فلسفة العقوبة في التشريع الجنائي المغربي
Philosophy of punishment in Moroccan criminal legislation
اميمة اسديو Oumaima ASDIOU
باحثة بسلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة. [email protected]
ملخص:
تطورت الوظائف المنوطة بالعقوبة عبر مسارها التاريخي قبل أن تستقر على وضعها الحالي في عصرنا الراهن، وقد تأثرت بمجموعة من العوامل خصوصا وأن الجزاء العقابي اعتمد كوسيلة ناجعة في تصفية خصوم الأنظمة التي كانت سائدة.
ومع تطور الوظائف العقابية أضحت العقوبة وسيلة لتحقيق الردع والتهذيب وإعادة الإدماج، ومع ذلك لم تخلو من سلبية تمثلت في أزمة النظام العقابي حيث ترتبت عليه مجموعة من الآثار التي حالت دون تحقيق أهداف المشرع من سن العقوبة.
وبفضل الجهود المبذولة التي تروم تطوير نجاعة الأنظمة العقابية، فقد تكللت بإيجاد صيغ قانونية بديلة قادرة على تجاوز سلبيات العقوبة السالبة للحرية القائمة على الايلام والايداع في السجن. في هذا الإطار أخذ المشرع المغربي توجها يستند على أنظمة قانونية تتسم بالحداثة ومبنية على فلسفة اجتماعية.
الكلمات المفتاحية: العقوبة، النظام العقابي، الجزاء الجنائي، السياسة الجنائي.
ABSTRACT:
The functions entrusted to the punishment have evolved along their historical path before settling on their current status in our time. They have been affected by a number of factors, especially since the penal sanction has been used as an effective means of liquidating the opponents of the prevailing regimes.
With the development of penal functions, punishment has become a means to achieve deterrence, discipline and reintegration. However, it has not been without the negative effects of the penal system crisis, which has had a number of consequences that have prevented the achievement of the objectives of the legislator from the age of punishment.
Thanks to efforts to develop the efficiency of penal systems, they have culminated in the creation of alternative legal formulas capable of overcoming the negative consequences of custodial liberty based on pain and imprisonment. In this context, the Moroccan legislature has adopted a policy based on modern legal systems based on a social philosophy.
Keywords : punishment, penal system, criminal penalty, criminal policy.
مقدمة:
تمثل العقوبة الجزاء الذي يلحق الشخص المدان، بعد صيرورة الحكم الجنائي نهائيا حائزا لقوة الشيء المقضي به، وهي تمس مباشرة دمته المالية (الغرامة) أو حريته (العقوبات الحبسية والسجنية (، أو حقه في الحياة (الاعدام).
وقد تميز النظام العقابي في التشريع المغربي منذ وضعه بفلسفة أمنية تستند الى العقوبة باعتبارها الأداة الوحيدة للتحقيق الردع ومحاربة الظاهرة الاجرامية، ويظهر أن العقوبة في التشريع المغربي لم تستطع أن تتجاوز الطرح التقليدي الذي يتجه نحو الزجر، في وقت انفتحت فيه التشريعات الجنائية المقارنة عليه مقاربات اخرى بديلة سواء فيما يخص الدعوى العمومية أو العقوبات النافذة.
فبقدر ما يتطور الفكر العقابي ليواكب المستجدات الطارئة على الجريمة التي عرفت تمظهرات جديدة، فإن الدولة يتعين عليها أن تعبئ جهودها لمكافحة الجريمة من خلال وضع سياسية عقابية تتلاءم وضرورات المكافحة من جهة وتتماشى مع الفكر الجنائي المعاصر في عالميتها.
بالمقابل فإن فشل السياسة العقابية بالمغرب والتي أظهرت عجزها في تحقيق فلسفة المشرع المتمثلة في تحقيق الردع العام والخاص، من جهة وتأهيل المدان وتهذيب سلوكه وإعادة إدماجه، فإن الظرفية الراهنة تلح إلى تبني بدائل عقابية تنسجم مع نوع وطبيعة الجرائم التي ترخي بخطورتها على الامن الاجتماعي.
أهمية الموضوع:
يندرج الموضوع في إطار الحداثة القانونية التي باتت تؤطر العدالة الجنائية في جميع صورها ومظاهرها وخصوصا نظامها العقابي.
ومن ثمة فإن البحث في هذه فلسفة العقوبة إن على مستوى الوطني أو المقارن يكتسي أهمية كبيرة، ليس من حيث فهمها واستيعاب منطلقاتها، بل أيضا من حيث الوقوف على مدى نجاعتها في تحقيق عدالة جنائية وضمان استقرار وتوازن المراكز القانونية للأفراد والمركز الممتاز للدولة.
فأهمية الموضوع تتمظهر من خلال التعرف على النظام القانوني العقابي العام في المغرب وفي العائلات القانونية الكبرى من حيث مستجداتها، وموقع المشرع المغربي منها.
الاشكالية المحورية:
لأن حداثة النظام العقابي أصبح شأنا عالميا يهتم به المنتظم الدولي، ويجد مرجعيته كذلك في الوثائق الدستورية الوطنية، ومنها الدستور المغربي، مما ينبغي معه تنزيل متطلباتها وضماناتها وآليات تحقيقها على مستوى القانون الجنائي المغربي.
بناءً على ذلك، تكمن الإشكالية المركزية للموضوع في تحديد معالم فلسفة العقوبة في التشريع المغربي بناء على ما هو موجود، ومحاولة استشراف مكامن الفشل والهشاشة التشريعية، ومدى نجاح مشروع القانون الجنائي في مواكبة المستجدات العقوباتية العالمية.
الأسئلة الفرعية:
وتتفرع عن هذا الإشكال المركزي، مجموعة من الإشكاليات الفرعية نسوغها في الأسئلة التالية:
- طبيعة العقوبة في التشريع المغربي؟
- مكامن تخلف الفلسفة العقابية في مسايرة الأنظمة الحديثة؟
- التجليات العقابية الحديثة في التشريع الجنائي المغربي؟
- عالمية التوجه العقابي في مسودة القانون الجنائي؟
خطة الموضوع:
سوف تكون دراستنا لهذا الموضوع وفق تصميم ثنائي على الشكل التالي:
- المبحث الاول: الطبيعة النظرية للعقوبة في التشريع المغربي
- المبحث الثاني: التجليات العقابية على ضوء مسودة القانون الجنائي
المبحث الاول: الطبيعة النظرية للعقوبة في التشريع المغربي
للإحاطة بالفلسفة النظرية للعقوبة في التشريع الجنائي يتعين علينا تتبع كافة العقوبات الواردة في هذا الاخير حتى يتسنى تحديدها بدقة وهي تتطلب اعادة تصنيف العقوبات المحددة في المنظومة الجنائية حتى يتسنى لنا تحديد الخلفية المعلنة للمشرع الجنائي ومن ثمة النفاذ الى كفة الفلسفة العقوباتية من حيث علاقتها بالأنظمة العقابية في الأنظمة المقارنة.
وبهذا فتحديد طبيعة الفلسفة العقابية سوف نتعرف عليها في مجموعة القانون الجنائي الحالي في مطلب أول، ثم مواقع تخلفها عن مسايرة الأنظمة العقابية الحديثة في التشريعات المقارنة وهو ما سيكون موضوع المطلب الثاني.
المطلب الأول: الطبيعة النظرية للفلسفة العقابية في التشريع الجنائي المغربي
من المبادئ المكرسة في التشريعات الجنائية أنه لا يمكن إيقاف إنسان أو البحث عنه أو حبسه إلا وفق الإجراءات التي ينص عليها القانون، وبالتالي فإن توقيع العقوبة على الجاني وإيداعه السجن لا يمكن أن إلا بناء على حكم قضائي يصدره القضاء المختص[1].وتعد السلطة القضائية الجهة المختصة والمحتكرة لتوقيع العقوبات الجنائية، وفق قاعدة ألا عقوبة إلا بنص ولا عقوبة إلا بحكم، ويظهر أن النظام العقابي المغربي يأخذ بطابع العقوبة الأصلية، ثم عقوبات إضافية. وذلك من خلال قراءة القانون الجنائي المغربي حيث تكون أصلية عندما يسوغ الحكم بها وحدها وإضافية عندما لا يسوغ الحكم بها بمفردها، والعقوبات الأصلية إما جنائية أو جنحية أو ضبطية[2].
أولا: العقوبات الأصلية[3]
تعرض القانون الجنائي للعقوبات الأصلية والإضافية في المواد 16 و17 و18 وحددها بدقة.
- العقوبات الجنائية الأصلية:
العقوبات الجنائية الأصلية هي التي نص عليها الفصل 16 من ق ج المغربي[4]، والمتمثلة في:
- الإعدام:
لقد وضع المشرع المغربي عقوبة الإعدام في أعلى هرم العقوبات الجنائية الأصلية، مع محاولة منح المحكمة صلاحية تمتيع المتهم بظروف التخفيف حسب ظروف وملابسات الجريمة وخطورة المجرم بتطبيق عقوبة السجن المؤبد أو السجن المحدد من عشرين إلى ثلاثيين سنة، أخذا بعين الاعتبار أن عقوبة الإعدام هي عقوبة قاسية مقارنة مع جسامة الفعل المرتكب من قبل المتهم[5].
وقد نظم المشرع المغربي عقوبة الإعدام في الباب الثاني من قانون المسطرة الجنائية من الفصل 602 إلى 607، وحدد إجراءاتها وكيفية ممارستها.
- السجن:
عقوبة السجن المؤبد تتطلب إيداع المجرم السجن لحبسه بهذه المؤسسة مع السهر على رعايته وتتبع حالته النفسية والصحية والحفاظ على توازنه بشكل يجعله في منأى عن كل محاولة انتحار أو إضرار بالغير، كما يسمح له بمزاولة بعض الأشغال بعد استشارة الطبيب والمشرف الاجتماعي وبعد اتخاذ الإجراءات الأمنية الضرورية، وتتجلى خطورة السجن المؤبد أنها تطال بقية حياة المحكوم عليه المتبقية، ويعد من أشد العقوبات السالبة للحرية.
فالسجن بنوعيه المؤقت ” من 5 إلى 30 سنة ” أو المؤبد وهو الذي يستغرق باقي حياة المحكوم عليه يعد أقسى العقوبات السالبة للحرية التي زجر بها المشرع الجنائي المغربي الجنايات كعقوبة أصلية.
- الإقامة الإجبارية:
عرف الفصل 25 من القانون الجنائي هذه العقوبة[6]، وترمي إلى إحكام الرقابة على بعض
المجرمين، خصوصا السياسيين منهم، الذي يشكل تنقلهم بكل حرية داخل الوطن تهديدا للأمن السياسي للدولة، ومن الجرائم التي يعاقب عليها المشرع المغربي بهذه العقوبة جناية الاتفاق ضد تنفيذ إجراءات القوانين أو أوامر الحكومة.
وتختلف الإقامة الإجبارية كعقوبة أصلية عن الإجبار على الإقامة الذي هو تدبير وقائي شخصي لا يتجاوز حده الأقصى 5 سنوات تقضي به المحكمة في الجرائم الماسة بسلامة الدولة، تبث لديها أن النشاط الاعتيادي للمتهم يشكل خطرا على النظام الاجتماعي.
وإذا كان في كلتا الحالتين يلزم إخبار الإدارة العامة للأمن الوطني بالحكم لكي تتولى مراقبة الإقامة المفروضة على المحكوم عليه، فإن رخص التنقل المؤقت التي تمنح للمحكوم عليه عند الضرورة تسلم من طرف وزير العدل بالنسبة للإقامة الإجبارية، وتسلم من طرف المدير العام للأمن الوطني بالنسبة للإجبار على الإقامة[7].
- التجريد من الحقوق الوطنية
تم تنظيم التجريد من الحقوق الوطنية في الفصل 26 من ق ج، وتتمثل صور هذا التجريد فيما يلي:
- عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية[8].
- حرمان المحكوم عليه من أن يكون ناخبا أو منتخبا وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية والسياسة، ومن التحلي بأي وسام.
- فقدان العضوية للقيام بمهمة عضو ملحق أو ومنعه من أداء الشهادة في أي رسم من الرسوم أو الشهادة أمام القضاء إلا على سبيل الإخبار فقط.
- فقدان أهلية المحكوم عليه بأن يكون وصيا أو مشرفا على غير أولاده، ومن إدارة أموال غير أبنائه من القاصرين الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، ولا يمكنه أن يكون وصيا إلا عليهم.
- الحرمان من حق حمل السلاح ومن الخدمة العسكرية والقيام بالتعليم أو إدارة مدرسة أو العمل في مؤسسة عمومية للتعليم كأستاذ أو مدرس أو مراقب.
وطبقا للمادة 26 من ق ج[9] فإن التجريد من الحقوق الوطنية متى كان عقوبة أصلية يحكم به لزجر الجنايات السياسية لمدة تتراوح بين سنتين و10 سنوات ما لم تنص مقتضيات خاصة على خلاف ذلك، وقد منح المشرع للمحكمة إمكانية إضافة عقوبة الحبس إلى عقوبة التجريد من الحقوق الوطنية[10] طبقا للفصل 27 من ق ج[11].
- العقوبات الجنحية الأصلية:
حدد منطوق الفصل 17 من القانون الجنائي العقوبات الجنحية الأصلية في الحبس ثم الغرامة التي
لا تتجاوز 1200 درهم.
- الحبس
هو العقوبة السالبة للحرية التي تطبق في الجنح التأديبية والضبطية، وقد تعرضت الفقرة الأخيرة من المادة 17 إلى تحديد مدة الحبس فجعلت أقل مدة له شهرا، وأقصاها خمس سنوات، باستثناء حالة العود وغيرها من الحالات التي يحدد فيها القانون مددا أخرى.
وتنفذ عقوبة الحبس في إحدى المؤسسات المعدة لهذا الغرض أو في جناح خاص في إحدى السجون المركزية مع الشغل الإجباري في الداخل أو الخارج فيما عدى حالة ثبوت العجز البدني[12].
- الغرامة
عرف المشرع المغربي الغرامة في الفصل 35 من ق ج بأنها: “إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود، بالعملة المتداولة قانونا بالمملكة”.
وتكون الغرامة عقوبة جنحية عندما يتعدى حدها الأقصى 1200 درهم، أما إن هو كان 1200 درهم فأقل فإن العقوبة إذ ذاك لا تكون عقوبة جنحية[13].
- العقوبات الضبطية الأصلية
تعتبر العقوبات الضبطية الأصلية هي تلك العقوبات التي تطبق في المخالفات وهي:
- الاعتقال لمدة لا تقل عن شهر.
- الغرامة من 30 إلى 1200 درهم الفصل 18 من ق ج[14].
وتعليقا على ما جاء في الفصل 18 من ق ج يلاحظ أن هذا التعريف أضحى متجاوزا حيث يتم الاعتماد على القوانين الخاصة المنظمة للمخالفات كما هو الشأن لمدونة السير وكذا ظهير 2011 المتعلق بقضاء القرب، حيث لا تتجاوز العقوبة الغرامة فقط.
ثانيا: العقوبة الإضافية
ثم تأطير العقوبة الإضافية حسب الفقرة الثانية من المادة 14 من ق ج، عندما لا يمكن الحكم بها وحدها، حيث تكون مضافة للعقوبة الأصلية بقوة القانون، أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية حيث يجب أن يشمل عليها الحكم لإمكان توقيعها على المحكوم عليه.
وحسب منطوق المادة 36 من ق ج فإن العقوبات الإضافية هي:
- الحجز القانوني؛
- التجريد من الحقوق الوطنية؛
- الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو الدينية أو العائلية؛
- الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة؛
- المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم بصرف النظر عن المصادرة المقررة كتدبير وقائي في الفصل 89 من القانون الجنائي؛
- حل الشخص المعنوي؛
- نشر الحكم الصادر بالإدانة.
ويمكن تصنيف هذه العقوبات إلى العقوبات الإضافية السالبة لبعض حقوق المحكوم عليه، وأخرى ماسة بالذمة المالية للمحكوم عليه.
- العقوبات الإضافية السالبة لبعض الحقوق
هي تلك العقوبات التي ينصب أداها المباشر على حقوق المحكوم عليه المدنية أو السياسية أو العائلية أو على بعض المزايا بالسلب أو الإنقاص مؤبدا أو لمدة محددة، وتضم ما يلي:
- الحجر القانوني
عرفته المادة 38 من القانون الجنائي بأنه حرمان المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة
تنفيذ المدة الأصلية، ويطبق بقوة القانون دون حاجة إلى أن ينطق به القاضي في الحكم، وتؤدي هذه العقوبة إلى الانتقاص من الأهلية المدنية للمحكوم عليه بحث لا يمكنه إجراء التصرفات القانونية على أمواله بالبيع أو الشراء أو إرادتها شخصيا.
وللمحكوم عليه أن يعين وكيلا عنه لمباشرة إدارة أمواله وتدبيرها تحت إشراف وصي قضائي يعين من طرف المحكمة وفق أحكام الوصاية المنصوص عليها في القانون.
وفي حالة عدم تعيين المحكوم عليه لوكيل ينوب عنه في إدارة أمواله فإن الوصي هو الذي يباشر بنفسه تولي تلك المهمة.
عند انتهاء العقوبة الأصلية بتنفيذها، أو بزوالها بالتقادم أو العفو عن المحكوم عليه أو بإلغاء الحكم عن طريق المراجعة، ينتهي الحجز القانوني وتعاد إلى المحجور عليه أمواله ويقدم له الوصي حسابا عما قام به أثناء مدة إدارته.
- التجريد من الحقوق الوطنية
يعد التجريد من الحقوق الوطنية عقوبة إضافية وتبعية تنتج عن العقوبة الجنائية، ويتعين تطبيقها بحكم القانون دون حاجة إلى النطق بها في الحكم، وفيما يخص مدتها فإنها تبتدئ في السريان من اليوم الذي يصدر فيه الحكم بالعقوبة الجنائية الأصلية نهائيا وتستمر حتى بعد الانتهاء من تنفيذ العقوبة الأصلية[15].
إن التجريد من الحقوق الوطنية يحد من سلطة المحكوم عليه في ممارسة حقوقه الوطنية كاملة التي حددها الفصل 26 من القانون الجنائي حيث تصير محظورة وممنوع ممارستها[16].
- الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية
تشمل هذه العقوبة حرمان المحكوم عليه بصفة جزئية من ممارسة بعض حقوقه الوطنية أو المدنية أو العائلية والتي سبقت الإشارة إليها حينما تطرقنا إلى التجريد من الحقوق الوطنية كعقوبة أصلية والحكم بها من طرف المحكمة يكون اختياريا في الحالات التي يحددها القانون، وتبعا لعقوبات جنحية، وذلك لمدة تتراوح بين سنة وعشر سنوات، لكن أحيانا قد يسمح المشرع برفع هذه المدة إلى عشرين سنة كما تنص على ذلك المادتان 180 و197 من القانون الجنائي.
وتجدر الإشارة إلى كون ترك أمر المحكوم عليه بهذه العقوبة الإضافية لتقدير القاضي يستجيب أكثر لمقتضيات تفريد العقاب وذلك على خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة للعقوبتين الإضافيتين، الحجر القضائي والتجريد من الحقوق الوطنية[17].
- الشخص المعنوي
حل الشخص المعنوي كعقوبة إضافية واردة في الفقرة 6 من الفصل 36 من القانون الجنائي، عرفها المشرع وحدد الآثار الناجمة عنها في الفصل 47 من القانون الجنائي والذي جاء فيه “حل الشخص المعنوي هو منعه من مواصلة النشاط الاجتماعي ولو تحت اسم آخر وبإشراف مديرين ومسيرين ومتصرفين آخرين ويترتب عن تصفية أملاك الشخص المعنوي.
ولا يحكم به إلى في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبنص صريح في الحكم بالإدانة”.
نستنتج من الفصل السابق، أن المشرع لم يربط حل الشخص المعنوي بارتكاب جناية أو جنحة أو مخالفة أي قلعدة عامة، يفوض فيها للقضاء سلطة الحكم بها من عدمه، وإنما قيد الحل بوجود نص قانوني صريح بذلك، أما إذا لم يوجد هذا النص، فلا يمكن تقرير حل الشخص المعنوي أبدا.
- العقوبات الإضافية المالية
هي العقوبات التي تصيب بأذاها المباشر الذمة المالية للمحكوم عليه، وتضم الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة، وأيضا المصادرة وأخيرا نشر الحكم الصادر بالإدانة.
- الحرمان النهائي أو المؤقت من المعاشات التي تصرفها الدولة
يستفاد من الفصل 41 من القانون الجنائي أن حكم الإعدام أو السجن المؤبد يتبعه حتما الحرمان النهائي من المعاش الذي تصرفه الدولة، ويتم تطبيق الحرمان بقوة القانون دونما حاجة للنطق به في الحكم.
أما الحكم الصادر بعقوبة جنائية غير عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، فيجوز أن يتضمن التنصيص على الحرمان المؤقت من المعاش طوال مدة تنفيذ العقوبة.
- المصادرة
نص المشرع على المصادرة في الفصل 42 من القانون الجنائي وعرفها بأنها “تمليك الدولة جزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك معينة”.
يجوز للمحكمة أن تحكم بالمصادرة لفائدة الدولة في حالة مؤاخذة المتهم عن فعل يعد جناية طبقا للفصل 43 من القانون الجنائي، في حين لا يجوز الحكم بها في حالة الحكم بالمؤاخذة عن أفعال تعد جنحا أو مخالفات إلا إذا تم التنصيص عليها في نص قانوني صريح[18].
- نشر الحكم الصادر بالإدانة
يتضح من نص المادة 48 من القانون الجنائي[19] أن تطبيق هذه العقوبة الإضافية يتوقف على وجود نص قانوني صريح يجيز للقاضي الحكم بها[20]، سواء على الشخص الطبيعي وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد استهدف من وراء تقرير عقوبة نشر الحكم الصادر بالإدانة غايات متعددة، فزيادة على الأذى الذي تلحقه هذه العقوبة بالذمة المالية للمحكوم عليه، قد يقصد كذلك من وراء النطق بها التشهير بالجاني وفضحه أما الجمهور كما هو الحال في جرائم انتحال الوظائف والألقاب و الأسماء واستعمالها بدون حق، وقد يكون الهدف من النشر وما يسببه من نيل من سمعة المحكوم عليه ومحاولة رد الاعتبار للمجني عليه وتعويضه معنويا عن الأذى الذي ألحقته به الجريمة كما هو الحال في جرائم القذف والسب[21].
المطلب الثاني: تخلف الفلسفة العقابية في مسايرة الانظمة العقابية المقارنة الحديثة
يعتبر القانون الجنائي الوسيلة الناجعة التي يمتلكها المجتمع لحماية أفراده من كافة السلوكات المنحرفة لأنه سلاح المعركة التي تدور رحاها بين جماعات الجريمة وسلطة نفاد القانون والاحساس بالأمن، سيما أنه يوفر الضمانات الكفيلة بممارسة الحقوق والحريات الفردية والجماعية التي يجب على الدولة تسخير إمكانياتها لضمان التمتع بها[22].
ولم يتأتى ذلك من فراغ، فقد تطور الفكر الجنائي عبر مراحل تاريخية، في أفق إيجاد أجوبة للأسئلة التي لازمت التجمعات البشرية بشأن مكافحة الجريمة والحد منها، ومن خلال التطور القانوني، تدرجت التصورات لمختلف القضايا التي تهم فلسفة السياسة العقابية بدءا من القانون الطبيعي مرورا بالقانون الوضعي وإنتهاءاَ بالمعيارية التي أضحت عليها القاعدة القانونية اليوم، خصوصا في ما يتعلق بحماية الحقوق والحريات وكفالتها وتوفير أسباب الاستقرار الاجتماعي.
فقد أضحى الاعتقاد راسخا على أن العقوبة وحدها لم تعد قادرة على مكافحة الجريمة أمام التزايد المهول لمعدلات هذه الأخيرة وتطورها، مستفيدة من التطور التكنولوجي وغيرها من الأسباب التي تغدي شرايين الجريمة.
وبالنظر إلى الوظائف التقليدية التي كان تلعبها العقوبة، التي انتهت إلى أزمة هاته الأخيرة بشهادة عدد من الباحثين والفقهاء وعلماء الإجرام، لأنها تم عن نزعة عقابية وردعية ستأثر بها السلطة العامة أحيانا في حماية مشروعها بعيدا عن كل التوجه اجتماعي أو إنساني، سيما وأن الجاني في نهاية المطاف هو إنسان ينتمي إلى بيئة العقابية ويستوجه سلوكه التهذيب والإصلاح والإدماج.
وبغض النظر عن فشل النظام العقابي في تحقيق الردع ومكافحة الجريمة، فإن تكلفة العقوبة باهظة جدا، تكلف الدولة مبالغ مالية مهمة لإنشاء المؤسسة، ناهيك عن التكلفة المالية التي يتطلبها إيواء وتغذية السجناء.
كما أن الدراسات والأبحاث التي انصبت إلى العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، وعلى المدانين بها، الموضوعين بالسجون أفضت إلى نتائج غاية في الأهمية، أشرعت الانتباه إلى ضرورة إعادة النظر في النظام القانوني المؤطر لهذه النوع من العقوبات.
ذلك أن عدم إيجاد بدائل قانونية للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة يؤذي إلى إيجاد نوع من التضخيم القانوني سواء في ما يتعلق بطور الإجراءات والمساطر لقضايا بسيطة وإغراق المحاكم بها على حساب القضايا التي يجب إيلائها الاهتمام اللازم. أو على مستوى كثرة حالات العود والمساهمة بطريقة غير واعية في تكثيف قاعدة المتابعين العائدين، مما يؤثر سلبا على البناء السيكولوجي وتوفير أسباب انحرافه.
وقد بينت مختلف الإحصائيات خصوصا تلك الصادرة عن المؤسسات السجينة، أن معدل المعتقلين على ذمة جرائم بسيطة المحكومين بعقوبات قصيرة، يوجدون بمعدلات كبيرة ناهيك عن وضعية المعتقلين الاحتياطيين واللذين قد ينتمي بهم المطاف للإطلاق سراحهم.
ولعل الآثار السلبية للنظام العقابي بكونه معولا يهدد السلم الاجتماعي، ويساهم في تأبيد النزاعات ويزداد الأمر سوءا بالنسبة لعلاقة الجوار والقرابات، مما تتكون معه الحاجة ملحة إلى إيجاد بديل لبعض النزاعات البسيطة بهدف وضع حد للآثار السلبية للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة.
في هذا السياق، وما راكمه الفكر الجنائي من نظريات تجسدت في مرجعيات المدارس الفقهية المختلفة مع نهاية القرن 19 وبداية القرن 20. أضحى الاعتقاد راسخا بإيجاد بدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، والتي أضحت فلسفتها بمثابة هجرة جماعية غزت كل التشريعات الجنائية، والتي تبددت حيث حتى القوانين الجنائية في الدول النامية بدأت تنفتح على هذه البدائل.
غير أن الأخذ بالوسائل البديلة للعقوبة لم يكن محط إجماع من طرف كافة الباحثين والفقهاء والمدارس الفكرية، حيث ساق معارضوها مجموعة من العلل والأسباب تتقاطع جميعها في كونها أضحت واقعا قانونيا وعمليا لدى كافة التشريعات المقارنة، وحققت نتائج إيجابية في تدليل الصعاب التي كانت تعوق أزمة العقوبة وكذا العدالة الجنائية.
لقد اعلنت العقوبة الزجرية بالإيداع في السجن فشلها في محاربة الظاهرة الاجرامية خصوصا فيما يتعلق بالإجرام البسيط، الذي يتطلب نظاما عقابيا خاصا ذو طبيعة اجتماعية وانسانية يساعد الدولة في التخلص من التكلفة الاقتصادية التي تتحملها في تدبير المؤسسة السجنية.
بعد قراءة التصنيف العقابي في القانون الجنائي الحالي يتبين ان المشرع المغربي يأخذ بالعقوبات البدنية التي هي في نهاية المطاف ذات حمولة انتقامية تهدف الحاق الاذى بالمدان عن طريق المساس بذمته المالية، او تقييد حريته لإيداعه السجن، او حقه في الحياة عن طريق الحكم عليه بالإعدام.
ولان العقوبة لم تعد قادرة على مواكبة المستجدات الطارئة بالنسبة للتشريع المغربي، في الوقت الذي اخذت فيه القوانين المقارنة ببدائل، فان المشرع الجنائي المغربي لم يتبنى سياسة جنائية واضحة بشأن البدائل التي تهم العقوبة.
فالمقاربة الامنية التي لازالت مهيمنة على خلفية المشرع الجنائي المغربي، أحد الاسباب الاساسية في تبنيه نظاما عقابيا ذي طبيعة عقابية زجرية لآنه يهدف الى تحقيق الردع بدل التقويم والتهذيب واعادة الإدماج.
هذه المقاربة التي ظلت مهيمنة على ارادة المشرع المغربي من خلال القانون الجنائي الحالي ترتبت عنها مجموعة من الاثار ادت الى تضخم غير مبرر في معدلات الاشخاص المحكومين، ناهيك عن غياب سياسة واضحة تروم ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وهي من المخاطر التي يعتبر القانون مصدرها ينبغي ذرؤها.
وما لا شك فيه أن القانون الجنائي الذي وضع في بداية ستينيات القرن الماضي استجابة لضرورات اجتماعية تأخذ أبعادها من طبيعة العلاقات والأنماط التي سادت مغرب ما بعد الاستقلال، تأثر عبر مساره بمجموعة من المتغيرات افقدته التوازن إلى حد لم يعد معه قادرا على الاجابة عن التساؤلات العميقة التي يفرضها التمزق العنيف سيما في ابعاده الأخلاقية والاقتصادية بفعل الانفجار الديموغرافي الذي قض بحتمية عدم فعالية الاحكام الجنائية في مكافحة الجريمة[23].
أمام هذا الوضع المتأزم الذي تعيشه السياسة الجنائية بالمغرب في جانبها العقابي جعل العديد من الاصوات تتصاعد بإعادة النظر فيها وهو ما كان موضوع مجموعة من المناظرات الوطنية التي تزامنت مع إطلاق برنامج الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، ناهيك عن الاهتمام بها من خلال مجموعة من التوصيات صادرة عن مؤسسات رسمية وغير رسمية.
لذلك حاول المشرع المغربي تجاوز النظام العقابي الحالي الذي اضحى يعيش عقما حقيقيا في تدبيره للسلوكات الاجرامية المختلفة، فقد اعاد النظر في النظام العقابي من خلال مجموعة من المقتضيات الجديدة التي ادرجها بمسودة مشروع القانون الجنائي، وفق رؤية جديدة تبحث في محاربة ظاهرة الاجرام لتفادي عقوباته وايجاد بدائل عقابية اخرى كحلول خارج المؤسسة السجنية.
نخلص الى ان السياسة الجنائية في تعاطيها مع الظاهرة الاجرامية عن طريق تكريس نظام عقابي لم يعد قادرا على مسايرة المستجدات الطارئة حيث ذهبت التشريعات الجنائية المقارنة في العائلات القانونية اللاتينية والجرمانية والانجلو امريكية بعيدا في الاخذ بأنظمة عقابية متطورة وراقية ينبغي استلهامها والاخذ بها على مستوى القانون الجنائي الوطني، الذي تبدو ارهاصاتها الاولى في مسودة مشروع القانون الجنائي التي لازالت في دائرة النقاش والتداول.
المبحث الثاني: التجليات العقابية على ضوء مسودة القانون الجنائي
ظلت العقوبة على طول مسارها التاريخي محل انتقاد مجموعة من الفلاسفة ومفكرين وفقهاء إما لعدم تلاءمها مع الأفعال المرتكبة أو عشوائية اتخاذها من طرف نظام الحكم، أو قساوتها وفظاعتها.
لذلك تجاذبت النظام العقابي مجموعة من النظريات وتناولته اطروحات العديد من المدارس في علم الإجرام قبل أن تستقر على الحال الذي هو عليه اليوم في التعاطي مع الظاهرة الإجرامية، مما جعل الأنظمة الجنائية المختلفة تتخذ موقفا قانونيا من العقاب في ترسانتها التشريعية.
ومواكبة منه في مسايرة المستجدات الطارئة على العقوبة، حاول المشرع في مسودة مشروع القانون الجنائي تكريس جملة من المبادئ التي اعتمدها في نص 1962، إضافة إلى إحداثه مقتضيات جديدة تهم نظامه العقابي.
من أجل الوقوف على التجليات العقابية في مسودة مشروع القانون الجنائي سوف نتعرف على الأسباب الموجهة لخلفية المشرع الجنائي المغربي في تبني فلسفة عقابية بديلة في مطلب أول، ثم التوجه العقابي الجديد في مسودة القانون الجنائي.
المطلب الأول: الأسباب الموجهة لخلفية المشرع الجنائي المغربي في تبني فلسفة عقابية بديلة
أظهرت العقوبات السالبة للحرية عجزا في مكافحة الجريمة مما حدى بالمشرع الجنائي المغربي مستفيدا من دراسات علم الاجرام الحديث بإبداع نظام قانوني بديل يتمثل في العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية التي باتت التشريعات الجنائية تأخذ بها في وضع سياستها بشأن التجريم والعقاب.
وفي ظل عصرنا الراهن باث من اللازم على المجتمعات المعاصرة تطوير تصوراتها للعقاب والعمل على نجاعة المؤسسات العقابية، لأن هناك قضايا مستجدة تطرح على المجتمع يجب على القانون مواكبتها دفعا لخطر المفاجئة، وبالنسبة للقضايا لم تعد تطرح أي إشكاليات ينبغي على القانون أن يتوقف عن تجريمها فاتحا المجال لسبل اخرى لمعالجاتها[24].
كما أن تنفيذ تطبيق العقوبات المختلفة يتطلب وجود أجهزة قضائية وإدارية تضطلع بمهام
محددة تتجاوز فلسفتها الأدوار التقليدية للعقوبة المتمثلة في تحقيق الردع بنوعيه على وظائف
تقويمية وعلاجية بهدف تحقيق الإدماج الكامل للمجرم في بيئته الاجتماعية.
فالعقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية توحي من الوهلة الأولى على نظام جزائي يختلف عن فرض العقوبة السالبة للحرية ضد المحكوم عليه فهي مجموعة من البدائل تتيح للقاضي إمكانية اللجوء إليها بدل الحكم بعقوبات نافذة وهي بذلك لا تختلف في كنهها عن العقوبة السالبة للحرية من حيث النظام القانوني لأنها تعبر عن نوع خاص من الجزاءات يفرضها المشرع الجنائي على مرتكب الجريمة وبالتالي فهي تخضع لنفس المعايير التي تخضع لها العقوبة النافذة الاصلية.
من ناحية أخرى يتم اللجوء الى العقوبات البديلة في الجرائم البسيطة او الجرائم قصيرة المدة حيث يحكم على المجرم بالعمل مثلا لفائدة المنفعة العامة بدون اجر وفق شروط وظروف معينة فهي إذن باختصار اللجوء الى عقوبات غير حبسية بدلا من العقوبات الحبسية وهي فلسفة جديدة ستوجه التشريع الجنائي المغربي.
فقد تطورت السياسة العقابية بفضل النظريات التي وضعها علماء الاجرام والعقاب والبحوث التي أنجزت في هذا المجال والتي أفضت إلى أن العقوبة السالبة للحرية لا تتحقق أهدافها التي تروم حماية المجتمع، كما أن السجون لا تقوم بدورها في تأهيل وإعادة ادماج السجناء فضلا عن تضخم القوانين الزجرية والجنائية بالعقوبات النافذة وفشل السياسات الجنائية المعاقبة في تحقيق الأمن القانوني والتقليل من نسب الاجرام والحد من تفشي حالة العود.
وقد ترتب عن هذه البحوث والدراسات أن توجه المنتظم الدولي إلى الأخذ بنظام العقوبات البديلة تحت رعاية الأمم المتحدة كما هو شأن المؤتمر المنعقد في ميلانو سنة 1985 الذي أوجب اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الناجعة لمعالجة ظاهرة الاكتظاظ في السجون والاستعاضة قدر المستطاع عنها بالتدابير البديلة بهدف إعادة تأهيل ودمج المحكوم عليهم في المجتمع باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي وضمان إعادتهم الى بيئتهم الطبيعية كأعضاء فاعلين في المجتمع.
وقد تضمنت التوصية رقم 16 التشديد على وجوب اتخاذ التدابير اللازمة لعلاج ظاهرة تكدس السجناء باتخاذ كافة الاجراءات لتبني العقوبات البديلة كطرق انسانية تسهل اعادة التأهيل والإدماج بشكل ايجابي في المجتمع.
ومن أجل تفعيل ذلك أوصت الأمم المتحدة بما يلي:
- أن تعمل الدول الأعضاء على زيادة جهودها الرامية إلى الحد من الأثار السلبية للسجن؛
- تكثيف البحث عن الجزاءات المعقولة التي لا تشترط الحبس كوسيلة لتخفيض عدد السجناء؛
- الانكباب على دراسة الجزاءات التي لا تشترط الحبس للبحث عن التدابير الرامية للإدماج الاجتماعي للمجرمين.
وجدير بالذكر أن الفلسفة العامة للأخذ بنظام بدائل العقوبات السالبة للحرية تحاول تجاوز الهدف التقليدي للعقوبة المتمثل في إيلام الجاني والانتقام منه إلى التقليل من قسوة هذه العقوبة بشكل يحفظ التوازن بين حرية الانسان وكرامته وبين حق المجتمع في الزجر والحد من ارتكاب الجرائم.
غير أن هذه الاتجاهات الحديثة التي تجد جذورها في أوائل القرن 19 تليها العديد من المؤتمرات التي كانت تنظمها اللجنة الدولية الجنائية والعقابية حيث أثير الموضوع لأول مرة في مؤتمر لندن سنة 1872 كما تجد ترتيبها في اطروحات حركة التنوير في أوروبا التي ظهر في كتابات مجموعة من المفكرين والانكباب على تأهيل المحكوم عليه وتهذيبه حيث بات الاعتقاد راسخا في البحث عن بدائل تحقق الإدماج الإيجابي لمجرم في المجتمع [25].
وهناك مجموعة من الأسباب والدواعي الدافعة الى تكريس هذا النوع من الجزاءات الجنائية تكمن في ما يلي:
- دواعي اقتصادية: حيث أن الزج بالمجرمين في السجون الذين يتزايد أعدادهم يشكل نزيفا للاقتصاد وإرهاق ميزانية الدولة من خلال التكلف في بناء السجون بأنواعها وإدارتها وحراسها إضافة الى ظاهر الاكتظاظ التي تعاني منها السجون في غياب التنسيق بينها وبين المحاكم الزجرية [26] ؛
- دواعي اجتماعية: مما لاشك فيه أن العقوبة تروم الدمج الاجتماعي للمجرم عن طريق تطبيق برنامج إصلاحي غير أن اختلاط المحكوم عليه بباقي المجرمين خلال فترة حبسه قد يؤدي إلى انتقال عدوى الإجرام إلى شخصه مما يجعله أكثر قابلية في العود إلى الجريمة.
إضافة إلى أن الزج بالمجرم في السجن في جرائم قد تكون بسيطة يؤدي إلى تغيير نظرة محيطه الاجتماعي الذي ينظر اليه نظرة الدونية مما يؤدي به الى التمرد على محيطه الاجتماعي ويسهل عليه تسرب ثقافة السجن إلى سلوكياته التي تضحى بديلا لثقافته الأصلية ويموت فيه الاحساس بالخطيئة ويصبح الاجرام عنده حالة عادية؛
- دواعي إدارية: إن الزج بالمجرم في السجن يتأثر سلبا وقد يصاب بالوهن والعجز المهني حيث لا يمكنه العودة الى ممارسة نشاطه بنفس الهمة والإرادة ويفقد جدارته وثقته واحترامه التي تعتبر السمات الاساسية لتوفير شروط مثالية لممارسة وظيفته الإدارية؛
- دواعي نفسية: تترك العقوبة السالبة للحرية وشما غائرا في نفسية الانسان المجرم وآثارا سلبية تنصرف إلى أفراد أسرته للإحساس بالمهانة من خلال انتزاعه من المجتمع والزج به في السجن وهو شعور داخلي يسيطر عليه، يشعر معه الانتقاص من شخصيته أمام عائلته وأهله ووسطه الاجتماعي مما قد ينقلب إلى ثورة غضب وسخط إذا لم يتلقى العناية الكافية عن طريق العلاج والتأهيل.
وقد يكون الوقع سيئا على عائلته سيما إذا كان مرتبطا بهم ارتباطا عضويا ونفسيا باعتباره معيلهم الوحيد وسندهم في الحياة مما يؤدي إلى حرمان هؤلاء الأطفال من التنشئة السليمة وقد يتأثرون جراء هذا الوضع وينزلقون إلى عالم الجريمة [27].
إضافة إلى نظرة المجتمع السلبية وما ينتج عنها من معاناة نفسية بليغة يفتقد السجين القدرة الطبية ويقتدي بنماذج غير سوية تلقنه السلوك الإجرامي إضافة إلى انعزاله وشعوره بالقلق والتوجس بسبب فقدانه عائلته قد يتحول الى اكتئاب يجعله فريسة للإقدام على الانتحار وما يترتب عن ذلك من اضطرابات في النوم.
المطلب الثاني: التوجه العقابي الجديد في مسودة القانون الجنائي
يعرف القانون الجنائي بالقانون الموضوعي الذي يحدد الجرائم الضارة بالمجتمع ويقرر العقوبات والتدابير الوقائية الملاءمة لها، وهو بذلك علم موضوعي قانوني يهتم بدراسة الجريمة والمجرم والعقوبة من وجهة نظر قانونية صرفة.
وتظهر العلاقة بين القانون الجنائي وعلم العقاب في الشق المتعلق بالجزاء، سيما وأن علم العقاب هو الذي يساعد ويوجه المشرع إلى إيجاد العقوبات والتدابير الملاءمة بحسب نوعية الجرائم، ناهيك عن اقتراحاته في إيجاد آليات تطبيقها وتنفيذها وسبل تطويرها أو تعديلها.
بهذا المعنى يعتبر علم العقاب ملهما للمشرع الجنائي ومصدرا موضوعيا لوضع الجزاءات في القانون الجنائي بما يتناسب مع الأفعال الجرمية من حيث نوعيتها وخطورتها[28].
انسجاما مع رسالة القانون الجنائي الرامية إلى تحقيق الأمن القانوني والقضائي في المجتمع، فإن هذه الفلسفة لا يمكنها التحقق إلا من خلال وضع نظام قانوني منسجم يحظر كل صور السلوكات التي تهدد الأمن العام واستقرار علاقات الأفراد والجماعات وحقوقهم وحرياتهم الفردية والجماعية، ولكي يضمن المجتمع احترام هذا النظام القانوني، فإنه يجب وضع الجزاء المناسب على كل خروج عن مقتضياته.
في إطار هذه الفلسفة العامة حاول المشرع الجنائي المغربي تطوير نظامه العقابي على مستوى مسودة مشروع القانون الجنائي من خلال تبني أطروحة تستمد مرجعياتها من أحدث النظريات وتجاوز سلبيات النظام العقابي الحالي في تعاطيه مع الظاهرة الإجرامية[29].
ويمكن رصد المستجدات التي قد تطول النظام العقابي لدى المشرع الجنائي المغربي من خلال قراءة خلفيته على مستوى مسودة مشروع القانون الجنائي، من خلال مجموعة من التجليات المتمثلة في مقتضيات أساسية بعضها حاول الحفاظ على المبادئ العامة لفلسفة العقاب والبعض الاخر تضمن مستجدات أساسية سترى النور أو مرة في التشريع الجنائي المغربي، ويمكن رصدها جميعا من خلال المقتضيات التالية:
- الحفاظ على تكريس مبدأ شرعية العقوبة؛
- تكريس شخصية العقوبة وتفريدها؛
- العمل على تقليص الفوارق بين الحدود الدنيا والقصوى للعقوبة لضبط السلطة التقديرية للقاضي؛
- منح المحكمة صلاحية التوقيف الجزئي للعقوبات السجنية التي لا تتجاوز عشر سنوات دون أن تنزل عن نصف العقوبة المحكوم بها؛
- إعطاء مكان واسع للأعذار القانونية المعفية من العقاب أو المخففة منها كظروف الجاني الصحية والاقتصادية؛
- الأخذ بنظرية الجمع بين العقوبة والتدبير الوقائي؛
- التنصيص صراحة على أن الصلح أو التنازل عن الشكاية في الحالات التي يجيزها القانون يضع حذا لتنفيذ العقوبة والتدابير الشخصية دون العينية[30].
وبالرجوع إلى التنظيم العقابي الوارد بالقانون الجنائي الحالي في ما يتعلق بالعقوبات الأصلية، أقرت مسودة المشرع تقسيما ثلاثيا جديدا للعقوبة مع الإشارة إلى أنه سيتم حذف عقوبتي الاقامة الإجبارية والتجريد من الحقوق الوطنية من العقوبات الأصلية الجنائية المنصوص عليها في المادة 16 من مجموعة القانون الجنائي، وبالتالي أضحى التقسيم الجديد للعقوبات يشمل العقوبات الأصلية والبديلة والاضافية وتم تخصيص لكل واحد منها باب.
ويمكن تجسيد أهم المراجعات التي شملت العقوبات الأصلية، من خلال مجموعة من الصور والتمظهرات على الشكل التالي:
- التقليص من عقوبة الاعدام في عدد مهم من الجرائم، واقتصار هذه العقوبة فقط على الجرائم الخطيرة والرهيبة والبشعة[31]؛
- مراجعة مهمة تناولت عقوبة السجن المؤبد سواء من حيث عدد الفصول أو طبيعة الجرائم المرتكبة[32]؛
- إعادة النظر في العقوبات السجنية والحبسية باستبدالها أو بحذف بعضها مع منح المحكمة صلاحيات التوقيف الجزئي لبعضها[33]؛
- تجنيح بعض الجرائم التي كانت تعتبر جنايات أصبحت في حكم الجنح وهي عشر جرائم؛
- إمكانية اقتران الغرامة بالسجن المؤقت في الجنايات مع جعلها في الجنح لا تقل عن 2000 درهم وفي المخالفات لا تتجاوز المبلغ المذكور طبقا للمواد 16 و 17 و18 من مسودة مشروع القانون الجنائي؛
- مراجعة المقتضيات العقابية المتعلقة بالشخص الاعتباري[34].
إلى جانب هذه المراجعة التي همت النظام العقابي على مستوى مجموعة القانون الجنائي فقد أخذت مسودة مشروع القانون الجنائي لأول مرة في تاريخ التشريع الجنائي المغربي ببدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة.
خاتمة:
من خلال الدراسة التي قمنا بها، تبين هيمنة الفكر الردعي التقليدي في التشريع الجنائي المغربي، وقد وقفنا على أسباب ومظاهر هذه الفلسفة من حيث عدم مسايرتها للتوجهات العقابية الحديثة التي تقوم على تبني نظام بدائل عقابية والتي قد تسعف جميعها في ايجاد حل للأزمة التي أصبح يعيشها النظام العقابي المبني على الردع والزجر والإيذاء والايلام.
لقد أضحى الاعتقاد راسخا بفشل السياسة العقابية الأحادية التي تعتمد العقوبة كمدخل وحيد في مكافحة الجريمة، مما ساهم في تفشي مجموعة من المظاهر السلبية التي صارت عنوانا بازا لأزمة السياسة العقابية الحالية.
وبغض النظر عن مظاهر توقع ارادة وفلسفة المشرع المغربي على مستوى مشروع القانون الجنائي الذي يسوق لتبني بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في شكل الغرامة اليومية والعمل لفائدة المنفعة العامة وبعض التدابير الجنائية العقابية التي لازالت طي النقاش والتداول، فإن تعطيل والتأخير التشريعي على هذا المستوى أمر غير مقبول.
وبذلك نورد مجموعة من الخلاصات على الشكل التالي:
- وجوب أخذ المشرع المغربي على مستوى مشروع القانون الجنائي بضوابط المعيارية عند صياغته للنصوص التشريعية؛
- وضع بدائل عقابية تتلاءم والخصوصية الوطنية المادية والثقافية والهوياتية؛
- إشراك المجتمع المدني في تقديم الملاحظات واتخاذها بجدية؛
- إشراك الباحثين في المجال القانوني والاستفادة من تجارب الجامعة على هذا المستوى؛
[1]-أحمد قيلش ومن معه،”الوجيز في شرح القانون الجنائي العام”، مطبعة الأمنية الرباط،2016، ص:118.
[2] – عبد الصمد الزعنوني، بدائل العقوبة السالبة للحرية مقاربة قانونية مقارنة لإشكالية السجن والحرية، منشورات م.ط ومكتبة دار السلام الرباط، ص: 24.
[3]-يمكن تحديد العقوبات الأصلية الواردة في القانون الجنائي المغربي:
-الإعدام؛
-السجن المؤبد؛
-السجن المؤقت من5سنوات إلى30سنة؛
-الإقامة الإجبارية؛
-التجريد من الحقوق الوطنية؛
-الحبس؛
-الغرامة التي تتجاوز1200درهم؛
-الاعتقال لمدة تقل عن شهر؛
-الغرامة من30درهم إلى1200درهم.
[4]-الفصل16من ق ج”العقوبات الجنائية الأصلية” هي:
-الإعدام؛
-السجن المؤبد؛
-السجن المؤقت من 5سنوات إلى30سنة؛
-الإقامة الإجبارية؛
-التجريد من الحقوق الوطنية”.
[5]-أحمد قيلش و من معه،”الوجيز في شرح القانون الجنائي العام”، م س،ص:119.
[6]الفصل25من ق ج ، ” الإقامة الإجبارية هي أن تحدد المحكمة مكان الإقامة أو دائرة محدودة لا يجوز للمحكوم عليه الابتعاد عنها بدون رخصة طوال المدة التي يحددها الحكم بحيث لا تقل عن خمس سنوات متى كانت عقوبة أصلية.
ويبلغ الحكم بالإقامة الإجبارية إلى الإدارة العامة للأمن الوطني التي يجب عليها أن تتولى مراقبة الإقامة المفروضة على المحكوم عليه، وفي حالة الضرورة يجوز لوزير العدل أن يسلم للمحكوم عليه رخصة مؤقتة للتنقل داخل القطر”.
[7]-علوي جعفر:” المعين في شرح القانون الجنائي العام المغربي فقها وقضاء”، الطبعة الاولى، مطبعة دار القلم الرباط، 2010، ص: 198.
[8]-العزل في هذه الحالة ينسب إلى الموظف العمومي بالمفهوم الوارد في الفصل 224من ق ج.
[9]-الفصل 26 من ق ج:
” التجريد من الحقوق الوطنية يشمل:
1 – عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية.
2 – حرمان المحكوم عليه من أن يكون ناخبا أو منتخبا وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية والسياسية ومن حق التحلي بأي وسام.
3 – عدم الأهلية للقيام بمهمة عضو محلف أو خبير، وعدم الأهلية لأداء الشهادة في أي رسم من الرسوم أو الشهادة أمام القضاء إلا على سبيل الإخبار فقط.
4 – عدم أهلية المحكوم عليه لأن يكون وصيا أو مشرفا على غير أولاده.
5 – الحرمان من حق حمل السلاح ومن الخدمة في الجيش والقيام بالتعليم أو إدارة مدرسة أو العمل في مؤسسة للتعليم كأستاذ أو مدرس أو مراقب.
والتجريد من الحقوق الوطنية عندما يكون عقوبة أصلية، يحكم به لزجر الجنايات السياسية ولمدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات ما لم تنص مقتضيات خاصة على خلاف ذلك.”
[10]-أحمد قيلش ومن معه، م س، ص:112.
[11]-الفصل27 من ق.ج،” عندما يحكم بالتجريد الوطني كعقوبة أصلية فإنه يجوز أن تضاف إليه عقوبة الحبس لمدة يحددها الحكم بحيث لاتزيد عن خمس سنوات.
فإن لم يكن من الممكن الحكم بالتجريد من الحقوق الوطنية، إما لكون المتهم مغربيا سبق تجريده من هذه الحقوق، وإما لكونه أجنبيا وجب الحكم بالسجن من خمس سنوات إلى عشر”.
[12]-علوي جعفر، م.س، ص:200.
[13]-تكون هذه الغرامة عقوبة جنحية إذا تعدت1200درهم، سواء كانت هي العقوبة الوحيدة التي جزر بها المشرع المغربي، أو كانت مع عقوبة حبسية إلزامية، أو مع الخيار بينهما وبين أية عقوبة سالبة للحرية (في الجنح الضبطية) والمهم هو أن تتعدى1200درهم، لكي تعتبر حينئذ عقوبة جنحية.
[14]-الفصل18من ق.ج،
“العقوبات الضبطية الأصلية هي:
1–الاعتقال لمدة تقل عن شهر؛
2–الغرامة من30 درهم إلى 1200 درهم”.
[15]-قد ينقض أثر التجريد من الحقوق الوطنية كعقوبة إضافية إذا وجد أحد الأسباب التالية:
-إذا تم إلغاء الحكم الجنائي الصادر بعقوبة جنائية إما عن طريق إعادة النظر أو المراجعة؛
-إذا صدر عفو يتضمن بشكل صريح إلغاء عقوبة التجريد من الحقوق الوطنية؛
-إذا تمرد الاعتبار للمحكوم عليه بعقوبة جنائية، سواء كان الاعتبار قانونيا أو قضائيا.
[16]-أحمد قيلش و من معه، م,س، ص:112.
[17]-جعفري علوي، م.س، ص:205.
[18]-أحمد قيلش و من معه،مس،ص:123.
[19]-الفصل48من ق.ج ،”للمحكمة، في الأحوال التي يحددها القانون ، أن تأمر بنشر الحكم الصادر عنها بالإدانة كلا أو بعضا، في صحيفة أو عدة صحفت عينها، أو بتعليقه في أماكن تبينها، والكل على نفقة المحكوم عليهم نغير أن تتعدى صوائر النشر ما قدرته المحكمة لذلك ولا أن تتجاوز مدة التعليق شهرا واحدا”.
[20]-نذكر هنا على سبيل المثال المادة 578التي بموجبها يمكن للقاضي الحكم بنشر الحكم الصادر بالإدانة كليا أو جزئيا على نفقة المحكوم عليه بسبب اقتراف هذا الأخير جرائم التقليد المعاقب عليها فيا لمواد573و577منقح.
[21]-جعفري علوي، م.س، ص:208.
[22] السياسة الجنائية بالمغرب: الواقع والآفاق 2004، 2018، مؤلف جماعي م.ط الأمنية الرباط، 2018 ص: 36.
[23] محي الدين أمزاري: العقوبة، مقال منشور بمنشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، م.ط الأمنية الرابط 2013 ص: 306 وما بعدها.
[24] مؤلف جماعي: الجريمة والعقاب: ” قراءات نقدية في مسودة القانون الجنائي”، منشورات سلسلة الحوار العمومي، 8، مطبعة طوب بريس، الرباط، يونيو 2015، ص: 8 و7.
[25]-إن اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية ينم عن فشل المنظومة الجنائية المنظمة بالعقوبات الزجرية الثقيلة التي لم تحقق أهداف السياسة الجنائية في غايتها الكبرى المتمثلة في تحقيق الأمن القانوني والقضائي الذي لا يتأتى إلى من خلال انخفاض مؤشر اتنسب الإجرام والحد من تفشي حالات العود للجريمة.
[26]شيء مؤسف للغاية أن العقوبات السالبة للحرية في الجرائم البسيطة ترمي بالأشخاص داخل السجون وهم في كامل قواهم البدنية والعقلية وقادرين على العمل والانتاج على اختلاف حرفهم ومهنهم ووظائفهم التي يمكن الاستفادة منها بدل هدرها وتستفيد منهم ميزانية الدولة بدل إرهاقها بالإنفاق عليهم فلملا تتم معاقبتهم بطرق أخرى تسمح باستغلال مهارتهم ومقدوراتهم.
[27] – أظهرت بعض الدراسات أن الأطفال قد يتأثرون من تالقيم الفاسدة والمنحرفة التي يستقونها من أباءهم وأمهاتهم خلال فترة العقوبة كدراسة أجريت في ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية على عينة من المحكوم عليهم وعائلاتهم خلال فترة العقوبة أن 70 بالمائة منهم أبدوا استعدادهم الاقامة مع ذويهم المحكوم عليهم بعد انتهاء فترة العقوبة وتقبل هذا الوضع.
[28] أحمد قيلش و من معه: “مبادئ في علم الإجرام والعقاب”، مكتبة الرشاد، سطات، مطبعة الامنية الرباط، 2014.ص:112-113.
[29]إن الفلسفة العقابية تطورت في اتجاه إصلاح المحكوم عليه عن طريق تثقيفه بالمؤسسة السجنية وتدريبه مهنيا وتدريبه كي يتأتىله استعادة تكيفه وتجاوبه مع المجتمع صارت مطلبا للعقوبات السالبة للحرية، وصارت وسائل تحقيق هذا الهدف أهم ما تشتغل به أبحاث علم العقاب، غير إن العقوبات السالبة للحرية قد تكون ثقيلة في نتائجها ليس فقط على المحكوم عليه بل أيضا على عائلته ومستقبلها، وبالتالي لا يسعف استخدامها في صد العقاب على الجرائم الأقل جسامة مما أدى إلى التفكير في إيجاد وسائل بديلة للعقوبات السالبة للحرية وتدابير اخرى تكون أقل ضرر او تأخذ بعين الاعتبار الحق في معاقبة مرتكب الجريمة ومراعاة مركزها القانوني الانساني.
ينبغي التنبيه جيدا أن النظام العقابي كان في بداياته الاولى يركز فقط على توفير الحماية للمجتمع بإنزال العقاب لحذر ارتكاب الجريمة، ثمتد رجبعد ذلك ليهتم بشخص المجرم والتفكير في إعادة تأهيله وإدماجهم الابقاء على العقوبة باعتبارها الوسيلة الناجعة لتحقيق الردع العام والخاص، ليهتدي الفكر العقابي أخيرا إلى إيجاد وسائل بديلة للعقوبات السالبة للحرية لدواعي إنسانية واجتماعية في إطار سياسة عقابية تروم توفير الأمن القانوني والقضائي.
-أحمد قيلش ومن معه: “مبادئ في علم الإجرام والعقاب”، م.س، ص:115-116.
[30]مذكرة توضيحية بشأن مشروع قانون رقم 10.16يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي: منشور بموقع المندوبية المكلفة بحقوق الانسان didh.gov.ma/ar/actualites/mdhkrt-twdyhyt-bshan-mshrw-qanwn-rqm-1016yqdy-btghyyr-wttmym-mjmwt-alqanwn-aljnayy/ تم الاطلاع عليه بتاريخ 2022/04/01 على الساعة 22:30.
[31]تخفيض عدد المواد التي تعاقب بالإعدام، فمن أصل31مادة كانت تنص على هذه العقوبة في مجموعة القانون الجنائي الحالي، احتفظت مسودة المشروع على 8مواد فقط أي بأقل من ثلث العدد الأصلي، مع إضافة ثلاث مواد جديدة تتعلق بجرائم القانون الدولي الانساني ليصبح عدد المواد التي تنص على عقوبة الاعدام 11مادة، وهو ثلث عدد عقوبات الاعدام التي كانت مقررة في مسودة مجموعة القانون الجنائي موضوع المراجعة.
وتتحدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في القانون الجنائي الجرائم الخطيرة جدا كجرائم القتل المشدد، بعض جرائم الارهاب، جرائم القتل المشدد المرتكبة في إطار القانون الدولي الانساني، بعض جرائم المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي.
-وزارة العدل: ملخص على هامش مسودة مشروع القانون الجنائي: ص:20.
[32][32]تتضمن مجموعة القانون الجنائي موضوع المراجعة27 فصل ينص على عقوبة السجن المؤبد، وبمقتضى مسودة القانون الجنائي فقد تم تحويل13مادة تعاقب بالسجن المؤبد إلى السجن المحددة.
وتمت إضافة 23 مادة تتضمن هذه العقوبة كانت معاقبا عليه بالإعدام، كما تم إحداث 5 مواد جديدة تعاقب بالسجن المؤبد بتجريم أفعال جديدة، وبذلك يبلغ عدد المواد التي تعاقب بالسجن المؤبد37مادة، وقد روعي في هذه العقوبة أن يتم تخصيصها في الافعال الجرمية الخطيرة جذا كبعض جرائم المس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، التسميم المرتكب في إطار الارهاب والمؤدي إلى عاهة مستديمة، جرائم الاحراق والتخريب والتفجير المؤدية إلى الوفيات، جرائم القتل والعنف الخطر والتعذيب والأضرار الجسيمة بالصحة، الجرائم ضد الانسانية وجرائم القانون الدولي الانساني.
[33] لقد تمظهرت صور مراجعة العقوبات السجنية والحبسية في خمس تجليات كبرى تتمثل في:
- استبدال بعض العقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد بغرامة مالية فقط(4أجرائم)؛
- استبدال بعض العقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد المقرونة بغرامة مالية بغرامة فقط(7جرائم)؛
- استبدال بعض العقوبات التجريد من الحقوق الوطنية أو الاقامة الاجبارية بالحبس من سنة إلى5سنوات(7جرائم)؛
- حذف العقوبة السالبة للحرية (الاعتقال)في المخالفات؛
- منح المحكمة صلاحيات التوقيف الجزئي للعقوبات السجنية التي لاتتجاوز10سنوات دون أن تنزل عن نصف العقوبة المحكوم بها.
[34]إعادة النظر في العقوبة المقررة للمحاولة بإقرار عقوبات أخف من العقوبة المقررة للجريمة التامة وتصل إلى حد النصف في الجنح مع إعادة تنظيم المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري، باستثناء الدولة، مع التنصيص على أن إقرار هذه المسؤولية لا تنفي مسؤولية الشخص الذاتي مرتكب الجريمة بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا مع إمكانية تمتيع الشخص الاعتباري بالظروف القضائية المخففة بتخفيض الغلامة إلى النصف، وأخيرا التنصيص على الغرامات التي تفرض على الشخص الاعتباري في الحالات التي لا ينص فيها القانون المجرم للفعل على العقوبة الواجبة التطبيق عليه.