب القانون رقم: 58 لسنة 1937، المؤرخ في: 31 جويلية 1937، الصادر في الجريدة الرسمية (الوقائع المصرية) عدد 71 بتاريخ: 05/08/1937.

[2] هناك العديد من الأدوية تقوم بإجهاض الجنين خاصة في المراحل الأولى من الحمل ومن امثلة هذه الأدوية منها مضادات البروجسترون المعروفة بتثبيت الحمل مثل: RU 486) mifégine)، كما يمكن أيضا استعمال مادة ال Methotrexate وهى تستعمل لعلاج السرطانات و تقوم بقتل الخلايا النشطة مثل خلايا الجنين . كما يمكن آن يستعمل الطلق الصناعي اذا كان الحمل اكبر بواسطة الـ Syntocinon , Prostaglandin بواسطة التحاميل الموضعية، وهناك العديد من الأدوية مثل misoprostol، جدوي محمد أمين، “جريمة الإجهاض بين الشريعة والقانون”، مذكرة ماجستير في العلوم الجنائية وعلم الإجرام، كلية الحقوق جامعة أبي بكر بلقايد، تلمسان الجزائر، 2009-2010، ص 32 وما يليها.

[3] يقابلها الفصل رقم: 453 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، والفقرات 03 و04 و05 من الفصل 214 للمجلة الجزائية التونسية.

[4] لقد أنتقد هذا التعديل لما يمثله من اعتداء على حق الحياة وكأن بالمشرع يمنح للأم رخصة القتل لا سيما وأن المشرع لم يشترط أي شرط جوهري يتعلق بالجنين مقتصرا على شروط شكلية تتعلق بالمكان والقائم بالإجهاض فقط وبالتالي فإن الإجهاض في هذه الحالة يخضع حصريا لإرادتها ورغبتها الأحادية، أنظر موقع منظمة حقوق المرأة التونسية، http://wrcati.cawtar.org/index.php?a=d&faq=171، تاريخ الزيارة: 08/07/2017، على الساعة 10:50.

[5] وهو ما نص عليه المشرع المغربي من خلال الفصل: 455 جنائي مغربي، والمشرع المصري من خلال المادة: 261 عقوبات مصري.

[6] إيهاب يسري أنور علي، “المسؤولية المدنية والجنائية للطبيب”، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق بجامعة القاهرة، مصر 1994، ص 369.

[7] محمد صبحي نجم، “شرح قانون العقوبات الجزائري (القسم الخاص)”، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الرابعة، بن عكنون الجزائر، 2003، ص 61، عاقب المشرع السوداني على الإجهاض في المواد: 135 و136 و138 من القانون الجنائي السوداني النافذ لسنة 1991، أنظر بابكر الشيخ، “المسؤولية القانونية للطبيب”، دار الحامد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمان الأردن، 2002، ص108 و109.

[8] أحسن بوسقيعة، “الوجيز في القانون الجزائي الخاص”، الجزء الأول الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال، الطبعة الخامسة، دار هومة، الجزائر، 2006، ص 35.

[9] فخري عبد الرزاق صلبي الحديثي، “شرح قانون العقوبات القسم الخاص”، مطبعة الزمان، بغداد العراق، 1996، ص 214.

[10] إذ أن الشرط الوحيد لذلك هو أن يكون هناك جنين ابتدأ تكونه بتلقيح بويضة الأنثى بالحيوان المنوي المذكر ولم يحن بعد أوان وضعه، عبد الواحد العلمي، “شرح القانون الجنائي المغربي القسم الخاص”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء المغرب، 2013، ص 297.

[11] الحمل هو البويضة الملقحة منذ التلقيح الذي بين الذكر والأنثى، والتي يتكون منها الجنين شيئا فشيئا إلى أن تتم الولادة الطبيعية. وهناك رأي راجح في الفقه الفرنسي مؤداه إلى أن جريمة الإجهاض تقوم ولو لم يثبت أن الجنين كان حيا أو قابلا للحياة، محمد صبحي نجم، مرجع سابق، ص 61، كما يعرف بأنه البويضة الملقحة في الفترة من التلقيح إلى الولادة الطبيعية، فإذا خرج الحمل يستوي أن يكون حيا أو ميتا ومن ثم لا يهم إن كان الطفل قد مات قبل عملية الإسقاط أو أنه ولدا حيا وظل على قيد الحياة رغم خروجه من الرحم قبل الأوان، أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الأول الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال، مرجع سابق، ص 36.

[12] على عبد القادر القهوجي، “قانون العقوبات القسم الخاص (جرائم الاعتداء على المصلحة العامة وعلى الإنسان وعلى المال)”، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان، الطبعة الثانية، 2002، ص 376.

[13] الأخضري فتيحة، “المسؤولية الجنائية للطبيب عن الإجهاض المفضي للوفاة”، مجلة الواحات للبحوث والدراسات، المجلد 08 العدد 02، جامعة غرداية الجزائر، سنة 2015، ص 205.

[14] الأخضري فتيحة، مرجع سابق، ص 205.

[15] محمد صبحي نجم، مرجع سابق، ص 61.

[16] ماهر عبد شويش الدرة، “شرح قانون العقوبات القسم الخاص”، جامعة الموصل، العراق، الطبعة الثانية، 1997، ص 217.

[17] وهناك الكثير من الوسائل التي تساعد على الإجهاض، قد تكون وسائل كيميائية كإعطاء الحامل أدوية مطمثة أو أدوية ذات تأثير مباشر على الرحم تحدث تقلصات في عضلات الرحم يكون من شأنها إخراج الجنين، أو إعطائها مادة قاتلة للجنين، هذه الوسائل عادة تكون عن طريق وصفة طبية، أنظر في ذلك: منير رياض حنا، “المسؤولية الجنائية للأطباء والصيادلة”، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية مصر، 1989، ص 152.

[18] إذا كان القانون لم يفصل في نجاعة الوسيلة المستعملة فإن القضاء الفرنسي قد فصل فيها رافضا مرة أخرى الأخذ بنظرية عدم العقاب على الجريمة المستحيلة، وهذا ما نستشفه من خلال القرار المؤرخ في: 09/11/1928، حيث قضت محكمة النقض بقيام الشروع المعاقب عليه عندما يشرع في الإجهاض باستعمال وسائل غير ناجعة أو غير كافية لإحداث النتيجة المرغوبة، وذلك على أساس أن عدم صلاحية الوسائل المستعملة تدخل ضمن الظروف المستقلة عن إرادة الجاني والراجح أن ما توصل إليه القضاء الفرنسي يصلح في الجزائر اعتبارا إلى كون النصوص التي تحكم الإجهاض في القانون الجزائري قد اقتبست في مجموعها من المادة: 317 ق ع الفرنسي قبل إصلاحه في 1992 نقلا عن، أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الأول الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال، مرجع سابق، ص 37.

[19] عبد النبي محمود أبو العينين، “الحماية الجنائية للجنين في ضوء التطورات العلمية الحديثة في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي”، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية مصر، 2006، ص 173.

[20] عبد الفتاح بيومي حجازي، “المسؤولية الطبية بين الفقه والقضاء”، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية مصر، الطبعة الأولى، 2008، ص 83.

[21] يعرف الإجهاض أيضا من الناحية الطبية أنه إفراغ الرحم لحصيلة التلقيح قبل أوان الوضع ويسمى إفراغ الرحم من الجنين خلال الأشهر الثلاثة الأولى إسقاطا وإفراغ الرحم بعد الشهر الثالث وحتى نهاية الشهر السابع إجهاضا، وإفراغ الرحم بعد الشهر السابع وقبل انتهاء دورة الحمل ولادة قبل الأوان، وهذه إما تكون ولادة حية أو ولادة ميتة أي ولادة جنين ميت عمره أكثر من 28 أسبوع، أنظر: وصفي محمد علي، “الطب العدلي علما وتطبيقا”، مطبعة المعارف، بغداد العراق، الطبعة الثانية، 1967، ص 326 وما بعدها.

[22] أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الأول الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال، مرجع سابق، ص 36.

[23] تقول محكمة النقض المصرية في هذه المسألة: “إن الإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، وتتوافر أركان الجريمة ولو ظل الحمل في رحم الحامل بسبب وفاتها، وليس في استعمال القانون لفظ الإسقاط (الإجهاض) ما يفيد إن خروج الحمل من الرحم ركن من أركان الجريمة ذلك انه يستفاد من نصوص القانون إن المشرع افترض بقاء الأم على قيد الحياة ولذلك استخدم لفظ الإسقاط ولكن ذلك لا ينفي قيام الجريمة متى أنهيت حالة الحمل قبل الأوان ولو ظل الحمل في الرحم بسبب وفاة الحامل”، محروس نصار غريب، “الإجهاض بين الإباحة وعدم التجريم”، مجلة التقني، العدد 10، المجلد 24، هيئة التعليم التقني العراق، 2011، ص 111.

[24] عبد النبي محمود أبو العينين، مرجع سابق، ص 174، على عبد القادر القهوجي، مرجع سابق، ص 378.

[25] تجدر الإشارة إلى أن المادة: 239 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لسنة 1994، اشترطت لقيام الجريمة أن يسقط الجنين ميتا متخلقا، في حين نجد المشرع الجزائري لم يشترط ذلك إذ يستوي أن يسقط الجنين حيا ثم يموت أو ينزل الجنين ميتا وفي أي مرحلة كان عليها الحمل منذ تلقيح البويضة إلى غاية مرحلة الولادة، وبذلك يكون المشرع الجزائري قد وفر أكبر قدر ممكن من الحماية الجنائية للجنين، عكس المشرع اليمني الذي لم يعترف بصفة الحمل إلا إذا أصبح متخلقا، لمزيد من التفصيل أنظر: علي حسن الشرفي، “شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني القسم الخاص”، جرائم الاعتداء على الأشخاص، دار المنار للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة مصر، الطبعة الثانية، 1996، ص 237.

[26] محمود نجيب حسني، “شرح قانون العقوبات القسم الخاص”، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، 1988، ص 312.

[27] الشروع في الإجهاض هو أن يبدأ الجاني فعل الإجهاض ولا يتمه لسبب خارج عن إرادته، فلا تقع النتيجة الإجرامية وهي إنهاء حالة الحمل، أو يتم الإجهاض ولا تقع النتيجة لسبب خارج عن إرادته، مثال ذلك أن يتفق طبيب مع أم حامل على إجهاضها مقابل مبلغ معين، وبعد تجهيز المواد التي سيستخدمها تعدل الحامل في آخر لحظة عن الإجهاض، أو قيامه بتحرير وصفة تحتوي على مواد تؤدي إلى الإجهاض لكنها لم تحقق مفعولها لسبب ما أو أن الام ضيعت الوصفة او غيرها من الأسباب التي لا يد للجاني فيها، على عبد القادر القهوجي، مرجع سابق، ص 380.

[28] على أن القانون لم يشترط أن يتوفر عنصر النتيجة لقيام جريمة التحريض على الإجهاض، بل اعتبر التحريض جريمة مستقلة ومعاقب عليها لذاتها، سواء تحققت النتيجة في الواقع أو لم تتحقق ، وسواء تأثرت من وقع عليها التحريض بأساليب المحرض ونفذها ، أو لم تتأثر ولم تنفذ، سعد عبد العزيز، “الجرائم الواقعة على نظام الأسرة”، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، الطبعة الثانية، 2002، ص 51.

[29] على عكس المشرع المصري الذي نص صراحة على أنه لا عقاب على الشروع في الأسقاط وفقا للمادة: 264 من قانون العقوبات المصري، والغاية من ذلك تشجيع العدول الاختياري وفتح باب التراجع لحظة إتمام الجريمة.

[30] لقد استقر القضاء الفرنسي من خلال قرار محكمة النقض الغرفة الجزائية بتاريخ: 08/07/1943، أن هذه القاعدة أي قيام الجريمة ولو كانت المرأة مفترضا حملها عامة وتنطبق حتى على صورة المرأة التي تجهض نفسها، وهنا يمكن الاختلاف مع التشريع المصري الذي يشترط لقيام الجريمة وجود حمل، نقلا عن، أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الأول الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال، مرجع سابق، ص 36.

[31] عبد الفتاح بيومي حجازي، مرجع سابق، ص 83.

[32] منير رياض حنا، المرجع السابق، ص 152.

[33] فريحة حسين، شرح قانون العقوبات الجزائري “جرائم الأشخاص والأموال”، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2006، ص 128.

[34] دلت على ذلك صياغة المادة: 306 من قانون العقوبات الجزائري إذا نصت على أنه: ” الأطباء أو القابلات أو جراحو الأسنان …..، الذين يرشدون عن طرق إحداث الإجهاض أو يسهلونه أو يقومون به تطبق عليهم العقوبات المنصوص عليها في المادتين 304 و305 على حسب الأحوال”، حيث تدل صياغة المادة على علم الجاني (الطبيب) بالفعل واتجاه إرادته إلى تحقق النتيجة.

[35] محمد صبحي نجم، مرجع سابق، ص 62.

[36] وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية في قرار لها بتاريخ: 16/11/2000، جاء فيه: ” اثبات الحكم توقيع الطاعن الكشف الطبي على المجني عليها، وتبينه حملها ثم إجراء عملية تفريغ رحمها، فإن ذلك ما يكفي لبيان تعمده إنهاء الحمل قبل الأوان، وهوما يتحقق به الركن المعنوي في جريمة الإجهاض”، عرفه السيد عبد الوهاب، “الوجيز في مسؤولية الطبيب والصيدلي وطبيب التخدير والمستشفى العام”، دار المطبوعات الجامعية ،الإسكندرية مصر، 2005، ص43.

[37] فإذا كان يجهل بتوافر حالة الحمل، أو كان يعلم أن الحمل لا يمكن أن يستمر، وترتب الإجهاض على فعله، أو على الوسائل التي استخدمها، فلا يسأل عن جريمة الإجهاض لتخلف القصد الجنائي لديه وإن كان من الممكن أن يسأل عن جريمة أخرى، كالضرب والجرح أو إعطاء مواد ضارة، شريطة أن يكون الحمل غير ظاهر، أما إذا كانت الشواهد المرئية تدل على ظهور الحمل، فلا يقبل منه الاحتجاج بجهله، كما لو كانت المرأة في الشهور الأخيرة للحمل، وكانت ضعيفة البنية، فالحمل في هذه الحالة يظهر بوضوح تام، فإنه يسأل في هذه الحالة عن جريمة إجهاض، عبد النبي محمود أبو العينين، مرجع سابق، ص 222.

[38] فإن لم يكن الفعل إراديا من الفاعل، فلا يتوافر القصد الجنائي لديه، وإن كان من الممكن أن يسأل عن جريمة الجرح الخطأ، فيجب أن يكون الجاني قد ارتكب فعله عن إرادة، فلا يعد مرتكب للإجهاض من يقع على امرأة حامل بسبب قوة قاهرة، أو حالة الضرورة فيتسبب في إجهاضها، ويجب أن يثبت أن الجاني قد قصد إحداث الإجهاض، فإذا كانت إرادته لم تنصرف إلى إحداث الإجهاض، فلا يسأل إلا عن الجريمة التي اتجهت إرادته إليها، أسامة عبد الله قايد، “المسؤولية الجنائية للطبيب عن إفشاء سر المهنة”، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، 1987، ص 310، محمد صبحي نجم، مرجع سابق، ص 62.

[39] عبد الفتاح بيومي حجازي، مرجع سابق، ص 84.

[40] عبد النبي محمود أبو العينين، مرجع سابق، ص 223.

[41] عبد النبي محمود أبو العينين، مرجع سابق، ص 224.

[42] عرفته محكمة النقض المصرية بأنه: “نية ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجاني، الذي يتوقع أن يتعدى فعله الغرض المنوي عليه بالذات، إلى غرض لم ينوه من قبل أصلا، فيفضي مع ذلك في تنفيذ الفعل فيصبب به غرض غير المقصود، ومظنة وجود تلك النية هو استواء حصول هذه النتيجة، وعدم حصولها لديه”، عبد النبي محمود أبو العينين، مرجع سابق، ص 227.

[43] أمير فرج، “أحكام المسؤولية عن الجرائم الطبية من الناحية الجنائية والمدنية والتأديبية للأطباء والمستشفيات والمهن المعاونة لهم”، المكتب العربي الحديث، الاسكندرية مصر، 2008، ص 258.

[44] أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الأول الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال، مرجع سابق، ص 37.

[45] في الحادثة التي وقعت للخليفة عمر ابن الخطاب، لمزيد من التفصيل أنظر: عبد القادر عودة، “التشريع الجنائي الإسلامي مقارننا بالقانون الوضعي”، الجزء الرابع من المجلد الأول، دار الشروق، القاهرة مصر، الطبعة الأولى، 2001، ص 627 وما بعدها.

[46] تقابلها الفصول من: 449 إلى 458 لمجموعة القانون الجنائي المغربي، بينما نص المشرع التونسي على هذه الجريمة في فصل وحيد وهو 241 من المجلة الجزائية، كما نص عليها المشرع المصري في المواد من 260 إلى 264 من قانون العقوبات.

[47] يقابلها الفصل 451 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، الذي يحيل بدوره إلى الفصلين 449 و450 من نفس القانون، أما عن العقوبة المقررة فهناك تشابه كبير في العقوبة إلى حد التطابق مع القانون الجزائري مع اختلافات طفيفة.

[48] تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم: 06-23 المؤرخ في: 20/12/2006، رفع قيمة الغرامة المقررة في الجنح بموجب المادة: 467 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، حيث تنص على ما يلي: ” يرفع الحد الأدنى للغرامة إلى 20.001 دج، إذا كان هذا الحد أقل من 20.000 دج، ويرفع الحد الأقصى للغرامات إلى 100.000 دج، إذا كان هذا الحد أقل من 100.000 دج”، وبالتالي تصبح الغرامة تتراوح بين 20.001 إلى 100.000 دج.

[49] نفس العقوبة قررها المشرع المغربي من خلال الفصل رقم: 449 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

[50] يمكن تعريف الاعتياد بأن يعتاد الشخص سواء كان عاديا أو ممن جاء ذكرهم في المادة: 306 عقوبات جزائري، القيام بعملية الإجهاض ولا نقصد به العود، والذي يعني ارتكاب الجريمة من جديد بعد حكم نهائي عن جريمة سابقة، إذ نقصد بالاعتياد أن الجاني يمارس عادة هذه الأفعال بمنأى عن القانون، أحسن بوسقيعة، “الوجيز في القانون الجزائي العام”، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، الطبعة الرابعة، 2006، ص 102.

[51] وهي نفس العقوبة التي قررها المشرع المغربي من خلال الفصل 450 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

[52] أقر المشرع المغربي في هذه الحالة عقوبة السجن المؤقت من 20 إلى 30 سنة من خلال الفصل 450 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

[53] الرأي متفق على أنه إذا كان التشديد وجوبي فإن الجريمة تعد جناية، لأن الظرف المشدد يغير من طبيعتها فتزيد خطرا وجسامة، ولا يملك القاضي في هذه الحالة، إلا أن يوقع على الجاني عقوبة الجناية، إلا أنه يستشف من صياغة المادة: 305 من قانون العقوبات الجزائري التي يقابلها الفصل: 450 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، أن ظرف التشديد لا يغير من وصف الجريمة بحيث لا ينقلها من مصف الجنح إلى مصف الجنايات بدليل استعمال المشرع لمصطلح الحبس بالنسبة للحالة المذكورة في الفقرة الأولى من المادة: 304 والسجن بالنسبة للحالة المذكورة في الفقرة الثانية من نفس المادة السابقة، مع الملاحظة أن النص المغربي أكثر دقة من النص الجزائري في هذه المسألة.

[54] أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الأول الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال، مرجع سابق، ص 40.

[55] تقابلها الفقرة الأخيرة من الفصل 456 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

[56] يعاقب من يخالف أحكام المنع من الإقامة بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات وبغرامة من 25.000 دج إلى 300.000 دج وفقا للمادة: 16 مكرر6 من قانون العقوبات الجزائري.

[57] يقابلها الفصلين: 451 و456 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

[58] هذا وتجدر الإشارة إلى أن حكم المادة: 311 يختلف عن حكم المادة: 306 عقوبات جزائري من عدة نواحي: – الاختلاف الأول: يكمن في أن المادة 306 تقضي بحرمان الجاني من ممارسة مهنته فحسب لأنها تتحدث عن ذوي الصفة كالأطباء،  في حين تقضي المادة: 311 بالمنع من ممارسة أي مهنة، أو أداء أي عمل بأي صفة كانت بأجر أو بغير أجر في العيادات أو دور الولادة أو في أية مؤسسة عمومية أو خاصة تستقبل عادة نساء في حالة حمل حقيقي ظاهر أو مفترض، لأنها تطبق على كل مرتكب لجريمة الإجهاض مهما كانت صفته.

-الاختلاف الثاني: يكمن في أن تطبيق حكم المادة: 311 يكون بقوة القانون وهو إلزامي، في حين أن حكم المادة: 306 جوازي، وهذا يدفعنا للتساؤل عن أي المادتين تطبق على الطبيب الذي قام بالإجهاض، والإجابة هيا باعتماد قاعدة الخاص يقيد العام، حيث أن ذوي الصفة في هذه الجريمة لهم حكم خاص في هذه المسألة وبالتالي فإنه من الأولى أن يطبق وإلا فما الداعي لتخصيصهم بنص خاص.

[59] يقابلها الفصل: 452 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

[60] يلاحظ بأنه قد تم إلغاء المادة: 23 من قانون العقوبات الجزائري التي كانت تحدد مدة المنع من الممارسة في حالة الإدانة بجنحة أو جناية مرتبطة بأداء الوظيفة وتم تعويضها بالمادة: 16 مكرر من خلال القانون رقم: 06-23 المعدل والمتمم لقانون العقوبات، حيث كانت في السابق تدخل ضمن تدابير الأمن أما حاليا فتعتبر عقوبة تكميلية.

[61] والضرورة في مفهومها العام تتحقق بمجرد حلول خطر لا يدفع إلا بمحظور، وهي هذا المفهوم لا تتقيد بمدى الخطر ولا بمصدره، ولا الحق الذي يتهدده، محمد عوض، قانون “العقوبات القسم العام”، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية مصر، 2000، ص 499.

[62] بداوي علي، “الالتزامات المهنية للطبيب في نظر القانون”، عدد تجريبي، مجلة الموسوعة القضائية الجزائرية (موسوعة الفكر القانوني)، دار الهلال للخدمات الإعلامية، الجزائر، بدون سنة النشر، ص 53.

[63] يقابلها الفصل 453 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، والفصل 214 من المجلة الجزائية التونسية، بينما لا يوجد نص خاص في قانون العقوبات المصري لذلك يتم الرجوع للقواعد العامة التي تتحدث عن أسباب الإباحة وموانع العقاب من خلال المادة: 61 من نفس القانون.

[64] يقابلها الفصل: 40 من مجلة واجبات الطبيب التونسية، كما تنص المادة: 29 من لائحة أداب المهنة الطبية في مصر الصادرة بموجب قرار وزير الصحة رقم: 238 لسنة 2003، بتاريخ 5 سبتمبر 2003، “لا يجوز للطبيب إجراء عملية الإجهاض إلا لدواعي طبية تهدد صحة الأم ويكون ذلك بشهادة كتابية من طبيبين متخصصين، وفى الحالات العاجلة التي تتم فيها العملية لدواعي إنقاذ الحياة يجب على الطبيب المعالج تحرير تقرير مفصل عن الحالة يرفق بتذكرة العلاج”.

[65] نجد أن مشروع قانون الصحة الجديد في الجزائر جاء بعدة مواد في هذا المجال من بينها الفقرة الأخيرة من المادة: 81 منه والتي نصت على انه إذا كانت حياة الأم في خطر يمكن اتخاذ قرار إيقاف الحمل، كما أن المادة: 82 من المشروع جاءت مطابقة للمادة: 72 من قانون الصحة الحالي، ونجد أيض أن المادة: 83 من المشروع قررت أن الإجهاض العلاجي لا يتم إلا في المؤسسات العمومية وهو إجراء وقائي من أجل منع التلاعب في هذا المجال، لهذا قرر المشرع ومن خلال المادة: 431 من نفس النص عقاب كل من يقوم بالإجهاض العلاجي خارج المؤسسات العمومية بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وبغرامة من 200.000 دج إلى 400.000 دج، أما إذا كان الإجهاض غير علاجي فيتم تطبيق المادة: 304 من قانون العقوبات وفقا لنص المادة: 430 من نفس المشروع.

[66] وقد كان الفصل 453 جنائي مغربي قبل تعديله سنة 1967 مطابقا لنص المادة: 308 عقوبات جزائري، بحيث أضفى النص الجديد نوع من المرونة قد تؤدي إلى إباحة الإجهاض في أغلب حالات الحمل غير المرغوب فيه خصوصا إذا تصادفت هذه الرغبة مع انعدام الضمير المهني الحي لدى الطبيب لأن عبارة “ضرورة المحافظة على صحة الأم” في هذا الفصل هي عبارة عامة تسمح بإدخال كل حالة حمل غير مرغوب فيه ضمنها بسبب غياب التحديد الدقيق للمبررات المبيحة للإجهاض المسموح به، عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 295.

[67] منذ سنة 1913 اقتضى الفصل 214 من المجلة الجزائية عقوبات لكل من الأم التي تعمد إلى إسقاط حملها وكذلك كل من يساعدها على ذلك ويقع التشديد في العقوبة في شأن الغير إلى عشرة أعوام إذا ما كان طبيا أو جراحا، وعند التعديل الصادر بتاريخ 01/07/1965 فقد تم التقليص في العقوبة من خمس سنوات إلى عامين فقط، كما شمل نفس التعديل استثناء على تجريم الإجهاض وذلك لما يقع القيام به خلال ثلاثة أشهر الأولى من الحمل وعندما يكون للزوجين على الأقل خمسة أبناء على قيد الحياة” وفي هذه الحالة يجب إجراء عملية الإجهاض في مستشفيات عمومية أو مصحات مرخص لها وبواسطة أطباء مختصين و مخولين قانونا بعدها جاء تعديل 26/09/1973 الساري المفعول.

[68] أنتقد هذا التعديل للفصل 214 لما يمثله من اعتداء على حق الحياة و كأن بالمشرع يمنح للأم رخصة القتل لا سيما و أن المشرع لم يشترط أي شرط جوهري يتعلق بالجنين مقتصرا على شروط شكلية تتعلق بالمكان و القائم بالإجهاض فقط و بالتالي فإن الإجهاض في هذه الحالة يخضع حصريا لإرادتها ورغبتها الأحادية، مقال بعنونا: “الإجهاض في القانون التونسي”، عنوان الموقع: http://www.omanlegal.net/vb/showthread.php?t=6600، تاريخ الزيارة: 09/07/2017، على الساعة: 12:30.

[69] لهذا يرى جانب من الفقه أن السلطة التي منحت للطبيب المعالج تعد دقيقة بيد أنه لا وجود لمعايير محددة ومضبوطة سلفا علميا أو فنيا قد تقيدها بل بمراجعة الفصل 214 نجده وسع في مجال الخطر ليشمل الحالة البدنية وكذلك العصبية النفسية وهي عبارات غير دقيقة وتطرح عدة تأويلات مختلفة ولربما متناقضة تصعب من مهمة قضاة الموضوع في تقدير مسالة مدى وجود الخطر المحدق، ذلك أن الحالة النفسية للأم التي عادة ما تشعر به من أسى وحزن تخضع حتما إلى اعتبارات ذاتية وغير موضوعية وهو ما جعل بعض رجال القانون يعتقدون أن هذه الحالة تعبر عن أنانية الأم، حيث أن حالة الضرورة كسبب من أسباب التبرير أو الإباحة لا تستقيم في وضعية الإجهاض لأسباب صحية لعدم وجود توافق أو تناسب بين الضرر الواقع تجنبه والوسيلة المتبعة إذ لا يتخيل أن التضحية بحياة الجنين في مستوى دفع ضرر معنوي أو نفسي للأم، مقال من الأنترنت بعنونا: “الإجهاض في القانون التونسي”، عنوان الموقع: http://www.omanlegal.net/vb/showthread.php?t=6600، تاريخ الزيارة: 09/07/2017، على الساعة: 12:30.

[70] مقال من الانترنت بعنونا: “الإجهاض في القانون التونسي”، عنوان الموقع: http://www.omanlegal.net/vb/showthread.php?t=6600، تاريخ الزيارة: 09/07/2017، على الساعة: 12:30.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *