التمكين السياسي للمرأة بالمجالس الترابية بالمغرب
The political empowerment of women in the Moroccan council
حنان هبولة
habboula hanane
طالبة بسلك الدكتوراه قانون عام،
جامعة عبد المالك السعدي-طنجة
ملخص :
تطور حقوق المرأة في المغرب خاصة في المجال السياسي ومدى بلورة النصوص والمقتضيات الدستورية على ارض الواقع الداعية إلى المساواة بين الرجل والمرأة ،والوضعية الحالية لمشاركها في الانتخابات الترابية والمعيقات التي تحد من تمتعها بهذا الحق ومدى نجاعة نظام الكوطا في إقرار هذا الحق والرفع من نسبة تمثيلية النساء في المجالس الترابية المنتخبة.
The development of women’s rights in Morocco, especially in the political sphere, the extent to which constitutional texts and requirements are formulated on the ground calling for equality between men and women, the current status of their participation in the territorial elections, the obstacles that limit their enjoyment of this right, and the effectiveness of the quota system in establishing this right and raising the percentage of women’s representation In the elected dirt councils
الكلمات المفتاح : المناصفة- المساواة –نظام الكوطا –محاربة التمييز-تمكين المرأة
Key words: parity – equality – the quota system – fighting discrimination – empowering women
تـــــــــقديــــــــــــــم:
عرف المسار الديمقراطي المغربي عدة تحولات حصوله على الاستقلال،حيث عمل على الانخراط في المنظومة الدولية ،وتبنى العديد من المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان من خلال إبرام اتفاقيات والتوقيع على معاهدات جعلها المغرب تسمو على التشريعات العادية ، وقد تصدرت المرأة سياسة الإصلاح بعد الاستقلال حيث أصبحت المساواة بين الرجل والمرأة من بين المحاور المهمة التي تتبنها الدولة ،حيث كانت رغبة المغرب في منح المرأة كافة الحقوق شأنها شأن الرجل ،وهو ما تضمنه أول دستور للملكة بعد الاستقلال.
نص الفصل 8 من دستور 1962 على مساواة الرجل والمرأة في الحقوق السياسة [1]. ولعل ما يؤكد الرغبة الجادة للمغرب في محاربة التمييز بين الرجل والمرأة دخوله في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979 والتي نصت مادتها 7 على محاربة التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية ومنحها حق التصويت في جميع الانتخابات والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات [2]. وهو ما بدأ يتبلور في التشريعات والقوانين المغربية بحيث بدأ المغرب بإشراك المرأة في الحياة السياسية وتأهيلها لخوض الانتخابات سواء البرلمانية أو المحلية والجهوية.
ويعتبر دستور 2011 بمثابة الدفعة القوية للرفع من مشاركة المرأة في صياغة القرار السياسي المغربي [3]؛ فقد نص الفصل 19 على مساواة المرأة والرجل في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والحث على مبدأ المناصفة ولأجل هذه الغاية تم إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز [4].
إن مسيرة التمثيلية النسائية كما هي مليئة بعدة مكتسبات عرفت إخفاقات وصعوبات كثيرة، لأنها كانت مرتبطة بالتنافس السياسي الذي يتحول في بعض الأحيان إلى صراعات ومصالح وفئات وأفكار وايديولوجيات [5]، والمعروفة بتعدد الأبعاد والمشارب وبغموض الأصول والثوابت. فتغيب المرأة عن الحياة السياسية وغيرها من المجالات هو راجع لثقافة المجتمع الذكورية والاعتقاد أن المرأة غير قادرة على تسيير شؤون الدولة واتخاذ القرار وأن دورها يقتصر فقط على التربية وشؤون البيت مع إغفال كونها جزء لا يتجزأ من المجتمع وأنها فاعل أساسي ومؤثر داخله وأنه لا يمكن تحقيق التنمية المتوخاة بتغييب عنصر من العناصر المكونة للمجتمع الذي هو المرأة، لذا كان لابد من إعطائها حقها في التعبير عن رأيها وتصورها في بناء بلدها .
وترتبط المشاركة السياسية بالاهتمام بالشأن العام وبإشراك المواطنات والمواطنين في تحديد الخيارات المتعلقة به وانجازها، فهي إذن أرقى تعبير عن المواطنة [6]، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الترابي خاصة الجهوي، الذي هو مستوى وسيط للتمرس والرفع من المهنية.
ولتدعيم تمثيلية النساء أكثر فأكثر والمساهمة في تقعيد آلياته، تم خلق صندوق دعم لتشجيع تمثيلية النساء الذي أحدث سنة 2009 كآلية يتم من خلالها إدماج المرأة في تسيير الشؤون السياسة وأيضا بهدف إقرار لجنة المساواة وتكافئ الفرص في الميثاق الجماعي-آنذاك- من أجل تبني وتكريس مقاربة النوع ومحاربة التمييز القائم على الجنس. وهي أولى اللبنات التي ساهمت في تقعيد آليات التمكين السياسي الترابي لكونها تفتح الباب أمام المرأة السياسية باعتبارها ممثلات شعبية منتخبة على مستوى القرب.
وتتجلى أهمية تمثيلية النساء في هذه الانتخابات أساس تبني التمييز الايجابي، وتأهيل المرأة لتكون عنصرا ايجابيا وفعالا داخل المجتمع الشيء الذي يزيد من قدراتها التدبيرية والمساهمة في الشؤون المحلية والجهوية. فتحقيق المساواة بينها وبين الرجل هو شرط أساسي لتحقيق تنمية مستدامة تتعدى شؤون القرب المعهودة على المستوى الجماعي إلى شؤون أكثر أهمية والمتمثلة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والدفع بالاستثمار الجهوي باعتبارها أساس التنمية الشاملة المؤسسة والمسايرة لورش الجهوية الموسعة.
وقد جرت الانتخابات التشريعية الأولى في ظل الدستور الجديد، في زمن قصير وبوتيرة سريعة، مما لم يسعف في فتح نقاش عميق وجدلي حول مجموعة من القضايا المجتمعية والتي في مقدمتها المساواة بين الرجل والمرأة [7].
كما أن الانتخابات الجماعية والجهوية التي أعقبته كانت محكا حقيقيا للمرأة السياسية الطامحة في تولي مناصب المسؤولية بالجهات؛ لاسيما من خلال عدة آليات قانونية وتنظيمية. فرغم الوضعية السياسية التي عرفتها معظم الدول العربية والتي ظلت تشكل ضغوطا واضحة على الدولة المغربية، بل ساهمت في استمرار إغفال قضية المرأة كواحدة من أهم قضاياه المجتمعية والمتعلقة بالمرأة والتي يشترك فيها العالم بأكمله؛ فكل الدول لا تفوت أي فرصة للتنصيص على منح المرأة كافة الحقوق ومساواتها بالرجل، وتبدو معالجة علاقة المرأة بالديمقراطية مسألة غاية في الأهمية، بغية اكتشاف المكانة الفعلية للمرأة المغربية في سيرورة الانتقال الديمقراطي المنشود [8].
فبين المحددات القانونية والتنظيمية والمثبطات الحقوقية والواقعية تظهر حجم الرهان السياسي على المرأة في المساهمة في التنمية الجهوية وتطلعها لتلعب دورا أساسيا على المستوى الجهوي الصاعد.
إذن: كيف يمكن تقييم واقع حضور المرأة خلال الاستحقاقات الانتخابات الترابية؟ وما هو حجم الضمانات الموضوعة رهن إشارتها لتحقيق مستوى تمثيلي مناسب لها داخل الفضاء السياسي الترابي ؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية وما يدور في فلكها من أسئلة سنحاول التطرق إليها من خلال محورين اثنين:
- المحور الأول: واقع التمثيلية النسوية الترابية بالمغرب
- المحور الثاني: تطور حضور المرأة داخل الفضاء السياسي المغربي
- المحور الثالث: دور القضاء في تعزيز المشاركة السياسية النسوية بالمغرب
المحور الأول: واقع التمثيلية النسوية الترابية بالمغرب
لقد حضرت قضايا المرأة في الخطب الملكية حيث ان الملك محمد السادس لا يفوت اي فرصة ليؤكد على ضرورة النهوض بالمرأة في كافة الميادين سواء التعليم او السياسة او الشغل فقد تناول مساواة المرأة بالرجل في رسالته إلى المشاركات في القمة العالمية للنساء فقد جاء على لسان جلالته: “كما أننا عملنا، مند سنوات، على وضع المغرب في مسار المساواة بين الرجل والمرأة، باعتبار ذلك حقا من الحقوق الإنسانية، ومطلبا قانونيا، وضرورة اجتماعية واقتصادية”، كما أضاف جلالته: ” أن كل ما يعرقل تمكين النساء من حقوقهن يشكل في حد ذاته عائقا في طريق تنمية قارة” [9]. ومن هنا يظهر اهتمام الملك بحقوق المرأة وتمكينها منها وهو ما جعلها حاضرة في دستور 2011 بشكل واضح ويتضح ذلك من خلال تواجدها في اللجنة الاستشارية لصياغة الدستور ليتم ترجمته من خلال النصوص التنظيمية خاصة المتعلقة بالانتخابات باعتبارها النافدة الأساسية لإشراك النساء في تسيير شؤون الدولة إلى جانب الرجل على قدر من المساواة، فقد خصصت القوانين المتعلقة بالانتخابات مواد تنص على تمثيلية النساء في الانتخابات ، فمن خلال القانون المنظم للأحزاب السياسية 29.11 فتح المجال للانخراط في الأحزاب السياسية من خلال المادة 19 وأيضا منحها الحق بنسبة الثلث في الأجهزة المسيرة سواء على المستوى الوطني أو جهوي وذلك ما جاء في المادة 26 ، وقد حدد القانون 27,11 المتعلق بمجلس النواب في مادته 23 على ان تتضمن لائحة الترشيح على صعيد الدائرة الانتخابية الوطنية أسماء 60 مترشحة كما نصت المادة 76 من القانون 59-11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية: أنه يخصص للنساء في كل دائرة انتخابية ثلث المقاعد على الأقل ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشيح برسم المقاعد المخصصة للجزء الأول من لائحة الترشيح المشار إليها في المادة 85 من هدا القانون حيث يجب أن يتضمن الجزء الثاني وجوبا أسماء مترشحات فقط في عدد يطابق عدد المقاعد المخصصة لهذا الجزء ، فقد تبنى المغرب نظام الكوطا في الانتخابات البرلمانية مند سنة 2002 من اجل تحقيق تمثيلية مرضية لتمثيلية النساء وبالفعل قد عمل هدا النظام على تطوير حضور المرأة داخل البرلمان ليتم تبنيها في الانتخابات التشريعية ، ويعتبر نظام الكوطا من الإجراءات والميكانيزمات الضرورية ، ولو انها ظرفية، حيث من شانها أن تعجل بوثيرة تحقيق تكافئ الفرص بين الرجل والمرأة في مجال التمثيلية وممارسة الشأن العام المحلي [10].
فمن خلال ما سبق، يتضح أن مجمل القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية [11]، وكذا القانوني التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية [12]، قد حرصت على ضمان حضور النساء في الانتخابات وخصصت لها حصة إلزامية لها بحكم القانون من خلال نظام الكوطا لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى تنزيل هده القوانين والعمل بها واحترام الحصة المخصصة للمرأة ؟ وهو ما يتبن من خلال نتائج الانتخابات وما أفرزته من نساء برلمانيات ونساء عضوات في المجالس المحلية المنتخبة.
ومما لا شك فيه أن حضور المرأة في الانتخابات عرف تزايدا خلال الحقب الانتخابية التي عرفها المغرب ودلك راجع للمجهودات التي قام بها المغرب ومدى حرصه على الالتزام بالقضاء على التمييز بين الجنسين، فقد عرفت الانتخابات التشريعية التي عرفها المغرب بعد صدور دستور 2011 ارتفاع تمثيلية النساء في محاولة لتطبيق ما جاء به دستور 2011 حيث حصلت على 7 مقاعد في الدائرة المحلية و60 مقعدا في الدائرة الوطنية. إذن فقط وصلت نسبة تمثيلية النساء في هد الانتخابات إلى 17 في المائة ،فهده النسبة لم تبلور ما جاء به الدستور الجديد كما لم تكن مرضية بلا شكل للحركات النسوية التي كانت تطمح لأكثر لكنها عرفت ارتفاعا لو نسبيا مقارنة مع السنوات الماضية حيث وصلت سنة 2007 نحو 10,5 في المائة فقد ساهم نظام الكوطا في رفع من هذه النسبة، ليواصل المغرب العمل أكثر من أجل تقوية تمثيلية النساء وتجنب كل ما من شانه ان يعيق تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، فقد عرف اقتراع 7 أكتوبر 2016 قفزة في تمثيلية النساء ولعل ذلك راجع إلى القوانين الانتخابية التي تصبح معمولا بها، حيث فازت النساء 81 مقعدا 10 في الدائرة الانتخابية المحلية و60 مقعدا باللائحة الوطنية و11 مقعد فيما يخص اللائحة المخصصة للشباب من الجنسين لتصل نسبة مشاركة النساء في هده الانتخابات إلى 20 في المائة . فقد أكدت منظمة”جندر كونسورنز انترناشيونال” أن اقتراع 7 اكتوبر ، شكل تكريسا لمسار التحول الديمقراطي في المغرب [13].
المحور الثاني: تطور حضور المرأة داخل الفضاء السياسي المغربي
إن تقدم المجتمعات مرتبط بشكل وطيد بمدى المساواة بين الرجل والمرأة وتقلدها المناصب إلى جانب الرجل والوصول إلى مركز القرار ، حيث لا يمكن الحديث عن المجتمع مع غياب شريك أساسي وهو المرأة التي تكون إلى جانب الرجل نواة المجتمع ، لذا وجب تقاسم المهام والمناصب في كافة المجالات وبشكل متساوي ودون أي تمييز بين الجنسين ،ولعل الدعوة الملحة للمغرب من خلال الدستور والقوانين التنظيمية والخطب الملكية لحضور المرأة المكثف في لانتخابات ليس هدفا بقدر ما هو وسيلة لتولى المرأة المسؤولية وتبوء مناصب اتخاذ القرار وإلا يبقى مجال الانتخابات حكر على الرجل بل إشراك المرأة فيه شأنه شأن المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفت حضور قوي للمرأة .
تمكين المرأة المغربية تجاوز مساهمته في تقليص الفوارق الاقتصادية والهوة الاجتماعية، إلى مستوى مشاركتها في تدبير الشأن العام الوطني والمحلي [14]. فالمغرب سعى إلى أن تكون المرأة مشاركة في كافة المجالات وتدبير شؤون الدولة من خلال ممارستها للسياسة التي تؤهلها لان تتولى رئاسة الجماعات ومستشارة وبرلمانية ووزيرة تعمل على صياغة سياسة الدولة وتوجهها،ولعل ما يؤهلها لكل هدا هو إثباتها لكفاءتها فيشتى المجالات كانت في مستوى الرجل وربما أكثر فهي كانت ضمن مقاومة الاستعمار إلى جانب الرجل وكانت ذات مواقف أثبتت شجاعتها والتي لازال التاريخ يذكرها وليستمر نضالها بعد الاستقلال لإثبات وجودها في الساحة السياسة بالرغم من إقصائها إلا أنها واصلت كفاحها إلى ان اقتنعت الحكومات التي تعاقبت على المغرب بضرورة إشراك النصف الثاني للمجتمع.
إن رغبة المغرب في تبنى التمييز الايجابي تظهر من خلال الترسانة القانونية التي نصت على إشراك المرأة في الانتخابات، بل إلزام إشراك المرأة وتخصيص مقاعد خاصة لها، وهذا إعمالا بما جاء به دستور 2011 الذي نص بتشكيل صريح علة المساواة والمناصفة بين الرجل والمرأة في كافة المناصب ومجالات الحياة من خلال الفصل 19 وإحداث هيئة خاصة للدفاع عن هدا المبدأ والسهر على تطبيقه وهو ما تبين في الانتخابات التي أجريت بعد دستور 2011 سواء التشريعية او الجماعية التي عرفت كل منها تزايدا ملحوظا في نسبة مشاركة المرأة وفوزها بالمقاعد ولو أن توليها منصب الرئيس أو النواب الأوائل ظل قليلا خاصة إذا تحدثنا على الانتخابات الجهوية، حيث ان الجهة هي المكان الخصب لممارسة السياسة. ومع مراعاة أن تكون هده التدابير القانونية،التي تمليها مرحلية ومؤقتة ترمي بالأساس إلى الارتقاء بتمثيلية النساء بالمجالس الجهوية [15]. ولان الجهة أصبحت مع دستور 2011 فاعلا أساسيا في التنمية ومنحها عدة اختصاصات مهمة كان لابد أن تكون المرأة حاضرة في الانتخابات الجهوية بالشكل المناسب وفق ما رسمه لها دستور 2011 .
فالدستور الحالي رعى التراكم المثمر لمسار المرأة، والذي عرف منذ عهد الحسن الثاني حضور قضايا المرأة؛ حيث لا يفوت جلالته الفرصة للحث والتأكيد على إشراك المرأة إلى جانب الرجل في كافة المجالات وتوليها المناصب العليا شانها شان شريكها الرجل، وهو ما عايشناه مند تولي جلالته الحكم حيث أصبحنا نلاحظ ان المرأة أصبحت أكثر حضورا مما مضى على الساحة سواء في المجال الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي والسياسي ايضا، وإحداث جمعيات تعنى بالدفاع عن قضايا المرأة ومحاربة كل أشكال التمييز الدي تتعرض له المرأة.
فالمرأة شريك الرجل في رسم سياسة البلاد وتحقيق التنمية التي هي الهدف الأسمى لكل فرد من المجتمع، وإشراك المرأة في الانتخابات خصوصا حضورها في المجالس الجهوية هو بمثابة تأطير لها للخوض أكثر في قضايا المجتمع وحاجياته التنموية وأيضا خطوة تأهلها للدخول إلى البرلمان والوزارة لتكون بذلك في مركز القرار مع الرجل وتثبت كفاءتها ومسؤوليتها اتجاه بلدها وأنها عنصر فاعل داخل المجتمع وذا مردودية بدل تلك الصورة التي كانت تعطى لها والتي تقتصر فقط على الاستهلاك وتربية الأبناء. وهو ما تناولته معظم الخطب الملكية والتي تجلت في التدابير التي وضعت للرفع من تمثيلية المرأة كنظام الكوطا واعتماد التمييز الايجابي وتمويل كل امرأة منتخبة 5 مرات أكثر من الرجل .
لكن بالرغم من كل الجهود المبذولة للحد من التمييز بين الجنسين إلا أنها تعترضها عراقيل على أرض الواقع ولعل أهمها سيطرة فكرة الذكورة على المناصب المهمة ولعل ما ما جعلنا نصل لهدا هو نتائج الانتخابات الجهوية الأخيرة ومدى حضور المرأة فيها، فتمكين المرأة في الانتخابات لم يكن متاحا بالشكل الجيد على أرض الواقع في الانتخابات الأخيرة الجهوية؛ حيث لوحظ غياب شبه تام للمرأة من خلال توليها المهام داخل المجلس الجهوي وهو ما جاء في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان للانتخابات الجماعية لسنة 2015.
وقد أوضحت دراسة حديثة أعدها أحد المتخصصين في القانون الدستوري: أن تحمل النساء للمسؤولية داخل تنظيماتهن السياسية يتقلص كلما كبر مستوى التنظيم [16]. وهو ما اتضح من خلال تشكيل المجالس الترابية التي لم تتولى فيها المرأة مراكز القرار بالمستوى المطلوب بل أنها في المجالس الجهوية كانت غائبة في مناصب الرئيس والنواب، فبالرغم من تحديد القانون للنسبة الخاصة بمشاركة المرأة وتمثيلها إلا إنها على ارض واقع لا تتمتع بهذا الحق ،فهدا التغييب عن مراكز القرار ومخالفة ما نصت عليه النصوص القانونية من شانه أن يعرقل السياسة التي وضعت من اجل القضاء على التمييز بين الرجل والمرأة.
وفي نفس السياق، شدد الأستاذ عبد الحفيظ أدمينو على دور الأحزاب السياسية في تشجيع التمثيلية السياسية للمرأة سواء من خلال تعزيز حضورها في مواقع المسؤولية الحزبية من جهة، وكذا ترشيحها على رأس اللوائح في الدوائر المحلية ولم لا تخصص دوائر خاصة للنساء فضلا عن نظام الكوطا [17]. وبذلك، فالتمكين السياسي للمرأة يعتبر من الحقوق الأساسية ضمن حقوق الإنسان والذي لا يمكن التغاضي عنه لأنه لا محال سيعيق تحقيق التنمية للبلاد لأنه يخلق خلل داخل مكونات المجتمع والعاملين فيه، والتمكين لا يجب أن يقتصر على الانتخابات بل على كل مجالات الحياة الحيوية من اجل بناء مجتمع متكامل ومتوازن بين مكوناته ، فالدستور والقوانين كانت واضحة في هذا الشأن.
وعدم احترام هده المقتضيات من شأنه أن يفقد الانتخابات مشروعيتها ، ودليلنا في اعتبار قاعدة احترام التمثيلية النسائية في انتخاب نواب الرئيس بما لا يقل عن الثلث من النظام العام ،فضلا عن صيغتها الإجبارية هو ربطها بعدم جواز النزول عن الثلث ،لأنه لو كانت القاعدة اختيارية مكملة لما كان المشرع في حاجة لربطها بنصاب معين في حده الأدنى لا يجوز مخالفته وسترتب عنه إفراغ الدستور والقانون التنظيمي من محتواه بل وروح المناصفة التي يتبناها [18].
فالملاحظ أن اللوائح الجهوية لانتخاب الرئيس والنواب لم تحترم النسبة القانونية المخصصة للمرأة في هده المناصب والتي كانت محل الطعن لعدم دستوريتها.
إلا أن وضع المرأة المغربية من ناحية مشاركتها السياسية شبيه بمثيلاتها في دوال العربية التي عانت فيها المرأة
ولازالت تعاني من التمييز مع الرجل بالرغم من كل المجهودات المبذولة لتخطي هده الآفة لكن حدتها تتفاوت من دولة إلى أخرى ،فقد عرفت مصر نظام لكوتا قبل المغرب فقد تبنته سنة 1979 ، وبناءا على ذلك تم تخصيص 30 مقعدا من مقاعد مجلس الشعب للنساء [19].
لكن، صدر قرار للمحكمة الدستورية العليا تم من خلاله إلغاء المقاعد المخصصة للمرأة في البرلمان. وبذلك تبقى متأرجحة بين إقرار وإلغاء إلى حين صدور دستور 2014. مثلت الوثيقة الدستورية المنتجة في عام 2014 قفزة نوعية في مسار الحريات العامة في مصر؛ حيث مهدت في عدد من أبوابها وموادها فرصة حقيقية للقضاء على نقاط شكلت تمييزا ضد النساء في مصر [20].
فقد نصت المادة 11 من الدستور المصري لسنة 2014 “إن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور، ومن خلال هذه المادة يتبن أن مصر سلت نفس المسار شانها شان المغرب للقضاء على أشكال التمييز بين الجنسين والقضاء عليا ودالك من خلال جعلها من المبادئ الدستورية وهو ما أكدته المادة 18 من نفس الدستور على:” …… أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن الخامسة والثلاثين وربع العدد للمرأة [21]. هنا يتبين أن المشرع المصري عاد للعمل بنظام الكوطا من خلال تحديد نسبة مخصصة للنساء وهو ما نجده في المغرب والغاية منه محاربة أشكال التمييز أيضا أصبحت مصر تعمل بالاتفاقيات التي تدعوا إلى حماية المرأة من التمييز، إذا المرأة في مصر تسلك نفس طريق المرأة المغربية من اجل الخروج من الصورة التي رسمها المجتمع.
أما بالنسبة للمراة في تونس، يمكن القول أن هذه المشاركة، لم تنطلق جديا في تونس إلا بعد 1957؛ إذ أنه مباشرة بعد الاستقلال وعند إحداث المجلس القومي التأسيسي ، أقصيت النساء من المشاركة في انتخاب أعضاء هذا المجلس سواء باعتبارهن ناخبات أو مترشحات، ولن تتمتع النساء بحقوقهن السياسية إلا بمناسبة أول انتخابات بلدية بمقتضى الفصل السابع من الأمر الصادر في 14 مارس /آذار 1957. أما بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية، فقد شاركت النساء في أول انتخابات تمت بعد إصدار الدستور في حزيران 1959 أن تلك التي شهدت
انتخاب أول امرأة في البرلمان التونسي سنة 1959 [22].
وبالتعرض لتجربة التونسية يتبين أن واقع المرأة العربية عامة والمغرب العربي خاصة بعد الاستقلال عرفت نفس المسار في الحصول على حقها في الترشيح والانتخاب هدا الحق الذي كان يعترف به للرجل بقط وان الانتخابات حكر عليه والمرأة تبقى ربة بيت دون أن تشارك في شؤون بلدها، إلا أن المرأة التونسية عرفت تحررا في عهد الحبيب بورقيبة جعلها تحصل على العديد من الحقوق جعلتها تكون حاضرة إلى جانب الرجل بقوة.
كما تعتبر تونس نموذجا رائدا في تحيق المساواة النوعية وتمكين النساء. وتحضي المرأة في تونس بوضع حقوقي فريد من نوعه في العالم العربي. بفضل “مجلة (قانون ) الأحوال الشخصية “التي أصدرها سنة 1956 الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي يوصف انه “محرر” المرأة التونسية وسحبت المجلة ،التي لازال معمول بها ،القوامة من الرجل [23].
وهو ما يعتبر خطوة متقدمة للمرأة في تونس حيث أن مجلة الأحوال الشخصية تعتبر نظام أكثر حداثة من بين الدول العربية لإقرارها حقوقا للمرأة لم تتجرا دول عربية أخرى إعطائها للمرأة تتعلق بالزواج ووضع الطلاق بيد القاضي وليس الرجل تم منع تعدد الزوجات فعهد بورقيبة كان مرحلة تحول جذري لوضعية المرارة التونسية في كافة المجالات.
كما تم اعتماد قانون انتخابي يهدف إلى تحقيق التكافؤ التام بين الرجل والنساء في الهيئات المنتخبة، والتي تطالب الأحزاب السياسية بان يكون عدد المرشحات من النساء بقدر عدد المرشحين من الرجال [24].
وفي 2014 صادق البرلمان التونسي بأغلبية ساحقة، 159 صوتا من أصل 169، على مادة في دستورها الجديد تقر “المساواة” بين التونسيات والتونسيين “في الحقوق والواجبات “و”الواجبات” في الانتخابات التشريعية ارتفع تمثيل المرأة في البرلمان من 4 في المئة في سنة 1990 إلى 31 في المئة في عام 2014 وهي النسبة الأعلى من مثيلاتها في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة . (المشاركة السياسية للمرأة ص 86 ) ، من خلال كل ما سبق يمكن القول أن المرأة التونسية حققت انجازات جد مهمة وتمتعت بحقوق لا يستهان بها ويمكن اعتبارها نموذج جيد للمرأة العربية في النضال لتحيق مساعيها في الحصول على المساواة مع الرجل وهذا النضال لازال مستمرا لأنه رغم كل هذا لازال هناك ما يحد من هذه المساواة ولعل المرأة المغربية والمصرية في نفس الطريق لتحقيق اكبر قدر من المساواة مع الرجل والتصدي لكل عائق من شانه أن يحرمها من الحصول على حقها في الوصول إلى مراكز القرار.
أما بالنسبة لواقع حضور المرأة في الانتخابات الترابية بالمغرب ومدى تنصيبها في مراكز القرار، فقد جاء ضمن ملاحظات المجلس في التقرير نسخة 24/4/2017 أن حضور المرأة كان محدودا و قليلا مع ما دعا إليه الدستور وباقي القوانين المؤطرة لهذا الحضور، فقد لاحظ المجلس غياب المرأة عن منصات التجمعات الخطابية [25]. حيث استحضرت الانتخابات الجهوية قضايا النساء في الحملة الانتخابية فيما يعادل 39,4 وهي نسبة لا بأس بها حسب ما جاء به المجلس مع الاستحقاق السابق، وهدا الاستحضار النسبي لقضايا النساء في البرامج والخطابات الانتخابية بالأهمية التي أولاها دستور 2011 لهده القضية، لكنه لوحظ، موازاة مع ذلك، ان حقوق النساء تأتي بعد القضايا المحلية والجهوية العامة [26]. كما ان حضورها في منصات التجمعات في الانتخابات الجهوية ضعيفة حيث انها لم تتناول الكلمة أثناء التجمعات إلا ب 30 في المائة من الحالات التي تم رصدها [27]، كما ان هدا التواجد الضعيف لوحظ أيضا في تدبير العملية الانتخابية حيث ان المرأة كان وجودها ضعيف ضمن أعضاء مكتب التصويت [28] .
فهذا التعقيد ليس حصريا على النموذج المغربي، بل هذه الصعوبات قد تعرفها العديد من الدول بما فيها الأكثر ديمقراطية؛ فالتجربة الفرنسية نفسها ما زالت تشتكي عدة عراقيل عملية وآلية لتعزيز وصول المرأة إلى مراكز القرار الجهوي خاصة والترابي عامة، بل إن ميكانيزماتها ما زالت تتسم بكثير من الغموض، على الرغم من التسهيلات الموضوعة في هذا الإطار وكذا حجم العقوبات الموازية لضمان تقعيد المناصفة [29].
أما على مستوى التجربة المغربية، فبخصوص حضور المرأة في الترشيحات الجهوية فقد اعتبرها المجلس دون المستوى المطلوب حيث وصلت إلى 2928 من أصل 7577 أي مما يمثل 39,17 % من مجموع الترشيحات وكما يتضح من خلال تقرير المجلس أن هناك تباين أو تفاوت بين الجهات على مستوى الترشيحات حيث سجلت أدنى نسبة في جهة سوس ماسة ب 35,88 في المائة وأعلى نسبة قدرت ب 40,68 في المائة في جهة بني ملال خريبكة.
فحسب نفس التقرير لم تتحقق المناصفة على مستوى الترشيحات وهذا ما يخالف توجه الدولة في تحقيق التمييز الايجابي. فمسألة ضعف ترشيحات النساء راجعة إلى غياب تنصيص واضح في المقتضيات القانونية من قانون الأحزاب على ضرورة الالتزام في القوانين الأساسية والأنظمة الداخلية للأحزاب بتحديد تدابير التمييز الايجابي، ونهج الأحزاب السياسية لاستراتجيات ترشيح النساء، لا تتجاوز حدود ما هو مقرر قانونا كشرط لقبول الترشيح [30] .
وفيما يخص الفوز بالمقاعد فقد كان نصيب النساء منها يتمثل في نسبة 37,61 مع وجود تباينات بين الجهات إلا أن ما تم ملاحظته خلال الانتخابات الجهوية هو الغياب شبه التام على مستوى فوز النساء في انتخاب الأجهزة المسيرة لمجالس الجهات فيما كانت غائبة عن منصب الرئيس ونائب الرئيس وهيمنة الرجل في حين ترك للنساء مناصب أقل أهمية [31].
ولعل هذا الغياب الواضح للمرأة في الانتخابات الجهوية يسلط الضوء على أن فكرة التمييز بين الرجل والمرأة لازالت قائمة ومترسخة وهو ما يشكل عائق اما القضاء على هدا التمييز الذي بدوره يعيق التنمية ،فالقضاء على هدا التمييز يجب ان يكون من خلال تغيير نظرة المجتمع للمرأة وتخفيف العقلية الذكورية وهيمنتها على الساحة السياسية ، فهدا التمييز هو ظاهرة اجتماعية قبل ان تكون قانونية والقضاء عليه يجب ان يكون من خلال زرع ثقافة التعاون والمساواة مع المرأة باعتبارها شريك أساسي للرجل وكمل له كما هو وهو ما يجب ترسيخه ضمن الثقافة الاجتماعية لتكون السنوات المقبلة خالية من كل أشكال التمييز التي لازلنا نلمسها رغم كل المجهودات. فالرجل يجب أن يقتنع أن المرأة لا تقل عنه في خدمة وطنها وتحملها المسؤولية .وذلك من خلال التربية من الطفولة على المساواة وانه لا فرق بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات .
ولكن في مرحلة انتخاب أجهزة مجالس نجد أن المرأة لم تمنح لها فرصة تولي المسؤولية أي غالبا نجدها في مراتب أخيرة من نواب الرئيس وحتى لو حصلت على منصب الرئيس فهي نسبة جد ضئيلة ومعدودة في المقابل على مستوى الجهة نجد غياب كبير للعنصر النسوي في ترأس الجهة على مستوى
بداية الانتداب، ونذكر التجربة الوحيدة التي قادت الوزيرة السابقة مباركة بوعيدة لترأس جهة واد نون بعد إقالة رئيسها السابق بعد قرار توقيفه [32].
فرغم ارتفاع نسبة المترشحات وفوزهن بالمقاعد يتم منحهن مسؤوليات ذات طابع ثانوي في غالب الأحيان، وهو ما يتعارض مع ما دعى إليه المغرب من خلال الدسترة والقوانين التنظيمية فبالرغم من ارتفاع التمثيلية النسوية إلا أنها لا ترقى إلى ما يدعو له المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التي تدعو إلى المساواة بين المرأة ونضيرها الرجل والقضاء على التمييز لكن هدا التمييز نلمسه من خلال توزيع المسؤوليات حيث أن العنصر الذكوري يبقى دائما هو المسيطر، فالأمر لا يقف عند مشاركتها حتى نقول إنها حصلت على حقها السياسي وإنما يجب أن يمتد إلى تقاسم المسؤولية مع الرجل.
المحور الثالث: دور القضاء في تعزيز المشاركة السياسية النسوية
يعتبر القضاء هو الضامن لحقوق وحريات الأفراد و المسؤول على تنفيذ القانون والالتزام به، بحيث تكون الأحكام الصادرة عنها ذات صبغة إلزامية وتنفيذية، وهو ما يؤكده الفصل 117 من دستور 2011 “يتولى القاضي حماية الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون“، وبما أن مشاركة المرأة في المجال السياسي إلى جانب الرجل على قدر من المساواة حقا من حقوقها التي أقرتها كل الدساتير التي تعاقبت في المغرب والتي أكدها بشدة دستور 2011 فإن القضاء هو الضامن لهذا الحق وتمتعها به كيفما أوردته القوانين المتعلقة بالأحزاب السياسية والانتخابات. فهذا الحق أصبح حقا مكتسبا لا يمكن التغاضي عنه، وكل محاولة من شأنها عرقلة المرأة من التمتع بهذا الحق فان القضاء يتصدى لها من خلال رقابته التي يبسطها على تنفيذ القانون وباعتباره هو حامي الحقوق والحريات، فخضوع الانتخابات بكافة مراحلها للرقابة القضائية هو ضمانة لحماية هده العملية كل ما من شانه المساس بمشروعيتها، فكل الأعمال لتي تكون خارج ما تنصه عليه القوانين الانتخابية يكون مالها الطعن ولعل من بين هذه الأعمال مسالة التمثيلية النسائية في الانتخابات.
ونكون أمام غياب المرأة فيما يتعلق بانتخاب أجهزة مكتب المجلس الجماعي، حيث نجد أن المرأة دائما بعيدة عن منصب الرئيس والنواب الأوائل وهذا فيه شكل من أشكال التمييز وترسخ فكرة أن المرأة غير قادرة على تولي المسؤولية وهذا ما يعمل المغرب جاهدا على القضاء عليه وقد تبين ذلك من خلال القوانين التي أطرت المساواة بين الجنسين في هذا المجال.
لقد كانت توجهات لقضاء الإداري المغربي بعد استحقاقات 2015 غالبيتها تنصب في اتجاه ما دعا إليه دستور 2011 فيما يتعلق بتقوية المشاركة السياسية للنساء ومساواتها بالرجل، ويتضح ذلك جليا من خلال الأحكام التي صدرت عن المحاكم الإدارية فيما يخص الطعون المتعلقة بتمثيلية النساء والتي ذهبت غالبيتها إلى إلغاء النتائج بسبب عدم احترام النسبة المخصصة للنساء.
وفي هذا الصدد صدر عن محكمة الرباط حكم قضى إلغاء نتائج انتخاب الرئيس والنواب وسنتطرق إلى وقائع هده القضية وما هي الأسس التي اعتمد عليا القاضي في إصدار حكمه؟
وبالرجوع إلى وقائع القضية التي لا تعني أساسا مستوى ترابي محدد بل تتعلق بمبدأ جوهري يتعلق بتمثيلية النساء بمختلف المجالس المنتخبة، لاسيما داخل مكاتب هذه المجالس وبما يدل عليه ذلك من مشاركة فعلية في اتخاذ القرارات على مستوى الجماعات الترابية المعنية، سواء الجماعية أو الإقليمية بوجه عام أو المجالس الجهوية بوجه خاص. فقد جاء في الحكم رقم 4294 بتاريخ 01/10/2015 ان تقدم الطاعن بصفتهم في أعضاء مجلس جماعة سيدي احمد بن عيسى اقليم سيدي قاسم بالطعن في انتخاب نواب رئيس سيدي احمد بنعيسى، وأنه بمقتضى المادة 17 من القانون التنظيمي 113.11 فان انتخاب نواب الرئيس يتم عن طرق الاقتراع باللائحة، ويقدم الرئيس لائحة النواب التي يقترحها، وتتضمن اللائحة لكي تكون مقبولة عددا من أسماء المرشحين يطابق عدد نواب الرئيس، مع بيان ترتيب هؤلاء مع عدد من المترشحات لا يقل عن الثلث نواب الرئيس وانه اللائحة التي اقترحها رئيس المجلس كنواب له والتي تضمن قبولها لا تتضمن أي مترشحة خلافا للائحة التي تقدم بها الطاعنون والتي تضم مترشحتين اثنتين، لذلك يلتمس الحكم بإلغاء انتخاب نواب رئيس جماعة سيدي احمد بن عيسى مع ما يترب عن ذلك من نتائج .
فالملاحظ من خلال التعليق على الحكم، هو استخلاص أن قضية حضور المرأة يدخل ضمن إطار شامل سلكه المغرب لتعزيز بنائه الديمقراطي المبني على المساواة والمواطنة. ولعل أهم ما ركز عليه المغرب منذ أول دستور للملكة لسنة 1962 هو قضايا المرأة والنهوض بها باعتبارها مكون أساسي للمجتمع إلى جانب الرجل ، قد حقق المغرب خطوات جد مهمة في المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية ويتجلى دلك من خلال تزايد تمثيلية النساء في الانتخابات من انتخابات الى اخرى ولعل أهم قفزة عرفها هذا الموضوع هو صدور دستور 2011 الذي ركز على إشراك المرأة في صناعة القرار ودلك من خلال الفصل 19 والفصل 146 لتكون الانتخابات التي أجريت بعد دستور 2011 والتي عرفت فيه التمثيلية النسائية ارتفاعا واضحا مقارنة مع سابقاتها.
ويلعب القضاء دورا مهما في ترسيخ هده المبادئ وحمايتها . فالاجتهادات القضائية تكون بمثابة قاعدة يتم العمل بها؛ فبلجوء الطاعنين للقضاء الادري تم فسح المجال ليدافع عن حقوق المرأة في الانتخابات، وفي حالة عدم توفر اللائحة عن النساء فانه يعمل على إلغاء النتيجة، وهو ما تضنه الحكم الذي وضع أمام هذه الهيئة القضائية؛ حيث أن مخالفة مقتضيات المدة 17 من القانون 113.11 التي تستوجب تمثلية النساء بالثلث، بحيث أن أغلب اللوائح التي تقدم لانتخاب نواب الرئيس تكون المرأة غائبة فيها او بنسبة تقل عن النسبة التي حددتها المادة 17 من القانون السالف الذكر، حيث أعاد القضاء إلزامية هذه المادة التي يتم التعامل معها على عكس دلك من خلال تغييب النساء في اللائحة المخصصة لانتخاب نواب الرئيس.
فالقاضي ارتكز في حكم على أن المشرع نص بصيغة الوجوب فيما يخص الفقرة السادسة من المادة 17 يحث استعمل “يتعين ” فيما يتعلق بتمثيلية النساء المتمثلة في الثلث ، أن اتجاه القضاء في هذا المنحى ما هو إلا تكريس وتطبيق ما نصت عليه الاتفاقية الدولية التي وقعها المغرب والخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وبهذا يكون قضائنا عمل بالتدرج الذي يعتمده المغرب بحيث تسمو الاتفاقيات والمواثيق على القوانين التنظيمية وهذا ما يبين رغبة المغرب الجدية في القضاء على التمييز والتي يعمل القضاء على تجسيدها في أحكامه المتعلقة بتمثيلية النساء، وتنزيل مقتضيات الفصل 19 من الدستور الذي غايته تحقيق المساواة والمناصفة بين الجنسين فالقضاء من خلال هدا الحكم تصدى لخرق الدستور
فعدم تطبيق المادة 17 يعتبر خروج عن النظام العام لان القواعد الانتخابية هي من النظام العام ، كما أن القضاء عمل سد المجال أمام إمكانية تبرير عدم تضمن اللائحة للنساء بدعوى تعذر حضورها في لوائح الترشيح تكون استثنائية لا يتوسع في تطبيقها ، بل ذهب إلى أبعد من ذلك واعتبر رغبتها في الانتخاب للمكتب من عدمها واجب مجتمعي وليس حق شخصي يجب احترامه لتحقيق ما يسعى إليه المغرب كما انه حث النساء بتحمل المسؤولية ماداموا ترشحو للعضوية يجب عليهم ممارسة ما تبقى من حقوقهم وواجباتهم في مرحلة انتخاب المكتب، لان رفضهم الانتخاب في هده المرحلة من شانه ان يفرغ المقتضيات القانونية من مضامينها ،وحثهم على الانضباط في تحقيق التمثيلية التي مكنهم منها الدستور والقانون حتى لا يساهمن في عرقلة ما شرعه المشرع ،وبدلك يكون على المرأة أن تكون على قدر من المسؤولية في هدا الصدد وان غيابهن يجبان يكون لسبب وعذر صحيح وليس فقط رغبة منهم .
وأخيرا، فالحكم الذي أمامنا خير دليل على أن القضاء يبقى هو الضامن للحقوق والواجبات وسهره على تطبيق القواعد القانونية وإلا كان البطلان هو نتيجة كل مخالفة لهده القواعد ،فالمغرب يعمل جاهدا من أجل وضع حد لهذا التمييز الذي هو مشكل في كل دول العالم لكن بدرجات متفاوتة. فمجهودات المغرب لن تطبق بحذافيرها إلا بوعي المرأة بحقها والمسؤولية الملقاة على عاتقها من خلال إشراكها في الحياة السياسية وعلى كل الأصعدة والمستويات، حتى يتسنى لها أن تكون فاعلة أساسية في التنمية الشاملة و أن يتم أخذ هذا الإشراك على محمل الجد وان تثبت أنها قادرة على أن تكون في مستوى تطلعات الرجل.
وفي الختام، يمكن القول أن مسألة تمكين المرأة وتعزيز حضورها السياسي خلال الاستحقاقات الانتخابية لا يتعلق بالترسانة القانونية فقط، بل الملاحظ أكثر على مستوى التجربة هو العقليات السائدة داخل المجتمع المغربي عامة والنخب السياسية بوجه خاص، هي من تقف حجرة عثرة أمام الإصلاحات السياسية النسائية، والتي تجعل التمثيلية النسائية شكلية أكثر منها موضوعية. وما يؤيد هذه الخلاصة هو مؤشر ومعطيات ولوج المرأة إلى الأجهزة المسيرة الرئيسية المتمثلة في رئاسة المجالس المنتخبة، والتي تكون بمثابة الأمر الناذر التي تتفرد به حالات معينة، والتي غالبا ما تسبقها إرضاءات أخرى لا تنفذ إلى عمق الظاهرة وبالتالي توليها هذه المسؤولية تحفه العديد من المخاطر والتوجسات التي تقلل من ثمرات حصوله إن صح وحصلت المرأة على رمزية هذه الرئاسة وحجم المسؤوليات المتعلقة بها، والتي تحتاج إلى الانخراط الفعلي للرجل إلى جانبها.
[1] الفصل 8 من دستور المملكة المغربية لسنة 1962
[2] للمزيد أنظر: المادة 7 اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979
[3] ظهيرشريف رقم 157-11-1 بتاريخ 29 يوليوز 2011 بتنفيذ نص الدستور الصادر بتاريخ 30 يوليوز 2011
[4] الفصل 19 من الدستور المغربي لسنة 2011
[5] كوثر القبيلي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ،مشاركة المرأة في الحياة السياسية المغربية جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء 2019 ،2020ص 6
[6] حفيظة شقير- محمد شفيق صرصار، النساء والمشاركة السياسية: تجربة الاحزاب السياسية والجمعيات المهنية، ماي 2015 منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان، ص: 11
[7] مذكرة “من أجل تعزيز المشاركة السياسية للنساء والتربية بالمغرب منتدى بدائل المغرب”، من أجل بدائل الشمال ص: 3
[8] زكرياء اقنوش، في أفق استحقاق 2016 أنماط الاقتراع وتأثيرها في الحياة السياسية المغربية، مسالك، الدكتور عدد 41/42، ص: 119
[9] رسالة الملك محمد السادس للمشاركات في القمة العالمية للنساء بتاريخ 23 يونيو 2003
[10] زكرياء اقنوش، مرجع سابق، ص: 120.
[11] المتمثلة في القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، والقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، والصادر بتنفيذها -على التوالي- الظهير الشريف رقم 1.15.83، الظهير الشريف رقم 1.15.84، الظهير الشريف رقم 1.15.85، بتاريخ 20 من رمضان 1436 (7 يوليوز 2015)، ج.ر عدد 8380، ص: 6585 وما بعدها.
[12] القانون تنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.173 في 24 من ذي الحجة 1432(21 نوفمبر 2011)، ج. ر. عدد 5979 مكرر- 25 ذو الحجة 1432(22 نوفمبر 2011). ص 5537. كما تم تغييره وتتميمه.
[13] قراءة في نسبة التمثيلية السياسية للنساء على ضوء الانتخابات التشريعية 7 اكتوبر 2016 موجود في موقع https : //democraticac.de تاريخ الزيارة 23/04/2020
[14] لطيفة الصقر، تفعيل “مبدأ التمكين”المرأة المغربية :المكتسبات واكراهات الواقع، مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية العدد الثاني :فبراير 2019 ص 63
[15] الجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي: من خلال قرارات الغرفة الدستورية (1963-1994 ) والمجلس الدستوري(1994-2015 )، منشورات المحكمة الدستورية، مطبعة الأمنية الرباط، 2َ015، ص:40.
[16] أحمد مفيد، الداخلية تطلق مشاريع لتشجيع قدرة وتمثيلية النساء في السياسة.www.hespress.com 2/7/2020
[17] المرأة داخل البرلمان هل نجح نظام الكوطا في إبراز قيادات نسائية خارج إطار اللائحة الوطنية؟2m.ma news 2/7/2020
[18] محمد الهيني، حقيقة بطلان انتخاب مكاتب مجالس الجهات والجماعات لعدم مراعاة التمثيلية النسائية ؟ الأربعاء 23 شتنبر 2015 جريدة هسبرس.
[19] هويدا عدلي، المشاركة السياسية للمرأة، الطبعة الأولى، 2017، ص: 38.
[20] المشاركة السياسية للمرأة، ص: 58
[21] المادة 18 من الدستور المصري لسنة 2014
[22] حفيظ شقير، محمد شفيق، “النساء والمشاركة السياسية”، منشورات المهعد العربي لحقوق الإنسان، 2014، ص: 31.
[23] حفيظ شقير، محمد شفيق، مرجع سابق، ص: 82.
[24] حقوق المرأة في تونس: مكاسب قليلة وتضحيات كبير، (4/7/2020)، مقال متاح عبر الموقع: www al-fanarmedia ;org
[25] تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان للانتخابات الجماعية لسنة 2015، ص: 59
[26] تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان للانتخابات الجماعية لسنة 2015، ص: 69
[27] نفس المرج أعلاه، ص: 70
[28] نفس المرج أعلاه، ص: 79
[29] Pour plus: Albéric Baumard, « L’action commune entre collectivités territoriales: La collectivité territoriale chef de file », Thèse présentée en Droit public, Université Nantes Angers Le Mans, 2012, p : – 369370
[30] نفس المرج أعلاه، ص: 95
[31] نفس المرجع أعلاه، ص: 97
[32] وهو التعديل الذي أتى بعد انتهاء المرحلة الإدارية والقضائية المتعلقة بإقالة رئيس مجلس السابق.