القانون التنظيمي رقم02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا – الواقع والآفاق-

القانون التنظيمي رقم02.12
المتعلق بالتعيين في المناصب العليا
– الواقع والآفاق-

من إعداد :
كوثر أمرير
باحثة بسلك الدكتوراه جامعة محمد الخامس الرباط.
عزالعرب كاوكاو
باحث بسلك الدكتوراه جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

مقدمة

في إطار تفعيل الإرادة الملكية السامية في إصلاح السلطة التنفيذية، جاء الدستور المستفتى عليه في فاتح يوليوز 2011 ليترجم توجيهات جلالته خصوصا من خلال الفصلين 94 و 41 اللذان يوضحان على التوالي اختصاصات المجلس الوزاري و اختصاصات مجلس الحكومة، في إطار الفصل بين ما هو استراتيجي في الدولة و ما هو تنفيذي، والذي يبقى من صلاحيات مؤسسة مجلس الحكومة، و التي خولها الدستور الجديد صلاحيات واسعة لم تكن تحظى بها الحكومات المتعاقبة في ظل الدساتير السابقة.
و لعل من ضمن القضايا الإستراتيجية الأكثر أهمية ، والتي تطرح باستمرار على أجندة الدولة بكل مكوناتها، نجد قضية التأويل الديمقراطي للدستور، و حين نتحدث عن التأويل الديمقراطي، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو مسألة القوانين التنظيمية و التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور، تفصل ما ورد فيه مجملا و تؤول مضامين فصوله. و هي بذلك تعتبر ذات أهمية بالغة لا تقل عن أهمية الدستور نفسه لأن من شأن صياغتها بخلفية غير ديمقراطية أن يفرغ الدستور من محتواه .
و نظرا لكون القانون التنظيمي 02.12 و المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لمضامين الفصلين 94 و 41 من الدستور يعتبر من أهم القوانين التنظيمية التي يمكن أن تترجم فعليا الإصلاح الدستوري على مستوى السلطة التنفيذية، فإن قراءة هذا القانون تطرح مسألة التأويل الديمقراطي للدستور سواء في مفهومه الضيق، أي تأويل الفصلين 94 و. 41 أو في مفهومه الواسع أي مدى انسجام القانون التنظيمي 02.12 مع الفلسفة العامة للدستور الجديد و المبنية على تعزيز قواعد الحكامة الجيدة في التدبير العمومي، و التي تعتبر مأسسة التعيين في المناصب العليا من أهم لبناتها بالاضافة الى دراسة الاثر الذي احدثه تفعيل هذا النص القانوني و افاق تطويره.انطلاقا مما سبق طرحنا السؤال التالي :هل ادى تطبيق القانون التنظيمي 02.12 الى مأسسة التعيين في المناصب العليا وبالتالي تعزيز قواعد الحكامة الجيدة؟
ومن اجل الإلمام بهذا القانون التنظيمي من كل جوانبه سنتناوله وفق المحاور التالية :
 المطلب الاول :التقدم الحاصل على مستوى تفعيل القانون التنظيمي02.12
 المطلب الثاني : مساهمة القانون التنظيمي 02.12في بلورة الفلسفة العامة للدستور
 المطلب الثالث :الأثر الذي أحدثه القانون التنظيمي02.12على الأداء المؤسساتي

المطلب الاول :التقدم الحاصل على مستوى تفعيل القانون التنظيمي02.12
صدر القانون التنظيمي 02.12 بمقتضى الظهير الشريف رقم1.12.20 صادر في 17 يوليوز2012 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49و92 من الدستور، ويعتبر من بين القوانين التنظيمية التي صدرت في فترة قصيرة من بعد دستور 2011 حيث صدر في أقل من سنة.ويعد القانون السابق ذكره أول قانون تنظيمي يعرض على أنظار البرلمان من طرف الحكومة، وهو قانون تنظيمي يكتسي دلالة وأهمية سياسيتين بالغتين أولا باعتباره نصا مهيكلا في تدبير الشأن العام، لارتباطه بالتعيين في المناصب العليا الذي يشكل المدخل الرئيسي لتكريس مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والفعالية في التدبير العمومي القائم على النتائج، حيث عزز صلاحيات الحكومة في مجال التعيين في المناصب العليا، التي أصبحت تشمل 1181 منصبا عوض 17 منصبا في السابق. كما يعد لبنة أساسية في مسلسل الإصلاحات التي كان يفترض أن تباشرها الحكومة، والتي تهم أساسا ترشيد تدبير المجالس الإدارية للمؤسسات والمقاولات العمومية، وتفعيل كافة آليات الرقابة المالية، واعتماد التعاقد داخل الإدارة على نطاق واسع والتدبير القائم على النتائج، وتعميم اعتماد مدونات الأخلاقيات بالمرافق العامة.
وتفعيلا لمضامين القانون التنظيمي02.12 و في إطار سعيه نحو مأسسة منظومة التعيين في المناصب العليا، أحال القانون السابق ذكره على نص تنظيمي يحدد مسطرة اقتراح المرشحات و المرشحين لشغل هذه المناصب، حيث صدر المرسوم رقم 2.12.412 بتاريخ 11 أكتوبر 2012 ، الجريدة الرسمية عدد 6091 15 أكتوبر 2012 بتطبيق أحكام المادتين 4 و 5 من القانون التنظيمي 02.12 ، فيما يتعلق بمسطرة التعيين في المناصب العليا، التي يتم التداول بشأنها في مجلس الحكومة و قد جاء المرسوم المذكور لينظم عملية التعيين من مرحلة إيداع ملفات الترشيح و دراستها، إلى مرحلة تعيين المرشح و إنهاء مهامه.
وقد طالت القانون التنظيمي رقم 02.12 منذ صدوره إلى اليوم مجموعة من التعديلات المتوالية والتي تعود أساسا إلى عدم تمكن البرلمان من التوصل إلى صيغة يتم بمقتضاها تفادي طرح التعديلات في كل مرة من طرف الحكومة على مشروع القانون المذكور، بحيث كلما وقع جديد بشان الملحقين 1و2 يقدم مشروع القانون من جديد إلى المؤسسة التشريعية لتعديله وهنا نذكر بالتعديلات التي طالت القانون التنظيمي02.12 على التوالي :
التعديل الأول بموجب القانون التنظيمي رقم 12.14 لسنة 2014، ويتعلق بتحيين لوائح المؤسسات والمقاولات العمومية والمناصب العليا المحددة في الملحقين 1 و2 من القانون التنظيمي رقم 02.12 سالف الذكر، من خلال إدراج بعض المؤسسات العمومية وأشخاص القانون العام والهيئات المعنية في هذين الملحقين.
ويتعلق الأمر ب 14 مؤسسة ومقاولة عمومية وفئتين من المناصب السامية موزعة بين 4 مؤسسات عمومية إستراتيجية، و10 مؤسسات عمومية يتم التداول في شأنها في مجلس الحكومة، وفئتين من المناصب العليا بالإدارات العمومية.
التعديل الثاني بموجب القانون التنظيمي رقم 23.16 لسنة 2016 ويهدف هذا القانون، إلى تحيين لوائح المؤسسات والمقاولات العمومية والمناصب العليا المحددة في الملحقين 1 و2 من القانون التنظيمي رقم 02.12 سالف الذكر، وذلك من خلال حذف مؤسستين عموميتين من لائحة المؤسسات العمومية التي يتم التداول في شأن تعيين المسئولين عنها في مجلس الحكومة، وإدراجهما ضمن لائحة المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجة التي يتم التداول في شأن تعيين المسئولين عنها في المجلس الوزاري ، ويتعلق الأمر بكل من مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني، ومؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لفائدة رجال السلطة التابعين لوزارة الداخلية. وكذا إدراج، ضمن لائحة المناصب العليا التي يتم التداول بشأنها في مجلس الحكومة، منصبي المسؤولية عن مؤسستين تم إحداثهما خلال سنة 2016 ويتعلق الأمر بمؤسسة النهوض بالأعمال الاجتماعية لفائدة موظفي وأعوان وزارة الشباب والرياضة، والوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط. وينص القانون، أيضا، على حذف مجلس التوجيه والتتبع لمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني من لائحة المناصب العليا التي يتم التداول بشأنها في مجلس الحكومة، واستبدال عبارة المفتش العام للمالية الواردة في البند “ج” من القانون التنظيمي المذكور بعبارة “المفتشون العامون للمالية”.
التعديل الثالث بموجب القانون التنظيمي رقم 21.17 لسنة2018 ، والذي يتضمن تغيير في تسميات بعض المؤسسات عبر تحيين لوائح المؤسسات والمقاولات العمومية والمناصب العليا المحددة في الملحقين 1و2 من القانون التنظيمي02.12.
المطلب الثاني : مساهمة القانون التنظيمي 02.12في بلورة الفلسفة العامة للدستور
أرسى دستور المملكة دعائم منظومة التعيين في المناصب العليا ووضعت لبناتها بموجب أحكام القانون التنظيمي رقم 02.12 ومقتضيات المرسوم رقم 2.12.412 المؤرخ في 11 اكتوبر2012 بتطبيق أحكام المادتين 5و4 من القانون التنظيمي 02.12المتعلق بمسطرة التعيين في المناصب العليا التي يتم التداول بشان التعيين فيها في مجلس الحكومة، وهي منظومة تقوم على تكريس مبادئ الشفافية والنزاهة والمساواة وتكافؤ الفرص والاستحقاق. إضافة إلى كونها آلية من اليات تعزيز الحكامة في التدبير العمومي والفعالية القائمة على النتائج لذلك نجد القانون التنظيمي02.12 يقوم على ثلاث مبادئ أساسية تؤطر تعيينات المناصب العليا :
أولها تكافؤ الفرص والاستحقاق والشفافية والمساواة في وجه جميع المرشحات والمرشحين، وقد اعتمد المشرع في صياغة هذا المبدأ على الدستور في فصوله التالية الفصل 92 الذي ينيط بالقانون التنظيمي 02.12 مهمة تحديد مبادئ التعيين في المناصب العليا لاسيما مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والشفافية. الفصل 35 الذي ينص على ضمان تكافؤ الفرص للجميع. الفصل 31 الذي ينص على ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق. تم الفصول 154و155 و156 والتي تحدد مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية.
ثانيا عدم التمييز بجميع أشكاله في اختيار المرشحين والمرشحات للمناصب العليا بما فيها التمييز بسبب الانتماء السياسي أو النقابي أو بسبب اللغة أو الدين أو الجنس أو الإعاقة أو أي سبب آخر يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان أو أحكام الدستور .
ثالثا المناصفة بين الرجال والنساء باعتباره مبدأ تسعى الدولة إلى تحقيقه طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل19 من الدستور مع مراعاة المبادئ والمعايير المنصوص عليها في المادة الرابعة من القانون التنطيمي02.12.و يأتي هذا المبدأ في إطار تكريس دور المرأة في تقلد مناصب المسؤولية خاصة أن نسبة النساء على رأس المناصب العليا قبل القانون التنظيمي02.12 لم تكن تتعدى 15 في المائة .
هذا و قد أثارت طريقة صياغة مبدأ المناصفة الكثير من الجدل في إطار التأويل الإيجابي للدستور. و في هذا السياق يعتبر أحد الباحثين أنه إذا كان الدستور قد اختار طرح مبدأ المناصفة كغاية و ليس كالتزام آني، فإن القوانين خصوصا التنظيمية منها، مطالبة باقتراح صيغ أكثر قابلية للقياس و لتحقيق أثر واقعي لتنزيل المبدأ العام المتعلق بالمناصفة .
لقد جاء دستور2011 لتعزيز الحريات و ترسيخ قيم الديموقراطية و الحكامة الجيدة، الأمر الذي استوجب إعادة النظر في منظومة التعيين في المناصب العليا التي لم يكن من الممكن أن تستجيب لمتطلبات المرحلة. و في هذا الإطار، جاء القانون التنظيمي 02.12 و مرسومه التطبيقي في سياق تنزيل الدستور، كأول منظومة قانونية تؤطر التعيين في المناصب العليا، ضمن رزنامة من الإجراءات التي التزمت بها الحكومة في برنامجها الحكومي، و التي تروم وضع لبنات الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام و تكمن أهمية هذه المنظومة في كون المناصب العليا المدخل الرئيسي لتكريس مبادئ و قواعد الحكامة الجيدة، نظرا لاستهدافها أعلى المراتب في الهيكلة الإدارية للإدارات و المؤسسات و المقاولات العمومية.
هذا و إذا كانت الحكامة وخاصة الحكامة الإدارية تتطلب التجديد الدائم و المستمر للنخب الإدارية، بناء على معايير محددة و مضبوطة. فقد حاول القانون التنظيمي02.12 التأسيس عليها في تعيينات المناصب العليا، و جاءت في مادته الرابعة حسب التحديد التالي:
– التمتع بالحقوق المدنية و السياسية.
– التحلي بالنزاهة و الاستقامة.
– التوفر على تجربة مهنية بإدارات الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات و المقاولات العمومية في القطاع العام أو الخاص داخل الوطن أو خارجه.
– التوفر على مستوى عال من التعليم و الكفاءة اللازمة .
كما جاء المرسوم التطبيقي للمادتين 4 و 5 من القانون التنظيمي 02.12 ، لتوضيح المسطرة المعتمدة في اختيار المرشحين لشغل المناصب العليا المتداول بشأنها في مجلس الحكومة. و قد سعت الحكومة من خلال هذا المرسوم إلى اعتماد الشفافية من خلال نشر قرار الإعلان عن فتح باب الترشيح، على المواقع الإلكترونية الرسمية، و إلى تكريس مبدأ الاستحقاق و معايير الكفاءة و النزاهة و التجربة المهنية و المؤهل العلمي عبر توصيف المنصب المراد شغله بتبيان الشروط اللازم توفرها في المرشحين.
و في سياق تجويد مدخلات المناصب العليا، نص المرسوم على تكوين لجان الاختيار من أطر ذات كفاءة عالية و لا يقل منصبها عن المنصب المتبارى بشأنه، بما يضمن قدرتها على اختيار أجود الكفاءات. كما نص القانون ت 02.12على تحديد مدة التعيين في المناصب العليا في خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، انسجاما مع المعايير و الاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد .
غير ان ما يعاب على القانون التنظيمي 02.12 و من وراءه الدستور الجديد، هو حصر المبادئ و المعايير التي سبق ذكرها، في المناصب التي يتداول بشأنها في مجلس الحكومة، واستثناء المناصب المتداول بشأنها في المجلس الوزاري، رغم أن الدستور ينص على عمل الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق، وعلى سهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع .
كما تشكل مقتضيات الفصول 49 و89و91و92من الدستور، ركائز أساسية تعزز مبادئ الحكامة الجيدة و توضح اختصاصات الحكومة و مسؤولياتها باعتبارها الجهة الموكول إليها إعداد و تنفيذ السياسات العمومية.
و اعتبارا لأهمية الوظائف السامية في وضع و تنزيل السياسات العمومية في انسجام تام مع اختيارات الحكومة فقد خول الدستور الجديد هذه الأخيرة سلطة غير مسبوقة في اختيار مسئولي الإدارات و المؤسسات و المقاولات العمومية وفقا لمبادئ و معايير حددها في الفصل92 ، و ترجمها القانون التنظيمي 02.12 وعززها بنص تنظيمي يحدد مسطرة انتقاء المرشحين لشغل المناصب العليا،مما يجعل القانون المذكور، بمثابة لبنة أساسية في مأسسة المناصب العليا و تشييد صرح الحكامة الجيدة.
وفي إطار تعزيز منظومة الرقابة ينص الفصل 154 من الدستور على أن المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة و الشفافية و المحاسبة و المسؤولية، و تخضع في تسييرها للمبادئ و القيم الديموقراطية التي أقرها الدستور.كما أن الفصل 156 يؤكد على أن المرافق العمومية تقدم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، و تخضع للمراقبة و التقييم. و في عرضه حول مشروع القانون التنظيمي 02.12 أمام لجنة العدل و التشريع، قال الوزير المكلف بالوظيفة العمومية و تحديث الإدارة … “: اعتبارا لأهمية الوظائف السامية في وضع و تنزيل السياسات العمومية… فقد تم تخويل هذه الأخيرة ) الحكومة ( سلطة واسعة لاسيما في اختيار مسئولي الإدارات و المؤسسات و المقاولات العمومية، و ذلك تكريسا لربط المسؤولية بالمحاسبة و إخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة و الشفافية و ممارسة وظائفها وفق مبادئ احترام القانون و الحياد و النزاهة و المصلحة العامة.. ”
وهو ما يجعلنا نقول ان المشرع بإقراره للقانون التنظيمي 02.12 ، يكون قد خطا خطوته الأولى في مسيرة بناء الحكامة الجيدة، في انتظار تعزيزها بخطوات أخرى تتعلق أساسا بترشيد تدبير المجالس الإدارية للمنشآت العمومية، و تفعيل آليات الرقابة، و اعتماد التعاقد داخل الإدارة و التدبير بالنتائج، و تعميم مدونة الأخلاقيات بالمرافق العمومية.

المطلب الثالث :الأثر الذي أحدثه القانون التنظيمي02.12على الأداء المؤسساتي
بعد مرور ما يقارب سبع سنوات من صدور القانون التنظيمي02.12 مع مرسومه التطبيقي و كل التعديلات التي عرفها يمكن ان نلتمس الأثر والوقع الذي أحدثه هذا القانون التنظيمي من خلال عدة اليات ففيما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة فقد كان التعيين بمرسوم في المناصب السامية قبل دخول القانون ت 02.12 حيز التنفيذ لا يشمل سوى 17 منصبا ،
مما يعني ضمنيا أن المناصب العليا الأخرى يعين فيها بظهير ملكي مع ما تطرحه مسألة التعيين بظهير من حساسية مرتبطة بقوته و مصدره، مما جعل المناصب العليا في عهد الملكية الأولى تشكل دولة داخل الدولة، و في مأمن تام عن الرقابة و المحاسبة .
هذا الوضع الذي كان سائدا أنداك، جعل المناصب العليا تتحول إلى فرص لتحقيق المكاسب الشخصية و الاغتناء السريع في غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة. و في إطار التأويل الديمقراطي للدستور الجديد، ارتقى القانون التنظيمي 02.12 بالمناصب العليا التي يعين فيها بمرسوم إلى ما يناهز1181 منصبا مقابل 39 مؤسسة و مقاولة عمومية إستراتيجية يعين على رأسها بظهير.
هذا التحول الجذري من شانه، حسب وزير الوظيفة العمومية، أن يرفع من مستوى أداء القطاع العام، عبر تطوير الأداء و اعتماد التعاقد و التدبير بالنتائج و ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال السلطات الواسعة التي يخولها القانون التنظيمي 02.12 في مجال التعيين في المناصب العليا، علما أن من يملك سلطة التعيين يملك سلطة التأديب و المحاسبة و الإعفاء إن اقتضى الحال . و حول الإشكال الذي يطرحه الإشراف و الوصاية على المؤسسات الإستراتيجية، فقد أفاد السيد الوزير أنه ليس هناك تناقض بين مفهوم الوصاية و بين الطابع الاستراتيجي لهذه المؤسسات، باعتبار الفصل 89 من الدستور الذي ينص على أن الحكومة تعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي من جهة، و على الإشراف و الوصاية على المؤسسات و المقاولات العمومية من جهة أخرى.
أما على مستوى الرقابة الإدارية وانطلاقا من البرنامج الحكومي يأتي القانون التنظيمي 02.12 على رأس رزنامة من الإجراءات المتكاملة التي سطرتها الحكومة، و التي تهدف إلى تعزيز الرقابة الإدارية و إرساء قواعد الحكامة الجيدة حيث عمل القانون التنظيمي 02.12 على تقوية مؤسسات الرقابة و المحاسبة و تكريس استقلاليتها و تفعيل توصيات تقاريرها.
وذلك عبر توطيد دور المفتشية العامة للمالية من خلال تحديث المنظومة القانونية المؤطرة
لتدخلاتها. تفعيل دور المفتشيات العامة للوزارات بغرض جعلها أجهزة فعالة للتفتيش و التدقيق الداخلي.انتظامية التفتيشات و الافتحاصات المستقلة للمؤسسات العمومية و البرامج القطاعية و الصفقات الكبرى، مع العمل على الرفع من مهنيتها و أحكام التنسيق بين مختلف الأجهزة المختصة.
إلا أنه وبالرغم من أهمية هذه الإجراءات في تعزيز الرقابة الإدارية على مرافق الدولة،
و في غياب سلطة حقيقية للحكومة على المسئولين عن هذه المرافق، فإن هذه التدابير ستغدو كما في السابق مجرد إجراءات صورية لا أثر لها في الواقع؛ مما يجعل القانون التنظيمي 02.12 بمثابة الخيط الناظم لمنظومة الرقابة الإدارية، اعتبارا للإمكانات الهامة التي يتيحها هذا النص للحكومة في مجال التعيين، تيسيرا لممارسة صلاحياتها في الإشراف و الوصاية على المؤسسات و المقاولات العمومية و تحمل مسؤولياتها الكاملة .
هذا بالإضافة إلى الرقابة السياسية فإلى جانب دوره في تعزيز الرقابة الإدارية، يكتسي القانون التنظيمي 02.12 أهمية بالغة في تعزيز رقابة البرلمان على عمل المنشآت العمومية و ذلك لاعتبارين اثنين:
يتجلى الاعتبار الأول في التطور الكمي و النوعي لصلاحيات رئيس الحكومة في تعيينات المناصب العليا.
أما الاعتبار الثاني فيتجلى في انسجام القانون التنظيمي 02.12 مع السياق الدستوري
العام، خصوصا إذا استحضرنا مسؤولية الحكومة أمام البرلمان و خضوع نشاطها لمراقبته ، علما أن مسألة التعيين بمرسوم في أغلبية المناصب العليا، ستسهل على هذا الأخير الاستماع إلى مسئولي الإدارات و المؤسسات و المقاولات العمومية، في إطار تطبيق قواعد الحكامة الجيدة و التي تقضي بخضوع المرافق العمومية لمعايير الجودة و الشفافية و المحاسبة و المسؤولية و للمبادئ الديموقراطية .
هذا وفي سياق دراسة الأثر الذي أحدثه القانون التنظيمي02.12 على الأداء المؤسساتي عرف الرأي العام نقاشا عاما حول انحراف هذا القانون عن الأهداف السامية التي وضعها المشرع الدستوري حيث كانت الشعارات المرفوعة هي سعي هذا القانون إلى اعتماد الشفافية وتكافؤ الفرص وفتح الباب أمام الكفاءات الوطنية لتقلد المناصب العليا حيث تمت المراهنة على القانون كعنوان لمرحلة جديدة داخل الإدارة المغربية من أجل اعتماد مبدأ الكفاءة لولج المناصب. غير أن التعيينات التي استمر المجلس الحكومي في إعلانها منذ سنة2012 جسدت بالملموس تفصيل المناصب على المقاس وعلى الولاءات الحزبية حيث لوحظ ان الشروط المفروضة لنفس المنصب هي شروط متباينة وبعيدة أحيانا كل البعد بين قطاع وزاري وآخر، ومرد ذلك إلى التأويل غير الديمقراطي لمنطوق النص التشريعي المصادق عليه حيث عملت الحكومة آنذاك على إصدار مرسوم يفعل كيفية تقديم الترشيحات والشروط بشكل ينافي مبدأ تكافؤ الفرص، لذلك هناك من يطالب اليوم بضرورة مراجعة المرسوم 2.12.412 المؤرخ في 11 أكتوبر 2012بشكل يجعل من الكفاءة أساسا للتعيين .
فالخطب الملكية ل14اكتوبر و29 يوليوز2017وحتى خطاب افتتاح دورة البرلمان تضمنت إشارات قوية تفرض تغيير المرسوم 2.12.412 وليس فقط تجويده في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة والتوجه نحو المحاسبة البعدية، وتحميل المسؤولية للرؤساء في التعيين بالمناصب العليا. على ان يتم عرض تلك المناصب على المجلس الحكومي كإجراء منصوص عليه في الدستور، وكل ما يتعلق بالإعلان عن المباريات والانتقاء كلها أمور قابلة للنقاش. كما ان موضوع تصنيف المؤسسات سواء في إطار الفصل 49 أو الفصل92 من الدستور سيظل مطروحا ومفتوحا لارتباطه بالمسار الديمقراطي وبالتطور والدينامية التي تعرفها المؤسسات ببلادنا وهو الأمر الذي يحيلنا عليه قرار المجلس الدستوري لسنو2012 والذي أعطى التبرير الدستوري لمسلسل التعديلات التي ستطرأ على القانون التنظيمي02.12، عندما اعتبر تحديد الطابع الاستراتيجي لا يمكن حصره بحيث كلما ظهرت تطورات على مستوى المؤسسات يمكن إقرار تعديلات على هذا المستوى.
فيما يخص الحصيلة فهي حصيلة مهمة جدا من حيث عدد المناصب التي تم التعيين فيها وفق الفصل 92من الدستور كما أنها حصيلة تثير العديد من التساؤلات والملاحظات خاصة ان هناك دعاوى وشكايات ترفع من طرف بعض المرشحين لوجود اختلالات تشوب بعض المباريات، أو من قبل الرأي العام والتي تضع نزاهة المبارايات في المحك وهو مايفرض على الحكومة توضيح الأسباب والخلفيات وراء تلك الدعاوى. هذا وفي الوقت الذي يرى فيه البعض ان هذا القانون لم يكرس المناصفة في الولوج للمناصب العليا نجد الحكومة تؤكد ان الأرقام تبين ان هناك تطور فهناك 14 في المائة كاتبات عامات و9.1 في المائة مفتشات و16.5مديرات و25.8في المائة رئيسات قسم .
كما ان هناك من يعتبرها حصيلة سلبية فالمفترض في الذي يتحمل المسؤولية سواء مسؤولية إستراتيجية أو مسؤولية كبرى في الإدارة تقديم نتائج إضافية ونوعية على القطاع الذي يشرف عليه، على اعتبار انه تم انتقاءه دون الآخرين من اجل إنجاح تلك المؤسسة لذلك نحن في حاجة إلى إصدار تقرير سنوي حول تنفيذ القانون التنظيمي 02.12 من طرف وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، بالإضافة إلى إصدار حصيلة ما يقارب السبع سنوات من دخول القانون التنظيمي حيز التطبيق إعمالا لمبدأ الشفافية.

لائحة المراجع :

• المجلات العلمية
 فاطمة اعليلوش، قراءة تحليلية في قانون التعيين في المناصب العليا، سلسلة اللامركزية و الإدارة الترابية، العدد 20-2012 ، الطبعة الأولى -2013، مطبعة طوب بريس، الرباط
• الوثائق الرسمية
 الدستور المعدل، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 2.22.92 بتاريخ 12 شعبان الموافق ل 19 يوليوز 2011
 القانون التنظيمي رقم 02.12 يتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49و 92 من الدستور، و الصادر بتطبيقه الظهير الشريف رقم 1.12.20 بتاريخ 17 يوليوز2012.
 القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري.
 قانون تنظيمي رقم 29.93 يتعلق بالمجلس الدستوري الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.94.124كما وقع تغييره و تتميمه بالقانون التنظيمي رقم 8.98 و القانون49.07
 تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في فاتح دجنبر 2011
 المرسوم رقم 2.12.412 بتاريخ 11 أكتوبر 2012 ،21 أكتوبر 02.12 ، الجريدة الرسمية عدد 6091 15 أكتوبر 2012
 قرار لوزير الوظيفة العمومية تحت رقم 12.3448 ، بتاريخ 21 اكتوبر 2012
 المرسوم 2.12.412
 الجريدة الرسمية، عدد 5964 مكرر، 28 شعبان 1432 الموافق ل 30 يوليوز 2011
 الجريدة الرسمية عدد 6066 ، بتاريخ 19 يوليوز 2012
 الجريدة الرسمية عدد 6091 15 اكتوبر2012
 مداولات مجلس المستشارين، دورة ابريل 2012
 الوثائق المتعلقة بمشروع قانون تنظيمي 02.12 ، مصلحة الطباعة و النشر بمجلس النواب، دورة أبريل 2012.
 البرنامج الحكومي، يناير 2012
 تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول دراستها لمشروع قانون تنظيمي رقم 02.12

• الخطب الملكية
 الخطاب الملكي بمناسبة تقديم مشروع الدستور بتاريخ 22 يونيو2011
 الخطاب الملكي ل14اكتوبر 2017
 الخطاب الملكي ل29 يوليوز2017

• المواقع الالكترونية

 حسن طارق، قانون ما للملك و ما لبنكيران و اشكالياته القانونية، الدستورية و السياسية، موقع جريدة هسبريس29-04-2012
 لحسن بنساسي، مجلس النواب يناقش اليوم مشروع القانون المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، الموقع الإلكتروني لجريدة العلم،7-05-2012
 الموقع الإلكتروني لمجلس المستشارين
 موقع وكالة المغرب العربي للأنباء.
 الموقع الرسمي لرئيس الحكومة

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *