عوائق التعاون و الشراكة بين الجماعات الترابية

عوائق التعاون و الشراكة بين الجماعات الترابية

عزيز الذهبي                                                                                              

طالب باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام

     بجامعة عبد المالك السعدي طنجة    

تقديم:

       يعتبر التنظيم من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى تحقيق أفضل النتائج في ميدان التسيير الجماعي كما يمكن من تفادي العديد من الأخطاء التي ترتكب غالبا بسبب الإهمال واللامبالاة : ويعد التعاون ما بين الجماعات الترابية نوعا من التنظيم العقلاني للسلوك الجماعي ، أكدت التجارب فعاليته في احتواء الصعوبات والتخفيف من حدة المشاكل التي تعرفها الجماعات الترابية [1].

فالتعاون وسيلة تستخدمها الجماعات الترابية لتقليص حجم مشاكلها وتسير بها أهدافها وطموحاتها، وتعينها على تنفيذ برامجها إذ بفضل ذلك تستطيع تحقيق الاستغلال الأمثل لخيراتها المشتركة بالبحث عن أوجه التكامل في ما بينها واختصار المشاريع بغية التقليص من التكاليف [2]. وبذلك يشكل التعاون ما بين الجماعات الترابية تجسيدا للتنمية التشاركية التي تعتمد على مبادئ التكامل والاندماج والتضامن والتشارك وقد اتخذت هذه الشراكة في البداية شكل النقابة الجماعية، واعتبر في الميثاق الجماعي الأول 1960 كوسيلة لإشراك بعض الجماعات في تدبير بعض المرافق العامة ذات الفائدة المشتركة وفي الواقع كان استخدام النقابات ضعيف للغاية بسبب التطور الذي عرفته الوكالات المستقلة فيما بين الجماعات المحدثة لسنة 1964[3].

تشكل صيغة التعاون ما بين الجماعات الترابية إحدى أهم الآليات التي توظفها الجماعة لتجسيد التنمية التشاركية بعناصرها ومفهومها الواسع  نظرا للمزايا العديدة التي تحققها خاصة في الاستجابة أكثر للحاجيات المتزايدة للسكان ، ولكن وعلى الرغم من هاته المزايا التي تقدمها صيغة المجموعات، ففي بعض الأحيان نجد هناك صعوبات وعوائق في تطبيق التعاون والشراكة.

وبالتالي وجب التفكير في حلول ايجابية للنهوض بقطاع الشراكة بين الجماعات الترابية.

1- العوائق الذاتية والموضوعي للتعاون والشراكة بين الجماعات الترابية

       إن الجماعات الترابية أصبحت حاليا، بحكم اختصاصاتها الواسعة ومهامها المتنوعة وتدخلاتها المختلفة، مدعوة لتكثيف جهودها من أجل الاستفادة من الفرص العديدة التي يتيحها التعاون والشراكة ، لتنمية مواردها وتعزيز إمكانياتها وتطوير أجهزتها وتأهيل طاقاتها البشرية، لتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، إلا أن هذا الخيار قد تعترضه عدة صعوبات منها ما هو ذاتي ومنها ما هو مرتبط بالشراكة نفسها.

1.1- صعوبات وعوائق ذاتية.

إن التنمية الجماعية لا يمكن أن تكون إلا بتوفير شروط محددة يكون فيها المجلس الجماعي معبرا عن إرادة الناخبين، وتكون هناك ديمقراطية محلية ذات مضمون اقتصادي واجتماعي وثقافي وسياسي إلى جانب المضمون الانتخابي الذي ليس إلا جزءا بسيطا من الممارسة الديمقراطية، ولكنه الأكثر تأثيرا في الحياة العامة، وفي حياة الجماعة. إلا انه وفي غياب نهج ديمقراطي صريح وبالأخص على مستوى الانتخابات تفرز مجالس مزورة يسعى أعضاؤها إلى نهب خيرات الجماعة بدل توظيفها لصالح المواطنين بالإضافة إلى مجموعة من الصعوبات والعوائق التي نذكر منها بالخصوص:

  1. الاختلال القائم في قانون تنظيم الجماعات الترابية لصالح سلطة الوصاية من جهة ولصالح مكاتب الجماعات الترابية والرئيس من جهة أخرى.
  2. كون الأعضاء الجماعيين لا يتمتعون بالكفاءة التي تمكنهم من استيعاب العمل الجماعي على المستوى القانوني وعلى القدرة على تدبير شؤون الجماعة مما يؤدي إلى تبذير الإمكانات المادية والمعنوية[4].
  3. إعطاء السلطة المطلقة للرئيس الذي يشرف على تدبير الشؤون الجماعية. وهو ما يؤدي إلى القيام بممارسات لا تعود بالنفع على الجماعة.
  4. رهن تنفيذ مقررات الجماعة بيد السلطة الوصية .
  5. كون الموارد الجماعية منعدمة أو غير كافية حتى لتسيير الحياة اليومية للجماعة هما يؤدي إلى فقدان إمكانية إحداث أية تنمية كيفما كان نوعها.
  6. إثقال كاهل الجماعة بالديون المقترضة من صندوق الجماعات الترابية للقيام بأمور لا علاقة لها بتنمية الجماعة أو التسيير العادي مما يدخل الجماعة في عملية خدمة الدين.

1.2- صعوبات مرتبطة بالشراكة

في ظل الاكراهات التي تعيشها الجماعات الترابية وما يترتب عليها من سوء تسيير وتدبير تلجا هذه الأخيرة إلى وسيلة التعاون والشراكة لتقليص حجم مشاكلها ولكن حتى مسالة الشراكة تشوبها بعض العوائق التي وجب الوقوف عليها ونذكر في هذا الصدد :

  • محدودية الآليات القانونية والتقنية لتفعيل الكثير من اتفاقيات التعاون.
  • حالة التوجس والخوف التي تطبع العلاقة بين الجماعات الترابية.
  • المنافسة اللامشروعة للجماعات الترابية والتي تعيق الشراكة .
  • طغيان حالة التباعد والجفاء بين الجماعات الترابية وعدم مد جسور التواصل بين الأطراف (مسالة الحزبية).
  • عدم التأسيس لآليات  تضمن وصول المعلومات الضرورية المرتبطة بالشأن المحلي إلى الجماعات الترابية مما يؤثر على فعلها وذلك بسبب حسابات ضيقة.
  • الغموض والضبابية وطغيان العمومية على ألفاظ المشرع في الميثاق الجماعي وهو ما يفتح المجال أمام تملص بعض المجالس ويرهن الأمر برمته لمزاجية الرؤساء الذين أوكلت لهم صلاحيات واسعة.
  • شح الدراسات المتعلقة بالشراكة والتعاون على المستوى المحلي[5].

2- آليات النهوض بقطاع الشراكة بين الجماعات الترابية.

   إن قوة الجماعات الترابية أصبحت اليوم تكمن في قدرتها على التضامن واستغلال فرص التعاون مع أطراف وطنية ودولية، تمكنها من تبادل الإمكانيات والخبرات والتجارب من أجل تحقيق التنمية المحلية وضمان تقديم خدمات لفائدة المواطنين في ظروف مريحة ولتعزيز ذلك لابد من العمل على اتخاذ مجموعة من التدابير وطرح مجموعة من التوصيات .

  1. التدابير
  2. التعجيل بوضع إطار مالي خاص بالتعاون والشراكة، يحدد العمليات القابلة للتمويل من طرف الدولة والجماعات الترابية.
  3. إعداد دوريات توظيفية للمقتضيات القانونية والتنظيمية تتضمن التدابير العملية الواجب اتباعها لتدبير وتسيير المشاريع والعمليات المنجزة في إطار التعاون والشراكة .
  4. وضع نظام جبائي لتمويل المشاريع والأنشطة المنجزة من لدن مجموعات الجماعات.
  5. تقوية أشكال التعاون المؤسساتي والتعاقدي للجماعات الترابية وخاصة على صعيد الجماعات القروية منها وذلك بغرض دعم دينامية التنمية الترابية[6].
  6. حث الجماعات القروية على ربط علاقات للتعاون والشراكة بغية انجاز مشاريع مندمجة ومنسجمة مع البرامج الوطنية والسياسات العمومية القطاعية.
  7. العمل على إحداث من خلال المشاريع والعمليات المنجزة في إطار التعاون والشراكة مجالات  ترابية تتوفر على قدرات اقتصادية واجتماعية دائمة ومنتجة للثرات.
  8. تنظيم حملات تواصلية وتحسيسية للتعريف بمجالات التعاون والشراكة خصوصا على صعيد الجماعات الترابية .
  9. وضع استراتيجية وطنية للتعاون اللامركزي وكذا مخطط وعمل واضح حول المجالات  ذات الأولوية.
  10. إحداث هيئة وطنية للتعاون تناط بها مهمة تتبع  علاقات الجماعات الترابية [7].

2- التوصيات

  • إحداث صندوق لدعم التعاون بين الجماعات الترابية.
  • حث الجمعية الوطنية للجماعات الترابية بالمغرب وجمعية رؤساء العملات والأقاليم للتنمية والتضامن وجمعية الجهات المغربية لتعزيز تدخلاتها في مجال التعاون.
  • تنظيم دورات تكوينية ولقاءات داخلية وورشات لإنضاج التصورات حول مفهوم الشراكة ودورها في تدبير الشأن المحلي.
  • العمل على وضع مرحلة أولى لمصلحة جهوية أو إقليمية تتكلف بتدبير مجال التعاون والشراكة على أن يتم إدماجها في مرحلة لاحقة في الهياكل التنظيمية الجماعية وخاصة الجماعات الترابية الكبرى.
  • عقد لقاءات تواصل بين الجماعات الترابية تقدم فيها نفسها وتعرف بأهدافها ومشاريعها ومنجزاتها.
  • مساهمة  الجماعات الترابية في التظاهرات الرامية إلى دعم الشراكة والتعاون.
  • تخصيص التمويل اللازم والكافي لدعم الجماعات الترابية بما يمكنها من أداء وإنجاح مشاريعها.
  • تزويد الجماعات الترابية بالدراسات  والمعلومات الخاصة بالشراكة المحلية.
  • تجاوز حالة التوجس والتخوف الحاصلة بين الجماعات الترابية والتأسيس لعلاقة الثقة والتعاون المتبادل  في أفق خدمة الصالح العام.

إن مسألة التعاون والشراكة سلوك عقلاني يحقق بفضله أكبر قدر من المنفعة والمردودية بأقل الوسائل الممكنة وبالتالي خلق توازن للجماعات الترابية.

كما أن الاستخدام الأمثل للوسائل والطاقات بعد سمة مميزة للتعاون الجماعي ويعتبر طريقة فعالة لمواجهة النفقات والصعوبات التي تنتج عن النمو الاقتصادي[8].


[1] – محمد زبدة: التعاون الجماعي بين النظرية والتطبيق التجربة المغربية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، الرباط 1991، ص 12.

[2] – محمد زبدة: التعاون الجماعي بين النظرية والتطبيق التجربة المغربية، مرجع سابق ص 48.

[3] – ميشيل روسي: المؤسسات الإدارية المغربية، الشركة المغربية للطباعة والنشر، 1993.ص 125.

[4] – محمد الحنفي : مدونة تعنى بشؤون الإدارات العمومية والجماعات المحلية، 30 ماي 2007.

[5] – د.جميل حمداوي : الشراكة التربوية في نظامها التعليمي المغربي مجلة علوم التربية  العدد 52 أكتوبر 2006.

[6] – تقرير حول أشغال التعاون والشراكة بين الجماعات المحلية مراكش 25-26 يناير 2011

[7] – نفس التقرير.

[8] – المصطفى دليل: المجالس الجماعية بالمغرب على ضوء الميثاق الجماعي، ص 167.

إقرأ أيضاً

ترجمة قانون الأحزاب السياسية الإسباني

ترجمة قانون الأحزاب السياسية الإسباني سعيد الرابح دكتور باحث في القانون الدستوري القانون التنظيمي رقم …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *