اللاتمركز الإداري والتحديث الجهوي بالمغرب: قراءة على ضوء ميثاق اللاتمركز الاداري

اللاتمركز الإداري والتحديث الجهوي بالمغرب: قراءة على ضوء ميثاق اللاتمركز الاداري

  ذ.محمد سكلى

أستاذ باحث في العلوم السياسية و القانون الدستوري

كلية الحقوق سلا

 تقديم:  :
  إذا كان التنظيم الإداري المغربي قــــد تأسس في بدايته على نظام المركزية الإدارية المطلقة لاعتبارات عدة ، فإن اتساع أنشطة وتدخلات الدولة جعل من غير الممكن الاعتماد على هذا النظام لوحده، مما أدى إلى تبني نظام اللامركزية باعتباره نظاما يمكن من الاضطلاع بتسيير الأمور المحلية وتخفيف الأعباء عن الادارة المركزية، فالإدارة المركزية مهما كانت إمكانيتها المادية والبشرية فهي لا تستطيع تلبية مختف الحاجيات المتزايدة للسكان على المستوى الترابي.

  ويمكن تعريف اللاتمركز الإداري بأنه هو صورة من صور المركزية الإدارية، يقوم على أساس توزيع السلطة بين الإدارة المركزية المتواجدة بالعاصمة والمصالح الخارجية اللامتمركزة في مختلف الأقاليم، مما يسمح لهذه المصالح باتخاذ بعض القرارات الإدارية دون الرجوع إلى المركز، مع خضوعها للسلطة الرئاسية المركزية.[1]

وقد اختار المغرب منذ الاستقلال اللامركزية كخيار استراتيجي لا رجعة فيه ويمنح هذا النمط من  التدبير الترابي للسكان، من خلال المجالس المنتخبة سلطة تدبير الشؤون المحلية بأنفسهم.

وقد مرت اللامركزية، على المستوى المؤسسي بمجموعة من المراحل الكبرى، انطلقت أولاها في بداية الستينات، وتطورت بعدها عبر محطات حاسمة، خصوصا في سنة 1976 ، التي شكلت منعطفا حقيقيا في مسار اللامركزية، تلتها مجموعة من الإصلاحات المنتظمة والمتوالية في سنوات 1992و 2002 و 2009  .[2]

لكن الإطار القانوني الناظم للاتركيز الإداري بالمغرب لم يستطع مواكبة الإصلاح الذي عرفته اللامركزية الإدارية، لأنه كان يكرس هيمنة الإدارة المركزية على المصالح اللاممركزة، وعدم ملاءمة اللاتمركز الإداري مع بنيات وهياكل اللامركزية الإدارية، وضعف التنسيق والانسجام بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة في تدبير مختلف المشاريع والبرامج على المستوى المحلي.كما عانت السياسة العمومية من غياب التوزيع العادل للموارد البشرية والكفاءات عموديا بين المركز والإدارة الترابية، وأفقيا على مستوى الإدارات والمصالح اللاممركزة مما عرقل إلى حد كبير مسارات التنمية المندمجة والمستدامة.[3]

و رغم اعتماد أسلوب اللامركزية الترابية الذي استطاع أن يحرر الدولة من بعض الالتزامات والواجبات، فإنه يبقى دون جدوى إن لم يتم دعمه وتطويره ومساندته باعتماد نظام اللاتمركز الإداري.[4]

 وبالتالي، فقد شكل نظام اللاتمركز الإداري في المغرب خيارا استراتيجي ورهانا مفصليا في تنمية وحكامة تدبير الشأن الترابي بهدف مواجهة مختلف التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستجابة لطموحات وتطلعات المواطنين، توج من خلال إقرار ميثاق للاتمركز الاداري.

ومن هذا المنطلق نتساءل عن أهمية اللاتمركز الإداري والسياق العام لتطوره وأسباب تعثره والمداخل الأساسية لتفعيله ومدى مواكبة الميثاق الوطني للاتركيز للجهوية المتقدمة وتحديث الادارة الجهوية، وهل سيوفر الشروط اللازمة لتنفيذ السياسات العمومية على المستوى الترابي وتحقيق الالتقائية المطلوبة بين هياكل اللاتمركز الإداري واللامركزية الإدارية.

ولمعالجة هذه الاشكاليات الهامة ومحاولة الاحاطة بمختلف عناصرها اقترحنا التصميم التالي :

              المحور الأول : : اللاتمركز الاداري: قراءة في بعض أسباب التعثر ومداخل الاصلاح

              المحور الثاني:  ميثاق اللاتمركز الاداري و تحديث الادارة الجهوية

المحور الأول : اللاتمركز الاداري : قراءة في بعض أسباب التعثر ومداخل الاصلاح :

لقد عملت الدولة على تطوير جهازها الإداري بشكل يسمح لها بتأمين تواجدها على مجموع التراب الوطني، وهذا ما قام به المغرب غداة الاستقلال بإحداث مؤسسات تستطيع تدبير الشؤون المحلية على الصعيد الترابي فيما يصطلح عليه باللاتمركز الإداري. فيما  يتعلق بالاطار القانوني[5]فقد تم سن مجموعة من النصوص التنظيمة نذكر منها :[6]

  • المرسوم رقم 2.93.625 بتاريخ 20 أكتوبر 1993 في شأن اللاتركيز الإداري والذي كان يرتكز فقط على  توزيع تقليدي للاختصاصات بين المستوى المركزي والمصالح الخارجية؛
  • المرسوم رقم 2.05.1369 بتاريخ 02 دجنبر 2005 بتحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري : والمتضمن للتصاميم المديرية للاتمركز الإداري ومأسسة لجنة تنظيم الهياكل الإدارية واللاتمركز الإداري تكلف بدراسة التصاميم المديرية؛
  • المر سوم رقم 2.05.768 بتاريخ 04 دجنبر 2008 في شأن تفويض إمضاء الوزراء وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة : حيث يمكن للسلطات الحكومية تفويض إمضائهم إلى الموظفين والأعوان غير الخاضعين لسلطتها والذين يمارسون مهامهم بالمصالح غير الممركزة؛
  • المرسوم رقم 2.79.512 بتاريخ 12 ماي 1980 بتغيير المرسوم الملكي 330.66 بسن نظام المحاسبة العمومية : حيث يجوز للآمرين بالصرف، تحت مسؤوليتهم ومراقبتهم، أن يعينوا بقرار يعرض على تأشيرة وزير المالية آمرين مساعدين بالصرف يفوضون إليهم سلطاتهم ضمن الحدود التي يبينونها في أوامر تفويض الاعتمادات.

ولقيت محاولات الحكومة الشروع في تفعيل مسلسل اللاتمركز، من خال إصدار المرسوم رقم 2.93.625 بتاريخ 20 أكتوبر 1993 ، والمرسوم رقم 2.05.1369 بتاريخ 21 دجنبر 2005 ، نفس المصير، وهو الفشل، ذلك أن نفس النقائص ظلت حاضرة  فمشروع اللاتمركز الذي تم حصره في مسألة تفويض التوقيع، والإكثار من المصالح الترابية الخارجية التي لا تتمتع بأي سلطة حقيقية في مجال اتخاذ القرار، مما يدل على غياب رؤية شاملة وإرادة سياسية راسخة لإطلاق لاتمركز حقيقي، يقطع مع المقاربة العمودية والمركزية للإدارة، هذه المقاربة التي ظلت محط انتقاد الجميع.[7]

ويمكن القول أن عدم التمركز في المغرب كان يفتقد إلى الآليات القانونية الضرورية لتنفيذه على أرض الواقع، فالقانون الإداري المغربي لم ينشأ ”حقا عاما للتفويض” [8] ،.حيث “أثبت المشرع دائما تحفظا حقيقيا في هذا المجال، فهو يريد التحكم في مسألة التفويض ومراقبتها، لأنه يحذر من توزيع مبعثر لاختصاصات السلطة العمومية، ويخشى الأمر الواقع…»[9] ، ولهذا فإن تفويض السلط أو الاختصاص يبدو منعدما بالفعل، بينما يمارس تفويض الإمضاء بنوع من التقتير مع الحرص بشكل ممنهج على استثناء القرارات الإدارية الأساسية مثل المقررات والمناشير والتعليمات والصفقات العمومية وتسيير الموارد البشرية… [10].

ومن بين المعوقات القانونية لعدم التركيز كذلك، يمكن الإشارة إلى تلك التي تعود إلى طبيعة بعض الأعمال الإدارية حيث ظهر أن بعض الأعمال ذات الطابع الوزاري المختلط يمكن أن تعيق تحقيق عدم التمركز، كما أن بعض العراقيل القانونية يمكن أن تأتي من النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية وبالأخص فيما يتعلق بعدم تركيز تدبير الموظفين على المستوى الوطني حيث إن هذا النظام مثلا، لا يسمح بتنظيم مباريات ذات طابع محلي أو جهوي. [11]

 وفي ارتباط نظام اللاتمركز باللامركزية ، فإنه يمكن القول أن الانخراط في اللامركزية، بمختلف مراحلها وتطوراتها المؤسسية، شكل ممارسة غنيّة بالدروس، على مستوى إعمال الديمقراطية المحلية، ولكن، إضافة إلى كون هذه الممارسة انحصرت جغرافيا في نطاق الجماعات، فإنها ظلت مصحوبة بقدر كبير من التحرز والحذر، في ظل وصاية يعتبر الكثيرون أنها لم تتسم بالقدر الكافي من المرونة.

 وهكذا خلصت مختلف عمليات تقييم تطور اللامركزية أن الجماعات الترابية  بالمغرب لم تضطلع إلا بدور ثانوي وغير دال وبالتالي سيادة شعور عام ببعض الخيبة فيما يخص المنجزات المتحققة في مجال تفعيل اللامركزية، التي يكاد يجمع الكل على القول إنها لا ترقى إلى مستوى الانتظارات، وتظل، في كل الأحوال، دون الوسائل المرصودة والآمال المعلقة عليها.”[12]

وقد استغلت هذه الوضعية لتبرير بعض التجاوزات التي عرفتها هذه التجربة، مما جعل من الصعب تحديد مسؤولية المنتخبين بوضوح في هذا الوضع، حيث أنهم اعتبروا أنفسهم غير ملزمين بتأدية  الحساب لناخبيهم، ولا يمكن إخضاعهم لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في أمور يعتبرون أنفسهم غير مسؤولين عنها.

ثم ان ” التركيبة غير المتجانسة للمجالس الجماعية والصراعات السياسية الناتجة عن التعصب الحزبي الضيق، لم يساعدا في تشكيل أغلبية مستقرة ومنسجمة وقادرة على تسيير الشؤون المحلية بروح من المسؤولية الجماعية، بما يخدم في النهاية المصلحة العامة

للمواطنين.”[13]  فضلا عن النزعة المركزية المفرطة للإدارة المركزية والتي شكلت هي الأخرى عقبة إضافية أمام التدبير القائم على مبدأ القرب.”[14]ويكمن السبيل الوحيد لتدارك هذه الاختلالات في اعتماد تدبير قائم على مبدأ القرب، من خلال توزيع جديد ومعقلن ومتوازن للصلاحيات والمسؤوليات ووسائل العمل بين مختلف الفاعلين التنمويين ومختلف المستويات التنظيمية الترابية العاملة في إطار المؤسسات الديمقراطية لبلدنا.”[15]

 إضافة إلى النصوص القانونية التي تعزز الديمقراطية المحلية وفقا لمبدأ التدبير الإداري الحر للجماعات الترابية ، المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور ، فإن مفهوم الوصاية  وإن كان  قد اختفى من الناحية القانونية، مما يعكس تحولا مهما في فهم العلاقات بين المؤسسات اللامركزية والسلطات المركزية ، فانه من  حيث الممارسة لا يزال بإمكان السلطة المحلية  رفض التأشير أو تقديم تأشيرة متأخرة وتبقى الجماعات مترددة للغاية في تفعيل القرارات الأساسية إلا بعد الحصول على الموافقة الرسمية من وزارة الداخلية. ففي  الوقت الذي أعطيت فيه للجماعات الترابية  مسؤوليات قانونية أكبر ، ما زالت السيطرة من قبل الحكومة المركزية وممثليها بعيدة كل البعد عن الاختفاء من حيث الممارسة.[16]

إن الوالي أو العامل يعتبر الآن وأكثر من أي  وقت سابق، المسؤول الأساسي عن أعمال الادارة الترابية، فهو يمارس” السيطرة “على “شرعية” القرارات الخاصة برؤساء المجالس الترابية ومداولات مجالسها، بالرغم من الاختصاص المهم الذي أنيط بالقضاء الاداري في هذا المجال-. ويعتبر القاضي مختصا بالنظر في سحب عضوية أعضاء المجلس أو حل المجلس. هذا التعزيز لدور القاضي لا يعني أنه سيتدخل أكثر مما كان يتدخل سابقا، إذ أن التجربة العملية أظهرت أن المشكلات لا زالت تُسوى في أغلب الأحوال من خلال السلطة المحلية وليس المحكمة الإدارية أو القضاء الاداري .[17]

 وبالتالي تعزى الانتقادات الموجهة للممارسة اللامركزية بالمغرب، لاسيما التدبير الجماعي، وأوجه القصور التي تميزت بها، إلى تفاعل عدة عوامل، يرتبط قسم منها بما هو مؤسسي، والقسم الآخر له ارتباط بالحكامة.

ولو كان مسلسل اللاتمركز قد انطلق في الوقت المناسب بكيفية تدريجية مدروسة،  لشكل ذلك دعما ثمينا للمنتخبين المحليين في التعامل مع مشاكل التدبير وبرمجة المشاريع وتنفيذها، وضمان اندماج الأعمال التنموية وتقاسم الوسائل، بحيث يتحقق الهدف المنشود من اللامركزية المتمثل في تلبية الحاجيات الأساسية للساكنة وتحسين ظروفهم اليومية.[18]

 فالإدارة المحلية لا تزال تعاني العديد من الظواهر السلبية التي تحول دون تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة،  وهذا ما أكد عليه الخطاب الملكي ل 29 يوليوز 2017 ، حيث شخص الاختلالات التي تعاني منها الإدارة العمومية بصفة عامة والإدارة المحلية بصفة خاصة كغياب التنسيق والالتقائية في التدخلات العمومية المحلية وضعف آليات الحكامة والنجاعة وجودة الخدمات التي تقدمها للمرتفقين. ويمكن اجمال واقع اللاتمركز الاداري  حاليا  فيما يلي:

  • استمرار هيمنة الادارة  المركزية على القرار الترابي ؛
  • ضعف التنسيق بين المصالح اللاممركزة في تنفيذ البرامج على المستوى المحلي؛
  • التفاوت المسجل بين بعض الجهات من حيث الموارد المالية و البشرية ومصادر الدخل؛
  • التدبير المركزي للموارد البشرية المحلية ؛
  • ضعف آليات الحكامة.

و انطلاقا من تشخيص هذه الاختلالات ، وبالنظر إلى المكانة التي يحظى بها نظام اللاتمركز الإداري على المستوى الترابي، أضحى من الضروري القيام بمجموعة من الإجراءات لتحديث هذا النظام وتحسين جودة أداء الإدارة المحلية.

 وفي هذا السياق جاءت مبادرة وضع ميثاق لللاتمركز الاداري يستهدف أجرأة السياسات العمومية بشكل أكثر نجاعة، مع تحسين أداء المرافق العمومية الترابية، عبر نقل السلطة التقريرية ووسائل العمل من المركز إلى المجال الترابي، واتخاذ القرار على أساس مبدأ القرب من المرتفق، وبسرعة وجودة وبأفضل كلفة لفائدة المجتمع.[19]

إن كل سياسة حقيقية لعدم التمركز يجب أن تحكمها ثلاثة مبادئ أساسية[20]:

  • تبني اللاتمركز كمبدأ محدد لتدخلات الدولة؛
  • تبني منطق ”مجموعة  اختصاصات” ”Blocs de compétences” تفرض توزيعا للأدوار والمسؤوليات على كل هيئة ترابية (الجهات، العمالات، والأقاليم، الجماعات..).؛
  • تبني منطق العمل المشترك  والالتقائية بين مختلف الفاعلين قصد انجاز السياسات و البرامج و المخططات الترابية الوزارات.

فاللامركزية الإدارية لا يمكن أن تحقق الأهداف المتوخاة منها إلا إذا واكبها مسلسل عدم التركيز، بإعطاء دفعة قوية لعمل الدولة على المستوى الترابي، والذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، تقوم على التناسق والتفاعل بين المصالح بالعاصمة والمصالح التابعة لها على المستوى المحلي.

غير أن توضيح هذه العلاقات لا يجب أن تكون أفقية فقط أي بين السلطات المركزية واللاممركزة، بل إلى جانب ذلك، يبقى من الضروري ربط علاقات واضحة يطبعها نوع من التعاون والتكامل والاندماج بين جميع المستويات والإدارات المحلية مادام الهدف هو خدمة المواطنين.ومن تم فقدد عملت الحكومة على صياغة  ميثاق اللاتمركز الإداري بغية تحقيق مجموعة من الأهداف[21]  :

  • التطبيق الأمثل للتوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال إعادة تنظيم مصالحها على الصعيدين الجهوي والاقليمي و تحديد المهام الرئيسية الموكولة الى هذه المصالح ؛
  • التوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخذ الخصوصيات الجهوية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها؛
  • مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي القائم على الجهوية المتقدمة، والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته.
  • ارساء دعائم راسخة ودائمة لتعزيز التكامل في الوظائف والمهام بين المصالح اللاممركزة للدولة و الهيئات اللامركزية، لا سيما الجماعات الترابية، وذلك من خلال السهر على :
  • تفعيل آليات الشراكة والتعاون بينها.
  • تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة للجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها، ومواكبتها في انجاز برامجها ومشاريعها التنموية.
  • ضمان التقائية السياسات العمومية وتجانسها وتكاملها على الصعيدين الجهوي والاقليمي، وتحقيق التعاضد في وسائل تنفيذها.
  • تحقيق الفعالية والنجاعة في تنفيذ البرامج والمشاريع العمومية التي تتولى مصالح الدولة اللاممركزة الإشراف عليها أو انجازها أو تتبع تنفيذها.
  • تقريب الخدمات العمومية التي تقدمها الدولة الى المرتفقين وتحسين جودتها وتأمين استمراريتها .

كما يرتكز الميثاق على المبادئ والآليات التالية [22]:
– الإنصاف في تغطية التراب الوطني من خلال ضمان التوزيع الجغرافي المتكافئ لمصالح الدولة اللاممركزة ؛
– التفريع في توزيع المهام وتحديد الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة التابعة لها ؛
– تخويل الجهة مكانة الصدارة في التنظيم الإداري الترابي وجعلها المستوى البيني في تنظيم العلاقة بين المستوى المركزي وباقي المستويات الترابية ؛
– تكريس الدور المحوري لوالي الجهة في تنسيق عمل المصالح اللاممركزة للدولة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، وتوخي الفعالية والنجاعة في أداء مهامها ؛
– وحدة عمل المصالح اللاممركزة للدولة، ضمانا للنجاعة والفعالية، وتحقيقا للالتقائية والتكامل في الاختصاصات الموكولة إليها، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة في تقييم أدائها ؛
– تبسيط إجراءات الولوج إلى الخدمات العمومية، والتعريف بها لدى المرتفقين، ومساعدتهم على إنجاز هذه الإجراءات في ظروف ملائمة ؛
– تقريب الخدمات العمومية من المرتفقين والارتقاء بها وضمان جودتها واستمرارية تقديمها ؛
– اقتران نقل الاختصاصات إلى المصالح اللاممركزة بتخصيص موارد مالية وبشرية لتمكينها من الاضطلاع بالمهام والصلاحيات المخولة لها ؛
– الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في إسناد مسؤولية تدبير المصالح اللاممركزة ؛
– إعادة انتشار الموظفين بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة من خلال تشجيع الحركية الإدارية، قصد تمكين المصالح المذكورة من التوفر على الكفاءات اللازمة التي تؤهلها للقيام بمهامها في أحسن الظروف.

 ونص الميثاق  أيضا على مجموعة من المستجدات الهامة ، كوضع تصاميم مديرية للاتمركز الإداري، تشكل خارطة طريق لعمل المصالح اللاممركزة، [23] حيث تحدد هذه التصاميم ، على وجه الخصوص، مع مراعاة طبيعة وخصوصيات كل قطاع وزاري على حدة، الجوانب التالية :
– الاختصاصات، لاسيما منها ذات الطابع التقريري التي سيتم نقلها إلى المصالح اللاممركزة للدولة، وتلك التي يمكن أن تكون موضوع تفويض ؛
– الموارد البشرية والمادية لتمكين المصالح اللاممركزة للدولة من ممارسة الاختصاصات الموكولة إليها ؛
– الأهداف المراد تحقيقها من قبل المصالح اللاممركزة للدولة، ومؤشرات قياس نجاعة أدائها في تحقيق هذه الأهداف ؛

وكذا تخويل المصالح اللاممركزة للدولة صلاحيات تقريرية، وتحديد الاختصاصات المنوطة بمختلف مصالح إدارات الدولة

كما نص الميثاق على تحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الجهوي أو الإقليمي، وإحداث تمثيليات إدارية جهوية أو إقليمية مشتركة بين قطاعين وزاريين أو أكثر،[24]  بالإضافة إلى ترشيد النفقات العمومية من خلال اعتماد مبدأ التعاضد في الوسائل المادية والبشرية وتخويل رؤساء المصالح اللاممركزة جهويا، صفة آمرين بالصرف جهويين.

ويدعو الميثاق أيضا إلى تمكين رؤساء التمثيليات الإدارية اللاممركزة تدريجيا من صلاحيات تدبير المسار المهني للموارد البشرية الخاضعة لسلطتهم عل الصعيدين الجهوي والإقليمي،  فضلا عن تنظيم مباريات موحدة لتوظيف الأطر المشتركة بين القطاعات الوزارية المعنية للعمل بالمصالح اللاممركزة التابعة لها ووضع برامج للتكوين والتكوين المستمر قصد تنمية قدرات الأطر العاملة بالمصالح اللاممركزة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم. .[25]

ومن أجل ضمان شروط النجاعة والفعالية في التنفيذ تم وضع آليات للحكامة تتمثل في إحداث لجنة وزارية للاتمركز الإداري يرأسها رئيس الحكومة[26]، وإحداث لجنة جهوية للتنسيق لدى والي الجهة من أجل مساعدة والي الجهة في ممارسة الاختصاصات الموكولة إليه في مجال تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة والمؤسسات العمومية التي تمارس مهامها على مستوى الجهة، والسهر على حسن سيرها ، [27] كما نص الميثاق على اعتماد جملة من التقارير كآليات لتقييم ومواكبة مختلف مراحل تنفيذ الميثاق الوطني للاتمركز الإداري[28].

ويظهر من خلال ما سبق أن هناك اجراءات وتدابير هامة تم اتخاذها لتعزيز مسلسل  اللاتمركز وتجاوز النواقص و الاختلالات التي شابت الممارسة السابقة ، وتبقى الممارسة و التنزيل على  أرض الواقع هو المحك الاساسي للحكم على هذا الاصلاح.

ويبقى السؤال المطروح كيف يمكن   لمختلف هذه  التدابير و الاجراءات و المتعلقة بتفعيل ميثاق اللاتمركز الاداري في دعم الجهوية المتقدمة وتحديث الادارة الجهوية المغربية وهو مضمون المحور الموالي:

المحور الثاني: ميثاق اللاتمركز الاداري وتحديث الادارة الجهوية

على الرغم من أن دستور2011 لم يغير بشكل جذري من توازن السلطات في الدولة ، فإنه منح روحا جديدة لللامركزية بتنصيصه  على أن : “التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة”.  كما يكفل الدستور مبدأي “التدبير الحر”و”التفريع”، بما يؤمن ويدعم الشفافية ومشاركة المواطنين والحكامة الجيدة.. كما تم إصدار 3 قوانين تنظيمية تتعلق بالجماعات الترابية تساهم في تعزيز هذا المسار[29]  

هكذا تم تبني إصلاحات هامة على هذا المستوى ، كان في مقدمتها دسترة الجهوية المتقدمة، بهدف إقرار تنظيم ترابي متكامل، يؤسس لمرحلة جديدة في مسار تقوية الديمقراطية المحلية وترسيخ مكانة الجماعات الترابية كشريك أساسي بجانب الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص في تدبير قضايا التنمية.

ذلك أن هناك ارتباط وثيق بين نظام اللاتمركز الاداري والجهوية المتقدمة، ومن تم فالميثاق يواكب التنظيم الترابي القائم على الجهوية المتقدمة. بمعنى أنه ميثاق وطني لمصالح الدولة، في مجال تفعيل السياسات العامة لها، وهذا التفعيل يحتم نقل السلط والوسائل والاعتمادات من المركز الى المحيط، بغية تحقيق الفعالية والنجاعة، مع الاعتماد على مرتكزين أساسيين: الوالي والجهة باعتبار أن الوالي مؤسسة  والجهوية المتقدمة هي أساس التنظيم الترابي الجهوي. فالولاة والعمال حسب الفصل 145 من الدستور يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية، بمعنى أنهم يعملون على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية، كما يساعدون رؤساء الجماعات الترابية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية خاصة رؤساء المجالس الجهوية، و يقومون بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ويسهرون على حسن سيرها.

“إن من أبرز مشكلات وعوائق السياسات الجهوية بالمغرب أنها  لم تكن  مندرجة في إطار رؤية شمولية متكاملة للتخطيط والبرمجة والتنظيم المجتمعي، فالجهوية  كآلية تدبيرية وعقلانية حديثة في الدول المتقدمة  جاءت ضمن فلسفة تنموية واجتماعية واقتصادية وسياسة محددة وواضحة الأهداف والمقاصد، وقائمة على قيم ومعايير منسجمة مع مطالب وخصوصيات السياق السوسيوثقافي الذي تنتمي إليه  [30]

ومما لا شك فيه أن اتساع الصلاحيات المخولة للجماعات الترابية لا سيما على المستوى الجهوي وأهمية الموارد البشرية والمالية التي وضعت رهن إشارتها، تتطلب النهوض باللاتمركز الإداري ووضع رؤية جديدة لتدخل الإدارات اللاممركزة للدولة، فالميثاق يعد تطورا كبيرا سيمكن من دعم الجهوية المتقدمة من خلال تمكين الإدارات الجهوية من أن تصبح قادرة على أن تكون مخاطبا لمجالس ومكاتب الجهات.

وقد عرف المرسوم بمثابة ميثاق وطنيا اللاتمركز الإداري لمصالح الدولة على أنه تنظيما إداريا مواكبا للتنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة، وأداة رئيسية لتفعيل السياسة العامة للدولة على المستوى الترابي، قوامه نقل السلط والوسائل وتحويل الاعتمادات لفائدة المصالح اللاممركزة على المستوى الترابي، من أجل تمكينها من القيام بالمهام المنوطة بها، واتخاذ المبادرة تحقيقا للفعالية والنجاعة.[31]فهناك مرتكزين أساسيين، تقوم عليهما سياسة اللاتمركز الإداري وهما الجهة باعتبارها الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري والدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة.

ومن المتطلبات الأساسية لتحقيق التنمية على المستوى المحلي نهج السلطة السياسية والإدارة المحلية لنظام اللاتمركز الإداري باعتباره لبنة أساسية في مسار تنزيل الجهوية المتقدمة وتوفير الشروط اللازمة لتنفيذ السياسات العمومية على الصعيد الترابي، وفق مقاربة مندمجة ومتكاملة تتبوأ فيها الجهة الفضاء الترابي الملائم لتحقيق التنمية على أرض الواقع.[32]

فالإدارة اللاممركزة، القوية باختصاصاتها ومواردها البشرية والمالية واللوجيستيكية، تشكل دعامة أساسية لورش الجهوية المتقدمة، وستضمن أفضل الشروط للاندماج والتكامل والتآزر بين السياسات العمومية تحت إشراف والي الجهة وعامل العمالة أو الاقليم ومراقبة السلطات الحكومية المعنية.[33]

فميثاق اللاتمركز الاداري يجب أن يهدف إلى إحداث تغيير جذري في مجال الحكامة العمومية، ومن المفروض أن يكرس هذا النمط الجديد من الحكامة مقاربة تعتمد مبدأي القرب والأفقية، وتستجيب لتطلعات وانتظارات كل الفاعلين وتوفر شروط التكامل والانسجام مع الجهوية.[34] بحيث يجب أن يواكب الجهوية المتقدمة لاتمركز متقدم هو أيضا، يتجه إلى قضايا العمق والجوهر المرتبطة بالهياكل والتنظيم ومناهج العمل والأجرأة على مستوى كل وحدات التنظيم الإداري الترابي، من أجل إعطاء المعنى الحقيقي لمفاهيم المرفق العام والصالح العام، ومصالحة الإدارة مع المرتفقين.” [35]

“ويكشف تحليل مسلسل اللاتمركز وجود مفارقة حقيقية على هذا المستوى، فاللاتمركز عوض أن يسبق إطلاق الجهوية، فإنه أتى كنتيجة لها، مما جعله أقرب ما يكون إلى إجراء للمواكبة، وليس كإصلاح ضروري  للحكامة الإدارية.”[36]

 فالممارسة الجهوية لحد الآن لا تسمح سوى بإمكانية الحديث عن تجربة محتشمة لا تتعدى سقف الجهوية الإدارية في أحسن الحالات، تجربة تنهض على الازدواجية المؤسساتية (دولة/جهة)، لكنها تخفي في واقع الأمر موقعا هامشيا للمنتخبين في دائرة القرار المحلي الذي لايزال محكوما بالنفس المركزي[37]

وما يزكي هذا الطرح على أرض الواقع هو أنه عندما وقف رئيس جهة الشرق وسط الجماهير المحتجة، على خلفية الأحداث الاجتماعية بمدينة جرادة، فإنه خاطبهم قائلا بأنه مجرد “مسؤول محلي صغير” وأن أهم ما يمكن أن يقوم به هو أن يطلب من وزراء الحكومة القدوم من مكاتبهم بالرباط إلى طاولة الحوار مع ممثلي السكان بهذه المدينة المهمشة.

وبعد ذلك بأيام، استقبل رئيس الحكومة بصفته الحزبية، كأمين عام لحزب العدالة والتنمية، مجموعة من المنتخبين المحليين المنتمين لحزبه على مستوى المدينة المذكورة مما أثار الكثير من الملاحظات المتعلقة بمدى الصلاحيات الممنوحة للجهة كتنظيم للديمقراطية المحلية ولتمثيل الساكنة، على مستوى تدبير قضايا القرب، لا سيما بعد التضخم الخطابي في الحديث عن الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي للسياسة العمومية الترابية.

 وهنا يطرح سؤال محوري يتعلق بمدى قدرة النخب المحلية على تدبير شؤونها في إطار الجهوية المتقدمة ، و يجد هذا التخوف مصدره انطلاقا من الواقع الذي تعيشه الجماعات الترابية في التدبير اليومي للشأن المحلي .  فالنحب أو “الأقليات الاستراتيجية” بحسب تعبير المفكر الايطالي باريتو، التي تمسك بزمام الأمور بالمغرب لم يكن محدد الكفاءة هو الذي أوصلها إلى مركز سلطة القرار، بل كانت محددات أخرى وراء ذلك و هذا ما يسقطنا في ذلك ” التدبير الديماغوجي للشأن المحلي” أي وجود نخب بمستويات ثقافية و علمية ضعيفة و في بعض الأحيان لا تحسن الكتابة و القراءة.[38]

“وتعد إشكالية النخب السياسية من أبرز الإشكالات والتحديات الجوهرية التي لا تواجه تفعيل مشروع الجهوية المتقدمة في المغرب فحسب، بل العالم المعاصر أيضا بفعل سرعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والإيديولوجية[39]” حيث ظل واقع هذا المجال بالمغرب، بمختلف محدداته ومكوناته وعناصره وظواهره واقعا مشوها، ينخره الفساد وتستعمل فيه الممارسات والمسلكيات التقليدية، كتلك المتعلقة بطرق وأساليب إنتاج النخب السياسية، التي ظلت ترتبط عبر التاريخ وحتى الآن  بالمال والمخزن والنسب والمقدس والوساطات،[40] وهو ما يحرم المجتمع من خيرة أطره ونخبه التي يمكنها أن تؤدي دورا محوريا في[41]  الإصلاح والنهوض[42]

وتأكيدا لهذا المعطى، فقد كشفت دراسة إحصائية أنجزتها وزارة الداخلية المغربية، أن أزيد من 4562 رئيس أو مستشار أو ممارس داخل المجالس الترابية لا يحملون الشهادة الابتدائية، ومن شأن هذا المعطى أن يقدم لنا تصورا واضحا عن مستقبل المغرب وعن راهنية تصوره[43]ونموذجه التنموي الجديد ، فأي إصلاحات سياسية وتنموية يمكن انتظارها في ظل عدم توفر العديد من المنتخبين الفاعلين على شهادات ابتدائية؟[44]

ومما أسهم  في إضعاف النخب المحلية حسب بعض الباحثين هو ذلك “التحالف الذي تم تشييده بعد الاستقلال بين المؤسسة الملكية والنخب الريفية لمناوئة قوة النخب المدينية والحزبية.[45]

إن تجديد النخب  تعد مسألة محورية في مسار أي مجتمع، فه يعكس حيوية المجتمع ومدى قابلتيه لبلورة مشروع تنموي ؛ ذلك أن النخبة تبقى في نهاية مصدرا لإنتاج الأفكار والمشاريع  في المجتمع والقادرة على تنزيل هذا المشروع على أرض الواقع نظرا لموقعها داخل المجتمع و نظرا كذلك لامتلاكها للوسائل التي تؤهلها لبلورة و نمذجة مشروع الجهوية على أرض الواقع .

ومما تجب الاشارة اليه أنه  من  بين المستجدات الهامة التي جاء بها  ميثاق اللاتمركز الاداري في إطار علاقات المصالح اللاممركزة للدولة بالجماعات الترابية وهيئاتها والهيئات والمؤسسات الاخرى ذات الاختصاص الترابي وفي  مساهمة اللاتمركز  الاداري في التحديث الجهوي هو أن تتولى المصالح اللاممركزة للدولة، تحت سلطة السلطات الحكومية المعنية، وتحت إشراف والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، ممارسة المهام التالية [46]:

– تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لفائدة الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي وكل هيئة من الهيئات المكلفة بتدبير مرفق عمومي ؛

– العمل على إرساء أسس شراكة فاعلة مع الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي في مختلف المجالات، ولاسيما عن طريق إبرام اتفاقيات أو عقود باسم الدولة، بناء على تفويض خاص، مع التقيد بالتوجهات العامة للدولة وبرامج التنمية الجهوية المعتمدة ؛
– المساهمة في تنمية قدرات الجماعات الترابية وهيئاتها ؛
– مواكبة الجماعات الترابية وهيئاتها في ممارسة الاختصاصات الموكولة إليها، ولاسيما في إنجاز برامجها ومشاريعها الاستثمارية وتمكينها من كل اشكال المساعدة اللازمة ؛
– تعزيز آليات الحوار والتشاور مع كافة المتدخلين على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم.
كما يتعين على المصالح اللاممركزة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الاقليم التعاون والقيام بجميع أعمال التنسيق اللازمة مع المركز الجهوي للاستثمار المعني باعتباره شباكا وحيدا ، من أجل تمكينه من القيام بمهامه، لاسيما تلك المتعلقة بمساعدة المستثمرين من أجل الحصول على التراخيص اللازمة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل لإنجاز مشاريعهم الاستثمارية ومواكبتها[47]. وهذا يعبر عن الرغبة في تجاوز القصور الذي طبع مختلف أوجه التنمية، وإيجاد فضاء أكثر رحابة لوضع مخططات اقتصادية أكثر ملائمة بهذا الشأن[48] .

خاتمة:

إن التنزيل السليم لورش نظام اللاتمركز الإداري لن يتأتى إلا باعتماد مقاربة شمولية ومندمجة، تستهدف إحداث منظومة قانونية متكاملة ومتجانسة وقواعد تنظيمية وإجرائية مرنة ورشيدة، تخدم بالأساس بناء صرح متين، يجسد التلاؤم بين سياسات اللاتمركز واللامركزية والجهوية المتقدمة في إطار تنوع الديناميات الترابية وموجبات تقاسم المسؤوليات، والتحديد الدقيق لمجالات تدخل مختلف الفاعلين مع توحيد التدخلات وتضافر الجهود على المستوى الوطني والترابي من أجل رفع تحديات النجاعة والفعالية في التدبير والتسيير، وتحقيق رهان التنمية المستدامة والمندمجة.

إن اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري سيشكل بدون شك مرجعية توجيهية هامة ويعد بمثابة نقطة انطلاق جوهرية لتأهيل نظام اللاتمركز الإداري وتحديث الادارة الجهوية المغربية، طالما أنه ينطلق من رؤية شمولية للإصلاح تستهدف مختلف عناصر نظام اللاتمركز الإداري، وهي الرؤية التي تبلورت من خلال مقاربة تشخيصية لمجمل الاختلالات السابقة.

ولا يمكن لمنظومة اللاتمركز أن تنجح إلا  من خلال لامركزة الوسائل،سواء المادية أو البشرية، و تمكين المصالح اللاممركزة من موارد مهمة وقادرة على التدخل واتخاذ المبادرة دونما الرجوع كثيرا إلى السلطة المركزية، مع العمل على تمكينها من موارد بشرية  مالية لتكون قاعدتها الأساسية في الاصلاح.  
إن نجاح مشروع اللاتمركز الاداري يتوقف على التسريع بتنزيل الجهوية المتقدمة ؛ فلا يجب أن ننسى بأن اللاتمركز ليست له فائدة في ذاته إلا بالقدر الذي يدعم -بما فيه الكفاية- قيام منظومة لامركزية متطورة قادرة على مواجهة أعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ قيم الديمقراطية المحلية.
إن تنفيذ مقتضيات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري يقتضي دعما إراديا قويا، من طرف جميع الاطراف المعنية في الآجال المحددة، وأن تنزيل مقتضيات هذا الميثاق يجب أن يتم وفق مقاربة قيادة التغيير، وبطريقة تدريجية لأجل تحقيق الأهداف المنشودة في أفضل الظروف من حيث العقلنة والفعالية، فضلا عن التملك الجماعي للمقتضيات الواردة فيه.


[1] عبد الكريم بخنوش، اللاتركيز الإداري مدخل لإنجاح الجهوية بالمغرب : المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 122-123 ماي-غشت 2015 ، ص 127

[2]  تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي  و البيئي:  متطلبا ت الجهوية المتقدمة و تحديات ادماج السياسات القطاعية،2016   ص 57

[3]  اللاتمركز الإداري رافعة لورش الجهوية المتقدمة : وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية ، مجلس النواب، 28 نونبر 2017، ص: 27.

[4]  تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي  و البيئي:  متطلبا ت الجهوية المتقدمة و تحديات ادماج السياسات القطاعية،2016   ص 57

[5]  اللاتمركز الاداري رافعة لورش الجهوية المتقدمة : وزارة الوظيفة العمومية و الاصلاح الاداري ، مجلس النواب  28 نونبر 2017 ص 5

[6]  نفس المرجع ص  6

[7] تقرير المجلس الاقصادي و الاجتماعي و البيئي : مرجع سابق ، ص67 

[8] L.BROUKSY : la déconcentration ; ses mécanismes et ses limites, RMFOE , N° 8 , 1992 P 64

[9] اللاتركيز لازمة اللامركزية : المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية، الدار البيضاء ، 19- 29- 21 ،1998 ، وزارة الداخلية ، ص 65

[10] نفس المرجع ، ص 65

[11] H.Ouazzani Chahdi : la régionalisation et déconcentration, REMALD,N° 6 1996 P 58

[12]  تقرير المجلس الاقتصادي  الاجتماعي  البيئي ص 58

[13] تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، مرجع سبق  ص57 -58

[14] عبد الحق   طالبي : مؤسسة الوالي  أو العامل بين المركزية وعدم التركيز : دراسة مقارنة ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد  الخامس، كلية الحقوق ، أكدال  ، الر باط 2004-  2003 ص 186

[15]  تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، مرجع سابق، ص 60

[16]  لمياء الزاكي:  اللامركزية بالمغرب  ، وعود بإصلاحات قانونية في غياب آثار  قانونية مؤكدة، بوادر ، مبادرة الاصلاح العربي ، يوليوز 2019 ص  5

[17] لمياء الزاكي:  اللامركزية بالمغرب  ، وعود بإصلاحات قانونية في غياب آثار  قانونية مؤكدة، مر جع سابق، ص  5

[18] تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، مرجع سابق، ص 60

[19] تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئ، مرجع سابق ، ص 61

[20] عدم التركيز الاداري لازم للامركزية : مرجع سابق ، ص 58

[21]   المادة 7 من المرسوم رقم 618-17-2 صادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

[22] المادة 8 منالمرسوم رقم 618-17-2 صادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري

[23] المادة 20  منالمرسوم رقم 618-17-2 صادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

[24] المادة 9 من نفس المرسوم.

[25] المادة 25 من نفس المرسوم.

[26] المادة 38 منالمرسوم رقم 618-17-2 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري. 

[27]المادة 30 منالمرسوم رقم 618-17-2 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.  

 

 [29] لمياء الزاكي:  اللامركزية بالمغرب، وعود بإصلاحات قانونية في غياب آثار  قانونية مؤكدة، مر جع سابق، ص  5

[30]  محسن مصطفى : في ثقافة تدبير الاختلاف: المسألة الجهوية وقضايا التنظيم والديمقراطية والتنمية في العالم الثالث المغرب نموذجا، مجلة دراسات عربية، 1999 العدد الخامس السادس. ص 82

[31] المادة 3 من المرسوم  رقم 618-17-2 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، ج ر عدد 6738بتاريخ 27 دجنبر 2018

[32] سعيد حموتي : الجهوية بالمغرب نموذج لاصلاح إدارة اللاتمركز: مجلة العلوم السياسية و القانون، المركز الديمقراطي العربي  برلين  العدد   18 نونبر 2019 ص 22

[33]  دليل اعداد التصميم المديري  للاتمركز الاداري :  وزارة اصلاح الادارة والوظيفة العمومية:  ، ماي 2019  ص 6

[34]  تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئ، مرجع سابق ، ص 81

[35]  نفس المرجع  ، ص81

[36] نفس المرجع  ص 82

[37] عادل تميم : اشكالية الاختصاصات بين الجهة والدولة ورهان التوازن في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية  -طنجة-،السنة الجامعية 2008/2009، ص: 98.

[38] محمد المستاري : في تحديات وإكراهات سياسة الجهوية المتقدمة بالمغرب ،مجلة العلوم الاجتماعية ، المركز الديمقراطي العربي، ألمانيا ، العدد 5، غشت 2018 ص 67

[39]  محمد المستاري : نفس المرجع ص 67

[40]  نفس المرجع ص 68

[41] محمد المستاري : في تحديات وإكراهات سياسة الجهوية المتقدمة بالمغرب ،مجلة العلوم الاجتماعية ، المركز الديمقراطي العربي، ألمانيا ، العدد 5، غشت 2018 ص 67

[42]  رشيد جرموني ،  المنظومات التربوية العربية بين مظاهر الأزمة وتحديات المستقبل، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية(، العدد 10 ، الدوحة. 2014 ص 90 -91

[43]  عبدالرحيم بوعيدة، مر جع سابق   ص  9

[44] محمد المستاري ، مرجع سابق ، ص 68

[45] Rémy Leveau Paris, Le Fellah marocain, défenseur du trône  Presses de la FNSP, 1985.

[46] المادة 36 منالمرسوم رقم 618-17-2 صادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

[47] المادة  37 من المرسوم رقم 618-17-2 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

[48] عبد الكريم بخنوش، اللاتركيز الإداري مدخل لإنجاح الجهوية بالمغرب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 122-123 ماي-غشت 2015 ، ص: 127

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *