داء الفيروس التاجي مقاربات النشأة والتداعيات.
محمد روادي.
باحث في العلوم السياسية
الكلمات المفتاحية: الفيروس- العولمة- الصراع- الحجر الصحي- التداعيات.
الملخص:
منذ نهاية السنة الفارطة والعالم يعيش على وقع ظهور فيروس جديد يعرف عموما ب”كورونا، وعند الخاصة ب”كوفيد19″ ويعني داء الفيروس التاجي. اعتبرته المنظمة العالمية ب”الجائحة” تمييزا له عن الوباء وعن الفاشية. تتميز هذه الجائحة بسرعة انتشار عدواها وقدرتها الفتاكة. وتحت وطأتها، التي لازالت في بدايتها، بادرت كل الدول تقريبا إلى إغلاق حدودها وإعلان حالة الطواريء الصحية وممارسة الحجر الصحي على مواطنيها. كل ذلك بأفق محاصرة هذا الفيروس والحد من انتشاره ومن ثمة القضاء عليه.
تحولت هذه الجائحة إلى مادة إعلامية بامتياز واحتلت الفضاءات السمعية والبصرية لكل سكان العالم. فلا حديث لوسائل التواصل والإعلام المكتوب (الورقي منه والإلكتروني )، والمسموع(الإذاعات ) والمرئية( قنوات البث الجوية والأرضية) إلا عن هذه الجائحة، مقتفية آثارها وتطورها وانعكاساتها على جميع المستويات الاقتصادية، الاجتماعية، النفسية، الساسية، الطبية..) وعرفت طريقها كذلك الى الأغنية الشعبية والعصرية وبكل اللغات تقريبا.
لقد أعادت هذه الجائحة الى الساحة العلمية والسياسية النقاش حول الفيروسات والقضايا المرتبطة بها من مثل الحروب الجرثومية والبيولوجية والصراعات السياسية المغلفة باثواب تجارية واقتصادية. وعليه أثير النقاش حول أصل هذا الفيروس وتعددت بذلك المقاربات محاولة الوقوف على أصله ومصدره.
الهدف من هذه الدراسة هو تقديم لوحة إجمالية عن ردود أفعال الدول وما أحدثته هذه الجائحة في العالم من اضطراب وتفاوت في مواقف السياسيين والعلماء بشأن كوفيد 19، مستقرئا المقالات والحوارات والاستجوابات التي تناولت هذه الجائحة. فالنقاش في بداية ظهور كوفيد 19 تمحورحول السؤال الآتي:
ما هو أصل هذا الفيروس؟ هل من صنع الإنسان؟ وإذا كان كذلك ما غايته من هذا الصنع؟ أم من خلق الله؟ أم نتيجة حتمية لتطور الطبيعة؟ أم أنه منتوج مشترك فيما بين الإنسان والطبيعة؟
كيفما كانت نشأته فلهذا الفيروس مجموعة من التداعيات على أكثر من مستوى. فما هي آثاره وعلى أي مستوى تجلت؟
قسمنا هذا الموضوع إلى مرحلتين: المرحلة الأولى تمحورت حول تعدد مقاربات النشأة وفي المرحلة الثانية حول تداعيات هذه الجائحة.
- النشأة وتعدد المقاربات: تفرق الباحثون والمحللون حول نشأة هذه الجائحة إلى فرق ميزنا فيها بين:
- المقاربة التآمرية: التي تعتبر بأن هذه الجائحة منتوج مختبري يحكمه الصراع فيما بين القوتين الاقتصاديتين العالميتين: جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية. فكل واحدة منهما تتهم الأخرى بكونها هي التي تقف من وراء هذا الفيروس وهي التي صنعته. فالصين تتهم أمريكا بغرض إضعاف اقتصادها وأمريكا تتهم الصين بكونها تريد أن تشوش على الإنتخابات الرئاسية المقبلة وإزاحتها عن زعامة العالم الدي تربعت على ريادته منذ الحرب العالمية الثانية.
- المقاربة الدينية ترى بأن داء الفيروس التاجي جند من جنود الله، سخر لعقاب الإنسان لأنه زاغ عن الطريق المستقيم وعن التعاليم الدينية وانغمس فيما لا يرضي الله. لقد اختار الله الصين لأنها من أكثر البلدان إلحادا وعداءا للدين وخصوصا الإسلامي. وإصابهتم بهذا الوباء ليس إلا نصرة لمسلمي الإيغور الذين لم يجدوا من يناصرهم، فتكفل الله بقضيتهم وعاقب الصينيين.
- المقاربة العلمية: نظرت هذه المقاربة الى داء الفيروس التاجي باعتباره طفرة في التطور الطبيعي لسلالة عائلة فيروس كورونا الذي عرفته الإنسانية عام 2002 بالصين وعام 2012 بالشرق الأوسط.
- المقاربة الإيكولوجية: تعتبر هذه المقاربة أن ظهور هذا الفيروس ليس إلا رد فعل من الطبيعة ضد الممارسات العدوانية التي يسلكها الإنسان في علاقته بها. ورد الفعل هذا ليس إلا تذكيرا بالنظام الطبيعي وبقواعده. وذلك بالحفاظ على توازنها الذي فقدته تحت ضغط الأفعال التدميرية للحياة العضوية والحيوية من قبل الإنسان.
وفي مرحلة ثانية سنتطرق إلى التداعيات والآثار التي خلفتها هذه الجائحة على المستوى النفس-اجتماعي وعلى المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي متسائلين في الأخير عن الصورة التي سيكون عليها العالم ما بعد كورونا.
الهدف من هذه الدراسة هو تقديم لوحة إجمالية عن ردود أفعال الدول وما أحدثته هذه الجائحة في العالم من اضطراب وتفاوت في مواقف السياسيين والعلماء بشأن كوفيد 19، مستقرئا المقالات والحوارات والاستجوابات التي تناولت هذه الجائحة. فالنقاش في بداية ظهور كوفيد 19 تمحور السؤال الآتي:
ما هو أصل هذا الفيروس؟ هل من صنع الإنسان؟ وإذا كان كذلك ما غايته من هذا الصنع؟ أم من خلق الله؟ أم نتيجة حتمية لتطور الطبيعة؟ أم أنه منتوج مشترك فيما بين الإنسان والطبيعة؟
كيفما كانت نشأته فلهذا الفيروس مجموعة من التداعيات على أكثر من مستوى. فما هي آثاره وعلى أي مستوى تجلت؟
Subject Title: Coronavirus disease : the rises approaches and consequences.
Key words: Virus – globalization – conflict – quarantine – consequences.
Abstract:
Since the end of the last year, the world has been living on the rise of a new virus commonly known as Corona, and at Coved19, which means coronavirus. The World Healt Organization(WHO) considered it a “pandemic” discrimination against the epidemic and fascism. This pandemic is characterized by its infect and destructive power. Under its motherland, which is still in its early years, almost all countries have closed their borders, declared a state of health emergency, and quarantined their citizens. All this could be done by cutting HIV virus, limiting its spread and eliminating it.
The pandemic has become a media subject of excellence and has occupied audio and video space for all the world’s people. The media, written (paper and electronic), and audio (radio) and television (air and terrestrial), have nothing to say about this pandemic, but its effects, development and repercussions at all economic, social, psychological, political and medical levels. She also learned her way to popular and modern songs in almost all languages.
This pandemic has returned back to the scientific and political arena the debate about viruses and related issues, such as germ and biological warfare, and political conflicts with commercial and economic consequences.
The aim of this study is to present an overall picture of the reactions of countries and the confusion and disparity that this pandemic has caused in the world in the attitudes of politicians and scholars regarding COVID 19, as well as the articles, dialogs and interrogations that dealt with this pandemic. The debate at the beginning of the emergence of COVID 19 is centered on the following question:
What is the origin of this virus? Man-made? If so, what is it? Or who created God? Or is it an inevitable consequence of the evolution of nature? Or is it a product that is common to man and nature?
As it grew, the virus has multiple repercussions on more than one level. What are its effects and at what level have you demonstrated?
Therefore the virus was discussed, and so many approaches were made to try to identify its origin and source.
We divided this subject into two stages: The first was centered on the multiplicity of approaches to the evolution and the second on the consequences of this pandemic.
The rise and the multiplicity of approaches: Researchers and analysts are differentiating the origins of this pandemic into a distinction between:
1-The conspiratorial approach: This pandemic is a laboratory product governed by the conflict between the two world economic powers: The People’s Republic of China and the United States of America. Both accuse others of being the ones behind the virus and make it. China accuses America of weakening its economy and America accuses China of wanting to muddle the next presidential election and to disavowal it from the leadership of the world, which has been on its leadership since the second World War.
2-The religious approach considers that the disease of the coronavirus is a soldier of God’s soldiers, who mocked the punishment of man because he was forged away from the righteous way and from the religious teachings and immersed in what is not satisfactory to God. God chose China because it is one of the most aggressive and hostile countries to religion, especially Islam. You have been hit by this epidemic is only a victory for Uighur Muslims who have not found their supporters, God’s guarantee of their cause and punish the Chinese.
3- The scientific approach: This approach has seen coronavirus disease as a breakthrough in the natural development of the Corona virus family dynasty, which humanity defined in 2002 in China and 2012 in the Middle East.
4- The ecological approach: This approach considers that the emergence of HIV is only a reaction of nature against the aggressive practices of man in his relationship with it. This reaction is nothing but a reminder of the natural order and its rules. By maintaining its balance, which it lost under the pressure of the destructive acts of organic and vital life of man.
In a second stage, we will address the consequences and effects of this pandemic on the psycho-social, economic and political levels, and in the latter, the question of the shape of the post-Coronist world.
What is the origin of this virus? Man-made? If so, what is it? Or who created God? Or is it an inevitable consequence of the evolution of nature? Or is it a product that is common to man and nature?
As it grew, the virus has multiple repercussions on more than one level. What are its effects and at what level do you show?
فيروس كرونا : النشأة والتداعيات
يعيش العالم بأكمله حالة من الذعر والهلع، حد الإضطراب، جراء انتشار مرض فيروس كرونا التاجي[1] المعروف ب” كوفيد 19[2]Covid19 ” أو الجائحة. ولأول مرة يتحد العالم تقريبا من دون تنسيق فيما بين دوله لمواجهة هذا الوباء التاجي باتخاذ، تقريبا، نفس القرارات ونفس الإجراءات، وذلك بفرض الحجر الصحي على السكان وحظر التجول المجاني، حيث التجأت كل دولة إلى إغلاق حدودها، ومدارسها وجامعاتها ومنعت التظاهرات الثقافية والفنية والرياضية والتجمعات والتنقل واستعمال النقل العمومي والأسواق الأسبوعية..كل هذه الإجراءات بهدف تطويق هذا الوباء والحد من انتشاره في أفق القضاء عليه. هذا الاتحاد نتج عن الشعور بالخطر الذي يهدد كل الدول دونما تمييز فيما بينها كانت متقدمة أو في طريق النمو أو متخلفة، فقيرة أو غنية، عسكرية أو مدنية، ديموقراطية أو استبدادية، فيروس لايهمه مستوى الدولة ولا نظامها السياسي ولا حجم ناتجها الداخلي الإجمالي، فيروس لا يحترم الحدود ولا يفرق بين الأعراق و الأجناس والثقافات. وفي هذا الاطار قال مدير منظمة الصحة العالمية OMS تيدروس ادهانوم غيبريسيس Tedros Adhanom Ghebreyesus : ” ليس ثمة دولة واحدة أو قارة واحدة بمنأى عن هذا المرض الذي يضرب بشكل عشوائي[3]“. إنها أزمة وضعت العالم أمام هشاشته وأمام استحالة استمرارية الحركة فيه على حد تعبيرماهر حنين[4] .
حالة الذعر هذه تُرجمت على وسائل التواصل والإعلام المكتوبة(الورقية والالكترونية) المرئية( القنوات الفضائية والأرضية) والسمعية( الاذاعات)، حيث الأخبار المقتفية لآثار هذه الجائحة وتطورها بتقديم الإحصائيات(عدد المصابين، عدد الوفيات، عدد المعافين)، والتحقيقات، والاستجوابات، والحوارات،والندوات والوصلات الإشهارية ،والبرامج التحسيسية. وصار أيضا موضوعا للأغاني الشعبية والعصرية في عدد من الدول العربية(نعمان لحلو بالمغرب، وضاح أحمد بالسودان، عمار العراقي بسوريا، وبلال الأوزي مقدم البرامج بإذاعة بي.بي.سي …).
لقد أعادت هذه الجائحة الى الساحة العلمية والسياسية النقاش حول الفيروسات[5] والقضايا المرتبطة بها من مثل الحروب البيولوجية او الجرثومية، والصراعات السياسية والإقتصادية، فتناسلت الأسئلة وتعددت المقاربات محاولة الوقوف على أصلها وتداعياتها. هل هي من صنع البشر بأغراض اقتصادية وسياسية وديموغرافية؟ أم من مصدر فوق طبيعي بهدف المعاقبة والإنتقام؟ أم من فعل بيولوجي قائم على التحولات والطفرات، التي تعرفها الطبيعة و يعرفها النظام الإيكولوجي، الناتجة عن التفاعل فيما بين البيئة والأنشطة الإنسانية؟ وما هي تداعياتها الصحية والنفسيىة والإجتماعية والإقتصادية والسياسية؟
للإجابة عن هذه التساؤلات قسمت عملي هذا الى مبحثين وكل مبحث مذيل بأربع فقرات. يدور المبحث الأول على مقاربات أصل داء الفيروس التاجي والثاني على الآثار الناجمة عنه
أ-داء الفيروس التاجي: النشأة.
عند حدوث كل ظاهرة لا يتوانى الإنسان عن التساؤل عن أصلها وعن الأسباب الكامنة وراء وقوعها، محاولا يذلك إيجاد أجوبة وتفسيرات تبقيه منسجما مع قناعاته وتؤكد ثبات ذاته في عالم يتغير من حوله. اختلفت الأجوبة واختلفت التفسيرات المقدمة في شأن داء الفيروس التاجي بل وتعددت المقاربات حتى التيه والتلف. في هذا الإطار نقف على المقاربات الآتية:
–1- المقاربة التآمرية[6]:
بمجرد ما ظهر مرض كرونا التاجي بمدينة ووهان الصينية في الشهر الأخير من السنة الماضية (دجنبر2019) حتى أشارت الأصابع الى أمريكا متهمة إياها بكونها هي من اخترعت هذا الوباء، صنعته وطورته في المختبرات العلمية الأمريكية عام 2015 حسب ما جاء في تصريحات تشاولي جيان- المسؤول الصيني في وزارة الخارجية – معتمدا في ذلك ، من دون تقديم دلائل، على أن هذ الفيروس ظهر أول ما ظهر بالولايات المتحدة. وهذا ما روجت له الكثير من المواقع الإلكترونية الروسية، كما اعتبرت المواقع الاجتماعية الصينية أن الفيروس تم تصديره، بإيعاز من المخابرات المركزية الأمريكية، إلى الصين مستغلة في ذلك رجال المخابرات الأمريكية C.I.A)) والجنود الأمريكيين الذين شاركوا في دورة الألعاب العسكرية التي دارت أطوارها بمدينة ووهان الصينية في 18 أكتوبر من العام الماضي(2019). فبعد أسابيع قليلة من هذه التظاهرة الرياضية، ظهرت الحالات الأولى في سوق المأكولات البحرية والطيور والحيوانات البرية والخفافيش وقطط الزباد بووهان. إن الداعي لذلك هو كون الصين أصبحت قوة اقتصادية عالمية تنافس الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى لإزاحتها عن تصدر العالم، الذي تربعت على عرشه منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بغزوها للأسواق العالمية والسعي الى الإطاحة بهيمنة الدولار على الأسواق المالية العالمية. هذا الوضع، الذي تحولت فيه الصين إلى قوة اقتصادية، جعل من أمريكا تنظر الى هده الأخيرة باعتبارها العدو الإقتصادي الذي يجب محاربته باستعمال جميع الوسائل بما فيها الحروب البيولوجية. وهذا ليس بسلوك غريب عن أمريكا بدعوى أنها الدولة الوحيدة التي تقف وراء الحروب على حد تعبير عبد الباري عطوان. فمن يمنعها من استعمال هذا الفيروس في حربها مع الصين بغرض إلحاق خسائر كبيرة باقتصاد هذه الأخيرة وبالتالي إخضاعها لقبول صياغة نظام اقتصادي جديد تراعى فيه مصلحة النظام الرأسمالي المتقدم عن طريق رفع قيمة عملتها الوطنية “اليوان”؟
إن هذه النظرية التآمرية لإنتشار الفيروسي التاجي الجديد تتجاوز الصراع الأمريكي الصيني لتستهدف النمو المتزايد لسكان العالم الذي أثر بشكل واضح وسلبي على رفاهية الإنسان الغربي. في هذا الإطار صرح وزير الدفاع الأسبق روبرت مكنامارا Robert McNamara(1919-2009) في خطاب له أمام نادي روما عام 1973 ” أن الإرتفاع الصاروخي لعدد السكان يشكل أكبر عائق أمام التطور الإقتصادي والإجتماعي في العالم، لهذا ينبغي علينا الآن وليس غدا أن نمنع وصول عدد سكان الكون الى عشرة مليارات” ويحدد الوزير طريقتان يمكن بهما وقف تزايد السكان” إما بتخفيض الولادات في أصقاع العالم، أو برفع معدلات الوفيات. فالطريقة الأخيرة يمكن أن تتحقق بعدة أساليب، ففي هذا العصر النووي يمكن للحروب أن تؤدي الغرض بسرعة فائقة وناجعة للغاية. وهناك المجاعة و الأمراض وهما سلاحان موجودان حتى الآن[7]“. إن سياسة التجويع ليست بالسياسة الغريبة عن الأنظمة الاستعمارية، لجأت اليها بريطانيا لإحكام سيطرتها على الهند وتلجأ إليها وريثتها أمريكا من خلال اللجوء الى فرض الحصار على الدول التي لا تسايرها في منطقها السياسي الاستعماري وتناهضها في اختياراتها الاقتصادية( العراق نموذجا). فالتوجه العام الذي يحكم النظام العالمي الجديد والقائم على التدمير النهائي للقطاع العام ، وفق تصور مارغاريت تاتشرMargaret Thatcher(1925-2013)، وأسبقية الاقتصاد على الدولة وإجراءات الخوصصة ودعم الأنظمة الديكتاتورية الصديقة للغرب في مواجهتها لشعوبها، لا يخرج عن إطار سياسة التجويع التي تلوح بها الأنظمة الاستعمارية المدعومة بالتوجه النيوليبرالي لتضع الشعوب تحت رحمتها ورحمة أذنابها. وبجانب الجوع هناك بديل حربي آخر يتمثل في الأمراض التي يتم نشرها عبر خلق فيروسات لهذا الغرض. لهذا نجد أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية متمسك بكون أن هذا الفيروس التاجي من صنع الإنسان ومصمم خصيصا لإيران باستخدام البيانات الجينية للإيرانيين على اعتبار أن جزءا من الفيروس التاجي في مدينة قم يختلف عن فيروس ووهان على حد تعبير وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي. بل ذهبت إيران أبعد من ذلك برفضها المساعدات الطبية المعروضة عليها من طرف أمريكا معتبرة أن الدواء ربما سيساهم في نشر الفيروس التاجي أكثر فأكثر. هذا الموقف دفع بأحد المسؤولين الأمريكيين الى الرمي باللائمة على الإيرانيين قائلا:” إيران تنفق المليارات على الإرهاب والحروب الخارجية ولو أنفقت عشر(10/1) هذه الأموال على نظام رعاية صحية أفضل لكان الشعب الإيراني أفضل حالا[8]“. إن رفض أمريكا رفع العقوبات عن إيران في ظرف حساس كالذي تواجه فيه إيران هذا الوباء التاجي، جعل إيران تعتبر أمريكا من أشرس خصومها كذبا ومكرا ووقاحة وجشعا إرهابا وخداعا. إن التقارب في موقف الصينيين والإيرانيين جعل من فرضية الحرب البيولوجية ونظرية المؤامرة وشيطنة الآخرين تنتعش.
وبالمقابل فإن أمريكا، هي الأخرى بدورها، اتهمت الصين مقرة بأن هذه الأخيرة هي من قامت بصناعة هذا الفيروس التاجي، كسلاح بيولوجي، في مختبراتها العلمية والعسكرية بمدينة ووهان ، وبالتالي فالصين هي من تقف وراء هذه الكارثة التي يعيشها العالم الى درجة اعتاد معها ترامب على تسمية هذه الجائحة، في مؤتمراته الصحفية، ب” الفيروس الصيني”. وقد كرر هذه العبارة ثلاث مرات[9]في ظرف ساعة واحدة. تهدف الولايات المتحدة الأمريكية من وراء هذا الإتهام فرض طوق اقتصادي على الصين، فيُتوجس من السفر إليها، والإستيراد منها، والإستثمار فيها، الى درجة سيصبح معها كل ما(منتوج) أو من(شخص) يحمل صفة الصين حاملا لفيروس خطير. وعليه تصير الصين مصدرا، حقيقيا أو افتراضيا، لخطر يهدد الحياة.
ومما زاد من قوة هذه الفرضية وجود بعض التحاليل التي تقدم بها بعض العلماء وتداولتها وسائل التواصل تؤكد على أن داء الفيروس التاجي من صنع الصين. الغرض منه هو إحداث دمار في الإقتصاد الأمريكي والتشويش على حملة الرئيس الأمريكي الإنتخابية. وفي نفس الاتجاه أكدت صحيفة دايلي تامز الأمريكية أن “فيروس كورونا نشأ في مختبر مرتبط ببرنامج الحرب البيولوجية، مشيرة الى معهد ووهان”. لم تخف الصين اندهاشها من إصرار الإدارة الأمريكية على تسييس هذه الجائحة وإلقاء اللوم على الصين في محاولة منها للتنصل من مسؤولياتها تجاه العالم على حد تعبير آية سمير[10].
لقد استغلت كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، صاحبتي أكبر اقتصادين في العالم، داء الفيروس التاجي/ الجائحة لتبادل التهم فيما بينهما وكل واحدة شنت حملة إعلامية على الأخرى. إن هذه الجائحة جعلت الصراع التجاري ومن ورائه الصراع الإقتصادي والسياسي يطفوان على السطح. فالإدارة الأمريكية تتهم الصين بممارسات تجارية غير عادلة وبسرقات في مجال حقوق الملكية الفكرية. وترى الصين بأن أمريكا تريد كبح نهضتها الإقتصادية والساسية، وخلق متاعب لاقتصادها من خلال الأمر الذي أصدره دونالد ترامب للشركات الأمريكية بمغادرة الصين مع التفكير في البحث عن بديل اقتصادي آخر غير الصين، ومن خلال رفض الإدارة الأمريكية مشاركة شركة هواوي الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس على اعتبار أن هذه الشركة قريبة من قيادة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم. هذا إضافة الى أن كل دولة فرضت قيودا جمركية على منتوجات الأخرى على الرغم من اعتراف الطرفين بأن الرسوم الجمركية تضر بالطرفين ليس فقط على المستوى الاقتصادي وإنما كذلك على المستوى الاجتماعي. فالحرب التجارية فيما بين البلدين سوف تقضي على الآلاف من مناصب الشغل وتتأثر بذلك فئات الفلاحين والعمال. هذا إضافة إلى تأثر الاقتصاد العالمي(تراجع اسعار أسهم العديد من شركات التكنولوجيا العالية، تقلص الصادرات من المواد الخام..).
لعل ما يحرك أمريكا في صراعها الاقتصادي مع الصين هو المشروع الصيني المعروف ب” طريق الحرير”[11] الذي يسعى الى ربط القارات الثلاث أوروبا وآسيا وافريقيا فيما بينها عن طريق استثمار في البنية التحتية: السكك الحديدية والطرق السيارة، وذلك بهدف تسريع وثيرة وصول منتوجاتها الى العالم. بهذا المشروع استطاعت بكين أن تجر وراءها العديد من الدول والمنظمات، وتعقد معها اتفاقات تعاون وعلى رأس هذه الدول نجد روسيا وإيران وتركيا، أعداء أمريكا في الشرق الأوسط. أثار هذا المشروع ردود فعل متباينة فبيتر بروكس، الباحث في مؤسسة هيريتيج، يرى ب”أن الصين لا تحاول التوسع وتصدير منتجاتها للعالم وإنشاء البنية التحتية اللازمة فحسب، بل الصين تريد أن تصبح القوة الأعظم في العالم[12]“. وذهب آخرون الى اعتبار أن هذا المشروع يدخل في إطار ما يسمى بدبلوماسية الفخ حيث تغرق الصين الدول الفقيرة بالديون كخطوة للسيطرة على هذه الدول والتأثير عليها وبالتالي تقلب موازين القوى لصالحها. إن الصراع مع الصين دفع أمريكا لاستمالة المسلمين الصينيين بالترويج لدعاية أن حبات المسبحات(rosaires) مصنوعة من عظام الخنازير تأجيجا للصراع فيما بين الصين والعالم الإسلامي بشكل عام.
وبحكم توافد الجامعات الأمريكية والمنظمات غير الحكومية على الصين لإجراء التجارب البيولوجية فإن أصابع الاتهام توجه الى أمريكا التي تقف وراء خلق داء الفيروس التاجي. وقدم أحد الأشخاص من خلال رسالة صوتية ارسلت بثقنية الواتساب يظهر فيها اهتمامه بموضوع بفيروس كورونا منذ مدة ليست بالقليلة ويقر بأن “هذا الفيروس منتوج مختبري ودليله على ذلك تسميته ب ” كورونا” أي أن هذا الفيروس له تاج وهذا التاج يجعل هذا الفيروس هشا وضعيفا وبالتالي فإن أي مادة منظفة” détergent” تقضي عليه لأنه ليس منتوجا طبيعيا بل هو منتوج اصطناعي.واستبعد صاحب الرسالة أن يكون من بين العاملين في مختبر يوهانP4 ” ممرض من الدرجة الرابعة Pathogéne4 “[13] أمريكيون فلا وجود إلا للصينيين والفرنسيين في هدا المختبر.هذا اضافة الى أن هذا الفيروس يعيش في درجة حرارة أقل من 35° ويموت في درجة حرارة °28، وبالتالي فإن هذا الفيروس ابن المختبر، على اعتبار أن هذه الدرجات من الحرارة لا توجد إلا في المختبرات”. وتبعا لذلك فإن الوسط الطبيعي الذي سيترعرع فيه هذا الفيروس هو المناطق الجليدية ومن هنا يتساءل صاحب الرسالة من اين لهذا الفيروس الذي يعيش في الأصقاع الجليدية، حيث الحياة الحيوانية والإنسانية شبه منعدمة، أن ينتقل الى الإنسان؟ ومن ثمة فإن هذا الفيروس التاجي منتوج بشري، إلا أنه لم يحدد الجهة التي كانت من وراء خلقه. كما أن صاحب الرسالة الصوتية استدل بوجود رواية للكاتب الأمريكي دين كونتز Dean Coontz”عيون الظلام ” المنشورة سنة 1981 ونقلت عام 1 201إلى فيلم تحت عنوان” العدوى contagion”[14] يصف فيه تقريبا ما عاشته الصين في محنتها مع وباء، شبيه في مواصفاته بالفيروس الذي ضرب مدينة ووهان، مبينا الطريقة التي ينتشر بها هذا الوباء ( الاختلاط وعدم غسل اليدين) متسائلا من أين لهذا الروائي الأمريكي ولكاتب السيناريو بكل هذه المعطيات العلمية(طريقة الإنتشار والوقاية منه: غسل اليدين والحجر)؟ ألا أن الفيلم لا يشير إلى أن الفيروس من صنع الإنسان بقدر ما هو انتقام للطبيعة من هذا الأخير الذي عبث بالبيئة وهدد حياة العديد من الكائنات العضوية والحية وعلى رأسها جنس الخفافيش عندما أقدمت جرافة على اقتلاع شجرة موز كانت الخفافيش تتخدها ملاذا لها. لم يستعن أصحاب النظرية التآمرية فقط بالفيلم بل ذهبوا ينقبون في ما كتب قبل انتشار هذه الجائحة، فاستحضروا كتاب هشام الطالب الذي ارتكز على الكاتب مارتن ريس Martin(1942) Rees”ساعتنا الأخيرة” الصادر سنة 2003، والذي يتوقع فيه بحدوث كارثة تدمر العالم”إن أهم الأخطار التي تهدد البشرية هي أرهاب نووي وفيروسات مميتة معدلة وراثيا ..وانفلات أجهزة من صنع الإنسان وهندسة وراثية تغير طبيعة البشر. كل هذا يتم بتدبير من أشرار(؟؟؟؟)أو نتيجة خطإ بشري، غير أن العام 2020 سيكون عام الخطأ البيولوجي”[15] ومما يؤكد أن فيروس كورونا التاجي صناعة مخبرية هو عرض بيل غيت، مؤسس شركة “مايكروسوفت”، لدراسة قام بها معهد ” تعديل الأمراض”تتنبأ بانتشار وباء فيروسي في الصين سيحصد آلاف الأرواح البشرية وإن كان سيعود ليكذب ذلك فيما بعد ذلك. لوك مونطانييه(1932) Luc Montagnier الخبير الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل في الطب والمكتشف لفيروس السيدا رأى بأن فيروس كورونا ناتج عن خطأ مخبري خلال عملية انتاج مصل ضد فيروس السيدا. دليله على ذلك هو التحليل الذي أجراه على جينوم هذا الفيروس الجديد، فوجده يحتوي على قطعة من فيروس السيدا وجرثومة الملاريا. ويضيف بأن هذه الخصائص للفيروس التاجي لا يمكن لها أن تحدث بشكل طبيعي. وما التحولات( اختلافه من دولة الى أخرى) التي يعرفها هذا الفيروس ليست إلا ردود فعل منه للتخلص من العناصر المضافة إليه والعالقة به بشكل اصطناعي. إلا أن عالم الأوبئة، بمعهد باستور، إيتيان سيمون لوريار Etienne Simon Loriére(1944) في حديث إلى الوكالة الفرنسية للأنباء “رأى بأن أن تلك القطع في الواقع مثل الكثير من المتواليات في المادة الوراثية للبكتيريا والفيروسات والنباتات [16]“.
إن ما يمكن أن يجعل من أن هذه التخريجات تجانب الصواب هو القرار الأمريكي الذي دعا الى رفع الحظر على تجارب مسببات الأمراض الخطيرة مثل متلازمة الالتهاب التفسي الحاد وانفلونزا الخنازير..حيث قام المعهد الوطني للصحة العامة بإلغاء الحظر على التجارب التي تستهدف مسببات الأمراض الخطيرة من أجل الوقوف على الطفرات التي من الممكن أن تحدثها أو تطورها. ورفع الحظر هذا قد يجعل الباحثين في المختبرات يغامرون ويساهمون في خلق فيروس مع احتمال انفلاته ونقله الى الإنسان. فمع مختبر يتميز بإجراءات وتدابير أمنية جد عالية تبقى فكرة تسرب الفيروس من المختبر لا معنى.
لنظرية المؤامرة تداعيات تتمثل في تحويل الرأي العام عن الأسباب الحقيقية للظاهرة، وإلهائه بالخوض في أشياء ثانوية وجعله يتشبث بقشور الأشياء. كما تساهم هده النظرية في إضعاف ثقة الإنسان في الطب والجهات العلمية المختصة حتى يتسنى له الذهاب الى استعمال الأعشاب والعقاقير النباتية التي يحصلون عليها من الدجالين وممن يستثمرون في جهل الناس. فالعامة مؤهلة لقبول نظرية المؤامرة وعلى استعداد لتصديق الإشاعات والعمل على ترويجها والزيادة فيها، لا لشيء إلى لكونها تمنحهم انطباعا يشعرون معه أنهم يفهمون و لا شيء يفرق بينهم وبين المثقف والطبيب حتى. وبالتالي فإن نظرية المؤامرة تشبع دوافع نفسية لذا عامة الناس وتشعرهم هم الآخرون كونهم متمكنين من حقائق الأمور ولا يوجدون على الغارب، حتى وإن كانت المعلومات التي يتداولونها خاطئة بشكل يتجاوز قدرتهم على التصديق بها.
إن نطرية المؤامرة القائمة على الإتهام والإتهام المضاد لا تخدم في شيئ الإنسانية بقدر ما تزرع فقدان الثقة في كل شيئ في الدول، في المؤسسات، في المنظمات وتفاقم من مشاعر الخوف والهلع والحذر من الآخر وشيطنته واعتباره منبع الشر ومصدر الخطر.
بهذا الشكل تسمح هذه المقاربة بظهور المحاولات الميتافيزيقة أي الغيبية او الدينية لتفسير أصل داء الفيروس التاجي وسبل مقاومته. فعلى ماذا تتأسس هذه المقاربة؟ وكيف تنظر إلى مسالة النشأة؟
2– المقاربة الدينية:
يشكل المجال الطبيعي بما فيه الإنسان واحدا من المجالات التي تتأسس عليها التفسيرات الدينية. ويعتبر النص الديني منطلق هذه التفسيرات ومنتهاها. وبذلك فهي لا تبحث عند تفسيرها للظواهر الطبيعية أو الإنسانية عن القوانين المتحكمة في ظهورها وتطورها وإنما تعود الى النص الديني لتغترف منه لتفسير هذه الظواهر. إنها تحاول أن تضفي الطابع الديني على الدنيوي. فالفياضانات والزلازل والعواصف لا تخضع للقوانين الجيولوجية أو للتحولات المناخية بقدر ما هي إما إنذار أو عقاب: إنذار ينذر به الله خلقه بغرض تنبيهه أو عقاب يعاقب به الله هذا مخلوقه الذي زاغ عن الطريق المستقيم. ومن ثمة فكل الظواهر لا تحدث إلا بمشيئة الله بغرض التنبيه أو الإختبار أو العقاب. فتفسير رجال الدين لفيروس كورونا يحكمه هذا المنطق، على الرغم من وجود بعض الإختلافات ليس في الأصل وإنما في الفرع: أي أن المنطلق واحد( النص الديني) مع وجود بعض الإختلافات في التأويل، محكومة في غالب الأحيان بمدى قرب أو ابتعاد رجال الدين من مراكز القرار السياسي أي من الحكام. لقد اتفقوا في أصل نشأة الجائحة و في سبب نزولها واختلفوا فقط في الإجراءات المتخذة من طرف الحكومات وعلى رأسها إغلاق دور العبادة أو المساجد ومنع عموم المسلمين من إقامة الشعائر الدينية داخلها. إنه نوع من الإستغلال السياسي للدين لانتزاع بعض المواقف السياسية سواء من الحكام أو من الجماهير الشعبية المتدينة. كما تعتبر فرصة لتزكية المفاهيم الغيبية حول العقاب الإلهي.
يكاد يجمع العلماء الدينيون باختلاف دياناتهم على أن الفيروس التاجي المعروف ب”كوفيد 19″ ليس إلا عقابا إلاهيا للبشر على اعتبار أنهم تخلوا عن التعاليم الدينية بل نتيجة طبيعية لخطاياهم وميولاتهم التي تغضب الله. فاليهود اعتبروا أن من شأن هذا الإبتعاد إثارة غضب الله الذي ترجم في هذا الفيروس. وأن عدم الإسترشاد بالكتب الصينية التي حرمت أكل الحيوانات البرية سبب هذه الجائحة.وأكد البابا فرانسيس أن سبب ظهور هذه الجائحة هو “خلو القلوب من الإيمان وامتلاؤها بالجشع والبحث عن الربح السريع دونما أدنى انتباه الى صرخة الفقراء وصرخة كوكبنا المريض[17]“. بهذا يكون البابا قد جعل من الإهتمام بمعاناة الفقراء ومن الإعتناء بالبيئة أساس الإيمان الواقي من غضب الله. واستكان العلماء المسلمون، مع بعض الإختلافات الطفيفة فيما بينهم، إلى أن هذه الجائحة ليست إلا عقابا وانتقاما من الله. ولا يصاب بهذا الداء إلا الملحدين ومزعزعي العقيدة المكذبين بالقرآن والأنبياء . فالله برأيهم اختار الصين بدعوى أن هذا البلد بلد يحكمه الطغاة والملحدون، حاصروا مسلمي الإيغور، نكلوا بهم واستهزأوا من نقاب نسائهم، وأجبروهم على أكل لحم الخنزير وشرب الخمر وحاصورهم. كل هده الممارسات جعلت الله يستشيط غضبا ليصيبهم بهذا الداء القاتل وحاصرهم وفرض عليهم رجالا ونساءا ارتداء النقاب في إشارة إلى الكمامة الواقية التي توضع على الوجه. وفي ذلك مسخ لهم على حد تعبير حمادي المدرسي. وصرح محمد خليفة البدوي، مدرس الفقه بجامعة الأزهر” بأن البلاء لا يحل إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، وبالنطر الى ما فعلته الصين نجد أن الأمر عسيرا ولا نفسره إلا على هذا النحو…فالصين من الدول التي تعادي الدين عموما، فلا مانع من أن يكون ذلك نزل بسبب ذنوبهم وعدائهم لله[18]“. وفي الوقت الذي لم ينتبه أي أحد من المسلمين لقضية الإيغور تكلف الله بقضيتهم. ومن ثمة فإن هذه الجائحة جند من جنود الله أرسلت الى الصين لمعاقبتهم ونصرة المسملمين. وذهب أيمن أبو عمر وكيل الأوقاف في مصر أن من مات بسبب كورونا فهو شهيد كما لو أنه كان في حرب ضد الكفار. استعصى علي فهم هذا المنطق: أن يرسل الله هذا الفيروس لشخص عقابا له ولما يموت يدخله في عداد الشهداء.
أما عن علاج كورونا بالنسبة لهذه الفئة، لا يحتاج لا إلى مجهودات العلماء ولا الى تجاربهم المختبرية، التي قد تستغرق شهورا بل سنوات. فهو(أي العلاج)أسهل مما يمكن تصوره. فإما بالرقية الشرعية( قراء ة القرآن على المصاب أو بعشبة، كما ذهب الى ذلك الشيخ يحظيه ولد داهي مدير معهد لعلاج السحر بنواكشوط ، الذي أبدى استعداده للذهاب الى الصين لمعالجة المصابين في الوقت الذي يؤكد فيه أن العلاج لا يكون مفيدا وناجعا إلا بالنسبة للمؤمنين وأحباب الله. فيما رأى أسامه حجازي، استشاري التخسيس وأمراض الباطن بجامعة كلود بيرنار بليون الفرنسية، أن النقاب والوضوء علاجان لفيروس كورونا. هذه الأشياء غابت عن المختبرات العلمية وعن منظمة الصحة العالمية. فلولا خوف هذه الأخيرة من ردود فعل العالم واتهامها بالإنحياز للمسيلمين لفرضت النقاب والوضوء كعلاج لهذه الجائحة وجعلتهما ضمن برامجها لمحاربة الأوبئة؟؟
الخلاف الذي ظهر في صفوف رجال الدين المسلمين تعلق بمدى شرعية إغلاق دور العبادة. فهذا قاسم الطائي دعا الى الاستمرار في ممارسة الطقوس الدينية والحفاظ على الصلوات الجماعية وصلاة الجمعة بدعوى أن الفيروس لا يصيب المؤمنين الملتزمين بأحكام الشريعة بل يصيب الكفار، لا لشيئ إلا لكون دور العبادة رحمة لا يدخلها ضرر. والضرر والرحمة لا يلتقيان كالخطوط المتوازية في الهندسة الأوقليدية. ومن ثمة فاتخاذ الحذر عربون على ضعف الإيمان لأن في ذلك تقديم السبب الدنيوي على الديني، الطبيعي على الإلاهي. فكل ما يقع في الطبيعة وللإنسان من أمر الله.( ما أحوجنا الى إحياء تراث الفرق الكلامية وعلى رأسها المعتزلة الممجدة للعقل). فإبطال صلوات الجماعة وصلاة الجمعة والعزوف عن زيارة الأماكن المقدسة هو ما تسعى إليه الجهات المعادية للدين الإسلامي، لما في هذه الطقوس من تقوية الشعور بالوحدة والتلاحم فيما بين المسلمين. وعليه فإن كل المحاولات المستميتة لمحاربة الإسلام لم تفلح إلا مع مجيئ كورونا.
وبمقابل ذلك هناك من اعتبر أن إغلاق المعابد والكنائس والمساجد والأماكن المقدسة في وجه المتدينين امن صلين وحجاج مسألة شرعية ودليلهم في ذلك هو الخوف على هلاك النفس، جراء مرض محقق وليس مفترضا أو وهما. إن الخوف يدخل في موانع الصلاة بالمساجد.فمع الخوف ينتفي شرط أساسي من شروط إقامة الصلاة وهو الطمأنينة. ومن ثمة أفتى الإتحاد العالمي للمسلمين بجواز إغلاق المساجد في وجه المصلين لما في ذلك من حفاظ على حياة المسلمين ارتكانا إلى قاعدة شائعة فيما بين المسلمين تؤكد أن ” حماية والحفاظ على الأبدان مقدم على ألأديان . وكباقي علماء المسلمين، أفتى المجلس الأعلى العلمي بالمغرب، بطلب من ملك البلاد باعتباره أميرا للمؤمنين( الفصل41 من دستور 2011)[19] بضرورة إغلاق المساجد سواء بالنسبة للصلوات الخمس و صلاة الجمعة ابتداءا من السادس عشر (16) من شهر مارس من السنة الجارية. وعلى خلاف المجلس العلمي الأعلى بالمغرب والاتحاد العالمي للمسلمين اعتبر أبو النعيم(من الوجوه السلفية بالمغرب) “أن البلد الذي تغلق فيه المساجد ولا تصلى فيه الصلوات الخمس بلد مرتد عن دينه، وكفر بعد إيمانه أصبح دار كفر وليست دار إسلام [20]“. وعلى إثر هذا التصريح التكفيري تمت متابعة هذا السلفي وإدانته بسنة حبسا وغرامة قدرها ألفين درهم(2000 درهم).
ويبقى هذا النقاش حول شرعية أم عدم شرعية إغلاق دور العبادة، إخفاء لمحدودية الآفاق الفكرية لهؤلاء، ولا قدرتهم على مسايرة الفكر العلمي. هذا إضافة الى إدخال عموم الناس في نقاش عقيم لن يجديهم نفعا في مواجتهتم لهذا الفيروس القاتل.
إن الأحداث على أرض الواقع تدحض هذه التفسيرات وتعري على قصورها وعجزها المعرفي وضحالة فكرها. فكيف لقوة ما فوق طبيعية تتدخل في تسيير شؤون الناس على الأرض لمعاقبة الكافرين والملحدين؟ وحتى ما إذا كان الأمر كذلك لماذا انتقلت العدوى لتصيب حتى المسلمين والمسيحيين واليهود؟ أم أنها لم تصب إلا الكفار منهم؟ هل الفيروس مؤمن يعادي الكفار والملحدين حتى في صفوف الدين ينتمون الى الإسلام حضارة وثقافة؟ وهل يوجد فيروس كافر لا يصيب إلا المؤمنين حتى يعلي الله من درجاتهم ويرقيهم الى مستوى الشهداء؟ هل هذه العلاجات لم يحط مكتشفوها علما المنظمة العالمية للصحة؟ ولماذ لم يقدموها لحكامهم الذين لا زالوا يتخبطون في دوامة من الهلع والخوف وعدم الإستقرار بمعية شعوبهم؟ فمن السذاجة القول بأن المساجد لا يدخلها هذا الفيروس التاجي وبالتالي لن يصيب مرتاديها. فما غاب عنهم أو أرادوا تغييبه، وهذا ما يصرخ به الواقع، أن هذا الفيروس التاجي لا يعرف الحدود، ولا يميز بين الأماكن . فهو عابر للقارات، كما أنه عديم التميييز فيما بين البشر وبين الأعراق والديانات. يسعى فقط الى الوصول الى رئة الإنسان ليتكاثر بها مستهدفا جهاز مناعته ليرديه جثة هامدة.
إن داء الفيروس التاجي ساهم بشكل كبير في تعرية الفكر الديني الذي يحاول أن يسقط المقدس على المدنس أي يدين الدنيوي. موهما الناس بأن كل ما يقع في الطبيعة وللإنسان يجد تفسيره في الكتب المقدسة بل وأن هذه الأخيرة سابقة عن العلم في اكتشافاته واختراعاته. إنهم يتطاولون على مجالات العلم ويسمحون لأنفسهم الخوض فيها وهم يفتقرون لأبجديات العلم المنهجية والمعرفية. إنه قلة الحياء العلمي. فمن تحدث في غير فنه أتى بالعجائب كما يقول الفقهاء. وما أتى به هؤلاء لا يخرج عن هذا الإطار. إن الدين بهذه الطريقة من التحليل لا يدفع الإنسان خطوة واحدة عل طريق البحث والكشف العلميين. فالكتب الدينية لا تقيم براهين على الظواهر الطبيعية والإنسانية بقدر ما تقدم مادة إيمانية. وعليه فكتب الدين ليست كتب علم تجريبي ولا كتب فيزياء ولا كتب اقتصاد ولا كتب سياسة ولا كتب تربية… وإنما هي كتب هداية تخاطب الوجدان والعاطفة ولا تخاطب العقل. وعليه فإن الظواهر الإنسانية والطبيعية لا تفسر بالعاطفة والوجدان وإنما بالعقل المسلح بالعلم وبأدواته وبخطواته المنهجية والمعرفية: الإبستمولوجية. فلا شيء أخطر على الفكر وتطوره من الإقرار المطلق بأن كل ظاهرة جوابها جاهز وتفسيرها متضمن في الكتاب المقدس.
فالأمر لايقف عند حد إسقاط ما هو ديني على ما هو دنيوي، وتغليف النسبي بالمطلق، بل يتعداه، خصوصا إذا انخرط الدين في الصراعات الإيديولوجية والسياسية، إلى بث روح التعصب والتشدد، وزرع الكراهية وإقصاء وتهميش الآخر ووضعه في مصاف العدو، مما يستلزم حشو كل ثقب الجسد بالبارود والإنفجار في وجهه باعتباره مخالفا ومباينا لحاملي هذا الفكر. إنه فكر لا يعمل إلا على تغذية التطرف بل والإرهاب حتى.
ففي الوقت الذي يحرص فيه علماء الأوبئة والأطباء على تقديم تفسير علمي للفيروس وإشاعة وعي صحي، تتعالى أصوات رجال الدين شامتة وزارعة للكراهية. فالعودة إلى الدين من دون معرفة نصوصه وتاريخه ومن دون تحرير للنص الديني، تحريرا يربطه بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتطور العلمي، يكون كارثة. فما غاب عن فكر هؤلاء هو أن هذه الجائحة متعدد الأبعاد يتداخل فيها الطبي والديني والاقتصادي والسياسي والنفسي..وان كل فاعل ، انطلاقا من موقع تخصصه، مطالب بالإجابة عما تطرحه الجائحة عليه من أسئلة بأفق القضاء عليها، من دون أن يدخل في تعارض مع الآخر على أساس أن الهدف واحد. وبالتالي فعلى رجل الدين أن يجيب بشكل يجعل الناس يتفهمون أهمية الإجراءات التي اتخذتها السلطات المختصة، ويساهم في بث الطمأنينة في النفوس وتهدئتها وليس تشميتا وزرعا للكراهية.
فبالاعتماد على سوابق تاريخية، أثبتت أن الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا وصناعيا لا تتوانى في استعمال امكانياتها التكنولوجية والصناعية المتطورة في حروبها من أجل دحر العدو ومن أجل تحقيق أغراضها ومصالحها الاقتصادية والسياسية بما في ذلك نشر الأمراض ولو بشكل اصطناعي. وبالتالي فإن انتشار داء الفيروس التاجي لا يمكن أن يكون مجرد صدفة كما الشأن بالنسبة للعديد من الأوبئة التي عرفتها البشرية والتي انتقلت طبيعيا من الحشرات أو الحيوانات الى الإنسان. وفي نفس الوقت، يصعب إثبات نظرية المِؤامرة والإقرار بأن فيروس كورونا التاجي منتوج مخبري، كما يصعب تصديق المقاربة الدينية لتهافتها. كل هذا يدفعنا الى استحضار المقاربة العلمية. فما هي الحجج التي تقدمها التصورات العلمية؟
3– المقاربة العلمية:
بخلاف المقاربة التآمرية والمقاربة الدينية، فإن المقاربة العلمية تعتبر أن فيروس كورونا ليس وليد تجارب مخبرية، وليس جندا من جنود الله، بقدر ما هو منتوج طبيعي أفرزته الطبيعة تحت شروط طبيعية معينة. ينتمي فيروس كرونا التاجي الى عائلة الفيروسات التي تصيب الحيوان والإنسان على السواء. فهو الأحدث في هذه السلالة ومن بين خصائصه أنه ينتقل بسرعة كبيرة فيما بين البشر ويسبب أمراضا خطيرة، وهذا ما يؤرق المسؤولين. يعتبر هذا الفيروس امتدادا طبيعيا لمتلازمة الإلتهاب الرئوي الحاد(syndrome respiratoire aigu severe : « SRAS » (الذي أصاب الصين عام 2003 ولمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية syndrome respiratoire du Moyen Orient (MERS)التي أصابت السعودية عام 2012. في هذا الإطار أكد عالم البيولوجيا الجزيئية( biologie moléculaire) كريستيان أندرسون، من خلال مقارنته لهذا الفيروس بسلالات فيروسات التاج المعروفة(سراس وميرس) أنه نشأ بشكل طبيعي ومن خلال العمليات الطبيعية، “وبالتالي فإن هذا الفيروس ليس سلاحا بيولوجيا أنشيء في المختبرات[21]“. إن تطور الفيروس الى حالته الحالية جاء نتيجة انتقاء طبيعي من خلال حاضن غير بشري وقد يكون هذا الحاضن أو المضيف حيوانا كما هو الشأن بالنسبة للنوعين الأولين من سلالة فيروسات كورونا وهما متلازمة الإلتهاب الرئوي الحاد(السراس SRAS)و متلازمة الشرق الأوسط التنفسية(الميرسMERS).
على الرغم من التحاليل التي قام بها العلماء سواء في الصين أو خارج الصين لا زال أصل داءالفيروس التاجي نسبيا غير معروف أي لا زالت هناك العديد من المناطق الرمادية فيما يتعلق بأصله وفي أي من الحيوانات نشأ؟ وبحسب تسلسل جينوم[22] الفيروس الذي قام به مجموعة من العلماء الصينيين، انتهوا الى أنه قريب من فيروس متلازمة الإلتهاب الرئوي الحاد( سراسSRAS)الذي ظهر بمقاطعة قوانغدونغ الصينية في نونبر 2002 ثم انتشر الى ما يقرب من تسع وعشرين (29) دولة سنة 2003. وأوصلتهم تحاليلهم الى العديد من الحيوانات. فالخفافيش وقطط الزباد قد تكون من وراء داء الفيروس التاجي باعتبارها هي المضيفة والحاضنة له وبالتالي فهي المسؤولة عن نقله الى الإنسان. إن فرضية كون مصدر داء الفيروس التاجي هو الحيوانات البرية تبقى قريبة من السلامة خصوصا وأن الصينيين يتاجرون فيها ويتغذون عليها مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بهذا الداء، بحسب ما أوضح بيتر داسزاك Peter Daszakرئيس المنظمة غير الحكومية «Ecohealt alliance» المتخصصة بالوقاية من الأمراض المعدية. فجل الأمراض المعدية هي من اصل حيواني: فقطط الزباد مسؤولة عن فيروس “سراس SRAS” والوطواط عن فيروس ايبولا والقردة عن فيروس الإيدز. وفي نفس الاتجاه أوردت وكالة شينخوا الصينية “الى أن أثنتي وعشرين(22) عينة من أصل خمسمائة وخمس وثمانين(585) عينة مأخوذة من سوق هوانان، الموجود بمدينة ووهان، جرى العثور فيها على الحوامض النووية التابعة لفيروس كورونا الجديد وأن الأخصائيين تمكنوا من فرز الفيروس من عينات البيئة، الأمر الذي يدل على أن الحيوانات البرية التي كانت التجارة بها جارية في السوق المذكورة، هي التي كانت مصدرا للفيروس[23]“. وبحسب مدير قسم الصحة العامة بمعهد باستور آرنو فونتانيت Arnaud fontanet ، رئيس قسم الأوبئة بمعهد باستور بباريس، “فما يمكن قوله يقينا ان هناك أصل حيواني” وانتقل إلى الإنسان وأن قطط الزباد هو الذي يحتوي على فيروس شبيه بهذا الذي لذا الإنسان خاصة في قدرته على الإلتصاق بالمستقبلات الخلوية التي تساعد الفيروس على اختراق الجسم الإنساني. هذا إضافة إلى” أن براز هذا الحيوان المعروض للبيع في السوق، تحمل هذا الفيروس ويمكن أن تنتقل العدوى الى التجار أو الزبناء[24]“.
إن انتقال داء الفيروس التاجي، إلى الإنسان عن طريق الحيوانات، أكدته الدراسات التي أجريت على فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس MERS”، بحيث رأت بأن هذا الفيروس الذي أصاب دول الشرق الأوسط وعلى رأسها السعودية سنة 2012 مصدره الإبل والتي انتقل اليها عن طريق الخفافيش في زمن بعيد. ومن ثمة فالإبل هي المستودع الرئيسي الذي يستضيف فيروس كورونا المسبب لل”ميرسMERS.”. فعلى الرغم من عدم معرفة طريقة انتقال هذا الفيروس من الجمال الى الإنسان الى أن الدراسات خلصت الى وجود مضادات حيوية لهذا الفيروس تفرزها الإبل ، ومن ثمة رجحت أن الإنتقال يتم عن طريق مخالطة الإبل واستهلاك منتجاتها من لحم ولبن وبول[25]. فعلماء من أمريكا ومن السعودية، بحسب الوكالة الفرنسية للأنباء(22 مارس 2020 )، أكدوا على أن فيروس كورونا لذا الخفافيش يشبه تماما ذلك الذي يصيب الإنسان. توصلوا إلى هذه النتيجة بعد أخذ ما يزيد عن ألف عينة من سبعة (7) أنواع من الخفافيش بمختلف مناطق السعودية، التي ظهرت فيها متلازمة الشرق الأوسط التنفسية(ميرس(MERS، ولأول مرة حددوا أن هذا الحيوان خزان لداء الفيروس التاجي. وعليه تبقى الخفافيش خزانات وحاضنات له. وانتقل إلى الحيوان وخاصة الإبل، وبحكم علاقة الإنسان الصحراوي الهوياتية بهذه الحيوانات، انتقل اليه هو الآخر هذا الوباء، وسبب له ذلك المرض التنفسي المعروف بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية(ميرس MERS).
على الرغم من حصول اتفاق حول كون الحيوان هو حاضن وناقل هذا الوباء إلى الإنسان إلا أن الطريقة التي يحصل بها هذا الإنتقال لا زال الحسم فيها غير نهائي. هناك قطعة من الأحجية مفقودة.
لمواجهة داء الفيروس التاجي سارت الدول على منهجية الحجر الصحي، الذي اتخذته الصين في صراعها مع المرض حتى لا ينتشر ويتفشى وسط الناس. إنه إجراء قديم ارتبط بالطاعون وخاصة الأسود الذي ضرب في البداية الصين عام 1331 وانتقل منها الى آسيا وشرق أوروبا والشرق الأوسط. وكانت الدول المصابة بالطاعون تلجأ الى عزل المصابين وتقييد حركة الآخرين المحتمل إصابتهم بالعدوى.
كباقي الدول الأوروبية(اسبانيا، هولاندا) لجأت إيطاليا، في مواجهتها للطاعون الأسود، إلى عزل الوافدين إليها في مكان واحد وحجز سفنهم لمدة أربعين يوما قبل السماح لها بالرسو وإفراغ حمولتها. ومن مدة العزل التي تستغرق أربعين يوما اشتقت الكلمة الفرنسية quarantaine(العزل أو الحجر الصحي).
مع كوفيد 19، لم تكن الدول في البداية متفقة على إعلان حالة طواريء صحية ومنع السكان من التنقل والتجمع باعتبار كل ذلك خرقا للحريات الفردية والجماعية ومصادرة للفضاء العام ومركزة للسلطة وممارسة القمع، باسم محاربة الفيروس وتحت ذريعة المحافظة على الحياة. فانجلترا مثلا اختارت في بداية الأمر استراتيجية ما يسمى ب” استراتيجية القطيع” القائمة على ممارسة الحياة بشكل عادي، بحيث يصاب معظم أفراد المجتمع بالفيروس، فتتعرف أجهزتهم المناعية علية وتسهل محاربته، بل سيختفي من تلقاء ذاته. إلا أنه في الأخير، وتحت وطأة خطر انتشار هذه الجائحة، وإصابة حتى أولئك الذين كانوا يظنون أنهم بمنأى عنه، مارست أغلب الدول الحجر الصحي على مواطنيها ومنعت كل ما من شأنه أن يوفر ظروف الإختلاط ، باستثناء كوريا الجنوبية وهونغ كونغ اللتين جعلتا من لباس الكمامة مسألة ضرورية مرفوقا بفحص مكثف لكل الساكنة.
موازاة مع الحجر الصحي كإجراء وقائي، عرف العالم الغربي، من خلال المختبرات العلمية وشركات صنع الأدوية سباقا محموما لإنتاج مصل لمحاربة داء الفيروس التاجي. في هذا الإطار أثارت تصريحات عالم الأوبئة، البرفسور ديدييه راوولت ( 1952)Didier Raoult ، بخصوص اقتراحه للكلوروكين كعلاج واعد لكوفيد 19، ضجة إعلامية وجدلا وسط المختصين والأطباء والساسيين حتى. فاقتراحه لم يأت من فراغ، وإنما انطلاقا، أولا من أعمال عالم الأوبئة وأمراض الرئة الصيني تشونغ تانشان ( 1936 )Zhong Nan Shan مدير معهد غوانزو للأمراض التنفسية ورئيس تحرير مجلة أمراض الصدر، وثانيا من التجربة التي أقامها على عينة من المصابين، حيث أبان الدواء عن نجاعته واعتمده الصينيون والإيرانيون والمغاربة في مواجهتهم لكوفيد 19. وبالتالي فهو لا يرى مانعا من وصفه للمصابين دون انتظار التجارب المختبرية. ولما أعلن عن توفر هذا الدواء وبثمن زهيد، دخل لوبي صناعة الأدوية ليؤجج من الصراع مستعملا كل الأساليب بهدف ثني البروفسور ديدييه راوولت عن قراره وعن دعوته للأطباء لوصف دواء الكلوروكين للمصابين. فألصقت له العديد من التهم(ممارس للسرقة العلمية)، وقيلت في حق شخصه، أشياء كثيرة(دجال، مريض بالعظمة، يبحث عن الشهرة)، وهٌدد بالتصفية الجسدية.
هذه الأجواء خلقت لذا الرأي العام الفرنسي انطباعا بوجود تآمر فيما بين الحكومة وشركات صناعة الأدوية وخصوصا شركة بيغ فارما Big Pharmaبحكم التقارب فيما بينها وبين قصر الإليزي، لأن كل أعضاء الحكومة تقريبا كانوا أجراء عندها أو هم كذلك الآن. والذي غذى هذا الوضع هو صراعه مع إيف ليفي Yves Levy على رأس المعهد الوطني للصحة والدراسات والأبحاث الطبية(JNSERM )، وزوجة هذا الأخير أنياس بيزان ( 1962 )Agnes Byzin وزيرة الصحة سابقا. فالوجه الأول للصراع تمشى مع فضح ديدييه راوولت لتضارب المصالح أو ازدواجها فيما بين وزيرة الصحة وزوجها مدير المعهد والثاني يتمثل في تغيير الوضع القانوني للمعهد الجامعي الإستشفائي لمارسيليا من مؤسسة للتعاون العلمي، تتمتع باستقلالية وحرية في البحث إلى مؤسسة تابعة للمعهد الباريسي . هذا ما لم يرق ديدييه راوولت ودفعه الى سحب علامة المعهد الوطني للصحة والدراسات والأبحاث الطبية من وحدات البحث بالمعهد الجامعي الإستشفائي بمارسيليا. والوجه الثالث عندما صرحت وزيرة الصحة أن مادة الكلوروكين مادة سامة وعمدت إلى تشطيبها من لائحة الأدوية المسموح بتناولها طبيا. احتمال أن تكون هذه الممارسات ضد ديدييه راولت للحيلولة دون ارتفاع أسهمه في المجال الكبي ويرشح لجائزة نوبل؟
إن العالم لا يعيش أزمة سياسية وإنما يعيش أزمة صحية ومن ثمة وجب التفكير فيما يمكن أن ينقذ حياة الناس. فالمجتمع الدولي في حرب الآن كما عبر عن ذلك كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب(1946)Donald Trump والرئيس الفرنسي وإيمانويل ماكرون( 1977 ) Emmanuel Macron فلا يجب مقايضة حياة البشرية بالربح. كما لا يجب المتاجرة في مآسي الشعوب. فحياتهم لا تقدر بأي ثمن. فهي فوق كل الأثمنة وكل الأسعار.
اعتبرت المقاربة العلمية أن ظهور مرض الفيروس التاجي حدث تحت تطور الظروف الطبيعية. أليس للإنسان دور في توفير الشروط الطبيعية التي يمكن لها أن تحدث مثل هده الطفرات وهذه التحولات في الطبيعة بظهور كائنات جديدية؟
4– المقاربة البيئية.
تُعرّفُ البيئة بذلك الوسط الذي تعيش فيه الكائنات الحية وغير الحية المرئية وغير المرئية، ويعتبر الإنسان من بين العناصر المكونة لهذا الوسط. كل هذه العناصر تتفاعل فيما بينها وفق قوانين طبيعية تحافظ على التوازن البيئي.وبالتالي فإن إلحاق أي ضرر، كيفما كانت درجته بأي عنصر من عناصر البيئة، سوف يضعف من توازنها ويساهم في لا استقرارها. ضمن هذه السلسلة من الكائنات الحية، سمح الإنسان لنفسه بأن يصير هو البداية وهو النهاية، وأعطى لنقسه قيمة لم يمنحها له أي عنصر من عناصر الطبيعة. فظن أن كل ما في الطبيعة مسخر لخدمته وقضاء حاجياته وتلبية نزواته خصوصا عندما طور ونوع من وسائله وقواه الإنتاجية. فتلاشت بذلك فكرة البيئة الحاضنة والتعايش المتناغم بين مكوناتها لتظهر فكرة السيطرة على الطبيعة واستغلالها. هذا الوضع المتميز الذي منحه الإنسان لنفسه، سيجد تبريره في التنظيرات الليبرالية التي دفعت الإنسان الى التسلط وممارسة عدوانيته على الطبيعة.كتب ديكارت(1596- 1650):” أنه من خلال معرفتنا بقوة النار والهواء والماء…وبمعرفتنا لمختلف مهن صناعنا التي يمكن توظيفها في جميع الإستعمالات التي تناسبها، نستطيع أن نجعل من أنفسنا سادة الطبيعة وملاكها[26]“. فامتلاك الطبيعة والسيطرة عليها يقتضي من الإنسان معرفة ثقنية وآلية / ميكانيكية لمكونات الطبيعة. وبذلك تحولت الطبيعة إلى شيء، أفرغ من محتواه العضوي والحيوي ، يستعمله الإنسان لتحقيق مآربه وإشباع غرائزه. وكان ذلك بمثابة إعلان عن بداية موت الطبيعة ككائن عضوي وحي. وستزداد متاعب البيئة مع انتقال الدول الصناعية الى دول استعمارية تسعى الى تنمية صناعاتها وذلك بالبحث عن الموارد الأولية وأسواق جديدة لتصريف منتوجاتها. وبالتالي فسيرورة التصنيع بدلت وغيرت على نحو كبير من وجه الأرض(تغيير استخدام الأراضي للاستيطان والزراعة، استخراج المعادن، قطع الأشجار..). ففي الحضارة الرومانية ذات الوقع الشديد على البيئة أسف الفلاسفة بشكل صريح لأعمال حفر المناجم باعتبارها من قبيل إساءة معاملة لأمهم الأرض على حد تعبير مايكل زيمرمانMichael Zimmerma :(1946)[27]. وكلما ازداد تطور الرأسمالية كلما ازداد اعتداء الإنسان على البيئة بما فيها هو( أي الإنسان)، وتدمير المناطق العازلة الطبيعية التي تفصل فيما بين الإنسان والحيوان. وبذلك لا تعمل هذه الرأسمالية التي توصف ب”الراسمالية المفترسة أوالمتوحشة” إلا على خلق فرص انتشار مسببات الأمراض وانتقال الفيروسات من الحيوان إلى الإنسان. وبتعبير آخر كلما زاد التنوع البيولوجي للنظام البيئي كلما كان من الصعب انتشار المرض. وكلما كان انخفض هذا التنوع البيولوجي كلما توفرت الشروط للحاضنات والمضيفات وناقلات الأمراض إلى الإنسان. ومن ثمة فإن تدهور التنوع البيولوجي يسرع من وثيرة ظهور فيروسات جديدة ومن اخطار انتقال الأمراض. مما يعني أن هناك ارتباطا وثيقا فيما بين الإنسان والبيئة، وأن الاعتناء بالبيئة هو اعتناء بالإنسان على حد تعبير انغر اندرسن المديرة التنفيدية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. وبذلك يتعين على الإنسان إعادة النظر في علاقته بالبيئة بشكل اساسي.
مع التحولات التي سيعرفها العالم في التسعينيات من القرن الماضي(انهيار المعسكر الإشتراكي، سقوط جدار برلين، انتهاء الحرب الباردة وظهور تقنيات جديدة في التواصل والإعلام)، ظهر نظام اقتصادي جديد شكلت النيوليبرالية قاعدته النظرية وخلفيته الإيديولوجية، الداعية الى فتح الحدود في وجه السلع والرساميل والخدمات وعوامل الإنتاج والأشخاص. فتحول العالم الى سوق حرة كبيرة، إلى درجة أصبح معها التمييز فيما بين السوق الوطنية والأجنبية صعب، تلعب فيه المؤسسات الدولية( البنك الدولي، صندوق النقد الدولي) والمؤسسسات العابرة للقارات الدور الأساسي. وبذلك أصبح العالم كله تحت قيادة وهيمنة قوى تشرعن للتبادل الشامل خدمة للرأسمالية المتقدمة capitalisme avancé) le) ولأهدافها وعلى رأسها زيادة الأرباح والتراكم الرأسمالي من دون أي اعتبار. وعليه وجدت في البيئة العامل الأساسي الذي يمكن أن يحقق أهدافها. فتحول عندها كل شيئ الى سلعة، بما فيها الإنسان، يحكمه منطق البيع والشراء. وبتعبير آخر تعمل الرأسمالية المتقدمة على إحضار كل الموارد الطبيعية الى اقتصاد السوق من أجل الإنتاج السلعي. فصار استنزاف الطبيعة أكثر أهمية من سلامة الأرض والعناصر المرتبطة بها(ماء، تراب، هواء، حيوان، إنسان، نبات، وكائنات غير مرئية). بحيث تم استغلال البيئة بشكل مكثف وعلى نطاق واسع(حفر الأرض، قطع الأشجار، استعمال مكثف للمبيدات في الفلاحة..). إنها أنشطة، ليست فقط، مبدلة لوجه البيئة ومؤثرة على مكوناتها العضوية والحيوية بل وملحقة أضرارا بليغة بها. وإلحاق الضرر بالبيئة معناه تعريض الحياة التي تعيشها الكائنات الحية الى الخطر وإخلال بالتوازن البيئي كأساس للحياة الحية والعضوية. إن استغلال البيئة، بشكل فج ومدمر، من خلال تلويث كل عناصرها وتدهور شروط الحياة فيها ليدفع الطبيعة أن تدخل في رد فعل من أجل الحفاظ على توازنها كما تفعل الغابات عندما تشعل النار في ذاتها( النار التاجية)[28]. وبالتالي فإن مرض الفيروس التاجي ليس إلا تحولا في الطبيعة تحت ضغط الممارسات التدميرية للحياة فيها. فبمجرد ما انتشر هذا الفيروس توقفت الحركة برا وبحرا وجوا فتعافت مياه الطبيعة وهواؤها. إنه انتصار للطبيعة وانتقام من الإنسان الذي استأسد وجعل من نفسه القوة القادرة على قهر الطبيعة وإخضاعها وتسخيرها لصالحه. برأي سلافوي جيجيك(1949) Zizik Slavoj “إذا استطاع انفجار طفيف كهذا أن يكون له تأثير اجتماعي واقتصادي كارثي للغاية فذلك بسبب تطورنا التكنولوجي. فالتكنولوجيا جعلت الإنسان أكثر استقلالية عن الطبيعة وأكثر تبعية لتقلباتها[29]“. فما يمكن استخلاصه من ذلك هو أن فيروس كورونا رد فعل طبيعي تمثل في تحول وانتقال بل وولادة جديدة لكائن مجهري(فيروس). واعتبر سيرج موراند ( 1959) Serge Morand (باحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية)، “أن الأزمة الإيكولوجية هي سبب هذه الأزمة الصحية وربط فيما بين اختفاء التنوع البيولوجي وظهور الأمراض المعدية[30]“. إن هذا الباحث جعل من تدهور البيئة التاتجة عن الممارسات الرعناء للإنسان سببا في ظهور وباء الفيروس التاجي. وبالتالي فهو نتاج للرأسمالية المتقدمة التي لم تعر أي اهتمام للحياة، ولم تعمل إلا على تدميرها واستنزافها. وفي هذا الإطار يعتبر لوران هنري فينوLaurent Henri Vignaud أن الوباء نتاج مشترك قيما بين الطبيعة والإنسان. وبالتالي فإن هذا ألاخير(الإنسان) يبقى مسؤولا عن ظهور هذه الجائحة وعن انتشارها. فانتشارها السريع، مقارنة بالأوبئة السابقة التي عرفتها البشرية، ساير منطق النيوليبرالية القائم على انعدام الحدود وعلى حرية تنقل السلع و الرساميل والأفراد. وعلى حد تعبير رومان لوكلير ” ليس الفيروس هو الذي انتقل وإنما الإقتصاد المعولم “. وعليه ساهم هذا النظام أيضا في تسريع وثيرة انتشار هذه الجائحة. وبالمقابل فإن جيرالد رونر يعتبر “خطأ اعتبار سبب انتشار الفيروس هو العولمة . انتشار الفيروس يعود الى أن سوقا لم تحترم القواعد الطبية التي اخترعتها الحداثة وتداولتها عن طريق المبادلات وليس لأنه خلق إراديا في المختبر[31]” فهو بذلك يحمل المسؤولية لأصحاب القرار الطبي.
قبل داء فيروس التاجي عرفت الإنسانية، عبر تطورها التاريخي، مجموعة من الأوبئة شكلت نقط تحول في مسار المجتمعات وانتقالا من حقبة الى أخرى. فطاعون جستنان(نسبة الى امبراطور بيزنطة) ساهم في اندثار الحضارة البيزنطية والإعلان عن ميلاد الحضارة العربية الإسلامية، والطاعون الأسود أبان عن ضعف وعجز النظام الإقطاعي عن مواجهته مما ساهم في بداية وعي صحي عند الأقنان(الحاجة الى الصحة والتشبث بالحق في الحياة) وأنذر بالإعلان عن نهاية الإقطاع وحليفتها الكنيسة التي تزعزعت صورتها لذى عموم الناس بلا قدرتها على مواجهة الطاعون. بذلك تلاشى النظام الإقطاعي وظهر النظام البورجوازي المرتبط بما هومادي وليس بما هو غيبي. وعليه فإن للأوبئة آثارا هائلة على الإستقرار السياسي والاجتماعي والإقتصادي إلى درجة معها يمكن القول أن الأوبئة غيرت تاريخ العالم وشكلته. فماذا عن وباء فيروس كورونا؟
فهل هو إيذان بتغير في النظام العالمي؟ وهل سيعرف هذا النظام تحولا في مستوياته السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية؟ وما مدى مشروعية الحديث عن عالم ما بعد كورونا؟
ب– تداعيات داء الفيروس التاجي العروف ب”كوفيد19″
بعيدا عن كل نزوع أو توجه عنصري، تعتبرأسيا عامة والصين خاصة مرتعا للعديد من الأوبئة، فقبل كوفيد 19 عرفت الصين الطاعون(1894)، الأنفلونزا الآسيوية(1957)، متلازمة الإلتهاب التنفسي الحاد” سراس”(2002). فلا غرابة، إذن، من أن يكون وباء الفيروس التاجي قد انطلق من مدينة ووهان وانتشر في العالم كالنار في الهشيم. وأصبح خطرا يهدد الإنسانية، لا يعترف بحدود، غير منحاز لا يميز بين المجتمعات و لا بين البشر. لن تهدأ هده الجائحة من دون أن تخلف آثارا على حياة الإنسان وحياة المجتمعات. فما هي المستويات التي بصمت عليها هده الجائحة ومارست تاثيرها عليها ؟
- المستوى النفس-اجتماعي.
انتشار الجائحة السريع خلف موجة من الرعب والهلع وسط سكان العالم حكومات وشعوبا. فبادرت الدول الى تعطيل الحركة في مدنها وقراها وشلها كإجراء احترازي من تفشيه. فسارعت كل دولة إلى إغلاق حدودها، إعلانا عن عودتها الى الدولة الوطنية مما يسمح لها بفك علاقتها بالنظام العالمي وبممارسة سيادتها على ترابها، فتوقفت المطارات عن استقبال الطائرات، أغلقت الجامعات والمعاهد والمدارس، منعت التظاهرات والتجمعات وتوقفت أنشطة المقاهي والفنادق والأماكن السياحية… وكل دولة وضعت سكانها تقريبا تحت الحجر الصحي، فصودرت حقوقهم الفردية(حرية التنقل، التعبير عن الرأي) والجماعية(حرية التجمعات) وسلب منهم الفضاء العام واختزلت علاقاتهم الإجتماعية في العلاقة الحميمية داخل الأسرة الصغيرة وتحت سقفها. فلا أحد يرغب في لقاء الآخر. وصار الخوف عملة يتداولها الناس فيما بينهم. وبطريقة غير معلنة أضحى الجميع عدوا للجميع وكأن الإنسانية تعيش حالة الطبيعة حسب تعبير طوماس هوبزThomas Hobbes(1588-1679)، حيث “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”. ساهمت هذه الجائحة في تقويض حقوق الإنسان وفي تفكيك الروابط الإجتماعية بجعل الواحد حذرا من الآخر وكأنه عدو محتمل، إن لم يكن حقيقيا، وجب الإحتياط منه وتجنبه وتفادي الإختلاط به. هذا السلوك الفردي/ الجماعي الناتج عن الخوف والهلع من وضع آفاقه مجهولة، سيؤدي الى التقوقع والإنغلاق على الذات والقطع مع التواصل كانفتاح على الآخر. ومما يزيد من حدة هذا الوضع النفسي، من جهة، هو شعور الإنسان الدائم بوجود خطر يهدده باستمرار، ومن جهة أخرى ارتماؤه في حضن سيل جارف من الأخبار المتعلقة بهذه الجائحة. إنه بالفعل كابوس يطارد الإنسان من دون معرفة متى وكيف سينتهي. فيتولد بذلك الإحساس بالقلق وانعدام الأمان. مما يدفعه بشكل هستيري إلى شراء السلع،كطريقة لمواجهة الخطر والتخفيف من وطأته. فخلال التبضع، تستغرقه السلع فيتناسى الخطر الذي يطارده، ولا يستحضره إلا عندما يدخل المنزل ويغلق الباب من الداخل فيعيش الحجر الصحي في انعزال تام عن الأهل والأصدقاء، فاقدا الوثيرة العادية للحياة: الذهاب الى العمل، التجول في الشارع، الإلتقاء مع الأصدقاء، ممارسة هواياته..وبالتالي سيضطر الإنسان أن يعيش نمط حياة مفروض، مفاجيء ومغاير لنمط الحياة الذي اعتاد عليه. استحضار هذين النمطين من الحياة وتضاربهما أساس قلقه واكتئابه. وبخلاف ذلك فإن هذه الجائحة تدفع الإنسان الى الحرص على النظافة والإلتزام بالبيت والإقتراب من الأبناء والإهتمام بهم والتقليل من بعض التقاليد كالعناق والتقبيل المجانيين. كما أن هذا العزل المفروض يمنح الإنسان درسا في التواضع ويدفعه الى مواجهة ذاته ويذكرنه بأنه لا شيء في هذا الكون. بهذا الإنغلاق القسري على الذات تراجعت العلاقات الإجتماعية، وتباعد الإنسان عن أخيه الإنسان تحت ذريعة الحفاظ على الذات الفردية والجماعية. فلم يعد هناك من مجال للتشارك والتعاطف الوجداني مع الآخر(الأفراح الأتراح). وما ارتداء الكمامات إلا تعبير عن القطع مع الآخر إن لم يكن إخفاءا للهوية الشخصية وتنكرا اجتماعيا، بل وانفلاتا من القهر الذي يمارسه المجتمع على الفرد.
جائحة كورونا أثرت على كل فئات المجتمع خصوصا الفئات الهشة منها. فالنساء أصبحن يعشن لفترة طويلة جنبا الى جنب من يضطهدن، الأطفال الصغار حرموا من الفضاءات العامة التي ينتعشون فيها ويتخلصون من قهر المنزل والآباء، العمال فقدوا شغلهم كما أن الأفارقة المهاجرين فقدوا التوازن الذي كانوا يعيشون وفقه.
ويبقى المتمدرسون هم الفئة الأكثر تضررا من الحجر الصحي، بحكم ميولهم إلى معانقة الفضاءات الرحبة والتخلص من سلطة الأبوين. فالمدرسة ليست فقط مجالا للتعلم وإنما مجالا للتفاعل والإندماج والتعود على العمل الجماعي، وخلالها يتشكل الآخر ضمن التجربة الشخصية للفرد. فالتعلم عن بعد، وإن كان قد أشرك العائلة بشكل أوبآخر في مجهود المدرسة وأحسها بدورها في العملية التعلمية، فإنه سيساهم في تفاقم تفاوت المستويات في عملية التحصيل وترسيخ عدم تكافؤ الفرص فيما بين المتمدرسين بحكم التفاوتات الاقتصادية والمجالية. فالأدوات التكنولوجيا من حاسوب، تلفاز أو هاتف ذكي غير متوفر لذا جميع التلاميذ كما أن ليست كل النازل مربوطة بالشبكة العنكبوتية حتى يتمكن التلاميذ من متابعة دروسهم عن بعد. هذا إضافة إلى أن هذه التجربة غريبة عن العديد من الدول ولم تكن مدرجة في برامجها الإصلاحية بل فرضت عليها.
جائحة كورونا جعلت الدولة تراجع علاقتها بالفئات التي تعاني الهشاشة من ذوي الدخل المحدود والعجزة والمشردين والعاطلين والأيتام والأرامل..بأن سارعت الى مساعدتهم ضمانا لاستقرار الوضع والحفاظ على التوازن الإجتماعي. قيمة التضامن هذه يجب أن لا يكون لحظيا وظرفيا مرتبطا بفترات الأزمات بل يجب أن تدرج هذه القيمة ضمن استراتيجية الدولة التي تروم الإدماج الإجتماعي والتنمية البشرية.
2-الآثار الإقتصادية
بخلاف أزمة 2008 المالية، الناتجة عن انهيار الرهون العقارية جراء تساهل البنوك الأمريكية في منح القروض، والتي استهدفت الجانب المالي في الإقتصاد العالمي. فإن الأزمة الحالية الناتجة عن داء الفيروس التاجي استهدفت الإقتصاد الحقيقي[32]. أي كل الأنشطة الإقتصادية المنتجة للسلع والخدمات والمستهلكة لها. وبالتالي أصبح الإقتصاد العالمي يعيش أزمة لم يسبق له أن عاشها من قبل على اعتبار أنه اقتصاد متداخل ومترابط في أنشطته الإنتاجية والإستهلاكية هذا إضافة الى كونه اقتصادا يعاني من تبعات الصراعات التجارية والسياسية.
بمجيء العولمة، في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، انتقل الإقتصاد العالمي من مرحلة الإحتكار(الإمبريالية) إلى الارتماء في أحضان التجارة والعلاقات المالية(الرأسمالية المتقدمة). رافق هذا التحول ظهور الشركات العابرة للقارات أو الشركات المتعددة الجنسية، تعبيرا عن عملية تركيز وتدويل راس المال من أجل الربح السريع وتكريس تبعية الدول النامية للرأسمالية العالمية واستغلال خيراتها. تم الإعتراف بهذه الشركات العملاقة وبنشاطها العابر للقارات من طرف المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع لمنظمة الأمم المتحدة. كما زاد من توطيدها وشرعنتها الإتفاقية العامة بشأن التعرفة الجمركية والتجارة. فبدأت الحدود والرسوم الجمركية تتهاوى فاسحة المجال لرؤوس الأموال والتجارة كي تتحرك بكل حرية، وانفلات من كل توجيه مركزي. وبذلك أصبح العالم تسيره قوة المال وقوانين السوق في بعد تام عن سيادة الدول الوطنية. مع هذا التطور أصبح الإقتصاد العالمي اقتصادا مترابطا ومتداخلا، فمنتوج واحد مثلا تُنتج أجزاؤه في دول كثيرة. وهذا ما يعرف بالتقسيم داخل المنتوج الواحد. وإذا جاز لنا التشبيه يمكن تشبيه هذا الإقتصاد المعولم بسلسلة إذا تعطلت حلقة واحدة فيها توقفت السلسلة كلها عن الحركة وتوقف بذلك الإنتاج.
فبعدما انفتحت الصين على هذه الشركات تحولت إلى ثاني قوة اقتصادية في العالم، وارتبط الإنتاج العالمي في جزء منه بها، فصارت هي المصدر الكبير والمورد الرئيسي للمصانع في العديد من البلدان في العالم، تعتمد عليها وتابعة لها في إنتاجها. وعليه فإن إصابة الإقتصاد الصيني سيؤثر لا محالة على كل السلاسل الصناعية المرتبطة به في الدول الأخرى. فكلما كان الإرتباط قوي كلما كان الثأثير أقوى. فتحت تأثير داء الفيروس التاجي الذي ضرب في البداية الصين، سارعت هذه الأخيرة الى تعطيل الحركة فيها، فأغلقت المصانع وتوقفت سلسلة التزويد، مما أثر على الشركات الموجودة خارج الصين والتي تعتمد على المنتوجات الصينية خصوصا في مجال الإلكترونيات والسيارات والمعدات. مظهر آخر من مظاهر هذه الأزمة الإقتصادية هو انخفاض العرض والطلب. فالإنخفاض في العرض ارتبط بالنقص الحاد في اليد العاملة إما بسبب الوعكة الصحية أو بسبب الوفيات في صفوف العمال أو إغلاق المصانع. أما الإنخفاض في الطلب فتمشى مع تراجع مستوى الإنفاق بسبب خسائر في الدخل وبسبب تسريح العمال لعدم قدرة الشركات على دفع أجورهم. قطاع الخدمات والسياحة الداخلية أو الخارجية هو الآخر تعطل وتضرر، تحت توقف وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية التي تضررت أسعار أسهمها بشكل لافت للنظر.
أهول خسارة عرفتها الإنسانية بسبب تفشي هذه الجائحة، والتي لا تقدر بثمن هي الحياة البشرية، ولا يجب مقايضتها بالربح المالي، مما أظهر بشكل واضح عن فشل الأنظمة الصحية ( ضعف في التجهيز، في بنية الإستقبال، في الأطر الصحية، في المعدات الطبية..) الناتجة عن سياسة خوصصة قطاع الصحة باعتباره قطاعا غير منتج. هذا إضافة الى أن الميزانيات المخصصة للبحث العلم وخصوصا في مجال إنتاج الأدوية والأمصال ضعيف جدا مقارنة بالميزانيات الموجهة لأغراض أخرى كالتسلح مثلا. كما أن كل الدول تقريبا تعيش تبعية شبه مطلقة للوبيات الصناعات الصيدلية وتحت رحمتها.
3-الآثار السياسية
إن الأزمة التي أحدثها داء الفيروس التاجي، أبانت عن أن نظام العولمة القائم على اقتصاد السوق والمنافسة الشرسة ودفع الدولة الوطنية الى التخلي عن سيادتها و الإكتفاء بدور توفير الشروط الملائمة للإستثمارات الأجنبية، عاجز عن توفير شروط عيش كريمة للإنسان وحمايته من الأخطار التي يمكن أن تهدد حياته. فالعولمة، بحسب تعبير سمير سولSamir Saul ، لم تعمل على تحييد الدولة الوطنية فقط وإنما سلبت سيادتها وأخضعتها وحولتها الى وكالة لخدمة أغراضها، باسم الترابط والحكامة العالمية[33]. بالمقابل لم تقدم العولمة النيوليبرالية اي مساعدة للدول في مواجهتها. مما دفع الحاكمين، بشكل عفوي، الى العودة الى وضعية ما قبل الحرب الباردة، والإحتماء داخل حدود دولهم الوطنية. فاعتبرت كل دولة أن هذه الأزمة تعنيها هي وحدها وعليها مواجهتها. فالمنتظم الدولي لم يبد أي جهد لبلورة استرتيجية مشتركة وموحدة لمواجهة هذه الجائحة. ترُكت إيطاليا، تحت أنظار الإتحاد الأوروبي، تتخبط لوحدها في صراعها مع داء الفيروس التاجي. هل هو عقاب لها من طرف حلفاء أمريكا باعتبارها أكثر ارتباطا بالصين ام أن الإتحاد الأوروبي تعوزه الإمكانيات المالية والطبية؟ وعليه ستكون هذه الأزمة بداية فك الإرتباط بنظام معولم ونهاية للتعدد والعودة الى الحدود وإلى إعادة توطين المقاولات و،تصنيع البلد وتأميم قطاعاته الحيوية. مما ينذر برجوع التوثرات الجيوسياسية. فليس مدهشا أن نرى علم الإتحاد الأوروبي يحرق من طرف أحد الإيطاليين ونرى كذلك انتعاش الخطابات العنصرية والعدائية للآخر(الأجنبي) باعتباره مصدر الويلات. وما الرائحة التي تشتم من وصف رونالد ترامب داء الفيروس التاجي ب”الصيني” إلا دليل على هذا النزوع العنصري.
إن التحول الذي، لا محال سيعرفه العالم، خصوصا مع انتقال مركز الثقل من أمركا وأوروبا إلى الصين وآسيا، ليس تحولا في طبيعة الفيروس وإنما تحولا في النظام العالمي . فالتركيز على البعد الإقتصادي بشقيه المالي والتجاري دونما أي اعتبار للبيئة والسلام والعدالة الإجتماعية ومحاربة الفقر والهشاشة والعطالة لا يمكن أن يكون إلا اقتصادا كارثيا، ومفصحا عن العديد من التناقضات.
فما هي الصورة التي سيكون عليها العالم بعد داء الفيروس التاجي”كوفيد 19″؟ هل سيعود العالم الى دولة العناية/ الرفاه الممارسة لسيادتها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والضريبية؟ أم سيتم إعادة بناء نظام عالمي ذي قطبين تشكل الصين وأمريكا طرفيه الاساسيين وتعيش بقية دول العالم تحت نغمة الصراع فيما بينهما؟ أم بديل ثالث يعطي الأسبقية للبيئة وللقيم الإنسانية وللواجب الجماعي ويرسخ مبدأ التضامن والتشارك والتعاون، بديل يقطع مع منطق السوق والمال والربح من دون إنتاج للخدمات والسلع واستهلاكها؟
[1] – أعلنت المنظمة العالمية للصحة في 11مارس 2020 عن تصنيف داء الفيروس التاجي ب” الجائحة ) ( Pandémie ، من جهة منعا لأسماء أخرى تكون غير دقيقة زمن جهة أخرى تمييزا له عن الوباء ( Epidémie)والفاشية ( Outbreak) :
– تشير الفاشية إلى عدد المصابين بمرض معين في منطقة جغرافية محددة أو بلد محدد عن العدد المتوقع. وقد يعود المرض ليضرب بلدا يتوقع غياب المرض فيه، أوغاب عنه نهائيا كما حدث في مرض شلل الأطفال بسوريا عامي 2013 و 2017.
– الوباء يشير إلى الزيادة المفاجئة في عدد حالات المرضى على نحو أعلى من المتوقع في مجتمع معين كما هو الحال مع الفاشية لكنه يمتد إلى رقعة جغرافية أوسع مثل وباء المتلازمة التنفسية الحادة(سراس)
– أما الجائحة فتعني انتشار المرض في عدة بلدان أو قارات وعادة ما يصاب عدد كبير من الناس( للمزيد طالع: ” مصطلحات وبائية في يوميات كورونا” منظمة الباحثون السوريون).
يمكن تقسيم
[2] – كلمة كوفيد 19 كلمة مركبة من:
– كو( CO) : تشير إلى كورونا أي التاج. يتميز هذا الفيروس بسلسلة من النتوءات تظهرعلى سطحه شبيهة بالتاج.
– في( VI ) : تشير إلى كلمة فيروس.
– د D)) : وتعني المرض
– ويرمز الرقم 19 إلى السنة التي ظهر فيها هذا الفيروس. ولاتالي فإن كوفيد تعني ” داء الفيروس التاجي”
[3] – تصريح مدير المنظمة العالمية للصحة أمام رؤساء الوكالات الرئيسة لمنظمة الأمم المتحدة يوم 20 أبريل 2020.
[4] – ماهر حنين:” سوسيولوجيا الهامش في زمن الكورونا: الخوف – الهشاشة – الانتظارات”. تونس. أفريل2020 المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية. الصفحة 5.
[5] – الفيروس لغويا هو “السم القاتل” أو غيره من المواد الضارة. أول استعمال لهذه الكلمة في اللغة الإنجليزية يعود إلى سنة 1392 كما استعملت سنة 1782 بمعنى العامل المسبب للمرض، ويعتبر عالم الأحياء الروسي دمتري إفانوفسكي Dmitri Ivanovski (1864-1920) أول مكتشف للفيروسات خلال دراسته لتبرقش التبغ( ظهور فسيفساء على ورقة التبغ).
فبخلاف الباكتريا فالفيروس غير حي، موجود في الأنظمة الإيكولوجية وبأعداد كثيرة ويحتاج دائما إلى حاضن، إلى كائن آخر يعيض فيه ويتكاثر وهدفه هو الوصول إلى الخلايا ليحولها إلى مصنع. تنتشر الفيروسات بطرق عديدة: تنتقل من نبات إلى آخر عن طريق الحشرات التي تتغدى على عصارة النباتات وتنتقل كذلك إلى الحيوان عن طريق الحشرات الماصة للدماء وتنتقل إلى الإنسان عن طريق الحيوان والهواء وعن طريق السعال والعطس والمخالطة.
[6] – تشير المقاربة التأمرية إلى النزوع نحو رفض كل تفسير رسمي لحدث أو واقعة ما والإعتقاد بأن لا شيئ يحدث صدفة ولا يكون على ما يبدو عليه، وكل الأشياء مترابطة. تقوم هذه المقاربة على ربط أحداث واقعية بقضايا مفترضة أو متخيلة، وباحتمال وجود أياد خفية تدير الأشياء وتهندس لها في تكتم تام. ومما يقوي من اعتقاد الناس في هذا النوع من المقاربات هو ضعف ثقتهم بالدولة وبمؤسساتها. كما تلجا بعض الحكومات، في تعاملها مع الحركات الاحتجاجية، إلى هذه المقاربة بغية ثنيها عن فعلها وخلق شروط البلبلة والانقسام في صفوفها.
[7] – فيصل القاسم: ” صناعة الجوع سياسية استعمارية قديمة” جريدة إيلاف الإلكترونية. الأحد 29 يوليوز 2008.
[8] – ” خامنئي يتشبث بنظرية المؤامرة لفرض المساعدات الأمريكية” مقال بجريدة الشرق الأوسط العدد 15091. 23 مارس 2020.
[9] – في ندوته الصحفية كرر دوناد ترامب كلمة الفيروس الصيني ثلاث مرات: فهجوم الفيروس الصيني…. لبحث الأنباء الهامة جدا.. بشأن الفريوس الصيني.. تعاكيت مع الفيروس الصيني..” كما استعمل نفس الوثف في تغريداته على وسائل التواصل الاجتماعي( وكالة الأناضول، ل 18 مارس 2020)
[10] – سمير أية:” أزمة في مجلس الأمن بسب تسيس كورونا.. الصين: مندهشون من سلوك ترامب”. جريدة الأخبار الإلكترونية ل 26 مارس 2020.
[11] – طريق الحرير: مجموع الطرق البرية والبحرية التي كانت تسلكها السفن والقوافل التجارية والتي تربط فيما بين آسيا و أوروبا. يبلغ طول هذا الطريق حوالي اثني عشر ألف كيلومتر(12 ألف كلم). ينقسم هذا الطريق إلى فرعين: واحد يمر عبر شرق آسيا والبحر الأسود ويضل إلى البندقية ويسمى الفرع الشمالي، والآخر يمر عبر سوريا والعراق وتركيا ويصل إلى مصر وشمال افريقيا. طريق الحرير هذا يعود إلى سلالة هان الصينية قبل حوالي مائتي عام قبل الميلاد( 206- 32 ق.م). وقد ساهم هذا الطريق في ازدهار العديد من الحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية والصينية والرومانية والهنديو والعربية الإسلامية وساهم في تثاقف كبير( تبادل ثقافي، تعلم اللغات، التعرف على العادات والتقاليد..)
[12] – فونتييه لوك: ” طريق الحرير .. مشروع الهيمنة الصينية على العالم” أخبار الخليج الإلكترونية ل 7 فبراير 2019.
[13] – يوجد هذا المختبر المصنف من فئة “4 P” بمعهد ووهان لعلم الأوبئة. اتخذ قرار بناء هذا المعهد، الوحيد من نوعه في الصين، بعد ما عم فيروس” سراس ” القاتل في الصين سنة 2003. واستغرق بناؤه عقدا من الزمن بشراكة مع المعهد الوطني للصحة والأبحاث الصحية الفرنسي. مكن هذا المعهد الصينيين من دراسة الأجسام الدقيقة التي تشكل خطورة على الحياة البشرية كفيروس إيبولا ( نسبة إلى نهر إيبولا القريب من مدينة يامبوكو بجمهورية الكونغو الديموقراطية) الذي ظهر سنة 1976.
[14] – العدوى: اسم فيلم للمخرج ستيفن سوديربرغ Steven Soderberg المأخوذ عن رواية ” عيون الظلام” للكاتب الأمريكي دين كونتز Dean Kontz . كاتب السيناريو سكوت.ز. بيرنس Scot.Z burns ، اعتمد في كتابته هذه على حواراته الطويلة مع عالم الفيروسات الكولومبي إيان ليبكين Ian Lipkin ، المتمحورة حول تاثير الفيروسات والأماكن المحتمل والمرجح أن تظهر فيها. قد اسس هذا السيناريو على معطيات علمية، مبينا كيف أن تدمير الطبيعة والإساءة إلى البيئة كان من وراء ظهور وانتشار هذه العدوى، حيث اقدمت جرافة على هدم شجرة موز في غابة مطيرة في الصين مما أغضب طيور الخفافيش وطار أحدها وبفمه حبة موز ليستقر بمزرعة خنازير. حدث أن سقطت قطعة الموز هذه من فم الخفاش ليلتقطها خنزير. يذبح الخنزير ويسلخ ويعد طعاما في كازينو ماكاو( منطقة توجد على السواحل الجنوبية للصين)، من دزن أن يغسل الطباخ يديه مما علق بيديه من دم الخنزير. بعدها يصافح الزبناء ويخالط مرتادي المطعم، فانتشرت العدوى. يستفاد من لقطة الفيلم هذه أن سبب انتشار العدوى حصل عن طريق أكل لحم الخنزيرالذي انتقلت إليه عن طريق الخفاش المسخر من الكبيعة للغنتقام من ممارسات الغنسان التدميرية. وبذلك فإن استغلال واسثمارالفيلم لتغدية النظرية التآمرية استغلالا في غير محله.
[15] – صالح هشام: بناء الكون ومصير الغنسان تقض نظرية الإنفجار الكبير، حقائق مذهلة في العلوم الكونية والدينية” بيروت 2006. دار الطليعة . الصفحة 671.
[16] – جريدة الاقتصادي” كوفيد 19 : نظرية فيروس مصنع، المقدمة من طرف مونطانيي، موضع جدل ساخن” ل 17 أبريل 2020.
[17] – جريدة الحرة الإلكترونية :” العاصفة تكشف ضعفنا” ل 28 مارس 2020.
[18] – عبد الله ملاك:” كورونا والنصوص المقدسة.. تديين الدنيوي” جريدة الشرق الأوسط الإلكترونية ل 17 مارس 2020.
[19] – ينص الفصل الواحد والأربعون في فقرته الأولى من دستور 2011 للملكة المغربية على أن:” الملك أمير المؤمنين وحامي الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”
[20] – الحاجي محمد” مقطع من فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعي . جريدة أنور بريس الإلكترونية ل 17 مارس 2020.
[21] – وكالة عمون الإخبارية :” الصين تحدد مصدر فيروس كورونا” 26 يناير 2020.
[22] – الجينوم le génome ( الخبر الوراثي) هو مجموع المادة الوراثية الموجودة بخلايا كل كائن حي: النبات، الحيوان والبشر. وتتركز بنواة الخلية كل معظم العمليات الحيوية للكائن الحي. ويعتبر الحامض النووي هو المسؤول عن توريث الصفات من النوع إلى نسله، وعن حفظ صفاته عبر أجياله واحدا بعد الآخر.
[23] – لقاء أجرته RTL مع آرنو فونتانيت ” فيروس كورونا: ما هو أصل كوفيد 19؟” بتاريخ 27 مارس 2020.
[24] – منظمة الصحة العالمية: فيروس كورونا ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية( ميرس- كوف ( MERS-COV)بتاريخ 11 مارس 2020
[25] – عرفت شبه الجويرة العربية في عهد عمر بن الخطاب، طاعون عمواس الذي ظهر في السنة الثامنة عشرة للهجرة ببلدة عمواس. أمر الناس بعدم الاختلاط بسكان هذه البلدة وأن لا يدخل إليها أحد ولا يخرج منها. وعلى عهد بيتروس جيستنيان( 483- 565) عرفت مصر وباء الطاعون في عام 542 وحمل هذا الطاعون اسم حاكم مصر” طاعون جيستنسان.
[26] – ديكارت روني: خطاب في المنهج” 1955 تونس مطابع سيريس الصفحة 54.
[27] – زيمرمان مايكل:” الفلسفة البيئية. من حقوق الحيوان إلى الإيكولوجيا الجذرية” 2002. الكويت ترجمة معين شفيق رومية عالم المعرفة الصفحة 37.
[28] – احتراق الغابة قد يكون من فعل فاعل / عامل خارجي وقد يكون من فعل الغابة نفسها / فعل داخلي/ ذاتي. فالغابة تقوم بإحراق نفسها بهدف القضاء أولا على الأغصان الكثيفة التي تحجب الشمس عن العديد من الكائنات التي تعيش على الأرض، وثانيا للقضاء على الطفيليات التي تعيق نموالكائنات الموجودة بالغابة. كل ذلك بالحفاظ على توازن النظام الإيكولوجي écosystème.
[29] – جيجيك سلافوي: ” فيروس كورونا: فيروس الإيديولوجيا” الجريدة الإلكترونية بيبليوب 6 فبراير 2020.
[30] – موراند سيرج:” فيروس كورونا: كيف أن أنماط الحياة هذه أوصلت لهذه الجائحة” الجريدة الإلكترونية” لماذا دكتور دجنبر 2019.
[31] – برونر جيرالد:” اصبح العالم السياسي مأوى للانتهازية الاسبانية” حوار أجرته الصحفية إيفان تريبونباخ. جريدة الراي 3 ابريل 2020.
[32] – يستعمل مفهوم الاقتصاد الحقيقي في مقابل الاقتصاد المالي أو الإسمي. فإذا كان الأول يخلق قيمة حقيقية ومادية قائمة على الإنتاج والإستهلاك، فإن الثاني يتسم بتدني الإنتاجية مهتما بشراء وبيع المنتوجات المالية كالأسهم والمال والموارد الطبيعية..ويعيش مجبرا على الاقتصاد الحقيقي وسرقة قيمه.
[33] – سول سمير:” أي عالم بعد كوفيد19؟” جريدة الواجب الإلكترونية 11 أبريل 2020.