إشكالية تأسيس الجمعيات بالمغرب”بين التصريح  والترخيص”

إشكالية تأسيس الجمعيات بالمغرب”بين التصريح  والترخيص”

The problem of Establishing Associations in Morocco:

A Declarative Regime or Prior Authorization

عادل عيدون

باحث في القانون العام والعلوم السياسية

طالب بسلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

ملخص:

إن حرية تأسيس الجمعيات بالمغرب تتمظهر من خلال الميكانيزمات القانونية، بين تحقيق المكتسبات وبين انتكاساتها أو تراجعها، وهو ما تأكد من خلال الممارسة، فرغم توفر المغرب على إطار قانوني وتنظيمي متقدم في هذا المجال، يسجل على مستوى الممارسة عدم تفعيل هاته النصوص التنظيمية وإصرار السلطات المعنية على تجاوز الاختصاصات الموكولة لها في هذا المجال. وهذا ما تم تسجيله من طرف العديد من المنظمات الدولية والوطنية، التي ما فتئت تسجل في تقاريرها تطاول الإدارة على اختصاص السلطة القضائية المتمثلة في تقدير أحقية الجمعيات في التأسيس من دونه، وهو ما تتصدى له المحاكم المختص بمختلف مستوياتها بشكل مستمر، إذ تواترت الأحكام المتعلقة بإلغاء قرارت السلطة الإدارية الرامية إلى الحد من حرية تأسيس الجمعيات.

الكلمات المفتاحية: الجمعيات – حرية تأسيس الجمعيات.

Summary:

The freedom of establishing associations in Morocco is manifested through a set of statutory mechanisms and through accomplishments achieved and setbacks suffered in practice. Although the Moroccan authorities are offering a progressive legal and Regulatory framework for the establishment of associations,  its application has not come into effect as authorities insist on misusing and exceeding their functions as prescribed by law. These violations of the right to establish associations have been reported by several national and international organizations which constantly publish, in their reports, the encroachments  of the administrative authorities upon the role of the judicial authorities when deciding on the eligibility of establishing associations, which is an exclusive judicial function. The Moroccan courts responded to such administrative maneuvers by recurrent revocation of the arbitrary rulings, issued by administrative authorities, meant to restrict the freedom of establishing associations.

key words: Associations – Freedom of association

مقدمــــــة:

إن الحديث عن حرية ممارسة حق من حقوق الإنسان، يقتضي بالضرورة استحضار المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لكونها تعد مرجعية أساسية لممارسة جميع الحقوق، منها تشكيل وتأسيس الجمعيات. حيث أكدت كافة المواثيق، والإعلانات، والاتفاقيات الدولية، وكذا الإقليمية المعنية بحقوق الإنسان على حماية هذه الحقوق، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[1]، الذي يشير في المادة 22 منه لمقتضيات مهمة بخصوص حماية الحق في تكوين الجمعيات والنقابات، جاءت على النحو التالي:

1- لكل فرد الحق في حرية تكوين جمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالح.

2- لا يجوز تقييد هذا الحق إلا بنص القانون، أو بما يشكل تدبيرا ضروريا في المجتمع الديمقراطي؛ لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق وحريات الآخرين. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود على ممارسة هذا الحق.

 وقد تبنت مجموعة من الدول مبادئ وأسس الحق في تأسيس الجمعيات، والاعتراف لها بإمكانية ممارسة أنشطتها، باعتبارها حق من حقوق الإنسان، وتم تضمينها في قوانينها الوطنية، ومنها المغرب (المحور الاول). والذي رغم مصادقته على العديد من هذه المواثيق، وتبنيه المبكر لقانون تأسيس الجمعيات المتمثل في ظهير 1958، والذي جاء منسجما مع المواثيق السابقة الذكر، في مجال حرية تأسيس الجمعيات، باختياره نظام التصريح بدل الترخيص المسبق، فإن الممارسة تنقض ذلك، حيث تسجل العديد من التجاوزات من طرف الأجهزة المكلفة بتلقي تصاريح تأسيس الجمعيات، وعلى رأسها حرمان الجمعيات من وصل الإيداع المؤقت والنهائي، وهذا ما سجلته العديد من المنظمات الدولية والوطنية (المحور الأول). هذه القرارات الموسومة بتجاوز السلطة، تصدى لها القضاء المغربي بشكل دائم، حيث دأبت المحاكم المختصة بإلغاء هذه القرارات في العديد من أحكامها (المحور الثاني).

المحور الأول: تأسيس الجمعيات بالمغرب من خلال الممارسة العملية:

كان للمرجعيات الاستنادية لحرية تأسيس الجمعيات، الدور البارز في تبني المغرب لمبدأ حرية تأسيس الجمعيات، فالفصل الثاني من ظهير 15 نونبر 1958 أقر بمبدأ حرية تأسيس الجمعيات بصورة مطلقة، إذ نص على أنه: “يجوز تأسيس جمعيات الأشخاص بكل حرية، وبغير إذن، ولا تصريح، باستثناء ما ينص عليه الفصل الخامس”.

يتضح من قراءة هذا النص، أنه كان يكفي لتأسيس جمعية ما أن يتفق شخصان أو أكثر على ذلك، وأن يعبروا عن اتفاقهم بصورة قانونية[2]، وبمجرد ما يتم الاتفاق يصبح للجمعية وجود مشروع دون حاجة إلى الحصول على إذن مسبق من السلطات الإدارية ولا تقديم تصريح بشأنها؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأمر متعلق بالجمعيات الفعلية التي حذفتها الفقرة الأخيرة من نفس الفصل، بعد تعديل سنة 1973 واشترطت التصريح السابق[3].

يستنتج مما سبق أن ظهير 1985 جعل من التصريح شرطا للحصول على الشخصية المعنوية أو الاعتبارية[4]، في حين سمح لجمعيات الأشخاص أو الجمعيات الفعلية أن تتأسس دون سابق تصريح، أما ظهير 1973 فقد ذهب أبعد من ذلك، حيث أصبح يحيل على الفصل الخامس منه، وهذا يعني أن إجراء الإدلاء بالتصريح أصبح إلزاميا.

 وينص الفصل الخامس على وجوب “أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن بها مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي، يسلم عنه وصلا مؤقتا مختوما ومؤرخا في الحال، وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور، وكذا نسخا من الوثائق المرفقة المشار إليها في الفقرة الثالثة بعده، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء”.

وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة اللاحقة يسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل ستين (60) يوما، وفي حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة قانونا”[5].

يستشف من خلال النصين القانونيين السابقي الذكر، أن المشرع المغربي اعتمد في نظام تأسيس الجمعيات على نظام التصريح، وهو يعتبر نظاما محمودا، بخلاف نظام الترخيص الذي يعتبر نظاما تسلطيا لا يتلاءم وطبيعة الحق في حرية تأسيس الجمعيات[6].

فمسألة التصريح وإيداع وثائق تأسيس الجمعية المحدثة، من اللازم أن يكون محل تسليم وصل مؤقت بمجرد إيداع ملف التأسيس لدى السلطة الإدارية المحلية. ويكون عليها، داخل أجل ستين (60) يوما، أن تسلم للجمعية المحدثة وصلا نهائيا، وإلا حق لهذه الأخيرة أن تمارس نشاطها وفق أهدافها المسطرة بشكل قانوني. ويمكن لمؤسسي هذه الجمعية أن يقوموا بتسليم وثائق التصريح إما مباشرة، أو بواسطة عون قضائي، حتى تكون هناك وسيلة إثبات قانونية في حالة رفض السلطات تسليم الوصل، وبالتالي يمكن للمتضررين اللجوء إلى القضاء.

وهناك تعديل مهم في هذا الصدد حيث لم يعد من الواجب إيداع ملف تأسيس الجمعية لدى جهتين: جهة النيابة العامة، وجهة السلطة المحلية، وأصبح بالتالي الإيداع لدى جهة واحدة فقط وهي جهة السلطة العمومية[7]. ويبقى هنا دور النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية الكائن بها مقر الجمعية المحدثة استشاريا، وهو ما ينص عليه الفصل الخامس من قانون الجمعيات في جزء من فقرته الأولى. وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به المشار إليها في الفقرة الثالثة بعده، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء. وبناء على هذا المقتضى كثيرا ما يلاحظ أن النيابة العامة في مراسلاتها الجوابية الموجهة للسلطات الإدارية المحلية، فإنها تستعمل العبارة التالية: “لا نرى مانعا مع مراعاة مقتضيات الفصل الخامس من قانون تأسيس الجمعيات”، وذلك لضمان شرعية تأسيس الجمعية المحدثة، وتظل هذه الشرعية “ناقصة” في نظر العديد من الفعاليات الجمعوية، التي كانت تود أن يكون للجهاز القضائي دور يتجاوز الصفة الاستشارية إلى الصفة التقريرية، إلى درجة مطالبتها بتقديم تصريح التأسيس إلى الجهاز القضائي وأمام النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية، بمقر الدائرة القضائية التي توجد فيها الجمعية ويسلم وصلا بدلا من السلطة الإدارية، لما عهد على الأخيرة من تعسف عند تسليم وصل الإيداع[8].

 إن الالتزام بالتصريح أصبح يحمل مع ظهير 1973 مدلولا جديدا، يتمثل في إعطاء الإدارة الوسيلة الناجعة لمراقبة عملية تأسيس الجمعيات مراقبة قبلية[9]. فرغم أن غياب التصريح كان يسمح للجمعيات أن تؤسس بمنأى عن إشعار الإدارة، لكن ذلك بالمقابل يجرد الجمعية من الشخصية الاعتبارية ويحرمها من الامتلاك، والتعاقد باسمها، والترافع أمام المحاكم[10].

فلم يكن القانون يسمح للجمعيات الفعلية بإبرام العقود رغم أنه لم يمنعها من ذلك عن طريق ممثلها القانوني الموكل له من طرف جميع الأعضاء، كما أن القانون حرمها من الامتلاك، وحتى عائدات واجبات الانخراط لم تكن ملكا خاصا للجمعية، بل ملكا مشتركا للأعضاء. إلا أن أكبر مشكل يطرحه غياب الشخصية المعنوية للجمعية غير المصرح بها، يرتبط بالدعوى التي يقيمها الأغيار المتضررون من العقود التي تبرمها عن طريق ممثليها؛ فلأجل مقاضاتها أمام المحاكم، يتعين توجيه الاستدعاء بالحضور لكل عضو من أعضاء الجمعية على حدة، وهي عملية منطقية وسليمة قانونيا، لكنها إجرائيا قد تجعل الغير يتقاعس عن القيام بها مما يمنح الجمعية إمكانية الانفلات من المقاضاة، كما لا يصوغ لها أن تترافع أمام المحاكم[11].

فيتم التواجد الفعلي عادة بعد وضع التصريح، وإيداع الملف القانوني لدى السلطات المحلية، وبمجرد حصول الجمعية على وصل الإيداع المؤقت تصبح موجودة قانونيا، وعلى ضوء هذا الاعتراف القانوني يمكن للجمعية مزاولة بعض الأنشطة الداخلية كتنظيم العمل الداخلي، وتحضير الوثائق التنظيمية. فالقانون أقر بحصول الجمعيات على الوصل النهائي وجوبا في أجل أقصاه شهرين، وفي حالة مرور هذا الأجل دون الحصول على هذا الوصل تعتبر الجمعية موجودة قانونيا أي كاملة الشخصية الاعتبارية والقانونية، وبالتالي إمكانية قيامها بمزاولة أنشطتها بكامل الحرية.

وتجدر الإشارة إلى أن وصل الإيداع هو إعلان عن الوجود القانوني للجمعية (شهادة ميلاد) وليس ترخيصا للعمل، فالقانون لم يحسم في أي فصل من فصوله، في منع الجمعية التي لم تحصل على وصل الإيداع من العمل، ويعتبر أي ادعاء من هذا القبيل تجاوز في استعمال السلطة.

وعموما يمكن لكل جمعية مصرح بها قانونيا وفق الفصل 6 من قانون تأسيس الجمعيات[12]، أن تترافع أمام المحاكم وأن تقتني بعوض، وأن تتملك وتتصرف في الإعانات العمومية، وواجبات انخراط أعضائها، وإعانات القطاع الخاص، والمساعدات التي يمكن أن تتلقاها الجمعية من جهات أجنبية أو منظمات دولية، والمقرات والأدوات المخصصة لتسييرها، وأن تعقد اجتماعات بين أعضائها، وتتملك الممتلكات الضرورية لممارسة وإنجاز أهدافها. فالجمعية من خلال التصريح بالتأسيس وايداع ملفها لدى السلطات تتمكن من الحصول على الشرعية القانونية.

     إلا أن هذا المعطى ليس خاليا من العقبات التي يمكن أن تقف حاجزا أمام هذه الشرعية، وهو ما سنتناوله من خلال تحليل إشكالية تمكين الجمعيات من وصل الإيداع المؤقت أو النهائي، من طرف السلطة المحلية المعنية بذلك.

    المحور الثاني: تأسيس الجمعيات بالمغرب من خلال تقارير المنظمات الدولية والوطنية:

علاقة بالعراقيل والصعوبات ذات الصلة الإدارية والمالية التي تقف حجر عثرة في وجه الجمعيات، مافتئت العديد من المنظمات الدولية والوطنية الإشارة في تقاريرها إلى هاته الكوابح الميدانية المعرقلة لمسار تأسيس الجمعيات، مما يترتب عليه انعدام الأمن القانوني الناجم عن هاته الممارسات[13].

ففيما يتعلق بحرية تأسيس الجمعيات، في علاقته بالحقوق الثقافية، أبلغت الخبيرة المستقلة في مجال الحقوق الثقافية، فريدة شهيد، أثناء مهمتها بالمغرب خلال الفترة 16-15 شتنبر 2011، أن بعض المنظمات الحكومية تواجه صعوبات في التصريح بالتأسيس لأسباب مختلفة. وفي هذا الصدد، أشارت في التقرير الذي أعدته عن مهمتها، إلى “أن هذه الممارسات تقيد الحق في حرية تكوين الجمعيات، وطلب تمويل من الحكومة أو أي شكل آخر من التبرعات وتلقيه واستخدامه لأغراض تعزيز وحماية حقوق الإنسان. وبذلك، يحرم أفراد وجماعات من ممارسة حقهم في المشاركة في الحياة الثقافية ممارسة كاملة ومن المساهمة في تطوير أشكال التعبير الثقافي في المغرب”[14].

كما أن منظمة هيومن رايتس ووتش، اعتبرت أن قانون تأسيس الجمعيات بالمغرب، يتضمن أحكاما متقدمة، ولكن في الممارسة، ترفض السلطات في بعض الأحيان تطبيقها. ولا سيما أن القانون أنشأ “نظاما تصريحيا” للجمعيات، وهذا يعني أن الجمعيات تحتاج فقط إلى أن تصرح للسلطات بإنشائها، ولكن لا تحتاج إلى الحصول على إذن مسبق لتكون قانونية. كما تنص تعديلات 2002 على أنه بمجرد “التصريح” قانونا بجمعية، فإن المحاكم وحدها تملك سلطة حلها. وهذه الأحكام مناسبة لممارسة الحق في تكوين الجمعيات. غير أن ممارسة السلطات لا تزال بعيدة عن الدور المنوط بها في نص القانون، فالإدارة المسؤولة عن التعامل مع التصاريح التي أودعتها الجمعيات تتجاهل وتفسد الإجراءات المنصوص عليها قانونا، بصورة روتينية[15]. والمناورة الأكثر شيوعا التي تمس ما ينص عليه القانون، هي رفض السلطات المحلية إصدار وصل الإيداع المؤقت للمستندات التي يجب على الجمعيات تقديمها كجزء من عملية التصريح، والمعتاد تقريبا هو رفض السلطات المحلية قبول وثائق التصريح رفضا باتا[16].

كما أن النموذج الأكثر شيوعا للعرقلة الإدارية لعملية التصريح، يحدث عندما ترفض السلطات الإدارية المحلية، تلقي وثائق تأسيس الجمعية، أو قبول هذه الوثائق، لكنها ترفض تسليم وصل الإيداع المؤقت الذي يؤكد مكان وتاريخ تقديمها. دون وصل مؤرخ، لا يمكن لأية جمعية أن تتثبت أنها قدمت وثائق تأسيسها وفقا للقانون. وبالتالي لا يمكنها الاعتماد على انقضاء 60 بعد تقديمها، حيث وفي غياب قرار ضد التصريح بها، ينبغي أن تصبح حرة في العمل[17].

وفي هذا السياق نشير إلى أن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في تقرير له حول حرية تكوين الجمعيات في المغرب، أشار إلى أنه خلال الأعوام الثلاث الماضية السابقة لسنة 2018، واجهت بعض جمعيات حقوق الإنسان المغربية صعوبات ملحوظة حالت دون تمتعها بحقها الدستوري في حرية تكوين الجمعيات[18]، فرغم أن القانون يسمح بتمكين المجتمع المدني، إلا أنه يتضمن بعض المواد والأحكام التي يجب تعديلها لتتوافق مع الدستور الجديد والمعايير الدولية، كما أنه يحتوي على بعض الثغرات والمداخل التي تتيح للسلطة الإدارية عرقلة وتعطيل أنشطة الجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان، كما تعوق ممارستها للدور المنوط بها[19].

وإلى جانب العوائق التشريعية والمواد القانونية الفضفاضة وغير المنضبطة، فإن بعض ممارسات الدولة المغربية ممثلة في الأجهزة الأمنية والإدارية- تشكل في بعض الحالات، عائقا أمام تمتع المنظمات غير الحكومية –الوطنية والدولية- بالحق في حرية تكوين الجمعيات[20].

 وهذا ما أكده، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأي استشاري حول وضعية ودينامية الحياة الجمعوية بالمغرب، حيث أقر أنه رغم “الطبيعة التصريحية للنظام المغربي المتعلق بتأسيس الجمعيات، غير أن حرية تكوين الجمعيات تصطدم في الواقع بعدد من الممارسات الإدارية التي لا تلتزم بتطبيق المقتضيات القانونية في بعض الأحيان. ذلك أن تأسيس أو تعديل قانون جمعية ما يمكن أن يواجه عددا من التقييدات: عدم التسليم الفوري للوصل المؤقت (كما ينص على ذلك القانون)، رفض تسليم الوصل النهائي، طلب وثائق إضافية، بما في ذلك شهادة السوابق العدلية للأعضاء المؤسسين، رغم إلغاء ذلك سنة 2009، رفض تسليم الوصل النهائي….”[21].

وهو كذلك ما سارت عليه اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، في مقدمة مشروع قانون الجمعيات، حيث أقرت بوجود العديد من “الثغرات والعقبات المرتبطة أساسا بالبيئة التشريعية والسياسية والتنظيمية غير الكافية في كثير من جوانبها لحرية عمل الجمعيات، ووجود العديد من الممارسات التي تعرقل تكوين الجمعيات واستمرار القيود المفروضة على حرية الجمعيات واستقلالها”[22].

كما أن دراسة أنجزتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملال-خريبكة[23]، أماطت اللثام عن العديد من تجاوزات السلطة للمقتضيات القانونية والتنظيمية التي تنظم الحق في تأسيس الجمعيات، حيث كشفت الدراسة أن %43,97[24] من الحالات ألزمت السلطات الإدارية المحلية الجمعيات بضرورة الإدلاء بوثائق لا تنص عليها المادة 5 المتعلقة بمسطرة التصريح بالجمعيات. إذ لا تزال السلطة الإدارية المحلية تطالب الأعضاء المؤسسين بالإدلاء بنسخ من بطائق سجلهم العدلي، في حين أن هذا المستند لم يعد مطلوبا من المتقدمين بالتصريح منذ تعديل المادة 5 بالقانون 07.09 بتاريخ 19 فبراير 2009. وفي نفس السياق، كثيرا ما طلبت السلطات من الأعضاء إرفاق التصريح بتأسيس الجمعية بمستندات غير منصوص عليها في المادة 5، مثل شهادة حسن السيرة أو النظام الداخلي للجمعية.

كما سلطت الدراسة الضوء أيضا على ممارسة أخرى تتمثل في تأخر تسليم الوصل المؤقت إلى حين إجراء الأبحاث المنصوص عليها في المادة 5، في حين أن القانون المتعلق بتنظيم حق تأسيس الجمعيات لم يقرن العملية الأولى بالثانية، فبموجب المادة 5 يجب تسليم الوصل المؤقت مختوما ومؤرخا في الحال، بينما يظل البحث خيارا يمكن أن تلجأ له السلطات العمومية التي تتلقى التصريح بتأسيس الجمعية.

وغالبا ما يترتب عن هذه الممارسة تأخر كبير في تسليم الوصولات المؤقتة تصل إلى سنة كاملة، كما يبينه الجدول التالي[25]:

المدة بالأياميوم واحد إلى أسبوع8 أيام إلى شهرمن شهر إلى شهرينأكثر من شهريندون جواب
عدد الجمعيات6444141327

وأظهر تحليل نتائج الدراسة، أيضا جوانب سلبية في ممارسات أخرى تخالف مسطرة التصريح بتأسيس الجمعيات. ذلك أن السلطات العمومية المختصة تطالب بتوفير عدد من نسخ الوثائق يتجاوز العدد المحدد في المادة 5، أي ثلاث نسخ. وأكدت الدراسة أن احترام العدد القانوني من النسخ لا يتجاوز 4% من مجموع الحالات التي تمت دراستها[26].

وخلصت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة بني ملال خريبكة، إلى استمرار المقاربة الأمنية في التعاطي مع الجمعيات، وتسجيل تعقيد مسطرة تأسيس الجمعيات وممارسة أنشطتها سواء من حيث الوثائق أو الآجال أو المساطير، ورفض السلطات المحلية تسليم الوصل سواء المؤقت أو النهائي في الآجال القانونية، إضافة إلى عدم قدرتها على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لأصاحبها في مواجهة الإدارة[27].

    أما المرصد المغربي للحريات العامة، فقد أشار في بيان له حول نتائج رصده وتتبعه لأوضاع الحقوق والحريات العامة بالمغرب إلى هاته التجاوزات، حيث سجل: “حرمان العديد من الجمعيات من وصولات الإيداع أو رفض تسلم ملفاتها القانونية سواء تعلق الأمر بالتجديد أو التأسيس، مما يشكل انتهاكا سافرا من طرف الدولة للقانون المنظم للجمعيات”[28]. كما سجل أيضا “إثقال كاهل الجمعيات بعدد النسخ المكونة للملف القانوني ضدا على ما ينص عليه القانون، ويختلف هذا من دائرة جغرافية لأخرى”[29].

ونستشهد هنا بفقرة من مذكرة مرفوعة لرئيس الحكومة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول حرية تأسيس الجمعيات بالمغرب، التي لخصت واقع عمل الجمعيات بالمغرب: “… أنه رغم التقدم القانوني والتنظيمي، لا زالت تعترض النسيج الجمعوي المغربي صعوبات قانونية وممارسات إدارية يمكن أن ينجم عنها في الكثير من الأحيان حالات الشطط في استعمال السلطة. فإذا جاز لنا اعتبار الإطار القانوني الذي ينظم الجمعيات ليبراليا في مجمله، (باستثناء “القوس السلطوي” الذي كرسته التعديلات المدخلة في 10 أبريل 1973)، غير أن هذا الإطار أضحى يستجيب بشكل أقل للتحديات التي تعترض الجمعيات في الوقت الراهن، وكذا للتحولات التي تعرفها الحركة الجمعوية والدور المكرس دستوريا للجمعيات، وكذا حاجيات وتطلعات المجتمع”[30].

   المحور الثالث: تأسيس الجمعيات بالمغرب من خلال العمل القضائي:

    بقراءة متأنية ومتمعنة لمضامين الفصلين 2 و5 من ظهير 1958 سابقي الذكر، تتكشف رغبة المشرع في تبني نظام تصريحي، يغل يد الإدارة ويقيد سلطتها، إذ البت في الطلب لا يرتهن لسلطة تقديرية، دأبت الإدارة على ممارستها[31].

فالمشرع ألزم الجهة الإدارية بضرورة تلقي ملفات التصريح بالجمعيات مع إجبارية تمكين المصرحين من الوصل المؤقت، وبالتالي نحن بصدد سلطة إدارية مقيدة لا مجال فيها للاختيار أو التقدير. وهذا التفسير لمقتضيات الفصل 5 هو ما خلصت إليه محكمة الاستئناف الإدارية في قرار لها بقولها: “وحيث إن القضاء المغربي، باعتباره ضمانة لحماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم طبقا لما تنص عليه مقتضيات الفصل 117 من الدستور، متواتر على أن تأسيس الجمعيات لا يتوقف على الإذن المسبق من الإدارة، ويمارس بكل حرية مع مراعاة مقتضيات الفصل 5 من نفس الظهير المشار إليه سابقا، وهي المقتضيات التي حددت اختصاصات السلطة الإدارية المحلية في تلقي الملف التأسيسي وتسليم وصل مؤقت عن ذلك بشكل فوري، مما حاصله أن سلطتها بشأن الوصل المؤقت هي سلطة مقيدة لا تملك بشأنها إجراء أي تقدير لمضمون الملف  ولا لإجراءات التأسيس، وأنه مقابل ذلك الاختصاص المقيد، فإنها تملك تقدير السلامة الشكلية للملف التأسيسي وتعليق تسليم الوصل النهائي على تحققها من سلامته ما لم تتجاوز الأجل المحدد في الفقرة الثانية من الفصل 5 المذكور سابقا”[32].

ومن السوابق القضائية بخصوص حرية تأسيس الجمعيات نذكر موقف المحكمة الإدارية بأكادير التي اعتبرت أن “دور السلطة المحلية بشأن تأسيس الجمعيات يقتصر على تسليم وصل الإيداع المنصوص عليه في الفصل الخامس من ظهير 15-11-1958 بشأن تنظيم حق تأسيس الجمعيات كما تم تتميمه وتعديله، ولا يحق لها أن ترفض تسليمه لأي سبب لأن القضاء وحده هو الجهة المخولة له مراقبة قانونيتها طبقا للفصل السابع من نفس الظهير. وحيث إن قرار الطعن برفضه إيداع الملف التأسيسي للجمعية يكون متسما بالتجاوز في استعمال السلطة لمخالفته للقانون (ظهير تأسيس الجمعيات) مما يعرضه للإلغاء”[33].

ووقفت ذات المحكمة عند المغزى العميق من إيداع التصريح بتأسيس الجمعية لدى السلطة الإدارية المحلية ونطاق سلطة رجل الإدارة في هذا الصدد: “وحيث إن الهدف من إيداع التصريح المذكور لدى السلطات المحلية مرفقا بالوثائق المنصوص عليها في المادة 5 من القانون أعلاه هو إخبار السلطة والأغيار بتأسيس، أو تجديد أجهزة الجمعية وهياكلها أو أنظمتها الأساسية دون أن يكون للسلطات المحلية الحق في مراقبة مشروعية هذا التأسيس أو تلك التجديدات، لأن القانون المغربي أخضع تأسيس الجمعيات لنظام التصريح، وليس لنظام الترخيص حسب نفس المادة. وحيث إن مؤدى ذلك هو أن السلطة المحلية ملزمة قانونا عند تلقي كل تصريح بالتأسيس أو التعديل في القوانين الأساسية بأن تسلم الوصل المؤقت للجمعيات المؤسسة في إطار قانون الحريات العامة وذلك انسجاما مع روح ظهير 1958-11-15 الذي يسمح بتأسيس الجمعيات دون الحاجة إلى إذن مسبق بذلك من السلطات المحلية”[34]. وعليه، يعتبر امتناع السلطة المحلية ممثلة في شخص الباشا، في نازلة الحالة، عن تسلم التصريح بالتأسيس قرارا إداريا ضمنيا بالرفض مخالفا للقانون ومتسما بتجاوز السلطة مما يتعين معه التصريح بإلغائه.

هذا الطرح هو ما استقر عليها الاجتهاد القضائي منذ مدة، ونشير هنا إلى حكم آخر:

“وحيث إن رفض باشا مدينة سيدي قاسم تسلم ملف الجمعية وتسليم الوصل المؤقت، حسب الثابت من محضر مأمور إجراءات التنفيذ في الملف التنفيذي عدد 709-11-1 لعدم موافقة مصالح العمالة، رغم توافر الملف على سائر الوثائق المتطلبة قانونا، يشكل مخالفة دستورية لحرية تأسيس الجمعيات، ولنظام التصريحي –وليس الترخيصي- الذي تقوم عليه، والذي لا يمنح للإدارة أي صلاحية تقديرية بشأن التصريح، مما يجعل القرار الإداري المطعون فيه يشكل اعتداء على صلاحية السلطة القضائية، باعتبارها الجهة الوحيدة المخول لها دستوريا توقيف الجمعية أو حلها. وحيث إن صيرورة القرار الإداري المطعون فيه منعدما، بشكل يجرده من المشروعية، ومن أي شكلية إجرائية للطعن، يجعله مشوبا بعيبي مخالفة القانون وعدم الاختصاص وحليفه الإلغاء”[35].

يستشف من الأحكام القضائية السابقة الذكر أن تسليم الوصل المؤقت لمسؤولي الجمعية مقابل وضع الملف واجب على الإدارة، وكل امتناع لا يستند على مبرر واقعي أو قانوني، يعد تطاولا على حق مضمون بمقتضى نصوص قانونية كثيرة على رأسها الفصل 5 من ظهير 15 نونبر 1958 السابق الذكر، وهو ما تم التأكيد عليه في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير: “وحيث إن تسليم الوصل مقابل إيداع التصريح إجراء ملزم للإدارة، مادامت واقعة التصريح كما تنص عليها الفقرة الأولى من الفصل 5 من القانون المذكور أعلاه ثابتة، وسلطة الإدارة في هذا المجال سلطة مقيدة لا تملك إزاءها أي صلاحية تقديرية، ذلك أن تسليم الوصل المذكور لا يعدو أن يكون إشهادا بحصول عملية إيداع التصريح، وهو إشهاد لا تملك الإدارة أن تحجزه عن الجمعيات دون أن تكون بذلك قد أخلت بالالتزام القانوني المنوط بها بموجب المادة 5 أعلاه في الفقرة الأولى”[36].

وعلى نفس المنوال سارت المحكمة الإدارية بالرباط حيث اعتبرت في حكم صادر لها[37]، أن الأصل هو الحق في تأسيس جمعيات الأشخاص بكل حرية دون سابق إذن، شرط مراعاة مقتضيات الفصل 5 من ظهير 1958 التي تضع التزامات على عاتق المصرح وأخرى على عاتق السلطة الإدارية المحلية المكلفة بتلقي التصريح وتسلم الوصل المؤقت، بعد استيفاء باقي الشروط القانونية تسلم الوصل النهائي للتأسيس وجوبا داخل أجل 60 يوما، وإلا جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها. كما يسلم وصل مختوم ومؤرخ في الحال عن كل تصريح بالتغيير من عدمه. وحيث إن قرار الامتناع عن تسليم الوصل يشكل حيادا على المقتضيات المذكورة أعلاه يجعل هذا القرار يتجاوز السلطة لمخالفته الصريحة للقانون، فضلا عن تعارضه مع المقتضيات الدستورية التي تؤكد على الحق في تأسيس الجمعيات، مما تكون معه الوسيلة المتمسك بها صحيحة ويترتب عنها إلغاء القرار موضوع الطعن.

ونشير إلى حكم آخر، هاته المرة في مجال تجديد مكاتب الجمعيات؛ فالمحكمة لما تبين لها أن السلطة المحلية الممثلة في القائد عندما توصلت بتصريح يتضمن أعضاء مكتب الجمعية، رأت وجوب امتثالها لنص المادة 5 من ظهير 15 نونبر 1958 الذي لا يسمح لها بتقدير مشروعية الاجتماع. لأن الجهة المختصة بتقدير ذلك هي القضاء وحده بناء على طلب ذوي المصلحة، واعتبرتها متجاوزة لاختصاصها. خاصة وأن قانون الجمعيات مبني على نظام التصريح، ويبقى القضاء هو المرجع الوحيد لإعلان حالة البطلان وتقرير حالة مخالفة القانون، مادام أن المكتب المسير الذي طالب بوصل التصريح بالتغيير قد تمسك بأنه نتج عن أشغال جمع عام استثنائي، ورتبت عن ذلك تأييدها للحكم المستأنف الذي قضى بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه، تكون قد بنت قرارها على أساس صحيح من القانون، وعللته بما فيه الكفاية[38].

من خلال هاته الأحكام، وأخرى لا يسع المجال لذكرها كلها، أكد الاجتهاد القضائي المغربي بالإجماع الطابع التصريحي لنظام تأسيس الجمعيات، حيث تقوم المحاكم الإدارية بشكل ممنهج بإلغاء، لكل قرار للسلطة الإدارية يتجاوز تلقي التصريح بتأسيس الجمعية. كما أن رفض تسليم الوصل المؤقت يعتبره القضاء الإداري قرارا مشوبا بعيب عدم الشرعية، إضافة إلى اعتباره هذا الرفض خطأ مصلحيا مرتبا لمسؤولية الدولة في شخص وزير العدل وموجبا للتعويض، وأن التصريح هو مجرد إخبار يجب الإشهاد عليه بتسليم وصل مؤقت[39].

إن الإدارة ليست مختصة في فحص شرعية الجموع العامة، وأن دورها ينحصر في ممارسة الاختصاصات المخولة لها بمقتضى قانون الجمعيات، ويتمثل هذا الدور في التأكد من قيام الجمعية باستيفاء الشروط المرتبطة بتقديم التصريح طبقا للقانون؛ وفي نفس الإطار كرس القضاء الإداري دور السلطة القضائية بوصفه السلطة الوحيدة التي لها صلاحية توقيف أو حل الجمعية[40].

لكن الإشكال الذي يظل مطروحا، يتعلق بمدى نفاذ هاته الأحكام القضائية في مواجهة الإدارة، حيث أن الممارسة اثبتت أن هاته الأحكام لا تجد طريقها للنفاذ، وبالتالي لا تحد من العرقلة الإدارية ولن تثنيها على مخالفتها للمقتضيات القانونية ذات الصلة[41].

خلاصة:

 لقد أبرزت مسارات التأسيس وما ارتبطت بها من محطات تشريعية وقانونية وإجراءات عملية، حق تأسيس الجمعيات كحق جوهري لتفعيل دينامية الحركة الجمعوية كما وكيفا، إلى حد جعل هذه الحركة تفرض نفسها كمخاطب مدني يتسم بالكفاية والنجاعة، وذلك بالرغم من المثبطات والعقبات التي تؤسس لما يمكن أن نسميه “انتكاسة التأسيس” سواء على مستوى النص أو الممارسة، التقييدات التشريعية للمسارات القانونية والتدخلات التعسفية والموسومة بتجاوز السلطة، أو باختصار التعسف التنفيذي والتشريعي، والذي لا يمكن تجاوزه أو الحد منه أو على الأقل التخفيف منه إلا عبر المسار القضائي[42]. كما يمكن القول بأن الإيجابي في هذه الحركية هو الوعي لدى الجميع بأهمية الحرية ودورها الحيوي في بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، وانخراط مكونات المجتمع المدني في هذا البناء.

من هنا، يمكن أن نخرج بثلاثة مرتكزات أساسية: المرتكز الأول، يهم الإطار التشريعي الضابط لحرية تأسيس الجمعيات حيث يتميز كقاعدة عامة بطبيعته الليبرالية. فمقتضيات ظهير 15 نونبر 1958 متطورة، وتستجيب للمعايير الدولية في الموضوع، فمختلف التعديلات التي كان ظهير الحريات العامة محلا لها كانت في معظمها تروم التخفيف من الإجراءات والتبسيط من المساطر الإدارية عند التأسيس وضمان حقوق الأفراد، والتقليص إلى أبعد الحدود من سلطة الإدارة.

من جهته، يمس المرتكز الثاني الدور الحمائي للقضاء الإداري، حيث تميز موقف مختلف المحاكم بجرأتها ودفاعها المستميت عن حرية المواطنين في تأسيس الجمعيات، وتبين لنا بالملموس من خلال استعراض ودراسة العمل القضائي الحالات الاستثنائية التي قضت فيها المحاكم لصالح الإدارة. المرتكز الثالث والأخير يتعلق بالممارسة الإدارية التي تتميز بابتعادها في بعض الاحيان عن مضامين وروح القانون.  

ولا جرم، أن الجمعيات ساهمت بشكل أو بآخر في تنمية المجتمع المغربي وتطويره، وذلك من خلال تدخلها في عدة مجالات: اجتماعية، ثقافية، بيئية، رياضية، شبابية، حقوقية…. لذلك نجد أن تطورات النص القانوني كانت دائما مرتبطة بشكل كبير بمدى قدرة الجمعيات، وكذلك قوتها الاقتراحية، ويقظتها ونضج مرافعاتها حول الحرية والحق في المشاركة المدنية، وكذلك تثمين أدوارها في الوساطة الاجتماعية، وفي دمقرطة القرب.

لائحة المراجع:

الكتــب:

عبد العزيز النويضي، “شرح القوانين الجديدة للحريات العامة بالمغرب”، دار الأمان، الرباط، طبعة 2004.

عبد العزيز مياج، “قانون الحريات العامة”، طبعة 2006.

محمد الغياط، “حق تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية في القانون المغربي والمقارن”، مطبعة أليستروكراف، الرباط، 2004.

محمد البكوري،”الحكامة الجيدة والمجتمع المدني بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، السنة الجامعية 2013-2014.

حميد أربيعي، “حرية تأسيس الجمعيات بين الترخيص والتصريح”، منشورات المجلة المغربية للإدراة المحلية والتنمية، عدد 136، شتنبر-أكتوبر 2017.

القوانين:

  ظهير شريف رقم: 1.58.377 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نونبر 1958) بشأن التجمعات العمومية، الجريدة الرسمية عدد: 2404 مكرر بتاريخ: 27 نونبر 1958.

ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.73.283 بتاريخ 6 ربيع الأول 1393 (10 أبريل 1973)، يغير ويتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378، (15 نونبر 1958) بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3154.

التقارير:

بيان المرصد المغربي للحريات العامة حول نتائج رصده وتتبعه لأوضاع الحقوق والحريات العامة بالمغرب، الاثنين 13 أبريل 2015.

المجلس الوطني لحقوق الإنسان، “مذكرة وجهت إلى رئيس الحكومة حول: حرية الجمعيات بالمغرب”، نونبر 2015.

تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش،”حرية تكوين الجمعيات، نظام تصريحي بالاسم فقط”، أكتوبر 2009.

حرية تكوين الجمعيات في المغرب –ثغرات قانونية وممارسات أمنية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، سلسلة قضايا حركية.

تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، “رأي حول: وضعية ودينامية الحياة الجمعوية”، إحالة ذاتية رقم 28/2016.

تقرير حول: “تطبيق القانون المنظم لحق تأسيس الجمعيات بجهة بني ملال خريبكة “، دراسة أنجزتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملال –خريبكة، نونبر 2012.

مقدمة مشروع قانون الجمعيات الذي تقدمت به اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة.

الأحكام القضائية:

قرار محكمة النقض عدد 65 الصادر بتاريخ 19 يناير 2017 في الملف الإداري عدد 4483-14-2015، التقرير السنوي لمحكمة النقض 2017.

قرار محكمة الاستئناف الإدارية، الرباط، الصادر بتاريخ فاتح نونبر 2016، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ضد والي جهة طنجة –الحسيمة ومن معه.

حكم المحكمة الإدارية، أكادير، عدد 2008 /005 بتاريخ 22 يناير 2008، عبد الكريم عطفاوي ضد المقاطعة الحضرية لبنسركاو اكادير.

حكم المحكمة الإدارية، أكادير، عدد 200/2008 بتاريخ 23 ي يوليوز 2008، جمعية الإمام مسلم للتربية والثقافة والأعمال الاجتماعية، ضد الخليفة الأول لعامل إقليم تارودانت بباشوية تارودانت.

حكم المحكمة الإدارية، الرباط، عدد 2209 بتاريخ 7 يونيو 2012، جمعية البيت السعيد ضد باشا مدينة سيدي قاسم.

حكم المحكمة الإدارية، أكادير، عدد34/2009، بتاريخ 13 مارس 2009، جمعية القاضي عياض للتربية والثقافة ضد القائد رئيس المقاطعة الحضرية الثانية لأيت ملول.

حكم المحكمة الإدارية، الرباط، ملف عدد 1305.05.2012، بتاريخ 24 أكتوبر 2012، جمعية “أطاك المغرب” ضد والي جهة الرباط سلا زمور زعير.

المراجع باللغات الاجنبية:

Ghazali Ahmed, « le phénomène associatif au Maroc» dans: changement politiques au Maghreb, éditions C.N.R.S, Paris, 1991.

 Décision judicaire de Conseil d’Etat, 31 Octobre 1969, Syndicat de Défense des canaux de Durance. R.E.C.


[1]– المادة 22، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر في نيويورك في 16 دجنبر 1966، والذي دخل حيز التنفيذ في 23 مارس 1976.

[2] – كان الأمر يتطلب تحديد قانون أساسي وقانون داخلي وتبنيه من طرف جمع عام أو جمع تأسيسي حسب الحالات، مكون من شخصين على الأقل. 

[3] – الفصل الثاني غير بظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.73.283 بتاريخ 6 ربيع الأول 1393 (10 أبريل 1973)، يغير ويتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378، (15 نونبر 1958) بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3154: “يجوز تأسيس جمعيات الأشخاص بكل حرية ودون سابق إذن بشرط أن تراعى في ذلك مقتضيات الفصل الخامس”.

[4]– وذلك على عكس النظام القانوني الفرنسي الخاص بالجمعيات والمتجسد في قانون فاتح يوليوز 1901 والذي ينص في فصله الثاني على إمكانية تأسيس جمعيات الأشخاص بكل حرية دون طلب ترخيص أو إيداع تصريح مسبق، ولا يكون التصريح ضروريا إلا للاستفادة من الأهلية القانونية، حيث يودع لدى الإدارة، ويمكن إرساله بظرف مضمون مع الإشعار بالاستلام، كما أن القانون الفرنسي يفرض إعلان الجمعية في الجريدة الرسمية، وهو ما يستوجب في تأسيس الجمعيات على الأقل شخصين سواء كانا طبيعيين أو معنويين باستثناء منطقة ألزاس وقسم موسيل، وبمجرد عقد الجمع العام والتصريح تصبح الجمعية قانونية.

[5] – الفصل 5 من ظهير الحريات العامة رقم: 1.58.377 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نونبر 1958)، المنشور  بالجريدة الرسمية عدد: 2404 مكرر بتاريخ: 27 نونبر 1958، كما تم تعديله وتغييره.

[6]– عبد العزيز النويضي، “شرح القوانين الجديدة للحريات العامة بالمغرب”، دار الأمان، الرباط، طبعة 2004، ص:5.

[7]– تم تغيير الفقرة الأولى من الفصل 5 في ظهير 1973 المتعلق بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات: “يجب أن تقدم كل جمعية سابق تصريح إلى مقر السلطة الإدارية المحلية وإلى وكيل جلالة الملك لدى المحكمة الابتدائية بالدائرة القضائية…..”.

[8] – محمد الغياط، “حق تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية في القانون المغربي والمقارن”، مطبعة أليستروكراف، الرباط، 2004، ص:41.

[9]– عبد العزيز مياج، “قانون الحريات العامة بالمغرب: قراءة نقدية من أجل تغيير ظهير 15 نونبر 1958 كما تم تعديله”، مطبعة فضالة المحمدية، 2006، ص: 37.

[10] – Ghazali Ahmed, « le phénomène associatif au Maroc» dans: changement politiques au Maghreb, éditions C.N.R.S, Paris, 1991, pp.148-260.

[11]– وهذا ما أكده مجلس الدولة الفرنسي حين أعتبر أن عدم التوفر على الشخصية المعنوية يجرد الجمعية من الحق في الترافع أمام المحاكم، لكن يجوز لها الطعن ضد قرار إداري مشوب بعيب من عيوب الشطط في استعمال السلطة في حق الأهداف التي تتبعها.

– Décision judicaire de Conseil d’Etat, 31 Octobre 1969, Syndicat de Défense des canaux de Durance. R.E.C, p. 462.69.

[12] – الفصل 6 من ظهير الحريات العامة 1958: “كل جمعية مصرح بتأسيسها بصفة قانونية يحق لها أن تترافع أمام المحاكم وأن تقتني بعوض وأن تتملك وتتصرف فيما يلي:

1- الإعانات العمومية.

2- واجبات انخراط أعضائها.

3- واجبات اشتراك أعضائها السنوي.

4- إعانات القطاع الخاص.

5- المساعدات التي يمكن أن تتلقاها الجمعية من جهات أجنبية أو منظمات دولية مع مراعاة مقتضيات الفصلين 17 و32 مكرر من هذا القانون.

6- المقرات والأدوات المخصصة لتسييرها وعقد اجتماعات أعضائها.

7- الممتلكات الضرورية لممارسة وإنجاز أهدافها.

[13]– المجلس الوطني لحقوق الإنسان، “مذكرة وجهت إلى رئيس الحكومة حول: حرية الجمعيات بالمغرب”، نونبر 2015، ص: 20.

[14]– المرجع نفسه، ص:12.  

[15] – تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش،”حرية تكوين الجمعيات، نظام تصريحي بالاسم فقط”، أكتوبر 2009.

[16] –  المرجع نفسه.

[17] – تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، مرجع سابق.

[18]– حرية تكوين الجمعيات في المغرب –ثغرات قانونية وممارسات أمنية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، سلسلة قضايا حركية، 2018، ص:9.

[19]– المرجع نفسه، ص: 12.

[20]–  نفس المرجع، نفس الصفحة.

[21] – تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، “رأي حول: وضعية ودينامية الحياة الجمعوية”، إحالة ذاتية رقم 28/2016، ص: 9.

[22]– مقدمة مشروع قانون الجمعيات الذي تقدمت به اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة.

[23] – تقرير حول: “تطبيق القانون المنظم لحق تأسيس الجمعيات بجهة بني ملال خريبكة “، دراسة أنجزتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملال –خريبكة، نونبر 2012، ص: 13.

[24] – تشكلت العينة من 300 جمعية موزعة على ست أقاليم، وهي: بني ملال – أزيلال – الفقيه بن صالح – خريبكة – ميدلت – خنيفرة.

[25]– دراسة أنجزتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملال –خريبكة، مرجع سابق، ص:14.

[26]– المرجع نفسه.

[27]– دراسة أنجزتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملال –خريبكة، مرجع سابق، ص 20.

[28] – بيان المرصد المغربي للحريات العامة حول نتائج رصده وتتبعه لأوضاع الحقوق والحريات العامة بالمغرب، الاثنين 13 أبريل 2015.

[29]– المرجع نفسه.

[30] – المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص 19.

[31] – حميد أربيعي، “حرية تأسيس الجمعيات بين الترخيص والتصريح”، منشورات المجلة المغربية للإداراة المحلية والتنمية، عدد 136، شتنبر-أكتوبر 2017، ص: 313.

[32] – قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، الصادر بتاريخ فاتح نونبر 2016، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ضد والي جهة طنجة –الحسيمة ومن معه.

[33] – حكم المحكمة الإدارية، أكادير، عدد 005/2008  بتاريخ 22 يناير 2008، عبد الكريم عطفاوي ضد المقاطعة الحضرية لبنسركاو اكادير.

[34] – حكم المحكمة الإدارية، اكادير، عدد 200/2008 بتاريخ 23 يوليوز 2008، جمعية الإمام مسلم للتربية والثقافة والأعمال الاجتماعية، ضد الخليفة الأول لعامل إقليم تارودانت بباشوية تارودانت.

[35] – حكم المحكمة إدارية، الرباط، عدد 2209 بتاريخ 7 يونيو 2012، جمعية البيت السعيد ضد باشا مدينة سيدي قاسم.

[36]– حكم المحكمة الإدارية، أكادير، عدد 34/2009، بتاريخ 13 مارس 2009، جمعية القاضي عياض للتربية والثقافة ضد القائد رئيس المقاطعة الحضرية الثانية لأيت ملول.

[37] – حكم المحكمة الإدارية، الرباط، ملف عدد 1305.05.2012، بتاريخ 24 أكتوبر 2012، جمعية “أطاك المغرب” ضد والي جهة الرباط سلا زمور زعير.

[38]– قرار محكمة النقض عدد 65 الصادر بتاريخ 19 يناير 2017 في الملف الإداري عدد 4483-14-2015، التقرير السنوي لمحكمة النقض 2017.

[39] – المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص14.

[40] – المرجع نفسه، ص14.

[41] – تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، مرجع سابق.

[42] – محمد البكوري، “الحكامة الجيدة والمجتمع المدني بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، السنة الجامعية 2013-2014، ص: 543.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *