قراءة نقدية في الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي المتعلق بتجريم الشذوذ الجنسي

قراءة نقدية في الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي
المتعلق بتجريم الشذوذ الجنسي

مصطفى ميمون
متصرف لدى وزارة الداخلية
طالب باحث بسلك الدكتوراه
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
جامعة عبد المالك السعدي-طنجة

يعد موضوع الشذوذ الجنسي من أحدث المواضيع التي تثير اهتمام الناس، في وقتنا الراهن، على مختلف مشاربهم الدينية والفكرية والاجتماعية، رغم قدمها التاريخية، وذلك بسبب انتشار هذه الظاهرة بشكل ملفت للانتباه في العالم بصفة عامة، وفي العالم العربي بصفة خاصة؛ حيث تعرف الكثير من القيل والقال، وكثر حولها الحديث على المستوى الوطني والدولي، وانتقال دعاتها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وتحدِيهم للقوانين والشرائع التي تحرم هذا الفعل وتجرمه؛ خصوصا بعد تناسل مثل هذه الممارسات وقصور الجانب القانوني في معالجتها والإحاطة بها بنوع يضمن حلا جذريا ملائما تفاديا لعدم تكرارها.
والمغرب ليس ببعيد عن هذه الظاهرة التي بدأت تطفو للسطح في مجتمعنا منذ فترة ليست بالبعيدة في ظل التغيير الجذري الذي بات يطرأ على شرائح عديدة من مواطني هذا البلد القائم على العادات المحافظة الموروثة عن السلف الصالح وعن الدين الإسلامي السمح وعن الفقه المالكي. فقد كثُر حولها الجدل بين المطالبين بالسماح بالمثلية الجنسية عن طريق إلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي؛ وهي الأصوات المطالبة بتوسيع _ بل وتقديس _ الحريات الفردية وضمان الحرية المطلقة للأشخاص في تطبيق أفكارهم ومعتقداتهم بعدما لقيت قبولا من طرف بعض المجتمعات الغربية.
هذا، وإذا استندنا إلى الأنظمة الغربية نجد القانون الفرنسي الذي عالج جريمة الشذوذ الجنسي بغرابة، فهو يقر بالمثلية الجنسية بين رجلين، كما يقر بإمكانية وقوعها بين امرأتين، وأغرب ما في القانون الفرنسي هو انفراده بصورة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها دعوة لنشر الرذيلة والفساد، حيث لا يعاقب على العلاقات الجنسية القائمة بين نفس الجنسين البالغين وغير المتزوجين متى كانت بشكل رضائي، ويشبه القانون السويدي نظيره الفرنسي من حيث المبدأ، وفي فلكهما سارت بعض القوانين الغربية . كما أن غالبية الدول العربية تجرم قوانينها بشكل أو بأخر الصلات الجنسية الشاذة ، إذ يوجد عدد غير قليل من التشريعات لم تعاقب على أفعال الشذوذ الجنسي بالرضا مثل المشرع المصري .
وقد وجدت هذه الممارسات صدى لها وبكيفية صريحة في توصيات المؤتمر الدولي التاسع للقانون الجنائي المنعقد في لاهاي سنة 1964 حين انعقد لدراسة ما يتعلق بالجرائم الماسة بالعائلة والأخلاق الجنسية، حيث انتهى إلى توصيتين:
الأولى: تقول بضرورة اعتبار العلاقات الجنسية بين البالغين اللذين ليسوا متزوجين غير مشكلة لأية جريمة، أي مباحة.
الثانية: وتقول بإباحة السلوك الجنسي الشاذ إذا كان بين البالغين.
وإذا كانت هذه الممارسات مسموحا بها إلى درجة الزواج في بعض الدول الأجنبية، فإنها تبقى محرمة ليس فقط في التشريع المغربي، بل حتى في الواقع؛ ربما نتيجة للسخط والغضب الذي قد تخلفه مثل هذه الممارسات، خاصة إذا ارتقى الأمر إلى الزواج. كما أن إباحة هذه الأفعال من شأنه “إقرار للهمجية والوحشية والرذيلة، وتشجيع على إذلال الإنسان والقضاء على كرامته، وتهييء السبل لنقل، بل وتعميم، أخطر الأمراض الفتاكة بصحته (كالسيدا) والتي أبان العلم الحديث ارتباطها بالممارسة الجنسية غير المشروعة وغير الطبيعية” .
من ثم تنبه المشرع المغربي، كما شرع الله وبعض التشريعات الوضعية الأخرى، إلى خطورة الأفعال الجنسية الشاذة، سواء وقعت بين الذكور، أو بين الإناث، أو بين الذكر والأنثى، وذلك لما فيه مخالفة لخلق الله، وللذوق السليم، وللغاية السامية من شرعية الزواج، وهي حفظ العرض والنسل، ومنع اختلاط المحرم.
وهكذا، عاقب القانون الجنائي المغربي على جريمة الشذوذ الجنسي في الفصل 489 منه، ويصنفها ضمن جرائم “انتهاك الآداب”، ويصف القانون المغربي المثلية الجنسية بـ”الشذوذ”، رغم المعارضة الشديدة التي يلقاها هذا المصطلح من طرف دعاة الحرية الجنسية والفردية ومن يقف في فلكهما من جمعيات ومنظمات حقوقية وتيارات سياسية وفكرية.
وأمام حجم اللغط الذي يثار حول مضمون الفصل 489، اقتضى الأمر مِنّا الوقوف على بينة منه، وعلى أحكامه، رفعا لكل لالتباس أو غموض يلف محتواه؛ وذلك بما يساير التغير المجتمعي والأخلاقي، وبما يتماشى، أيضا، وخصوصيات الواقع المغربي المسلم المحافظ، وبما يتوافق وقانون العدالة والطبيعة.
ومعالجة الفصل 489 المذكور يفرض علينا تحديد مفهوم جريمة الشذوذ الجنسي وأساسها القانوني (المبحث الأول)، ثم المرور عبر مناقشة أركانها وعقوبتها وظروف تشديدها، وانتهاءا بوسائل إثباتها (المبحث الثاني).
المبحث الأول: مفهوم جريمة الشذوذ الجنسي وأساسها القانوني
يختلف مفهوم الشذوذ الجنسي تبعا لاختلاف طبيعة العلاقة بين الطرفين المنتمين لنفس الجنس، أو بين رجل وامرأة (المطلب الأول)، وفي كلتا الحالات يتوقف معاقبة الأطراف الشاذة على مسألة وجود نص قانوني يجرم فعلهما (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تعريف جريمة الشذوذ الجنسي
عُرف الشذوذ الجنسي في مختلف الأزمنة والعصور، وأول من قام به هم قوم لوط، مصداقا لقوله عز وجل: ﴿ وَلُوطاً إِذ قَالَ لـِقَومِهِ أ تَأتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِن أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ * إِنَّكُم لِتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُّسرِفُونَ ﴾ ، لذلك أصبح هذا الفعل يُسمى باسمهم أي “اللواط” . بعد ذلك عرفت هذا الفعل كثير من الأمم الغابرة كما ذُكِر ذلك في كُتب التاريخ.
والشذوذ الجنسي مصطلحٌ مُستحدث يُطلق على كل مجامعة على خلاف الطبيعة وعلى خلاف حكم الله. كما توسع مفهومه حتى أصبح يتخذ عدة تسميات في عصرنا الحاضر من قبيل: المثليين، والمثليات، والمتحولين والمتحولات جنسيا، وثنائيي الجنس، وذي الميول الجنسي.
المشرع المغربي تحدث عن المثلية الجنسية كشذوذ جنسي، رغم أن منظمات حقوق الإنسان والصحة العالمية تجاوزت مفهوم الشذوذ في السبعينات من القرن الماضي وعوضته بالمثلية الجنسية.
والقانون الجنائي يجرم كل فعل شاذ يجمع بين شخصين من نفس الجنس، سواء وقع بين الذكور أو بين الإناث، إلا أنه لم يتطرق لحالة الشذوذ بين الذكر والأنثى؛ الأمر الذي يبقى هذا النص مبهما وغامضا وفضفاضا، خصوصا وأن النصوص المجرمة لجريمة الفساد والخيانة الزوجية لم تعالج مسألة وطء الرجل للمرأة من الدبر، إضافة إلى أن ظاهرة الشذوذ الجنسي توسعت لتشمل المتحولين جنسيا وثنائي الجنس، كما أصبح الجهر بها علنيا بعدما كانت من الطبوهات.
وهكذا، نجد أن القانون المغربي، وخلافا لبعض القوانين العربية ، لم يعرف جنحة الشذوذ الجنسي واقتصر الفصل 489 من القانون الجنائي على ذكر العقوبات المقرر لها: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه، ما لم يكن فعله جريمة اشد”.
يتضح من سياق النص المذكور، أن المقصود بالشذوذ الجنسي الأفعال المنفية للطبيعة التي يرتكبها شخص على شخص آخر من نفس جنسه، وهذه الأفعال تتضمن بالضرورة رضاء الأطراف المتبادلة؛ وذلك لأنه لو أرتكب هذه الأفعال عن طريق العنف لكنا بصدد جريمة هتك العرض، يستوي في ذلك إذا كان أحد طرفي العلاقة قاصرا لم يكمل 18 سنة أو عاجزا أو معاقا أو شخصا معروفا بضعف قواه العقلية، فإن الفعل سواء كان مقرونا بعنف أو لا _بالرضا_ يشكل في حد ذاته هتكا للعرض حسب الظروف (ف 484 – 485 ق.ج).
وبناء عليه، يمكن تعريف الشاذ جنسياً بالشخص الذي يستمتع جنسياً مع أناس من نفس جنسه؛ ويسمى الفعل للرجال (لواطاً) وهو نسبة إلى فعل قوم لوط، وللنساء (سحاقاً) ، وأول من قام بالسحق فهم أهل الرس، وقيل هم أصحاب الأخدود، وقيل في بعض المراجع أنهم بقايا من قوم ثمود .
واللواط هو إدخال الرجل ذكره في دبر رجل أو في دبر امرأة زوجته كانت أم لا، بشكل رضائي، شريطة انتفاء عوارض الأهلية.
والشذوذ، كما يكون بين رجل ورجل، يكون أيضا بين امرأة وامرأة؛ “ويتحقق ذلك بتدليك امرأة بواسطة فرجها لفرج امرأة أخرى حتى تنزل، والمقصود بالفرج ليس فقط المهبل بل يشمل الأجزاء التي تعلو أو تحيط بفوهته كالشفرتين العظيمين والشفريين الصغيرين وغيرهما، ولا يعد شذوذا الفعل الذي يتم باحتكاك امرأة بفخذ امرأة أخرى مثلا بيدها أو بفمها، هذه الأفعال لا تعد شذوذ ولكنها تعدا هتكا للعرض” إذا كانت مقرونة بالعنف والإكراه، كما تكيف جريمة هتك العرض سواء وقعت بعنف أو بدونه إذا كان المجني عليها يقل سنها عن ثمانية عشرة سنة أو معاقة أو عاجزة أو ممن تعرف بضعف قواها العقلية.
ويُعرّف السحاق حديثا بأنه: “الإثارة الجنسية التي تتم بين امرأتين بالعبث بالأعضاء التناسلية” . إذن فالسحاق هو إتيان المرأة المرأة.
وهكذا، يكون في جريمة الشذوذ ثلاثة أطراف، وكلاها يعاقب عليها؛ باعتبارها جرما سواء الفاعل أو المفعول به بالنسبة للواط، أو المتفاعلتان بالنسبة للسحاق، أو الذكر والأنثى بالنسبة للوطء.
المطلب الثاني: الأساس القانوني لجريمة الشذوذ الجنسي
إن التصرف مهما كان ضارا بالفرد أو المجتمع فإنه لا يعتبر جريمة إلا إذا تدخل المشرع واعتبره كذلك من خلال نصوص قانونية تجرم الفعل أو الترك وتعاقب الفاعل، وهو ما يعبر عنه بمبدإ شرعية التجريم والعقاب .
والتشريعات الحديثة تنص على هذا المبدإ استنادا إلى قاعدة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”؛ بمعنى أن لا جريمة إلا بناء على ما يعتبره الشارع جريمة من أفعال المكلفين، ايجابية كانت أو سلبية.
والقانون الجنائي المغربي، كبعض التشريعات الأخرى، تنبه إلى خطورة جريمة الشذوذ الجنسي وتأثيراتها على النظام العام والأخلاق الحميدة فأفرد لها عقوبة لكل من يمارسها وهي “الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم.. ما لم يكن فعله جريمة أشد”.
اعتمادا على النص السابق يمكن ملاحظة ما يأتي:
الملاحظة الأولى: إن صياغة نص الفصل 489 من القانون الجنائي تبقى غامضة ومبهمة وفضفاضة؛ خصوصا وأنه لم يتطرق إلى مسألة الشذوذ الجنسي بالرضاء، والى سن طرفي العلاقة؛ مما يمكن القول معه أن مواقعة قاصر لقاصر من نفس جنسه يعد شذوذا في حد ذاته؛ سيما وأن المشرع لم يتطرق إلى هذه الواقعة في الفصلين 484 و 485 من ق ج.
الملاحظة الثانية: كما أن الفصل المذكور لم يحدد بدقة أفعال الشذوذ للتمييز بين ما يعتبر لواطا وما يعتبر سحاقا خلافا للشارع اليمني ، فقط يفهم منه أن هذه الأفعال هي: كل ممارسة جنسية بين شخصين من جنس واحد؛ بمعنى بين رجل ورجل” اللواط”، أو بين امرأة وامرأة “السحاق”، وبالتالي لم يشير إلى موضع الشذوذ هل الدبر بين الرجال، والقبل بين النساء، أم في مواضيع غيرهما.
كمالم يتطرق الفصل المذكور إلى حالة الوطء بين الرجل والمرأة، أجنبية كانت أم زوجته، من دبرها، رغم أن هذا الفعل يعد فعلا شاذا طبقا لقانون العقوبات السوداني ، وإنما اكتفى المشرع بتجريم الفساد في الفصل 490 ق ج دون أن يشير إلى موضع الاتصال الجنسي هل من الدبر ليكون شذوذا أم من القبل ليعتبر فسادا.
الملاحظة الثالثة:كما يؤخذ على الفصل 489 أيضا عدم تناوله لحالة الشذوذ الجنسي عندما يكون الشخصان متزوجين كل مع قرينه بعقد تصحيح، أو أحدهما، وإنما اكتفى بإدراج هذه الحالة ضمن جريمة الخيانة الزوجية في الفصلين 490 و 491، ودون أن يحدد نوع الاتصال الجنسي بين رجل وامرأة الذي يعتبر خيانة، وذلك خلافا لبعض التشريعات التي تدين بشكل صريح الشخص المثلي بتهمة الخيانة الزوجية في حال كان لديه قرين مع وجود علاقة جنسية مع شخص من الجنس نفسه . وفي هذا الصدد نصت المادة 354 من قانون العقوبات الاتحادي الإماراتي: “مع عدم الإخلال بأحكام قانون الأحداث الجانحين والمشردين، يعاقب بالإعدام كل شخص استخدم الإكراه في مواقعة أنثى أو اللواط مع ذكر، كما يعتبر الإكراه قائماً إذا كان عمر المجني عليه أقل من 14 عاماً وقت ارتكاب الجريمة”.
في هذا الإطار، ذهب أحد الباحثين إلى القول أن إتيان الزوج لزوجته من دبرها لا يعد زنا، ولا يعاقب عليه بعقوبة الحد، لأن الزوجة محل الوطء، ولأن الرجل يملك وطء زوجته، كما أن المساحقة أيضا لا تدخل في عموم الزنا، ذلك أن الزنا لا يوجد إلا بإيلاج عضو الرجل، وهو ما لا يمكن أن يحدث إذا أتت الفعل امرأتان؛ وإنما هما أمران منهيان عنهما شرعا بالكتاب والسنة.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي صنف حالة الشذوذ الجنسي على قاصر دون سن الثامنة عشرة أو على عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية بعنف أو دون عنف ضمن جريمة هتك العرض، بحيث لا يعتد بالرضا في هذه الحالة.
وعليه، يفهم من ذلك أن نية المشرع في الفصل 489 انصبت على عنصري الرضا والسن بالرغم من عدم الإشارة إليهما. وهكذا بالإضافة للحالات المشار إليها أنفا، يتطلب المشرع المغربي في جريمة الشذوذ الجنسي أن تقع بشكل رضائي بين طرفين رشيدين. غير أن تحديد ثمانية عشرة سنة شمسية كاملة كسن للرضاء الذي يحول دون المؤاخذة إذا كان أحد طرفي الصلة دونها هو أمر محل نظر، لأن أحد طرفي هذه العلاقة قد يبلغ من العمر ثمانية عشرة سنة غير كاملة، ويكون هو المحرض على الفعل، ويكون الطرف الثاني قد تجاوز ثمانية عشرة سنة شمسية كاملة بقليل، في هذا الفرض، فإن من هو دون الثمانية عشرة سنة كاملة هو المجني عليه والأخر هو الجاني، وهي مغايرة غير مبررة على الرغم من أن سن طرفي العلاقة الجنسية متقارب، وقد يكون لمن دون سن الرضاء دور ايجابي في تحقيق هذه العلاقة. ويتعين النزول بسن الرضاء إلى القدر الذي يمكن القول معه إن من كان في هذا السن لا يستطيع أن يقدر خطورة الأفعال الجنسية، ولا يكون قد أكتمل نضجه وخبرته .

المبحث الثاني: أركان جريمة الشذوذ الجنسي وإثباتها
لكن رغم الملاحظات المسجلة، فإنه ولنكون بصدد جريمة الشذوذ الجنسي لابدّ من توفر أركانها (المطلب الأول) وهي: ركن مادّي (أي ارتكاب الجريمة)؛ ركن معنوي (النّيّة المسبقة لدى المرتكب). ومعاقبة مرتكبيها يستلزم بيان العقوبة المقرر لها وظروف تشديدها إذا تم إثباتها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: أركان جريمة الشذوذ الجنسي
كما هو الشأن بالنسبة للجريمة بصفة عامة، فإن أركان جريمة الشذوذ الجنسي تتمثل أساسا في الركن المادي (الفقرة الأولى)، ثم الركن المعنوي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الركن المادي
جاء في الفصل 489 ق ج ما يلي «… من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه..».
الركن المادي لجريمة الشذوذ الجنسي وفقا للاتجاه الوضعي السائد: “إيلاج عضو الرجل في دبر ذكر أو أنثى برضاء الطرفين أو بالإكراه سواء كان الإيلاج كليا أو جزئيا، سواء حصل إمناء أم لم يحصل” .
يتّضح لنا جليّا أنه حتّى يتوفّر الرّكن المادّي في جريمة الشذوذ الجنسي يجب حصول الفعل المنافي للطبيعة، أي الاتصال الجنسي بين شخصيين من جنس واحد مهما كانت طبيعتها وهذا يقتضي بالضرورة المساس بالجسم و العورة تحديدا، و لا يهم بعد ذلك إن كان هناك وطء أو اقتصر الأمر على ملامسة العورة ليس إلا، وقد تتم الممارسات الجنسية بين رجلين وهناك يكون الفعل لواطا، أو بين رجل وامرأة من دبرها فيكون الفعل وطئا، أو بين امرأتين فيكون الفعل سحاقا. لذا سنعرف بكل عنصر على حدا:
الممارسات الجنسية بين رجلين: يشكل اللواط الصورة المثلى للشذوذ الجنسي بين رجلين، ويتمثل في إتيان الرجل للرجل من الدبر عن طريق إدخال ذكره في دبر الرجل. وهذا الفعل يتطلب الإيلاج، فلا تقوم بما دون هذا الفعل من صلات أخرى أيا كان فحشها. ويؤخذ على المشرع المغربي أنه اقتصر في شأن ركنها المادي على فعل الإيلاج من الدبر أي الخلف على الرغم من أن المصلحة المحمية ينال منها ما هو دون هذا الفعل من أفعال أخرى. فأفعال الشذوذ الأخرى بين ذكرين مثل المداعبة والتدالك و الإيلاج الجنسي بالفم .. الخ والتي لم تصل إلى حد الاتصال من الخلف يتوافر لها درجة الجسامة وتمس المصلحة المحمية بنفس القدر الذي يتوافر لفعل الإيلاج، وهذه الأفعال تخرج عن نطاق التجريم مطلقا في نظر الفصل 489 رغم أن الواقع أثبت متابعة الجناة على مجرد تبادل القبل والعناق وغيرها من الإيحاءات ذات الصلة متى ضبطت؛ سواء في الأماكن العمومية أو في أي مكان أخر بعيد عن أنظار العموم عند تقديم شكاية في الموضوع، ومن ثم كانت إرادته محل نظر.
• الممارسات الجنسية بين رجل وامرأة من الدبر: وإذا كان المشرع المغربي يتطلب أن يكون مرتكب الفعل على شخص من نفس الجنس شرطا لقيام جنحة الشذوذ الجنسي، فإن وطء الرجل للمرأة من الدبر يعد شذوذا، متى تكون إرادة الجاني إتيانها من الدبر. والمشرع المغربي لم يتطرق إلى هذه الحالة؛ سواء ضمن جريمة الفساد أو ضمن جريمة الخيانة الزوجية.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتصال الجنسي بين إنسان وحيوان لا يعد شذوذا جنسيا (السفاد). كما يشترط أن يكون كلا الطرفين حيا، فلا يعد شذوذا الاتصال الجنسي بذكر أو بأنثى متوفاة (وطء الأموات) ولو تم لحظة خروج الروح من الجسد .
• الممارسات الجنسية بين امرأتين: يتمثل الركن المادي هنا في المساحقة، ويقصد بها إتيان المرأة للمرأة، وطالما أنه لا يمكن أن نتصور وطء بين امرأتين فإن المساحقة تقتصر على الأشكال الأخرى للشذوذ مثل المداعبة والتدالك بواسطة الفرج، وغير ذلك من ضروب الممارسات ذات المسحة الجنسية. وهكذا لا يعد شذوذا الفعل الذي يتم باحتكاك امرأة بفخذ امرأة أخرى مثل امرأة أخرى بيدها أو بفمها، هذه الأفعال لا تعد شذوذ ولكنها تعدا هتكا للعرض.
وفي هذا الإطار، فقد سبق للقضاء المغربي أن تابع حالات الشذوذ الجنسي بين قاصرتين رغم أنها مقتصرة فقط على تبادل القبل والعناق بينهما. بمعنى لا يشترط الاتصال الجنسي في هذه الجريمة؛ أي ليس بالضرورة أن يكون هناك مواقعة جنسية بين الطرفين فمجرد القيام بتصرفات جنسية برضاء الطرفين تقوم جريمة الشذوذ الجنسي.
كما يشترط أن يتم الفعل برضاء الطرفين؛ لأن بغير ذلك تقوم جريمة هتك العرض مع استعمال العنف.
كذلك، لا يشترط توافر ركن الاعتياد؛ بمعنى تقوم الجريمة ولو أن قام بها لأول مرة سيتابع بالشذوذ الجنسي، حيث يكفي القيام بها لمرة واحدة لتحقق جريمة الشذوذ الجنسي؛ إذ لا عبرة بعنصر التكرار.
إلا أن الإشكال يطرح عندما يتعلق الأمر بأجانب يمارسون أفعال الشذوذ الجنسي فوف التراب المغربي؛ خصوصا عندما يكونون مرتبطين بعقد زواج طبقا لقانون أحوالهم الشخصية الذي يعترف بزواج ما يسمى المثلين وذوي الميول الجنسي والمتحولين جنسيا كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي والسويدي والأمريكي. وهكذا، إذا استندنا إلى معيار إقليمية القانون الجنائي المغربي الذي يقضي بمعاقبة الجميع: أجانب كانوا أو مواطنين؛ الذين يرتكبون فوق الإقليم المغربي أفعالا مخالفة للقانون، فإن الإشكال يبقى قائما نظرا لكون الأحوال الشخصية للأفراد تخضع لقانون بلدهم، وهذا في حد ذاته استثناء من مبدإ إقليمية القانون المغربي.
الواقع، ورغم هذا المعطى، لم نرى أن القضاء المغربي عاقب أجانب عن جريمة ممارسة الشذوذ الجنسي على التراب المغربي استنادا للقاعدة الجنائية المذكورة، وإنما اكتفى في بعض حالات الشذوذ المضبوطة على الطرد من فوق التراب المغربي.
ثانيا: الركن المعنوي
الركن المعنوي في جريمة الشذوذ الجنسي هو القصد الجنائي، أي النّية لدى الجاني لارتكابها. والقصد الجنائي هو “علم الجاني بكافة عناصر الجريمة، واتجاه إرادته إلى تحقيق هذه العناصر، أو قبولها” .
بعبارة أخرى: القصد الجنائي هو “الإرادة الجنائية، أي توجيه الإرادة فعلا إلى تحقيق النشاط الإجرامي، أو على الأقل تعطيل هذه الإرادة وارتكاب الجريمة عن طريق الإهمال” .
والقصد اللازم توافره في جريمة الشذوذ الجنسي هو القصد العام، لا الخاص، ويتمثل القصد الجنائي العام، وهو ركن يكاد يكون مفترضا، إذ تقوم الجريمة بمجرد إتيان فعل من أفعال الشذوذ الجنسي، وبعبارة أخرى الشذوذ الجنسي جريمة عمدية تتم بإرادة الطرفين وعلمهما بأن الفعل الذي يقومان به يشكل جريمة ومعاقبا عليها. ويعني ذلك أن القصد الجنائي يقوم على عنصرين هما العلم، والإرادة.
وهكذا، لكي يتوافر القصد الجنائي لدى الجاني، فلا بد أن يكون عالما أنه يمارس أفعالا جنسية غير مشروعة مع ذكر أو أنثى في الدبر، ويترتب على ذلك أنه إذا وقع في غلط أو كان يجهل ذلك، سواء كان غلطه متعلقا بالواقع أو القانون، انتفى القصد لديه. كما يجب أن تتجه إرادته إلى ذكر أو أنثى، والاتصال بين جنسين بطريق شاذة مخالفة للطبيعة وللفطرة الإنسانية، أما إذا كان القصد من فعله ليس هو إتيان الرجل في دبره أو المرأة في دبرها، بل هو شيء أخر غير الإيلاج في الدبر، فإنه ينتفي القصد الجنائي لديه بالنسبة لجريمة الشذوذ الجنسي، ويمكن مساءلته عن جريمة هتك العرض إذا توافرت أركانها.
فإذا توافر القصد الجنائي لديه فلا عبرة بعد ذلك بالبواعث التي دفعته إلى ارتكاب هذه الجريمة، فقد يكون دافعه على ذلك قضاء الشهوة أو غير ذلك.
إذن، يتحقق الركن المعنوي لجريمة الشذوذ الجنسي بتوفر القصد لدى كل الطرفين في القيام بالمعاشرة الجنسية مع إدراكهما لحقيقة التصرف الذي يقومان به، وعلمهما بكون هذا الفعل معاقبا عليه.
بتعبير أخر، فإنه يلزم أن يكون كل من الفاعلين عالما ومريدا لارتكاب لجريمة الشذوذ الجنسي وثبت بالتالي الحق في مساءلة كل منهما ومعاقبته بما هو مقرر قانونا.
فالنية الإجرامية أو القصد الإجرامي وهو وجود النية المسبقة عند المتهم بإحداث اتصال جنسي تام مع شخص أخر من نفس جنسه يعد شرطا ضروريا لاعتبار الفعل جريمة شذوذ، وان يتم الاتصال عن طواعية واختيار دون إكراه؛ بمعنى أنه كان سيمتنع يقينا عن هذا الاتصال لو لم يكره ولم تسلب إرادته.
وعليه، لا يتحقق الركن المعنوي، وبالتالي لا تقوم جريمة الشذوذ الجنسي، إذا كان الجاني أتى الفعل مرغما؛ كما لو أنّ الفاعل تمّ تهديده بالقتل من طرف شخص آخران إن هو لم يواقع شخص مقصود، ففي هذه الحالة فإننا حينها لن نكون أمام جريمة الشذوذ الجنسي، على اعتبار أنّ النّية لم تكن لدى الفاعل وبالتّالي انتفاء الرّكن المعنوي في الجريمة.
فالقانون إذن يشترط أن يتم الفعل في هذه الجريمة بالإرادة الحرة النزيهة بهدف ممارسة الشذوذ، وذلك للتأكد من أن الجريمة قد تحققت فعلا، ولم تمارس عن طريق الإكراه، وبالتالي لا تكيف بأنها جريمة هتك عرض.
وقد يتساءل القارئ: هل ظهور الخدوش أو الجروح كافية في عصرنا لنفي جريمة الشذوذ عن المجني عليه؟ أكيد أن الجواب سيكون بالنفي، خصوصا أن بعض الأشخاص تكون حساباتهم مبنية على الانتقام لتوريط شخص ما، وبالتالي فإن الخبرة الطبية ستلعب دورا أساسيا في كشف الحقيقة.
المطلب الثاني: عقوبة جريمة الشذوذ الجنسي وطرق إثباتها
لا يكفي توافر الركنين المادي والمعنوي لمساءلة الجناة، وإنما لا بد من وجود ركن قانوني يجرم الفعل ويحدد حالات تطبيق العقوبات العادية على المذنب وحالات تشديدها (الفقرة الأولى)، وفي جميع الأحوال يبقى المتهم بريئا حتى تثبت إدانته (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: عقوبة جريمة الشذوذ الجنسي

عاقب الفصل 489 من ق ج على فعل الشذوذ الجنسي “بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم ……..”، إلا أن المشرّع غلّظ من عقاب الجريمة في حالة وجود ظرف مشدد بقوله “… ما لم يكن فعله جريمة أشد”.
ونظرا لعدم ذكر المشرع لحالات تشديد عقوبة الشذوذ الجنسي، فإنه يمكن الإشارة إلى بعض هذه الحالات وهي في نظرنا:
– إذا كان سنّ الجاني والمجني عليه دون الثامنة عشرة سنة، أو عاجزا أو معاقا أو شخصا معروفا بضعف قواه العقلية.
– لصفة الفاعل في الجريمة؛ كأن يكون الفاعل من أصول المجني عليه أو ممن لهم سلطة عليه، أو وصيّا عليه، أو خادما بالأجرة عنده أو عند أحد الأشخاص السّالفة ذكرهم، أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا، وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص أو عدّة أشخاص.
– إذا ارتكب فعل الشذوذ في مكان علني تتطلع إليه أنظار العموم.
والواقع، لا نعرف سبب تجاهل المشرع من ذكر حالات تشديد العقوبة في جريمة الشذوذ الجنسي، ولعل مرد ذلك إلى صعوبة تحديد مثل هذه الحالات في الواقع، ومع ذلك فعدم تحديد حالات التشديد لا يعني عدم إمكانية وجودها واقعيا وورودها في العمل، ولذلك نرجو أن يتدارك المشرع النقص الحاصل في الفصل أعلاه في أي تعديل يلحق نصوص القانون الجنائي.
الفقرة الثانية: إثبات جريمة الشذوذ الجنسي
على خلاف جرائم الإخلال العلني بالحياء، والفساد، والخيانة الزوجية يكون المشرع أخذ في جريمة الشذوذ الجنسي بالمبدإ المقرر في الإثبات في الميدان الجنائي المنصوص عليه في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية، والقائم أساسا على حرية القاضي الجنائي في تكوين قناعته من أي دليل يطمئن إليه.
وبالرجوع إلى المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على أنه: “يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا للبند 8 من المادة 365 الآتية بعده.
إذا ارتأت المحكمة أن الإثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته”.
وهكذا، يلاحظ أن المشرع ترك للقاضي الحرية في تكوين قناعته بخصوص إثبات جريمة الشذوذ الجنسي ولم يلزمه عند إثباتها بأدلة محددة مسبقا مفروضة عليه لا يجوز له أن يكون اعتقاده من غيرها كما فعل مع جرائم الإخلال العلني بالحياء والفساد والخيانة الزوجية.
فإذا أمعنا النظر في الفصلين 483 و 493 من القانون الجنائي نجد أن المشرع قيد القاضي بخصوص الإثبات ولم يجعله يسبح في مجال حريته في الميدان الجنائي طبقا لما ينص عليه في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية أعلاه وجعل هذه الأدلة محصورة في:
أولا: بمحضر الشهود؛ سواء كان ذلك من طرف شخص واحد أو أكثر، أو من طرف قاصر لم يتجاوز عمره ثمانية عشرة شمسية كاملة؛ ويستوي في ذلك أن تكون المشاهدة بشكل عفوي في أي مكان حسب ما يفهم ضمنيا من نص الفصل 483، كما تقبل الشهادة حتى ولو انصبت على جميع الأماكن التي تكون محل نظر العموم.
وتجدر الإشارة، كما سبق، أنه سبق للقضاء المغربي وان قضى متابعات في حق متهمين بجريمة الشذوذ الجنسي بمجرد تبادلهم للقبل والعناق في أماكن عمومية، وفي أماكن مغلقة ؛كالبيوت الخاصة عندما يتلقى شكاية في الموضوع من طرف عامة الناس.
ثانيا: المحضر المحرر من طرف أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس. والمقصود بالمحضر المحرر في حالة تلبس من طرف ضابط الشرطة القضائية المختص هو “ذلك المحضر الذي يعاين فيه الضابط المكلف بالقضية التنفيذ المادي للجريمة في حالة انجازها أو على إثر إنجازها” . يكتفي فيه الضابط بتسجيل الوقائع التي شاهدها بحيث يبقى للمحكمة السلطة والصلاحية في اعتبارها تمثل حالة التلبس أم لا وبالتالي ثبوت جريمة انتهاك الآداب في حق المتهم أو العكس هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن حالة التلبس تعتبر من المسائل الخاصة بالجريمة وليس بالجاني وعلى هذا الأساس إذا ثبتت الجريمة اتهم بها كل من الفاعل الأصلي والمساهمين و المشاركين وان لم يتم ضبطهم في حالة التلبس.
وهكذا، يمكن الاقتناع مثلا بوجود الجريمة بمجرد أن يشير الضابط في محضر معاينته أن المنزل موضوع الشكاية وجد فيه المتهمان مجردين من ثيابهما، أو دون الضابط في محضره معاينته للجمهور الذي طارد المتهمين أو أحدهما وهو حامل سرواله.
ثالثا: الاعتراف الكتابي. والمقصود بذلك الاعتراف الصادر عن المتهم بالجريمة سواء كتابة أو شفهيا. ويخضع الاعتراف المكتوب في قيمته الاثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة على أساس ليس حجة قاطعة وإنما يمكن استبعاده متى تبث أنه غير صحيح أو غير واضح . إضافة إلى ما سبق يمكن للمحكمة أن تأخذ بالاعتراف المكتوب بأكمله أو تقوم بتجزئته وتأخذ البعض دون الآخر .
رابعا: الاعتراف القضائي. الاعتراف القضائي هو “ذلك الاعتراف الصادر عن المتهم أمام السلطة القضائية، أو أمام قاضي التحقيق، أو أمام القاضي الباحث، أو أمام النيابة العامة أثناء استنطاقه من طرفها” . فهو يعد “سيد الأدلة”. وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصلين 405 و 410 من قانون الالتزامات والعقود، كما نصت عليه المادة 293 من قانون المسطرة الجنائية، ولكي يعتد بالاعتراف القضائي سواء بأكمله أو بجزئه يجب أن يكون صريحا وأن يتعلق بالجريمة ذاتها دون أن يكتنفه الغموض والإبهام، وأن لا ينتزع بوسائل العنف أو الإكراه، وفي جميع الأحوال يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة .
وبناءا عليه، يمكن القول أن المشرع الجنائي المغربي ترك للقاضي حرية إثبات جريمة الشذوذ الجنسي بجميع الوسائل المعمول بها في هذا المجال بهدف تكوين قناعته، ولم يلزمه عند إثباتها بأدلة محددة كما هو الشأن بالنسبة للقاضي الذي ينظر في الجرائم موضوعي الفصلين 483 و 493 أعلاه من القانون الجنائي، واللذين قيدا من حرية القاضي بخصوص الإثبات، ولم يجعلاه يسبح في مجال حريته في الميدان الجنائي طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية.
خلاصة القول
إن الشذوذ الجنسي خروج على الفطرة السوية، وهو أن يعاشر الرجل رجلا آخر، أو أن يعاشر الرجل المرأة في غير الموضع (القبل)، أو أن تعاشر المرأة امرأة أخرى، وهو دروب من الممارسة الجنسية يخرج فيها أصحابها عن سبل الاتصال الجنسي الطبيعي المألوفة، وهي أفعال يعاقب عليها التشريع الجنائي الإسلامي والتشريع الوضعي اللذان يعقبان على كل فعل ماس بالعرض يقع خارج الزواج، وبالتالي لا دور للرضاء في إباحة أفعال الشذوذ الجنسي.
وانتشار ظاهرة الشذوذ في هذا العصر بشكل ملفت للانتباه، يتطلب الوقوف بحزم ضدها، وتنفيذ حكم القانون على مرتكبيها. الشيء الذي يفرض على المشرع المغربي ضرورة إعادة النظر في مضمون الفصل 489 بما يستوعب جل الأفعال الجنسية الشاذة، سواء بين نفس الجنسين أو بين جنسين مختلفين حين الإتيان من غير الموضع، وكذا الأخذ بعين الاعتبار مزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا، والسحاقيات، وذلك للقطع مع قضاء الشارع الساخط على مثل هذه الأفعال ومرتكبيها أو ما يمكن تسميته بالعدالة الموازية.

من الدول التي قامت بتعديل قوانينها التي تجرم الشذوذ الجنسي حتى تتماشى مع رغبات الشواذ في بلادها: القانون البريطاني الذي لم يعد يعتبر منذ سنة 1967 م الشذوذ الجنسي فعلا جرميا ما دام قائما بين اثنين راشدين، بالغين، ومتفقين على ممارسة هذا الفعل. وكذلك فعلت كل من اسكتلندا، وشمال ايرلندا، وكندا، ونيوزيلندا، وأكثر من نصف الولايات المتحدة الأمريكية. هذا وقد تم إقرار زواج الشواذ جنسيا في العديد من بلدان العالم منها فرنسا، اسبانيا، النرويج، هولندا، بلجيكا، كندا، وولاية ماساتشوستس الأمريكية.
مثل التشريع في الجزائر وموريتانيا وليبيا وسوريا ولبنان والسودان واليمن.
عبد الحكيم بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ: “جريمة الشذوذ الجنسي وعقوبتها في الشريعة الإسلامية والقانون”، بحث مقدم استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجيستر في الدالة الجنائية تخصص التشريع الجنائي”، كلية الدراسات العليا، قسم العدالة الجنائية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض-السعودية، سنة 1424 هـ 2003 م، ص 44، 17/12/2016، على الرابط الالكتروني التالي: http://www.nauss.edu.sa/ar/digitallibrary/scientifictheses/documents/master_1424-1425_cj_36.pdf.
عبد الواحد العلمي: “شرح القانون الجنائي المغربي”، القسم الخاص، بدون دار ومكان النشر، الطبعة الثانية 2015-2016، ص 210 و 211.
هيفاء زعيتر: “كيف تتعاطى القوانين العربية مع المثلية الجنسية؟”، 17 دجنبر 2016، على الرابط الالكتروني التالي: http://raseef22.com/life/2016/04/04
سورة الأعراف، الآيتان 80 و 81.
لم ترد لفظة لواط في القرآن الكريم بشكل مباشر، إنما ورد ذكر حكم قوم لوط عليه الصلاة والسلام الذين اجتمعوا على ارتكاب هذه الفاحشة.
خرج المشرع اليمني عن هذه القاعدة عندما نص في المادة 264 من قانون العقوبات على أن: “اللواط هو إتيان الإنسان من دبره، ويعاقب اللائط والملاط به ذكراً كان أم أنثى بالجلد مائة مرة إن كان غير محصن ويجوز تعزيزه بالحبس مدة لا تجاوز سنة ويعاقب بالرجم حتى الموت إن كان محصناً”. ويعاقب الشذوذ الجنسي بين النساء حسب المادة 268 التي تنص على: “السحاق هو إتيان الأنثى للأنثى وتعاقب كل من تساحق غيرها بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات. فإذا وقع الفعل بإكراه، يجوز أن يمتد الحبس إلى 7 سنوات”.
يعاقب القانون الجنائي التونسي في الفصل 230 “مرتكب اللواط أو المساحقة إذا لم يكن داخلاً في أي صورة من الصور المقررة في الفصول المتقدمة بالسجن مدة 3 أعوام”.
ياسين الضميري: “المثلية الجنسية بين الرغبة الشاذة وحصار المجتمع”، 16 دجنبر 2016، على الرابط الالكتروني التالي: http://www.hibapress.com/details-59956.html
عبد الحكيم بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ: “جريمة الشذوذ الجنسي وعقوبتها في الشريعة الإسلامية والقانون”، مرجع سابق، ص 81.
الذهبي ادوارد غالي: “الجرائم الجنسية وإثباتها”، دار النهضة العربية، القاهرة-مصر، الطبعة الثانية 1997، ص 93.
احمد أبو العلاء: “القانون الجنائي العام بين النظري والتطبيقي 1″، مطبعة الخليج العربي، تطوان، الطبعة الثانية 2007، ص 19 و 20.
الفصلين 464 و 468 من قانون العقوبات اليمني، أنظر هامش الصفحة 3 من هذا المقال.
جاء في المادة 148 من قانون العقوبات السوداني على أنه “يعد مرتكباً جريمة اللواط كل رجل أدخل حشفته أو ما يعادلها في دبر امرأة أو رجل آخر أو مكّن رجلاً آخر من إدخال حشفته أو ما يعادله في دبره”. و”من يرتكب جريمة اللواط يعاقب بالجلد 100 جلدة كما تجوز معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز 5 سنوات”. وفي المادة نفسها، جزء: “إذا أدين الجاني للمرة الثانية، يعاقب بالجلد 100 جلدة والسجن مدة لا تجاوز 5 سنوات، وفي الجزء (ج): “إذا أدين الجاني للمرة الثالثة يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد”.
هيفاء زعيتر: “كيف تتعاطى القوانين العربية مع المثلية الجنسية؟”، مرجع سابق.
عبد الحكيم بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ: “جريمة الشذوذ الجنسي وعقوبتها في الشريعة الإسلامية والقانون”، مرجع سابق، ص 36 و 79.
شمس الدين أشرف توفيق: “الحماية الجنائية للحق في حماية العرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي”، رسالة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحقوق القاهرة-مصر، سنة 1995، ص 467-468.
حسني محمود نجيب: “شرح قانون العقوبات القسم الخاص”، دار النهضة العربية، القاهرة-مصر، طبعة 1987، ص 340.
عبد الحكيم بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ: “جريمة الشذوذ الجنسي وعقوبتها في الشريعة الإسلامية والقانون”، مرجع سابق، ص 61.
حسني محمد نجيب: “شرح قانون العقوبات القسم الخاص”، مرجع سابق، ص 50.
أحمد الخمليشي: “شرح القانون الجنائي”، القسم العام، مطبعة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى 1985، ص 201.
أحمد أبو العلاء: “التمرن على الاجتهاد القضائي والتعليق على القرارات القضائية”، مطبعة الخليج العربي، تطوان، المغرب، الطبعة الأولى 2006، ص 120.
أحمد أبو العلاء: “التمرن على الاجتهاد القضائي والتعليق على القرارات القضائية”، مرجع سابق، ص 122.
نصت المادة 293 من ق م ج في الفقرة الأولى والثانية على انه “يخضع الاعتراف كغيره من وسائل الإثبات للسلطة التقديرية للقضاة.
لا يعتد بكل اعتراف ثبت انتزاعه بالعنف أو الإكراه”

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *