اليقظة في تدبير جائحة كورونا بالمغرب

اليقظة في تدبير جائحة كورونا بالمغرب

أحلام بوقديدة، دكتورة في القانون العام، مختبر الدراسات والأبحاث الإدارية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس.

البريد الإلكتروني: [email protected]

الكلمات المفاتيح: الطوارئ الصحية، المخاطر، اليقظة، الوقاية، الأمن الصحي.

The key words: health emergencies, risks, watch, prevention, health security

ملخص المقال:

بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض “كوفيد-19” والذي يتفشى في مختلف أرجاء المعمورة ”وباء عالميا”، قام المغرب باتخاذ حزمة من الإجراءات تندرج ضمن تدابير اليقظة والاحتراس للوقاية من المخاطر المحتملة الناجمة عن تفشي الفيروس التاجي. وقد اتسمت التدابير المتخذة لمواجهة الفيروس بخاصية التدرج الحذر، وبالمقابل عملت الدولة على الاستجابة لمتطلبات القطاع الصحي المتعلق بهذه الظرفية وكذلك للجانب الاجتماعي والاقتصادي، فكان من أهداف الإجراءات والتدابير التي تبنتها الدولة تحقيق الأمن الصحي وتبرير الحرص على حق الإنسان في الحياة. وكان عنصر اليقظة حاضرا في جميع مراحل التدابير المتخذة مما جنب البلاد كارثة حقيقية، وهذا ما أشادت به العديد من الدول.

summary :

After the World Health Organization declared that the new Corona virus, which causes the disease “Covid-19”, and which is spreading worldwide, a “global pandemic”, Morocco has taken a series of measures which fall under the vigilance, watch and caution measures to prevent the possible risks resulting from the spread of the corona virus. The measures thus taken to fight against the virus, were characterized by a cautious slope, and in return, the State endeavored to meet the requirements of the health sector linked to this circumstance as well as to the social aspect and economical. One of the objectives of the measures and measures adopted by the State was to ensure health security and to justify concern for the right to life. The element of vigilance and watch was present throughout the stages of the measures taken, which prevented the country from a real disaster, which thing has been praised by various countries.

مقدمة

تقتضي الظرفية الاستثنائية التي يمر منها المغرب و باقي دول العالم المتمثلة في انتشار الوباء العالمي لفيروس كورونا ” كوفيد19”  بضرورة اتخاذ حزمة من الإجراءات تندرج ضمن تدابير اليقظة والاحتراس للوقاية من المخاطر المحتملة الناجمة عن تفشي الفيروس التاجي المستجد كوفيد 19.

فمصطلح المخاطر يأتي من المخاطرة وتعني توقع حدوث شيء غير مرغوب فيه، واحتمال نشوء ضرر حسب الأحوال تنجم عنه خسارة متوقعة، يترتب عنها نتائج سلبية تتطلب التحليل من خلال التعرف على أسبابها أو البحث عن الأساليب الناجعة لمنع وقوعها أو التقليل من آثارها إلى أقصى حد ممكن([1]). فالمخاطر التي كشف عنها فيروس كورونا – كوفيد 19، هي التي كانت دافعا للسلطات العمومية قصد اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير الهادفة لمواجهة جائحة كورونا والحد من المخاطر الناتجة عنه.([2])

ففي نهاية ديسمبر تم تحديد المرض الجديد على هذا النحو في ووهان، بالصين، وتم إبلاغ منظمة الصحة العالمية. وفي نهاية يناير، اتخذت الحكومة الصينية سلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تبدو بوضوح، في وقت لاحق، أنها قوية وفعالة كالحجر الصحي لووهان يوم 23، إلغاء عطلات  السنة الصينية الجديدة في الخامس والعشرين، وكذلك إلغاء عطلات السنة الصينية الجديدة، إجراءات عزل حاملي الفيروس ومخالطيهم، ووضع الكمامات…

وفي أواخر يناير، ظهرت حالات معزولة في فرنسا، وفي ألمانيا، كلها واردة من الصين. لكن في 21 فقط من فبراير أصبح تفشي الوباء مرئيًا في بؤر بإيطاليا، ومن هناك، قد نما الوباء بسرعة كبيرة حيث تخطى عتبة 1000 حالة خلال ثمانية أيام الموالية.

وقد أدرك علماء الأوبئة إمكانية حدوث جائحة عالمية لكنهم لم يكونوا قادرين على تنبيه الرأي العام ولم تتم إثارة رد فعل سياسي على أعلى مستوى قبل الأيام الأولى من شهر مارس، لكن كان هناك فقط أن الوعي بأزمة خطيرة أصبح واضحا بين الأطباء والرأي العام وعلى المستوى الحكومي.

أما في المغرب فقد تم تسجيل أول حالة في 2 مارس 2020 بمدينة الدار البيضاء، وهي لمواطن مغربي مقيم في إيطاليا، لتتوالى الحالات تدريجيا بعد ذلك.

وأعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس الأربعاء 11 مارس 2020 أن المنظمة التابعة للأمم المتحدة باتت تعتبر فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض “كوفيد-19” والذي يتفشى في مختلف أرجاء المعمورة ”وباء عالميا”.

وبعد أن تأكد أن هذا الوباء امتد ليشمل العديد من الدول ، وأصبحت تسجل الوفيات بالآلاف يوما بعد يوم، برز اتجاهين دوليين في مواجهة هذا الوباء وما ينتج عنه من تبعات اقتصادية واجتماعية.

فالاتجاه الأول الذي تتزعمه الصين، التي تتبنى سياسة يمكن أن تتصف “بالأخلاقية” في مواجهتها لهذا الوباء وذلك عن طريق مغامرتها باقتصادها مقابل سلامة رعاياها من المواطنين في مختلف الأعمار والحالات الصحية. مقابل ذلك، تصاعد تيار أوروبي يدعو إلى نهج سياسة “مناعة القطيع” وهو تيار يضرب بعمق النموذج الأخلاقي الغربي.

أما بالنسبة للمغرب فقد حذا حذو الصين، وحاول أن يستفيد من أخطاء الدول المتضررة بشكل كبير من هذا الوباء من قبله، وسارع منذ تسجيل الحالات الأولى من هذا الوباء إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية والاحترازية وأعلن حالة الطوارئ الصحية دون أن يضع صحة وسلامة المواطنين والقطاع الاقتصادي في نفس الكفة على نحو ما تفعل بعض الدول التي تباطأت في إعلان حالة الطوارئ الصحية لتشهد أزمة صحية غير مسبوقة  .([3])

وفي هذا السياق، وأمام هذا الظرف العالمي الاستثنائي، والذي يتطلب في مواجهته إجراءات خاصة ومتميزة تدخل في إطار علم تدبير الأزمات وحكامة المخاطر. نتسائل عن مدى نجاعة الإجراءات القانونية والاحترازية التي سلكها المغرب لمواجهة خطر فيروس كورونا المستجد ؟ وكيف ستمكن آلية الوقاية من تجنيب المخاطر المرتبطة بتفشي فيروس كورونا المستجد؟ وإلى أي حد ستعمل على الحفاظ السلامة الصحية للمواطنين؟

وعليه، سيتم التطرق للموضوع كالتالي :

        المبحث الأول :  الإجراءات الوقائية والاحترازية للتصدي لخطر تفشي فيروس كورونا التاجي بالمغرب

المبحث الثاني: آثار الإجراءات المتخذة ضد تفشي وباء كورونا

        المبحث الأول :  الإجراءات الوقائية والاحترازية للتصدي لخطر تفشي فيروس كورونا التاجي بالمغرب

  اتخذت السلطات المغربية سلسلة من الإجراءات الاحترازية بهدف إبقاء فيروس كورونا المستجد  تحت السيطرة، وقد اتسمت التدابير المتخذة لمواجهة الفيروس بخاصية التدرج الحذر، فاتخذ إجراءات استباقية قبل إعلان حالة الطوارئ الصحية (المطلب الأول) وإجراءات أخرى بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إجراءات استباقية قبل إعلان حالة الطوارئ الصحية

تعامل المغرب مع تفشي فيروس كورونا المستجد بسرعة واستباقية وذلك بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس. فبعد إعلان الصين الحجر الصحي على ولاية ووهان بقي حوالي 100 مواطن مغربي عالقين بها أغلبهم من الطلبة، والذين ناشدوا جلالته بالتدخل من أجل عودتهم لأرض الوطن.

وقد وجه الملك المغربي الحكومة المغربية بتأمين المتابعة والتنسيق، كما وجه اتخاذ التدابير اللازمة في وسائل النقل الجوي والمطارات والبنيات التحتية الصحية الخاصة لاستقبال المغاربة العائدين من الصين. بحيث تم وضعهم بالحجر الصحي بكل من المستشفى العسكري بمكناس والرباط، ولم تسجل أية إصابة في صفوفهم.

وبمزيد من اليقظة والاحتراس، أعلن رئيس الحكومة في وقت سابق تأجيل جميع التظاهرات الرياضية والثقافية في جميع أنحاء البلاد وذلك في الثاني من شهر مارس. كما تم غلق المساجد ومنع التجمعات التي تفوق خمسون شخصا.

مما يؤكد أن عنصر اليقظة كان حاضرا لدى الحكومة المغربية لمنع تفشي الفيروس والحفاظ على صحة المواطنين.

وبعد ظهور أولى الحالات المصابة بالفيروس في المغرب([4]) وجلها واردة من خارج المملكة، بادر المغرب إلى تعليق جميع رحلات الركاب ومعابر العبارات من إسبانيا والجزائر ثم الرحلات الجوية من وإلى 25 دولة تدريجيا، إلى أن تم تعليق جميع الرحلات الدولية في 15 مارس 2020. كما تم إغلاق جميع المدارس واعتماد التعليم عن بعد.

في إطار المجهودات الاستباقية التي قامت بها الحكومة لمواجهة الانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للوباء على الاقتصاد الوطني،  أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، يوم الأربعاء 11 مارس، إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية لتتبع انعكاسات وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والإجراءات المواكبة، التي تعمل من خلال آليات مضبوطة للتتبع والتقييم، برصد آني للوضعية الاقتصادية الوطنية، كما تعمل، من جهة أخرى، على تحديد الأجوبة المناسبة فيما يتعلق بمواكبة القطاعات الأكثر عرضة للصدمات الناجمة عن أزمة كورونا([5]).

وبشكل استباقي كذلك تم إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة فيروس كورونا، والذي مول من الميزانية العامة للدولة بالإضافة إلى مساهمة العديد من الهيئات والمؤسسات.

كما شملت التدابير الاستباقية المؤسسات السجنية التي أعلنت عن حزمة من الإجراءات من أجل مواجهة فيروس كوفيد 19 كالتقليص من عدد الزوار بالإضافة إلى حملات تحسيسية وتوعوية لفائدة الموظفين والسجناء على حد سواء حول خطر الإصابة بفيروس كورونا.

كل هذه التدابير الإيجابية انتهت بإعلان حالة الطوارئ الصحية في البلاد يوم 19 مارس 2020 والذي وصلت فيه نسبة الإصابات إلى 61 حالة.

المطلب الثاني: الإجراءات الاحترازية بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية

تم إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد-19 بمرسومين هما:

ـ مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 الذي يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها([6]).( وهو نص عام).

ـ مرسوم رقم 2.20.293 الصادر بتاريخ 24 مارس 2020 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد19.([7])( خاص بفيروس كوفيد-19).

وتضمن مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية مجموعة من التدابير، تميزت بكونها تدابير فورية التنفيذ أولها عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة. كما تم منع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه، إلا في حالة الضرورة القصوى والتي يستلزمها التنقل من محل السكنى إلى مقرات العمل، ولا سيما في المرافق العمومية الحيوية والمقاولات الخاصة والمهن الحرة في القطاعات والمؤسسات الأساسية المحددة بقرارات للسلطات الحكومية المعنية، مع مراعاة الضوابط التي تحددها السلطات الإدارية المعنية من أجل ذلك. بالإضافة إلى التنقل من أجل اقتناء المنتجات والسلع الضرورية للمعيشة، بما في ذلك اقتناء الأدوية من الصيدليات أو من أجل الذهاب إلى العيادات والمصحات والمستشفيات ومختبرات التحليلات الطبية ومراكز الفحص بالأشعة وغيرها من المؤسسات الصحية، لأغراض التشخيص والاستشفاء والعلاج، أو التنقل لأسباب عائلية ملحة من أجل مساعدة الأشخاص الموجودين في وضعية صعبة، أو في حاجة إلى الإغاثة.

كما تم منع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص مهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك، ويستثنى من هذا المنع الاجتماعات التي تنعقد لأغراض مهنية، مع مراعاة التدابير الوقائية المقررة من قبل السلطات الصحية. هذا بالإضافة إلى إغلاق المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة الطوارئ الصحية المعلنة، ولا يمكن فتح هذه المؤسسات والمحلات من قبل أصحابها إلا لأغراضهم الشخصية فقط.

كما ألزم المرسوم رؤساء الإدارات بمرافق الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والمقاولات وكل مقاولة أو مؤسسة خاصة، بتمكين الموظفين والأعوان والمأجورين التابعين لهم من رخصة استثنائية للعمل تحمل أسماءهم، قصد الإدلاء بها عند الاقتضاء لدى السلطات العمومية المكلفة بالمراقبة.

و تضمن مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية تدابير تخص حماية النظام العام الصحي بحيث خولت الحكومة بواسطة مرسوم لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، اتخاذ جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة، سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، أو كانت ترمي إلى فرض حجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص بمساكنهم أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجمعهم، أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم، أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية. كما يخول لهم وللسلطات الصحية المعنية حق اتخاذ أي قرار أو إصدار أي أمر تستلزمه حالة الطوارئ الصحية المعلنة، كل في حدود اختصاصاته ([8] ). كما أجبرت الحكومة المغربية المواطنين على ارتداء الكمامات([9]).

المبحث الثاني: آثار الإجراءات المتخذة ضد تفشي وباء كورونا

سارعت الدولة إلى اتخاذ إجراءات احترازية صارمة لضمان الأمن الصحي لمواطنيها، وبادرت إلى فرض حجر صحّي وأغلقت المؤسسات التعليمية والمطاعم والنوادي والحدود البرية وأوقفت الرحلات الجوية… وذلك للحد من انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها، وبالمقابل عملت على الاستجابة لمتطلبات القطاع الصحي المتعلق بهذه الظرفية وكذلك للجانب الاجتماعي والاقتصادي مادام كل منهم يعزز الآخر.

وهكذا كان للتدابير الاحترازية التي اتخذتها الدولة آثارا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي (المطلب الأول) وأبعادا أمنية بزجر مخالفات حالة الطوارئ (المطلب الثاني) مما أشاد بالتجربة المغربية على الصعيد الدولي.

المطلب الأول: الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتدابير مواجهة فيروس كورونا

إن اتخاذ التدابير الاحترازية سواء الاستباقية أو البعدية أو المواكبة تبرّر الحرص على حماية أسمى حقّ للإنسان وهو الحق في الحياة، والعيش في بيئة سليمة وآمنة، غير أن إجبار الأفراد على البقاء في بيوتهم، يتطلب كذلك اعتماد سياسات اجتماعية خاصّة تدعم توفير الغذاء ومختلف الخدمات الصحية، والمستلزمات الضرورية لحياة آمنة([10]). وبصفة عامة فقد كان للتدابير المتخدة تداعيات على المستوى اجتماعي (الفقرة الأولى) وتداعيات على المستوى اقتصادي (الفقرة الثانية).

              الفقرة الأولى: تداعيات الإجراءات الاحترازية على المستوى الاجتماعي

              وجد العديد من المواطنين أنفسهم دون مورد رزق نتيجة حالة الطوارئ وتقييد الحركة، وبسبب هذه الحالة الغير معهودة لم يستطع العديد تقبل فكرة الحجر الصحي كونه لا يتوفر على مورد قار يستطيع من خلاله الإنفاق على نفسه وعائلته، وبالتالي استطاعت الحكومة احتواء التداعيات السلبية لجائحة كورونا، فخصصت تعويضات للأسر ‏التي تستفيد من خدمة ”راميد” (نظام المساعدة الطبية)([11])  ‏وتعمل في القطاع غير المهيكل، ‏وأصبحت لا تتوفر على مدخول يومي إثر الحجر الصحي([12]). ‏وهذه الأسر أمكنها الاستفادة من مساعدة مالية ‏تمكنها من العيش من الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا ([13]) والذي كان الهدف من إحداثه تأهيل المنظومة الصحية ودعم المواطنين والأسر والقطاعات الأكثر تضررا.

كما تم تعويض الأجراء الذين توقفوا مؤقتا عن العمل والمصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي برسم شهر فبراير  2020 من طرف المقاولات التي تواجه صعوبات من جراء التدابير المتخذة للوقاية من انتشار هذا الوباء ويحتفظ هؤلاء الأجراء خلال نفس الفترة بالحق في الاستفادة من التعويضات العائلية والتأمين الإجباري عن المرض حسب القانون الجاري به العمل.

بالإضافة إلى تخصيص المساعدةلبعض الفئات المتضررة مباشرة من الحجر الصحي، التي تشتغل في القطاع غير المهيكل، والغير مسجلة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتي لا تستفيد من خدمة “راميد”، وإن كانت عملية معقدة خصوصا في ظل غياب سجل اجتماعي موحد، إلا أن لجنة اليقظة الاقتصادية التي أحدثت استباقيا عملت على تتبع ملفات المتضررين بناء على تصريحاتهم و جندت لتدبير هذه العملية فرق متخصصة في الميدانين المعلوماتي والمالي، وبالتالي تمكنت هذه الفئة من المواطنين من التوصل بالدعم المخصص لهم.

وبصفة عامة فقد همت التعويضات الناجمة عن الضرر جراء الحجر الصحي شهر مارس وأبريل وماي وتنتهي متم شهر يونيو.

الفقرة الثانية: تداعيات الإجراءات الاحترازية على المستوى الاقتصادي

لم يكن المغرب بمنأى عن التداعيات السلبية لفيروس “كورونا”، في ظل التنامي المستمر لتأثيرات انتشار الفيروس على اقتصادات دول العالم،  لذلك سارعت الحكومة المغربية والبنك المركزي المغربي، لاتخاذ عدة تدابير وإجراءات احترازية، بهدف احتواء التداعيات السلبية للجائحة.

وهكذا وفي إطار مواكبة المقاولات التي توجد في وضعية صعبة من جراء تفشي كورونا اتخذت لجنة اليقظة الاقتصادية جملة من التدابير من بينها التدبير الذي يقضي بصرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تعويض جزافي قدره 2000درهم صافي خلال الفترة الممتدة من منتصف شهر فبراير إلى يونيو 2020. كما استفادت المقاولات من إجراءات متعلقة بالضريبة، والتي أقرتها السلطات المغربية، والتي تهم بالخصوص الشركات التي تقل معاملاتها للسنة المالية الماضية، عن 20 مليون درهم (2.04 مليون دولار)، من تأجيل وضع التصريحات الضريبية (وثائق تبين أداء الضريبة) حتى نهاية يونيو 2020.

واعتمد بنك المغرب مجموعة من التدابير([14]) الجديدة سواء في مجال السياسة النقدية أو على الصعيد الاحترازي، سعيا منه إلى دعم ولوج الأسر والمقاولات إلى القروض البنكية، ومن شأن هذه التدابير الرفع بثلاثة أضعاف القدرة على إعادة تمويل البنوك لدى بنك المغرب،وتعزيز برنامجه الخاص بإعادة تمويل المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، عن طريق إدماج القروض التشغيلية إلى جانب قروض الاستثمار، والرفع من وتيرة إعادة تمويلها.([15])

في المقابل لجأت البنوك إلى كافة وسائل إعادة التمويل المتاحة، وتشمل هذه الإجراءات بناء على طلب من الزبون، تأجيل سداد أقساط القروض ابتداء من شهر مارس 2020 وحتى شهر يونيو 2020، بدون أن يترتب عن ذلك أي مصاريف أو غرامات عن التأخير، وتهم هذه التدابير أيضا التأجيل عن الطلب لأقساط الاعتمادات القابلة للاستهلاك، والتأخير حتى 30 يونيو2020 دون رسم أو غرامات تأخير، للأسر والشركات التي تتأثر مباشرة بهذه الظرفية.

وفي نفس الوقت سمحت الحكومة للفلاحين ببيع منتجاتهم مباشرة إلى المستهلك دون المرور عبر الأسواق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أصدرت مجموعة من المراسيم([16]) يقضي بعضها بتمديد وقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على القمح اللين ومشتقاته إلى غاية 15 يونيو 2020، والبعض الآخر بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على القمح الصلب، العدس، الحمص، الفول، الفاصوليا العادية ابتداء من فاتح أبريل 2020.

المطلب الثاني: الانعكاسات الأمنية للإجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا

يهدد فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بالأساس صحة الإنسان وتفضي في الغالب إلى موت المصاب. فالإجراءات الاحترازية تهدف بالخصوص إلى الحفاظ على صحة الإنسان وحياته، أي تحقيق الأمن الصحي (الفقرة الأولى) وبالتالي فكل فعل عاكس الأمن الصحي وجب زجره (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الأمن الصحي

اعتبرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة يوم الأربعاء 11 مارس 2020 فيروس كورونا (كوفيد 19) جائحة عالمية، كما دعا مديرها العام البلدان إلى اعتماد نهج شامل يتكيف مع وضعه ويحتوي الفيروس المستجد، مع إيجاد توازن عادل بين حماية الصحة وتجنب إحداث قلق اقتصادي واجتماعي واحترام حقوق الإنسان. فالدولة تقع على مسؤوليتها حماية الأفراد من المخاطر الصحية بالإضافة إلى مسؤوليتها في توقع المخاطر. فالخطر يهدد الجانب الصحي الذي يمكن احتواؤه بتدابير صحية وقائية من أجل استتباب الأمن الصحي.

ويعتبر الأمن الصحي احد مكونات النظام العام، ويقصد به اتخاذ كافة الإجراءات من طرف السلطات التي من شأنها المحافظة على الصحة العامة. ومنه فإن المخاطر الناتجة عن فيروس كورونا المستجد وضعت الأمن الصحي على المحك، فكان من أهداف الإجراءات والتدابير التي تبنتها الدولة تحقيق الأمن الصحي وتبرر الحرص على حق الإنسان في الحياة بدءا بإعلان حالة الطوارئ الصحية وتطبيق الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ثم فرض ارتداء الكمامات، التي سهرت الدولة على إنتاجها بمعدل 5 ملايين كمامة يوميا وبيعها بثمن رمزي.

ولضمان نجاعة الأمن الصحي وحماية النظام العام، تقوم السلطات الأمنية من شرطة وقوات مساعدة، والإدارة الترابية، والقوات المسلحة الملكية…كلها تقوم بأدوار في غاية الأهمية من خلال ممارسة مهام الضبط وفرض احترام القانون والإجراءات المعلن عنها لتفادي انتشار الوباء.([17])

وتأسيسا على ذلك فكل خرق للتدابير المعلن عنها من قبل السلطات العمومية والمتعلقة بحالة الطوارئ الصحية لا يعد اعتداءً على حق شخصي فقط بقدر ما هو اعتداء على المجتمع برمته ويشكل مساسا فعليا بالأمن الصحي وبالنظام العام.([18]) مما استوجب اتخاذ تدابير زجرية في نفس الوقت.

الفقرة الثانية: الجزاءات المترتبة عن مخالفة إجراءات الطوارئ الصحية

تشكل حالة الطوارئ الصحة وما يعقبها من الحفاظ على الأمن الصحي قيدا على ممارسة بعض الحقوق والحريات العامة، إلا أنها تعتبر وسيلة ناجعة لتفادي انتشار الوباء، الأمر الذي يفرض على الجميع الامتثال لتوجيهات السلطات المختصة، والخروج بأقل الأضرار الممكن.

لقد شكلت المادة الرابعة من قانون حالة الطوارئ الصحية أساس التجريم، وقد أكدت المادة المذكورة على وجوب التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار اليها في المادة الثالثة من نفس القانون، والتي تشير إلى اتخاذ الحكومة خلال فترة إعلان عن حالة الطوارئ الصحية التدابير الملائمة التي تفتضيها هذه الحالة بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات.

وقد أفرد المرسوم بقانون 2.20.292 العقاب بالنظر لخطورة الأفعال بين ماهو زجري وماهو جنائي، فكانت العقوبات على مخالفة حالة الطوارئ هي الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد، وهذه الصيغة تحيل على إمكانية تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي ولاسيما الفصول 300 إلى 302منه، وهي فصول تصل العقوبة فيها إلى خمس سنوات حبسا.

      وبهذه الصيغة يكون مرسوم القانون قد أحاط التدابير المتخذة بكل الضمانات التي يتوفر عليها التشريع العقابي المغربي من اجل تمكين الحكومة من حسن تنفيذ إجراءات حالة الطوارئ الصحية بغرض حماية السلامة الشخصية للمواطنين.

خاتمة

أضحت التجربة المغربية من خلال التدابير الاستباقية والاحترازية في إطار احتواء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) مثلا يحتدى به على المستوى العالمي، وما فتئت المنابر الدولية تشيد باليقظة التي تحلى بها المغرب لاحتواء هذه الجائحة بقيادة حكيمة ورشيدة جنبت البلاد من الوقوع في الأسوأ.

فالصحف الفرنسية لم تدع يوما يمر إلا وأوردت ضمن محاورها التدابير الجبارة التي يبذلها المغرب خصوصا ما قامت به معامل النسيج بإعادة توجيه إنتاجها في نهاية شهر مارس لتصنيع 3 ملايين قناع جراحي يوميًا والذي تضاعف نهاية الشهر، وبيع هذا الإنتاج من خلال 72000 صيدلية ومحلات بيع المواد الغذائية. وتباع الأقنعة في عبوات من عشرة مقابل 8 دراهم وهو سعر مدعوم وخاضع للرقابة. بل إن هذه المجهودات تم التنويه بها حتى في قبة البرلمان الفرنسي. هذا بالإضافة إلى اعتمادالفحص الشامل الذي بدأ في أوائل أبريل، بهدف 10000 اختبار في اليوم، تديره تسعة مختبرات.

كما صرحت بلدان أخرى أن هذه الإجراءات وضعت المغرب “في طليعة البلدان التي تبنت قيودًا كبيرة” للقضاء على الوباء. ووصفت التدابير الاحترازية التي قام بها المغرب بالقوية والإيجابية وستكون فرصة للمملكة لتأكيد مكانتها كرائدة في القارة الإفريقية ([19]). نفس الموقف أبان عنه الاتحاد الأوروبي الذي أورد أن المغرب عرف كيف يتصرف بسرعة وفعالية، من خلال الانكباب على معالجة مختلف جوانب محاربة فيروس كورونا بكيفية منسقة، وذلك على مستويات عدة، هذا بالإضافة إلى اسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وقطر…

و بالتالي ، فإن الإجراءات و التدابير الوقائية التي  اتخذتها  المملكة المغربية لمواجهة  هذه الجائحة ، قد برهنت على نجاعتها و فعاليتها و جنبت البلاد من كارثة  وبائية محققة.


[1] ـ أحلام بوقديدة ”تدبير المخاطر المالية والجنائية في الصفقات العمومية”، الندوة الدولية فعالية الصفقات العمومية في حسن استعمال المال العام، المنظمة من طرف كلية الحقوق المحمدية في 05 مارس 2020.

[2]  ـ أحمد مفيد ”علاقة الطوارئ الصحية بالأمن الصحي”، منشور على www.hespress.com ، بتاريخ 17 أبريل 2020، 08:26.

[3] – كريم الصنهاجي، ” وباء كورونا المستجد و سؤال النموذج التنموي الجديد”، مقال منشور بتاريخ 6 أبريل 2020، على الموقع الإلكتروني التالي : https://anfaspress.com/news

[4]  ـ 7 حالات سجلت يوم 13 مارس 2020.

[5]  ـ تضم أعضاء من مختلف الوزارات وهي: وزارةالداخلية، وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وزارة الصحة، وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، ووزارة الشغل والإدماج المهني، بالإضافة إلى بنك المغرب، والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وجامعة الغرف المغربية للتجارة والصناعة والخدمات، وجامعة غرف الصناعة التقليدية.

[6]  ـ الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، ص:1782.

[7]  ـ الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، ص:1783

[8] – المادة الثالثة من مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية.

[9]  ـ في 6 من أبريل 2020 ودخل الأمر حيز التنفيذ في 07 أبريل 2020.

[10]  ـ ادريس لكريني: ”هكذا وضع تدبير أزمة كورونا حقوق الإنسان على المحك بالعالم”، منشور على www.hespress.com ، بتاريخ 22 أبريل 2020.

[11]  ـ نظام المساعدة الطبية  هو نظام قائم على مبادئ المساعدة الاجتماعية والتضامن الوطني لفائدة المعوزين الذين لا يتوفرون على أي نوع من التأمين الطبي.

[12]  ـ تم تحديد هذه المساعدة المالية في 800 درهم للأسرة المكونة من فردين أو أقل، و1000 درهم للأسرة المكونة من ثلاثة إلى أربعة أفراد، و1200 درهم للأسرة التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أشخاص

[13]  ـ مرسوم رقم 2.20.269 صادر في 21 من رجب 1441(16 مارس 2020) بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم” الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19” ، الجريدة الرسمية عدد 6865 مكرر بتاريخ 22 رجب 1441 (17 مارس 2020)، ص: 1540

[14]  ـ بنك المغرب، بلاغ صحفي، الإجراءات التي اتخذها بنك المغرب من أجل دعم الاقتصاد والنظام البنكي، الرباط 29 مارس 2020.www.bkam.ma

[15]  ـ مراد فارسي: ” حالة الطوارئ الصحية بالمغرب: التنزيل القانوني والإجراءات المواكبة”، مجلة القانون والأعمال، www.droitetentreprise.com بتاريخ 15 أبريل 2020، ص:6.

[16]  ـ الجريدة الرسمية عدد 6869 بتاريخ 5 شعبان 1441 (30 مارس 2020)، ص: من 1803 إلى 1807.

[17]  ـ أحمد مفيد: ”علاقة حالة الطوارئ الصحية بالأمن الصحي”، م.س، ص: 3.

[18]  ـ نفس المرجع.

[19]  ـ  MARTINI (L.S), « Des mesures proactives importantes prises par le Maroc », l’Institut italien pour les études politiques internationales, https://www.ispionline.it/.

إقرأ أيضاً

Les services Publics : Principes et Exceptions face au  Coronavirus

Les services Publics : Principes et Exceptions face au  Coronavirus Saidi Cheikh Enseignant  d’université Grade : …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *